الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً قَالَ فِي مَرَضِهِ غُلاَمِي هَذَا حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ, ثُمَّ قَالَ بَعْدُ وَغُلاَمِي هَذَا حُرٌّ, ثُمَّ قَالَ بَعْدُ لِآخَر ذَلِكَ, وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ وَقَفْنَا أَمْرَهُمْ فَإِنْ مَاتَ أَعْتَقْنَا الْأَوَّلَ, فَإِنْ كَانَ الثُّلُثَ كَامِلاً عَتَقَ كُلُّهُ, وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثَ دُونَ مَا بَقِيَ وَالْعَبْدَانِ مَعَهُ, وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ كُلُّهُ وَعَتَقَ مِنْ الثَّانِي مَا حَمَلَ الثُّلُثَ فَإِنْ خَرَجَ الثَّانِي مِنْ الثُّلُثِ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ, وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَبَقِيَ فَضْلٌ فِي الثُّلُثِ عَتَقَ الْفَضْلُ مِنْ الثَّالِثِ وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَأَكْثَرَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ الْقَوْلُ كَمَا وَصَفْت, فَإِنْ قَالَ مَعَهُمْ وَأَعْتِقُوا الرَّابِعَ وَصِيَّةً, أَوْ إذَا مِتُّ, أَوْ كَانَ الرَّابِعُ مُدَبَّرًا كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا كَمَا وَصَفْت وَبُدِئَ عِتْقُ الْبَتَاتِ; لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْحَيَاةِ عَلَى كُلِّ عِتْقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ بِتَدْبِيرٍ, أَوْ وَصِيَّةٍ, وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ; لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ مَا كَانَ حَيًّا, وَأَنَّهُ لاَ يَقَعُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ فَضَلَ عَنْ ثُلُثِهِ فَضْلٌ عَنْ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ عِتْقَ بَتَاتٍ عَتَقَ مِنْ الْمُدَبَّرِ أَوْ مِمَّنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَرَقَّ مَا بَقِيَ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: سَالِمٌ حُرٌّ وَغَانِمٌ حُرٌّ وَزِيَادٌ حُرٌّ وَقَفْنَا عِتْقَهُمْ, فَإِذَا مَاتَ بَدَأْنَا بِسَالِمٍ; لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ قَدْ كَانَتْ وَقَعَتْ لَهُ قَبْلَ غَانِمٍ إنْ عَاشَ, فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ عَتَقَ غَانِمٌ, فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ عَتَقَ زِيَادٌ, أَوْ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْهُ وَإِذَا بُدِئَ عِتْقُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ عِتْقَ الْبَتَاتُ كَانَ كَمَا وَصَفْت لَك لاَ قُرْعَةَ إذَا كَانَ تَبْدِئَةً; لِأَنَّ عِتْقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقَعُ بِالْكَمَالِ عَلَى مَعْنَى إنْ عَاشَ الْمُعْتِقُ أَوْ يَخْرُجُ الْمُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ, وَمَا جَنَى عَلَى الرَّقِيقِ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ مِنْ جِنَايَةِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ حَتَّى يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ, فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ كَانَ حُرًّا وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ, وَمَوْقُوفَةٌ وَمَا أَصَابَ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِنْ حَدٍّ, فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُهُ حُدَّ فِيهِ حَدُّ الْأَحْرَارِ, فَإِذَا شَهِدَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وُقِفَتْ شَهَادَتُهُ, فَإِذَا عَتَقَ جَازَتْ, وَمَا وَرِثَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وُقِفَ, فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُهُ فَكَالْحُرِّ لاَ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُ وَيَجْرِي الْوَلاَءُ وَيَرِثُ وَيُورَثُ لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَقَعَتْ بِالْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي عِتْقِ الْبَتَاتِ, وَالْقَوْلُ الْمُتَقَدِّمُ فِي مَوْتِ الْمُعْتَقِ فِي التَّدْبِيرِ وَعِتْقِ الْوَصِيَّةِ وَهَكَذَا إنْ جَنَوْا وُقِفَتْ جِنَايَتُهُمْ, فَأَيُّهُمْ عَتَقَ عَقَلَتْ عَنْهُ عَاقِلَتُهُ مِنْ قَرَابَتِهِ, فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلُوا فَمَوَالِيه, وَأَيُّهُمْ رَقَّ فَجِنَايَتُهُ جِنَايَةُ. عَبْدٍ يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ, أَوْ يُبَاعَ مِنْهُ فِي الْجِنَايَةِ مَا تُؤَدَّى بِهِ, أَوْ تَأْتِي عَلَى جَمِيعِ ثَمَنِهِ (قَالَ): وَلَوْ كَانَ الْجَانِي بَعْضُ هَؤُلاَءِ الْمُعْتَقِينَ, فَعَتَقَ بِالْقُرْعَةِ نِصْفُهُ قِيلَ لِمَالِكِهِ إنْ شِئْت فَاقْتَدِ النِّصْفَ الَّذِي تَمْلِكُ بِنِصْفِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ تَامًّا وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْك مَا تَمْلِكُ مِنْهُ حَتَّى تُؤَدِّيَ نِصْفَ جَمِيعِ الْجِنَايَةِ, فَإِنْ كَانَ فِي نِصْفِهِ فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ الْجِنَايَةِ بِيعَ بِقَدْرِ نِصْفِ الْجِنَايَةِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ أَنْ يُبَاعَ كُلُّهُ وَيُرَدَّ عَلَيْك الْفَضْلُ مِنْ ثَمَنِهِ وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ نِصْفِ الْجِنَايَةِ فِي مَالٍ إنْ اكْتَسَبَهُ فِي يَوْمِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ لِنَفْسِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفَضْلُ عَنْ مَصْلَحَتِهِ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَا بَقِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ مَتَى عَتَقَ اُتُّبِعَ بِهِ, فَإِنْ أَعْتَقَ ثَلاَثَةَ مَمَالِيكَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ وَمَاتَ فَلَمْ يُقْرِعْ بَيْنَهُمْ حَتَّى مَاتَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ, أَوْ اثْنَانِ أُقْرِعَ عَلَى الْمَوْتَى وَالْأَحْيَاءِ, فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحَيِّ حُرًّا عَتَقَ وَأَعْطَى كُلَّ مَالٍ أَفَادَهُ مِنْ يَوْمِ تَكَلَّمَ سَيِّدُهُ بِالْعِتْقِ وَكَانَ الْمَيِّتَانِ رَقِيقَيْنِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً, فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتَيْنِ مَالٌ أُحْصِيَ, فَكَأَنَّهُمَا تَرَكَا أَلْفًا كَسَبَاهَا بَعْدَ كَلاَمِ السَّيِّدِ بِالْعِتْقِ, كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ, فَزَادَ مَالُ الْمَيِّتِ, فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَخَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى أَحَدِهِمَا, فَحَسَبْنَا كَمْ يَعْتِقُ مِنْهُ بِتِلْكَ الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُسْتَفِيدِ كَأَنَّهُ قِيمَةُ خَمْسِمِائَةٍ فَوَجَدْنَاهُ ثُلُثَهُ, ثُمَّ نَظَرْنَا إلَى الْخَمْسِمِائَةِ الدِّرْهَمِ الَّتِي كَسَبَهَا بَعْدَ عِتْقِ سَيِّدِهِ فَأَعْطَيْنَاهُ ثُلُثَهَا وَهُوَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ وَبَقِيَ ثُلُثَاهَا وَهُوَ ثَلاَثُمِائَةٍ وَثَلاَثَةٌ وَثَلاَثُونَ وَثُلُثٌ, فَزِدْنَاهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَكُنَّا إذَا زِدْنَاهُ فِي الْعِتْقِ رَجَعَ عَلَيْنَا بِفَضْلِ مَا أَخَذْنَا مِنْ مَالِهِ فَانْتَقَصْنَاهُ مِنْ الْعِتْقِ قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ يُقَدَّرُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَعْتِقَ مِنْهُ مَا يَكُونُ لَهُ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ; لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا تَحْسِبُهُ نَصِيبَ حُرٍّ فَهُوَ لَهُ دُونَ السَّيِّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ فِي الرَّقِيقِ يُعْتَقُونَ فَلاَ يَحْمِلُهُمْ الثُّلُثُ يُقَوَّمُونَ يَوْمَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَلاَ أَنْظُرُ إلَى قِيَمِهِمْ يَوْمَ يَكُونُ الْعِتْقِ; لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَقَعُ بِالْقُرْعَةِ, كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْرِ أَيَّهمْ عَتَقَ وَلاَ أَيَّهمْ رَقَّ وَلَيْسَتْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُرِّيَّةٌ تَامَّةٌ إنَّمَا تَتِمُّ بِالْقُرْعَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَمْ يَعْتِقْ وَمَاتَ رَقِيقًا وَأَخَذَ مَالَهُ وَرَثَةُ سَيِّدِهِ, فَأَقْرَعَ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ كَأَنَّهُ لَمْ يَدَعْ رَقِيقًا غَيْرَهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْهُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُوقَفُ عِتْقُهُ فَإِنْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَتَهُ دَفَعَ إلَى شَرِيكِهِ مِنْ مَالِهِ أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ قِيمَتَهُ وَبِأَنَّ عِتْقَهُ بِالدَّفْعِ (قَالَ): وَسَوَاءٌ فِي الْعِتْقِ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ وَالْمُرْتَفِعُ وَالْمُتَّضِعُ مِنْ الرَّقِيقِ وَالْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ لاَ افْتِرَاقَ فِي ذَلِكَ, وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ لَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قَوَّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ, وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ فَبَيَّنَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْقَوْلِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَالْقِيمَةُ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ شُرَكَاؤُهُ بِالْعِتْقِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ عِتْقَهُ إذَا كَانَ ذَا مَالٍ وَدُفِعَتْ قِيمَتُهُ إخْرَاجًا لَهُ مِنْ أَيْدِي مَالِكِيهِ مَعَهُ أَحَبُّوا أَوْ كَرِهُوا, فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا وَقَعَ الْعِتْقُ وَالْوَلاَءُ ثَابِتٌ لِلْمُعْتِقِ وَالْغُرْمُ لاَزِمٌ لَهُ فِي قِيمَةِ مِلْكِ شُرَكَائِهِ مِنْ الْعَبْدِ, فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَلَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْ شُرَكَائِهِ أَوْ كُلُّهُمْ بَعْدَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ عِتْقُهُ بِالْقَوْلِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِهِ تَامُّ الْعِتْقِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ, وَيُقَالُ لَك: الثَّمَنُ فَإِنْ شِئْت فَخُذْهُ وَإِنْ شِئْت فَدَعْهُ, وَالْوَلاَءُ لِلَّذَيْنِ سَبَقَا بِالْعِتْقِ وَلَوْ أَعْتَقَا جَمِيعًا مَعًا لَزِمَهُمَا الْعِتْقُ وَكَانَ الْوَلاَءُ لَهُمَا, وَالْغُرْمُ لِشَرِيكٍ إنْ كَانَ مَعَهُمَا عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ, فَأَمَّا إذَا تَقَدَّمَ أَحَدُ الْمُعْتِقِينَ مِنْ مُوسِرٍ فَالْعِتْقُ تَامٌّ وَالْوَلاَءُ لَهُ, وَمَا كَانَ مِنْ عِتْقٍ بَعْدَهُ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ, وَهُوَ عِتْقُ مَا لاَ يَمْلِكُ, وَإِنْ كَانَ أَحَدُ شُرَكَائِهِ غَائِبًا تَمَّ الْعِتْقُ وَوُقِفَ حَقُّهُ لَهُ حَتَّى يَقْدَمَ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُهُ, فَإِنْ أَقَامَ الْغَائِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي وَقْتٍ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي أَعْتَقَهُ الْحَاضِرُ وَكَانَ هُوَ مُوسِرًا, فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ وَلاَؤُهُ وَيَبْطُلُ عِتْقُ الْحَاضِرِ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَ حُرًّا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُ وَلَهُ وَلاَؤُهُ وَعَتَقَ الْبَاقِيَ عَلَى الْحَاضِرِ وَضَمِنَ. لِشَرِيكِهِ قِيمَتَهُ, وَلَوْ أَعْتَقَهُ وَاحِدٌ, ثُمَّ آخَرُ وُقِفَ الْعِتْقُ مِنْهُمَا, فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُوسِرًا دَفَعَ ثَمَنَهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ وَكَانَ عِتْقُ الْآخَرِ بَاطِلاً, وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ عَلَى الثَّانِي نَصِيبُهُ, فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُ صَاحِبِهِ وَأَعْطَاهُ قِيمَتَهُ وَكَانَ الْوَلاَءُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا أَعْتَقَ, لِلْأَوَّلِ الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَانِ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَعَلَ عَلَى الَّذِي يُعْتِقُ نَصِيبًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا مَدْفُوعًا مِنْ مَالِهِ إلَى شُرَكَائِهِ قَضَى عَلَى الْمُعْتِقِ الْآخَرِ بِذَلِكَ, وَالْقَضَاءُ بِقَلِيلِ الْغُرْمِ إذَا أَعْتَقَ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ بِكَثِيرِهِ, أَوْ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ وَفِي قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ}: دَلاَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا, إنَّ عَلَى الْمَرْءِ إذَا فَعَلَ فِعْلاً يُوجِبُ لِغَيْرِهِ إخْرَاجَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُ قِيمَةِ الْعَبْدِ, فَأَمَّا فِي مَالِ النَّاسِ فَهَذَا صَحِيحٌ, وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ مَالِهِ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ, وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنِّي أَنْظُرُ إلَى الْمُعْتِقِ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ, فَإِذَا كَانَ حِينَئِذٍ مُوسِرًا ثُمَّ قُوِّمَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا أَعْسَرَ كَانَ حُرًّا وَأُتْبِعَ بِمَا ضَمِنَ مِنْهُ وَلَمْ أَلْتَفِتْ إلَى تَغَيُّرِ حَالِهِ, إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا فِيهَا الْحُكْمُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَضْمَنُ ضَمِنَ, وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ الْقِيَاسُ, وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ حِينَ أَعْتَقَ إلَّا مِائَةً أَعْتَقْنَا مِنْهُ خُمُسَ النِّصْفِ, فَعَتَقَ نِصْفُهُ وَعُشْرُهُ وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْهُ رَقِيقًا. وَهَكَذَا كُلَّمَا قَصُرَ عَنْ مَبْلَغِ قِيمَةِ شَرِيكِهِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا وُجِدَ لِلْمُعْتِقِ وَرَقَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ مِمَّا لَمْ يَحْتَمِلْهُ مَالُهُ, وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ فِي صِحَّتِهِ, ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ إذَا كَانَ الْعِتْقُ وَهُوَ مُوسِرٌ لاََنْ يُخْرَجَ مِنْ مَالِهِ; لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا وَاجِدَ الْمَالِ يَدْفَعُ يَوْمَ أَعْتَقَ وَلاَ يَمْنَعُهُ الْمَوْتُ مِنْ حُرٍّ لَزِمَهُ فِي الصِّحَّةِ كَمَا لَوْ جَنَى جِنَايَةً, ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَمْنَعْهُ الْمَوْتُ مِنْ أَنْ يُحْكَمَ بِهَا فِي مَالِهِ, أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَسَوَاءٌ أَخَّرَ ذَلِكَ أَوْ قَدَّمَ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ خَالِصًا فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ, ثُمَّ مَاتَ كَانَ حُرًّا كُلُّهُ بِالْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَدَعْ مَالاً غَيْرَهُ; لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْ مَالِهِ وَمَتَى أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَعْتِقُ مِنْهُ قُوِّمَ عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهُ وَعَتَقَ كُلُّهُ, فَإِنْ أَعْتَقَهُ وَلاَ مَالَ لَهُ فَالْعَبْدُ رَقِيقٌ وَيَعْتِقُ مِنْهُ مَا يَمْلِكُ الْمُعْتِقَ, وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ, وَسَوَاءٌ أَيْسَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ قَبْلَهُ, إنَّمَا اُنْظُرْ إلَى الْحَالِ الَّتِي يُعْتِقُ بِهَا, فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا دَافِعًا عَتَقَ فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى الْعِتْقَ, إنَّمَا يَقَعُ بِالْيُسْرِ وَالدَّفْعِ, وَيُعْتِقُ فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى الْعِتْقَ إنَّمَا يَقَعُ بِالْيُسْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَافِعًا إذَا كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ أَعْتَقَ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوسِرٍ دَافِعٍ لَمْ يُعْتِقْ; لِأَنَّهُ يَوْمئِذٍ وَقَعَ الْحُكْمُ وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَهُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ فِي الْمُعْتِقِ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ إنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ, وَإِنَّمَا جَعَلَهُ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ بِعِتْقِ شَرِيكِهِ بِأَنْ يَكُونَ شَرِيكُهُ مُوسِرًا دَافِعًا لِقِيمَتِهِ, وَهَذَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ لاَ يُعْتِقُ إلَّا بِالدَّفْعِ, وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ يُعْتِقُ بِالْيُسْرِ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَافِعًا بِأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا غَيْرَ دَافِعٍ, وَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِ الْمُعْتَقِ عَلَيْهِ بِأَمْرَيْنِ: الْيُسْرُ وَالدَّفْعُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مِلْكِهِ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ, وَهُوَ قَوْلٌ يَجِدُ مَنْ قَالَهُ مَذْهَبًا, وَأَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمُعْتِقِ حِينَ يَقَعُ الْعِتْقُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ فَقَدْ وَقَعَ الْعِتْقُ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ, وَإِنْ أَعْدَمَ بَعْدُ أُتْبِعَ بِالْقِيمَةِ, وَلَوْ كَانَتْ الْمُعْتَقَةُ جَارِيَةً حُبْلَى يَوْمَ أُعْتِقَ بَعْضُهَا فَلَمْ تُقَوَّمْ حَتَّى وَلَدَتْ قُوِّمَتْ حُبْلَى وَعَتَقَ وَلَدُهَا مَعَهَا; لِأَنَّهَا كَانَتْ حُبْلَى يَوْمَ أُعْتِقَتْ, فَيَعْتِقُ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّونَ بِرِقِّهَا لَيْسَ بِمُنْفَصِلٍ عَنْهَا وَلَوْ زَعَمْت أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَقَعُ يَوْمَ يَكُونُ الْحُكْمُ, انْبَغَى أَنْ لاَ يَعْتِقَ الْوَلَدُ مَعَهَا; لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ الْوَلَدَ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً سَاعَةَ وَلَدَتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا مَعَهَا إنَّمَا يَعْتِقُ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا إذَا كَانَتْ حُبْلَى, فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ فَحُكْمُ وَلَدِهَا حُكْمُ وَلَدِ غَيْرِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عِتْقَ بَتَاتٍ, ثُمَّ مَاتَ كَانَ فِي ثُلُثِهِ مَا أَعْتَقَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ, فَأَمْرُهُ فِي ثُلُثِهِ كَأَمْرِ الصَّحِيحِ فِي كُلِّ مَالِهِ لاَ يَخْتَلِفُ إذَا أَعْتَقَهُ عِتْقَ بَتَاتٍ, وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ مِنْ عَبْدٍ لَهُ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَثُلُثُهُ يَحْمِلُهُ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ; لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ مَالِكٌ لِثُلُثِ مَالِهِ, أَوْ كُلِّهِ, وَكَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ كُلَّهُ, وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِ مَمْلُوكٍ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إلَّا مَا عَتَقَ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا يَوْمَ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ فِيهِ كُلُّهُ وَمَالُهُ كُلُّهُ لِوَارِثِهِ إلَّا مَا أُخِذَ مِنْ ثُلُثِهِ, فَلَمَّا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ عَبْدِهِ إلَّا ثُلُثَهُ كَانَ لاَ مَالَ لَهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ فِيهِ الْعَبْدُ فَيَعْتِقُ بِالْقِيمَةِ وَالدَّفْعِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه إذَا أَعْتَقَ رَجُلٌ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَلَمْ يَتَرَافَعَا إلَى السُّلْطَانِ إلَّا بَعْدَ أَشْهُرٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أَعْتَقَ فَاخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ يَوْمَ وَقَعَ الْعِتْقُ فَقَالَ الْمُعْتِقُ: كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلاَثِينَ وَقَالَ الْمُعْتَقُ عَلَيْهِ: كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا, أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُعْتِقِ; لِأَنَّهُ مُوسِرٌ وَاجِدٌ دَافِعٌ, فَإِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ بِهَذَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا زَعَمَ هُوَ أَنَّهُ لَزِمَهُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْعَبْدِ وَلاَ يَخْرُجُ مِلْكُهُ مِنْ يَدِهِ إلَّا بِمَا رَضِيَ كَمَا يَكُونُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ, وَفِي هَذَا سُنَّةٌ, وَهُوَ لاَ يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ قَائِمًا فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّ الْعَبْدِ, أَوْ أَخْذُهُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ, وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ هَا هُنَا رَدُّ الْعِتْقِ, وَلَكِنْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي هَذَا إذَا اخْتَلَفَا تَحَالَفَا وَكَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْفَائِتِ إذَا اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ كَانَ مَذْهَبًا, وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ الْعَبْدُ خَبَّازٌ, أَوْ كَاتِبٌ, أَوْ يَصْنَعُ صِنَاعَةً تَزِيدُ فِي عَمَلِهِ. وَقَالَ الْمُعْتِقُ: لَيْسَ كَذَلِكَ نُظِرَ فَإِنْ وُجِدَ كَانَ يَصْنَعُ تِلْكَ الصِّنَاعَةَ أُقِيمَ بِصِنَاعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَمْ يُؤْخَذْ بِقَوْلِ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ, وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعْتِقِ; لِأَنَّهُ مُدَّعَى عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ, وَإِنْ كَانَتْ صِنَاعَتُهُ مِمَّا يَحْدُثُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي تَرَافَعَا فِيهَا مِنْ يَوْمِ وَقَعَ الْعِتْقُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ, وَلَوْ قَالَ الْمُعْتِقُ: أَعْتَقْتُ هَذَا الْعَبْدَ وَهُوَ آبِقٌ, أَوْ سَارِقٌ, أَوْ مَعِيبٌ عَيْبًا لاَ يُرَى فِي بَدَنِهِ. وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ: لَيْسَ بِآبِقٍ وَلاَ سَارِقٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ, وَهُوَ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ حَتَّى يَعْلَمَ الْعَيْبَ; لِأَنَّ الْعَبْدَ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ لاَ يُرَى فِيهِ عَيْبٌ وَهُوَ يَدَّعِي فِيهِ عَيْبًا يَطْرَحُ عَنْهُ بَعْضَ مَا لَزِمَهُ وَمَنْ قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ, فَقَالَ الَّذِي يُخَالِفُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ: إنَّ مَا قُلْت كَمَا قُلْت فَأَحْلَفُوهُ, أَحَلَفْنَاهُ عَلَى دَعْوَاهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ رَدَدْنَا الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِهِ, فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ أَبْطَلْنَا حَقَّهُ فِي الْيَمِينِ وَلَمْ نُعْطِهِ إذَا تَرَكَهَا عَلَى مَا ادَّعَى, وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: أَعْتَقْت الْعَبْدَ وَهُوَ آبِقٌ, فَقُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ, فَإِنْ قَالَ الْمُعْتِقُ: هُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آبِقٌ أُحْلِفَ كَمَا وَصَفْت, وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ يَعْلَمُ مَا لاَ يُوجَدُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً وَمَا أَشْبَهَ هَذَا, وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ مَيِّتًا, أَوْ غَائِبًا فَاخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الْمُعْتِقُ: هُوَ عَبْدٌ أَسْوَدُ زِنْجِيٌّ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَقَالَ الْمُعْتَقُ عَلَيْهِ: هُوَ عَبْدٌ بَرْبَرِيٌّ, أَوْ فَارِسِيٌّ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ, فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ الَّذِي يَغْرَمُ, إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى مَا قَالَ, أَوْ يَحْلِفَ لَهُ الْمُعْتِقُ إنْ أَرَادَهُ وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ بَرْبَرِيٌّ وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ, فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ مَعَ يَمِينِهِ, وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ بَرْبَرِيٌّ. قِيمَتُهُ أَلْفٌ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا, وَخَمْسُمِائَةٍ لَوْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرٍ, وَادَّعَى الْمُعْتِقُ أَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْمُعْتِقُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى مَا ادَّعَى. وَإِنْ شَاءَ أَحَلَفْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرَ إنْ قَالَ هُوَ يَعْلَمُ مَا قُلْت إنَّمَا يُصَدِّقُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْقِيمَةِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ عَيْبًا وَقَالَ قِيمَةُ السِّلْعَةِ كَذَا لِمَا يَكُونُ مِثْلُهُ قِيمَةً لِمِثْلِ الْعَبْدِ بِلاَ عَيْبٍ, فَأَمَّا إذَا ذَكَرَ عَيْبًا فَالْغُرْمُ لاَزِمٌ وَهُوَ مُدَّعٍ طَرْحَهُ أَوْ طَرْحَ بَعْضِهِ; لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ حَتَّى يَعْلَمَ عَيْبًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَمَنْ مَلَكَ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ, أَوْ ابْنَهُ, أَوْ ابْنَ ابْنِهِ وَإِنْ تَبَاعَدَ أَوْ جَدًّا مِنْ قِبَلِ أَبٍ, أَوْ أُمٍّ, أَوْ وَلَدًا مِنْ ابْنٍ أَوْ بِنْتٍ وَإِنْ تَبَاعَدَ مِمَّنْ يَصِيرُ إلَيْهِ نَسَبُ الْمَالِكِ مِنْ أَبٍ, أَوْ أُمٍّ, أَوْ يَصِيرُ إلَى الْمَالِكِ نَسَبُهُ مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ حَتَّى يَكُونَ الْمَالِكُ وَلَدًا, أَوْ وَالِدًا بِوَجْهٍ عَتَقَ عَلَيْهِ حِينَ يَصِحُّ مِلْكُهُ لَهُ, وَلاَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَنْ سَمَّيْت لاَ أَخٌ وَلاَ أُخْتٌ وَلاَ زَوْجَةٌ وَلاَ غَيْرُهُمْ مِنْ ذَوِي الْقَرَابَةِ, وَمَنْ مَلَكَ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ شِقْصًا بِهِبَةٍ, أَوْ شِرَاءٍ, أَوْ أَيِّ وَجْهٍ مَا مَلَكَهُ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ سِوَى الْمِيرَاثِ عَتَقَ عَلَيْهِ الشِّقْصُ الَّذِي مَلَكَهُ وَقُوِّمَ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَعَتَقَ عَلَيْهِ, وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا مَلَكَ وَرَقَّ مَا بَقِيَ لِغَيْرِهِ, وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ إذَا مَلَكَ أَحَدًا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ فَكَانَ حُكْمُهُ أَبَدًا إذَا مَلَكَهُ كَمَنْ أَعْتَقَ وَهُوَ إذَا مَلَكَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ لاَ يَمْلِكَهُ فِي حُكْمِ الْمُعْتِقِ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ لاَ يَخْتَلِفَانِ, وَهُوَ إذَا وَهَبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ وَكُلَّ مَا مَلَكَ غَيْرَ الْمِيرَاثِ, فَقَبُولُهُ فِي الْحَالِ الَّتِي لَهُ رَدُّهُ فِيهَا كَاشْتِرَائِهِ شِقْصًا مِنْهُ وَشِرَاؤُهُ وَقَبُولُهُ كَعِتْقِهِ, وَلَكِنَّهُ لَوْ وَرِثَ بَعْضَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ الْمِيرَاثِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ أَنْ أَلْزَمَ الْأَحْيَاءَ مِلْكَ الْمَوْتَى عَلَى مَا فَرَضَ لَهُمْ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرُدَّ مِلْكَ الْمِيرَاثِ وَلَوْ وَرِثَ عَبْدًا زَمِنًا, أَوْ أَعْمَى كَانَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَلَيْسَ هَكَذَا مِلْكٌ غَيْرُ الْمِيرَاثِ, مَا سِوَى الْمِيرَاثِ يَدْفَعُ فِيهِ الْمَرْءُ الْمِلْكَ عَنْ نَفْسِهِ. وَإِذَا مَلَكَ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ شِقْصًا عَتَقَ عَلَيْهِ مَا مَلَكَ مِنْهُ وَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْهُ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ مِلْكُهُ بِنَفْسِهِ إنَّمَا مَلَكَهُ مِنْ حَيْثُ لَيْسَ لَهُ دَفْعُهُ, وَسَوَاءٌ كَانَ الَّذِي يَمْلِكُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا, أَوْ كَافِرًا, أَوْ صَغِيرًا, أَوْ كَبِيرًا لاَ اخْتِلاَفَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ وَرِثَ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ, أَوْ مَعْتُوهٌ لاَ يَعْقِلُ, أَوْ مُولِي عَلَيْهِ أَبًا, أَوْ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَتَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ مَنْ مَلَكَ بِالْمِيرَاثِ, وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُ هَؤُلاَءِ شِقْصًا بِالْمِيرَاثِ عَتَقَ عَلَيْهِمْ الشِّقْصُ وَلَمْ يَعْتِقْ غَيْرُهُ بِقِيمَتِهِ لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَقْدِرُونَ عَلَى رَدِّ ذَلِكَ الْمِلْكِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا أَوْ مَعْتُوهًا وُهِبَ لَهُ أَبُوهُ, أَوْ ابْنُهُ, أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ, أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ وَلاَ مَالَ لِلصَّبِيِّ وَلَهُ وَلِيٌّ كَانَ عَلَى وَلِيِّهِ قَبُولُ هَذَا كُلِّهِ لَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ حِينَ يَقْبَلُهُ, وَلَوْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ, أَوْ ثُلُثِهِ, أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ, أَوْ وُهِبَ لَهُ وَالصَّبِيُّ, أَوْ الْمَعْتُوهُ مُعْسِرَانِ كَانَ لِوَلِيِّهِ قَبُولُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَتَقَ مِنْهُ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ وَلَدِهِ, وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَوُهِبَ لَهُ نِصْفُ ابْنِهِ أَوْ نِصْفُ أَبِيهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ, وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ النِّصْفُ وَيَكُونُ مُوسِرًا فَيَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُوسِرِ عِتْقَ مَا يَبْقَى وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْبَلَ هَذَا كُلَّهُ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ قَبُولَهُ ضَرَرٌ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَلاَ مَنْفَعَةَ لَهُمَا فِيهِ عَاجِلَةٌ وَمَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْبَلَهُ لَهُ, فَإِنْ قَبِلَهُ فَقَبُولُهُ مَرْدُودٌ عَنْهُ; لِأَنَّ فِي قَبُولِهِ ضَرَرًا عَلَى الصَّبِيِّ, أَوْ ضَرَرًا عَلَى شَرِيكِ الصَّبِيِّ. وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتِقَ عَلَى الْمَالِكِ الشَّرِيكِ بِقِيمَةٍ يَأْخُذُهَا, فَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ الْقِيمَةَ عَتَقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ حَتَّى يَصِحَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ.
بسم الله الرحمن الرحيم. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رضي الله تعالى عنه; قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: {إنَّ أَبَا مَذْكُورٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي عُذْرَةَ كَانَ لَهُ غُلاَمٌ قِبْطِيٌّ فَأَعْتَقَهُ عَنْ دَبْرٍ مِنْهُ, وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ بِذَلِكَ الْعَبْدِ فَبَاعَ الْعَبْدَ, وَقَالَ: إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فَقِيرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ, فَإِنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ فَلْيَبْدَأْ مَعَ نَفْسِهِ بِمَنْ يَعُولُ, ثُمَّ إنْ وَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلاً فَلْيَتَصَدَّقْ عَلَى غَيْرِهِمْ} وَقَدْ زَادَ مُسْلِمٌ فِي الْحَدِيثِ شَيْئًا هُوَ نَحْوٌ مِنْ سِيَاقِ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: {أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دَبْرٍ, فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: لاَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَشْتَرِيه مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا, فَإِنْ فَضَلَ عَنْ نَفْسِك شَيْءٌ فَلِأَهْلِك. فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِذَوِي قَرَابَتِك, فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذَوِي قَرَابَتِك شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا} يُرِيدُ عَنْ يَمِينِك وَشِمَالِك قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَوْلُ جَابِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ رَجُلاً مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يَعْنِي حُلَفَاءَ, أَوْ جِيرَانًا فِي عِدَادِهِمْ فِي الْأَنْصَارِ وَقَالَ مَرَّةً رَجُلاً مِنَّا يَعْنِي بِالْحَلِفِ وَهُوَ أَيْضًا مِنْهُمْ بِالنَّسَبِ وَنَسَبَهُ أُخْرَى إلَى قَبِيلَةٍ كَمَا سَمَّاهُ مَرَّةً وَلَمْ يُسَمِّهِ أُخْرَى قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: {أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دَبْرٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَشْتَرِيه مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ, وَأَعْطَاهُ الثَّمَنَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ سَمِعَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: {دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَّا غُلاَمًا لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَشْتَرِيه مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّامُ قَالَ عَمْرٌو وَسَمِعَتْ جَابِرًا يَقُولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلٍ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ, وَزَادَ أَبُو الزُّبَيْرِ يُقَالُ لَهُ: يَعْقُوب} قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَكَذَا سَمِعْت مِنْهُ عَامَّةَ دَهْرِي, ثُمَّ وَجَدْت فِي كِتَابِي: دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَّا غُلاَمًا لَهُ, فَمَاتَ, فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَطَأً مِنْ كِتَابِي, أَوْ خَطَأً مِنْ سُفْيَانَ فَإِنْ كَانَ مِنْ سُفْيَانَ فَابْنُ جُرَيْجٍ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ مِنْ سُفْيَانَ وَمَعَ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدِيثُ اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَحُدُّ الْحَدِيثَ تَحْدِيدًا يُخْبِرُ فِيهِ حَيَاةَ الَّذِي دَبَّرَهُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مَعَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ عَمْرٍو مِنْ سُفْيَانَ وَحْدَهُ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى حِفْظِ الْحَدِيثِ مِنْ خَطَئِهِ بِأَقَلَّ مِمَّا وَجَدْت فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَاللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَفِي حَدِيث حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِ حَمَّادٍ يَرْوِيهِ عَنْ عَمْرٍو كَمَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ, وَقَدْ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقِيَ سُفْيَانَ قَدِيمًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُدْخِلُ فِي حَدِيثِهِ مَاتَ, وَعَجِبَ بَعْضُهُمْ حِينَ أَخْبَرْته أَنِّي وَجَدَتْ فِي كِتَابِي مَاتَ, فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا خَطَأٌ مِنْهُ, أَوْ زِلَّةٌ مِنْهُ حَفِظْتهَا عَنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا بَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَبَّرًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ دَيْنًا وَلاَ حَاجَةً; لِأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ لاَ يَكُونُ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ وَلاَ يَحْتَاجُ إلَى ثَمَنِهِ, فَالْمُدَبَّرُ وَمَنْ لَمْ يُدَبَّرْ مِنْ الْعَبِيدِ سَوَاءٌ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ مَتَى شَاءَ مَالِكُهُمْ وَفِي كُلِّ حَقٍّ لَزِمَ مَالِكَهُمْ. يَجُوزُ بَيْعُهُمْ مَتَى شَاءَ مَالِكُهُمْ, وَفِي كُلِّ مَا يُبَاعُ فِيهِ مَالُ سَيِّدِهِمْ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ وَفَاءٌ إلَّا بِبَيْعِهِمْ, وَذَلِكَ أَنَّ التَّدْبِيرَ لاَ يَعْدُو مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنْ لاَ يَكُونَ حَائِلاً دُونَ الْبَيْعِ فَقَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ دَلاَلَةُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَكُونَ حَائِلاً فَنَحْنُ لاَ نَبِيعُ الْمُكَاتَبَ فِي دَيْنِ سَيِّدِهِ لِلْحَائِلِ مِنْ الْكِتَابَةِ, فَقَدْ يَؤُولُ إلَى أَنْ يَكُونَ عَبْدًا إذَا عَجَزَ, فَإِذَا مَنَعْنَاهُ, وَقَدْ يَؤُولُ إلَى أَنْ يَكُونَ عَبْدًا يُبَاعُ إذَا عَجَزَ مِنْ الْبَيْعِ وَبِعْنَا الْمُدَبَّرَ, فَذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ كَمَا وَصَفْنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ لَمْ يَبِعْ أُمَّ الْوَلَدِ لَمْ يَبِعْهَا بِحَالٍ وَأَعْتَقَهَا بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَارِغَةً مِنْ الْمَالِ وَكُلُّ, هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَاعَ مُدَبَّرًا احْتَاجَ صَاحِبُهُ إلَى ثَمَنِهِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ يَعُودُ الرَّجُلُ فِي مُدَبَّرِهِ, أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ صَاحِبُهُ فِيهِ مَتَى شَاءَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ قَالَ: سَأَلَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: كَيْفَ كَانَ أَبُوك يَقُولُ فِي الْمُدَبَّرِ أَيَبِيعُهُ صَاحِبُهُ؟ قَالَ: قُلْت: كَانَ يَقُولُ: يَبِيعُهُ إذَا احْتَاجَ صَاحِبُهُ إلَى ثَمَنِهِ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ وَيَبِيعُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَاعَ مُدَبَّرًا فِي دَيْنِ صَاحِبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَعْلَمُ بَيْنَ النَّاسِ اخْتِلاَفًا فِي أَنَّ تَدْبِيرَ الْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ لَهُ سَيِّدُهُ صَحِيحًا, أَوْ مَرِيضًا: أَنْتَ مُدَبَّرٌ, وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ وَقَالَ: أَرَدْت عِتْقَهُ بِكُلِّ حَالٍ بَعْدَ مَوْتِي, أَوْ أَنْتَ عَتِيقِي, أَوْ أَنْتَ مُحَرَّرٌ, أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتّ, أَوْ مَتَى مِتّ, أَوْ بَعْدَ مَوْتِي, أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْكَلاَمِ فَهَذَا كُلُّهُ تَدْبِيرٌ. وَسَوَاءٌ عِنْدِي قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي, أَوْ مَتَى مِتّ إنْ لَمْ أُحْدِثْ فِيك حَدَثًا, أَوْ تَرَكَ اسْتِثْنَاءَ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ حَدَثًا; لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ نَقْضَ التَّدْبِيرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ, أَوْ سَنَتَانِ, أَوْ شَهْرُ كَذَا أَوْ سَنَةُ كَذَا, أَوْ يَوْمُ كَذَا, فَجَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ, وَهُوَ فِي مِلْكِهِ, فَهُوَ حُرٌّ, وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هَذَا كُلِّهِ بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ, أَوْ هِبَةٍ, أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا رَجَعَ فِي بَيْعِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ إنْ كَانَ قَالَ: هَذَا لِأَمَةٍ فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا, أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَائِنٌ لاَ يَخْتَلِفُ بِحَالٍ فَهُوَ كَالتَّدْبِيرِ وَوَلَدُهَا فِيهِ كَوَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ, وَحَالُهَا حَالُ الْمُدَبَّرَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا أَنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ, وَهَذَا قَوْلُ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ وَبِهِ نَقُولُ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ وَيَعْتِقُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ وَوَلَدُ هَذِهِ بِعِتْقِهَا, وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا تُخَالِفُ الْمُدَبَّرَةَ لاَ يَكُونُ وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا تَعْتِقُ هِيَ دُونَ وَلَدِهَا الَّذِينَ وُلِدُوا بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ فِي صِحَّتِهِ لِعَبْدِهِ أَوْ لِأَمَتِهِ مَتَى مَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَأَنْتَ حُرٌّ, أَوْ مَتَى مَا بَرِئَ فُلاَنٌ فَأَنْتَ حُرٌّ, فَلَهُ الرُّجُوعُ بِأَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ مَقْدِمِ فُلاَنٍ, أَوْ بُرْءِ فُلاَنٍ وَإِنْ قَدِمَ فُلاَنٌ أَوْ بَرِئَ فُلاَنٌ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إذَا كَانَ قَدِمَ فُلاَنٌ, أَوْ كَانَ الَّذِي أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَيْهِ وَالْقَائِلُ مَالِكٌ حَيٌّ مَرِيضًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا; لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِي الْمَرَضِ شَيْئًا, وَهَذَا مَوْضِعٌ يُوَافِقُنَا فِيهِ جَمِيعُ مَنْ خَالَفْنَا مِنْ النَّاسِ فِي أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الرُّجُوعَ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ فُلاَنٌ أَوْ يَبْرَأَ فُلاَنٌ, وَإِذَا سُئِلُوا عَنْ الْحُجَّةِ قَالُوا: إنَّ هَذَا قَدْ يَكُونُ وَلاَ يَكُونُ: فَلَيْسَ كَمَا هُوَ كَائِنٌ فَقِيلَ لَهُمْ: أَوَلَيْسَ إنَّمَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ إلَى سَنَةٍ إذَا كَانَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ حَيًّا وَالسَّيِّدُ مَيِّتًا, وَقَدْ مَضَتْ السَّنَةُ, أَوَلَيْسَ قَدْ يَمُوتُ هُوَ قَبْلَ يَمُوتُ السَّيِّدُ, وَتَكُونَ السَّنَةُ وَلَيْسَ لَهُ يَقِينُ حُكْمٍ يَعْتِقُ بِهِ؟ وَقَدْ يُفْقَدُ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ فَلاَ يُعْرَفُ مَوْتُهُ وَلاَ يَعْتِقُ, وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَاتَ وَلَكِنْ لَمْ يُسْتَيْقَنْ مَعْرِفَتُهُ إنَّمَا يَعْتِقُ بِالْيَقِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَعْلَمُ بَيْنَ وَلَدِ الْأَمَةِ يُقَالُ لَهَا إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَبَيْنَ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعْتَقَةِ إلَى سَنَةٍ فَرْقًا يَبِينُ, بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونُوا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ, وَلَوْ قَالَ: إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَأَنْتَ حُرٌّ, مَتَى مِتّ, أَوْ إذَا جَاءَتْ السَّنَةُ فَأَنْتَ حُرٌّ, مَتَى مِتّ فَمَاتَ كَانَ مُدَبَّرًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا, أَوْ فِي سَفَرِي هَذَا, أَوْ فِي عَامِي. هَذَا, فَلَيْسَ هَذَا بِتَدْبِيرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا صَحَّ, ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِ مَرَضِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حُرًّا, وَالتَّدْبِيرُ مَا أَثْبَتَ السَّيِّدُ التَّدْبِيرَ فِيهِ لِلْمُدَبَّرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِعَشْرِ سِنِينَ, فَهُوَ حُرٌّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الثُّلُثِ, وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا إذَا عَتَقَتْ, وَهَذِهِ أَقْوَى عِتْقًا مِنْ الْمُدَبَّرَةِ; لِأَنَّ هَذِهِ لاَ يَرْجِعُ فِيهَا إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا وَمَا كَانَ سَيِّدُهَا حَيًّا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرَةِ. الْمَشِيئَةُ فِي الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ: إنْ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ مَتَى مِتّ فَشَاءَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ, وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَالَ إذَا مِتّ فَشِئْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ شَاءَ إذَا مَاتَ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا, وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتّ إنْ شِئْتَ, وَكَذَلِكَ إنْ قَدَّمَ الْحُرِّيَّةَ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ أَوْ أَخَّرَهَا, وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا بَالُك تَقُولُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي بِالْعِتْقِ, أَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي بِالتَّدْبِيرِ أَنَفَذْتَ الْعِتْقَ وَالتَّدْبِيرَ, وَلَمْ تَجْعَلْ الْمَشِيئَةَ إلَى الْعَبْدِ وَجَعَلَتْ ذَلِكَ لَهُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنَّ الْعِتْقَ الْبَتَاتَ وَالتَّدْبِيرَ الْبَتَاتَ شَيْءٌ تَمَّ بِقَوْلِهِ دُونَ رِضَا الْمُعْتَقِ وَالْمُدَبَّرِ, وَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ الْمُعْتَقِ مِنْ مَالِهِ, وَالْمُدَبَّرِ فِي هَذِهِ الْحَالِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهُ فَوَقَعَ لَهُ عِتْقُ بَتَاتٍ, أَوْ عِتْقُ تَدْبِيرٍ لَزِمَهُمَا مَعًا حُقُوقٌ وَفَرَائِضُ لَمْ تَكُنْ تَلْزَمُهُمَا قَبْلَ الْعِتْقِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعِتْقِ مَثْنَوِيَّةٌ فَيُنْتَظَرُ كَمَالُ الْمَثْنَوِيَّةِ, بَلْ ابْتَدَأَ هَذَا الْعِتْقُ كَامِلاً وَلاَ نَقْصَ وَلاَ مَثْنَوِيَّةَ فِيهِ, فَأَمْضَيْنَاهُ كَامِلاً بِإِمْضَائِهِ كَامِلاً, وَلَمْ أَجْعَل الْمَشِيئَةَ فِيهِ إلَى الْعَبْدِ كَأَنَّ عِتْقَهُ وَتَدْبِيرَهُ بِمَثْنَوِيَّةٍ, فَلاَ يَنْفُذُ إلَّا بِكَمَالِهَا. وَكَذَلِكَ الطَّلاَقُ إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَدُّ الطَّلاَقِ; لِأَنَّهُ كَامِلٌ وَيَخْرُجُ مِنْ يَدَيْهِ مَا كَانَ لَهُ وَيَلْزَمُهَا شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهَا قَبْلَهُ, وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت, أَوْ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَ الطَّلاَقَ; لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ مَثْنَوِيَّةً فَلاَ يَكُونُ إلَّا بِأَنْ تَجْتَمِعَ الْمَثْنَوِيَّةُ مَعَ الطَّلاَقِ فَيَتِمُّ الطَّلاَقُ بِاللَّفْظِ بِهِ, وَكَمَالُ الْمَثْنَوِيَّةِ وَكَمَالُهَا أَنْ تَشَاءَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ شَاءَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ فَغُلاَمِي حُرٌّ عِتْقُ بَتَاتٍ, أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَإِنْ شَاءَ أَكَانَ حُرًّا, وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ مُدَبَّرًا وَإِنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَشَأْ الْآخَرُ, أَوْ مَاتَ الْآخَرُ أَوْ غَابَ لَمْ يَكُنْ حُرًّا حَتَّى يَجْتَمِعَا فَيَشَاءَا بِالْقَوْلِ مَعًا وَلَوْ قَالَ: لِرَجُلَيْنِ أَعْتِقَا غُلاَمِي إنْ شِئْتُمَا فَاجْتُمِعَا عَلَى الْعِتْقِ عَتَقَ, وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: دَبِّرَاهُ إنْ شِئْتُمَا فَأَعْتَقَاهُ عِتْقَ بَتَاتٍ كَانَ الْعِتْقُ بَاطِلاً وَلَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا إلَّا بِأَنْ يُدَبِّرَاهُ إنَّمَا تَنْفُذُ مَشِيئَتُهُمَا بِمَا جَعَلَ إلَيْهِمَا لاَ بِمَا تَعَدَّيَا فِيهِ, وَسَوَاءٌ التَّدْبِيرُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ لاَ فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ الْوَصَايَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي تَدْبِيرِهِ مَرِيضًا, أَوْ صَحِيحًا بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ, أَوْ دَارِهِ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ مَرِيضًا أَوْ صَحِيحًا. وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي تَدْبِيرِهِ حَتَّى مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَالْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ; لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ الْوَصَايَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ كُنْت أَخَذْته مَرْفُوعًا فَقَالَ لِي أَصْحَابِي: لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَوَقَفْته قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحُفَّاظُ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَهُ يَقِفُونَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَلاَ أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْت مِنْ الْمُفْتِينَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَصِيَّةٌ مِنْ الثُّلُثِ (قَالَ الرَّبِيعُ): لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمُدَبَّرِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا, إنَّهُ إذَا دَبَّرَهُ, ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ بِاللِّسَانِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ التَّدْبِيرِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ, أَوْ صَدَقَةٍ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَ الْمُدَبَّرَ مِنْ مِلْكِ. صَاحِبِهِ وَلاَ يُخْرِجُهُ مِنْ تَدْبِيرِهِ حَتَّى يُخْرِجَهُ كَمَا أَخْرَجَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ الْوَصَايَا يَرْجِعُ فِيهِ بِاللِّسَانِ كَمَا يَرْجِعُ فِي الْوَصِيَّةِ, وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي تَدْبِيرِهِ بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَإِنْ قَالَ لَهُ الْمُدَبَّرُ عَجِّلْ لِي الْعِتْقَ وَلَك عَلَيَّ خَمْسُونَ دِينَارًا قَبْلَ يَقُولُ السَّيِّدُ قَدْ رَجَعَتْ فِي تَدْبِيرِي فَقَالَ السَّيِّدُ: نَعَمْ فَأَعْتَقَهُ, فَهَذَا عِتْقٌ عَلَى مَالٍ وَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ وَعَلَيْهِ الْخَمْسُونَ وَقَدْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ, وَإِذَا لَزِمَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ بِيعَ الْمُدَبَّرُ فِي دَيْنِهِ كَمَا يُبَاعُ مَنْ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مِنْ رَقِيقِهِ; لِأَنَّ سَيِّدَهُ إذَا كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى إبْطَالِ تَدْبِيرِهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ فِيهِ حُرِّيَّةٌ حَائِلَةٌ دُونَ بَيْعِهِ فِي دَيْنِ سَيِّدِهِ وَبَيْعِهِ فِي حَيَاتِهِ نَفْسِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُبَاعُ فِيهِ الْعَبْدُ غَيْرُ الْمُدَبَّرِ, وَلَوْ لَزِمَ سَيِّدَهُ دَيْنٌ بُدِئَ بِغَيْرِ الْمُدَبَّرِ مِنْ مَالِهِ فَبِيعَ عَلَيْهِ وَلاَ يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ حَتَّى لاَ يُوجَدَ لَهُ قَضَاءٌ إلَّا بِبَيْعِهِ, أَوْ بِقَوْلِ السَّيِّدِ قَدْ أَبْطَلْت تَدْبِيرَهُ وَهُوَ عَلَى التَّدْبِيرِ حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ, أَوْ لاَ يُوجَدَ لَهُ مَالٌ يُؤَدِّي دَيْنَهُ غَيْرُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ سَيِّدَهُ دَيْنٌ كَانَ لَهُ إبْطَالُ تَدْبِيرِهِ فَإِنْ قَالَ سَيِّدُهُ: قَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِ هَذَا الْعَبْدِ, أَوْ أَبْطَلْته, أَوْ نَقَضْته, أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ مِثْلُهُ رُجُوعًا فِي وَصِيَّتِهِ لِرَجُلٍ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلتَّدْبِيرِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ ذَلِكَ, وَهُوَ يُخَالِفُ الْوَصِيَّةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَيُجَامِعُ مَرَّةً الْإِيمَانَ وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهُ, ثُمَّ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ هِبَةَ بَتَاتٍ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ, أَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ, أَوْ نَدِمَ عَلَيْهَا أَوْ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ, أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ, أَوْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ, أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ, أَوْ قَالَ: إنْ أَدَّى بَعْدَ مَوْتِي كَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا كُلُّهُ رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ بِاتِّصَالِهِ وَلَوْ دَبَّرَ نِصْفَهُ كَانَ نِصْفُهُ مُدَبَّرًا وَلَمْ يَعْتِقْ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْهُ إلَّا النِّصْفُ الَّذِي دَبَّرَ; لِأَنَّهُ إنَّمَا لَهُ مِنْ ثُلُثِهِ مَا أَخَذَ وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ إلَّا نِصْفَهُ فَلاَ مَالَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَقُومُ عَلَيْهِ فِيهِ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَقَلَ مِلْكَهُ إلَى مِلْكِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ وَرَّثَهُمْ فَلاَ مَالَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَقُومُ عَلَيْهِ وَلَوْ دَبَّرَهُ, ثُمَّ أَوْصَى بِنِصْفِهِ لِرَجُلٍ كَانَ النِّصْفُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ وَكَانَ النِّصْفُ مُدَبَّرًا. فَإِنْ رَدَّ صَاحِبُ الْوَصِيَّةِ الْوَصِيَّةَ وَمَاتَ السَّيِّدُ الْمُدَبِّرُ لَمْ يَعْتِقْ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا النِّصْفُ; لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ أَبْطَلَ التَّدْبِيرَ فِي النِّصْفِ الَّذِي أَوْصَى بِهِ كَذَلِكَ وَلَوْ وَهَبَ نِصْفَهُ وَهُوَ حَيٌّ, أَوْ بَاعَ نِصْفَهُ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ قَدْ أَبْطَلَ التَّدْبِيرَ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَاعَ, أَوْ وَهَبَ وَالنِّصْفُ الثَّانِي مُدَبَّرًا مَا لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ, وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُدَبِّرَ عَلَى الِابْتِدَاءِ نِصْفَ عَبْدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَهُ وَيُقِرَّ النِّصْفَ مُدَبَّرًا بِحَالِهِ, وَكَذَلِكَ إنْ دَبَّرَهُ, ثُمَّ قَالَ: قَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِي ثُلُثَك, أَوْ رُبُعَك, أَوْ نِصْفَك فَأَبْطَلْته كَانَ مَا رَجَعَ فِيهِ مِنْهُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ خَارِجًا مِنْ التَّدْبِيرِ وَمَا لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ بِحَالِهِ فَإِذَا دَبَّرَهُ, ثُمَّ كَاتَبَهُ فَلَيْسَ الْكِتَابَةُ إبْطَالاً لِلتَّدْبِيرِ إنَّمَا الْكِتَابَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةِ الْخَرَاجِ وَالْخَرَاجُ بَدَلٌ مِنْ الْخِدْمَةِ وَلَهُ أَنْ يَخْتَدِمَهُ وَأَنْ يُخَارِجَهُ وَكَذَلِكَ يُكَاتِبُهُ إذَا رَضِيَ فَإِنْ أَدَّى قَبْلَ مَوْتِهِ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ وَإِنْ مَاتَ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَبَطَلَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْهُ وَبَطَلَ عَنْهُ مِنْ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ; لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ تَعَجُّلَهُ الْعِتْقَ وَيُرِيدُ الْعَبْدُ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ فَيُكَاتِبُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ دَبَّرَ رَجُلٌ عَبْدَهُ, ثُمَّ قَالَ اخْدِمْ فُلاَنًا لِرَجُلٍ حُرٍّ ثَلاَثَ سِنِينَ وَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ غَابَ الْمُدَبِّرُ الْقَائِلُ هَذَا, أَوْ خَرِسَ, أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ الْمُدَبِّرُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَيَخْدِمُ فُلاَنًا ثَلاَثَ سِنِينَ فَإِنْ مَاتَ فُلاَنٌ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِ الْعَبْدِ, أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَخْدِمْهُ ثَلاَثَ سِنِينَ لَمْ يَعْتِقْ أَبَدًا; لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ. بِشَرْطَيْنِ فَبَطَل أَحَدُهُمَا, وَإِنْ سُئِلَ السَّيِّدُ فَقَالَ: أَرَدْت إبْطَالَ التَّدْبِيرِ وَأَنْ يَخْدِمَ فُلاَنًا ثَلاَثَ سِنِينَ, ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَالتَّدْبِيرُ بَاطِلٌ وَإِنْ خَدَمَ فُلاَنًا ثَلاَثَ سِنِينَ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ مَاتَ فُلاَنٌ قَبْلَ أَنْ يَخْدِمَهُ أَوْ وَهُوَ يَخْدِمُهُ الْعَبْدُ لَمْ يَعْتِقْ, وَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ الرُّجُوعَ فِي الْإِخْدَامِ رَجَعَ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا, وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنْ يَكُونَ مُدَبَّرًا بَعْدَ خِدْمَةِ فُلاَنٍ ثَلاَثَ سِنِينَ وَالتَّدْبِيرُ بِحَالِهِ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِهِمَا مَعًا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى, وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ, ثُمَّ قَالَ قَبْلَ مَوْتِهِ: إنْ أَدَّى مِائَةً بَعْدَ مَوْتِي فَهُوَ حُرٌّ, أَوْ عَلَيْهِ خِدْمَةُ عَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ مَوْتِي, ثُمَّ هُوَ حُرٌّ, أَوْ قَالَ: هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِسَنَةٍ فَإِنْ أَدَّى مِائَةً, أَوْ خَدَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ عَشْرَ سِنِينَ, أَوْ أَتَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ سَنَةٌ فَهُوَ حُرٌّ وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ وَكَانَ هَذَا كُلُّهُ وَصِيَّةٌ أَحْدَثَهَا لَهُ, وَعَلَيْهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ شَيْءٌ أَوْلَى مِنْ التَّدْبِيرِ كَمَا يَكُونُ لَوْ قَالَ: عَبْدِي هَذَا لِفُلاَنٍ, ثُمَّ قَالَ: بَلْ نِصْفُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا نِصْفُهُ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: عَبْدِي لِفُلاَنٍ, ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: عَبْدِي لِفُلاَنٍ إذَا دَفَعَ إلَى وَرَثَتِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ, أَوْ إلَى غَيْرِ وَرَثَتِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ دَفَعَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ; لِأَنَّهُ إحْدَاثُ وَصِيَّةٍ لَهُ, وَعَلَيْهِ بَعْدَ الْأُولَى يَنْتَقِضُ الشَّرْطُ فِي الْأُولَى, وَالْآخِرَةُ إذَا نُقِضَتْ أَحَقُّ مِنْ الْأُولَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَنَى الْمُدَبَّرُ جِنَايَةً فَلَمْ يَتَطَوَّعْ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَهُ فَبَاعَهُ السُّلْطَانُ, ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثَانِيَةً لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ, وَكَانَ بَيْعُ السُّلْطَانِ عَلَيْهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ كَبَيْعِهِ عَلَى نَفْسِهِ, وَكَانَ إبْطَالاً لِلتَّدْبِيرِ وَلَوْ افْتَدَاهُ سَيِّدُهُ مُتَطَوِّعًا كَانَ عَلَى التَّدْبِيرِ, وَلَوْ ارْتَدَّ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ عَنْ الْإِسْلاَمِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ, ثُمَّ أَخَذَهُ سَيِّدُهُ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ كَانَ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَلاَ تَنْقُضُ الرِّدَّةُ وَلاَ الْإِبَاقُ لَوْ أَبَقَ تَدْبِيرَهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذَهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ, أَوْ بَعْدَ مَا يُقْسَمُ كَانَ مُدَبَّرًا فَكَانَ عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَرْجِعْ سَيِّدُهُ فِي تَدْبِيرِهِ بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ, وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ كَانَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَكَانَ عَلَى التَّدْبِيرِ, وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَوُقِفَ مَالُهُ لِيَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ, أَوْ يَرْجِعَ ثَانِيًا فَيَكُونَ عَلَى مِلْكِ مَالِهِ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ, أَوْ لَمْ يَلْحَقْ, ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى مِلْكِ مَالِهِ وَالْعَبْدُ مُدَبَّرٌ بِحَالِهِ وَلَوْ مَاتَ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا وَكَانَ الْمُدَبَّرُ حُرًّا; لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا مَلَكُوا مَالَ الْمُرْتَدِّ السَّيِّدِ الْمُدَبِّرِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَمْلِكُوا بِالْمِيرَاثِ شَيْئًا وَدِينُهُمْ غَيْرُ دِينِهِ إلَّا أَنَّهُمْ إنَّمَا مَلَكُوا فِي الْحَيَاةِ وَكَانَ التَّدْبِيرُ وَهُوَ جَائِزُ الْأَمْرِ فِي مَالِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُدَبَّرُ: قَدْ رَدَدْتُ التَّدْبِيرَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ, أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ مَا يَعْتِقُ بِهِ الْعَبْدُ كَمَا يُوصِي بِهِ الْحُرُّ مِنْ غَيْرِ نَفْسِهِ كُلُّ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِمَالٍ يَمْلِكُهُ عَنْ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ رَدُّ الْوَصِيَّةِ وَكُلُّ مَنْ أَعْتَقَ عِتْقَ بَتَاتٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ الْعِتْقِ; لِأَنَّهُ شَيْءٌ أُخْرِجَ مِنْ يَدَيْ الْمُعْتَقِ تَامًّا فَتَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُعْتَقِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحُقُوقُ وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ إلَى وَقْتٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ دَبَّرَ أَمَتَهُ فَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ تَعْتِقُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ, وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ كَانَ مُكَاتَبًا وَغَيْرَ خَارِجٍ مِنْ التَّدْبِيرِ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ دَبَّرَهُ, ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ كَذَا وَكَذَا كَانَ حُرًّا عَلَى الشَّرْطِ الْآخَرِ إذَا قَالَ: أَرَدْت بِهَذَا رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ, وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ عَتَقَ إنْ أَدَّى, فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ, فَإِنْ أَرَادَ بِهَذَا رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ فَهُوَ رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ وَلاَ يَكُونُ هَذَا رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ إلَّا بِقَوْلِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَرَادَ رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ, فَإِنْ دَبَّرَهُ, ثُمَّ قَاطَعَهُ عَلَى شَيْءٍ وَتَعَجَّلَهُ الْعِتْقُ فَلَيْسَ هَذَا نَقْضًا لِلتَّدْبِيرِ وَالْمُقَاطَعَةُ عَلَى مَا تقطاعا عَلَيْهِ فَإِنْ أَدَّاهُ عَتَقَ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ الْمُدَبَّرُ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذْ دَبَّرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ, ثُمَّ لَمْ يُحْدِثْ رُجُوعًا فِي تَدْبِيرِهِ وَلاَ نَقْضًا لَهُ وَلَمْ يَلْحَقْ فِي عِتْقِ. الْمُدَبَّرِ شَيْءٌ يُبَاعُ بِهِ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَلَوْ دَبَّرَ السَّيِّدُ, ثُمَّ خَرِسَ فَلَمْ يَنْطِقْ حَتَّى مَاتَ كَانَ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَلاَ يُنْقَضُ التَّدْبِيرُ إلَّا بِإِبْطَالِهِ إيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدَيْهِ, أَوْ مَا وَصَفْت مِنْ حَقٍّ يَلْزَمُهُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ, أَوْ ذِمَّةِ السَّيِّدِ وَلَوْ دَبَّرَهُ, ثُمَّ خَرِسَ وَكَانَ يَكْتُبُ, أَوْ يُشِيرُ إشَارَةً تُفْهَمُ فَرَجَعَ فِي تَدْبِيرِهِ بِإِشَارَةٍ, أَوْ كِتَابٍ كَانَ رُجُوعُهُ كَرُجُوعٍ بِالْكَلاَمِ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَلَوْ دَبَّرَهُ صَحِيحًا, ثُمَّ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ, ثُمَّ رَجَعَ فِي التَّدْبِيرِ وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهُ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ, ثُمَّ ثَابَ إلَيْهِ عَقْلُهُ فَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ تَدْبِيرًا كَانَ التَّدْبِيرُ وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ بَاطِلاً وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ جِنَايَةً فَهُوَ كَالْعَبْدِ الَّذِي لَمْ يُدَبَّرْ إنْ شَاءَ سَيِّدُهُ تَطَوَّعَ عَنْهُ بِإِخْرَاجِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَيْسَ ذَلِكَ يَنْقُضُ التَّدْبِيرَ وَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ تَسْتَغْرِقُ عِتْقَهُ بِيعَ فِيهَا فَدُفِعَ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ, وَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ فَلاَ غُرْمَ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَلِيلَةً وَثَمَنُ الْمُدَبَّرِ كَثِيرًا قِيلَ لِسَيِّدِهِ إنْ أَحْبَبْت أَنْ يُبَاعَ كُلَّهُ وَيُدْفَعَ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَيُدْفَعَ إلَيْك بَقِيَّةُ ثَمَنِهِ بِعْنَاهُ; لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَك بَيْعُهُ بِلاَ جِنَايَةٍ وَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ لاَ يُبَاعَ كُلُّهُ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَكَانَ مَا بَقِيَ لَك رَقِيقًا مُدَبَّرًا كَانَ الَّذِي بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ الثُّلُثُ, أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ, ثُمَّ لَك فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ مَا كَانَ لَك فِي كُلِّهِ مِنْ إبْطَالِ تَدْبِيرِهِ وَبَيْعِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَدْبِيرِ ذَلِكَ الثُّلُثِ ابْتِدَاءً قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَيْمَان لاَ يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ تَدْبِيرِهِ فَجَنَى بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَى التَّدْبِيرِ وَلاَ حِنْثَ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي بَاعَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى عَلَى الْمُدَبِّرِ فَهُوَ كَعَبْدٍ غَيْرِ مُدَبَّرٍ جَنَى عَلَيْهِ وَهُوَ عَبْدٌ فِي كُلِّ جِنَايَةِ; لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يُدَبَّرْ مَا لَمْ يَمُتْ سَيِّدُهُ فَيُعْتِقُهُ فَتَتِمُّ شَهَادَتُهُ وَحُدُودُهُ وَجِنَايَتُهُ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَسَهْمُهُ إذَا حَضَرَ الْحَرْبَ وَمِيرَاثُهُ كُلُّ هَذَا هُوَ فِيهِ عَبْدٌ وَكَذَلِكَ طَلاَقُهُ وَنِكَاحُهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ حُرٌّ جِنَايَةً تُتْلِفُهُ, أَوْ تُتْلِفُ بَعْضَهُ فَأَخَذَ سَيِّدُهُ قِيمَتَهُ أَوْ أَرْشَ مَا أُصِيبَ مِنْهُ كَانَ مَالاً مِنْ مَالِهِ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ فِي مِثْلِهِ وَإِنْ شَاءَ لاَ, فَهُوَ لَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ وَإِنْ كَانَ الْجَانِي عَلَيْهِ عَبْدًا فَأَسْلَمَ إلَيْهِ وَالْمُدَبَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَيٌّ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ, وَالْقَوْلُ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فِي خُرُوجِ الْمُدَبَّرِ إلَى سَيِّدِهِ الْمُدَبِّرِ كَالْقَوْلِ فِيمَا أَخَذَ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ مِنْ دَنَانِيرَ, أَوْ دَرَاهِمَ, فَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ مُدَبَّرًا مَعَهُ وَإِنْ شَاءَ كَانَ مَالاً مِنْ مَالِهِ يتموله إنْ شَاءَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَخَذَ الْعَبْدُ بِمَا لَزِمَ الْجَانِي لَهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى مُدَبَّرَةٍ, ثُمَّ سَكَتَ فَلَمْ يَقُلْ هُوَ مُدَبَّرٌ مَعَ الْعَبْدِ وَلاَ هُوَ رَقِيقٌ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ إلَّا بِأَنْ يُحْدِثَ لَهُ تَدْبِيرًا, وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ مُدَبَّرًا فَأُسْلِمَ إلَيْهِ عَبْدٌ, أَوْ عَبْدَانِ قَتَلاَهُ لَمْ يَكُونَا مُدَبَّرَيْنِ إلَّا بِأَنْ يُحْدِثَ لَهُمَا تَدْبِيرًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا جَنَى عَلَيْهِ فَكَانَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَبْدًا, أَوْ مَالاً كَانَا كَمَا كَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا; لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُ وَلاَ تَزْعُمُ أَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ فِي. أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُدَبَّرِ وَالْعَبْدُ الْمَأْخُوذُ فِي ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُدَبَّرِ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا وَالْمَالُ مَوْضُوعًا فِي مُدَبَّرٍ أَوْ مُعْتَقٍ؟ قِيلَ: لَهُ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا لِافْتِرَاقِهِمَا, فَإِنْ قَالَ: فَأَيْنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ قِيلَ أَرَأَيْت الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ, أَوْ هِبَتُهُ, أَوْ الصَّدَقَةُ بِهِ أَوْ إبْطَالُ الرَّهْنِ فِيهِ, فَإِنْ قَالَ: لاَ, قِيلَ: أَلِأَنَّ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ فِي عُنُقِهِ حَقًّا لاَ يَبْطُلُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: وَمَالِكُ الرَّهْنِ مَالِكٌ لِشَيْءٍ فِي عُنُقِهِ, فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِمَالِكِهِ إبْطَالُهُ; لِأَنَّ لِغَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ فِيهِ مِلْكُ شَيْءٍ دُونَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: أَفَتَجِدُ مَعَ مَالِكِ الْمُدَبَّرِ فِيهِ مِلْكُ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ غَيْرِهِ؟ فَإِنْ قَالَ: لاَ, قِيلَ: أَفَتَجِدُ مَالِكَ الْمُدَبَّرِ يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ وَإِبْطَالِ تَدْبِيرِهِ, فَإِنْ قَالَ: أَمَّا فِي قَوْلِك فَنَعَمْ, قِيلَ: فَقَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا, وَإِذَا أَعْطَيْت أَنَّ لِي أَنْ أَبِيعَ الْمُدَبَّرَ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عِتْقٌ لاَزِمٌ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا فِيهِ عِتْقٌ إنْ كَانَ كَوَصِيَّتِك لِعَبْدِك إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِكَ, أَوْ سَفَرِكَ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ مِتّ كَانَ حُرًّا وَإِنْ شِئْت رَجَعْت وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ حُرِّيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحِينِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ هَذَا فِيهِ لَمْ يَرِقَّ بِحَالٍ أَبَدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُقَالُ لِأَحَدٍ: إنْ قَالَ: هَذَا أَرَأَيْت أُمَّ الْوَلَدِ أَلَيْسَ تَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلاَ يَكُونُ لِسَيِّدِهَا بَيْعُهَا وَلاَ إخْرَاجُهَا إلَى مِلْكِ أَحَدٍ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: فَهِيَ أَوْكَدُ عِتْقًا مِنْ الْمُدَبَّرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك, فَإِنْ قَتَلَهَا عَبْدٌ وَأَسْلَمَ إلَى سَيِّدِهَا, أَوْ أَمَةٌ فَأَسْلَمَتْ أَوْ حُرٌّ فَدَفَعَ ثَمَنُهَا أَيَقُومُ الثَّمَنُ مَقَامَ أُمِّ الْوَلَدِ, أَوْ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ بِهَا؟ فَإِنْ قَالَ: لاَ, قِيلَ: لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَمْ تَعْتِقْ وَمَاتَتْ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ, وَالْوَلَدُ الَّذِي كَانَ مِنْهَا إنَّمَا عَتَقْت بِهِ إذَا كَانَتْ وَلَدَتْهُ مِنْ سَيِّدِهَا إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا وَاَلَّذِي دَفَعَ أَوْ دَفَعَتْ فِي جِنَايَتِهَا لَمْ تَلِدْ مِنْ سَيِّدِهَا فَتَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْوَلَدِ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: لَهُ, وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ هُوَ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْعِتْقُ بِوَصِيَّتِهِ فَلَمْ يَبْلُغْ شَرْطُهُ وَقُتِلَ مَمْلُوكًا وَلَيْسَ أَحَدٌ بَدَلَهُ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ بِتِلْكَ الْوَصِيَّةِ فَيَعْتِقُ بِهَا, (قَالَ): وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ الْجَانِيَةُ حُبْلَى فَحُكْمُ وَلَدِهَا حُكْمُ عُضْوٍ مِنْهَا مَا لَمْ يُزَايِلُهَا إذَا بِيعَتْ, فَهُوَ كَعُضْوٍ مِنْهَا لاَ يَخْرُجُ مِنْ الْبَيْعِ, فَإِنْ وَلَدْنَ قَبْلَ أَنْ تُبَاعَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ, أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ لاَ يَدْخُلُ وَلَدُهَا فِي الْجِنَايَةِ; لِأَنَّهُ إذَا فَارَقَهَا فَارَقَ حُكْمَهَا فِي الْجِنَايَةِ; لِأَنَّهُ غَيْرُ جَانٍ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَمَةٍ جَنَتْ وَلَهَا وَلَدٌ, فَمَنْ رَأَى بَيْعَهَا وَالتَّفْرِيقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا بَاعَهَا, وَمَنْ لَمْ يَرَ بَيْعَهَا إلَّا مَعَ وَلَدِهَا فَلَمْ يَتَطَوَّعْ السَّيِّدُ بِفِدَائِهَا بَاعَهُمَا وَرَدَّ عَلَى السَّيِّدِ حِصَّةَ الْوَلَدِ مِنْ الثَّمَنِ وَأَعْطَى الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ ثَمَنَهَا إنْ كَانَ قَدْرَ جِنَايَتِهِ, أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ, وَهَذَا أَشَدُّ الْقَوْلَيْنِ اسْتِقَامَةً عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى السُّنَّةِ وَمَعْنَاهَا, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبِهِ أَقُولُ, وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ بَيْعَ وَلَدِ امْرَأَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ لِلصِّغَرِ, وَلَيْسَ بَيْعُ الْمَالِكِ لِلْبَيْعِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ بَيْعِ الصَّغِيرِ بِمَا لَزِمَ الْأُمَّ الْبَيْعُ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ, أَوْ الْمُدَبَّرَةُ جِنَايَةً يَبْلُغُ أَرْشُهَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَلَمْ تَكُنْ قِيمَةُ الْجَانِي خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ وَلِلْمُدَبَّرِ مَالٌ وَوَلَدٌ فَمَالُهُ مَالُ سَيِّدِهِ لاَ حَقَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ كَسَائِرِ مَالِهِ وَلاَ يَدْخُلُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ وَلاَ وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ غَيْرِ الْمُدَبَّرَةِ فِي جِنَايَتِهِمَا; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْنُوا فَيَدْخُلُوا فِي جِنَايَتِهِ وَهُمْ كَمَالِ سَيِّدِهِ سِوَاهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى عَلَى الْمُدَبَّرِ, أَوْ الْمُدَبَّرَةِ جِنَايَةً فَعَلَى الْجَانِي عَلَيْهِمَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا مَمْلُوكِينَ لاَ تَدْبِيرَ فِيهِمَا إنْ جَنَى عَلَيْهِمَا بِقَطْعِ أَيْدِيهمَا, فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْفَعُ إلَى سَيِّدِهِمَا, وَيُقَالُ لَهُ: هُوَ كَمَالٍ مِنْ مَالِك لَك أَنْ تَمْلِكَهُ كَمَالِكِ مِلْكِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَبَيْعِهِمَا وَلَك أَنْ تَصْنَعَ فِيهِ مَا شِئْت وَعَلَى الْجَانِي عَلَى الْمُدَبَّرِ, أَوْ الْمُدَبَّرَةِ إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ نَفْسًا قِيمَتُهُمَا مَمْلُوكِينَ يَوْمَ تَقَعُ الْجِنَايَةُ صَحِيحَيْنِ, أَوْ مَرِيضَيْنِ كَانَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَبَّرَةُ حُبْلَى فَقَتَلَهَا, فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حُبْلَى وَلاَ شَيْءَ فِي وَلَدِهَا وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ فَفِي الْجَنِينِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ يُجْنَى عَلَيْهِ, وَفِي الْأَمَةِ قِيمَتُهَا وَقِيمَةُ جَنِينِهَا لِسَيِّدِهَا يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ كَمَا وَصَفْت قَبْلَ هَذَا وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا, ثُمَّ مَاتَ وَمَاتَتْ فَفِيهَا قِيمَتُهَا وَفِي الْجَنِينِ قِيمَتُهُ إذَا كَانَ حَيًّا فَحُكْمُهُ حُكْمُ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ, ثُمَّ كَاتَبَهُ فَلَيْسَ الْكِتَابَةُ بِإِبْطَالٍ لِلتَّدْبِيرِ إنَّمَا إبْطَالُهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَيُسْأَلُ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت إثْبَاتَهُ عَلَى التَّدْبِيرِ غَيْرَ أَنِّي أَرَدْت أَنْ أَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ, فَهُوَ مُدَبَّرٌ مُكَاتَبٌ, وَهَكَذَا إنْ كَاتَبَ أَمَةً فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَهُوَ مُكَاتَبٌ مَعَهَا, وَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً مُكَاتَبَةً فَوَلَدُهَا مُكَاتَبٌ مُدَبَّرٌ, (قَالَ): وَإِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ, ثُمَّ دَبَّرَهُ قَبْلَ الْعَجْزِ, ثُمَّ عَجَزَ كَانَ مُدَبَّرًا, وَإِنْ شَاءَ الثَّبَاتَ عَلَى الْكِتَابَةِ ثَبَّتْنَاهُ عَلَيْهَا, فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ, وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ, فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَبَطَلَ عَنْهُ مِنْ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ, وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ, فَلاَ يَكُونُ رُجُوعًا إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ, فَهُوَ مُدَبَّرٌ وَهُوَ مُكَاتَبٌ, وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُسْأَلُ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ, فَهُوَ رُجُوعٌ وَهُوَ مُكَاتَبٌ لاَ تَدْبِيرَ لَهُ, وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ قَبْلَ الْعَجْزِ, ثُمَّ عَجَزَ, كَانَ مُدَبَّرًا, فَإِنْ شَاءَ الثَّبَاتَ عَلَى الْكِتَابَةِ ثَبَتَ عَلَيْهَا وَلَهُ الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ, وَإِنْ دَبَّرَ عَبْدَهُ, ثُمَّ كَاتَبَهُ فَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لاَ تَكُونُ إبْطَالاً لِلتَّدْبِيرِ إنَّمَا يَكُونُ إبْطَالُهُ بِأَنْ يَقُولَ مَالِكُهُ: أَرَدْت إبْطَالَهُ وَيُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ: يَوْمَ تَدْخُلُ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي, فَذَهَبَ عَقْلُ السَّيِّدِ, وَدَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ كَانَ مُدَبَّرًا, وَلَوْ أَعْتَقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ صَحِيحُ الْعَقْلِ, ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَدَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ وَالسَّيِّدُ ذَاهِبُ الْعَقْلِ كَانَ حُرًّا, وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ قَالَ هَذَا وَهُوَ ذَاهِبُ الْعَقْلِ, ثُمَّ دَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ وَالسَّيِّدُ صَحِيحُ الْعَقْلِ لَمْ يَعْتِقْ; لِأَنَّهُ قَالَ الْمَقَالَةَ وَهُوَ ذَاهِبُ الْعَقْلِ لَوْ أَعْتَقَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَلَوْ أَوْصَى لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِلْ عِتْقًا وَلاَ وَصِيَّةً وَلاَ غَيْرَهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ يَوْمَ تَدْخُلُ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَلَمْ يَدْخُلْ الْعَبْدُ الدَّارَ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ, ثُمَّ دَخَلَهَا لَمْ يَعْتِقْ; لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ السَّيِّدِ وَصَارَ لِغَيْرِهِ مَمْلُوكًا, وَلَوْ قَالَ: مَتَى دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ السَّيِّدُ, ثُمَّ دَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ; لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ وَهُوَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ: مَتَى مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ, أَوْ غَيْرُ حُرٍّ, ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا, وَلَوْ قَالَ: مَتَى مِتّ أَنَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَلَهُ عَبِيدٌ لَمْ يُدْرَ أَيُّهُمْ عَنَى بِهَذَا, ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَقْرَعنَا بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ أَعْتَقْنَاهُ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: لِعَبْدٍ لَهُ مَتَى مِتّ وَأَنْتَ بِمَكَّةَ فَأَنْتَ حُرٌّ, وَمَتَى مِتّ وَقَدْ قَرَأْت الْقُرْآنَ كُلَّهُ فَأَنْتَ حُرٌّ, فَمَاتَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ بِمَكَّةَ وَقَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَانَ حُرًّا, وَإِنْ مَاتَ وَلَيْسَ الْعَبْدُ بِمَكَّةَ, أَوْ مَاتَ وَلَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ كُلَّهُ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ قَالَ لَهُ: مَتَى مَا مِتّ وَقَدْ قَرَأْتَ قُرْآنًا فَأَنْتَ حُرٌّ, فَإِذَا قَرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَقَدْ قَرَأَ قُرْآنًا فَهُوَ حُرٌّ, وَلَوْ قَالَ لَهُ: مَتَى مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ ابْنِي فُلاَنٌ فَإِنْ شَاءَ ابْنُهُ فُلاَنٌ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَلَيْسَ بِحُرٍّ, وَإِنْ مَاتَ ابْنُهُ فُلاَنٌ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ, أَوْ خَرِسَ, أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ لَمْ يَكُنْ حُرًّا إلَّا أَنْ يَبْرَأَ مِنْ خَرَسِهِ, أَوْ يَرْجِعَ عَقْلُهُ فَيَشَاءُ فَيَكُونُ حُرًّا إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَجِمَاعُ هَذَا أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى شَرْطٍ, أَوْ اثْنَيْنِ, أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِأَنَّ تَكْمُلَ الشُّرُوطُ الَّتِي أَعْتَقَهُ عَلَيْهَا, أَوْ الصِّفَةُ, أَوْ الصِّفَاتُ وَلاَ أُعْتِقُهُ بِأَقَلَّ مِمَّا شَرَطَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِهِ أَبَدًا, وَمِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ يَقُولُ لِجَارِيَتِهِ, أَوْ عَبْدِهِ فِي وَصِيَّتِهِ: إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ, أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ, وَيُوصِي لِنَاسٍ بِوَصَايَا, ثُمَّ يُفِيقُ مِنْ مَرَضِهِ, ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يَنْقُضْ وَصِيَّتَهُ فَلاَ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلاَ الْأَمَةُ. وَلاَ يَنْفُذُ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْوَصَايَا وَصِيَّةٌ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهُ فِي حَالٍ فَلاَ يَكُونُ لَهُ فِي غَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا, هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيُدَبِّرُهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُهُ مُدَبَّرٌ وَلاَ قِيمَةَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ; لِأَنَّهُ قَدْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ فِي نَفْسِهِ بِوَصِيَّةٍ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا, فَلَمَّا لَمْ يُوقِعْ الْعِتْقَ بِكُلِّ حَالٍ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِشَرِيكِهِ وَلَوْ مَاتَ فَعَتَقَ نِصْفُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِيمَةٌ; لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ نِصْفِهِ ثُمَّ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ النِّصْفُ الْآخَرُ; لِأَنَّهُ لاَ مَالَ لَهُ إلَّا مَا أَخَذَ مِنْ ثُلُثِهِ وَهُوَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ ثُلُثِهِ شَيْئًا غَيْرَ مَا وَصَّى بِهِ وَشَرِيكُهُ عَلَى شَرِكَتِهِ مِنْ عَبْدِهِ لاَ يَعْتِقُ إنْ مَاتَ شَرِيكُهُ الَّذِي دَبَّرَهُ, أَوْ عَاشَ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: مَتَى مِتّ وَمَاتَ فُلاَنٌ فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِمَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا, وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالاَ مَعًا, أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ: مَتَى مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِمَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا, أَوْ قَالاَ: أَنْتَ حَبْسٌ عَلَى الْآخَرِ مِنَّا حَتَّى يَمُوتَ, ثُمَّ أَنْتَ حُرٌّ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَوْصَى لِصَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ, ثُمَّ هُوَ حُرٌّ, فَيَكُونُ وَصِيَّةً فِي الثُّلُثِ جَائِزَةً وَيَعْتِقُ بِمَوْتِ الْآخَر مِنْهُمَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ وَتَرَكَ مَالاً غَائِبًا وَحَاضِرًا لَمْ يَعْتِقْ مِنْ الْمُدَبِّرِ شَيْءٌ إلَّا بِمَا حَضَرَ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ وَعَتَقَ فِي ثُلُثِ مَا وَصَلَ إلَى الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَعْتِقْ فِي الْغَائِبِ حَتَّى يَحْضُرَ فَيَأْخُذَ الْوَرَثَةُ سَهْمَيْنِ وَيَعْتِقَ مِنْهُ سَهْمٌ, وَإِنْ حَضَرَ فَهَلَكَ قَبْلَ أَخْذِ الْوَرَثَةِ لَهُ كَانَ كَمَا لَمْ يَتْرُكْ وَيَعْتِقْ فِيمَا عَلِمَ لِلسَّيِّدِ مِنْ مَالِهِ دُونَ مَا لَمْ يَعْلَمْ, وَكَانَ لِلْوَرَثَةِ أَخْذُ جَمِيعِ مَا فِي يَدِ الْمُدَبَّرِ مِنْ مَالٍ أَفَادَهُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ, فَإِذَا مَاتَ وَأَفَادَ مَالاً بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ سُلِّمَ إلَيْهِ مَالُهُ كُلُّهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ سُلِّمَ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ الَّذِي اكْتَسَبَ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ بِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ الثُّلُثِ وَسَلَّمَ الْبَقِيَّةُ إلَى وَرَثَةِ سَيِّدِهِ وَلاَ مَالَ لِمُدَبَّرٍ وَلاَ أُمِّ وَلَدٍ وَلاَ عَبْدٍ أَمْوَالُ هَؤُلاَءِ لِسَادَاتِهِمْ إذَا أُعْتِقُوا أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ مِنْ أَيْدِيهمْ لاَ تَكُونُ الْأَمْوَالُ إلَّا لِلْأَحْرَارِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ, وَكَانَ أَفَادَ مَالاً فِي كِتَابَتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه إذَا دَبَّرَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ قِيلَ لِلنَّصْرَانِيِّ: إنْ أَرَدْت الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ بِعْنَاهُ عَلَيْك, وَإِنْ لَمْ تُرِدْهُ قِيلَ لِلنَّصْرَانِيِّ: نَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَهُ وَنُخَارِجُهُ وَنَدْفَعُ إلَيْك خَرَاجَهُ حَتَّى تَمُوتَ فَيَعْتِقَ عَلَيْك وَيَكُونَ لَك وَلاَؤُهُ, أَوْ تَرْجِعَ فَنَبِيعَهُ, وَهَكَذَا يُصْنَعُ فِي الْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَمَنْعُهُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى يَمُوتَ فَتَعْتِقَ وَعَنْ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يَعْجَزَ فَنَبِيعَهُ أَوْ يُؤَدِّيَ فَيَعْتِقَ, وَفِي النَّصْرَانِيِّ الْمُدَبَّرِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ, وَلِلنَّصْرَانِيِّ مِنْ مَالِ مُدَبَّرِهِ وَعَبْدِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ مُسْلِمِينَ مَا لِلْمُسْلِمِ مِنْ أَخْذِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلاَمِ بِأَمَانٍ فَدَبَّرَ عَبْدًا لَهُ فَالتَّدْبِيرُ جَائِزٌ, فَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَمْ نَمْنَعْهُمَا, وَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ قُلْنَا لِلْحَرْبَيَّ: إنْ رَجَعَتْ فِي التَّدْبِيرِ لَمْ نَمْنَعْك الرُّجُوعَ فِي وَصِيَّتِك وَبِعْنَا عَلَيْك الْعَبْدَ أَبَيْت أَمْ أَطَعْت; لِأَنَّا لاَ نَدَعُك تَمْلِكُ مُسْلِمًا لَنَا بَيْعُهُ عَلَيْك, وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ فَأَرَدْت الْمَقَامَ خَارَجْنَاهُ لَك وَمَنَعْنَاك خِدْمَتَهُ لَك, وَإِنْ أَرَدْت الرُّجُوعَ إلَى بِلاَدِك فَإِنْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِهِ بِعْنَاهُ, وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ خَارَجْنَاهُ وَوَكَّلَتْ بِخَرَاجِهِ إنْ شِئْت مَنْ يَقْبِضُهُ لَك, فَإِذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ وَلَوْ دَبَّرَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ, ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا مُقِيمًا عَلَى التَّدْبِيرِ كَانَ مُدَبَّرًا مَا لَمْ يَرْجِعْ فِي التَّدْبِيرِ بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ, وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ بِكُلِّ حَالٍ, وَكَذَلِكَ لَوْ أُعْتِقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ, ثُمَّ خَرَجَا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ وَلَمْ يُحْدِثْ مِلْكًا لَهُ بِغَصْبٍ يَغْصِبُهُ إيَّاهُ يَسْتَرِقُّهُ بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ حُرًّا, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يَكُونُ الْعِتْقُ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَائِزًا؟ قِيلَ: الْعِتْقُ إخْرَاجُ مِلْكٍ إلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ إذَا أَخْرَجَ مَالَهُ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ بِبَيْعٍ أَوْ مِلْكٍ يَصِحُّ, ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَا أَخْرَجَ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِثْلِهِ, الْحُكْمُ فِيهِ أَنْ لاَ يُرَدَّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ أَخْذًا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ, فَإِنْ أَحْدَثَ أَخْذًا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلاَ يَخْرُجُ مِنْ يَدَيْهِ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ, وَالْعِتْقُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ يَدَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ فَيَأْخُذْهُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ, قَالَ: وَالْحُجَّةُ فِي هَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابٍ غَيْرِ هَذَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا دَبَّرَ الْمُرْتَدُّ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ: أَحَدُهَا, أَنَّهُ مَوْقُوفٌ, فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ كَانَ عَلَى تَدْبِيرِهِ حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ وَهُوَ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ, وَإِنْ قُتِلَ فَالتَّدْبِيرُ بَاطِلٌ, وَمَالُهُ فَيْءٌ, وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ: إنَّمَا وَقَفْنَا مَالَهُ عِنْدَ ارْتِدَادِهِ لِيَكُونَ فَيْئًا إنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ وَرَاجِعًا إلَيْهِ إنْ رَجَعَ, فَلَمَّا مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ عَلِمْت أَنَّ رِدَّتَهُ نَفْسَهَا صَيَّرَتْ مَالَهُ فَيْئًا, وَالثَّانِي أَنَّ التَّدْبِيرَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَالَهُ مَوْقُوفٌ يَكُون فَيْئًا وَمَالُهُ خَارِجٌ إلَّا بِأَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَالتَّدْبِيرُ وَالْعِتْقُ بَاطِلٌ كُلُّهُ, وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ: إنَّ مَالَهُ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَعُودَ, وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْعَوْدَةِ كَمَا حَقَنَ دَمَهُ بِالْعَوْدَةِ, فَتَدْبِيرُهُ كَانَ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ وَهَذَا أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَبِهِ أَقُولُ, وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ التَّدْبِيرُ مَاضِيًا عَاشَ أَوْ مَاتَ; لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَالَهُ إلَّا بِمَوْتِهِ وَبِمَوْتِهِ يَقَعُ الْعِتْقُ, وَمَنْ قَالَ هَذَا أَجَازَ عِتْقَهُ وَجَمِيعَ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ (قَالَ الرَّبِيعُ): لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا ثَلاَثَةُ أَقَاوِيلَ: أَصَحُّهَا: أَنَّ التَّدْبِيرَ بَاطِلٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا دَبَّرَ الْغُلاَمُ الَّذِي لَمْ يَعْقِلْ وَلَمْ يَبْلُغْ, ثُمَّ مَاتَ فَالتَّدْبِيرُ جَائِزٌ فِي قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ; لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَلِوَلِيِّهِ فِي حَيَاتِهِ بَيْعُ مُدَبَّرِهِ فِي النَّظَرِ لَهُ كَمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لِعَبْدِهِ فَيَبِيعَهُ وَإِنْ مَاتَ جَازَ فِي الْوَصِيَّةِ, وَكَذَلِكَ الْبَالِغُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ (قَالَ): وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ فَتَدْبِيرُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ بَلَغَ, ثُمَّ مَاتَ كَانَ بَاطِلاً حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ تَدْبِيرًا بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي حَيَاتِهِ, وَإِذَا دَبَّرَ الْمَعْتُوهُ أَوْ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَجُزْ تَدْبِيرُهُ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَدَبَّرَ فِي حَالَةِ الْإِفَاقَةِ جَازَ, وَإِنْ دَبَّرَ فِي غَيْرِ حَالِ الْإِفَاقَةِ لَمْ يَجُزْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ مُكَاتَبَهُ فَإِنْ أَدَّى قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ عَتَقَ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ, وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يُؤَدِّ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَبَطَلَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ النُّجُومِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ, وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ, وَإِنْ شَاءَ إذَا دَبَّرَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَنْ يَعْجَزَ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْجَزَ وَكَانَ لِسَيِّدِهِ أَخْذُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ مَالِ, وَلاَ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِالتَّدْبِيرِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا زَادَهُ خَيْرًا وَلَمْ يَنْقُصْهُ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ جَازَ عِتْقُهُ وَسَقَطَتْ الْكِتَابَةُ عَنْهُ وَلاَ يَكُونُ التَّدْبِيرُ مُنْقِصًا لِشَيْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ عَنْهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ بِالتَّدْبِيرِ عِتْقٌ بَعْدُ, وَمَتَى وَقَعَ سَقَطَ مَا يَبْقَى مِنْ الْكِتَابَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ وَلَهُ مُكَاتَبٌ لَمْ يُبَعْ الْمُكَاتَبُ وَلاَ كِتَابَتَهُ فِي دَيْنِهِ وَيُؤْخَذُ بِنُجُومِهِ فِي دَيْنِهِ, فَإِذَا عَجَزَ بِيعَ فِي الدَّيْنِ وَكَانَ رَقِيقًا, وَالْمُكَاتَبُ يُخَالِفُ الْمُدَبَّرَ, الْمُدَبَّرُ يُبَاعُ فِيهِ; لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَيَبِيعُهُ سَيِّدُهُ فِي حَيَاتِهِ وَالْمُكَاتَبُ لاَ يَبِيعُهُ سَيِّدُهُ فِي دَيْنٍ وَلاَ غَيْرِهِ وَلاَ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يَعْجَزَ, وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَبَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ, ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَفِيهِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَلَهُ وَلاَؤُهُ; لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ بِعِتْقِ بَتَاتٍ وَلاَ يَحُولُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ, وَبِهِ أَقُولُ, وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَنِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ مُدَبَّرٌ, وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يَعْتِقُ مِنْهُ إلَّا مَا عَتَقَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مُدَبَّرٌ بِحَالِهِ يَرْجِعُ فِيهِ صَاحِبُهُ مَتَى شَاءَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَمَا اكْتَسَبَ الْمُدَبَّرُ فِي تَدْبِيرِهِ مِنْ شَيْءٍ, ثُمَّ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَهُوَ مَالٌ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ; لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا إلَّا شَيْئًا كَسَبَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَمَا يَمْلِكُ الْمَمْلُوكُ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ لِسَيِّدِهِ, وَكَذَلِكَ لِسَيِّدٍ قَبَضَ جَمِيعَ مَالِهِ قَبْلَ الرُّجُوعِ فِي تَدْبِيرِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ الْمِلْكُ بِكَسْبٍ, أَوْ هِبَةٍ, أَوْ وَصِيَّةٍ, أَوْ جِنَايَةٍ جُنِيَتْ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ, وَلَوْ ثَبَتَ الْمُدَبَّرُ عَلَى تَدْبِيرِهِ حَتَّى مَاتَ سَيِّدُهُ فَعَتَقَ وَبِيَدِهِ مَالٌ يُقِرُّ أَنَّهُ إنَّمَا أَفَادَهُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ كَانَ مِيرَاثًا لِسَيِّدِهِ, وَلَوْ قَالَ: أَفَدْته بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْوَرَثَةِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ مَلَكَهُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ, فَإِنْ جَاءُوا بِهَا عَلَى الْمَالِ, أَوْ بَعْضِهِ أَخَذُوا مَا أَقَامُوا عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِهَا كَانَ مَا فِي يَدَيْهِ لَهُ, وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ بِسَاعَةٍ; لِأَنَّ كَثِيرَ الْمَالِ قَدْ يُفَادُ فِي سَاعَةٍ وَيَتَعَذَّرُ قَلِيلُهُ فِي الزَّمَانِ الطَّوِيلِ, فَإِذَا أَمْكَنَ بِوَجْهٍ أَنْ يَمْلِكَ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَالِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُدَبَّرُ وَوَرَثَةُ مَنْ دَبَّرَهُ فِي مَالٍ فِي يَدِهِ, فَأَقَامَ الْمُدَبَّرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَفَادَهُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ, وَالْوَرَثَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَفَادَ ذَلِكَ الْمَالَ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الْمُدَبَّرِ وَالْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُمْ مُسْتَوُونَ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ, وَلَوْ فَضَلَ فِي كَيْنُونَتِهِ فِي يَدِهِ فَهُوَ أَرْجَحُ مِنْهُمْ سَبَبًا, وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ فَأَقَامَ الْوَرَثَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدَيْهِ وَسَيِّدُهُ حَيٌّ, وَقَالَ الْمُدَبَّرُ: كَانَ فِي يَدَيْ لِغَيْرِي وَإِنَّمَا مَلَكْته بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلاَ أُخْرِجُهُ مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى يَقُولَ الشُّهُودُ: كَانَ فِي يَدَيْهِ يَمْلِكُهُ, أَوْ هُوَ يَمْلِكُهُ, فَإِذَا أَثْبَتُوا عَلَيْهِ هَذَا أَخْرَجْته مِنْ يَدَيْهِ, وَسَوَاءٌ جَمِيعُ حُكْمِ الْمُدَبَّرِ كَانَ الْمُدَبَّرُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا مُسْلِمًا, أَوْ كَافِرًا, أَوْ امْرَأَةً, أَوْ رَجُلاً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِمُدَبَّرِهِ فَنَكَحَ قَبْلَ التَّدْبِيرِ, أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ, وَمَا وَلَدَ لَهُ فَحُكْمُ الْمَوْلُودِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ حُكْمُ الْأُمِّ الَّتِي وَلَدَتْهُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً كَانَ حُرًّا وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً كَانَ عَبْدًا, كَمَا يَكُونُ هَذَا فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ غَيْرِ الْمُدَبَّرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وَلاَ لِلْمُدَبَّرِ وَلاَ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ أَنْ يَنْكِحَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى بِحَالٍ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ بِالتَّسَرِّي فَتَسَرَّى دَرَأْنَا عَنْهُ الْحَدَّ بِالشُّبْهَةِ وَأَلْحَقْنَا بِهِ الْوَلَدَ وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا مَتَى عَلِمْنَا, فَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ وَمَلَكَ الْمُدَبِّرُ الْأَمَةَ لَمْ تَكُنْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ الْوَلَدِ بِحَالٍ; لِأَنَّهُ وَطْءٌ فَاسِدٌ لاَ وَطْءَ مِلْكٍ صَحِيحٍ وَلاَ تَكُونُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَدُ وَالْوَطْءُ مِنْ مَالِكٍ لَهَا حُرٍّ كَامِلِ الْحُرِّيَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَلِسَيِّدِ الْمُدَبَّرَةِ أَنْ يَطَأَهَا; لِأَنَّهَا عَلَى الرِّقِّ (قَالَ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَبَّرَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ, فَكَانَ يَطَؤُهُمَا وَهُمَا مُدَبَّرَتَانِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ أَمَةً فَوَلَدَتْ بَعْدَ تَدْبِيرِهَا فِي بَقِيَّةِ عُمُرِهَا وَهِيَ مُدَبَّرَةٌ فَسَوَاءٌ, وَالْقَوْلُ فِيهِمْ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ كِلاَهُمَا لَهُ مَذْهَبٌ, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ, فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّ سَيِّدَ الْمُدَبَّرَةِ لَمَّا دَبَّرَهَا وَلَمْ يَرْجِعْ فِي التَّدْبِيرِ فَكَانَتْ مَمْلُوكَةً مَوْقُوفَةَ الْعِتْقِ مَا لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا مُدَبِّرُهَا بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مِلْكِهِ, وَكَانَ الْحُكْمُ فِي أَنَّ وَلَدَ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ بِمَنْزِلَتِهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً كَانَ حُرًّا وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً كَانَ عَبْدًا لاَ وَقْفَ فِيهَا غَيْرُ الْمِلْكِ كَانَ مَمْلُوكًا كَانَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّونَ بِرِقِّهَا, وَقَدْ قَالَ هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ, وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ رَجَعَ السَّيِّدُ فِي وَلَدِهَا كَانَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُجُوعًا فِي تَدْبِيرِ أُمِّهِمْ, وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي تَدْبِيرِ مَنْ وَلَدَتْ وَهِيَ مُدَبَّرَةٌ, وَالرُّجُوعُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي تَدْبِيرِهَا وَلاَ يَكُونُ رُجُوعُهُ فِي تَدْبِيرِهَا رُجُوعًا فِي تَدْبِيرِ وَلَدِهَا, وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُمْ التَّدْبِيرُ بِأَنَّ أُمَّهُمْ مُدَبَّرَةٌ فَحَكَمْنَا أَنَّهُمْ كَمَنْ اُبْتُدِئَ تَدْبِيرُهُ وَلَمْ يُحْكَمْ لَهُمْ أَنَّهُمْ كَعُضْوٍ مِنْهَا, فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ: أَلاَ تَرَى أَنَّ قِيمَتَهُمْ لَوْ كَانَتْ مِثْلَ قِيمَتِهَا أَوْ أَقَلَّ, أَوْ أَكْثَرَ, ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ قُوِّمُوا كَمَا تُقَوَّمُ أُمُّهُمْ وَلَمْ يَعْتِقُوا بِغَيْرِ قِيمَةٍ كَمَا لاَ تَعْتِقُ أُمُّهُمْ بِغَيْرِ قِيمَةٍ, فَإِذَا حَكَمْنَا بِهَذَا جَعَلْنَا حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِهَا وَلَوْ جَعَلْت حُكْمَهُمْ حُكْمَ أُمِّهِمْ وَجَعَلْت الْقِيمَةَ لَهَا دُونَهُمْ وَلَمْ أَجْعَلْ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهِمْ دُونَهَا وَجَعَلْنَاهُ إذَا رَجَعَ فِيهَا رَاجِعًا فِيهِمْ وَجَعَلْنَاهُمْ رَقِيقًا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا وَأَبْطَلْنَا تَدْبِيرَهُمْ إذَا لَمْ تَعْتِقْ أُمُّهُمْ, فَهَذَا لاَ يَجُوزُ لِمَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَوَاءٌ كَانَ وَلَدُهَا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا, فَإِنْ وَلَدَتْ ذُكُورًا, أَوْ إنَاثًا فَأَوْلاَدُ الْإِنَاثِ بِمَنْزِلَةِ أُمَّهَاتِهِمْ سَوَاءٌ, وَالْقَوْلُ فِي الرُّجُوعِ فِيهَا وَفِيهِمْ وَتَرْكِ الرُّجُوعِ وَالرُّجُوعِ فِي أُمَّهَاتِهِمْ دُونَهُمْ وَفِيهِمْ دُونَ أُمَّهَاتِهِمْ كَالْقَوْلِ فِي بَنَاتِ الْمُدَبَّرَةِ نَفْسِهَا, وَوَلَدُ الذُّكُورِ بِمَنْزِلَةِ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ كُنَّ حَرَائِرَ كَانُوا أَحْرَارًا وَإِنْ كُنَّ إمَاءً كَانُوا إمَاءً لِمَنْ مَلَكَ أُمَّهَاتِهِمْ (قَالَ): وَإِذَا دَبَّرَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ أَوْلاَدًا بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَالْقَوْلُ فِيهَا وَفِيهِمْ كَمَا وَصَفْت, فَإِنْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا, ثُمَّ وَلَدَتْ أَوْلاَدًا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ رَجَعَ فَالْوَلَدُ فِي مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ مُدَبَّرٌ; لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ أَحَاطَ أَنَّ التَّدْبِيرَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ الرُّجُوعِ فَالْوَلَدُ وَلَدٌ مَمْلُوكٌ لاَ تَدْبِيرَ لَهُ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ لَهُ السَّيِّدُ تَدْبِيرًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا دَبَّرَ جَارِيَةً لَهُ, ثُمَّ قَالَ: تَدْبِيرُهَا ثَابِتٌ وَقَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِ كُلِّ وَلَدٍ تَلِدُهُ وَلاَ وَلَدَ لَهَا فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ; لِأَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ إلَّا فِيمَا وَقَعَ لَهُ تَدْبِيرٌ, فَأَمَّا مَا لَمْ يَمْلِكْ وَلَمْ يَقَعْ لَهُ تَدْبِيرٌ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَرْجِعُ لاَ شَيْءَ لَهُ يَرْجِعُ فِيهِ, وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ وَلَدًا فَاخْتَلَفَ السَّيِّدُ فِيهِ وَالْمُدَبَّرَةُ, أَوْ الْمُدَبَّرَةُ وَوَرَثَةُ السَّيِّدِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَقَالَ السَّيِّدُ, أَوْ الْوَرَثَةُ: وَلَدْتِيهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ وَقَالَتْ الْمُدَبَّرَةُ: بَلْ وَلَدْته بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ أَوْ الْوَرَثَةِ; لِأَنَّهُمْ مَالِكُونَ وَهِيَ مُدَّعِيَةٌ إخْرَاجَ مِلْكِهِمْ مِنْ أَيْدِيهمْ, وَعَلَى مَنْ قُلْت الْقَوْلُ قَوْلُهُ الْيَمِينُ بِمَا قَالَ, فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِمَا قَالَتْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَوْلَى مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ, وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً وَأَقَامَ السَّيِّدُ أَوْ وَرَثَتُهُ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُمْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُمْ أَوْلَى وَكَانَ وَلَدُهَا رَقِيقًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ فِي أَيْدِيهمْ فَضْلُ كَيْنُونَتِهِمْ فِي أَيْدِيهمْ بِالْمِلْكِ فَهِيَ وَهُمْ مُدَّعُونَ وَمُقِيمُونَ بَيِّنَةً وَلَوْ كَانَتْ أَمَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَبَّرَاهَا, ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا كَانَ ابْنَهُ وَضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَنِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِشَرِيكِهِ إنْ شَاءَ شَرِيكُهُ; لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ أَخْذُ قِيمَتِهَا رُجُوعً فِي تَدْبِيرِهَا وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَوْ أَلْقَتْ الْوَلَدَ الَّذِي ادَّعَى مَيِّتًا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ, وَلَوْ جَنَى إنْسَانٌ جِنَايَةً فَأَخَذَ لَهَا أَرْشًا كَانَ الْأَرْشُ بَيْنَهُمَا, وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَبَّرَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ بَعْدَ التَّدْبِيرِ أَوْلاَدًا فَهُمْ مَمْلُوكُونَ وَذَلِكَ أَنَّهَا إنَّمَا هِيَ أَمَتُهُ مُوصًى لَهَا بِعِتْقِهَا لِصَاحِبِهَا الرُّجُوعُ فِي عِتْقِهَا وَبَيْعِهَا, فَلَيْسَتْ هَذِهِ حُرِّيَّةً ثَابِتَةً, وَهَذِهِ أَمَةٌ مُوصًى لَهَا وَالْوَصِيَّةُ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ لاَزِمٍ هُوَ شَيْءٌ يَرْجِعُ فِيهِ صَاحِبُهُ وَأَوْلاَدُهَا مَمْلُوكُونَ وَقَدْ قَالَ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: أَوْلاَدُ الْمُدَبَّرَةِ مَمْلُوكُونَ وَقَالَ هَذَا غَيْرُ أَبِي الشَّعْثَاءِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ, وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعِتْقُ مُخَالِفٌ لِلتَّدْبِيرِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ أَمَةً لَهَا وَلَدٌ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا بِحَالٍ إلَّا أَنْ يُعْتِقَهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه: وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِبَيْعِهَا الرُّجُوعَ عَنْ التَّدْبِيرِ, وَلَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا: لاَ يَكُونُ لَهُ بَيْعُهَا لِأَنِّي لاَ أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْأَمَةَ إذَا بِيعَتْ أَوْ وُهِبَتْ, أَوْ أُعْتِقَتْ حَامِلاً كَانَ مَا فِي بَطْنِهَا تَبَعًا لَهَا مَا لَمْ يُزَايِلُهَا كَبَعْضِ بَدَنِهَا يَمْلِكُهُ مَنْ يَمْلِكُهَا وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ عُضْوٍ مِنْهَا مَا لَمْ يُزَايِلْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُبَاعَ أَمَةٌ حَامِلٌ; لِأَنَّ حُكْمَ حَمْلِهَا كَحُكْمِهَا وَلَوْ بَاعَ الَّذِي دَبَّرَ وَلَدَهَا أُمَّهُ وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ فَقَالَ: أَرَدْت الرُّجُوعَ فِي تَدْبِيرِي الْوَلَدَ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا, أَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدْهُ كَانَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا وَلَوْ بَاعَ أَمَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا, فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ, فَالْوَلَدُ مُدَبَّرٌ إنْ كَانَ دَبَّرَهُ وَحُرٌّ إنْ كَانَ أَعْتَقَهُ, وَإِنْ لَمْ تَلِدْ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ كَانَ التَّدْبِيرُ, أَوْ الْعِتْقُ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَلاَ حُرًّا, وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ, فَهُوَ مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ وَحُكْمُهُ حُكْمُ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَ بَعْضُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُعْتَقًا, أَوْ مُدَبَّرًا وَكُلُّ مَنْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْحَمْلُ, وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا, أَوْ أَعْتَقَهُ, ثُمَّ بَاعَهَا فَوَلَدَتْ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْوَلَدُ مُعْتَقًا, أَوْ مُدَبَّرًا وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ, وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهَا قَوْلاَنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الْبَيْعِ لِيَعْرِفَ حَالَ الْحَمْلِ فَيُبَاعُ فِي تِلْكَ الْحَالِ كَانَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا بِكُلِّ حَالٍ; لِأَنَّهُ فِي وَقْتٍ كَانَ فِيهِ مَمْنُوعًا. وَالْآخَرُ: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: وَلَدُك وَلَدٌ مُدَبَّرٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا تَدْبِيرًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَدْبِيرًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ فِي صِحَّتِهِ رَقِيقًا, أَوْ بَعْضَهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ وَفِي مَرَضِهِ آخَرِينَ كَذَلِكَ وَأَوْصَى بِعِتْقِ آخَرِينَ بِأَعْيَانِهِمْ فَلاَ يُبَدَّى وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى وَاحِدٍ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ صَحِيحًا وَلِآخَرَ مَرِيضًا لَمْ يَبْدَأْ قَدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَى حَدِيثِهَا; لِأَنَّهُ شَيْءٌ أَوْقَعَهُ لَهُمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ, وَكَانُوا إنَّمَا يُدْلُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعًا بِحُجَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَاقِعَةٌ لَهُمْ يَوْمَ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ, فَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الثُّلُثِ عَتَقُوا مَعًا, وَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأُعْتِقَ مَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ ثُلُثَ الْمَيِّتِ قِيَاسًا عَلَى الَّذِينَ أَقْرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ حِينَ أَعْتَقَهُمْ الْمَرِيضُ فَأَعْتَقَ ثُلُثَ الْمَيِّتِ وَأَرَقَّ ثُلُثَيْ الْوَرَثَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه: فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ وَأَجْرَى فِي الْمُدَبَّرِ خِلاَفًا سَأَحْكِي بَعْضَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ اعْتَمَدْت فِي قَوْلِك: الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ فِيهِ صَاحِبُهُ مَتَى شَاءَ؟ قُلْت: عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي قَطَعَ اللَّهُ بِهَا عُذْرَ مَنْ عَلِمَهَا: قَالَ فَعِنْدَنَا فِيهِ حُجَّةٌ, قُلْنَا: فَاذْكُرْهَا. قَالَ: أَلاَ تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِكُمْ بَاعَهُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ صَاحِبُهُ بَيْعَهُ؟ قُلْت: الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يَبِيعُ عَلَى أَحَدٍ مَالَهُ إلَّا فِيمَا لَزِمَهُ أَوْ بِأَمْرِهِ؟ قَالَ: فَبِأَيِّهِمَا بَاعَهُ؟ قُلْت: أَمَّا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ الْحَدِيثِ فِي دَفْعِهِ إيَّاهُ إلَى صَاحِبِهِ الَّذِي دَبَّرَهُ فَإِنَّهُ دَبَّرَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ حِينَ دَبَّرَهُ وَكَانَ يُرِيدُ بَيْعَهُ إمَّا مُحْتَاجًا وَإِمَّا غَيْرَ مُحْتَاجٍ, فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَذَكَر النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَاعَهُ, وَكَانَ فِي بَيْعِهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ لَهُ إذَا شَاءَ, وَأَمَرَهُ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ فَيُمْسِكَ عَلَيْهَا يَرَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى النَّاسِ, قَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا بَاعَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ: مَا رَوَى هَذَا أَحَدٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ فِيمَا عَلِمْت يَثْبُتُ حَدِيثُهُ, وَلَوْ رَوَاهُ مَنْ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ مَا كَانَ لَك فِيهِ حُجَّةٌ مِنْ وُجُوهٍ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْت: أَنْتَ لاَ تُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ, فَكَيْفَ تُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ يُخَالِفُهُ الْمُتَّصِلُ الثَّابِتُ؟ قَالَ: فَهَلْ يُخَالِفُهُ؟ قُلْت: لَيْسَ بِحَدِيثٍ, وَأَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ فَأَذْكُرُهُ عَلَى مَا فِيهِ, قَالَ: لَوْ ثَبَتَ كَانَ يَجُوزُ أَنْ أَقُولَ: بَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَبَةَ مُدَبَّرٍ كَمَا حَدَّثَ جَابِرٌ وَخِدْمَةَ مُدَبَّرٍ كَمَا حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قُلْت: إنَّهُ يُخَالِفُهُ, قُلْت: هُوَ أَدَلُّ لَك عَلَى أَنَّ حَدِيثَك حُجَّةٌ عَلَيْك, قَالَ: وَكَيْفَ؟ قُلْت: إنْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ لِلْمُدَبَّرِ الَّذِي رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ رَقَبَتَهُ إنَّمَا بَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِدْمَتَهُ كَمَا قُلْت فَغَلِطَ مَنْ قَالَ بَاعَ رَقَبَتَهُ بِمَا بَيْنَ الْخِدْمَةِ وَالرَّقَبَةِ كُنْت خَالَفْت حَدِيثَنَا وَحَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ, قَالَ: وَأَيْنَ؟ قُلْت: أَتَقُولُ: إنَّ بَيْعَهُ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ جَائِزٌ, قَالَ: لاَ; لِأَنَّهَا غَرَرٌ فَقُلْت: فَقَدْ خَالَفْت مَا رَوَيْت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَلَعَلَّهُ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ قُلْت: جَابِرٌ سَمَّى بَاعَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ نُعَيْمٍ النَّحَّامِ, وَيَقُولُ: عَبْدٌ قِبْطِيٌّ يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ مَاتَ عَامَ أَوَّلٍ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ, فَكَيْفَ يُوهَمُ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ؟ وَقُلْت لَهُ: رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ} فَقُلْت: مُرْسَلاً, وَقَدْ رَوَاهُ مَعَهُ عَدَدٌ فَطَرَحْته وَرِوَايَتُهُ يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا عَدَدٌ. فِيهَا حَدِيثَانِ مُتَّصِلاَنِ, أَوْ ثَلاَثَةٌ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ وَهُوَ لاَ يُخَالِفُهُ فِيهِ أَحَدٌ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ وَأَرَدْت تُثْبِتُ حَدِيثًا رَوَيْته عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ يُخَالِفُهُ فِيهِ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ أَقَاوِيلِك, وَقُلْت لَهُ: وَأَصْلُ قَوْلِك أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لاَ يُخَالِفُهُ فِيهِ غَيْرُهُ لَزِمَك, وَقَدْ بَاعَتْ عَائِشَةُ مُدَبَّرَةً لَهَا فَكَيْفَ خَالَفْتهَا مَعَ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ رَاوُونَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ عَائِشَةَ شَيْئًا فِي الْبُيُوعِ تَزْعُمُ وَأَصْحَابُك أَنَّ الْقِيَاسَ غَيْرُهُ وَتَقُولُ: لاَ أُخَالِفُ عَائِشَةَ, ثُمَّ تُخَالِفُهَا وَمَعَهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ: وَأَنْتَ مَحْجُوجٌ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لاَ عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيمَا نُثْبِتُهُ مَحْجُوجًا كُنْت مَحْجُوجًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ فِيمَا تَزْعُمُ أَنَّك تَذْهَبُ إلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِعَائِشَةَ فِيهِ قَوْلٌ كُنْت مَحْجُوجًا بِالْقِيَاسِ وَمَحْجُوجًا بِحُجَّةٍ أُخْرَى, قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْت: هَلْ يَكُونُ لَك أَنْ تَقُولَ إلَّا عَلَى أَصْلٍ, أَوْ قِيَاسٍ عَلَى أَصْلٍ؟ قَالَ: لاَ, قُلْت: وَالْأَصْلُ كِتَابٌ, أَوْ سُنَّةٌ, أَوْ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إجْمَاعُ النَّاسِ, قَالَ: لاَ يَكُونُ أَصْلٌ أَبَدًا إلَّا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ, قُلْت: وَقَوْلُك فِي الْمُدَبَّرِ دَاخِلٌ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ؟ قَالَ: لاَ, قُلْت: أَفَقِيَاسٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا, قَالَ: أَمَّا قِيَاسًا فِي كُلِّ شَيْءٍ فَلاَ, قُلْت: فَمَعَ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ قِيَاسٌ؟ قَالَ: إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَمَاتَ سَيِّدُهُ عَتَقَ, قُلْت: نَعَمْ بِوَصِيَّتِهِ كَعِتْقِ غَيْرِ الْمُدَبَّرِ, قَالَ: فَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ, قُلْت: بَلْ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُبَاعَ, قَالَ: لَسْنَا نَقُولُهُ وَلاَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ, قُلْت جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ وَغَيْرُهُمْ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَكِّيِّينَ وَعِنْدَك بِالْعِرَاقِ مَنْ يَبِيعُهُ وَقَوْلُ أَكْثَرِ التَّابِعِينَ يَبِيعُهُ, فَكَيْفَ ادَّعَيْت فِيهِ الْأَكْثَرَ وَالْأَكْثَرُ مَنْ مَضَى عَلَيْك مَعَ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لِأَحَدٍ مَعَ السُّنَّةِ وَإِنْ كُنْت مَحْجُوجًا بِكُلِّ مَا ادَّعَيْت وَبِقَوْلِ نَفْسِك, قَالَ: وَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ نَفْسِي؟ فَقُلْت: أَرَأَيْت الْمُدَبَّرَ لَمْ أَعْتِقْهُ مِنْ الثُّلُثِ وَأَسْتَسْعِيهِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْعِتْقُ لَهُ ثَابِتًا كَهُوَ لِأُمِّ الْوَلَدِ أَلَمْ تُعْتِقْهُ فَارِغًا مِنْ الْمَالِ وَلاَ تَسْتَسْعِيه أَبَدًا, قَالَ: إنَّمَا فَعَلْت هَذَا; لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ, قُلْت: أَرَأَيْت وَصِيَّةً لاَ يَكُونُ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا, قَالَ: لاَ, غَيْرُ الْمُدَبَّرِ, قُلْت: أَفَيَجُوزُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَصَايَا فَتَجْعَلَ لِصَاحِبِهَا فِي بَعْضِهَا الرُّجُوعَ وَلاَ تَجْعَلَ لَهُ فِي بَعْضٍ بِلاَ خَبَرٍ يَلْزَمُ فَيَجُوزُ عَلَيْك أَنْ يَرْجِعَ الْمُوصِي فِي الْمُدَبَّرِ وَلاَ يَرْجِعُ فِي عَبْدٍ لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ غَيْرَ مُدَبِّرٍ, قَالَ: النَّاسُ مُجْتَمَعُونَ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَصَايَا وَمُتَفَرِّقُونَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي الْمُدَبَّرِ, قُلْت: فَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّدْبِيرُ وَصِيَّةً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي جَمِيعِ الْوَصَايَا غَيْرَهُ وَافْتَرَقُوا فِيهِ فَكَيْفَ لَمْ تَجْعَلْ الْقَوْلَ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا يَرْجِعُ فِيهِ فَتَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لاَ يَرْجِعُ فِيهِ قَدْ تَرَكَ أَصْلَ قَوْلِهِ فِي أَنَّهُ وَصِيَّةٌ إذَا كَانَ يَرُدُّهُ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْوَصَايَا قَالَ الشَّافِعِيُّ:, ثُمَّ ذَكَرْت أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ: لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ إذَا مِتّ أَنَا وَفُلاَنٌ فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ, وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَتْ السَّنَةُ فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ, فَقُلْت: فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هَذَا وَلاَ يَرْجِعَ فِي قَوْلِهِ: إذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ؟ فَقَالَ: مَا هُمَا فِي الْقِيَاسِ إلَّا سَوَاءٌ, وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ كُلِّهِ; لِأَنَّ أَصْلَ الْأَمْرِ فِيهِ أَنَّ هَؤُلاَءِ مَمَالِيكُ لَهُ أَوْصَى لَهُمْ بِالْعِتْقِ فِي وَقْتٍ لَمْ يَقَعْ فَنُثْبِتُ لَهُمْ بِهِ حُرِّيَّةٌ, قُلْنَا: فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك فِي الْمُدَبَّرِ قَالَ: وَأَخْرَجْت الْمُدَبَّرَ اتِّبَاعًا, وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ, قُلْنَا: فَمَنْ اتَّبَعْت فِيهِ إنْ كَانَ قَالَ قَوْلَك أَحَدٌ أَكْثَرُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَاذْكُرْهُ, فَقَدْ خَالَفْت الْقِيَاسَ كَمَا زَعَمْت وَخَالَفَتْ السُّنَّةَ وَالْأَثَرَ وَأَنْتَ تَتْرُكُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَقَاوِيلَ لَهُ لاَ يُخَالِفُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَتَزْعُمُ أَنْ لَيْسَتْ عَلَيْك فِيهِ حُجَّةٌ وَاَلَّذِينَ احْتَجَجْت بِمُوَافَقَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا يُخَالِفُونَك فِي. الْمُدَبَّرِ نَفْسِهِ فَيَبِيعُونَهُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ إذَا كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَدَعْ مَالاً, قَالَ: هَؤُلاَءِ بَاعُوهُ فِي الْحِينِ الَّذِي صَارَ فِيهِ حُرًّا وَمَنَعُوهُ مِنْ الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ حُرًّا, قُلْت: وَيَقُولُونَ أَيْضًا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا تَقَاوَمَاهُ, فَإِنْ صَارَ لِلَّذِي لَمْ يُدَبِّرْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ, فَقَالَ: وَهَذَا أَعْجَبُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ; لِأَنَّهُمْ أَبْطَلُوا التَّدْبِيرَ وَالسَّيِّدُ لاَ يُرِيدُ إبْطَالَهُ وَجَبَرُوا الْمَالِكِينَ عَلَى التَّقَاوُمِ وَهُمَا لاَ يُرِيدَانِهِ وَلاَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهَذَانِ أَبْعَدُ قَوْلَيْنِ قَالَهُمَا أَحَدٌ مِنْ الصَّوَابِ, قُلْت: فَإِذَا كَانَتْ حُجَّتُك بِأَنْ وَافَقَك هَؤُلاَءِ فِي مَعْنًى مِنْ قَوْلِك وَأَنْتَ تَسْتَدْرِكُ فِي قَوْلِهِمْ مَا تَقُولُ فِيهِ هَذَا الْقَوْلَ, أَفَتَرَى فِيك وَفِيهِمْ حُجَّةً عَلَى أَحَدٍ لَوْ خَالَفَكُمْ؟ قَالَ: مَا فِينَا حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ, قُلْت: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ مَنْ خَالَفَكُمْ سُنَّةٌ وَلاَ أَثَرٌ, قَالَ: وَلَوْ قُلْت: فَإِنَّ الْحُجَّةَ فِي السُّنَّةِ, قَالَ: الْحُجَّةُ مَعَ مَنْ مَعَهُ السُّنَّةُ, قُلْت: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ مَنْ خَالَفَكُمْ سُنَّةٌ كَانَتْ الْحُجَّةُ مَعَ مَنْ مَعَهُ الْأَثَرُ قَالَ: نَعَمْ, قُلْت: فَهُمَا مَعًا مَعَنَا, قُلْت: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَثَرٌ كَانَتْ الْحُجَّةُ مَعَ مَنْ مَعَهُ الْقِيَاسُ؟ قَالَ: نَعَمْ, قُلْت: وَأَنْتَ وَغَيْرُك تَشْهَدُ لَنَا أَنَّ السُّنَّةَ وَالْأَثَرَ وَالْقِيَاسَ مَعَنَا, فَكَيْفَ ذَهَبْت عَنْ هَذَا كُلِّهِ؟ فَرَجَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ عِنْدَهُمْ إلَى قَوْلِنَا فِي الْمُدَبَّرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ وَالْأَثَرُ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ, وَمَا رَأَيْت أَشَدَّ تَنَاقُضًا مِنْ قَوْلِنَا فِيهِ وَلَكِنْ أَصْحَابُنَا غَلَبُونَا, وَكَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ قَوْلِهِ الْأَكْثَرُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ مَعَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ, وَقَدْ حُكِيَ لِي عَنْهُ أَنَّهُ اشْتَرَى مُدَبَّرًا وَبَاعَهُ وَقَالَ: هَذِهِ السُّنَّةُ, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ لِي قَائِلٌ مِنْهُمْ: لاَ يَشُكُّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ إدْخَالَ سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو وَأَبِي الزُّبَيْرِ فَمَاتَ فَبَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَبَّرَهُ غَلَطٌ, إلَّا أَنَّ الْحُفَّاظَ كَمَا قُلْت حَفِظُوهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِسِيَاقٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ حَيًّا وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا غَلَطٌ لَمْ نَعْرِفْ غَلَطًا وَلاَ أَمْرًا صَحِيحًا أَبَدًا, وَلَكِنْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لاَ يُخَالِفُهُ غَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ الْمُدَبَّرَ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ الَّذِي دَبَّرَهُ مَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ إلَّا وَاحِدًا مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّدْبِيرَ لاَ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَنَّهُ بَاعَهُ فِي دَيْنٍ عَلَى سَيِّدِهِ; لِأَنَّ أَقَلَّ أَمْرِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك إذَا كَانَ التَّدْبِيرُ جَائِزًا أَنْ يَعْتِقَ ثُلُثُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ وَهَذَا أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّ النَّاسَ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى إجَازَةِ التَّدْبِيرِ فَلاَ يَكُونُ أَنْ يَجْهَلَ عَامَّتُهُمْ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبِعْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَيْءٌ مِنْهُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُؤَدًّى فِي الْحَدِيثِ, قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُجَّةٌ فِي الْمُدَبَّرِ إلَّا هَذَا وَكَانَ صَحِيحًا أَكَانَتْ لَك الْحُجَّةُ؟ فَقُلْت: نَعَمْ, فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْت: لَوْ بَاعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ اسْتَدْلَلْت عَلَى أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَتِمَّ فِيهِ وَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَأَنَّ الْوَصَايَا تَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْت أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ فَارِغَةً مِنْ الْمَالِ. وَالْمُكَاتَبُ لاَ تَبْطُلُ كِتَابَتُهُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ, فَلِمَا بَطَلَتْ وَصِيَّةُ هَذَا وَجَازَ بَيْعُهُ اسْتَدْلَلْت عَلَى أَنَّ بَيْعَهُ فِي الْحَيَاةِ جَائِزٌ; لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ الْوَصَايَا لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا كَمَا يَرْجِعُ فِي الْوَصَايَا وَأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْعِتْقُ; لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَرِقُّ إذَا عَجَزَ فَلاَ تَبْطُلُ كِتَابَتُهُ حَتَّى يَكُونَ يُبْطِلَهَا هُوَ فَتَبْطُلَ بِالْعَجْزِ وَكَانَ بِسَبَبٍ مِنْ حُرِّيَّةٍ فَلَمْ تَبْطُلْ حَتَّى يُبْطِلَهَا هُوَ وَيَبْطُلَ تَدْبِيرُ الْمُدَبَّرِ وَاسْتَدْلَلْت عَلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَصِيَّةٌ وَإِنْ صَارَ إلَيْهِ عِتْقٌ فَبِالْوَصِيَّةِ لاَ بِمَعْنَى حُرِّيَّةٍ ثَابِتَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَزَعَمَ آخَرُ قَالَ: فَجُمْلَةُ قَوْلِهِ لاَ يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ; لِأَنَّ سَيِّدَ الْمُدَبَّرِ إذَا ادَّانَ دَيْنًا يُحِيطُ بِمَالِهِ لَمْ يُبَعْ مُدَبَّرُهُ فِي دَيْنِهِ وَلاَ فِي جِنَايَةٍ لَوْ جَنَاهَا الْمُدَبَّرُ; لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ عَلَى أَنْ يَمُوتَ سَيِّدُهُ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ, فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِيعَ فِي دَيْنِهِ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ عَلَى الْمُدَبَّرِ جِنَايَةٌ لَمْ يُبَعْ فِي جِنَايَتِهِ, فَمَنَعَهُ مِنْ أَنْ يُبَاعَ وَسَيِّدُهُ حَيٌّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ لَهُ الْعِتْقُ وَقَدْ يَمُوتُ الْمُدَبَّرُ قَبْلَ سَيِّدِهِ فَيَمُوتُ عَبْدًا; لِأَنَّهُ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ عِنْدَهُ إلَّا بِمَوْتِ سَيِّدِهِ, فَلَمَّا مَاتَ سَيِّدُهُ وَانْقَضَى عَنْهُ الرِّقُّ عِنْدَهُ وَوَقَعَ عِتْقُهُ بَاعَهُ فِي جِنَايَةِ نَفْسِهِ وَدَيْنِ سَيِّدِهِ, فَبَاعَهُ فِي أَوْلَى حَالَةٍ أَنْ يَمْنَعَهُ فِيهَا مِنْ الْبَيْعِ وَمَنَعَهُ الْبَيْعَ. فِي أَوْلَى حَالَةٍ أَنْ يَبِيعَهُ فِيهَا, وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ التَّوْفِيقَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ: فَإِنِّي إنَّمَا بِعْته بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ وَلاَ مَالَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ, وَلاَ تَكُونُ الْوَصَايَا إلَّا مِنْ الثُّلُثِ, قِيلَ: فَذَلِكَ الْحُجَّةُ عَلَيْك أَنْ تَجْعَلَهُ كَالْوَصَايَا فِي أَنْ تُرِقَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَتَمْنَعَ مِنْ أَنْ تَجْعَلَهُ مِنْ الْوَصَايَا فَتَجْعَلَ لِصَاحِبِهِ الرُّجُوعَ فِيهِ كَمَا يَرْجِعُ فِي الْوَصَايَا, فَإِنْ قُلْت: إنَّ فِيهِ حُرِّيَّةً وَالْحُرِّيَّةُ لاَ تُرَدُّ؟ قُلْت: فَقَدْ رَدَدْتهَا حِينَ وَقَعَتْ وَإِنْ اعْتَلَلْت بِإِفْلاَسِ سَيِّدِهِ فَقَدْ يُفْلِسُ وَلَهُ أُمُّ وَلَدٍ فَلاَ يَرُدُّهَا وَيَنْفُذُ عِتْقُهَا, وَقَدْ يُفْلِسُ وَلَهُ مُكَاتَبٌ قَدْ كَاتَبَهُ عَلَى نُجُومٍ مُتَبَاعِدَةٍ فَلاَ تُنْقَضُ كِتَابَتُهُ وَلاَ يُرِقُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِمَا يُرِقُّهُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ, وَقَدْ قُلْت فِي أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ وَهِيَ حُرَّةٌ وَلَمْ يَمُتْ سَيِّدُهَا فَيَأْتِي الْوَقْتُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ عِتْقُهَا حِينَ صَارَ فَرْجُهَا مِنْ سَيِّدِهَا مَمْنُوعًا وَأَنْتَ لاَ تَرْعَى الِاسْتِسْعَاءَ بِالدَّيْنِ, قَالُوا: مُطْلَقًا لاَ يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ, قَالُوا: هُوَ حُرٌّ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ, وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ, فَقَوْلُهُمْ عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ أَشَدُّ اسْتِقَامَةً مِنْ قَوْلِك عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِك, أَفَرَأَيْت الرَّجُلَ إنْ كَانَ إذَا أَفْلَسَ عَبْدُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ يُبَاعُ مَالُهُ وَيَحِلُّ مَا لَمْ يَكُنْ حَلَّ مِنْ دُيُونِهِ, فَكَيْفَ لَمْ يُبَعْ مُدَبَّرُهُ كَمَا بَاعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَحَلَّ دُيُونَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ يُفِيدُ مَالاً, قِيلَ: فَلَمْ أَرَك انْتَظَرْت بِدَيْنٍ عَلَيْهِ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَجَعَلْتَهُ حَالًّا بِمَوْتِهِ. فَإِنْ قُلْت: إنَّمَا أَحْكُمُ عَلَيْهِ حُكْمَ سَاعَتِهِ وَذَلِكَ حُكْمُ الْمَوْتِ فَكَذَلِكَ بَيْعُ مُدَبَّرِهِ بِإِفْلاَسِهِ وَقَدْ يُمْكِنُ فِي الْمَوْتِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ عُرِفَ فَلَسْت أَرَاهُ تَرَكَ إرْقَاقَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِمَا يُمْكِنُ وَلاَ بَيْعَهُ فِي الْحَيَاةِ فِي إفْلاَسِ صَاحِبِهِ بِحُكْمِ سَاعَتِهِ وَلاَ سَوَّى بَيْنَ حُكْمِهِ فِي مَوْتٍ وَلاَ حَيَاةٍ وَقَدْ أَرَقَّهُ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ إفْلاَسٍ وَلاَ رُجُوعٍ مِنْ صَاحِبِهِ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يُرِقَّهُ مَنْ أَرَقَّ الْمُدَبَّرَ وَلاَ أَحَدٌ غَيْرَهُ; لِأَنَّ مَنْ أَرَقَّهُ فِي الْحَيَاةِ إنَّمَا أَرَقَّهُ إذَا رَجَعَ فِيهِ صَاحِبُهُ, وَقَالَ: إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا تَقَاوَمَاهُ, فَإِنْ صَارَ لِلَّذِي دَبَّرَهُ كَانَ مُدَبَّرًا كُلُّهُ, وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ الَّذِي دَبَّرَهُ انْتَقَضَ التَّدْبِيرُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الَّذِي لَهُ فِيهِ الرِّقُّ أَنْ يُعْطِيَهُ الَّذِي دَبَّرَهُ بِقِيمَتِهِ فَيَلْزَمُهُ وَيَكُونُ مُدَبَّرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - لاَ يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ مَا عَاشَ سَيِّدُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَبَّرًا كُلُّهُ وَيَضْمَنُ الَّذِي دَبَّرَهُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ; لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُ عِتْقٌ, وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَهُ لَوْ أَعْتَقَهُ, وَلاَ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ أَنْ يُنْتَقَضَ التَّدْبِيرُ; لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ لِسَيِّدِهِ الْمُدَبِّرَ نَقْضَ التَّدْبِيرِ فَكَيْفَ جَعَلَ لَهُ نَقْضَ التَّدْبِيرِ إذَا لَمْ يَشْتَرِ الْمُدَبَّرَ إنْ كَانَ إذَا نَقَضَ التَّدْبِيرَ فَقَدْ جَعَلَهُ لَهُ فَأَثْبَتَ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ, وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرِدْ نَقْضُهُ فَقَدْ جَعَلَ لَهُ نَقْضَهُ وَهُوَ لاَ يُرِيدُهُ, وَمَا مَعْنَى يَتَقَاوَمَانِهِ وَهُمَا لاَ يُرِيدَانِ التَّقَاوُمَ وَلاَ وَاحِدَ مِنْهُمَا؟ مَا أَعْرِفُ لِ " يَتَقَاوَمَانِهِ " وَجْهًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ, وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ, وَالْقَوْلُ فِيهِ فِي قَوْلِ مَنْ لاَ يَبِيعُهُ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ كُلُّهُ وَعَلَى الْمُدَبِّرِ السَّيِّدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ. وَهَكَذَا قَالَ مَنْ قَالَ لاَ يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ فَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا إذَا جَعَلْنَا لِسَيِّدِهِ نَقْضَ تَدْبِيرِهِ وَبَيْعَهُ فَتَدْبِيرُهُ وَصِيَّةٌ, وَهُوَ بِحَالَةِ مُدَبَّرِ النِّصْفِ مَرْقُوقِ النِّصْفِ لَلشَّرِيك; لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ فَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ.
بسم الله الرحمن الرحيم أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ: مَا الْخَيْرُ؟ الْمَالُ, أَوْ الصَّلاَحُ, أَوْ كُلُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَا نَرَاهُ إلَّا الْمَالَ, قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ وَكَانَ رَجُلَ صِدْقٍ؟ قَالَ: مَا أَحْسَبُ خَيْرًا إلَّا. ذَلِكَ الْمَالَ قَالَ مُجَاهِدٌ: {إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} الْمَالُ كَائِنَةٌ أَخْلاَقُهُمْ وَأَدْيَانُهُمْ مَا كَانَتْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْخَيْرُ كَلِمَةٌ يُعْرَفُ مَا أُرِيدَ مِنْهَا بِالْمُخَاطَبَةِ بِهَا, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} فَعَقْلنَا أَنَّهُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ بِالْإِيمَانِ وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ لاَ بِالْمَالِ, وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} فَعَقَلْنَا أَنَّ الْخَيْرَ الْمَنْفَعَةُ بِالْأَجْرِ لاَ أَنَّ لَهُمْ فِي الْبُدْنِ مَالاً. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا} فَعَقَلْنَا أَنَّهُ إنْ تَرَكَ مَالاً; لِأَنَّ الْمَالَ الْمَتْرُوكَ وَبِقَوْلِهِ: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} قَالَ: فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} كَانَ أَظْهَرُ مَعَانِيهَا بِدَلاَلَةِ مَا اسْتَدْلَلْنَا بِهِ مِنْ الْكِتَابِ قُوَّةً عَلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ وَأَمَانَةً; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَوِيًّا فَيَكْسِبُ فَلاَ يُؤَدِّي إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا أَمَانَةٍ, وَأَمِينًا فَلاَ يَكُونُ قَوِيًّا عَلَى الْكَسْبِ فَلاَ يُؤَدِّي, قَالَ: وَلاَ يَجُوزُ عِنْدِي, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ, فِي قَوْلِهِ: {إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} إلَّا هَذَا وَلَيْسَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ إنْ عَلِمْت فِي عَبْدِك مَالاً بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَالَ لاَ يَكُونُ فِيهِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَهُ لاَ فِيهِ, وَلَكِنْ يَكُونُ فِيهِ الِاكْتِسَابُ الَّذِي يُفِيدُ الْمَالَ, وَالثَّانِي أَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَنْ يُكَاتِبَهُ بِمَالِهِ إنَّمَا يُكَاتِبُهُ بِمَا يُفِيدُ الْعَبْدُ بَعْدُ بِالْكِتَابَةِ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْنَعُ مَا أَفَادَ الْعَبْدَ لِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ, قَالَ: وَلَعَلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْخَيْرَ الْمَالُ أَنَّهُ أَفَادَ بِكَسْبِهِ مَالاً لِلسَّيِّدِ, فَيُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ كَمْ يَقْدِرُ مَالاً يَعْتِقُ بِهِ كَمَا أَفَادَ أَوَّلاً, وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ الْبَالِغَانِ فِي هَذَا سَوَاءٌ, كَانَا ذَوِي صَنْعَةٍ أَوْ غَيْرَ ذَوِي صَنْعَةٍ, إذَا كَانَ فِيهِمَا قُوَّةٌ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَالْأَمَانَةِ. مَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ قَوِيًّا أَمِينًا (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ): قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رضي الله تعالى عنه قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إذَا عَلِمْت أَنَّ فِيهِ خَيْرًا أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ إلَّا وَاجِبًا وَقَالَهَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ, وَقُلْت لِعَطَاءٍ: أَتَأْثُرُهَا عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لاَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَمَّا إذَا كَانَ الْمَمْلُوكُ قَوِيًّا عَلَى الِاكْتِسَابِ غَيْرَ أَمِينٍ, أَوْ أَمِينًا غَيْرَ قَوِيٍّ فَلاَ شَكَّ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي أَنْ لاَ تَجِبَ مُكَاتَبَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِذَا جَمَعَ الْقُوَّةَ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَالْأَمَانَةَ فَأَحَبُّ إلَيَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ وَلَمْ أَكُنْ أَمْتَنِعُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ كِتَابَةِ مَمْلُوكٍ لِي جَمَعَ الْقُوَّةَ وَالْأَمَانَةَ وَلاَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ يُجْبِرَ الْحَاكِمُ أَحَدًا عَلَى كِتَابَةِ مَمْلُوكَةٍ; لِأَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ تَكُونَ إرْشَادًا وَإِبَاحَةً لِكِتَابَةٍ يَتَحَوَّلُ بِهَا حُكْمُ الْعَبْدِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ لاَ حَتْمًا كَمَا أُبِيحَ الصَّيْدُ الْمَحْظُورُ فِي الْإِحْرَامِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَالْبَيْعُ بَعْدَ الصَّلاَةِ لاَ أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَصِيدُوا وَيَبِيعُوا, وَقَدْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَدَدٌ مِمَّنْ لَقِيَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ, فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ فِيهِ دَلاَلَةٌ غَيْرُ مَا وَصَفْت؟ قِيلَ: أَرَأَيْت إذَا قِيلَ فَكَاتِبُوهُمْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أَوْجَبَ كَمَا وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ إلَّا وَهُوَ مَحْدُودٌ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكِتَابَةِ, أَوْ لِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ, فَإِنْ قِيلَ: لاَ فَلاَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ عَلِمْته فِي أَنَّ عَبْدًا لِرَجُلٍ ثَمَنُهُ أَلْفٌ لَوْ قَالَ لَهُ: كَاتِبْنِي عَلَى ثَلاَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى هَذَا, فَإِذَا قِيلَ: فَعَلَى كَمْ؟ فَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ: أُكَاتِبُك عَلَى أَلْفٍ فَأَبَى الْعَبْدُ, أَيَخْرُجُ السَّيِّدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَالَفَ أَنْ يُكَاتِبَهُ؟ فَإِنْ قِيلَ: نَعَمْ, قِيلَ: فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ, قِيلَ: فَالْكِتَابَةُ إنَّمَا تَكُونُ دَيْنًا وَالْقِيمَةُ لاَ تَكُونُ بِالدَّيْنِ وَلَوْ كَانَتْ. بِدَيْنٍ لَمْ تَكُنْ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ تَلْزَمُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَالْعَبْدُ لَيْسَتْ لَهُ ذِمَّةٌ تَلْزَمُهُ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَلَّكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعِبَادَ رَقِيقَهُمْ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنْ لاَ يَخْرُجَ الْعَبْدُ مِنْ يَدَيْ سَيِّدِهِ إلَّا بِطَاعَتِهِ فَهَلْ هَذَا لَمْ يُبِنْ أَنْ أَوْجَبَ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ, وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ; لِأَنَّ كُلًّا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ قَالَ: وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فِي هَذَا سَوَاءٌ; لِأَنَّ كِلاَهُمَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ وَلَوْ آجَرَ رَجُلٌ عَبْدَهُ, ثُمَّ سَأَلَهُ الْعَبْدُ أَنْ يُكَاتِبَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ مِنْ قَبْلِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ فِي إجَارَتِهِ, فَإِنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْكَسْبِ بِخَدْمَةِ مُسْتَأْجِرِهِ وَلَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ أَجِيرٌ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مُنْفَسِخَةً, وَلَوْ فَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ حَتَّى يُجَدِّدَ السَّيِّدُ كِتَابَتَهُ بِرِضَا الْعَبْدِ, وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ أَنْ يُكَاتِبَ مَنْ يَعْقِلُ لاَ مَنْ لاَ يَعْقِلُ فَأُبْطِلَتْ أَنْ تُبْتَغَى الْكِتَابَةُ مِنْ صَبِيٍّ وَلاَ مَعْتُوهٍ وَلاَ غَيْرِ بَالِغٍ بِحَالٍ وَإِنَّمَا أَبْطَلْنَا كِتَابَةَ غَيْرِ الْبَالِغِينَ وَالْمَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ كَاتَبُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ, أَوْ كَانَتْ عَنْهُمْ غَيْرُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ. وَإِنَّمَا أَبْطَلْنَا أَنْ يُكَاتِبَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ الَّذِي لاَ أَمْرَ لَهُ فِي مَالِهِ وَأَنْ يُكَاتِبَ عَنْهُ وَلِيُّهُ; لِأَنَّهُ لاَ نَظَرَ فِي الْكِتَابَةِ لَهُ وَإِنَّهُ عَتَقَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ كِتَابَةَ عَبْدِهِ غَيْرَ قَوِيٍّ وَلاَ أَمِينٍ, أَوْ لاَ أَمِينَةٍ كَذَلِكَ أَوْ غَيْرِ ذَاتِ صَنْعَةٍ لَمْ أَكْرَهُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ تَطَوُّعِهِ بِالْكِتَابَةِ, وَهِيَ مُبَاحَةٌ إذَا أُبِيحَتْ فِي الْقَوِيِّ الْأَمِينِ أُبِيحَتْ فِي غَيْرِهِ. وَالثَّانِي مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ قَدْ يَكُونُ قَوِيًّا بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي الصَّدَقَاتِ, فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَرَضَ فِيهَا لِلرِّقَابِ وَهُمْ عِنْدَنَا الْمُكَاتَبُونَ, وَلِهَذَا لَمْ أَكْرَهْ كِتَابَةَ الْأَمَةِ غَيْرِ ذَاتِ الصَّنْعَةِ لِرَغْبَةِ النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ مُتَطَوِّعِينَ عَلَى الْمُكَاتَبِينَ, قَالَ: وَلَمْ يُشْبِهْ الْكِتَابَةُ أَنْ تُكَلَّفَ الْأَمَةُ الْكَسْبَ; لِأَنَّهَا لاَ حَقَّ لَهَا إذَا كُلِّفَتْ كَسْبًا بِلاَ كِتَابَةٍ فِي الصَّدَقَاتِ وَلاَ رَغْبَةِ النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ عَلَيْهَا مُتَطَوِّعِينَ كَرَغْبَتِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ عَلَيْهَا مُكَاتَبَةً (قَالَ): وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَمْنَعَ الرَّجُلَ أَنْ يُخَارِجَ عَبْدَهُ إذَا كَانَ ذَا صَنْعَةٍ مُكْتَسِبًا إذَا كَرِهَ ذَلِكَ الْعَبْدُ, وَلَكِنْ يُؤَاجِرُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ وَلاَ أَكْرَهُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ صَدَقَاتِ النَّاسِ فَرِيضَةً وَنَافِلَةً, فَأَمَّا الْفَرِيضَةُ فَهِيَ كَمَا مَلَكَ الْمُكَاتَبُ, وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَشَيْءٌ صَارَ لَهُ بِالْعَطَاءِ وَالْقَبْضِ, وَقَدْ: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَأَكَلَ مِنْ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَى بَرِيرَةَ, وَقَالَ: هِيَ لَنَا هَدِيَّةٌ وَعَلَيْهَا صَدَقَةٌ}, وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ, وَهِيَ لِلسَّيِّدِ تَحِقُّ كَحَقِّ الْغَرِيمِ عَلَى رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ (قَالَ): وَمِنْ أَيْنَ أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى سَيِّدِهِ حَلاَلاً لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ وَيُجْبَرَ عَلَى قَبُولِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَدَّى إلَيْهِ مِنْ حَرَامٍ فَلاَ يَحِلُّ قَبُولُ الْحَرَامِ (قَالَ): فَإِنْ قَالَ الْمُكَاتَبُ: كَسَبْته مِنْ حَلاَلٍ جَبَرَ الْحَاكِمُ سَيِّدَهُ عَلَى أَخْذِهِ, أَوْ إبْرَائِهِ مِنْهُ وَلاَ يَحِلُّ لِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ إذَا عَلِمَهُ مِنْ حَرَامٍ, فَإِنْ سَأَلَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْحَاكِمَ إحْلاَفَ مُكَاتَبِهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ حَرَامٍ فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ, فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ السَّيِّدُ لَقَدْ أَصَابَهُ مِنْ حَرَامٍ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى أَخْذِهِ وَقَالَ لِلْمُكَاتَبِ: أَدِّ إلَيْهِ مِنْ حَلاَلٍ, أَوْ مِنْ شَيْءٍ لاَ نَعْرِفُهُ حَرَامًا فَإِنْ فَعَلَ جَبَرَهُ عَلَى أَخْذِهِ وَإِلَّا عَجَّزَهُ إنْ شَاءَ سَيِّدُهُ (قَالَ): وَلاَ يُجْبِرُهُ إلَّا عَلَى أَخْذِ الَّذِي كَاتَبَهُ. عَلَيْهِ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَنَانِيرَ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى أَخْذِ دَرَاهِمَ, وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عَرَضٍ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى أَخْذِ دَرَاهِمَ, وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهِ وَلَكِنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَنَانِيرَ جِيَادٍ فَأَدَّى إلَيْهِ مِنْ رَأْسِهِ مَثَاقِيلَ جِيَادٍ أَجْبَرَهُ عَلَى أَخْذِهَا; لِأَنَّ اسْمَ الْجَوْدَةِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا دُونَهَا وَهِيَ تَصْلُحُ لِمَا لاَ تَصْلُحُ لَهُ الْجِيَادُ غَيْرُهَا مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَوْدَةِ وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَنَانِيرَ جُدُدٍ جِيَادٍ مِنْ ضَرْبِ سَنَةِ كَذَا فَأَدَّى إلَيْهِ خَيْرًا مِنْهَا مِنْ ضَرْبِ غَيْرِ تِلْكَ السَّنَةِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ الَّتِي شَرَطَ تُنْفَقُ بِبَلَدِهِ وَلاَ يُنْفِقُ بِهَا الَّذِي أَعْطَاهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ خَيْرًا وَهَكَذَا هَذَا فِي التَّمْرِ وَالْعُرُوضِ وَلَوْ كَاتَبَهُ بِتَمْرِ عَجْوَةٍ فَأَدَّى إلَيْهِ صَيْحَانِيًّا وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الْعَجْوَةِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَخْذِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى عَجْوَةٍ أَجْوَدَ مِنْ شَرْطِهِ بِجَمِيعِ صِفَتِهِ وَيَزِيدُ الْفَضْلُ عَلَى مَا بِيعَ عَلَيْهِ صِفَتَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَصْلُحُ شَرْطُهُ لِغَيْرِ مَا يَصْلُحُ لَهُ مَا أَعْطَاهُ أَوْ يُنْفِقُ بِبَلَدِهِ وَلاَ يُنْفِقُ بِهِ مَا أَعْطَاهُ.
|