الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى: لاَ بَأْسَ بِقَطْعِ شَجَرِ الْمُشْرِكِينَ وَنَخِيلِهِمْ وَتَحْرِيقِ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَعَمِلَ بِهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا وَهُمْ مُحَاصِرُو بَنِي قُرَيْظَةَ إذَا غَلَبُوا عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِهِمْ أَحْرَقُوهَا فَكَانَ بَنُو قُرَيْظَةَ يَخْرُجُونَ فَيَنْقُضُونَهَا وَيَأْخُذُونَ حِجَارَتَهَا لِيَرْمُوا بِهَا الْمُسْلِمِينَ وَقَطَعَ الْمُسْلِمُونَ نَخْلاً مِنْ نَخْلِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} قَالَ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ قَالَ لَمَّا بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى طُلَيْحَةَ وَبَنِي تَمِيمٍ قَالَ أَيَّ وَادٍ أَوْ دَارٍ غَشِيتَهَا فَأَمْسِكْ عَنْهَا إنْ سَمِعْتَ أَذَانًا حَتَّى تَسْأَلَهُمْ مَا يُرِيدُونَ وَمَا يَنْقِمُونَ وَأَيَّ دَارٍ غَشَيْتَهَا فَلَمْ تَسْمَعْ مِنْهَا أَذَانًا فَشُنَّ عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ وَاقْتُلْ وَحَرِّقْ وَلاَ نَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَهَى عَنْ ذَلِكَ بِالشَّامِ إلَّا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيَظْهَرُونَ عَلَيْهَا وَيَبْقَى ذَلِكَ لَهُمْ فَنَهَى عَنْهُ لِذَلِكَ فِيمَا نَرَى لاَ أَنَّ تَخْرِيبَ ذَلِكَ وَتَحْرِيقَهُ لاَ يَحِلُّ وَلَكِنْ مِنْ مِثْلِ هَذَا تَوْجِيهٌ. حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّهُ قِيلَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ إنَّ الرُّومَ يَأْخُذُونَ مَا حَسَرَ مِنْ خَيْلِنَا فيستلقحونها وَيُقَاتِلُونَ عَلَيْهَا أَفَنَعْقِرُ مَا حَسَرَ مِنْ خَيْلِنَا؟ قَالَ لَيْسُوا بِأَهْلٍ أَنْ يَنْقُصُوا مِنْكُمْ إنَّمَا هُمْ غَدًا رِقَّكُمْ وَأَهْلُ ذِمَّتِكُمْ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى إنَّمَا الْكَرَاهِيَةُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَشُكُّونَ فِي الظَّفَرِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ الْأَمْرَ فِي أَيْدِيهِمْ لِمَا رَأَوْا مِنْ الْفَتْحِ فَأَمَّا إذَا اشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ وَامْتَنَعُوا فَإِنَّا نَأْمُرُ بِحَسِيرِ الْخَيْلِ أَنْ يُذْبَحَ ثُمَّ يُحَرَّقُ لَحْمُهُ بِالنَّارِ حَتَّى لاَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَلاَ يَتَقَوَّوْنَ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَأَكْرَهُ أَنْ نُعَذِّبَهُ أَوْ نَعْقِرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُثْلَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: يُقَطَّعُ النَّخْلُ وَيُحَرَّقُ وَكُلُّ مَا لاَ رُوحَ فِيهِ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَعَلَّ أَمْرَ أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يَكُفُّوا عَنْ أَنْ يَقْطَعُوا شَجَرًا مُثْمِرًا إنَّمَا هُوَ لِأَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ أَنَّ بِلاَدَ الشَّامِ تُفْتَحُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا كَانَ مُبَاحًا لَهُ أَنْ يَقْطَعَ وَيَتْرُكَ اخْتَارَ التَّرْكَ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ: {قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَنِي النَّضِيرِ فَلَمَّا أَسْرَعَ فِي النَّخْلِ قِيلَ لَهُ قَدْ وَعَدَكهَا اللَّهُ فَلَوْ اسْتَبْقَيْتهَا لِنَفْسِك فَكَفَّ الْقَطْعَ} اسْتِبْقَاءً لاَ أَنَّ الْقَطْعَ مُحَرَّمٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ تَرَكَ فِي بَنِي النَّضِيرِ قِيلَ ثُمَّ قَطَعَ بِالطَّائِفِ وَهِيَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَآخَرُ غَزَاةٍ لَقِيَ فِيهَا قِتَالاً.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى: إذَا كَانَ الْحَرَسُ يَحْرُسُونَ دَارَ الْإِسْلاَمِ أَنْ يَدْخُلَهَا الْعَدُوِّ فَكَانَ فِي الْحَرَسِ مَنْ يَكْتَفِي بِهِ فَالصَّلاَةُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنَا أَنَّ حَارِسَ الْحَرَسِ يُصْبِحُ وَقَدْ أَوْجَبَ فِي مَا لَمْ يَمْضِ فِي هَذَا الْمُصَلَّى مِثْلَ هَذَا الْفَضْلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى إذَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى حَرَسٍ فَالْحَرْسُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلاَةِ فَإِذَا كَانَ فِي الْحَرَسِ مَنْ يَكْفِيهِ وَيُسْتَغْنَى بِهِ فَالصَّلاَةُ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْرُسُ أَيْضًا وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ حَتَّى لاَ يَغْفُلَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَيَجْمَعُ أَجْرَهُمَا أَفْضَلُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ وَادِيًا فَقَالَ مَنْ يَحْرُسُنَا فِي هَذَا الْوَادِي اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ رَجُلاَنِ نَحْنُ فَأَتَيَا رَأْسَ الْوَادِي وَهُمَا مُهَاجِرِيٌّ وَأَنْصَارِيٌّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَحَبُّ إلَيْك؟ فَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا أَوَّلَهُ وَالْآخَرُ آخِرَهُ فَنَامَ أَحَدُهُمَا وَقَامَ الْحَارِسُ يُصَلِّي}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إنْ كَانَ الْمُصَلِّي وِجَاهَ النَّاحِيَةِ الَّتِي لاَ يَأْتِي الْعَدُوُّ إلَّا مِنْهَا وَكَانَتْ الصَّلاَةُ لاَ تَشْغَلُ طَرْفَهُ وَلاَ سَمْعَهُ عَنْ رُؤْيَةِ الشَّخْصِ وَسَمَاعِ الْحِسِّ فَالصَّلاَةُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُصَلٍّ حَارِسٌ وَزَائِدٌ أَنْ يَمْتَنِعَ بِالصَّلاَةِ مِنْ النُّعَاسِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلاَةُ تَشْغَلُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ حَتَّى يُخَافَ تَضْيِيعُهُ فَالْحِرَاسَةُ أَحَبُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرَسُ جَمَاعَةً فَيُصَلِّي بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَالصَّلاَةُ أَعْجَبُ إلَى إذَا بَقِيَ مِنْ الْحَرَسِ مَنْ يَكْفِي وَإِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً أَنْ يُصَلِّيَ بَعْضُهُمْ أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّ ثَمَّ مَنْ يَكْفِيهِ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ وَالْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَالْحِرَاسَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصَّلاَةِ تَمْنَعُهُ مِنْ الْحِرَاسَةِ.
وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى: أَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الرَّجُلُ الْجِزْيَةَ عَلَى خَرَاجِ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ لاَ إنَّمَا الصَّغَارُ خَرَاجُ الْأَعْنَاقِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ يَدُلُّ طَائِعًا فَلَيْسَ مِنَّا} وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ الْمُرْتَدُّ عَلَى عَقِبَيْهِ وَأَجْمَعَتْ الْعَامَّةُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لَهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَلِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَلِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَلِشُرَيْحٍ أَرْضُ خَرَاجٍ. حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه إنِّي اشْتَرَيْت أَرْضًا مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ فَقَالَ عُمَرُ أَكُلَّ أَصْحَابِهَا أَرْضَيْتَ؟ قَالَ لاَ قَالَ فَأَنْتَ فِيهَا مِثْلُ صَاحِبِهَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ دَهَاقِينَ السَّوَادِ مِنْ عُظَمَائِهِمْ أَسْلَمُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَفَرَضَ عُمَرُ عَلَى الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي زَمَانِهِ أَلْفَيْنِ أَلْفَيْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى: وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَخْرَجَ هَؤُلاَءِ مِنْ أَرْضِهِمْ وَكَيْفَ الْحُكْمُ فِي أَرْضِ هَؤُلاَءِ؟ أَيَكُونُ الْحُكْمُ لَهُمْ أَمْ لِغَيْرِهِمْ؟. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَمَّا الصَّغَارُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ فَجِزْيَةُ الرَّقَبَةِ الَّتِي يُحْقَنُ بِهَا الدَّمُ وَهَذِهِ لاَ تَكُونُ عَلَى مُسْلِمٍ وَأَمَّا خَرَاجُ الْأَرْضِ فَلاَ يَبِينُ أَنَّهُ صَغَارٌ مِنْ قِبَلِ أَنْ لاَ يُحْقَنَ بِهِ الدَّمُ, الدَّمُ مَحْقُونٌ بِالْإِسْلاَمِ وَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَكِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَقَدْ اتَّخَذَ أَرْضَ الْخَرَاجِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ وَالدِّينِ وَكَرِهَهُ قَوْمٌ احْتِيَاطًا.
وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَشْتَرِي أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْجِزْيَةِ فَقَالَ هُوَ جَائِزٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ رحمه الله تعالى لَمْ تَزَلْ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ وَيَكْتُبُونَ فِيهِ وَيَكْرَهُهُ عُلَمَاؤُهُمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى: الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَقَدْ أَجَبْتُكَ فِي هَذَا.
وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مُسْتَأْمَنِينَ لِلتِّجَارَةِ فَزَنَى بَعْضُهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ أَوْ سَرَقَ هَلْ يُحَدُّ؟ قَالَ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَالِحْ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ ذِمَّةٌ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ رحمه الله تعالى تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى: الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ ذِمَّةٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ لاَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ أَرَأَيْت إنْ كَانَ رَسُولاً لِمَلَكِهِمْ فَزَنَى أَتَرْجُمُهُ؟ أَرَأَيْت إنْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ مِنْهُمْ مُسْتَأْمَنَةٍ أَتَرْجُمُهَا؟ أَرَأَيْت إنْ لَمْ أَرْجُمْهُمَا حَتَّى عَادَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا بِأَمَانٍ ثَانِيَةً أُمْضِي عَلَيْهِمَا ذَلِكَ الْحَدَّ أَرَأَيْت إنْ سُبِيَا أَيُمْضِي عَلَيْهِمَا حَدَّ الْحُرِّ أَمْ حَدَّ الْعَبْدِ وَهُمَا رَقِيقٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَخْرُجَا ثَانِيَةً فَأَسْلَمَ أَهْلُ تِلْكَ الدَّارِ وَأَسْلَمَاهُمَا أَوْ صَارَا ذِمَّةً أَيُؤْخَذَانِ؟ وَإِنْ أُخِذُوا بِذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجُوا إلَيْنَا أَنُقِيمُ عَلَيْهِمْ الْحَدَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا خَرَجَ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ إلَى بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ بِأَمَانٍ فَأَصَابُوا حُدُودًا فَالْحُدُودُ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ فَمَا كَانَ مِنْهَا لِلَّهِ لاَ حَقَّ فِيهِ لِلْآدَمِيِّينَ فَيَكُونُ لَهُمْ عَفْوُهُ وَإِكْذَابُ شُهُودٍ شَهِدُوا لَهُمْ بِهِ فَهُوَ مُعَطَّلٌ لِأَنَّهُ لاَ حَقَّ فِيهِ لِمُسْلِمٍ إنَّمَا هُوَ لِلَّهِ وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُمْ لَمْ تُؤْمَنُوا. عَلَى هَذَا فَإِنْ كَفَفْتُمْ وَإِلَّا رَدَدْنَا عَلَيْكُمْ الْأَمَانَ وَأَلْحَقْنَاكُمْ بِمَأْمَنِكُمْ فَإِنْ فَعَلُوا أَلْحَقُوهُمْ بِمَأْمَنِهِمْ وَنَقَضُوا الْأَمَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا أَمَّنَهُمْ أَنْ لاَ يُؤَمِّنَهُمْ حَتَّى يَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ إنْ أَصَابُوا حَدًّا أَقَامَهُ عَلَيْهِمْ وَمَا كَانَ مِنْ حَدٍّ لِلْآدَمِيِّينَ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ أَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا قَتَلْنَاهُمْ؟ فَإِذَا كُنَّا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَنْ نُقَيِّدَ مِنْهُمْ حَدَّ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لِلْآدَمِيِّينَ كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ كُلَّ مَا كَانَ دُونَهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِثْلُ الْقِصَاصِ فِي الشَّجَّةِ وَأَرْشِهَا وَمِثْلُ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ. وَالْقَوْلُ فِي السَّرِقَةِ قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقْطَعُوا وَيَغْرَمُوا مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنَعَ مَالَ الْمُسْلِمِ بِالْقَطْعِ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ غَرَّمُوا مَنْ اسْتَهْلَكَ مَالاً غَيْرَ السَّرِقَةِ وَهَذَا مَالٌ مُسْتَهْلَكٌ فَغَرَّمْنَاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَغْرَمَ الْمَالَ وَلاَ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْآدَمِيِّينَ وَالْقَطْعُ لِلَّهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا فَرْقٌ بَيْنَ حُدُودِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ؟ قِيلَ أَرَأَيْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ الْمُحَارِبَ وَذَكَرَ حَدَّهُ ثُمَّ قَالَ: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ رَجُلاً لَوْ أَصَابَ لِرَجُلٍ دَمًا أَوْ مَالاً ثُمَّ تَابَ أُقِيمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ بِهَذَا وَبِغَيْرِهِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا دَخَلَ أَرْضَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَبَاعَهُمْ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ لاَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ فَبِأَيِّ وَجْهٍ أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ بِرِضًا مِنْهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الرِّبَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَضَعَ مِنْ رِبَا أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَدْرَكَهُ الْإِسْلاَمُ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ أَوَّلُ رِبًا وَضَعَهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ الْمُسْلِمُ أَكْلَ الرِّبَا فِي قَوْمٍ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ؟ وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُ يُبَايِعُ الْكَافِرَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لاَ يَحِلُّ هَذَا وَلاَ يَجُوزُ وَقَدْ بَلَغَتْنَا الْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الرِّبَا وَإِنَّمَا أَحَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشْيَخَةِ حَدَّثَنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لاَ رِبَا بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ} وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَهْلُ الْإِسْلاَمِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَقَابَضُوا ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ أَبْطَلَهُ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا تَقَابَضُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: الْقَوْلُ كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْحُجَّةُ كَمَا احْتَجَّ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ لِأَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ. فِي أُمِّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ تُسْلِمُ وَتَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي أُمِّ وَلَدٍ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ لَيْسَ بِهَا حَمْلٌ أَنَّهَا تُزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَيُّ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ إلَى اللَّهِ بِدِينِهَا فَحَالُهَا كَحَالِ الْمُهَاجِرَاتِ لاَ تُزَوَّجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى مِثْلُهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ لاَ ثَلاَثَ حِيَضٍ. الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه فِي امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَخَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ وَلَيْسَتْ بِحُبْلَى أَنَّهُ لاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَوْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلاَقُهُ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنَا أَنَّ الْمُهَاجِرَاتِ قَدِمْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجُهُنَّ بِمَكَّةَ مُشْرِكُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَأَدْرَكَ امْرَأَتَهُ فِي عِدَّتِهَا رَدَّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ الْعِدَّةُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْعِدَّةُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلاَثُ حِيَضٍ لاَ يَتَزَوَّجْنَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَدُهُنَّ وَلاَ سَبِيلَ لِأَزْوَاجِهِنَّ وَلاَ لِلْمَوَالِي عَلَيْهِنَّ آخِرَ الْأَبَدِ أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: {عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَدَّ زَيْنَبَ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ} وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهِنَّ: {لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّبَايَا يُوطَأْنَ إذَا اسْتُبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ} فَقَالَ السَّبَاءُ وَالْإِسْلاَمُ سَوَاءٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى. حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {أَنَّ عَبْدَيْنِ خَرَجَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الطَّائِفِ فَأَعْتَقَهُمَا}. وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا: {أَنَّ أَهْلَ الطَّائِفِ خَاصَمُوا فِي عَبِيدٍ خَرَجُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: إذَا خَرَجَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمَةً وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ تُزَوَّجْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الطَّلاَقِ فَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا مُسْلِمًا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ زَوْجُهَا قَبْلَهَا ثُمَّ خَرَجَتْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مُسْلِمَةً كَانَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ لاَ فَرْقَ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلاَمِ فِي هَذَا, أَلاَ تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَحِلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ حَتَّى يُسْلِمَ الْآخَرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كِتَابِيَّةً وَالزَّوْجُ الْمُسْلِمُ فَيَكُونَا عَلَى النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالنِّكَاحِ كِتَابِيَّةً, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الدَّارَ فِي هَذَا وَغَيْرَ الدَّارِ سَوَاءٌ؟ قِيلَ: {أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِمَرٍّ وَهِيَ دَارُ خُزَاعَةَ وَهِيَ دَارُ إسْلاَمٍ وَامْرَأَتُهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ كَافِرَةٌ مُقِيمَةٌ بِمَكَّةَ وَهِيَ دَارُ كُفْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ هِنْدٌ فِي الْعِدَّةِ فَأَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّكَاحِ} وَأَسْلَمَ أَهْلُ مَكَّةَ وَصَارَتْ مَكَّةُ دَارَ إسْلاَمٍ: {وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَهُمَا مُقِيمَانِ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ وَهَرَبَ زَوْجَاهُمَا إلَى نَاحِيَةِ الْبَحْرَيْنِ بِالْيَمَنِ يَجُوزُ وَهِيَ دَارُ كُفْرٍ ثُمَّ رَجَعَا فَأَسْلَمَا وَأَزْوَاجُهُمَا فِي الْعِدَّةِ فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ} وَلاَ أَنْ يَكُونَ يَرْوِي حَدِيثًا يُخَالِفُ بَعْضَهُ وَإِذَا خَرَجَتْ أُمُّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ مُسْلِمَةً لَمْ تُنْكَحْ حَتَّى يَنْقَضِيَ اسْتِبْرَاؤُهَا وَهِيَ حَيْضَةٌ لاَ ثَلاَثُ حِيَضٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ مُخَالِفَةٌ لِلزَّوْجَةِ أُمُّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ فَقَدْ عَتَقَتْ: {أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ الطَّائِفِ خَرَجُوا مُسْلِمِينَ وَسَأَلَ سَادَاتُهُمْ بَعْدَمَا أَسْلَمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ} وَلَمْ يَرُدَّهُمْ وَلَمْ يُعَوِّضْهُمْ مِنْهُمْ. غَيْرَ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ خَرَجَ إلَيْنَا مِنْ عَبْدٍ فَهُوَ حُرٌّ} فَقَالَ إذَا قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَعْتَقَهُمْ وَإِذَا لَمْ يَقُلْ أَجْعَلُهُمْ عَلَى الرِّقِّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَعْتِقُونَ قَالَهُ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ وَبِهَذَا الْقَوْلِ نَقُولُ إذَا خَرَجَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَوْ سَبَقَتْ سَيِّدَهَا الْحُرَّةُ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ رِقِّ حَالِ الْمَسْبِيَّةِ اُسْتُؤْمِيَتْ وَاسْتِرْقَاقُهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ انْفِسَاخِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَتُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ وَلاَ سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْيِ هَوَازِنَ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلاَ غَيْرِهَا أَوْ لاَ تَرَى أَنَّ الْأَمَةَ تَخْرُجُ مَمْلُوكَةً فَتَصِيرَ حُرَّةً فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ هَذِهِ تُسْتَرَقُّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَتِلْكَ تَعْتِقُ بَعْدَ الرِّقِّ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ الَّتِي جَاءَتْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ حَامِلاً فَتَزَوَّجَتْ فَنِكَاحُهَا فَاسِدٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ذَلِكَ فِي السَّبَايَا فَأَمَّا الْمُسْلِمَاتُ فَقَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ أَزْوَاجَهُنَّ أَحَقُّ بِهِنَّ إذَا أَسْلَمُوا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى إنْ تَزَوُّجَهُنَّ فَاسِدٌ وَإِنَّمَا قَاسَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا عَلَى السَّبَايَا عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لاَ تُوطَأُ الْحَبَالَى مِنْ الْفَيْءِ حَتَّى يَضَعْنَ} قَالَ فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمَاتُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلاً لَمْ تُوطَأْ بِالْمِلْكِ حَتَّى تَضَعَ وَإِنْ خَرَجَتْ مُسْلِمَةً فَنُكِحَتْ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَإِذَا خَرَجَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا كَانَتْ الْعِدَّةُ وَهَذِهِ مُعْتَدَّةٌ وَهَذِهِ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْل دَارِ الْحَرْبِ تَزَوَّجَ خَمْسَ نِسْوَةٍ فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ هُوَ وَهُنَّ جَمِيعًا وَخَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ: إنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ أَيَّتَهنَّ شَاءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَدْ بَلَغَنَا مِنْ هَذَا مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ عِنْدَنَا شَاذٌّ وَالشَّاذُّ مِنْ الْحَدِيثِ لاَ يُؤْخَذُ بِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُحِلَّ إلَّا نِكَاحَ الْأَرْبَعِ فَمَا كَانَ مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ كُلِّهِ فَحَرَامٌ مِنْ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ فَالْخَامِسَةُ وَنِكَاحُ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَرَامٌ فَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا تَزَوَّجَ أُمًّا وَابْنَتَهَا أَكُنْتُ أَدَعُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ أَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ ثُمَّ أَسْلَمُوا أَكُنْت أَدَعُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَقَدْ دَخَلَ بِالْأُمِّ وَالْبِنْتِ أَوْ بِالْأُخْتَيْنِ فَكَذَلِكَ الْخَمْسُ فِي عُقْدَةٍ وَلَوْ كُنَّ فِي عَقْدٍ مُتَفَرِّقَاتٍ جَازَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ وَفَارَقَ الْآخِرَةَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ نُثْبِتُ الْأَرْبَعَ الْأُوَلَ وَنُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَامِسَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ أَحْسَبُهُ ابْنَ عُلَيَّةَ فَإِنْ لاَ يَكُنْ ابْنُ عُلَيَّةَ فَالثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: {أَنَّ غَيْلاَنَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ} أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ: {نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ وَاحِدَةً فَعَمِدْتُ إلَى عَجُوزٍ أَقْدَمِهِنَّ عَاقِرٍ عِنْدِي مُنْذُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ سَنَةً فَطَلَّقْتهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَقَالَ لِي قَائِلٌ كَلِّمْنَا عَلَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَأَعْفِنَا مِنْ حَدِيثِ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيِّ قُلْتُ مَا ذَاكَ فَأَفْعَلَ؟ قَالَ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ أَمْسِكْ الْأَوَائِلَ وَفَارِقْ الْأَوَاخِرَ قُلْتُ وَتَجِدُهُ فِي الْحَدِيثِ أَوْ تَجِدُ عَلَيْهِ دَلاَلَةً مِنْهُ؟ قَالَ لاَ وَلَكِنْ يَحْتَمِلُهُ قُلْت وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ أَمْسِكْ أَرْبَعًا إنْ كُنَّ شَبَابًا وَفَارِقْ الْعَجَائِزَ أَوْ أَمْسِكْ الْعَجَائِزَ وَفَارِقْ الشَّبَابَ قَالَ قَلَّ كُلُّ كَلاَمٍ إلَّا وَهُوَ يَحْتَمِلُ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ قُلْنَا فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ بِخِلاَفِ مَا قُلْتُمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَدِيثٌ كُنْت قَدْ أَخْطَأْت أَصْلَ قَوْلِك قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت فِي النِّكَاحُ شَيْئَانِ عُقْدَةٌ وَتَمَامٌ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّك تَنْظُرُ فِي الْعُقْدَةِ وَتَنْظُرُ فِي التَّمَامِ فَتَقُولُ أَنْظُرُ كُلَّ نِكَاحٍ مَضَى فِي الشِّرْكِ فَإِنْ كَانَ فِي الْإِسْلاَمِ أَجَزْتُهُ فَأُجِيزُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ كَانَ فِي الْإِسْلاَمِ لَمْ أُجِزْهُ فَأَرُدُّهُ تَرَكْتُ أَصْلَ قَوْلِك قَالَ فَأَنَا أَقُولُهُ وَلاَ أَدَعُ أَصْلَ قَوْلِي قُلْت أَفَرَأَيْتَ غَيْلاَنَ أَلَيْسَ بِوَثَنِيٍّ وَنِسَاؤُهُ وَثَنِيَّاتٌ وَشُهُودُهُ وَثَنِيُّونَ؟ قَالَ أَجَلْ قُلْت فَلَوْ كَانَ فِي الْإِسْلاَمِ فَتَزَوَّجَ بِشُهُودٍ وَثَنِيِّينَ أَوْ وَلِيٍّ وَثَنِيٍّ أَيَجُوزُ نِكَاحُهُ؟ قَالَ لاَ قُلْت فَأَحْسَنُ حَالِهِ فِي النِّكَاحِ حَالٌ لَوْ ابْتَدَأَ فِيهَا النِّكَاحَ فِي الْإِسْلاَمِ رَدَدْته مَعَ أَنَّا نُرْوَى أَنَّهُمْ قَدْ يَنْكِحُونَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَفِي الْعِدَّةِ وَمَا جَازَ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَمَّا مَا قُلْت إنْ خَالَفَ السُّنَّةَ فَنَفْسَخُهُ كُلُّهُ وَنُكَلِّفُهُ بِأَنْ يَبْتَدِئَ النِّكَاحَ فِي الْإِسْلاَمِ وَإِمَّا أَنْ لاَ تَنْظُرَ إلَى الْعُقْدَةِ وَتَجْعَلَهُ مَعْفُوًّا لَهُمْ كَمَا عُفِيَ لَهُمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ مِنْ الشِّرْكِ وَالدِّمَاءِ وَالتِّبَاعَاتِ وَتَنْظُرَ إلَى مَا أَدْرَكَهُ الْإِسْلاَمُ مِنْ الْأَزْوَاجِ فَإِنْ كُنَّ عَدَدًا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ أَمَرْته بِفِرَاقِ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ وَإِنْ كُنَّ أُخْتَيْنِ أَمَرْته بِفِرَاقِ إحْدَاهُمَا لِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ مَحَارِمَ فَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ فَتَكُونُ قَدْ عَفَوْت الْعُقْدَةَ وَنَظَرْت إلَى مَا أَدْرَكَهُ الْإِسْلاَمُ مِنْهُنَّ فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهُ فِي الْإِسْلاَمِ أَقْرَرْته مَعَهُ وَإِنْ كَانَ لاَ يَصْلُحُ رَدَدْته كَمَا حَكَمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِيمَا أَدْرَكَ مِنْ الْمُحَرَّمِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} الآيَةَ. إلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُكْمِ اللَّهِ كُلَّ رِبًا أَدْرَكَهُ الْإِسْلاَمُ وَلَمْ يُقْبَضْ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا قَبَضَ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَرُدَّهُ وَهَكَذَا حَكَمَ فِي الْأَزْوَاجِ عَفَا الْعُقْدَةَ وَنَظَرَ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَمْلُوكًا بِالْعُقْدَةِ فَمَا أُحِلَّ فِيهِ مِنْ الْعَدَدِ أَقَرَّهُ وَمَا حُرِّمَ مِنْ الْعَدَدِ نَهَى عَنْهُ. فِي الْمُسْلِمِ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَيَشْتَرِي دَارًا أَوْ غَيْرَهَا سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه عَنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا أَوْ رَقِيقًا ثِيَابًا فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ قَالَ أَمَّا الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ فَهِيَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الرَّقِيقُ وَالْمَتَاعُ فَهُوَ لِلرَّجُلِ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: {فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَنْوَةً فَخَلَّى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَرْضِهِمْ وَدُورِهِمْ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَجْعَلْهَا فَيْئًا} قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى: {إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفَا عَنْ مَكَّةَ وَأَهْلِهَا وَقَالَ مَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ} وَنَهَى عَنْ الْقَتْلِ إلَّا نَفَرًا قَدْ سَمَّاهُمْ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدًا فَيَقْتُلَ وَقَالَ لَهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ: {مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟ قَالُوا خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ قَالَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ} وَلَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا قَلِيلاً وَلاَ كَثِيرًا مِنْ مَتَاعِهِمْ فَيْئًا وَقَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي هَذَا كَغَيْرِهِ فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ وَتَفَهَّمْ فِيمَا أَتَاك عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لِذَلِكَ وُجُوهًا وَمَعَانِيَ فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى الْمَتَاعُ وَالثِّيَابُ وَالرَّقِيقُ لِلَّذِي اشْتَرَى وَالدُّورُ وَالْأَرْضُونَ فَيْءٌ لِأَنَّ الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ لاَ تُحَوَّلُ وَلاَ يَحُوزُهَا الْمُسْلِمُ وَالْمَتَاعُ وَالثِّيَابُ تُحْرَزُ وَتُحَوَّلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى الْقَوْلُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ فِي الْحَجَّةِ بِمَكَّةَ وَلاَ أَبُو يُوسُفَ شَيْئًا لَمْ يَدْخُلْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْوَةً وَإِنَّمَا دَخَلَهَا سِلْمًا وَقَدْ سَبَقَ لَهُمْ أَمَانٌ وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا وَأَذِنَ فِي قَتْلِهِمْ هُمْ أَبْعَاضُ قَتَلَةِ خُزَاعَةَ وَلَيْسَ لَهُمْ بِمَكَّةَ دُورٌ وَلاَ مَالٌ إنَّمَا هُمْ قَوْمٌ هَرَبُوا إلَيْهَا فَأَيَّ شَيْءٍ يَغْنَمُ مِمَّنْ لاَ مَالَ لَهُ؟ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ فَلَمْ يُعْقَدْ لَهُمْ الْأَمَانُ وَادَّعَى خَالِدٌ أَنَّهُمْ بَدَءُوهُ ثُمَّ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرُوا لَهُمْ حِمَى شَيْءٍ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ صَارَ إلَى قَبُولِ الْأَمَانِ بِإِلْقَاءِ السِّلاَحِ وَدُخُولِ دَارِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ أَغْلَقَ دَارِهِ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلاَحَ فَهُوَ آمِنٌ} فَمَالُ مَنْ يَغْنَمُ مَالُ مَنْ لَهُ أَمَانٌ وَلاَ غَنِيمَةَ عَلَى مَالِ هَذَا وَمَا يَقْتَدِي فِيمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِمَا صَنَعَ أَرَأَيْت حِينَ قُلْنَا نَحْنُ وَهُوَ فِي رِجَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْمَأْمُورِ بِهِ إنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ أَوْ يُفَادِيَ بِهِمْ أَوْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ أَوْ يَسْتَرِقَّهُمْ أَلَيْسَ إنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارَ فِيهِمْ بِهَذِهِ السِّيرَةِ كُلِّهَا أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَنَا أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا عَارَضَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ لَيْسَ لِإِمَامٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا مَا لَيْسَ لِلنَّاسِ أَوْ قَالَ فِي كُلِّ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إعْطَاءِ السَّلَبِ وَقَسْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ لَيْسَ هَذَا لِلْإِمَامِ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُعَلِّمَ بَيَّنَ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَمَا فَعَلَ فَهُوَ الْحَقُّ وَعَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَهُ فَكَذَلِكَ هِيَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَنْوَةً فَتَرَكَ لَهُمْ أَمْوَالَهُمْ قُلْنَا فِيمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ عَنْوَةً لَنَا أَنْ نَتْرُكَ لَهُ مَالَهُ كَمَا لَنَا فِي الْأُسَارَى أَنْ نَحْكُمَ فِيهِمْ أَحْكَامًا مُخْتَلِفَةً كَمَا حَكَمَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ خَصَّ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَشْيَاءَ قِيلَ كُلُّهَا مُبَيَّنَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِيهِمَا مَعًا وَلَوْ جَازَ إذْ كَانَ مَخْصُوصًا بِشَيْءٍ فَيُبَيِّنُهُ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُبَيِّنْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ النَّاسِ لَعَلَّ هَذَا مِنْ الْخَاصِّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَازَ ذَلِكَ فِي كُلِّ حُكْمِهِ فَخَرَجَتْ أَحْكَامُهُ مِنْ أَيْدِينَا وَلَكِنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ هَذَا لِأَحَدٍ حَتَّى يُبَيِّنَ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَاصٌّ وَقَدْ أَسْلَمَ ابْنَا سَعْيَة القرظيان مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِمٌ عَلَيْهِمْ قَدْ حَصَرَهُمْ فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا دُورَهُمَا وَأَمْوَالَهُمَا مِنْ النَّخْلِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا وَاَلَّذِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ هَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَغْنَمَ مَالَ الْمُسْلِمِ وَقَدْ مَنَعَهُ اللَّهُ بِدِينِهِ؟ وَكَيْفَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَغْنَمَ مَالَهُ بِكَيْنُونَتِهِ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ جَازَ أَنْ يَغْنَمَ كُلَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِهِ وَفِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَرَقِيقِهِ أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لاَ تَغْنَمْ دُورَهُ وَلاَ أَرَضُوهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْوِيلِهِمَا بِحَالٍ فَتَرْكُهُ إيَّاهَا لَيْسَ بِرِضًا بِأَنْ يُقِرَّهَا بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ إلَّا بِالضَّرُورَةِ وَيَغْنَمَ كُلَّ مَالٍ اسْتَطَاعَ أَنْ يُحَوِّلَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ لِأَنَّ تَرْكَهُ ذَلِكَ فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ الَّذِينَ هُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ رِضًا مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ هَلْ هِيَ إلَّا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنَعَ بِالْإِسْلاَمِ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا فَحَيْثُ كَانُوا فَحُرْمَةُ الْإِسْلاَمِ لَهُمْ ثَابِتَةٌ فِي تَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَوْ جَازَ هَذَا عِنْدَنَا جَازَ أَنْ يُسْتَرَقَّ الْمُسْلِمُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ حَوْلِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَّقَ بِالْإِسْلاَمِ بَيْنَ أَهْلِهِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ الْمُرْتَدِّ عَنْ الْإِسْلاَمِ إذَا اكْتَسَبَ مَالاً فِي رِدَّتِهِ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ فَقَالَ مَا اكْتَسَبَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ دَمَهُ حَلاَلٌ فَحَلَّ مَالُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى مَالُ الْمُرْتَدِّ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ وَاَلَّذِي اُكْتُسِبَ فِي الرِّدَّةِ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله تعالى عنهم أَنَّهُمْ قَالُوا مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى إنَّمَا هَذَا فِيمَا كَانَ لَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُمَا سَوَاءٌ مَا اكْتَسَبَ الْمُرْتَدُّ فِي الرِّدَّةِ وَقَبْلَ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ فَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى كُلُّ مَا اكْتَسَبَ الْمُرْتَدُّ فِي رِدَّتِهِ أَوْ كَانَ لَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ سَوَاءٌ وَهُوَ فَيْءٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَنَعَ الدِّمَاءَ بِالْإِسْلاَمِ وَمَنَعَ الْأَمْوَالَ بِاَلَّذِي مَنَعَ بِهِ الدِّمَاءَ فَإِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ الْإِسْلاَمِ إلَى أَنْ يُبَاحَ دَمُهُ بِالْكُفْرِ كَمَا كَانَ يَكُونُ مُبَاحًا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ يُبَاحُ مَعَهُ مَالُهُ وَكَانَ أَهْوَنَ مِنْ دَمِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا تَبَعًا لِدَمِهِ فَلَمَّا هَتَكْت حُرْمَةَ الدَّمِ كَانَتْ حُرْمَةُ الْمَالِ أَهْتَكَ وَأَيْسَرَ مِنْ الدَّمِ وَلَيْسَ قَتْلُنَا إيَّاهُ عَلَى الرِّدَّةِ كَقَتْلِنَا إيَّاهُ عَلَى الزِّنَا وَلاَ الْقَتْلُ وَلاَ الْمُحَارَبَةُ تِلْكَ حُدُودٌ لَسْنَا نُخْرِجُهُ بِهَا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلاَمِ وَهُوَ فِيهَا وَارِثٌ مَوْرُوثٌ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَهَا وَلَيْسَ هَكَذَا الْمُرْتَدُّ: الْمُرْتَدُّ يَعُودُ دَمُهُ مُبَاحًا بِالْقَوْلِ بِالشِّرْكِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكُونُ مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ مَا الْحُجَّةُ لَكُمْ فِي هَذَا؟ فَقَالُوا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً وَوَرَّثَ مِيرَاثَهُ وَرَثَتَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا أَمَّا الْحُفَّاظُ مِنْكُمْ فَلاَ يَرْوُونَ إلَّا قَتْلَهُ وَلاَ يَرْوُونَ فِي مِيرَاثِهِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ لِأَنَّا وَإِيَّاكُمْ نَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَفَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا؟ قَالَ بَلْ كَافِرٌ قُلْنَا فَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ يَرِثَ مُسْلِمٌ كَافِرًا وَلاَ يَرِثُ كَافِرٌ مُسْلِمًا قَالَ فَإِنْ قُلْت لاَ يَذْهَبُ مِثْلُ هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَقُولُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَقُولُ إنَّمَا عَنَى بِهِ بَعْضَ الْكَافِرِينَ دُونَ بَعْضٍ قُلْنَا فَيُعَارِضُك غَيْرُك بِمَا هُوَ أَقْوَى عَلَيْك فِي الْحُجَّةِ مِنْ هَذَا فَيَقُولُ إنَّ عَلِيًّا قَدْ أَخْبَرَ بِحَدِيثِ الْأَشْجَعِيِّينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ فَاتَّهَمَهُ وَرَدَّهُ وَقَالَ بِخِلاَفِهِ وَقَالَ مَعَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَمَا قُلْت لَوْ ثَبَتَ وَزَعَمْت أَنَّ عَمَّارًا حَدَّثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْجُنُبَ أَنْ يَتَيَمَّمَ} فَرَدَّهُ عَلَيْهِ عُمَرُ وَأَقَامَ عَلَى أَنْ لاَ يَتَيَمَّمَ الْجُنُبُ هُوَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَتَأَوَّلَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِيهِ الْقُرْآنَ فَزَعَمْت أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ كَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ رَدَّهُ وَهُوَ كَمَا قُلْت فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ بِمِثْلِ هَذَا فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ} وَأَنْتَ لاَ تَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ, وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ وَرَّثَ مُسْلِمًا مِنْ ذِمِّيٍّ فَقَالَ نَرِثُهُمْ وَلاَ يَرِثُونَا كَمَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَلاَ يَحِلُّ لَهُمْ نِسَاؤُنَا, أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ بِهَذَا وَقَالَ لاَ يَذْهَبُ عَلَى مُعَاذٍ شَيْءٌ حَفِظَهُ أُسَامَةُ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَلاَ يَكُونُ هَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ شُبْهَةٌ مِنْك؟ أَوْ رَأَيْت إذْ زَعَمْتَ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ مُخَالِفٌ فِي الْمِيرَاثِ حُكْمَ الْمُشْرِكِ غَيْرُهُ لِمَ لَمْ تُوَرِّثْهُ هُوَ مِنْ وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا تُوَرِّثُهُمْ مِنْهُ فَتَكُونُ قَدْ قُلْتَ قَوْلاً وَاحِدًا أَخْرَجْتَهُ فِيهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْإِسْلاَمِ؟ فَمَا قُلْت فِيهِ بِمَا رَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ وَإِذَا وَرِثَ عَقَلْنَا أَنَّهُ يُوَرِّثُهُ وَلاَ بِمَا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَدْرَكْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْكَافِرَ لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَالْمُسْلِمُ لاَ يَرِثُ الْكَافِرَ غَيْرَ مَا ادَّعَيْت فِي الْمُرْتَدِّ وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْمَمْلُوكِينَ وَإِنَّمَا وَرَّثُوا فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَنْ يُوَرَّثُونَ مِنْهُ وَلَمْ يَتَحَكَّمُوا فَيُوَرِّثُونَ مِنْ رَجُلٍ وَلاَ يُوَرِّثُونَهُ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه لاَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَتِهِ لاَ يُتْرَكُ الْمُرْتَدُّ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُسْلِمَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا فَهُوَ مِنْهُمْ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ أَكَلُوا مَا وَجَدُوا فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَدِمَاؤُهُمْ حَلاَلٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ طَعَامُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ سَوَاءٌ لاَ بَأْسَ بِذَبَائِحِهِمْ وَطَعَامِهِمْ كُلِّهِ فَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَيْسَ يُشْبِهُ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي هَذَا وَإِنْ وَالاَهُمْ أَلاَ تَرَى أَنِّي أَقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ جَمِيعًا وَمِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ الْجِزْيَةَ وَلاَ أَقْبَلُ مِنْ الْمُرْتَدِّ الْجِزْيَةَ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُرْتَدِّ مُخَالِفَةً لِلسُّنَّةِ فِي الْمُشْرِكِينَ وَالْحُكْمُ فِيهِ مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ فِيهِمْ أَلاَ تَرَى أَنَّ امْرَأَةً لَوْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلاَمِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَتَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا نَصْرَانِيٌّ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ نَصْرَانِيَّةً جَازَ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُنَاكَحَتِهِمْ فِكْرَهُ نِكَاحَ نِسَائِهِمْ وَقَالَ لاَ بَأْسَ بِأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَالْمُرْتَدُّ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ. الْعَبْدُ يَسْرِقُ مِنْ الْغَنِيمَةِ سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ الْعَبْدِ يَسْرِقُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَسَيِّدُهُ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ أَيُقْطَعُ؟ قَالَ: لاَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ وَلِأَنَّ سَيِّدَهُ لَوْ أَعْتَقَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ وَلَهُ فِيهِمْ نَصِيبٌ كَانَ عِتْقُهُ بَاطِلاً وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَطَعَ رَقِيقًا سَرَقُوا مِنْ دَارِ الْإِمَارَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لاَ يُقْطَعُ فِي ذَلِكَ حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: {عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَبْدًا مِنْ الْجَيْشِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ فَلَمْ يَقْطَعْهُ وَقَالَ مَالُ اللَّهِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ}. حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ النَّابِغَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَجُلاً سَرَقَ مِغْفَرًا مِنْ الْمَغْنَمِ فَلَمْ يَقْطَعْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ فُقَهَائِنَا لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. أَمَّا قَوْلُهُ لاَ حَقَّ لَهُ فِي الْمَغْنَمِ, فَقَدْ حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضَخَ لِلْعَبِيدِ فِي الْمَغْنَمِ وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُمْ بِسَهْمٍ}. حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ: {عَنْ الْعَبْدِ الَّذِي أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ يَسْأَلُهُ قَالَ فَقَالَ لِي تَقَلَّدْ هَذَا السَّيْفَ فَتَقَلَّدْتُهُ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَحْرَارِ بِالسُّهْمَانِ وَرَضَخَ لِلْعَبِيدِ فَإِذَا سَرَقَ أَحَدٌ حَضَرَ الْمَغْنَمَ شَيْئًا لَمْ أَرَ عَلَيْهِ قَطْعًا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءٌ.
سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ الرَّجُلِ يَسْرِقُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَقَدْ كَانَ أَبُوهُ فِي ذَلِكَ الْجُنْدِ أَوْ أَخُوهُ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ امْرَأَةٌ سَرَقَتْ مِنْ ذَلِكَ وَزَوْجُهَا فِي الْجُنْدِ فَقَالَ لاَ يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُقْطَعُونَ وَلاَ يَبْطُلُ الْحَدُّ عَنْهُمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لاَ يُقْطَعُونَ وَهَؤُلاَءِ وَالْعَبِيدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ أَرَأَيْت رَجُلاً يَسْرِقُ مِنْ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا هَلْ يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ؟ لَيْسَ يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك} فَكَيْفَ يُقْطَعُ هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: إنْ كَانَ السَّارِقُ مِنْ هَؤُلاَءِ شَهِدَ الْمَغْنَمَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وَلاَ يُقْطَعُ الرَّجُلُ وَلاَ أَبُوهُ فِيمَا سَرَقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهِ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ يَحْضُرُ زَوْجُهَا الْغَنِيمَةَ أَوْ الْأَخُ وَغَيْرُهُ فَكُلُّ هَؤُلاَءِ سُرَّاقٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ لَوْ سَرَقَ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا لَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهِ قَطَعْتُهُ.
سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ الصَّبِيِّ يُسْبَى وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَقَعَا فِي سَهْمِ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ مَاتَ الْغُلاَمُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْإِسْلاَمِ فَقَالَ لاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى دِينِ أَبِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالْإِسْلاَمِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَوْلاَهُ أَوْلَى مِنْ أَبِيهِ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ وَخَرَجَ أَبُوهُ مُسْتَأْمَنًا لَكَانَ لِمَوْلاَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا لَمْ يُسْبَ مَعَهُ أَبُوهُ كَانَ مُسْلِمًا لَيْسَ لِمَوْلاَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ أَبِيهِ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ وَهُوَ يَنْقُضُ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ السَّبْيُ وَيُرَدَّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فِي مَسْأَلَةٍ قَبْلَ هَذَا فَالْقَوْلُ فِي هَذَا مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى إذَا كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى دِينِهِ حَتَّى يُقِرَّ بِالْإِسْلاَمِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُسْلِمٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: {سَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَذَرَارِيَّهُمْ فَبَاعَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَاشْتَرَى أَبُو الشَّحْمِ الْيَهُودِيُّ أَهْلَ بَيْتٍ عَجُوزٍ وَوَلَدِهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا بَقِيَ مِنْ السَّبَايَا أَثْلاَثًا ثُلُثًا إلَى تِهَامَةَ وَثُلُثًا إلَى نَجْدٍ وَثُلُثًا إلَى طَرِيقِ الشَّامِ فَبِيعُوا بِالْخَيْلِ وَالسِّلاَحِ وَالْإِبِلِ وَالْمَالِ وَفِيهِمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ} وَقَدْ يَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَطْفَالِ مَعَهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَطْفَالِ مَنْ لاَ أُمَّ لَهُ فَإِذَا سُبُوا مَعَ أُمَّهَاتِهِمْ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ لَوْ سُبُوا مَعَ آبَائِهِمْ وَلَوْ مَاتَ أُمَّهَاتُهُمْ وَآبَاؤُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا فَيَصِفُوا الْإِسْلاَمَ لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ عَلَى دِينِ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ إذَا كَانَ السَّبَاءُ مَعًا وَلَنَا بَيْعُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ أُمَّهَاتِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا عَلَيْهِمْ بِأَنَّ حُكْمَ الشِّرْكِ ثَابِتٌ عَلَيْهِمْ إذَا تَرَكْنَا الصَّلاَةَ عَلَيْهِمْ كَمَا حَكَمْنَا بِهِ وَهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ لاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ إذَا لَزِمَهُمْ حُكْمُ الشِّرْكِ كَانَ لَنَا بَيْعُهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ الْبَوَالِغُ قَدْ: {اسْتَوْهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَةً بَالِغَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَفَدَى بِهَا رَجُلَيْنِ}.
سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ الْمُدَبَّرَةِ أَسَرَهَا الْعَدُوُّ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَدَخَلَ سَيِّدُهُمَا بِأَمَانٍ فَقَالَ إنَّهُ لاَ بَأْسَ أَنْ يَطَأَهُمَا إنْ لَقِيَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَهُ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَحُوزُوهُمَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ فَرْجًا يَطَؤُهُ الْمَوْلَى سِرًّا وَالزَّوْجُ الْكَافِرُ عَلاَنِيَةً وَلَوْ لَقِيَهَا وَلَيْسَ لَهَا زَوْجٌ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يُخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَيَخْرُجَ بِهَا وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْهَا كَانُوا أَمْلَكَ بِهِ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ هَذَا يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لاَ بَأْسَ أَنْ يَطَأَ السَّبْيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَرِهَ أَنْ يَطَأَ أُمَّ الْوَلَدِ الَّتِي لاَ شَأْنَ لَهُ فِي مِلْكِهَا كَيْفَ هَذَا؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ مُقَامٍ وَكُرِهَ لَهُ الْمُقَامُ فِيهَا وَكُرِهَ لَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا نَسْلٌ عَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ فِي مُنَاكَحَتِهِمْ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ لَيْسَ يَمْلِكُهُمَا الْعَدُوُّ وَكَانَ يَقُولُ إنْ وَطِئَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ وَطِئَ مَا يَمْلِكُ وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ هُنَالِكَ يَطَؤُهَا أَنَّ لِمَوْلاَهَا أَنْ يَطَأَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: زَعَمَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لاَ بَأْسَ بِوَطْءِ السَّبْيِ بِبِلاَدِ الْعَدُوِّ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَقَدْ وَطِئَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ: {وَعَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيَّةَ بِالصَّهْبَاءِ} وَهِيَ غَيْرُ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ وَالسَّبْيُ قَدْ جَرَى عَلَيْهِمْ الرِّقُّ وَانْقَطَعَتْ الْعِصَمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ يَمْلِكُهُمْ بِنِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ وَكَرِهَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَكْرَهَ هَذَا فِي أَصْلِ قَوْلِهِ مِنْ الْأَوْزَاعِيِّ مِنْ قِبَلِ مَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا مَا يَزْعُمُ أَنَّ شَاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِزُورٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْكِحَهَا حَلاَلاً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُنْسَبَ فِي تَنَاقُضِ الْقَوْلِ فِي هَذَا مِنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَلَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ أُمَّ وَلَدِهِ وَأَمَتَهُ فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ وَلَيْسَ يَمْلِكُ الْعَدُوُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا أَلاَ تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَوْ ظَفِرُوا بِشَيْءٍ أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ وَحَضَرَ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقَسْمِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَوْجَفُوا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ مَلَكُوهُ مِلْكًا تَامًّا مَا كَانَ إلَّا لِمَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ كَمَا يَكُونُ سَائِرُ مِلْكِهِمْ غَيْرَ أَنَّا نُحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا شَرِكَهُ فِي بُضْعِ جَارِيَتِهِ غَيْرُهُ أَنْ يَتَوَقَّى وَطَأْهَا لِلْوَلَدِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى: إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَطَؤُهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لاَ يَطَؤُهَا وَكَانَ يَنْهَى عَنْ هَذَا أَشَدَّ النَّهْيِ وَيَقُولُ قَدْ أَحْرَزَهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَلَوْ أَعْتَقُوهَا جَازَ عِتْقُهُمْ فَكَيْفَ يَطَؤُهَا مَوْلاَهَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ يَمْلِكُونَ الْأَمَةَ وَلاَ يَمْلِكُونَ أُمَّ الْوَلَدِ وَلاَ الْمُدَبَّرَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَمَتَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَمَا يُحْرِزُونَهَا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا كَمَا لاَ يَطَؤُهَا لَوْ نُكِحَتْ نِكَاحًا فَاسِدًا وَأُصِيبَتْ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وَقَدْ صَارَتْ إلَى مَنْ كَانَ يَسْتَحِلُّهَا وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَلَيْسَ يَمْلِكُ الْعَدُوُّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا مِلْكًا صَحِيحًا لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ يُوجِفُ عَلَى مَا أَحْرَزُوا الْمُسْلِمُونَ فَيَمْلِكُونَهُ مِلْكًا يَصِحُّ عَنْ الْمُشْرِكِينَ فَيَأْتِي صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمُوجِفِينَ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَمْلِكُ الْعَدُوُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِدِينِهِ وَخَوَّلَهُمْ عَدُوَّهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَهُمْ يَمْلِكُونَ رِقَابَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ مَتَى قَدَرُوا عَلَيْهَا؟ أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ يَمْلِكُونَهُ مَتَى قَدَرُوا عَلَيْهِ أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْهِمْ؟ هَذَا مُحَالٌ أَنْ يَمْلِكَ عَلَيَّ مَنْ أَمْلِكُهُ مَتَى قَدَرْت عَلَيْهِ وَلَوْ أَعْتَقُوا جَمِيعَ مَا أَحْرَزُوا مِنْ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ عِتْقٌ وَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْعِتْقُ فِيمَا غَصَبَ فَالْمُشْرِكُ أَوْلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ} فَهَذَا مِمَّا لاَ يَثْبُتُ وَلَوْ ثَبَتَ كَانَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ يَجُوزُ لَهُ مِلْكُهُ فَهُوَ لَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قِيلَ أَرَأَيْتَ لَوْ اسْتَرَقُّوا أَحْرَارًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَسْلَمُوا عَلَيْهِمْ أَيَكُونُونَ لَهُمْ فَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ فَيَدُلُّ هَذَا عَلَى خِلاَفِك الْحَدِيثُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا فَإِنْ قَالَ مَا هَذَا الَّذِي يَجُوزُ لَهُمْ مِلْكُهُ؟ قِيلَ مِثْلُ مَا كَانَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ مِلْكُهُ. فَإِنْ قَالَ فَأَيْنَ ذَلِكَ؟ قِيلَ مِثْلُ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ وَأَخْذِهِمْ لِأَمْوَالِهِمْ فَذَلِكَ لَهُمْ جَائِزٌ حَلاَلٌ فَإِنْ سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضٍ ثُمَّ أَسْلَمَ السَّابِي الْآخِذُ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ رَقَبَةً وَمَالاً غَيْرَ مَمْنُوعٍ وَأَمَّا مَالُ الْمُسْلِمِينَ فَمَا مَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلاَمِ حَتَّى لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُهُ فَالْمُشْرِكُ أَوْلَى أَنْ لاَ يَمْلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ بِهَا مَالٌ ثُمَّ يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ إنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَرَقِيقِهِ وَمَتَاعِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ فَهُوَ فَيْءٌ وَامْرَأَتُهُ إذَا كَانَتْ كَافِرَةً فَإِذَا كَانَتْ حُبْلَى فَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَتْ مَكَّةُ دَارَ حَرْبٍ ظَهَرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَفِيهَا رِجَالٌ مُسْلِمُونَ فَلَمْ يَقْبِضْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارًا وَلاَ أَرْضًا وَلاَ امْرَأَةً وَأَمَّنَ النَّاسَ وَعَفَا عَنْهُمْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ نَقَضَ الْأَوْزَاعِيُّ حُجَّتَهُ هَذِهِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ قَدْ عَفَا عَنْ النَّاسِ كُلِّهِمْ وَأَمَّنَهُمْ الْكَافِرَ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنَ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَكَّةَ غَنِيمَةٌ وَلاَ فَيْءٌ فَهَذِهِ لاَ تُشْبِهُ الدَّارَ الَّتِي تَكُونَ فَيْئًا يَقْتَسِمُهَا الْمُسْلِمُونَ بِمَا فِيهَا. (قَالَ الشَّافِعِيّ) الَّذِي قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَمَا قَالَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا فِي احْتِجَاجِهِ بِمَكَّةَ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي مَسْأَلَةٍ قَبْلَ هَذِهِ فَتَرَكْنَا تَكْرِيرَهَا وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي هَذَا: {أَنَّ ابْنَيْ سَعْيَةَ القرظيين خَرَجَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَسْلَمَا فَأَحْرَزَ لَهُمَا إسْلاَمُهُمَا دِمَاءَهُمَا وَجَمِيعَ أَمْوَالِهِمَا مِنْ النَّخْلِ وَالدُّورِ} وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُحْرِزَ لَهُمْ الْإِسْلاَمُ الدِّمَاءَ وَلَمْ يُؤْسَرُوا وَلَمْ يُحْرِزْ لَهُمْ الْأَمْوَالَ؟ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُحْرِزَ لَهُمْ بَعْضَ الْأَمْوَالِ دُونَ بَعْضٍ؟ أَرَأَيْتَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا خَبَرٌ أَمَا كَانَ الْقِيَاسُ إذَا صَارَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ فِيمَا يُحْرِزُ لَهُ الْإِسْلاَمُ مِنْ دَمِهِ وَمَالِهِ أَوْ يُقَالَ يَكُونُ غَيْرَ مُحْرِزٍ لَهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ تَحْوِيلَهُ أَمَّا مَا يَسْتَطِيعُ تَحْوِيلَهُ مِنْ ثِيَابِهِ وَمَالِهِ وَمَاشِيَتِهِ فَلاَ, لِأَنَّ تَرْكَهُ إيَّاهُ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ الْمُبَاحَةِ رِضًا مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا إذْ أَمْكَنَهُ تَحْوِيلُهُ فَلَمْ يُحَوِّلْهُ أَلاَ يَكُونُ قَوْلُهُ أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ يُحْرَزُ لَهُ جَمِيعُ مَالِهِ إلَّا مَا لاَ يَسْتَطِيعُ تَحْوِيلَهُ؟ هَذَا الْقَوْلُ خَارِجٌ مِنْ الْقِيَاسِ وَالْعَقْلِ وَالسُّنَّةِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه فِي الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يَخْرُجُ مُسْتَأْمَنًا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ فَيُسْلِمُ فِيهَا ثُمَّ يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ الَّتِي فِيهَا أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ هُمْ فَيْءٌ أَجْمَعُونَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُتْرَكُ لَهُ أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ كَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ حِينَ ظَهَرَ عَلَى مَكَّةَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ فِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الشِّرْكِ مِمَّنْ أَهْلُهُ بِمَكَّةَ أَمْوَالَهُمْ وَعِيَالَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ جَمِيعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: هَذِهِ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَلْ خُرُوجُ الْمُسْلِمِ الَّذِي كَانَ مُشْرِكًا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ أَوْلَى أَنْ يُحْرِزَ لَهُ دَمَهُ وَمَالَهُ وَعِيَالَهُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا مِنْ وَلَدِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي بِلاَدِ الشِّرْكِ فَكَيْفَ يُتْرَكُ لِلْأَوَّلِ بَعْضُ مَالِهِ وَلاَ يُتْرَكُ لِهَذَا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ حَالاً مِنْهُ بَعْضُ مَالِهِ؟ بَلْ جَمِيعُ مَالِهِ كُلِّهِ لَهُ وَكُلُّ مَوْلُودٍ لَهُ لَمْ يَبْلُغْ مَتْرُوكٌ لَهُ وَكُلُّ بَالِغٍ مِنْ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ يُسْبَى لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ لاَ حُكْمُهُ وَمَنْ أَحْرَزَ لَهُ الْإِسْلاَمُ دَمَهُ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ أَحْرَزَ لَهُ الْإِسْلاَمُ مَالَهُ, وَمَالُهُ أَصْغَرُ قَدْرًا مِنْ دَمِهِ وَالْحُجَّةُ فِي هَذَا مِثْلُ الْحُجَّةِ فِي الْأُولَى وَقَدْ أَصَابَ الْأَوْزَاعِيُّ فِيهَا وَحُجَّتُهُ بِمَكَّةَ وَأَهْلِهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ لَيْسَتْ مَكَّةُ مِنْ هَذَا بِسَبِيلٍ لاَ فِي هَذِهِ وَلاَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى: لَوْ كَالَ هَذَا الرَّجُلُ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ لَهُ وَلَدُهُ الصِّغَارُ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ عَلَى دِينِهِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَهُوَ فَيْءٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ حَالُ هَذَا كَحَالِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ إلَيْهِ أَهْلُهُ وَمَالُهُ كَمَا رَدَّهُ لِأُولَئِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ فَرَغْنَا مِنْ الْقَوْلِ فِي هَذَا وَالْقَوْلُ فِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: الْقَوْلُ فِيهِ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْحُجَّةُ فِيهِ مِثْلَ الْحُجَّةِ فِي الْأَوَّلَيْنِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى: لَوْ كَانَ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَاسْتَوْدَعَهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ كَانَ فَيْئًا أَيْضًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لاَ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِصُنْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَقَالَ أَحَقُّ مَنْ اُقْتُدِيَ بِهِ وَتُمُسِّكَ بِسُنَّتِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ شُرَيْحٌ إنَّ السُّنَّةَ سَبَقَتْ قِيَاسَكُمْ هَذَا فَاتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا أَخَذْتُمْ بِالْأَثَرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ يُشْبِهُ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يُشْبِهُ الْحُكْمُ فِي الْأَعَاجِمِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الْحُكْمَ فِي الْعَرَبِ أَلاَ تَرَى أَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لاَ يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلاَمُ أَوْ الْقَتْلُ وَأَنَّ الْجِزْيَةَ تُقْبَلُ مِنْ مُشْرِكِي الْأَعَاجِمِ وَأَنَّ إمَامًا لَوْ ظَهَرَ عَلَى مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الرُّومِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ حَتَّى تَصِيرَ فَيْئًا أَوْ غَنِيمَةً فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتِكَ مِنْهَا شَيْئًا وَلاَ يَصْرِفَهَا عَنْ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا يُخَمِّسُهَا وَيُقَسِّمُهَا بَيْنَهُمْ وَأَنَّ السُّنَّةَ هَكَذَا كَانَ الْإِسْلاَمُ عَلَى وَلَيْسَ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَقَالَ فِي مَكَّةَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلاَ تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي} وَقَدْ سَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيَ هَوَازِنَ وَسَبَى يَوْمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَيَوْمَ خَيْبَرَ فِي غَزَوَاتٍ مِنْ غَزَوَاتِهِ ظَهَرَ عَلَى أَهْلِهَا وَسَبَى وَلَمْ يَصْنَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا صَنَعَ فِي مَكَّةَ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا صَنَعَ فِي مَكَّةَ مَا جَازَ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَسْبِيَ أَحَدًا أَبَدًا وَلاَ كَانَتْ غَنِيمَةٌ وَلاَ فَيْءٌ وَلَكِنَّ الْأَمْرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ عَلَى غَيْرِ مَا عَلَيْهِ الْمَقَاسِمُ وَالْمَغَانِمُ فَتَفَهَّمْ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَغْنَمْ مِنْ مَكَّةَ غَنِيمَةً مِنْ كَافِرٍ وَلاَ مُسْلِمٍ وَلاَ سَبَى مِنْهَا لاَ مِنْ عِيَالِ مُسْلِمٍ وَلاَ مِنْ عِيَالِ كَافِرٍ وَعَفَا عَنْهُمْ جَمِيعًا وَقَدْ جَاءَتْهُ هَوَازِنُ فَكَانَتْ سُنَّتُهُ مَا أَخْبَرْتُ بِهِ وَفَدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَمَسَّكَ بِحَقِّهِ مِنْ السَّبْيِ كُلُّ رَأْسٍ بِسِتَّةِ فَرَائِضَ فَكَانَ الْقَوْلُ فِي هَذَا غَيْرَ الْقَوْلِ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَقٌّ كَمَا صَنَعَ لَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ فِي مِثْلِ هَذَا مَا لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَدْ كَثُرَ التَّرَدُّدُ فِي مَكَّةَ وَالْأَمْرُ فِيهَا عَلَى خِلاَفِ مَا قَالاَ مَعًا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا وَلَمْ تَخْتَلِفْ سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ وَلاَ يُسْتَنَّ إلَّا بِمَا عُلِمَ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يُسْتَنَّ إلَّا مَا بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ لَهُ خَالِصًا دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيَّنَهُ هُوَ عليه السلام وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ مَنْ بَعْدَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ الْحُكْمُ فِي الْعَرَبِ غَيْرُ الْحُكْمِ فِي الْعَجَمِ فَقَدْ ادَّعَى أَنَّ مَكَّةَ دَارُ حَرْبٍ وَهِيَ دَارُ مَحْرَمٍ فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ فِيهَا خِلاَفَ حُكْمِهِ فِي الْعَرَبِ وَهَوَازِنَ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَلَمْ يَحْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ غَيْرِهِ بِشَيْءٍ اخْتَلَفَ وَلَكِنَّهُ سَبَى مَنْ ظَفِرَ بِهِ عَنْوَةً وَغَنِمَهُ مِنْ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ وَلَمْ يَسْبِ عَرَبِيًّا وَلاَ عَجَمِيًّا تَقَدَّمَ إسْلاَمُهُ الظَّفَرَ بِهِ وَلاَ قَبْلَ أَمَانِهِ وَتَرَكَ قِتَالِهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ أَسْلَمُوا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَمَانُ وَلاَ شَيْءَ لَهُمْ بِهَا فَيُؤْخَذُ إنَّمَا هُمْ قَوْمٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لَجَئُوا إلَيْهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ لاَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الْعَرَبِ فَنَحْنُ كُنَّا عَلَى هَذَا أَحْرَصَ لَوْلاَ أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِ مَا قَالَ فَلَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَقُولَ إلَّا الْحَقَّ: {وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدِرٍ الْغَسَّانِيِّ} وَيَرْوُونَ أَنَّهُ صَالَحَ رِجَالاً مِنْ الْعَرَبِ عَلَى الْجِزْيَةِ فَأَمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه وَمِنْ بَعْدِهِ الْخُلَفَاءُ إلَى الْيَوْمِ فَقَدْ أَخَذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَتَنُوخِ وَهَرَاةَ وَخَلِيطٍ مِنْ خَلِيطِ الْعَرَبِ وَهُمْ إلَى السَّاعَةِ مُقِيمُونَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ وَذَلِكَ جِزْيَةٌ وَإِنَّمَا الْجِزْيَةُ عَلَى الْأَدْيَانِ لاَ عَلَى الْإِنْسَانِ وَلَوْلاَ أَنْ نَأْثَمَ بِتَمَنِّي الْبَاطِلِ وَدِدْنَا أَنَّ الَّذِي قَالَ أَبُو يُوسُفَ كَمَا قَالَ وَأَنْ لاَ يَجْرِيَ صَغَارٌ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجَلُّ فِي أَعْيُنِنَا مِنْ أَنْ نُحِبَّ غَيْرَ مَا قَضَى بِهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} إلَى قَوْلِهِ يَخْتَصِمُونَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إذْ أَبَقَ إلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَأَصْلُ الْقُرْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قِصَّةِ الْمُقْتَرِعِينَ عَلَى مَرْيَمَ وَالْمُقَارِعِي يُونُسَ مُجْتَمِعَةً, فَلاَ تَكُونُ الْقُرْعَةُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَّا بَيْنَ قَوْمٍ مُسْتَوِينَ فِي الْحُجَّةِ وَلاَ يَعْدُو - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - الْمُقْتَرِعُونَ عَلَى مَرْيَمَ أَنْ يَكُونُوا كَانُوا سَوَاءً فِي كَفَالَتِهَا فَتَنَافَسُوهَا, فَلَمَّا كَانَ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْفَقُ بِهَا; لِأَنَّهَا لَوْ صُيِّرَتْ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَوْمًا, أَوْ أَكْثَرَ وَعِنْدَ غَيْرِهِ مِثْلُ ذَلِكَ كَانَ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَضَرَّ بِهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْكَافِلَ إذَا كَانَ وَاحِدًا كَانَ أَعْطَفَ لَهُ عَلَيْهَا وَأَعْلَمَ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتِهَا لِلْعِلْمِ بِأَخْلاَقِهَا وَمَا تَقْبَلُ وَمَا تَرُدُّ وَمَا يَحْسُنُ بِهِ اغْتِذَاؤُهَا, فَكُلُّ مَنْ اعْتَنَفَ كَفَالَتَهَا كَفَلَهَا غَيْرَ خَابِرٍ بِمَا يُصْلِحُهَا, وَلَعَلَّهُ لاَ يَقَعُ عَلَى صَلاَحِهَا حَتَّى تَصِيرَ إلَى غَيْرِهِ فَيَعْتَنِفَ مِنْ كَفَالَتِهَا مَا اعْتَنَفَ غَيْرُهُ. وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ يَصِحُّ; وَذَلِكَ أَنَّ وِلاَيَةَ وَاحِدٍ إذَا كَانَتْ صَبِيَّةً غَيْرَ مُمْتَنِعَةٍ مِمَّا يَمْتَنِعُ مِنْهُ مِنْ عَقْلٍ يَسْتُرُ مَا يَنْبَغِي سِتْرُهُ كَانَ أَكْرَمَ لَهَا وَأَسْتَرَ عَلَيْهَا أَنْ يَكْفُلَهَا وَاحِدٌ دُونَ الْجَمَاعَةِ (قَالَ): وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كَافِلٍ وَيَغْرَمُ مَنْ بَقِيَ مُؤْنَتَهَا بِالْحِصَصِ كَمَا تَكُونُ الصَّبِيَّةُ عِنْدَ خَالَتِهَا وَعِنْدَ أُمِّهَا وَمُؤْنَتُهَا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا (قَالَ): وَلاَ يَعْدُو الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ أَنْ يَكُونُوا تَشَاحُّوا عَلَى كَفَالَتِهَا, وَهُوَ أَشْبَهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَوْ يَكُونُوا تَدَافَعُوا كَفَالَتَهَا فَاقْتَرَعُوا أَيُّهُمْ تَلْزَمُهُ, فَإِذَا رَضِيَ مَنْ شَحَّ عَلَى كَفَالَتِهَا أَنْ يُمَوِّنَهَا لَمْ يُكَلَّفْ غَيْرُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مُؤْنَتِهَا شَيْئًا بِرِضَاهُ بِالتَّطَوُّعِ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ (قَالَ): وَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ فَالْقُرْعَةُ تُلْزِمُ أَحَدَهُمْ مَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَتُخَلِّصُ لَهُ مَا يَرْغَبُ فِيهِ لِنَفْسِهِ وَتَقْطَعُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ (قَالَ): وَهَكَذَا مَعْنَى قُرْعَةِ يُونُسَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَقَفَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ, فَقَالُوا: مَا يَمْنَعُهَا مِنْ أَنْ تَجْرِيَ إلَّا عِلَّةٌ بِهَا, وَمَا عِلَّتُهَا إلَّا ذُو ذَنْبٍ فِيهَا, فَتَعَالَوْا نَقْتَرِعُ فَاقْتَرَعُوا فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونُسَ, عليه السلام فَأَخْرَجُوهُ مِنْهَا وَأَقَامُوا فِيهَا. وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَى الْقُرْعَةِ فِي الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ; لِأَنَّ حَالَ الرُّكْبَانِ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا حُكْمٌ يُلْزِمُ أَحَدَهُمْ فِي مَالِهِ شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ وَيُزِيلُ عَنْ آخَرَ شَيْئًا كَانَ يَلْزَمُهُ, فَهُوَ يُثْبِتُ عَلَى بَعْضٍ حَقًّا وَيُبَيِّنُ فِي بَعْضٍ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ, كَمَا كَانَ فِي الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ غُرْمٌ وَسُقُوطُ غُرْمٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُرْعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقْرَعَ فِيهِ فِي مِثْلِ مَعْنَى الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ سَوَاءٌ لاَ يُخَالِفُهُ, وَذَلِكَ أَنَّهُ أَقْرَعَ بَيْنَ مَمَالِيكَ أُعْتِقُوا مَعًا, فَجَعَلَ الْعِتْقَ تَامًّا لِثُلُثِهِمْ, وَأَسْقَطَ عَنْ ثُلُثَيْهِمْ بِالْقُرْعَةِ, وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتِقَ فِي مَرَضِهِ أَعْتَقَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ, فَجَازَ عِتْقُهُ فِي مَالِهِ وَلَمْ يَجُزْ فِي مَالِ غَيْرِهِ, فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِتْقَ فِي ثُلُثِهِ وَلَمْ يُبَعِّضْهُ كَمَا يَجْمَعُ الْقَسْمَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوَارِيثِ وَلاَ يُبَعِّضُ عَلَيْهِمْ, وَكَذَلِكَ كَانَ إقْرَاعُهُ لِنِسَائِهِ أَنْ يَقْسِمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الْحَضَرِ فَلَمَّا كَانَ السَّفَرُ كَانَ مَنْزِلَةً يَضِيقُ فِيهَا الْخُرُوجُ بِكُلِّهِنَّ, فَأَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ, فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ وَسَقَطَ حَقُّ غَيْرِهَا فِي غَيْبَتِهِ بِهَا, فَإِذَا حَضَرَ عَادَ لِلْقَسْمِ لِغَيْرِهَا, وَلَمْ يَحْسِبْ عَلَيْهَا أَيَّامَ سَفَرِهَا. وَكَذَلِكَ قَسَّمَ خَيْبَرَ فَكَانَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ حَضَرَ, ثُمَّ أَقْرَعَ, فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَى جُزْءٍ مُجْتَمِعٍ كَانَ لَهُ بِكَمَالِهِ وَانْقَطَعَ مِنْهُ حَقُّ غَيْرِهِ وَانْقَطَعَ حَقُّهُ عَنْ غَيْرِهِ (أَخْبَرَنَا) ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: {أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهَا عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَالٌ غَيْرَهُمْ, فَأَقْرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ, فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً}, أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: {أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ إمَّا قَالَ: أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ غَيْرَهُمْ وَإِمَّا قَالَ: أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ, فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِيهِ قَوْلاً شَدِيدًا, ثُمَّ دَعَاهُمْ فَجَزَّأَهُمْ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ, فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ, فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً}, (أَخْبَرَنَا) مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ} فَذَكَر الْحَدِيثَ (أَخْبَرَنَا) ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله تعالى عنه قَضَى فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقِيقِهِ وَفِيهِمْ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ رِجَالاً مِنْهُمْ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ (أَخْبَرَنَا) مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ, فَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ, وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ}. (قَالَ الرَّبِيعُ): أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِأَعْلَى الْقِيمَةِ وَيَعْتِقُ}, وَرُبَّمَا قَالَ: {قِيمَةٌ لاَ وَكْسَ فِيهَا وَلاَ شَطَطَ}, (أَخْبَرَنَا) ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ ثُلُثَ رَقِيقِهِ, فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ, (أَخْبَرَنَا) مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلاً فِي زَمَانِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَهُ جَمِيعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ, فَأَمَرَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بِذَلِكَ الرَّقِيقِ فَقُسِمُوا أَثْلاَثًا, ثُمَّ أَسْهَمَ بَيْنَهُمْ عَلَى أَيِّهِمْ خَرَجَ سَهْمُ الْمَيِّتِ فَيَعْتِقُ, فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى أَحَدِ الْأَثْلاَثِ فَعَتَقَ, قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَحَدِيثُ الْقُرْعَةِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ مُوَافِقٌ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعِتْقِ لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ حُكِيَ فِيهِمَا وَلاَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا, وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتِقَ أَعْتَقَ رَقِيقَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ إنْ كَانَ أَعْتَقَهُمْ عِتْقَ بَتَاتٍ فِي حَيَاتِهِ فَهَكَذَا فِيمَا أَرَى الْحَدِيثَ, فَقَدْ دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّ عِتْقَ الْبَتَاتِ عِنْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ قَبْلَ الْمَوْتِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ كَعِتْقِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ, فَلَمَّا أَقْرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ الثُّلُثَ وَأَرَقَّ الثُّلُثَيْنِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الْمُعْتِقَ أَعْتَقَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ, فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ, وَرَدَّ مَالَ غَيْرِهِ, كَمَا لَوْ كَانَ الرَّقِيقُ لِرَجُلٍ فَبَاعَ ثُلُثَهُمْ, أَوْ وَهَبَهُ, فَقَسَمْنَاهُمْ ثُمَّ أَقْرَعْنَا, فَأَعْطَيْنَا