الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لاَ تَضْرِبُوا إمَاءَ اللَّهِ قَالَ فَأَتَاهُ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَأْذَنْ فِي ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ كُلُّهُنَّ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ أَطَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ وَلاَ تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِ النِّسَاءِ إذَا ذَئِرْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَبَلَغَنَا: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ بِضَرْبِهِنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَقَالَ اتَّقُوا الْوَجْهَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِضَرْبِهِنَّ إذَا خِيفَ نُشُوزُهُنَّ فَقَالَ: {وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} إلَى: {سَبِيلاً} (قَالَ) وَلَوْ تَرَكَ الضَّرْبَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ} وَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ضَرْبِ الْحَرَائِرِ فَكَيْفَ عَابَ رَجُلٌ أَنْ يُقِيمَ سَيِّدُ الْأَمَةِ عَلَى أَمَتِهِ حَدَّ الزِّنَا وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَفَعَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: {أَنَّ رَجُلاً اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ قَالَ فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ بَيْنَ هَذَيْنِ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلاَنَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُلِدَ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يَبْدُ لَنَا صَفْحَتُهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ هُوَ نَفْسُهُ حُجَّةٌ وَقَدْ رَأَيْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا مَنْ يَعْرِفُهُ وَيَقُولُ بِهِ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَبْلُغْ فِي جَلْدِ الْحَدِّ أَنْ يَنْهَرَ الدَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَلاَ الْعُقُوبَاتِ وَذَلِكَ أَنَّ إنْهَارَ الدَّمِ فِي الضَّرْبِ مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ وَلَيْسَ يُرَادُ بِالْحَدِّ التَّلَفُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ النَّكَالُ أَوْ الْكَفَّارَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {تَجَافَوْا لِذَوِي الْهَيْئَاتِ عَنْ عَثَرَاتِهِمْ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ وَيَقُولُ: {يُجَافَى الرَّجُلُ ذِي الْهَيْئَةِ عَنْ عَثْرَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ حَدًّا} (قَالَ) وَذَوُو الْهَيْئَاتِ الَّذِينَ يُقَالُونَ عَثَرَاتِهِمْ الَّذِينَ لاَ يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ فَيَزِلَّ أَحَدُهُمْ الزَّلَّةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْمُخْتَفِي وَالْمُخْتَفِيَةَ} (قَالَ الرَّبِيعُ) يَعْنِي النَّبَّاشَ وَالنَّبَّاشَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رُوِيَتْ أَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُقُوبَاتِ وَتَوَقِّيَتِهَا تَرَكْنَاهَا لِانْقِطَاعِهَا.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّفْيُ ثَلاَثَةُ وُجُوهٍ: مِنْهَا نَفْيٌ نَصًّا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُحَارِبِينَ: {أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ} وَذَلِكَ النَّفْيُ أَنْ يُطْلَبُوا فَيَمْتَنِعُوا فَمَتَى قُدِرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ حَدُّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَّا أَنْ يَتُوبُوا قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ حَقُّ اللَّهِ وَتَثْبُتُ عَلَيْهِمْ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَالنَّفْيُ فِي السُّنَّةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَفْيُ الْبِكْرِ الزَّانِي يُجْلَدُ مِائَةً وَيُنْفَى سَنَةً وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لاََقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ} ثُمَّ قَضَى بِالنَّفْيِ وَالْجَلْدِ عَلَى الْبِكْرِ وَالنَّفْيِ الثَّانِي أَنَّهُ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً أَنَّهُ نَفَى مُخَنَّثَيْنِ كَانَا بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا هِيتٌ وَلِلْآخَرِ مَاتِعٌ وَيُحْفَظُ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ نَفَاهُ إلَى الْحِمَى وَأَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ حَيَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ وَحَيَاةَ عُمَرَ وَأَنَّهُ شَكَا الضِّيقَ فَأَذِنَ لَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ فِي الْجُمُعَةِ يَوْمًا يَتَسَوَّقُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَقَدْ رَأَيْت أَصْحَابَنَا يَعْرِفُونَ هَذَا وَيَقُولُونَ بِهِ حَتَّى لاَ أَحْفَظَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لاَ يَثْبُتُ كَثُبُوتِ نَفْيِ الزِّنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الرَّجُلِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَالْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ حَتَّى يَبْلُغَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ فَإِذَا بَلَغَ خُيِّرَ أَيُّهُمَا شَاءَ وَعَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهُ مَا أَقَامَ عِنْدَ أُمِّهِ فَإِنْ نَكَحَتْ الْمَرْأَةُ فَالْجَدَّةُ مَكَانَ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ لِلْجَدَّةِ زَوْجٌ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ إذَا تَزَوَّجَتْ لاَ يُقْضَى لَهَا بِالْوَلَدِ قَالَ الرَّبِيعُ إنْ كَانَ زَوْجُ الْجَدَّةِ جَدَّ الْغُلاَمِ كَانَ أَحَقَّ بِالْغُلاَمِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَدِّهِ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهِ.
(قَالَ) وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ قَضَى أَحَدُهُمَا فِي أَمَةٍ غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا غَرَّتْ الْمَرْأَةُ رَجُلاً بِنَفْسِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ كَانَتْ لِمَالِكِهَا وَكَانَ عَلَى الزَّوْجِ الْمَهْرُ بِالْإِصَابَةِ مِلْكًا لِلْمَالِكِ وَكَانَ أَوْلاَدُهُ أَحْرَارًا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ وُلِدُوا لاَ يَوْمَ يُؤْخَذُونَ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِمْ الرِّقُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: {أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدْت رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ قُتِلَ مِمَّنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِمَا يُوجِبُ قَتْلُهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَلَوْ صَدَقَ النَّاسُ بِهَذَا أَدْخَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مَنْزِلَهُ فَقَتَلَهُ ثُمَّ قَالَ وَجَدْتُهُ يَزْنِي بِامْرَأَتِي (قَالَ) وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لاَ يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إلَّا مِنْ إحْدَى ثَلاَثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ} وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ} وَلاَ يَعْدُو الْكَافِرُ بَعْدَ إيمَانِ الْمُبَدِّلِ دِينَهُ بِالْكُفْرِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ الْكُفْرِ وَالتَّبْدِيلِ تُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَإِنْ تَابَ كَمَا يُوجَبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ مِنْ الزِّنَا وَإِنْ تَابَ أَوْ يَكُونَ مَعْنَاهُمَا مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ أَوْ كَفَرَ بَعْدَ إيمَانٍ فَأَقَامَ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّبْدِيلِ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَأَظْهَرَ دِينًا مَعْرُوفًا أَوْ دِينًا غَيْرَ مَعْرُوفٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هُوَ إذًا رَجَعَ عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ تَرَكَ الصَّلِيبَ وَالْكَنِيسَةَ فَقَدْ يَقْدِرُ عَلَى الْمُقَامِ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ مُسْتَخْفِيًا وَلاَ يَعْلَمُ صِحَّةَ رُجُوعِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَسَوَاءٌ رَجَعَ إلَى دِينٍ يُظْهِرُهُ أَوْ دِينٍ لاَ يُظْهِرُهُ وَقَدْ كَانَ الْمُنَافِقُونَ مُقِيمِينَ عَلَى إظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالِاسْتِسْرَارِ بِالْكُفْرِ فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَتَوَلَّى حِسَابَهُمْ عَلَى سَرَائِرِهِمْ وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى الْعِبَادِ أَنْ يَحْكُمُوا إلَّا عَلَى الظَّاهِرِ وَأَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُنَاكَحَةِ وَالْمُوَارَثَةِ وَأَسْهَمَ لَهُمْ سَهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ إذَا حَضَرُوا الْحَرْبَ. حَدُّ السَّرِقَةِ وَالْقَاطِعِ فِيهَا وَحَدُّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَحَدُّ الزَّانِي
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْعُمَرِيُّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا} قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَرَادَ اللَّهُ قَطْعَهُ مِنْ السُّرَّاقِ الْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَغْلُوبِينَ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي بَابٍ غَيْرِ هَذَا وَدَلَّتْ عَلَى مَنْ أَرَادَ قَطْعَهُ فَكَانَ مَنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ; لِأَنَّ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ رُبُعُ دِينَارٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ أُتْرُجَّةً فِي عَهْدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ فَقُوِّمَتْ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَقَطَعَ يَدَهُ قَالَ مَالِكٌ هِيَ الْأُتْرُجَّةُ الَّتِي يَأْكُلُهَا النَّاسُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَحَدِيثُ عُثْمَانَ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ اثْنَا عَشَرَ بِدِينَارٍ, وَكَذَلِكَ أَقَامَ عُمَرُ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَيَدُلُّ حَدِيثُ عُثْمَانَ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ فِي الثَّمَرِ الرَّطْبِ صَلَحَ بِيَبَسٍ أَوْ لَمْ يَصْلُحْ; لِأَنَّ الْأُتْرُجَّ لاَ يَيْبَسُ فَكُلُّ مَا لَهُ ثَمَنٌ هَكَذَا يُقْطَعُ فِيهِ إذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ مُصْحَفًا كَانَ أَوْ سَيْفًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يَحِلُّ ثَمَنُهُ فَإِنْ سَرَقَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَمْ يُقْطَعْ; لِأَنَّ هَذَا حَرَامُ الثَّمَنِ وَلاَ يُقْطَعُ فِي ثَمَنِ الطُّنْبُورِ وَلاَ الْمِزْمَارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ سَمِعَ قَتَادَةَ يَسْأَلُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْقَطْعِ فَقَالَ أَنَسٌ حَضَرْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَطَعَ سَارِقًا فِي شَيْءٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّهُ لِي بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَإِذَا أَخَذَ سَارِقٌ قُوِّمَتْ سَرِقَتُهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي سَرَقَهَا فِيهِ فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ رُبُعِ دِينَارٍ لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ حُبِسَ لِتَثْبُتَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَكَانَتْ يَوْمَ سَرَقَهَا لاَ تَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ فَلَمْ تَصِحَّ الْبَيِّنَةُ حَتَّى صَارَتْ تَسْوَى رُبُعًا لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ قُوِّمَتْ يَوْمَ سَرَقَهَا بِرُبُعِ دِينَارٍ فَحُبِسَ لِتَصِحَّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَرَخُصَتْ حَتَّى صَارَتْ لاَ تَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ; لِأَنَّ الْقِيمَةَ يَوْمَ سَرَقَ وَلاَ يُلْتَفَتُ إلَى مَا بَعْدَ سَرِقَتِهِ مِنْ غَلاَءِ السِّلْعَةِ وَرُخْصِهَا وَمَا سَرَقَ مِنْ طَعَامٍ رَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَحُوزُهُ النَّاسُ فِي مِلْكِهِمْ يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَالْأَصْلُ رُبُعُ دِينَارٍ فَلَوْ غَلَتْ الدَّرَاهِمُ حَتَّى يَكُونَ دِرْهَمَانِ بِدِينَارٍ قُطِعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَلَوْ رَخُصَتْ حَتَّى يَصِيرَ الدِّينَارُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ قُطِعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَإِنَّمَا الدَّرَاهِمُ سِلْعَةٌ كَالثِّيَابِ وَالنَّعَمِ وَغَيْرِهَا فَلَوْ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ أَوْ مَا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ أَوْ مَا يَسْوَى عَشْرَ شِيَاهٍ كَانَ يُقْطَعُ فِي الرُّبْعِ وَقِيمَتُهُ عَشْرُ شِيَاهٍ وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ مَا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ وَذَلِكَ رُبُعُ شَاةٍ كَانَ إنَّمَا يُقْطَعُ فِي رُبُعِ الدِّينَارِ وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ الدِّينَارَ فَالدَّرَاهِمُ عَرَضٌ مِنْ الْعُرُوضِ لاَ يُنْظَرُ إلَى رُخْصِهَا وَلاَ إلَى غَلاَئِهَا وَالدِّينَارُ الَّذِي يُقْطَعُ فِي رُبُعِهِ الْمِثْقَالُ فَلَوْ كَانَ يَجُوزُ بِبَلَدٍ أَنْقَصَ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يَكُونَ سَرَقَ مَا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ مِثْقَالاً; لِأَنَّهُ الْوَزْنُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يُقْطَعُ حَتَّى يَكُونَ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ وَيَكُونَ بَالِغًا يَعْقِلُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ: {ابْنِ عُمَرَ قَالَ عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَرَدَّنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي} قَالَ نَافِعٌ فَحَدَّثْت بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ عُمَرُ هَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَالْمُقَاتِلَةِ ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي الْمُقَاتِلَةِ وَلِابْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي الذُّرِّيَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ بِهَذَا الْقَوْلِ نَأْخُذُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} الآيَةَ. فَمَنْ بَلَغَ النِّكَاحَ مِنْ الرِّجَالِ وَذَلِكَ الِاحْتِلاَمُ وَالْحَيْضُ مِنْ النِّسَاءِ خَرَجَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ كُلُّهَا, وَمَنْ أَبْطَأَ ذَلِكَ عَنْهُ وَاسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ كُلُّهَا, السَّرِقَةُ وَغَيْرُهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: {أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قِيلَ لَهُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ فَقَدِمَ صَفْوَانُ الْمَدِينَةَ فَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَجَاءَ سَارِقٌ وَأَخَذَ رِدَاءَهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ فَجَاءَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فَقَالَ صَفْوَانُ إنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟} وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ فِي ثَمَرٍ وَلاَ كَثَرٍ} أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ فَفِيهِ الْقَطْعُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَانْظُرْ أَبَدًا إلَى الْحَالِ الَّتِي يَسْرِقُ فِيهَا السَّارِقُ فَإِذَا سَرَقَ السَّرِقَةَ فَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حِرْزِهَا فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ فَإِنْ وُهِبَتْ السَّرِقَةُ لِلسَّارِقِ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ مَلَكَهَا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ قُطِعَ; لِأَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ الَّتِي سَرَقَ فِيهَا, وَالْحَالُ الَّتِي سَرَقَ فِيهَا هُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لِلسِّلْعَةِ وَأَنْظُرُ إلَى الْمَسْرُوقِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سُرِقَ فِيهِ تَنْسِبُهُ الْعَامَّةُ إلَى أَنَّهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مُحْرَزٌ فَأَقْطَعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَامَّةُ لاَ تَنْسُبهُ إلَى أَنَّهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مُحْرَزٌ فَلاَ يُقْطَعُ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَرِدَاءُ صَفْوَانَ كَانَ مُحْرَزًا بِاضْطِجَاعِهِ عَلَيْهِ فَمِثْلُهُ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُبَاحٍ فَاضْطَجَعَ عَلَى ثَوْبِهِ فَاضْطِجَاعُهُ حِرْزٌ لَهُ كَانَ فِي صَحْرَاءَ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِهِ; لِأَنَّهُ هَكَذَا يُحْرَزُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَانْظُرْ إلَى مَتَاعِ السُّوقِ فَإِذَا ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِي مَوْضِعٍ بِيَاعَاتِهِ وَرُبِطَ بِحَبْلٍ أَوْ جُعِلَ الطَّعَامُ فِي خَيْشٍ وَخِيطَ عَلَيْهِ فَسُرِقَ أَيْ هَذَا أُحْرِزَ بِهِ فَأَقْطَعُ فِيهِ; لِأَنَّ النَّاسَ مَعَ شُحِّهِمْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ هَكَذَا يُحْرِزُونَهُ وَأَيُّ إبِلِ الرَّجُلِ كَانَتْ تَسِيرُ وَهُوَ يَقُودُهَا فَقَطَرَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَسَرَقَ مِنْهَا أَوْ مِمَّا عَلَيْهَا شَيْئًا قُطِعَ فِيهِ, وَكَذَلِكَ إنْ جَمَعَهَا فِي صَحْرَاءَ أَوْ أَنَاخَهَا وَكَانَتْ بِحَيْثُ يَنْظُرُ إلَيْهَا قُطِعَ فِيهَا, وَكَذَلِكَ الْغَنَمُ إذَا آوَاهَا إلَى الْمُرَاحِ فَضَمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَاضْطَجَعَ حَيْثُ يَنْظُرُ إلَيْهَا فَسُرِقَ مِنْهَا شَيْءٌ قُطِعَ فِيهِ; لِأَنَّهُ هَكَذَا إحْرَازُهَا, وَكَذَلِكَ لَوْ نَزَلَ فِي صَحْرَاءَ فَضَرَبَ فُسْطَاطًا وَآوَى فِيهِ مَتَاعَهُ وَاضْطَجَعَ فِيهِ فَإِنْ سُرِقَ الْفُسْطَاطُ وَالْمَتَاعُ مِنْ جَوْفِ الْفُسْطَاطِ فَأَقْطَعُ فِيهِ; لِأَنَّ اضْطِجَاعَهُ فِيهِ حِرْزٌ لِلْمَتَاعِ وَالْفُسْطَاطِ إلَّا أَنَّ الْأَحْرَازَ تَخْتَلِفُ فَيُحْرَزُ بِكُلِّ مَا يَكُونُ الْعَامَّةُ تُحْرِزُ بِمِثْلِهِ وَالْحَوَائِطُ لَيْسَتْ بِحِرْزٍ لِلنَّخْلِ وَلاَ لِلثَّمَرَةِ; لِأَنَّ أَكْثَرَهَا مُبَاحٌ يَدْخُلُ مِنْ جَوَانِبِهِ فَمَنْ سَرَقَ مِنْ حَائِطٍ شَيْئًا مِنْ ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ لَمْ يُقْطَعْ فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ قُطِعَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْجَرِينَ حِرْزٌ وَأَنَّ الْحَائِطَ غَيْرُ حِرْزٍ فَلَوْ اضْطَجَعَ مُضْطَجِعٌ فِي صَحْرَاءَ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ تَرَكَ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ مَتَاعَهُمْ فِي مَقَاعِدَ لَيْسَ عَلَيْهَا حِرْزٌ وَلَمْ يُضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَلَمْ تُرْبَطْ أَوْ أَلْقَى أَهْلُ الْأَسْوَاقِ مَا يُجْعَلُ مِثْلُهَا فِي السُّوقِ بِسَبَبٍ كَالْحَبَّاسِ الْكِبَارِ وَلَمْ يَضُمُّوهَا وَلَمْ يَحْزِمُوهَا أَوْ أَرْسَلَ رَجُلٌ إبِلَهُ تَرْعَى أَوْ تَمْضِي عَلَى الطَّرِيقِ لَيْسَتْ مَقْطُورَةً أَوْ أَنَاخَهَا بِصَحْرَاءَ وَلَمْ يَضْطَجِعْ عِنْدَهَا أَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطًا لَمْ يَضْطَجِعْ فِيهِ فَسُرِقَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ لَمْ يُقْطَعْ; لِأَنَّ الْعَامَّةَ لاَ تَرَى هَذَا حِرْزًا وَالْبُيُوتُ الْمُغْلَقَةُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا فَإِنْ سَرَقَ سَارِقٌ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ فَتَحَ الْغَلْقَ أَوْ نَقَبَ الْبَيْتَ أَوْ قَلَعَ الْبَابَ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ مِنْ حِرْزِهِ قَطَعَ وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مَفْتُوحًا فَدَخَلَ فَسَرَقَ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَابِ الْمَفْتُوحِ حُجْرَةٌ مُغْلَقَةٌ أَوْ دَارٌ مُغْلَقَةٌ فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ وَقَدْ قِيلَ إنْ كَانَتْ دُونَهُ حُجْرَةٌ أَوْ دَارٌ فَهَذَا حِرْزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُغْلَقًا, وَكَذَلِكَ بُيُوتُ السُّوقِ مَا كَانَتْ مَفْتُوحَةً فَدَخَلَهَا دَاخِلٌ فَسَرَقَ مِنْهَا لَمْ يَقْطَعْ وَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا وَهَذِهِ خِيَانَةٌ; لِأَنَّ مَا فِي الْبُيُوتِ لاَ يُحْرِزُهَا قُعُودٌ عَنْهَا (قَالَ الرَّبِيعُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ بَصَرُهُ يُحِيطُ بِهَا كُلِّهَا أَوْ يَكُونَ يَحْرُسُهَا فَأَغْفَلَهُ فَأَخَذَ مِنْهَا مَا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ بَيْتٌ عَلَيْهِ حُجْرَةٌ ثُمَّ دَارٌ فَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ مِنْ الْبَيْتِ وَالْحُجْرَةُ إلَى الدَّارِ وَالدَّارُ لِلْمَسْرُوقِ وَحْدَهُ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا فَلاَ يُقْطَعُ حَتَّى يُخْرِجَ السَّرِقَةَ مِنْ جَمِيعِ الْحِرْزِ وَلَكِنْ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً وَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ مِنْ الْبَيْتِ وَالْحُجْرَةِ إلَى الدَّارِ قُطِعَ; لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَةَ لَيْسَتْ بِحِرْزٍ لِوَاحِدٍ مِنْ السُّكَّانِ دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ نَقَبَ رَجُلٌ الْبَيْتَ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ مِنْ النَّقْبِ كُلِّهِ قُطِعَ وَلَوْ وَضَعَهُ فِي بَعْضِ النَّقْبِ ثُمَّ أَخَذَهُ رَجُلٌ مِنْ خَارِجٍ لَمْ يُقْطَعْ; لِأَنَّ الدَّاخِلَ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ جَمِيعِ حِرْزِهِ وَلاَ الْخَارِجِ (قَالَ) وَإِخْرَاجُ الدَّاخِلِ إيَّاهُ مِنْ النَّقْبِ وَغَيْرِهِ إذَا صَيَّرَهُ فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهِ وَرَمْيُهُ بِهِ إلَى الْفَجِّ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ نَفَرًا حَمَلُوا مَتَاعًا مِنْ بَيْتٍ وَالْمَتَاعُ الَّذِي حَمَلُوهُ مَعًا فَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً فَبَلَغَ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ دِينَارٍ قُطِعُوا وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعُوا وَلَوْ حَمَلُوهُ مُتَفَرِّقًا فَمَنْ أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ, وَمَنْ أَخْرَجَ مَا لاَ يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ لَمْ يُقْطَعْ, وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ سَارِقٌ ثَوْبًا فَشَقَّهُ أَوْ حُلِيًّا فَكَسَرَهُ أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا فِي حِرْزِهَا, ثُمَّ أَخْرَجَ مَا سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ قَوْمٌ مَا أَخْرَجَ مَا أَخْرَجَهُ الثَّوْبُ مَشْقُوقٌ وَالْحُلِيُّ مَكْسُورٌ وَالشَّاةُ مَذْبُوحَةٌ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَلاَ يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ فِي الْبَيْتِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي أَخْرَجَهُ بِهِ فِيهَا مِنْ الْحِرْزِ فَإِنْ كَانَ يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَإِنْ لَمْ يَسْوِ رُبُعَ دِينَارٍ فِي الْحَالِ الَّتِي أَخْرَجَهُ بِهَا لَمْ يُقْطَعْ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يَشُقَّهُ إنْ كَانَ أَتْلَفَهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَرَدُّ مَا نَقَصَهُ الْخَرْقُ وَلَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ الْبَيْتَ وَنَقَبُوهُ مَعًا ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ السَّرِقَةَ وَلَمْ يُخْرِجْهَا دُونَ الَّذِي لَمْ يُخْرِجْهَا, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَوَقَفَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْبَابِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَحْمِيهِمْ فَمَنْ أَخَذَ الْمَتَاعَ مِنْهُمْ قُطِعَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَتَاعَ مِنْ جَوْفِ الْبَيْتِ وَلَمْ يُقْطَعْ مَنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ جَوْفِ الْبَيْتِ فَعَلَى هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ. وَمَنْ سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ أَعْجَمِيًّا مِنْ حِرْزٍ قُطِعَ, وَمَنْ سَرَقَ مَنْ يَعْقِلُ أَوْ يَمْتَنِعُ لَمْ يُقْطَعْ وَهَذِهِ خَدِيعَةٌ وَإِنْ سَرَقَ الصَّغِيرُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ لَمْ يُقْطَعْ وَيُقْطَعُ النَّبَّاشُ إذَا أَخْرَجَ الْكَفَنَ مِنْ جَمِيعِ الْقَبْرِ; لِأَنَّ هَذَا حِرْزُ مِثْلِهِ. وَإِنْ أَخَذَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ جَمِيعِ الْقَبْرِ لَمْ يُقْطَعْ مَا دَامَ لَمْ يُفَارِقْ جَمِيعَ حِرْزِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْت عَائِشَةُ إلَى مَكَّةَ وَمَعَهَا مولاتان لَهَا وَغُلاَمٌ لِبَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَبَعَثْت مَعَ المولاتين بِبُرْدِ مَرَاجِلَ قَدْ خِيطَ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ خَضْرَاءُ قَالَتْ فَأَخَذَ الْغُلاَمُ الْبُرْدَ فَفَتَقَ عَنْهُ فَاسْتَخْرَجَهُ وَجَعَلَ مَكَانَهُ لِبْدًا أَوْ فَرْوَةً وَخَاطَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَتْ المولاتان الْمَدِينَةَ دَفَعَتَا ذَلِكَ إلَى أَهْلِهِ فَلَمَّا فَتَقُوا عَنْهُ وَجَدُوا فِيهِ اللِّبْدَ وَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ الْبُرْدَ فَكَلَّمُوا المولاتين فَكَلَّمَتَا عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَتَبَتَا إلَيْهَا وَاتَّهَمَتَا الْعَبْدَ فَسُئِلَ الْعَبْدُ عَنْ ذَلِكَ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا عِنْدَنَا كَانَ مُحْرَزًا مَعَ المولاتين فَسُرِقَ مِنْ حِرْزِهِ وَبِهَذَا فَأُخِذَ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا يَضُرُّهُ فِي بَدَنِهِ وَإِنْ نَقَصَ بِذَلِكَ ثَمَنُهُ وَنَقْطَعُ الْعَبْدَ; لِأَنَّهُ سَرَقَ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَطْعِ السَّارِقِ وَنَقْطَعُهُ وَإِنْ كَانَ آبِقًا وَلاَ تَزِيدُهُ مَعْصِيَةُ اللَّهِ بِالْإِبَاقِ خَيْرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا سَرَقَ لِابْنِ عُمَرَ وَهُوَ آبِقٌ, فَأَرْسَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ لِيَقْطَعَ يَدَهُ فَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَقَالَ لاَ تُقْطَعُ يَدُ الْآبِقِ إذَا سَرَقَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدْت هَذَا؟ فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا آبِقًا قَدْ سَرَقَ فَكَتَبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنِّي كُنْت أَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إذَا سَرَقَ لَمْ يُقْطَعْ فَكَتَبَ عُمَرُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فَإِنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ فَاقْطَعْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَشَكَا إلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ ظَلَمَهُ فَكَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبِيكَ مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ ثُمَّ إنَّهُمْ افْتَقَدُوا حُلِيًّا لِأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ مَعَهُمْ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ زَعَمَ أَنَّ الْأَقْطَعَ جَاءَ بِهِ فَاعْتَرَفَ بِهِ الْأَقْطَعُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاَللَّهِ لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عِنْدِي مِنْ سَرِقَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَبِهَذَا نَأْخُذُ فَإِذَا سَرَقَ السَّارِقُ أَوَّلاً قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ فَإِذَا سَرَقَ الثَّانِيَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ الْمَفْصِلِ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ ثُمَّ إذَا سَرَقَ الثَّالِثَةَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مِنْ مِفْصَلِ الْكَفِّ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ فَإِذَا سَرَقَ الرَّابِعَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مِنْ الْمِفْصَلِ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ فَإِذَا سَرَقَ الْخَامِسَةَ حُبِسَ وَعُزِّرَ وَيُعَزَّرُ كُلُّ مَنْ سَرَقَ إذَا كَانَ سَارِقًا, مَنْ جَنَى يَدْرَأُ فِيهِ الْقَطْعَ فَإِذَا دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ عُزِّرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُقْطَعُ مَا يُقْطَعُ بِهِ مِنْ خِفَّةِ الْمُؤْنَةِ عَلَيْهِ وَأَقَرَّ بِهِ مِنْ السَّلاَمَةِ وَكَانَ الَّذِي أَعْرَفُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَجْلِسَ وَيُضْبَطَ ثُمَّ تُمَدُّ يَدُهُ بِخَيْطٍ حَتَّى يَبِينَ مِفْصَلُهَا ثُمَّ يُقْطَعَ بِحَدِيدَةٍ حَدِيدَةٍ ثُمَّ يُحْسَمَ وَإِنْ وُجِدَ أَرْفَقَ وَأَمْكَنَ مِنْ هَذَا قُطِعَ بِهِ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ إقَامَةُ الْحَدِّ لاَ التَّلَفُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ يُقْطَعُ السَّارِقُ وَلاَ يُقَامُ حَدٌّ دُونَ الْقَتْلِ عَلَى امْرَأَةٍ حُبْلَى وَلاَ مَرِيضٍ دَنِفٍ وَلاَ بَيِّنِ الْمَرَضِ وَلاَ فِي يَوْمٍ مُفْرِطِ الْبَرْدِ وَلاَ الْحَرِّ وَلاَ فِي أَسْبَابِ التَّلَفِ وَمِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ الَّتِي يُتْرَكُ إقَامَةُ الْحُدُودِ فِيهَا إلَى الْبُرْءِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُ السَّارِقِ فَلاَ يَبْرَأُ حَتَّى يَسْرِقَ فَيُؤَخَّرَ حَتَّى تَبْرَأَ يَدُهُ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْلَدَ الرَّجُلُ فَلاَ يَبْرَأَ جَلْدُهُ حَتَّى يُصِيبَ حَدًّا فَيُتْرَكَ حَتَّى يَبْرَأَ جَلْدُهُ, وَكَذَلِكَ كُلُّ قُرْحٍ أَوْ مَرَضٍ أَصَابَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيَّ جَاءَ بِغُلاَمٍ لَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ اقْطَعْ يَدَ هَذَا فَإِنَّهُ سَرَقَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ " مَاذَا سَرَقَ قَالَ " سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا فَقَالَ عُمَرُ أَرْسِلْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ, خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وَالْعَبْدُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ مِمَّا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُؤْتَمَنْ أَحَقُّ أَنْ لاَ يُقْطَعَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَالَهُ أَخَذَ بَعْضُهُ بَعْضًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قَالَ صَاحِبُنَا إذَا سَرَقَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ سَرَقَ غُلاَمُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ غُلاَمُهَا مِنْهُ وَهُوَ يَخْدُمُهُمَا لَمْ يُقْطَعْ; لِأَنَّ هَذِهِ خِيَانَةٌ فَإِذَا سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ هِيَ مِنْهُ مِنْ بَيْتٍ مُحْرَزٍ فِيهِ لاَ يَسْكُنَانِهِ مَعًا أَوْ سَرَقَ عَبْدُهَا مِنْهُ أَوْ عَبْدُهُ مِنْهَا وَلَيْسَ بِاَلَّذِي يَلِي خِدْمَتَهُمَا قُطِعَ أَيْ هَؤُلاَءِ سَرَقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبٌ وَأَرَاهُ يَقُولُ إنَّ قَوْلَ عُمَرَ خَادِمُكُمْ وَمَتَاعُكُمْ أَيْ الَّذِي يَلِي خِدْمَتَكُمْ وَلَكِنَّ قَوْلَ عُمَرَ خَادِمُكُمْ يَحْتَمِلُ عَبْدُكُمْ فَأَرَى - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - عَلَى الِاحْتِيَاطِ أَنْ لاَ يُقْطَعَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَلاَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا وَلاَ عَبْدٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَرَقَ مِنْ مَتَاعِ الْآخَرِ شَيْئًا لِلْأَثَرِ وَالشُّبْهَةِ فِيهِ (قَالَ): وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَسْرِقُ مَتَاعَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَجْدَادِهِ مِنْ قِبَلِهِمَا أَوْ مَتَاعِ وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ لاَ يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَإِذَا كَانَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ذَوُو رَحِمٍ أَوْ غَيْرِ ذَوِي رَحِمٍ فَسَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ لَمْ يُقْطَعْ; لِأَنَّهَا خِيَانَةٌ وَكَذَلِكَ أُجَرَاؤُهُمْ مَعَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَمَنْ يَخْدُمُهُمْ بِلاَ أَجْرٍ; لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ جِهَةِ الْخِيَانَةِ, وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَعَارَ مَتَاعًا فَجَحَدَهُ أَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَجَحَدَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا قَطْعٌ وَإِنَّمَا الْقَطْعُ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ مَتَاعًا مِنْ حِرْزٍ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ وَهَذَا وَجْهُ قَطْعِ السَّرِقَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْخِلْسَةُ لَيْسَتْ كَالسَّرِقَةِ فَلاَ قَطْعَ فِيهَا; لِأَنَّهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ حِرْزٍ وَلَيْسَتْ بِقَطْعٍ لِلطَّرِيقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أُتِيَ بِإِنْسَانٍ قَدْ اخْتَلَسَ مَتَاعًا فَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ فَأَرْسَلَ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ زَيْدٌ لَيْسَ فِي الْخِلْسَةِ قَطْعٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَسْكَنَ رَجُلٌ رَجُلاً فِي بَيْتٍ أَوْ أَكْرَاهُ إيَّاهُ فَكَانَ يُغْلِقُهُ دُونَهُ ثُمَّ سَرَقَ رَبُّ الْبَيْتِ مِنْهُ قُطِعَ وَهُوَ مِثْلُ الْغَرِيبِ يَسْرِقُ مِنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا وُجِدَتْ السَّرِقَةُ فِي يَدِ السَّارِقِ قَبْلَ يُقْطَعَ رُدَّتْ إلَى صَاحِبِهَا وَقُطِعَ وَإِنْ كَانَ أَحْدَثَ فِي السَّرِقَةِ شَيْئًا يُنْقِصُهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَمَا نَقَصَهَا ضَامِنٌ عَلَيْهِ يُتْبَعُ بِهِ وَإِنْ أَتْلَفَ السِّلْعَةَ قُطِعَ أَيْضًا وَكَانَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ سَرَقَهَا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا إذَا فَاتَتْ. وَكَذَلِكَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَكُلُّ مَنْ أَتْلَفَ لِإِنْسَانٍ شَيْئًا مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ أَوْ لاَ يَقْطَعُ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَيَضْمَنُهُ مَنْ أَتْلَفَهُ وَالْقَطْعُ لِلَّهِ لاَ يُسْقِطُ غُرْمُهُ مَا أَتْلَفَ لِلنَّاسِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ, قُتِلُوا وَصُلِبُوا وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ, قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا, قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ وَإِذَا هَرَبُوا طُلِبُوا حَتَّى يُوجَدُوا فَتُقَامَ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالاً نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَقُولُ وَهُوَ مُوَافِقٌ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَنْ أَسْلَمَ فَأَمَّا أَهْلُ الشِّرْكِ فَلاَ حُدُودَ فِيهِمْ إلَّا الْقَتْلُ أَوْ السِّبَاءُ وَالْجِزْيَةُ وَاخْتِلاَفُ حُدُودِهِمْ بِاخْتِلاَفِ أَفْعَالِهِمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} فَمَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ عَنْهُ وَأُخِذَ بِحُقُوقِ بَنِي آدَمَ. وَلاَ يُقْطَعُ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إلَّا مَنْ أَخَذَ قِيمَةَ رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ فِي السَّارِقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَالْمُحَارِبُونَ الَّذِينَ هَذِهِ حُدُودُهُمْ الْقَوْمُ يَعْرِضُونَ بِالسِّلاَحِ لِلْقَوْمِ حَتَّى يَغْصِبُوهُمْ مُجَاهَرَةً فِي الصَّحَارِيِ وَالطُّرُقِ (قَالَ) وَأَرَى ذَلِكَ فِي دِيَارِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَفِي الْقُرَى سَوَاءٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَعْظَمَ ذَنْبًا فَحُدُودُهُمْ وَاحِدَةٌ فَإِذَا عَرَضَ اللُّصُوصُ لِجَمَاعَةٍ أَوْ وَاحِدٍ مُكَابَرَةً بِسِلاَحٍ فَاخْتَلَفَ أَفْعَالُ الْعَارِضِينَ فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ مَالاً وَلَمْ يَقْتُلْ وَمِنْهُمْ مَنْ كَثَّرَ الْجَمَاعَةَ وَهَيَّبَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ رِدْءًا لِلُّصُوصِ يَتَقَوَّوْنَ بِمَكَانِهِ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ بِاخْتِلاَفِ أَفْعَالِهِمْ عَلَى مَا وَصَفْت. وَيَنْظُرُ إلَى مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ مَالاً فَيَقْتُلُهُ وَيَصْلُبُهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْدَأَ بِقَتْلِهِ قَبْلَ صَلْبِهِ; لِأَنَّ فِي صَلْبِهِ وَقَتْلِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ تَعْذِيبًا لَهُ يُشْبِهُ الْمُثْلَةَ وَقَدْ قَالَ غَيْرِي: يُصْلَبُ ثُمَّ يُطْعَنُ فَيُقْتَلُ. وَإِذَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً قُتِلَ وَدُفِعَ إلَى أَوْلِيَائِهِ فَيَدْفِنُوهُ أَوْ يَدْفِنُهُ غَيْرُهُمْ, وَمَنْ أَخَذَ مَالاً وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ حُسِمَتْ ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ حُسِمَتْ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَخُلِّيَ, وَمَنْ حَضَرَ وَكَثَّرَ وَهَيَّبَ أَوْ كَانَ رِدْءًا يَدْفَعُ عَنْهُمْ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَسَوَاءٌ افْتَرَقَتْ أَفْعَالُهُمْ كَمَا وَصَفْت فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ أَوْ كَانَتْ جَمَاعَةٌ كَابَرَتْ فَفَعَلَتْ فِعْلاً وَاحِدًا مَثَلاً: قَتْلٍ وَحْدَهُ أَوْ قَتْلٍ وَأَخْذِ مَالٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ بِلاَ قَتْلٍ حُدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدَّ مِثْلِهِ بِقَدْرِ فِعْلِهِ وَلَوْ هِيبُوا وَلَمْ يَبْلُغُوا قَتْلاً وَلاَ أَخْذَ مَالٍ عُزِّرُوا وَلَوْ هِيبُوا وَجَرَحُوا أَقَصَّ مِنْهُمْ بِمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَعُزِّرُوا وَحُبِسُوا وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ قَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلاً وَجَرَحَ آخَرَ أَقُصُّ صَاحِبَ الْجُرْحِ مِنْهُ ثُمَّ قُتِلَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَخَذَ الْمَالَ وَجَرَحَ أَقُصُّ صَاحِبَ الْجُرْحِ ثُمَّ قُطِعَ لاَ تَمْنَعُ حُقُوقُ اللَّهِ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ فِي الْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ كَانَتْ الْجِرَاحُ مِمَّا لاَ قِصَاصَ فِيهِ وَهِيَ عَمْدٌ فَأَرْشُهَا كُلُّهَا فِي مَالِ الْجَارِحِ يُؤْخَذُ دَيْنًا مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ فَأَرَادَ أَهْلُ الْجِرَاحِ عَفْوَ الْجِرَاحِ فَذَلِكَ لَهُمْ. وَإِنْ أَرَادَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ عَفْوَ دِمَاءِ مَنْ قَتَلُوا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَحْقِنُ دِمَاءَ مَنْ عَفَوْا عَنْهُ وَكَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إذَا بَلَغَتْ جِنَايَتُهُمْ الْقَتْلَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَأَحْفَظُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَنَا أَنَّهُ قَالَ: يُقْتَلُونَ وَإِنْ قَتَلُوا عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا عَلَى مَالٍ يَأْخُذُونَهُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ الْغِيلَةِ (قَالَ) وَلِقَوْلِهِ هَذَا وَجْهٌ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ الْقَتْلَ وَالصَّلْبَ فِيمَنْ حَارَبَ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إذَا نِيلَ هَذَا مِنْ عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مِنْ الْمُحَارَبَةِ أَوْ الْفَسَادِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا إذَا فَعَلُوا مَا فِي مِثْلِهِ الْقِصَاصُ. وَإِنْ كُنْت أَرَاهُ قَدْ خَالَفَ سَبِيلَ الْقِصَاصِ فِي غَيْرِهِ; لِأَنَّ دَمَ الْقَاتِلِ فِيهِ لاَ يُحْقَنُ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ عَنْهُ وَلاَ يُصْلِحُهُ. لَوْ صَالَحَ فِيهِ كَانَ الصُّلْحُ مَرْدُودًا وَفِعْلُ الْمُصَالِحِ; لِأَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ يَلْزَمُ فَيُتْبَعُ وَلاَ إجْمَاعٌ أَتَّبِعُهُ وَلاَ قِيَاسٌ بِتَفَرُّقٍ فَيَصِحُّ وَإِنَّمَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلاَ يُقَامُ عَلَى سَارِقٍ وَلاَ مُحَارِبٍ حَدٌّ إلَّا بِوَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ: إمَّا شَاهِدَانِ عَدْلاَنِ يَشْهَدَانِ عَلَيْهِ بِمَا فِي مِثْلِهِ الْحَدُّ, وَإِمَّا بِاعْتِرَافٍ يَثْبُتُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ, وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ الشَّاهِدَيْنِ فِي السَّرِقَةِ حَتَّى يَقُولاَ سَرَقَ فُلاَنٌ " وَيُثْبِتَاهُ بِعَيْنِهِ, وَإِنْ لَمْ يُثْبِتَاهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ " مَتَاعًا لِهَذَا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ وَحَضَرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ يَدَّعِي مَا قَالَ الشَّاهِدَانِ فَإِنْ كَذَّبَ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يُقْطَعْ السَّارِقُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ حَبَسَ السَّارِقَ حَتَّى يَحْضُرَ فَيَدَّعِيَ أَوْ يُكَذِّبَ الشَّاهِدَيْنِ. وَإِذَا ادَّعَى مَرَّةً كَفَاهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ بَعْدَهَا. فَإِذَا لَمْ يَعْرِفَا الْقِيمَةَ شَهِدَا عَلَى الْمَتَاعِ بِعَيْنِهِ أَوْ صِفَةٍ يُثْبِتَانِهَا أَنَّهَا أَكْثَرُ ثَمَنًا مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَيَقُولاَنِ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ وَيَصِفَانِ الْحِرْزَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُمَا غَيْرُ صِفَتِهِ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُمَا حِرْزًا. وَلَيْسَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِحِرْزٍ فَإِذَا اجْتَمَعَ هَذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ, وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ الشَّاهِدَانِ عَلَى قُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِأَعْيَانِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوا أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ أَنَّهُمْ عَرَضُوا بِالسِّلاَحِ لِهَؤُلاَءِ أَوْ لِهَذَا بِعَيْنِهِ وَأَخَافُوهُ بِالسِّلاَحِ وَنَالُوهُ بِهِ ثُمَّ فَعَلُوا مَا فِيهِ حَدٌّ. فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى أَخْذِ الْمَتَاعِ شَهِدُوا كَمَا يَشْهَدُ شُهُودُ السَّارِقِ عَلَى مَتَاعٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِصِفَتِهِ كَمَا وَصَفْت فِي شَهَادَةِ السَّارِقِ, وَيَحْضُرُ أَهْلُ الْمَتَاعِ وَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِهِ أَنَّ هَؤُلاَءِ عَرَضُوا لَنَا فَنَالُونَا وَأَخَذُوا مِنَّا أَوْ مِنْ بَعْضِنَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا; لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ وَيَسَعُهُمَا أَنْ يَشْهَدَا أَنَّ هَؤُلاَءِ عَرَضُوا لِهَؤُلاَءِ فَفَعَلُوا وَفَعَلُوا وَنَحْنُ نَنْظُرُ وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدِي أَنْ يَقِفَهُمْ فَيَسْأَلَهُمْ هَلْ كُنْتُمْ فِيهِمْ; لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ هَكَذَا, فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ هَؤُلاَءِ عَرَضُوا فَفَعَلَ بَعْضُهُمْ لاَ يَثْبُتُ أَيُّهُمْ فَعَلَ مِنْ أَيِّهِمْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُحَدُّوا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَثْبُتَ الْفِعْلُ عَلَى فَاعِلٍ بِعَيْنِهِ, وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلاَ يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلاَ يُقْبَلُ فِي السَّرِقَةِ وَلاَ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَلاَ يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ, وَكَذَلِكَ حَتَّى يُبَيِّنُوا الْجَارِحَ وَالْقَاتِلَ وَآخِذَ الْمَتَاعِ بِأَعْيَانِهِمْ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَاهِدَانِ فَجَاءَ رَبُّ السَّرِقَةِ بِشَاهِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَخَذَ سَرِقَتَهُ بِعَيْنِهَا أَوْ قِيمَتِهَا يَوْمَ سُرِقَتْ إنْ فَاتَتْ; لِأَنَّ هَذَا مَالٌ يَسْتَحِقُّهُ وَلَمْ يُقْطَعْ السَّارِقُ, وَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَخَذَ سَرِقَتَهُ بِعَيْنِهَا أَوْ قِيمَتِهَا يَوْمَ سَرَقَهَا فَإِنَّ هَذَا مَالٌ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ وَلاَ يَخْتَلِفُ, وَهَكَذَا يَفْعَلُ مَنْ طَلَبَ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ بِكُلِّ مَالٍ أَخَذُوهُ وَإِنْ طَلَبَ جُرْحًا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَجَاءَ بِشَاهِدٍ لَمْ يُقْسَمْ فِي الْجِرَاحِ وَأُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ وَإِنْ طَلَبَ جُرْحًا لاَ قِصَاصَ فِيهِ وَجَاءَ بِشَاهِدٍ أُحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَخَذَ الْأَرْشَ, وَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى سَرِقَتِهِ مِنْ حِرْزٍ أَوْ غَيْرِ حِرْزٍ أُحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَخَذَ السَّرِقَةَ أَوْ قِيمَتَهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ. وَلاَ يُقْطَعُ أَحَدٌ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ جُرْحٍ وَلاَ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ أَقَرَّ السَّارِقُ بِالسَّرِقَةِ وَوَصْفِهَا وَقِيمَتِهَا وَكَانَتْ مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ قُطِعَ " قَالَ الرَّبِيعُ " يُقْطَعُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فَلاَ يُقْطَعَ, وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَةُ السِّلْعَةِ الَّتِي أَتْلَفَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلاً قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ كَذَلِكَ وَلَوْ أَقَرَّا بِقَتْلِ فُلاَنٍ وَجَرْحِ فُلاَنٍ وَأَخْذِ مَالِ فُلاَنٍ أَوْ بَعْضِ ذَلِكَ فَيَكْفِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِقْرَارُ مَرَّةً وَيَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فَيُحَدَّانِ مَعًا حَدَّهُمَا وَيُقْتَصُّ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَلْزَمُهُ كَمَا يَفْعَلُ بِهِ لَوْ قَامَتْ بِهِ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ. فَإِنْ أَقَرَّا بِمَا وَصَفْت ثُمَّ رَجَعَا قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِمَا حَدُّ الْقَطْعِ وَلاَ الْقَتْلِ وَلاَ الصَّلْبِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَلَزِمَهُمَا حُقُوقُ النَّاسِ, وَأُغْرِمَ السَّارِقُ قِيمَةَ مَا سَرَقَ وَأُغْرِمَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ قِيمَةَ مَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَ لِأَصْحَابِهِ, وَإِنْ كَانَ فِي إقْرَارِهِ أَنَّهُ قَتَلَ فُلاَنًا دَفَعَ إلَى وَلِيِّهِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْهُ الدِّيَةَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحَدِّ يُقْتَلُ إنَّمَا يُقْتَلُ بِاعْتِرَافٍ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى الِاعْتِرَافِ قُتِلَ وَلَمْ يَحْقِنْ دَمَهُ عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِجُرْحٍ وَكَانَ يُقْتَصُّ مِنْهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ أَخَذَ أَرْشَهُ مِنْ مَالِهِ, وَلَوْ قَالَ أَصَبْته بِذَلِكَ الْجُرْحِ خَطَأً أَخَذَ مِنْ مَالِهِ لاَ تُعْقَلُ مِنْهُ عَاقِلَتُهُ عَنْهُ اعْتِرَافًا, وَلَوْ قُطِعَتْ بَعْضُ يَدِ السَّارِقِ بِالْإِقْرَارِ ثُمَّ رَجَعَ كَفَّ عَنْ قَطْعِ مَا بَقِيَ مِنْ يَدِهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَ هُوَ بِهَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يُصْلِحُهُ إلَّا ذَلِكَ فَإِنْ شَاءَ مِنْ أَمْرِهِ قَطَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَلاَ, هُوَ حِينَئِذٍ يُقْطَعُ عَلَى الْعَيْبِ. وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْمُعْتَرِفِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ تُقْطَعْ رِجْلُهُ إذَا كَانَ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِرَافِهِ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ فَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ رُجُوعُهُ أَوْ تَأَخَّرَ أَوْ وَجَدَ أَلَمًا لِلْحَدِّ خَوْفًا مِنْهُ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُمَا حُقُوقُ النَّاسِ كَمَا وَصَفْت قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَدَّ اسْتِتَابَةِ الْمُحَارِبِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} فَمَنْ أَخَافَ فِي الْمُحَارَبَةِ الطَّرِيقَ وَفَعَلَ فِيهَا مَا وَصَفْت مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ وَأَخْذِ مَالٍ أَوْ بَعْضِهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ كُلُّ مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَدٍّ يَسْقُطُ فَلاَ يُقْطَعُ وَكُلُّ مَا كَانَ لِلْآدَمِيّين لَمْ يَبْطُلْ يُجْرَحُ بِالْجُرْحِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَرْشُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَةُ مَا أَخَذَ وَإِنْ قَتَلَ دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَلاَ يُصْلَبُ. وَإِنْ عَفَا جَازَ الْعَفْوُ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ قِصَاصًا لاَ حَدًّا. وَبِهَذَا أَقُولُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْقُطُ عَنْهُ مَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِلنَّاسِ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ مَتَاعُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - السَّارِقُ مِثْلُهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ وَيُؤْخَذُ بِغُرْمِ مَا سَرَقَ, وَإِنْ فَاتَ مَا سَرَقَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ: {أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ الْآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا - أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأْذَنْ لِي فِي أَنْ أَتَكَلَّمَ, قَالَ: تَكَلَّمْ قَالَ إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ ثُمَّ إنِّي سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي إنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاََقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ. أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا, وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا} قَالَ مَالِكٌ وَالْعَسِيفُ الْأَخِيرُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا أُحْصِنَ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً زَنَيَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَتَاهُ رَجُلٌ وَهُوَ بِالشَّامِ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ إلَى امْرَأَتِهِ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ فَأَتَاهَا وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ حَوْلَهَا فَذَكَرَ لَهَا الَّذِي قَالَ زَوْجُهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَخْبَرَهَا أَنَّهَا لاَ تُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ وَجَعَلَ يُلَقِّنُهَا أَشْبَاهَ ذَلِكَ لِتَنْزِعَ فَأَبَتْ أَنْ تَنْزِعَ وَثَبَتَتْ عَلَى الِاعْتِرَافِ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَرُجِمَتْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ فِعْلِ عُمَرَ نَأْخُذُ فِي هَذَا كُلِّهِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ لَمْ يَجِدْ طَوْلاً فَتَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ أَصَابَهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ فَهُوَ مُحْصَنٌ وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ أَوْ الذِّمِّيَّةُ زَوْجًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَأَصَابَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا فَهِيَ مُحْصَنَةٌ وَأَيُّهُمَا زَنَى أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُحْصَنِ بِمُحْصَنَةٍ أَوْ بِكْرٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ مُسْتَكْرَهَةٍ وَسَوَاءٌ زَنَتْ الْمُحْصَنَةُ بِعَبْدٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ يُقَامُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدُّهُ. وَحَدُّ الْمُحْصَنِ وَالْمُحْصَنَةِ أَنْ يُرْجَمَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا ثُمَّ يُغَسَّلاَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا وَيُدْفَنَا. وَلاَ يَحْضُرُ الْإِمَامُ الْمَرْجُومِينَ وَلاَ الشُّهُودَ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ رَجُلاً وَامْرَأَةً وَلَمْ يَحْضُرْهُمَا وَلَمْ يَحْضُرْ عُمَرُ وَلاَ عُثْمَانُ أَحَدًا رَجَمَاهُ عَلِمْنَا وَلاَ يَحْضُرُ ذَلِكَ الشُّهُودُ عَلَى الزَّانِي. أَقَلُّ مَا يَحْضُرُ حَدُّ الزَّانِي فِي الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ أَرْبَعَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَإِنْ زَنَى بِكْرٌ بِامْرَأَةٍ ثَيِّبٍ رُجِمَتْ الْمَرْأَةُ وَجُلِدَ الْبِكْرُ مِائَةً وَنُفِيَ سَنَةً. ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ وَيَنْفِي الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ الْحُرَّانِ مَعًا إذَا زَنَيَا وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الزَّانِي إلَّا بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ عُدُولٌ. ثُمَّ يَقِفَهُمْ الْحَاكِمُ حَتَّى يُثْبِتُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مِنْهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا دُخُولَ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَإِذَا أَثْبَتُوا ذَلِكَ حُدَّ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ حَدَّهُمَا أَوْ بِاعْتِرَافٍ مِنْ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ فَإِذَا اعْتَرَفَ مَرَّةً وَثَبَتَ عَلَيْهَا حُدَّ حَدَّهُ, وَكَذَلِكَ هِيَ وَإِنْ اعْتَرَفَ هُوَ وَجَحَدَتْ هِيَ أَوْ اعْتَرَفَتْ هِيَ وَجَحَدَ هُوَ أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى الْمُعْتَرِفِ مِنْهُمَا وَلَمْ يُقَمْ عَلَى الْآخَرِ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ قَدْ زَعَمْت أَنَّهَا زَنَتْ بِي أَوْ الْمَرْأَةُ قَدْ زَعَمَ أَنِّي زَنَيْتُ بِهِ فَاجْلِدْهُ لِي لَمْ يَجْلِدْهُ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ بِحَدٍّ عَلَى غَيْرِهِ نَفْسُهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَذْفٌ لِغَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَتَى رَجَعَ الْمُعْتَرِفُ مِنْهُمَا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يُرْجَمْ وَلَمْ يُجْلَدْ. وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَمَا أَخَذَتْهُ الْحِجَارَةُ أَوْ السِّيَاطُ كُفَّ عَنْ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ ذَكَرَ عِلَّةً أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْإِمَاءِ فِيمَنْ أُحْصِنَ: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ}.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) فَقَالَ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إحْصَانُهَا إسْلاَمُهَا فَإِذَا زَنَتْ الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ جُلِدَتْ خَمْسِينَ; لِأَنَّ الْعَذَابَ فِي الْجَلْدِ يَتَبَعَّضُ وَلاَ يَتَبَعَّضُ فِي الرَّجْمِ. وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَذَلِكَ أَنَّ حُدُودَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لاَ تَخْتَلِفُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ سُنَّةِ نَبِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمَا مِثْلُ الْحُرَّيْنِ فِي أَنْ لاَ يُقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ كَمَا وَصَفْت فِي الْحُرَّيْنِ أَوْ بِاعْتِرَافٍ يَثْبُتَانِ عَلَيْهِ لاَ يُخَالِفَانِ فِي هَذَا الْحُرَّيْنِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي نَفْيِهِمَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لاَ يُنْفَيَانِ كَمَا لاَ يُرْجَمَانِ وَلَوْ نُفِيَا نُفِيَا نِصْفَ سَنَةٍ وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ (قَالَ الرَّبِيعُ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَنْفِي الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ نِصْفَ سَنَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَنْ يُقِيمَا عَلَيْهِمَا حَدَّ الزِّنَا فَإِذَا فَعَلاَ لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِمَا الْحَدَّ وَلاَ نَحْكُمُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْحُدُودِ إلَّا أَنْ يَأْتُونَا رَاغِبِينَ فَإِنْ فَعَلُوا فَلَنَا الْخِيَارُ أَنْ نَحْكُمَ أَوْ نَدَعَ فَإِنْ حَكَمْنَا حَكَمْنَا بِحُكْمِ الْإِسْلاَمِ فَرَجَمْنَا الْحُرَّيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ فِي الزِّنَا وَجَلَدْنَا الْبِكْرَيْنِ وَالْحُرَّيْنِ مِائَةً وَنَفَيْنَاهُمَا سَنَةً وَجَلَدْنَا الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ فِي الزِّنَا خَمْسِينَ خَمْسِينَ مِثْلَ حُكْمِ الْإِسْلاَمِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: إذَا اسْتَكْرَهَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أُقِيمَ الْحَدُّ وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهَا; لِأَنَّهَا مُسْتَكْرَهَةٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً فَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ نَقَصَتْ الْإِصَابَةُ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا قُضِيَ عَلَيْهِ مَعَ الْمَهْرِ بِمَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَجَرَحَهَا جُرْحًا لَهُ أَرْشٌ قُضِيَ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْجُرْحِ مَعَ الْمَهْرِ, الْمَهْرُ بِالْوَطْءِ وَالْأَرْشُ بِالْجِنَايَةِ, وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ مِنْ وَطْئِهِ كَانَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ الْحُرَّةِ وَقِيمَةُ الْأَمَةِ وَالْمَهْرُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَخَذَ مَعَ امْرَأَةٍ فَجَاءَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ نَكَحَهَا وَقَالَ نَكَحْتهَا وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا أَوْ أَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ أَنَّهَا ذَاتُ مَحْرَمٍ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزَّانِي, وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ هِيَ ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى الْجَهَالَةَ بِأَنَّ لَهَا زَوْجًا أَوْ أَنَّهَا فِي عِدَّةٍ أُحْلِفَ وَدُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَتْ قَدْ عَلِمْت أَنِّي ذَاتُ زَوْجٍ وَلاَ يَحِلُّ لِي النِّكَاحُ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَكِنْ إنْ قَالَتْ بَلَغَنِي مَوْتُ زَوْجِي وَاعْتَدَدْت ثُمَّ نَكَحَتْ دُرِئَ عَنْهَا الْحَدُّ وَفِي كُلِّ مَا دَرَأْنَا فِيهِ الْحَدَّ أُلْزِمُهُ الْمَهْرَ بِالْوَطْءِ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ) قَالَ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} الآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ}: إحْدَاهُنَّ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ الْكُفْرِ تُحِلُّ الدَّمَ كَمَا يُحِلُّهُ الزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ أَوْ تَكُونَ كَلِمَةُ الْكُفْرِ تُحِلُّ الدَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ صَاحِبُهُ فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ} إذَا لَمْ يَتُبْ مِنْ الْكُفْرِ وَقَدْ وُضِعْت هَذِهِ الدَّلاَئِلُ مَوَاضِعَهَا وَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَتْلِ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَمَا أَبَاحَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ثُمَّ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَتْلِ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ يُشْبِهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ إذَا حُقِنَ الدَّمُ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ أَبَاحَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ كَافِرًا مُحَارِبًا وَأَكْبَرُ مِنْهُ; لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ الَّذِي حُقِنَ بِهِ دَمُهُ وَرَجَعَ إلَى الَّذِي أُبِيحَ الدَّمُ فِيهِ وَالْمَالُ وَالْمُرْتَدُّ بِهِ أَكْبَرُ حُكْمًا مِنْ الَّذِي لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحْبَطَ بِالشِّرْكِ بَعْدَ الْإِيمَانِ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ قَدَّمَ قَبْلَ شِرْكِهِ وَأَنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - كَفَّرَ عَمَّنْ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَانَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ كَفَّرَ عَنْهُ مَا كَانَ قَبْلَ الشِّرْكِ: {وَقَالَ لِرَجُلٍ كَانَ يُقَدِّمُ خَيْرًا فِي الشِّرْكِ أَسْلَمْت عَلَى مَا سَبَقَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ} وَأَنَّ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْ رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَتَلَ بَعْضَهُمْ, وَمَنَّ عَلَى بَعْضِهِمْ وَفَادَى بِبَعْضٍ وَأَخَذَ الْفِدْيَةَ مِنْ بَعْضٍ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُفَادَى بِمُرْتَدٍّ بَعْدَ إيمَانِهِ وَلاَ يُمَنُّ عَلَيْهِ وَلاَ تُؤْخَذُ مِنْهُ فِدْيَةٌ وَلاَ يُتْرَكُ بِحَالٍ حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يُقْتَلَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّك لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} إلَى " يَفْقَهُونَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبَيَّنَ أَنَّ إظْهَارَ الْإِيمَانِ مِمَّنْ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا حَتَّى أَظْهَرَ الْإِيمَانَ وَمِمَّنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ ثُمَّ أَشْرَكَ بَعْدَ إظْهَارِهِ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ مَانِعٌ لِدَمِ مَنْ أَظْهَرَهُ فِي أَيِّ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ كَانَ وَإِلَى أَيِّ كُفْرٍ صَارَ كُفْرٌ يُسِرُّهُ أَوْ كُفْرٌ يُظْهِرُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنَافِقِينَ دِينٌ يُظْهَرُ كَظُهُورِ الدِّينِ الَّذِي لَهُ أَعْيَادٌ وَإِتْيَانِ كَنَائِسَ إنَّمَا كَانَ كُفْرٌ جُحِدَ وَتَعْطِيلٌ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ الْقَتْلِ ثُمَّ أَخْبَرَ بِالْوَجْهِ الَّذِي اتَّخَذُوا بِهِ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَقَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا بَعْدَ الْإِيمَانِ كُفْرًا إذَا سُئِلُوا عَنْهُ أَنْكَرُوهُ وَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَقَرُّوا بِهِ وَأَظْهَرُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ وَهُمْ مُقِيمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَلَى الْكُفْرِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ} فَأَخْبَرَ بِكُفْرِهِمْ وَجَحْدِهِمْ الْكُفْرَ وَكَذَّبَ سَرَائِرَهُمْ بِجَحْدِهِمْ وَذَكَرَ كُفْرَهُمْ فِي غَيْرِ آيَةٍ وَسَمَّاهُمْ بِالنِّفَاقِ إذْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَكَانُوا عَلَى غَيْرِهِ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ ": {إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الْمُنَافِقِينَ بِالْكُفْرِ وَحَكَمَ فِيهِمْ بِعِلْمِهِ مِنْ أَسْرَارِ خَلْقِهِ مَا لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِأَيْمَانِهِمْ وَحَكَمَ فِيهِمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا بِأَنَّ مَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانُوا بِهِ كَاذِبِينَ لَهُمْ جُنَّةٌ مِنْ الْقَتْلِ وَهُمْ الْمُسِرُّونَ الْكُفْرَ الْمُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ وَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَنَّ إظْهَارَ الْقَوْلِ بِالْإِيمَانِ جُنَّةٌ مِنْ الْقَتْلِ أَقَرَّ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ بَعْدَ الْكُفْرِ أَوْ لَمْ يُقِرَّ إذَا أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فَإِظْهَارُهُ مَانِعٌ مِنْ الْقَتْلِ وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَقَنَ اللَّهُ تَعَالَى دِمَاءَ مَنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ بَعْدَ الْكُفْرِ أَنَّ لَهُمْ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُوَارَثَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ. فَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَحَدٍ بِخِلاَفِ مَا أَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا جَعَلَ لِلْعِبَادِ الْحُكْمَ عَلَى مَا أَظْهَرَ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لاَ يَعْلَمُ مَا غَابَ إلَّا مَا عَلِمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوَجَبَ عَلَى مَنْ عَقَلَ عَنْ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَ الظُّنُونَ كُلَّهَا فِي الْأَحْكَامِ مُعَطَّلَةً فَلاَ يَحْكُمُ عَلَى أَحَدٍ بِظَنٍّ. وَهَكَذَا دَلاَلَةُ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَانَتْ لاَ تَخْتَلِفُ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ: {عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ لَقِيت رَجُلاً مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيْ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْت لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَقْتُلْهُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَطَعَ يَدِي ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَقْتُلْهُ فَإِنَّك إنْ قَتَلَتْهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِك قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَهَا} قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ هَذَا بِإِظْهَارِهِ الْإِيمَانَ فِي حَالِ خَوْفِهِ عَلَى دَمِهِ وَلَمْ يُبِحْهُ بِالْأَغْلَبِ أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ إلَّا مُتَعَوِّذًا مِنْ الْقَتْلِ بِالْإِسْلاَمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ: {أَنَّ رَجُلاً سَارَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نَدْرِ مَا سَارَّهُ بِهِ حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ بَلَى. وَلاَ شَهَادَةَ لَهُ. قَالَ: أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ قَالَ بَلَى وَلاَ صَلاَةَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَأْذِنَ فِي قَتْلِ الْمُنَافِقِ إذَا أَظْهَرَ الْإِسْلاَمَ أَنَّ اللَّهَ نَهَاهُ عَنْ قَتْلِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ الْإِيمَانَ جُنَّةٌ وَمُوَافِقٌ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُكْمَ أَهْلِ الدُّنْيَا. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَهَذَا مُوَافِقٌ مَا كَتَبْنَا قَبْلَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى مَا ظَهَرَ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَلِيُّ مَا غَابَ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِقَوْلِهِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا ذَكَرْنَا وَفِي غَيْرِهِ فَقَالَ: {مَا عَلَيْك مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لِرَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ بِمَا شَاءَ اللَّهُ فِي دِينِهِ " أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ؟ " قَالَ نَعَمْ قَالَ " إنِّي لِأَحْسِبك مُتَعَوِّذًا " قَالَ أَمَّا فِي الْإِيمَانِ مَا أَعَاذَنِي؟ فَقَالَ عُمَرُ بَلَى: {وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمْ مَعَهُ حَتَّى أَثْخَنَ الَّذِي قَالَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَآذَتْهُ الْجِرَاحُ فَقَتَلَ نَفْسَهُ}. وَلَمْ يَمْنَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ مِنْ نِفَاقِهِ وَعُلِمَ إنْ كَانَ عَلِمَهُ مِنْ اللَّهِ فِيهِ مِنْ أَنْ حَقَنَ دَمَهُ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَأَيُّ رَجُلٍ غُمَّ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فِي أَيِّ حَالٍ كَانَ لاَ يَمْتَنِعُ فِيهَا بِقَهْرِ مَنْ لَقِيَهُ فَغَلَبَهُ لَهُ أَوْ إيسَارٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ حَقَنَ الْإِيمَانُ دَمَهُ وَأَوْجَبَ لَهُ حُكْمَ الْإِيمَانِ وَلَمْ يُقْتَلْ بِظَنِّ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ إلَّا مُضْطَرًّا خَائِفًا وَفِي مِثْلِ حَالِهِ مِنْ أَنَّهُ يَحْقِنُ دَمَهُ وَيُوجِبُ لَهُ حُكْمَ الْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا مَنْ آمَنَ ثُمَّ كَفَرَ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فَسَوَاءٌ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ فَجَحَدَ وَأَقَرَّ بِالْإِيمَانِ أَوْ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِالْكُفْرِ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فَمَتَى أَظْهَرَ الْإِيمَانَ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ مِنْ الْقَوْلِ بِالْكُفْرِ شَهِدَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ وَحَقَنَ دَمَهُ بِمَا أَظْهَرَ مِنْ الْإِيمَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَسَوَاءٌ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أَوْ مِرَارًا أَوْ قَلَّ فِي حَقْنِ الدَّمِ وَإِيجَابُ حُكْمِ الْإِيمَانِ لَهُ فِي الظَّاهِرِ إلَّا أَنِّي أَرَى إذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَنْ يُعَزَّرَ وَسَوَاءٌ كَانَ مَوْلُودًا عَلَى الْإِسْلاَمِ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدُ عَنْ الْإِسْلاَمِ أَوْ كَانَ مُشْرِكًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَ الْإِسْلاَمِ وَسَوَاءٌ ارْتَدَّ إلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ جَحْدٍ وَتَعْطِيلٍ وَدِينٍ لاَ يُظْهِرُهُ فَمَتَى أَظْهَرَ الْإِسْلاَمَ فِي أَيِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ كَانَ وَإِلَى أَيِّ هَذِهِ الْأَدْيَانِ صَارَ حُقِنَ دَمُهُ وَحُكِمَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ وَمَتَى أَقَامَ عَلَى الْكُفْرِ فِي أَيِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ كَانَ وَإِلَى هَذِهِ الْأَدْيَانِ صَارَ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ حُكِمَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهَا وَأَقَامَ عَلَى الْكُفْرِ قُتِلَ مَكَانُهُ سَاعَةَ يَأْبَى إظْهَارَ الْإِيمَانِ وَلَوْ تُرِكَ قَتْلُهُ إذَا اُسْتُتِيبَ فَامْتَنَعَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ حَقَنَ ذَلِكَ دَمَهُ وَحُكِمَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ. وَلَوْ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانُ ثُمَّ تَابَ وَهُوَ سَكْرَانُ لَمْ يَخْلُ حَتَّى يُفِيقَ فَيَتُوبَ مُفِيقًا, وَكَذَلِكَ لاَ يُقْتَلُ لَوْ أَبَى الْإِسْلاَمَ سَكْرَانَ حَتَّى يُفِيقَ فَيَمْتَنِعَ مِنْ التَّوْبَةِ مُفِيقًا فَيُقْتَلَ وَإِذَا أَفَاقَ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّوْبَةِ مُفِيقًا قُتِلَ, وَلَوْ ارْتَدَّ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ بِغَيْرِ السُّكْرِ لَمْ يَحْبِسْهُ الْوَالِي وَلَوْ مَاتَ بِتِلْكَ الْحَالِ لَمْ يُمْنَعْ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ مِيرَاثَهُ لِأَنَّ رِدَّتَهُ كَانَتْ فِي حَالٍ لاَ يَجْرِي فِيهَا عَلَيْهِ الْقَلَمُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسَّكْرَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالسَّكْرَانُ لَوْ ارْتَدَّ سَكْرَانَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا وَلَوْ تَابَ سَكْرَانَ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ, وَلَوْ تَابَ سَكْرَانَ لَمْ أَعْجَلْ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يُفِيقَ فَيَتُوبَ مُفِيقًا وَأَجْعَلُ تَوْبَتَهُ تَوْبَةً أَحْكُمُ لَهُ بِهَا حُكْمَ الْإِسْلاَمِ حَتَّى يُفِيقَ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهَا فَهُوَ الَّذِي أَطْلُبُ مِنْهُ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ إلَى الْكُفْرِ وَلَمْ يَتُبْ قُتِلَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ارْتَدَّ مُفِيقًا ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ بُرْسِمَ أَوْ خَبِلَ بَعْدَ الرِّدَّةِ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يُفِيقَ فَيُسْتَتَابَ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّوْبَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ قُتِلَ وَلَوْ مَاتَ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ وَلَمْ يَتُبْ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا (قَالَ) وَسَوَاءٌ فِي الرِّدَّةِ وَالْقَتْلِ عَلَيْهَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ وَكُلُّ بَالِغٍ مِمَّنْ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ وُلِدَ عَلَى الْإِيمَانِ أَوْ الْكُفْرِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْإِقْرَارُ بِالْإِيمَانِ وَجْهَانِ: فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَمَنْ لاَ دِينَ لَهُ يَدَّعِي أَنَّهُ دِينُ نُبُوَّةٍ وَلاَ كِتَابَ فَإِذَا شَهِدَ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ وَمَتَى رَجَعَ عَنْهُ قُتِلَ. (قَالَ) وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَهَؤُلاَءِ يَدَّعُونَ دِينَ مُوسَى وَعِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمَا وَقَدْ بَدَّلُوا مِنْهُ وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِيهِمَا الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَفَرُوا بِتَرْكِ الْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِ دِينِهِ مَعَ مَا كَفَرُوا بِهِ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ قَبْلَهُ فَقَدْ قِيلَ لِي إنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مُقِيمٌ عَلَى دِينِهِ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَقُولُ لَمْ يُبْعَثْ إلَيْنَا فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَحَدٌ هَكَذَا فَقَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُسْتَكْمِلَ الْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ حَتَّى يَقُولَ وَإِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ حَقٌّ أَوْ فَرْضٌ وَأَبْرَأُ مِمَّا خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ دِينَ الْإِسْلاَمِ فَإِذَا قَالَ هَذَا فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِقْرَارَ بِالْإِيمَانِ فَإِذَا رَجَعَ عَنْهُ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ تُعْرَفُ بِأَنْ لاَ تُقِرَّ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا عِنْدَ الْإِسْلاَمِ أَوْ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ لَزِمَهُ الْإِسْلاَمُ فَشَهِدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَدْ اسْتَكْمَلُوا الْإِقْرَارَ بِالْإِيمَانِ فَإِنْ رَجَعُوا عَنْهُ اُسْتُتِيبُوا فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا (قَالَ) وَإِنَّمَا يُقْتَلُ مَنْ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ إذَا أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ (قَالَ) فَمَنْ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَإِنْ كَانَ عَاقِلاً ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ لَمْ يَتُبْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلاَ يُقْتَلُ لِأَنَّ إيمَانَهُ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ بَالِغٌ وَيُؤْمَرُ بِالْإِيمَانِ وَيُجْهَدُ عَلَيْهِ بِلاَ قَتْلٍ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ بَالِغٌ سَكْرَانُ مِنْ خَمْرٍ ثُمَّ رَجَعَ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَلَوْ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ بِسِوَى السُّكْرِ لَمْ يُسْتَتَبْ وَلَمْ يُقْتَلْ إنْ أَبَى التَّوْبَةَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً وَامْرَأَتَهُ أَقَرَّا بِالْإِيمَانِ ثُمَّ ارْتَدَّا فَلَمْ يُعْرَفْ مِنْ رِدَّتِهِمَا إقْرَارُهُمَا كَانَ بِالْإِيمَانِ أَوْ عُرِفَ وَتُرِكَا عَلَى الشِّرْكِ بِبِلاَدِ الْإِسْلاَمِ أَوْ بِلاَدِ الشِّرْكِ ثُمَّ وُلِدَ لَهُمَا وَلَدٌ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ أَوْ بَعْدَ الرِّدَّةِ أَوْ بَعْدَمَا رَجَعَا عَنْ الرِّدَّةِ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِمَا بِالْإِيمَانِ بَدِيئًا شَاهِدَانِ فَإِنْ نَشَأَ أَوْلاَدُهُمَا الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا قَبْلَ إسْلاَمِهِمَا عَلَى الشِّرْكِ لاَ يَعْرِفُونَ غَيْرَهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَ الْعَقْلِ أُمِرُوا بِالْإِيمَانِ وَجُبِرُوا عَلَيْهِ وَلاَ يُقْتَلُونَ إنْ امْتَنَعُوا مِنْهُ فَإِذَا بَلَغُوا أُعْلِمُوا أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا قُتِلُوا لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْإِيمَانِ فَإِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا قُتِلُوا وَهَكَذَا إذَا لَمْ يُظْهَرْ عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَسَوَاءٌ أَيُّ أَبَوَيْهِمْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ وُلِدَ بَعْدَ إقْرَارِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ بِالْإِسْلاَمِ وَالْمُقِرُّ بِالْإِسْلاَمِ مِنْهُمَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَوْ مُرْتَدٌّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ وَهَكَذَا إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَدِ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ هُمَا (قَالَ) وَيُقْتَلُ الْمَرِيضُ الْمُرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلاَمِ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالشَّيْخُ الْفَانِي إذَا كَانُوا يَعْقِلُونَ وَلَمْ يَتُوبُوا وَلاَ تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ تُقْتَلَ إنْ لَمْ تَتُبْ فَإِذَا أَبَى الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّانِ الرُّجُوعَ إلَى الْإِيمَانِ قُتِلَ مَكَانَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ: {مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ} وَقَالَ فِيمَا يَحِلُّ الدَّمُ: {كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ} كَانَتْ الْغَايَةُ الَّتِي دَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ فِيهَا الْمُرْتَدُّ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَمْ يَكُنْ إذَا تُؤُنِّيَ بِهِ ثَلاَثًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ إلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ هِيَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ مِنْ التَّوْبَةِ بَعْدَ ثَلاَثَةٍ وَيَتُوبُ مَكَانَهُ قَبْلَ مَا يُؤْخَذُ وَبَعْدَمَا يُؤْخَذُ وَمَنْ كَانَ إسْلاَمُهُ بِإِسْلاَمِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا فَأَبَى الْإِسْلاَمَ هَكَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ وَلَوْ تُؤُنِّيَ بِهِ سَاعَةً وَيَوْمًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يَتَأَنَّى بِهِ مِنْ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ إيمَانِ نَفْسِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ رَجُلاً ارْتَدَّ عَنْ الْإِيمَانِ أَوْ امْرَأَةً سُئِلاَ فَإِنْ أَكْذَبَا الشَّاهِدَيْنِ قِيلَ لَهُمَا اشْهَدَا أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَبَرَّآ مِمَّا خَالَفَ الْإِسْلاَمَ مِنْ الْأَدْيَانِ فَإِنْ أَقَرَّا بِهَذَا لَمْ يُكْشَفَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَكَانَ هَذَا تَوْبَةً مِنْهُمَا وَلَوْ أَقَرَّا وَتَابَا قُبِلَ مِنْهُمَا.
|