الْمُشْتَرِيَ إذَا رَضِيَ الثُّلُثَ بِحِصَصِهِمْ أَوْ الْمَوْهُوبَ لَهُ الثُّلُثَ وَالشَّرِيكَ الثُّلُثَيْنِ بِالْقُرْعَةِ إذَا خَرَجَ سَهْمُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبِ, كَانَ لَهُ مَا خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ وَمَا بَقِيَ لِشَرِيكِهِ, فَكَانَ الْعِتْقُ إذَا كَانَ فِيمَا يُتَحَرَّى خُرُوجًا مِنْ مِلْكٍ - كَمَا كَانَتْ الْهِبَةُ وَالْبَيْعُ خُرُوجًا مِنْ مِلْكٍ - فَكَانَ سَبِيلُهُمْ إذَا اشْتَرَكَ فِيهِمْ الْقَسْمُ (قَالَ): وَلَوْ صَحَّ الْمُعْتِقُ مِنْ مَرَضِهِ عَتَقُوا كُلُّهُمْ حِينَ صَارَ مَالِكًا لَهُمْ غَيْرَ مَمْنُوعٍ مِنْهُمْ, وَذَلِكَ مَرَضٌ لاَ يَدْرِي أَيَمُوتُ مِنْهُ أَوْ يَعِيشُ, وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ وَهُمْ يُخْرَجُونَ مِنْ ثُلُثِهِ - عَتَقُوا كُلُّهُمْ, فَلَمَّا مَاتَ وَأَعْتَقَ ثُلُثَهُمْ وَأَرَقَّ الثُّلُثَيْنِ كَانَ مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لاَ يُخَالِفُهُ, وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ, وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ, فَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ, وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ, وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ}, فَإِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ الشِّقْصَ لَهُ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ مُوسِرًا فَدَفَعَ الْعِوَضَ مِنْ مَالِهِ إلَى شَرِيكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ. وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ الْعِوَضَ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ, وَكَانَ الْمَالِكُ الشَّرِيكُ مَعَهُ عَلَى مِلْكِهِ, وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ مُوَافِقٌ لِصَاحِبِهِ, إذَا أَعْسَرَ الْمُعْتِقُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِ شَرِيكِهِ مَالُهُ بِلاَ عِوَضٍ يَأْخُذُهُ, وَإِذَا أَيْسَرَ الْمُعْتِقُ تَمَّ الْعِتْقُ, وَكَانَ لِشَرِيكِهِ الْعِوَضُ, فَأُعْطِيَ مِثْلَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَتَمَّ الْعِتْقُ, وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ يُبْطِلُ الِاسْتِسْعَاءَ بِكُلِّ حَالٍ, وَيَتَّفِقَانِ فِي ثَلاَثَةِ مَعَانٍ: إبْطَالُ الِاسْتِسْعَاءِ, وَثُبُوتُ الرِّقِّ بَعْدَ الْعِتْقِ فِي حَالِ عُسْرَةِ الْمُعْتِقِ, وَنَفَاذُ الْعِتْقِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا, ثُمَّ يَنْفَرِدُ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا, أَنَّ عِتْقَ الْبَتَاتِ عِنْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَصِحَّ صَاحِبُهُ وَصِيَّةٌ, وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَرَابَةِ, وَلَك أَنَّ الْمَمَالِيكَ لَيْسُوا بِذَوِي قَرَابَةٍ لِلْمُعْتِقِ, وَالْمُعْتِقُ عَرَبِيٌّ وَالْمَمَالِيكُ عَجَمٌ, وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ مَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} مَنْسُوخَةٌ بِالْمَوَارِيثِ وَالْآخَرُ, أَنَّ الْوَصَايَا إذَا جُوِّزَ بِهَا الثُّلُثُ رُدَّتْ إلَى الثُّلُثِ, وَهَذِهِ الْحُجَّةُ فِي أَنْ لاَ يُجَاوَزَ بِالْوَصَايَا الثُّلُثُ, وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ رَجُلٌ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَعْدٍ وَلَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ, وَفِي هَذَا حُجَّةٌ لَنَا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدَعْ وَارِثًا يُعْرَفُ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ, فَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ يَدُلُّ عَلَى خَمْسَةِ مَعَانٍ, وَحَدِيثُ نَافِعٍ يَدُلُّ عَلَى ثَلاَثَةٍ كُلُّهَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه كَانَتْ قُرْعَةُ الْعَرَبِ قِدَاحًا يَعْمَلُونَهَا مَنْحُوتَةً مُسْتَوِيَةً ثُمَّ يَضَعُونَ عَلَى كُلِّ قَدَحٍ مِنْهَا عَلاَمَةَ رَجُلٍ ثُمَّ يُحَرِّكُونَهَا ثُمَّ يَقْبِضُونَ بِهَا عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ, فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ (قَالَ): وَأَحَبُّ الْقُرْعَةِ إلَيَّ وَأَبْعَدُهَا مِنْ أَنْ يَقْدِرَ الْمُقْرِعُ فِيهَا عَلَى الْحَيْفِ فِيمَا أَرَى أَنْ يَقْطَعَ رِقَاعًا صِغَارًا مُسْتَوِيَةً, فَيَكْتُبُ فِي كُلِّ رُقْعَةٍ اسْمَ ذِي السَّهْمِ, حَتَّى يَسْتَوْظِفَ أَسْمَاءَهُمْ, ثُمَّ تُجْعَلُ فِي بَنَادِقَ طِينٍ مُسْتَوِيَةٍ لاَ تَفَاوُتَ بَيْنَهَا, فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِوَزْنٍ وُزِنَتْ, ثُمَّ تُسْتَجَف قَلِيلاً ثُمَّ تُلْقَى فِي ثَوْبِ رَجُلٍ لَمْ يَحْضُرْ الْكِتَابَ وَلاَ إدْخَالَهَا فِي الْبَنَادِقِ وَيُغَطَّى عَلَيْهَا ثَوْبُهُ ثُمَّ يُقَالُ: أَدْخِلْ يَدَك فَأَخْرِجْ بُنْدُقَةً, فَإِذَا أَخْرَجَهَا فُضَّتْ وَقَرَأَ اسْمَ صَاحِبِهَا ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ الْجُزْءَ الَّذِي أَقْرَعَ عَلَيْهِ, ثُمَّ يُقَالُ: أُقْرِعَ عَلَى السَّهْمِ الَّذِي يَلِيه, ثُمَّ هَكَذَا مَا بَقِيَ مِنْ السُّهْمَانِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْفَدَ. وَهَكَذَا فِي الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ, فَإِذَا مَاتَ مَيِّتٌ وَتَرَكَ رَقِيقًا قَدْ أَعْتَقَهُمْ كُلَّهُمْ, أَوْاقْتَصَرَ بِعِتْقِهِ عَلَى الثُّلُثِ, أَوْ أَعْتَقَ ثُلُثَيْهِمْ وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ, جُزِّئُوا ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ فَكَتَبَ سَهْمَ الْعِتْقِ فِي وَاحِدٍ وَسَهْمَا الرِّقِّ فِي اثْنَيْنِ ثُمَّ أَمَرَ الَّذِي يُخْرِجُ السِّهَامَ فَقِيلَ: أَخْرِجْ عَلَى هَذَا الْجُزْءِ وَيُعَرَّفُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَيْهِ, فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ الْجُزْءُ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهِ وَبَقِيَ الْجُزْءَانِ الْآخَرَانِ, فَإِنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ, فَكَانَا اثْنَيْنِ كَتَبْنَا اسْمَيْهِمَا ثُمَّ قُلْنَا: أَخْرِجْ عَلَى هَؤُلاَءِ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ فَهُوَ لَهُ وَالْبَاقِي لِلثَّانِي, فَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ اثْنَيْنِ كَتَبْنَا اسْمَيْهِمَا, فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَى الرَّقِيقِ أَخَذَ جُزْأَهُ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِ, وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ وَكَانَتْ حُقُوقُهُمْ مُخْتَلِفَةً أَخَذْنَا الثُّلُثَيْنِ اللَّذَيْنِ بَقِيَا رَقِيقَيْنِ وَاسْتَأْنَفْنَا فَأَقْرَعْنَا ثُمَّ أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ قُرْعَةً جَدِيدَةً مُسْتَأْنَفَةً, وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ أَوَّلاً عَلَى جُزْءٍ رَقُّوا, ثُمَّ قِيلَ أَخْرِجْ, فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي عَتَقُوا وَرَقَّ الثَّالِثُ, وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ عَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي عَتَقَ الْجُزْءُ الثَّالِثُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ جَهَدَ قَاسِمُهُمْ عَلَى تَعْدِيلِهِمْ, فَضَمَّ الْقَلِيلَ الثَّمَنِ إلَى الْكَثِيرِ الثَّمَنِ حَتَّى يَعْتَدِلُوا, فَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلُوا لِتَفَاوُتِ قِيَمِهِمْ فَكَانُوا سِتَّةَ مَمَالِيكَ قِيمَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةٌ وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ وَقِيمَةُ ثَلاَثَةٍ مِائَةٌ, جَعَلَ الْوَاحِدَ جُزْءًا وَالِاثْنَيْنِ جُزْءًا وَالثَّلاَثَةَ جُزْءًا, ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ, فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ فِي الْعِتْقِ عَتَقَ. وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ سَهْمُ الِاثْنَيْنِ, أَوْ الثَّلاَثَةِ وَإِنَّمَا التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ بِالْقِيَمِ اسْتَوَتْ قِيَمُهُمْ, أَوْ اخْتَلَفَتْ, وَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ وَالِاثْنَانِ قِيمَتُهُمَا خَمْسُونَ وَالثَّلاَثَةُ قِيمَتُهُمْ خَمْسُونَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْوَاحِدِ عَتَقَ مِنْهُ الثُّلُثُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَذَلِكَ نِصْفُ الْعَبْدِ وَبَقِيَ نِصْفُهُ وَالْجُزْءَانِ رَقِيقًا, فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ عَتَقَا, ثُمَّ أُعِيدَتْ الْقُرْعَةُ, أَقْرَعَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالثَّلاَثَةِ يَبْدَأُ تَجْزِئَتُهُمْ أَثْلاَثًا فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ بِالْعِتْقِ عَتَقَ مِنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ وَرَقَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ, وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ يَسِيرٌ فَخَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الْوَاحِدِ عَتَقَ مِنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ حِصَّةِ الْعِتْقِ, وَإِنْ خَرَجَ عَلَى اثْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ وَكَانُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعًا جُزِّئُوا ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ, ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ, فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ كُلُّهُ, فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى وَاحِدٍ عَتَقَ كُلُّهُ, أَوْ مَا حَمَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِتْقِ مِنْهُ, فَإِنْ عَتَقَ كُلُّهُ وَفَضَلَ فَضْلٌ أَقْرَعَ بَيْنَ الَّذِينَ بَقُوا مَعَهُ فِي جُزْئِهِ; لِأَنَّ الْعِتْقَ قَدْ صَارَ فِيهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الثُّلُثَ وَلاَ تَخْرُجُ الْقُرْعَةُ أَبَدًا مِنْ سَهْمِ الَّذِينَ خَرَجَ لَهُمْ سَهْمُ الْعِتْقِ أَوَّلاً حَتَّى تَكْمُلَ فِيهِمْ الْحُرِّيَّةُ فَإِنْ عَتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ, ثُمَّ أَقَرَعَ بَيْنَ مَنْ بَقِيَ فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى اثْنَيْنِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ فِي الْعِتْقِ عَتَقَ, أَوْ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثَ فَإِنْ عَتَقَ كُلُّهُ وَبَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ عَتَقَ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْ الْبَاقِي مِنْهُمَا وَإِذَا كَانُوا ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفِي الْقِيَمِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَخَرَجَ سَهْمُ الْقُرْعَةِ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُمْ, وَلَهُمْ عَدَدٌ لاَ يَحْتَمِلُهُمْ الثُّلُثُ أَقْرَعَ بَيْنَ الْجُزْءِ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِمْ سَهْمُ الْعِتْقِ فَأُعْتِقَ مَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ مِنْهُمْ. فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْعِتْقِ شَيْءٌ أَقْرَعَ بَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْجُزْءِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْجُزْءَ مِنْ الِاثْنَيْنِ عَادَ رَقِيقًا وَلاَ تَخْرُجُ الْقُرْعَةُ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي خَرَجَ لَهُ أَوَّلاً سَهْمُ الْعِتْقِ حَتَّى يَسْتَوْظِفَ الثُّلُثَ, أَوْ يَفْضُلَ فَضْلٌ مِنْ الْعِتْقِ فَيَكُونُ الْجُزْءَانِ الْبَاقِيَانِ فِيهِ سَوَاءً تُبْتَدَأُ الْقُرْعَةُ بَيْنَهُمْ فَيُجَزَّءُونَ أَثْلاَثًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَاقُونَ رَقِيقًا إلَّا اثْنَيْنِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِتْقِ وَأَرَقَّ مَا بَقِيَ وَلاَ تُبْتَدَأُ الْقُرْعَةُ بَيْنَهُمْ أَبَدًا إلَّا عَلَى تَجْزِئَةِ ثَلاَثَةِ أَجْزَاءٍ مَا أَمْكَنَ ذَلِكَ, وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقَانِ اثْنَيْنِ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَهَذَانِ لاَ يُمْكِنُ فِيهِمَا التَّجْزِئَةُ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ ثُلُثَ الْمَالِ, فَإِنْ خَرَجَ عَلَى قَلِيلِ الْقِيمَةِ فَأُعْتِقُ كُلُّهُ وَبَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ عَتَقَ مِنْ الْبَاقِي مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ وَرَقَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ, وَإِنْ كَانُوا ثَمَانِيَةً قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ فَفِيهِمْ قَوْلاَنِ; لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَنْ يُجْعَلُوا أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ, ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْوَاحِدِ, أَوْ الِاثْنَيْنِ عَتَقَ, ثُمَّ جُزِّئَ الْبَاقُونَ كَذَلِكَ فَأُعِيدَ فِيهِمْ الْقُرْعَةُ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثَ. فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ اثْنَيْنِ وَلاَ يَحْمِلُهُمْ الثُّلُثُ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الْبَاقِي فَإِنْ عَتَقَ وَبَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ عَتَقَ مِنْ الْبَاقِي بِقَدْرِ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْهُ وَكَانَ مَا بَقِيَ رَقِيقًا, وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ كَانَتْ قِيَمُ الَّذِينَ جَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءً; لِأَنَّهُ لاَ يُعْتِقُ اثْنَيْنِ وَيُرِقُّ أَرْبَعَةً إلَّا وَالِاثْنَانِ الثُّلُثُ كَامِلاً لاَ زِيَادَةَ فِيهِ وَلاَ نَقْصَ وَإِنْ كَانُوا سَبْعَةً جَعَلَهُمْ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ, ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الثُّلُثَ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي, أَنْ يُجَزِّئَهُمْ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كَانُوا سَبْعَةً قِيَمُهُمْ سَوَاءٌ ضُمَّ الْوَاحِدُ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ, فَإِنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ بِكَمَالِهِ وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِتْقِ فِيمَنْ لَمْ يَخْرُجْ سَهْمُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ وَأَشْبَهُ بِمَعْنَى السُّنَّةِ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزَّأَهُمْ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ, وَهَذَا الْقَوْلُ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ, أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ وَذَلِكَ أَنِّي جَعَلْتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّةً مِنْ الْقُرْعَةِ فَإِذَا صَارَتْ عَلَى الثَّلاَثَةِ أَعَدْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْعَةَ فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الِاثْنَيْنِ عَتَقَا. وَاسْتَأْنَفْت الْقُرْعَةَ عَلَى الْخَمْسَةِ الْبَاقِينَ مِنْ السَّبْعَةِ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ, أَوْ اتَّفَقَتْ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا ثَمَانِيَةً, أَوْ أَكْثَرَ وَلاَ يَجُوزُ عِنْدِي أَبَدًا أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَ الرَّقِيقِ قَلُّوا, أَوْ كَثُرُوا إلَّا عَلَى ثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَعْدُو الرَّقِيقُ الَّذِينَ أُقْرِعُ بَيْنَهُمْ أَنْ تَكُونَ قِيَمُهُمْ سَوَاءً أَوْ ضُمَّ الْأَقَلُّ ثَمَنًا إلَى الْأَكْثَرِ حَتَّى إذَا اعْتَدَلَتْ قِيَمُهُمْ فَهُوَ كَمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ فِيهِمْ كَانَتْ قِيَمُهُمْ سَوَاءً أَوْ مُخْتَلِفَةً أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ كَمَا يُقْرَعُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ, فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُ وَاحِدٍ أَعْتَقَهُ. ثُمَّ أَعَادَ الْقُرْعَةَ عَلَى مَنْ بَقِيَ حَتَّى يَسْتَوْظِفَ الثُّلُثَ وَكَانَ ذَلِكَ أَحَبَّ إلَى الرَّقِيقِ; لِأَنَّهُ إنْ يُقْرَعَ عَلَى الْخَمْسَةِ الْبَاقِينَ مَرَّتَيْنِ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ مَرَّةً وَقُرْعَةً مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثٍ وَلاَ ضَرَرَ فِيهَا عَلَى الْوَرَثَةِ; لِأَنَّهُ لاَ يَخْرُجُ فِي مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ وَلاَ ثَلاَثٍ إلَّا الثُّلُثُ, فَلَمَّا أَقْرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ إلَّا عَلَى ثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ وَعَدَدُهُمْ, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَوْ جَازَ إذَا اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ جَازَ إذَا اتَّفَقَتْ قِيَمُهُمْ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ الرَّقِيقِ كَمَا يُقْرَعُ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ الْوَرَثَةِ, وَلَكِنَّ الْقُرْعَةَ بَيْنَ الرَّقِيقِ لِلْعِتْقِ وَالْوَرَثَةِ لِلْقَسْمِ قَدْ تَخْتَلِفُ فِي مَوْضِعٍ وَإِنْ اتَّفَقَتْ فِي غَيْرِهِ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يُقْسَمُ الرَّقِيقُ بِالْقِيمَةِ, ثُمَّ يُضَمُّ الْقَلِيلُ الثَّمَنِ إلَى كَثِيرِهِ؟ أَفَرَأَيْت إذَا فَعَلَتْ هَذَا فِي الْعِتْقِ كَيْفَ تَصْنَعُ فِيمَا يُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ؟ قُلْنَا بِالْقِيمَةِ, قِيلَ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ فَكَانَ مَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُتَبَايِنُ الْقِيمَةِ, فَفِي عَبْدٍ ثَمَنٌ أَلْفٌ وَعَبْدَيْنِ ثَمَنٌ خَمْسُمِائَةٍ وَالْوَرَثَةُ رَجُلاَنِ؟ قِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْأَوَّلِ عَلَى الْوَاحِدِ رَدَّ عَلَى أَخِيهِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ خَرَجَ عَلَى اثْنَيْنِ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ قَالَ صَاحِبُهُ لَيْسَ عِنْدِي أَخَذَ الْعَبْدَيْنِ وَكَانَ شَرِيكُهُ فِي الْعَبْدِ الَّذِي صَارَ فِي يَدِهِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ نِصْفَ مِيرَاثِ الْمَيِّتِ. وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ رُبْعُ الْعَبْدِ وَلِلْآخِرِ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِهِ, وَهَكَذَا قِيمَةُ كُلِّ مَا اخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ مِنْ أَرْضٍ وَثِيَابٍ وَدَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ, وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ يَصِحُّ أَنْ تَنْظُرَ قِيَمَهُمْ فَإِذَا كَانَتْ كَمَا وَصَفْتُ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ: إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ يُقْرَعَ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَأَيُّكُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَى كَثِيرِ الثَّمَنِ رُدَّ مَا فِيهِ مِنْ فَضْلِ الْقِيمَةِ, وَأَيُّكُمْ خَرَجَ عَلَى قَلِيلِ الثَّمَنِ أَخَذَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْقِيمَةِ, فَإِنْ رَضُوا مَعًا بِهَذَا فَأَقْرَعْنَا, وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا قُلْنَا: أَنْتُمْ قَوْمٌ لَكُمْ مَا لاَ يَعْتَدِلُ فِي الْقَسْمِ, فَكَأَنَّكُمْ وَرِثْتُمْ مَا لاَ يَنْقَسِمُ فَأَنْتُمْ عَلَى مَوَارِيثِكُمْ فِيهِ حَتَّى تَصْطَلِحُوا عَلَى مَا أَحْبَبْتُمْ, أَوْ تَبِيعُوا فَتَقْسِمُوا الثَّمَنَ وَلاَ نُكْرِهُكُمْ عَلَى الْبَيْعِ, وَبِهَذَا أَقُولُ: فَإِنْ قِيلَ وَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ بِالْقِيمَةِ عَلَى الرَّقِيقِ, فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُ الْكَثِيرِ الثَّمَنِ عَتَقَ كُلُّهُ وَصَارَ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ دَيْنًا لِلْوَرَثَةِ إنْ رَضِيَ ذَلِكَ الْعَبْدُ, قِيلَ: لاَ يُشْبِهُ الرَّقِيقُ الْوَرَثَةَ; لِأَنَّ الرَّقِيقَ لاَ مَالَ لَهُمْ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ كَانَ لِمَالِكِيهِمْ, فَلاَ يَجُوزُ أَنْ أُخْرِجَ عَبْدًا بَقِيَ فِيهِ نِصْفُهُ رَقِيقًا إلَى الْحُرِّيَّةِ وَأُحِيلُ عَلَيْهِ وَارِثًا مَالِكًا لَهُ بِدَيْنٍ لَعَلَّهُ لاَ يَأْخُذُهُ أَبَدًا بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَنَا لَوْ خَالَفْتُ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَتْ فِي الِاسْتِسْعَاءِ أَخْطَأْت الْقِيَاسَ عَلَى مَا أَقْسِمْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ, فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يُخْطِئُهُ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ؟ قِيلَ: إنَّمَا يَقْسِمُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِالْقِيَمِ وَتُزَادُ عَلَيْهِمْ وَيَزْدَادُونَ بِرِضَاهُمْ فَإِذَا أَسْخَطُوا أُشْرِكَ بَيْنَهُمْ فِيمَا لاَ يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ وَقُسِمَ بَيْنَهُمْ مَا احْتَمَلَهُ بِالْقِيمَةِ وَالْعَبِيدُ لاَ أَمْوَالَ لَهُمْ يَرْضَوْنَ بِأَنْ يُعْطُوهَا وَنَحْنُ لاَ نُجْبِرُ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي مِيرَاثٍ مِنْ رَقِيقٍ وَلاَ غَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا وَيُعْطِيَ مَعَهُ, أَوْ يُعْطِيَ إلَّا بِرِضَاهُ وَإِنَّمَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ بِالْقِيمَةِ مَا اعْتَدَلَتْ الْقِيمَةُ بِالْقِيمَةِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ, ثُمَّ أُعْتِقَ بِالْقِيمَةِ حَتَّى يَسْتَوْظِفَ الثُّلُثَ. فَإِنْ كَانُوا سِتَّةً قِيَمُهُمْ سَوَاءٌ وَكَانَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِمْ يَخْرُجُونَ أَحْرَارًا جُزِّئُوا ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّ عَلَى حُرٍّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَخْرُجَ سَهْمُ الرِّقِّ عَلَى وَاحِدٍ وَيَعْتِقَ الْبَاقُونَ وَالْجُزْءَانِ اللَّذَانِ لَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهِمَا سَهْمُ الرِّقِّ حُرَّانِ, وَسَوَاءٌ فِي الْقُرْعَةِ الرَّقِيقُ الَّذِي أَعْتَقَهُمْ عِتْقَ بَتَاتٍ فِي مَرَضِهِ, ثُمَّ مَاتَ وَاَلَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا كَانَ الرَّقِيقُ. مُعْتَقِينَ عِتْقَ بَتَاتٍ مَعًا, أَوْ كَانُوا مُعْتَقِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَعًا, وَلَوْ كَانَ لَهُ رَقِيقٌ قَدْ أَعْتَقَهُمْ عِتْقَ بَتَاتٍ فِي مَرَضِهِ وَآخَرِينَ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ بُدِئَ بِاَلَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ عِتْقَ الْبَتَاتِ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ, فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ لَمْ يَعْتِقْ مِنْ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ أَحَدٌ, وَسَوَاءٌ كَانُوا مُدَبَّرِينَ, أَوْ مُوصًى بِعِتْقِهِمْ وَإِنْ فَضَلَ عَنْ الْمُعْتَقِينَ عِتْقَ بَتَاتٍ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أُقْرِعَ بَيْنَ الْمُدَبَّرِينَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِمْ فَأُعْتِقَ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْعِتْقِ كَمَا وَصَفْت فِي الْقُرْعَةِ قَبْلَ هَذَا وَإِنَّمَا سَوَّيْنَا بَيْنَ الْمُدَبَّرِينَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِمْ أَنَّهُ كَانَ لَهُ فِي الْمُدَبَّرِينَ الرُّجُوعُ وَأَنَّهُ لاَ تَجْرِي فِيهِمْ حُرِّيَّةٌ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ وَخُرُوجُهُمْ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَتْ حَالُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَالْمُدَبِّرَيْنِ حَالُهُمْ سَوَاءٌ لاَ يَخْتَلِفُونَ عِنْدَنَا; لِأَنَّ كِلَيْهِمَا يَعْتِقُ بِالْمَوْتِ وَيَرِقُّ إنْ أَحَبَّ صَاحِبُهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَوْ رَجَعَ فِي الْمُدَبَّرِينَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِمْ قَبْلَ يَمُوتُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه: فَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ بِيعَ الرَّقِيقُ وَلاَ يَعْتِقُ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِبَعْضِ مَالِهِ جُزِّئَ الرَّقِيقُ أَجْزَاءً, ثُمَّ كُتِبَ سَهْمُ الْعِتْقِ وَسَهْمُ الرِّقِّ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ, فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ ثُلُثًا كُتِبَ الدَّيْنُ سَهْمًا وَالْعِتْقُ سَهْمَيْنِ, ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الدَّيْنِ فَهُوَ سَهْمُ الرِّقِّ فَيُبَاعُونَ فَيُوَفَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ, وَإِنْ وَقَعَ عَلَى جُزْءٍ وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ بِالْعِتْقِ وَالرِّقِّ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الرِّقِّ بِيعَ فِيهِ, فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ جُزِّئَ الْبَاقِي مِنْهُمْ مَعَ الْبَاقِينَ, ثُمَّ اُسْتُؤْنِفَ بَيْنَهُمْ الْقُرْعَةُ, كَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُمْ, وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ عَلَى جُزْءٍ أَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ بِيعُوا, ثُمَّ أُعِيدَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى مَنْ بَقِيَ حَتَّى يُبَاعَ لَهُ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَهَكَذَا إنْ كَانَ دَيْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ زِيدَ لَهُ فِي سِهَامِ الرِّقِّ وَالْقُرْعَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَيُبْدَأُ أَبَدًا بِسَهْمِ الرِّقِّ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ أَقْرَعْت بِالْعِتْقِ وَالرِّقِّ, ثُمَّ بِعْت مَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ قُرْعَةُ الرِّقِّ وَلَمْ تَعْتِقْ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْعِتْقِ؟ قِيلَ لَهُ إنَّ الدَّيْنَ أَوْلَى مِنْ الْعِتْقِ, فَلَمَّا كَانُوا مُسْتَوِينَ فِي الْعِتْقِ وَالرِّقِّ لَمْ أُمَيِّزْ بَيْنَهُمْ إلَّا بِالْقُرْعَةِ. فَإِذَا خَرَجْت قُرْعَةُ الرِّقِّ بَرِئَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ بِثُبُوتِ الرِّقِّ مِنْ الْعِتْقِ فَبِعْته, وَكَانَ مَنْ بَقِيَ مُسْتَوِينَ فِي الْعِتْقِ وَالرِّقِّ لِلْوَرَثَةِ فَأَعَدْت الْقُرْعَةَ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْعِتْقِ عَتَقَ وَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ قُرْعَةُ الرِّقِّ رَقَّ فَإِنْ تَرَكَ عَبْدًا وَاحِدًا أَعْتَقَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ, ثُمَّ عَتَقَ ثُلُثُ مَا يَبْقَى مِنْهُ وَرَقَّ ثُلُثَاهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَلَمْ أَعْلَمْ عَلَيْهِ دَيْنًا غَيْرَ الَّذِي قَضَيْت بِهِ فَأَعْتَقْت ثُلُثَهُمْ, ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِمْ رَدَدْت عِتْقَهُمْ وَبِعْتُهُمْ فِي الدَّيْنِ عَلَيْهِ, وَكَذَلِكَ أَبِيعُ مَنْ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ مِنْهُمْ وَأَخَذْت كُلَّ مَالٍ فِي أَيْدِيهمْ إذَا اغْتَرَقَهُ الدَّيْنُ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَرُدُّ الْحُكْمَ وَقَدْ كَانَ صَوَابًا؟ قُلْت: كَانَ صَوَابًا عَلَى الظَّاهِرِ عِنْدَنَا, فَلَمَّا صَارَ الظَّاهِرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَا حَكَمْنَا أَوَّلاً بِهِ عَلَى غَيْرِ مَا حَكَمْنَا بِهِ رَدَدْنَاهُ وَلَمْ نَرُدَّ ظَاهِرًا لِبَاطِنٍ مُغَيَّبٍ, وَإِنَّمَا رَدَدْنَا الْحُكْمَ بِالظَّاهِرِ لِظَاهِرِ حُكْمٍ أَحَقَّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لاَ يُحِيطُ بِرَقِيقِهِ كُلِّهِمْ عُدْتُ فَأَقْرَعْتُ بَيْنَهُمْ قُرْعَةَ الرِّقِّ وَقُرْعَةَ الْعِتْقِ وَبَدَأْتُ بِقُرْعَةِ الْعِتْقِ, فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ رَدَدْت عِتْقَهُ وَبِعْتُهُ, أَوْ بِعْت مِنْهُ مَا يُقْضَى بِهِ دَيْنُ الْمَيِّتِ, فَإِذَا فَعَلْتَ حَالَ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِمْ كَأَنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَ اثْنَيْنِ قِيمَتُهُمَا مِائَةٌ وَدَفَعْت إلَى الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةً قِيمَتُهُمْ مِائَتَانِ, ثُمَّ ثَبَتَ عَلَى الْمَيِّتِ مِائَةُ دِينَارٍ, فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا فَاخْتَارَ إخْرَاجَ الْمِائَةِ فَأَخْرَجَهَا نَقَصَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ وَنَقَصْتَ مِنْ عِتْقِ اللَّذَيْنِ عَتَقَا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ, ثُمَّ أَقْرَعْت بَيْنَهُمَا بِسَهْمِ الرِّقِّ وَسَهْمِ الْعِتْقِ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الرِّقِّ أَرْقَقْت مِنْهُ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ, وَذَلِكَ أَنَّهُمَا عَتَقَا وَثُلُثُ الْمَيِّتِ فِي الظَّاهِرِ مِائَةُ. دِينَارٍ, ثُمَّ صَارَ ثُلُثُ الْمَيِّتِ سِتَّةً وَثَلاَثِينَ وَثُلُثَيْ دِينَارٍ, وَاَلَّذِينَ لَهُمْ الدَّيْنُ خَرَجَ لَهُمْ سَهْمُ الْعِتْقِ بِكَمَالِهِ حُرًّا, وَصَارَ بَعْضُ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الرِّقِّ حُرًّا وَبَعْضُهُ مَمْلُوكًا فَأَعْتَقْنَا مِنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ, وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثَا سَهْمٍ مِنْ خَمْسِينَ سَهْمًا, وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا نَقَصْنَا قَسْمَ الْأَرْبَعَةِ الْأَسْهُمِ وَبِعْنَا مِنْهُمْ حَتَّى يُوَفَّى الْغَرِيمُ حَقَّهُ, ثُمَّ عُدْنَا بِالْقُرْعَةِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ عَلَى الِاثْنَيْنِ كَمَا وَصَفْت, ثُمَّ اسْتَأْنَفْنَا الْقَسْمَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ كَانَ فِي أَيْدِيهمْ مِنْ الرَّقِيقِ وَعَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ الْعَبِيدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُمْ الْمُرَقِّ بَعْضُهُمْ, فَقَسَمْنَاهُمْ قَسْمًا مُسْتَأْنَفًا بِالْقِيمَةِ, وَكُلَّمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَنَعْنَا بِهِ كَمَا وَصَفْت مِنْ نَقْضِ الْقَسْمِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذَا وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَكِنْ اسْتَحَقَّ أَحَدُ الْعَبِيدِ الَّذِينَ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ نَقَضْنَا الْقَسْمَ وَعُدْنَا عَلَى الْعِتْقِ فَنَقَصْنَا بَعْضَهُ بِالْقُرْعَةِ; لِأَنَّ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ نُقِصَ وَلَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ عَتَقَا بَقِيَ الْآخَرُ حُرًّا وَأَقْرَعنَا بَيْنَ اللَّذَيْنِ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ فَأَعْتَقْنَا مِمَّنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْعِتْقِ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ وَنَقَضْنَا الْقَسْمَ بَيْنَهُمْ فَاسْتَأْنَفْنَاهُ جَدِيدًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: وَلَوْ أَرْقَقْنَا ثُلُثَيْهِمْ وَأَعْتَقْنَا الثُّلُثَ, ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ يُخْرَجُونَ مَعًا فِيهِ مِنْ الثُّلُثِ أَعْتَقْنَا مَنْ أَرْقَقْنَا مِنْهُمْ وَدَفَعْنَا إلَى الْوَرَثَةِ مَالَهُمْ كَانَ قَبْلَ الْمُعْتَقِ وَدَفَعْنَا إلَى الْمَمَالِيكِ مَا اكْتَسَبُوا بَعْدَ عِتْقِ الْمَالِكِ إيَّاهُمْ, وَمَا كَانَ لِلرَّقِيقِ الْمُعْتَقِينَ مِنْ مَالٍ فِي أَيْدِيهمْ وَأَيْدِي غَيْرِهِمْ قَبْلَ عِتْقِ الْمَيِّتِ عِتْقَ بَتَاتٍ أَوْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ عِتْقَ تَدْبِيرٍ, أَوْ وَصِيَّةٍ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ كُلُّهُ كَأَنَّ الْمَيِّتَ تَرَكَهُ وَيُحْسَبُ الرَّقِيقُ وَمَا أُخِذَ مِمَّا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ الْمَالِ, ثُمَّ يُعْتَقُ مِنْهُمْ ثُلُثُ جَمِيعِ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ, فَإِنْ اكْتَسَبَ الرَّقِيقُ الْمُعْتَقُونَ عِتْقَ بَتَاتٍ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ مَالاً, أَوْ وُهِبَ لَهُمْ, أَوْ أَفَادُوهُ بِوَجْهٍ, أَوْ الرَّقِيقُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ بِتَدْبِيرٍ, أَوْ غَيْرِهِ أُحْصِيَ جَمِيعُ مَا اكْتَسَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ, ثُمَّ نُظِرَ إلَى مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ, فَإِنْ تَرَكَ مِنْ الْمَالِ مَا يُخْرِجُ جَمِيعَ الرَّقِيقِ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقُوا كُلُّهُمْ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أَفَادَ وَاكْتَسَبَ لاَ يُحْسَبُ مِنْ مِيرَاثِ الْمَيِّتِ, وَإِنْ لَمْ يُحْسَبْ فَكَانَ الرَّقِيقُ لاَ يَخْرُجُونَ مَعًا مِنْ ثُلُثِ مَال الْمَيِّتِ فَأُحْصِيَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَوُقِفَ, ثُمَّ حَسَبَ قِيمَةَ الرَّقِيقِ وَالْمُعْتَقِينَ وَجَمِيعُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ فَكَانَ الْمَيِّتُ تَرَكَ أَلْفًا وَرَقِيقًا يُسَوُّونَ أَلْفًا, وَكَانَ مَنْ يَعْتِقُ مِنْ الرَّقِيقِ ثُلُثَيْهِمْ, وَذَلِكَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ كَامِلاً, فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقْنَا ثُلُثَيْهِمْ وَخَلَّيْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ; لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ اكْتَسَبُوهَا وَهُمْ أَحْرَارٌ وَأَرْقَقْنَا ثُلُثَ الرَّقِيقِ وَاسْتَخْرَجْنَا مَا فِي أَيْدِيهمْ مِمَّا أَفَادُوا وَاكْتَسَبُوا فَكَانَ مِائَةً اكْتَسَبَهَا مَمْلُوكَانِ, فَزَادَ مَالُ الْمَيِّتِ, فَأَقْرَعْنَا بَيْنَ الْمَمَالِيكِ الْبَاقِينَ حَتَّى نستوظف ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ, فَأَيُّ مَمَالِيكِهِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ كُلُّهُ, أَوْ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ, وَإِذَا عَتَقَ كُلُّهُ انْبَغَى أَنْ أُرْجِعَ إلَيْهِ مَالَهُ الَّذِي دَفَعْتُهُ إلَى الْوَرَثَةِ, وَإِذَا دَفَعْت ذَلِكَ إلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ يُنْقِصُ مَالَ الْمَيِّتِ حَتَّى لاَ يَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ حَسَبْت مَالَهُ وَقِيمَتَهُ, ثُمَّ أُعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ وَدَفَعْت إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ, فَإِنْ عَتَقَ نِصْفُهُ أَعْطَيْته نِصْفَ مَالِهِ, أَوْ ثُلُثَهُ أَعْطَيْته ثُلُثَ مَالِهِ فَكَانَ مَوْقُوفًا فِي يَدَيْهِ يَأْكُلُهُ فِي يَوْمِهِ الَّذِي يَفْرُغُ فِيهِ لِنَفْسِهِ مِنْ خِدْمَةِ مَالِكِهِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ حِسَابُ مَا زَادَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَنَقَصَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه: وَإِذَا كَانَ الرَّقِيقُ أُعْتِقُوا عِتْقَ بَتَاتٍ فِي مَرَضِ الْمُعْتِقِ, أَوْ رَقِيقٌ أُعْتِقُوا بِتَدْبِيرٍ, أَوْ وَصِيَّةٍ فَمَاتَ الْمُدَبِّرُ, أَوْ الْمُوصِي وَلَمْ يَرْفَعْ إلَى الْحَاكِم حَتَّى تَغَيَّرَتْ قِيَمُ الرَّقِيقِ بِزِيَادَةٍ, أَوْ نُقْصَانٍ فَالْقَوْلُ فِي قِيَمِ الرَّقِيقِ أَنَّهُمْ يُقَوَّمُونَ فِي يَوْمٍ وَقَعَ لَهُمْ الْعِتْقُ وَلاَ يُنْظَرُ إلَى زِيَادَتِهِمْ وَلاَ نُقْصَانِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ, وَذَلِكَ أَنَّ الرَّقِيقَ الَّذِينَ عَتَقُوا عِتْقَ بَتَاتٍ كَانَ الْعِتْقُ لَهُمْ تَامًّا لَوْ عَاشَ وَتَامًّا لَوْ مَاتَ فَخَرَجُوا مِنْ الثُّلُثِ, وَوَاقِعٌ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ إنَّمَا يُرَدُّونَ بِأَنْ لاَ يَدَعَ الْمَيِّتُ مَالاً يَخْرُجُونَ بِهِ فَيُرَدُّونَ, أَوْ يُرَدُّ مِنْهُمْ مَنْ رُدَّ فَإِذَا تَمَّ عِتْقُ بَعْضِهِمْ وَرُدَّ فِي بَعْضٍ فَإِنَّمَا أُعْتِقُوا بِالْعِتْقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ لاَ أَنَّ أَيَّهمْ يَعْتِقُ بِالْحُكْمِ بِالْقُرْعَةِ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْقُرْعَةِ حُكْمٌ مُسْتَأْنَفٌ كَأَنَّهُمْ عَتَقُوا يَوْمئِذٍ وَلاَ أَنَّ الْقُرْعَةَ أَوْقَعَتْ لِمُعْتَقٍ عِتْقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَ زَادَتْهُ مَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ, إنَّمَا فَرَّقَتْ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالرِّقِّ, فَأَمَّا زِيَادَةٌ فِي شَيْءٍ بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ فَلاَ وَلَكِنَّهُ تَمْيِيزٌ بَيْنَ مِنْ يَرِقُّ وَيَعْتِقُ مِمَّنْ وَقَعَ لَهُ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ, فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا انْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ يَوْمَ يَقَعُ الْعِتْقُ لاَ يَوْمَ يَقَعُ الْحُكْمُ, وَأَمَّا الْمُدَبَّرُونَ وَالْمُعْتَقُونَ بِوَصِيَّةٍ فَقِيمَتُهُمْ يَوْمَ يَمُوتُ الْمَيِّتُ; لِأَنَّهُ وَقَعَ لَهُمْ يَوْمئِذٍ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ الْمُعْتَقُونَ إمَاءً, أَوْ كَانَ فِيهِمْ إمَاءٌ حَبَالَى قَوَّمَهُنَّ حَبَالَى, فَإِنْ اسْتَأْخَرَتْ قِيَمُهُنَّ إلَى أَنْ يَلِدْنَ فَقِيمَتُهُنَّ حَبَالَى وَأَيَّتُهُنَّ عَتَقَتْ فَوَلَدُهَا حُرٌّ مَعَهَا; لِأَنَّهَا لَمَّا وَقَعَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ وَهِيَ حَامِلٌ فَكَانَ حُكْمُ حَمْلِهَا حُكْمُهَا يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا, وَلَوْ كَانَ زَايَلَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ حُكْمُهُ غَيْرَ حُكْمِهَا, وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ رَقَّ مِنْهُنَّ رَقَّ مَعَهَا وَلَدُهَا, لاَ حُكْمَ لِلْوَلَدِ إلَّا حُكْمُ أُمَّهَاتِهِمْ وَلَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ ثُمَّ عَتَقَتْ كَانَ وَلَدُهَا أَحْرَارًا مِثْلَهَا, وَلَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْتِقَ عِتْقَ بَتَاتٍ كَانَ وَلَدُهَا كَغَيْرِهِ مِنْ رَقِيقِ سَيِّدِهَا, وَمَا كَانَ فِي أَيْدِي هَؤُلاَءِ الرَّقِيقِ الْمُعْتَقِينَ عِتْقَ بَتَاتٍ عِنْدَ الْمَوْتِ, أَوْ الْمُعْتَقِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مَالٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ عَلَى الْمُعْتَقِينَ فَهُوَ كُلُّهُ مَالٌ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ, فَيُؤْخَذُ فَيَكُونُ مِيرَاثًا كَمَا تَرَكَ مِنْ مَالٍ سِوَاهُ, وَكَذَلِكَ أَرْشُ كُلِّ جِنَايَةٍ جُنِيَتْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ قَبْلَ وُقُوعِ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ وَكُلُّ مَا وُهِبَ لَهُمْ, أَوْ صَارَ لَهُمْ مِنْ أُجْرَةٍ وَمَهْرِ جَارِيَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ مَالٌ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ; لِأَنَّهُ وَجَبَ قَبْلَ وُقُوعِ الْعِتْقِ لَهُمْ وَهُمْ رَقِيقٌ وَمَالُ الرَّقِيقِ لِمَالِكِهِ, وَلَوْ زَوَّجَ أَمَةً مِنْهُمْ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ حَتَّى أَعْتَقَهَا فَالْمِائَةُ لِلسَّيِّدِ إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا, وَالْمِائَةُ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ كَامِلَةً, وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْمِائَةِ, وَيَكُونُ الْخَمْسُونَ لِلسَّيِّدِ (قَالَ): وَمَا أَفَادَ الْعَبِيدُ الْمُعْتَقُونَ وَالْإِمَاءُ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ مِنْ كَسْبٍ وَهِبَةٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وُقِفَ وَمَنَعُوهُ, فَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الثُّلُثِ فَهُمْ أَحْرَارٌ وَأَمْوَالُهُمْ الَّتِي كَسَبُوا وَأَفَادُوا, أَوْ صَارَتْ لَهُمْ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَتْ أَمْوَالَ أَحْرَارٍ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمَيِّتُ قَطُّ فَيُدْفَعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَالُهُ, وَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا كُلُّهُمْ مِنْ الثُّلُثِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ وَقَعَتْ لَهُ الْحُرِّيَّةُ عَتَقَ وَصُيِّرَ إلَيْهِ مَالُهُ الَّذِي صَارَ لَهُ بَعْدَ وُقُوعِ الْحُرِّيَّةِ بِالْكَلاَمِ بِهَا فِي عِتْقِ الْبَتَاتِ, أَوْ مَوْتِ الْمُعْتِقِ بِمَوْتِهِ وَصَارَ مَنْ مَعَهُ رَقِيقًا فَأَخَذَ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ الْأَمْوَالِ وَمَا وَجَبَ لَهُمْ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَمَهْرِ الْمَنْكُوحَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا مَلَكُوهُ, فَإِذَا أُخِذَ فَقَدْ زَادَ مَالُ الْمَيِّتِ وَإِذَا زَادَ مَالُ الْمَيِّتِ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتِقَ مَا حَمَلَ ثُلُثُ الزِّيَادَةِ مِنْ الرَّقِيقِ, فَعَلَيْنَا نَقْضُ قَسْمِ الرَّقِيقِ الَّذِينَ قَسَمْنَاهُمْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالِاقْتِرَاعُ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْعِتْقِ أَعْتَقْنَاهُ, أَوْ مَا حَمَلَ مَا يَبْقَى مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ وَصَارَ مَا بَقِيَ مِنْ الرَّقِيقِ وَمَا بَقِيَ مِنْ أَحَدِهِمْ إنْ عَتَقَ بَعْضُهُ مَمَالِيكَ, فَإِنْ أَرَادُوا الْوَرَثَةُ أَنْ. يَقْتَسِمُوهَا أَعَدْنَا قِسْمَتَهُمْ مُسْتَقْبَلاً كَأَنَّا وَجَدْنَا مَالَ الْمَيِّتِ زَادَ بِمَا فِي أَيْدِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ الَّذِينَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ الرِّقُّ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ, فَكَانَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ مِنْهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ وَقِيمَةُ الرَّقِيقِ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ الْمَيِّتُ أَلْفًا فَصَارَ لَهُمْ مِنْ الْعِتْقِ الْخُمُسَانِ عَلَى مَعْنًى, وَذَلِكَ أَنَّا نُقْرِعُ بَيْنَهُمْ فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ مِنْ الرَّقِيقِ عَلَى وَاحِدٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ وَلَمْ يَكُنْ كَسَبَ شَيْئًا نَأْخُذُهُ مِنْ يَدِهِ عَتَقَ وَرَقَّ مَنْ بَقِيَ وَصَحَّ الْمَعْنَى, فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى وَاحِدٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ أَوْقَعنَا لَهُ الْعِتْقَ, وَإِذَا نَظَرْنَا فَكُنَّا قَدْ أَخَذْنَا مِنْ مَالِهِ شَيْئًا كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّا أَخَذْنَا مِنْ كَسْبِهِ أَرْبَعَمِائَةٍ, فَإِذَا أَرَدْنَا رَدَّهَا عَلَيْهِ وَجَدْنَا مَالَ الْمَيِّتِ يَنْقُصُ فَيَنْقُصُ عِتْقُهُمْ فَنَقِفُ الْأَرْبَعَمِائَةِ وَنَعْتِقُ مِنْهُ ثُلُثَ ثَمَانِمِائَةٍ فَيَكُون ثُلُثَاهُ حُرًّا وَثُلُثُهُ مَمْلُوكًا, ثُمَّ يَكُونُ لَهُ ثُلُثَا أَرْبَعِمِائَةٍ, ثُمَّ نَزِيدُهُ فِي الْعِتْقِ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ أَرْبَعِمِائَةٍ, فَإِذَا تَمَّ زِدْنَاهُ فِي الْعِتْقِ شَيْئًا, ثُمَّ زِدْنَاهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِهِ حَتَّى يَصِيرَ إلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ وَمَالِهِ بِقَدْرِ مَا يَعْتِقُ مِنْهُ إنْ عَتَقَ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِهِ صَيَّرْنَا إلَيْهِ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ مَالِهِ, ثُمَّ رَدَدْنَا مَا بَقِيَ مِنْ كَسْبِهِ مِيرَاثًا لِلْوَارِثِ وَهَذَا مِنْ الدُّورِ, وَأَصْلُ هَذَا أَنْ تَنْظُرَ أَبَدًا إلَى الرَّقِيقِ إذَا عَجَزَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ فَأَعْتَقْتَ نِصْفَهُمْ بِالْقُرْعَةِ, ثُمَّ زَادَ مَالُ الْمَيِّتِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ فَأَحْسِبُ ثُلُثَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ أُعْتِقُ مِمَّنْ يَبْقَى مِنْ الرَّقِيقِ الْمُعْتَقِينَ بِقَدْرِ مَا زَادَ مَالُ الْمَيِّتِ.
|