الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ الْقَوْمِ يَدْخُلُونَ بِلاَدَ الْحَرْبِ أَيُخَرِّبُونَ الْعَامِرَ وَيَقْطَعُونَ الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ؟ وَيُحَرِّقُونَهُ وَالنَّخْلَ وَالْبَهَائِمَ أَوْ يُكْرَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَمَّا كُلُّ مَا لاَ رُوحَ فِيهِ مِنْ شَجَرٍ مُثْمِرٍ وَبِنَاءٍ عَامِرٍ وَغَيْرِهِ فَيُخَرِّبُونَهُ وَيَهْدِمُونَهُ وَيَقْطَعُونَهُ وَأَمَّا ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ فَلاَ يُقْتَلُ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا مَا كَانَ يَحِلُّ بِالذَّبْحِ لِيُؤْكَلَ فَقُلْت: لَهُ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ كَرِهَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْ يُخَرِّبَ عَامِرًا أَوْ يَقْطَعَ مُثْمِرًا أَوْ يُحَرِّقَ نَخْلاً أَوْ يَعْقِرَ شَاةً أَوْ بَعِيرًا إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَأَنْتَ أَخْبَرْتَنَا بِذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَوْصَى يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ مُنْقَطِعٌ وَقَدْ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الشَّامِ بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا سِوَى هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُخَالِفُهُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهَدَمَ لَهُمْ وَحَرَقَ وَقَطَعَ بِخَيْبَرَ ثُمَّ قَطَعَ بِالطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غَزَاةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَاتَلَ بِهَا, فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَكَيْفَ كَرِهْت عَقْرَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ وَتَحْرِيقَهَا إلَّا لِتُؤْكَلَ؟ فَقَالَ: بِالسُّنَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا بِغَيْرِ حَقِّهَا حُوسِبَ بِهَا قِيلَ: وَمَا حَقُّهَا قَالَ: يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلاَ يَقْطَعُ رَأْسَهَا فَيُلْقِيهِ} فَرَأَيْت إبَاحَةَ قَتْلِ الْبَهَائِمِ الْمَأْكُولَةِ غَيْرِ الْعَدُوِّ مِنْهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ أَنْ تُصَادَ فَتُؤْكَلَ أَوْ تُذْبَحَ فَتُؤْكَلَ وَقَدْ نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَقَالَ: فَإِنَّا نَقُولُ شَبِيهًا بِمَا قُلْت, قُلْت: قَدْ خَالَفْتُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ بِمَا وَصَفْت فَمَا أَعْرَفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الَّذِي اتَّبَعْنَاهُ فَقُلْت: إنْ كَانَ خَالَفَهُ لِمَا وَصَفْت مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَبَدًا يَتْرُكَ مَرَّةً حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ يَتْرُكُ قَوْلَ ذَلِكَ الْوَاحِدِ لِرَأْيِ نَفْسِهِ فَالْعَمَلُ إذًا إلَيْهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ دَهْرِنَا. سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يُقِرُّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فَتَأْتِي بِوَلَدٍ فَيُنْكِرُهُ فَيَقُولُ: قَدْ كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا وَلَمْ أَكُنْ أَحْبِسُهَا فِي بَيْتِي فَقَالَ: يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ إذَا أَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَلَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً بَعْدَ الْوَطْءِ وَلاَ أَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِ كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَحْبَلُ وَهُوَ يَعْزِلُ وَلاَ إلَى تَضْيِيعِهِ إيَّاهَا بِتَرْكِ التَّحْصِينِ لَهَا وَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمَنْ يُرِيهِ الْقَافَةَ مَعَ قَوْلِهِ فَقُلْت: فَمَا الْحُجَّةُ فِيمَا ذَكَرْت؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلاَئِدَهُمْ ثُمَّ يَعْزِلُونَ لاَ تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إلَّا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا فَاعْزِلُوا بَعْدُ أَوْ اُتْرُكُوا, فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: صَاحِبُنَا يَقُولُ: لاَ نُلْحِقُ وَلَدَ الْأَمَةِ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ بِحَالٍ حَتَّى يَدَّعِيَ الْوَلَدَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عُمَرَ فِي إرْسَالِ الْوَلاَئِدِ يُوطَأْنَ بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَهَذِهِ رِوَايَةُ صَاحِبِنَا وَصَاحِبِكُمْ عَنْ عُمَرَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْهُ وَلَمْ تَرْوُوا أَنَّ أَحَدًا خَالَفَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ التَّابِعِينَ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُتْرَكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لاَ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ؟ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَهَلْ خَالَفَك فِي هَذَا غَيْرُنَا؟ قَالَ: نَعَمْ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ قُلْت: فَمَا كَانَتْ حُجَّتُهُمْ؟ قَالَ: كَانَتْ حُجَّتُهُمْ أَنْ قَالُوا: انْتَفَى عُمَرُ مِنْ وَلَدِ جَارِيَةٍ لَهُ وَانْتَفَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ وَلَدِ جَارِيَتِهِ وَانْتَفَى ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ وَلَدِ جَارِيَةٍ لَهُ فَقُلْت: فَمَا حُجَّتُك عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: أَمَّا عُمَرُ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ حَمْلَ جَارِيَةٍ لَهُ فَأَقَرَّتْ بِالْمَكْرُوهِ وَأَمَّا زَيْدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّمَا أَنْكَرَا إنْ كَانَا فَعَلاَ أَنَّ وَلَدَ جَارِيَتَيْنِ عُرِفَا أَنْ لَيْسَ مِنْهُمَا فَحَلاَلٌ لَهُمَا فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُمَا فِي الْأَمَةِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِزَوْجِ الْحُرَّةِ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْ زِنًا أَنْ يَدْفَعَ وَلَدَهَا وَلاَ يُلْحِقُ بِنَفْسِهِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا قُلْتُ هَذَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ كَمَا تَعْلَمُ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَلاَ يَنْبَغِي لَهَا إلَّا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ بِجَهْدِهَا وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُحَلِّفَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا فَالْحُكْمُ غَيْرُ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ لاَ يَلْحَقُ إلَّا بِدَعْوَةٍ حَادِثَةٍ وَأَنَّ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا يُحْصِنُ الْأَمَةَ وَتَلِدُ مِنْهُ أَوْلاَدًا يُقِرُّ بِهِمْ أَنْ يَنْفِيَ بَعْدَهُمْ وَلَدًا أَوْ يُقِرَّ بِآخَرَ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا جَعَلُوا لَهُ النَّفْيَ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ لاَ يُلْحَقُ وَلَدُ الْأَمَةِ بِحَالٍ إلَّا بِدَعْوَةٍ حَادِثَةٍ ثُمَّ قَالُوا: إنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ جَارِيَةٍ ثُمَّ حَدَثَ بَعْدُ أَوْلاَدٌ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَدَّعِهِمْ وَلَمْ يَنْفِهِمْ لَحِقُوا بِهِ وَكَانَ الَّذِي اعْتَدُّوا فِي هَذَا أَنْ قَالُوا: الْقِيَاسُ أَنْ لاَ يُلْحَقُ وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا تَرَكُوا الْقِيَاسَ فَجَازَ لَهُمْ فَقَدْ كَانَ لِغَيْرِهِمْ تَرْكُ الْقِيَاسِ حَيْثُ قَاسُوا وَالْقِيَاسُ حَيْثُ تَرَكُوا وَتَرْكُ الْقِيَاسِ عِنْدَنَا لاَ يَجُوزُ وَمَا يَجُوزُ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ إمَّا قَوْلُنَا وَإِمَّا لاَ يَلْحَقُ بِهِ إلَّا بِدَعْوَةٍ فَيَكُونُ لَوْ حَصَّنَ سُرِّيَّةً وَأَقَرَّ بِوَلَدِهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدُ عَشَرَةً عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِاعْتِرَافٍ بِهِمْ نُفُوا مَعًا عَنْهُ.
سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَقَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوَاتِ مَالِكٌ فَمَنْ أَحْيَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ فَهُوَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَلاَ أُبَالِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ السُّلْطَانُ أَوْ لَمْ يُعْطِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ وَإِعْطَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ يَتِمَّ لِمَنْ أَعْطَاهُ مِنْ عَطَاءِ السُّلْطَانِ فَقُلْت: فَمَا الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْت؟ قَالَ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَعْنَاهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَعَطِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا أَنَّهَا لَهُ أَكْثَرُ لَهُ مِنْ عَطِيَّةِ الْوَالِي, فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يُحْيِيَ الرَّجُلُ أَرْضًا مَيِّتَةً إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِي قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَكَيْفَ خَالَفْتُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرَ وَهَذَا عِنْدَكُمْ سُنَّةٌ وَعَمَلٌ بَعْدَهُمَا وَأَثْبَتُّمْ لِلْوَالِي أَنْ يُعْطِيَ وَلَيْسَ لِلْوَالِي أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا مَا لَيْسَ لَهُ وَلاَ يَمْنَعَهُ مَالَهُ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ حَرَجٌ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ وَإِذَا أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَقَدْ أَخَذَ مَالَهُ وَلاَ دَافِعَ عَنْهَا فَيُقَالُ لِلرَّجُلِ فِيمَا لاَ دَافِعَ عَنْهُ وَلَهُ أَخْذُهُ: لاَ تَأْخُذْ إلَّا بِإِذْنِ سُلْطَانٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِلرَّجُلِ فِيمَا لاَ بُدَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَهُ فَهُوَ لاَ يَكْشِفُ إلَّا وَهُوَ مَعَهُ خَصْمٌ وَالظَّاهِرُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لاَ مَالِكَ لَهَا فَإِذَا أَعْطَاهَا رَجُلاً, ثُمَّ جَاءَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا دُونَهُ رَدَّهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهَا وَأَحْيَاهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلاَ أَثْبَتُّمْ لِلسُّلْطَانِ فِيهَا مَعْنًى إنَّمَا كَانَ لَهُ مَعْنًى لَوْ كَانَ إذَا أَعْطَاهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ اسْتَحَقَّهَا أَخْذُهَا مِنْ يَدَيْهِ فَأَمَّا مَا كَانَ لِأَحَدٍ لَوْ اسْتَحَقَّهَا بَعْدَ إعْطَاءِ السُّلْطَانِ إيَّاهَا أَخْذُهَا مِنْ يَدَيْهِ فَلاَ مَعْنَى لَهُ إلَّا بِمَعْنَى أَخْذِ الرَّجُلِ إيَّاهَا لِنَفْسِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا التَّحَكُّمُ فِي الْعِلْمِ تَدَّعُونَ مَا تَرْوُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرَ لاَ يُخَالِفُهُمَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَأْيِكُمْ وَتُضَيِّقُونَ عَلَى غَيْرِكُمْ أَوْسَعَ مِنْ هَذَا, فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَهَلْ خَالَفَك فِي هَذَا غَيْرُنَا؟ فَقَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ النَّاسِ خَالَفَ فِي هَذَا غَيْرَكُمْ وَغَيْرَ مَنْ رَوَيْتُمْ هَذَا عَنْهُ إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ سَمِعْتُمْ قَوْلَهُ فَقُلْتُمْ بِهِ وَلَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ فِيهِ مِثْلَ قَوْلِنَا وَعَابَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلاَفِ السُّنَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَمِمَّا فِي مَعْنَى مَا خَالَفْتُمْ فِيهِ مَا رَوَيْتُمْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّنْ بَعْدَهُ لاَ مُخَالِفَ لَهُ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ} قَالَ: ثُمَّ أَتْبَعَهُ فِي كِتَابِهِ حَدِيثًا كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ تَفْسِيرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ} قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَللَّهِ لاََرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: ثُمَّ أَتْبَعَهُمَا حَدِيثَيْنِ لِعُمَرَ كَأَنَّهُ يَرَاهُمَا مِنْ صِنْفِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ خَلِيفَةَ سَاقَ خَلِيجًا لَهُ مِنْ الْعَرِيضِ فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَأَبَى مُحَمَّدٌ فَكَلَّمَ فِيهِ الضَّحَّاكُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَدَعَا بِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: لاَ فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاك مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ لَك نَافِعٌ؟ تُشْرِبُ بِهِ أَوَّلاً وَآخِرًا وَلاَ يَضُرُّك فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ فَقَالَ: عُمَرُ وَاَللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِك. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي حَائِطِ جَدِّهِ رَبِيعٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنْ يُحَوِّلَهُ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْحَائِطِ هِيَ أَقْرَبُ إلَى أَرْضِهِ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عُمَرَ فَقَضَى عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فَمَرَّ بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَرَوَيْتُمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا صَحِيحًا ثَابِتًا وَحَدِيثَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثُمَّ خَالَفْتُمُوهَا كُلَّهَا فَقُلْتُمْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لاَ يُقْضَى بِهَا عَلَى النَّاسِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا الْعَمَلُ وَلَمْ تَرْوُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ عَلِمْتُهُ خِلاَفَهَا وَلاَ خِلاَفَ وَاحِدٍ مِنْهَا فَعَمَلُ مَنْ تَعْنِي تُخَالِفُ بِهِ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَمَلُ مَرْدُودًا عِنْدَنَا وَتُخَالِفُ عُمَرُ مَعَ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ يُضَيِّقُ خِلاَفَ عُمَرَ وَحْدَهُ فَإِذَا كَانَتْ مَعَهُ السُّنَّةُ كَانَ خِلاَفُهُ أَضْيَقَ مَعَ أَنَّك أَحَلْت عَلَى الْعَمَلِ وَمَا عَرَفْنَا مَا تُرِيدُ بِالْعَمَلِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَمَا أَرَانَا نَعْرِفُهُ مَا بَقِينَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَانْتَحَرُوهَا فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: إنِّي أَرَاك تُجِيعُهُمْ وَاَللَّهِ لاَُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك ثُمَّ قَالَ لِلْمَزْنِيِّ: كَمْ ثَمَنَ نَاقَتِك قَالَ: أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ عُمَرُ: أَعْطِهِ ثَمَانَمِائَةٍ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِهِ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَلاَ تُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ الْغَرَامَةُ وَلاَ يُقْضَى بِهَا عَلَى مَوْلاَهُمْ وَهِيَ فِي رِقَابِهِمْ وَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُ صَاحِبِ النَّاقَةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ بِمَا قَالَ مَالِكٌ نَقُولُ وَلاَ نَأْخُذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ يَقْضِي بِهِ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ لاَزِمٌ لَنَا فَتَدَعُونَ لِقَوْلِ عُمَرَ السُّنَّةَ وَالْآثَارَ لِأَنَّ حُكْمَهُ عِنْدَكُمْ حُكْمٌ مَشْهُورٌ ظَاهِرٌ لاَ يَكُونُ إلَّا عَنْ مَشُورَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ فَإِذَا حَكَمَ كَانَ حُكْمُهُ عِنْدَكُمْ قَوْلَهُمْ أَوْ قَوْلَ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ فَقَدْ حَكَمَ بَيْنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ فِي نَاقَةِ الْمُزَنِيِّ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ حُكْمُهُ بِالْمَدِينَةِ كَالْإِجْمَاعِ مِنْ عَامَّتِهِمْ فَإِنْ كَانَ قَضَاءُ عُمَرَ رحمه الله عِنْدَكُمْ كَمَا تَقُولُونَ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا تَقُولُونَ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ مِنْكُمْ خِلاَفُ مَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَرْوُونَ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ خَالَفَهُ فَتُخَالِفُونَ بِغَيْرِ شَيْءٍ رَوَيْتُمُوهُ عَنْ غَيْرِهِ وَلاَ أَسْمَعُكُمْ إلَّا وَضَعْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مَوْضِعًا تَرُدُّونَ وَتَقْبَلُونَ مَا شِئْتُمْ عَلَى غَيْرِ مَعْنًى وَلاَ حُجَّةٍ فَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُعْمَلَ بِخِلاَفِ قَضَاءِ عُمَرَ فَكَيْفَ لَمْ تُجِيزُوا لِغَيْرِكُمْ مَا أَجَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَكَيْفَ أَنْكَرْنَا وَأَنْكَرْتُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَ قَوْلَ عُمَرَ وَالْوَاحِدَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ هَذَا؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ قَضَى أَحَدُهُمَا فِي أَمَةٍ غَرَّتْ بِنَفْسِهَا رَجُلاً فَذَكَرَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ أَوْلاَدًا فَقَضَى أَنْ يَفْدِيَ وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَنَحْنُ نَقُولُ بِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَرَوَيْتُمْ هَذَا عَنْ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ ثُمَّ خَالَفْتُمْ أَيَّهُمَا قَالَهُ وَلَمْ نَعْلَمْكُمْ رَوَيْتُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ خِلاَفَهُ وَلاَ تَرَكَهُ بِعَمَلٍ وَلاَ إجْمَاعٍ ادَّعَاهُ فَلِمَ تَرَكْتُمْ هَذَا وَلَمْ تَرْوُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَهُ؟ أَرَأَيْتُمْ إذْ اتَّبَعْتُمْ عُمَرَ فِي أَنَّ فِي الضَّبُعِ كَبْشًا وَفِي الْغَزَالِ عَنْزًا وَقِيمَتُهُمَا تُخَالِفُ قِيمَةَ الضَّبُعِ وَالْغَزَالِ فَقُلْتُمْ: الْبَدَنُ قَرِيبٌ مِنْ الْبَدَنِ فَكَيْفَ لَمْ تَتَّبِعُوا قَوْلَ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ فِي مِثْلِهِمْ فِي الْبَدَنِ كَمَا جَعَلْتُمْ الْمِثْلَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ بِالْبَدَنِ؟.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَجَاءَ بِهِ إلَى عُمَرَ فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ؟ قَالَ: وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتُهَا فَقَالَ لَهُ عَرِيفُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقَالَ: أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَك وَلاَؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ وَلاَءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَبِقَوْلِ مَالِكٌ نَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: تَرَكْتُمْ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي الْمَنْبُوذِ فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} فَزَعَمْتُمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنْ لاَ يَكُونَ الْوَلاَءُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ وَلاَ يَزُولُ عَنْ مُعْتَقٍ فَقَدْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ اسْتِدْلاَلاً بِالسُّنَّةِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ السُّنَّةَ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ السَّائِبَةَ لاَ يَكُونُ وَلاَؤُهُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُعْتَقٌ فَخَالَفْتُمُوهُمَا جَمِيعًا وَخَالَفْتُمْ السُّنَّةَ فِي النَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ فَزَعَمْتُمْ أَنْ لاَ وَلاَءَ لَهُ وَهُوَ مُعْتِقٌ وَخَالَفْتُمْ السُّنَّةَ فِي الْمَنْبُوذِ إذْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} وَهَذَا نَفْيٌ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ إلَّا لِمُعْتِقٍ وَالْمَنْبُوذُ غَيْرُ مُعْتَقٍ فَلاَ وَلاَءَ لَهُ فَمَنْ أَجْمَعَ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ وَالْخِلاَفِ لِعُمَرَ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هَؤُلاَءِ الْمُجْتَمِعُونَ الَّذِينَ لاَ يُسْمَعُونَ فَإِنَّا لاَ نَعْرِفُهُمْ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَلَمْ يُكَلِّفْ اللَّهُ أَحَدًا أَنْ يَأْخُذَ دِينَهُ عَمَّنْ لاَ يَعْرِفُهُ وَلَوْ كَلَّفَهُ أَفَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَّنْ لاَ يَعْرِفُ؟ إنَّ هَذِهِ لَغَفْلَةٌ طَوِيلَةٌ وَلاَ أَعْرِفُ أَحَدًا يُؤْخَذُ عَنْهُ الْعِلْمُ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِهِ وَأَجِدُهُ يَتْرُكُ مَا يُرْوَى فِي اللَّقِيطِ عَنْ عُمَرَ لِلسُّنَّةِ وَيَدَعُ السُّنَّةَ فِيهِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي السَّائِبَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَقَدْ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا فَكَانَ قَوْلُهُ أَسَدَّ تَوْجِيهًا مِنْ قَوْلِكُمْ قَالُوا: نَتَّبِعُ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ فِي اللَّقِيطِ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَكُونَ خِلاَفًا لِلسُّنَّةِ وَأَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ فِي الْمُعْتِقِ مَنْ لاَ وَلاَءَ لَهُ وَيُجْعَلَ وَلاَءُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِي السَّائِبَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ قَوْلَنَا فَزَعَمْنَا أَنَّ عَلَيْهِمْ حُجَّةً بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} أَنْ لاَ يَكُونَ الْوَلاَءُ إلَّا لِمُعْتِقٍ وَلاَ يَزُولُ عَنْ مُعْتِقٍ فَإِنْ كَانَتْ لَنَا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْكُمْ أَبْيَنُ لِأَنَّكُمْ خَالَفْتُمُوهُ حَيْثُ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُوَافِقُوهُ وَوَافَقْتُمُوهُ حَيْثُ كَانَتْ لَكُمْ شُبْهَةٌ لَوْ خَالَفْتُمُوهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِيهَا وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْهِبَةَ إذَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِلثَّوَابِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَإِنَّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْوَاهِبَ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ صَاحِبِنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ فِي الْهِبَةِ يُرَادُ ثَوَابُهَا إنَّ الْوَاهِبَ عَلَى هِبَتِهِ إنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا أَنَّ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارَ حَتَّى يَرْضَى مِنْ هِبَتِهِ, وَلَوْ أَعْطَى أَضْعَافَهَا فِي مَذْهَبِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَلَوْ تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِزِيَادَةٍ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَكَانَ كَالرَّجُلِ يَبِيعُ الشَّيْءَ وَلَهُ فِيهِ الْخِيَارُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَيَزِيدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَخْتَارُ الْبَائِعُ نَقْضَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ لَهُ نَقْضُهُ وَإِنْ زَادَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ أَوْ الْأَمَةُ الْمَبِيعَةُ وَكَثُرَتْ زِيَادَتُهُ وَمَذْهَبُكُمْ خِلاَفُ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا كَانَ يَقُومُ عَلَى رَقِيقِ الْخُمْسِ وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فَوَقَعَ بِهَا فَجَلَدَهُ عُمَرُ وَنَفَاهُ وَلَمْ يَجْلِدْ الْوَلِيدَةَ لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا قَالَ مَالِكٌ: لاَ تُنْفَى الْعَبِيدُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: نَحْنُ لاَ نَنْفِي الْعَبِيدَ قَالَ: وَلِمَ؟ وَلَمْ تَرْوُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ التَّابِعِينَ عَلِمْتُهُ خِلاَفَ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ؟ أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ يَعْقِلُ شَيْئًا مِنْ الْفِقْهِ أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَ عُمَرَ وَلاَ يَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَأْيِ نَفْسِهِ أَوْ مِثْلِهِ وَيَجْعَلُهُ مَرَّةً أُخْرَى حُجَّةً عَلَى السُّنَّةِ وَحُجَّةً فِيمَا لَيْسَتْ فِيهِ سُنَّةٌ وَهُوَ إذَا كَانَ مَرَّةً حُجَّةً كَانَ كَذَلِكَ أُخْرَى فَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ إلَى مَنْ سَمِعَ قَوْلَهُ يَقْبَلُ مِنْهُ مَرَّةً وَيَتْرُكُ أُخْرَى جَازَ لِغَيْرِكُمْ تَرْكُهُ حَيْثُ أَخَذْتُمْ بِهِ وَأَخْذُهُ حَيْثُ تَرَكْتُمُوهُ فَلَمْ يَقُمْ النَّاسُ مِنْ الْعِلْمِ عَلَى شَيْءٍ تَعْرِفُونَهُ وَهَذَا لاَ يَسَعُ أَحَدًا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيَّ جَاءَ بِغُلاَمٍ لَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ: اقْطَعْ يَدَ هَذَا فَإِنَّهُ سَرَقَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَمَاذَا سَرَقَ؟ قَالَ: سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا فَقَالَ عُمَرُ: أَرْسِلْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: بِهَذَا نَأْخُذُ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ أَخَذَ مِنْ مِلْكِهِ فَلاَ يَقْطَعُ مَالِكٌ مَنْ سَرَقَ مِنْ مِلْكِ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي بَيْتِهِ يَأْمَنُهُ أَوْ كَانَ خَارِجًا فَكَذَلِكَ لاَ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ مِلْكِ امْرَأَتِهِ بِحَالٍ بِخُلْطَةِ امْرَأَتِهِ زَوْجَهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ أَتَأْمَنُونَهُ أَوْ لاَ تَأْمَنُونَهُ قَالَ: وَهَذَا مِمَّا خَالَفْتُمْ فِيهِ عُمَرَ لاَ مُخَالِفَ لَهُ عَلِمْنَاهُ فَقُلْتُمْ بِقَطْعِ الْعَبْدِ فِيمَا سَرَقَ لِامْرَأَةِ سَيِّدِهِ إنْ كَانَ لاَ يَكُونُ مَعَهُمْ فِي مَنْزِلٍ يَأْمَنُونَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ أَنَّهَا إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: إذَا دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ فَأُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ أَنْ لاَ صَدَاقَ إلَّا بِالْمَسِيسِ وَاحْتَجَّا أَوْ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} قَالَ بِهَذَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فَقَالُوا: لاَ يُلْتَفَتُ إلَى الْإِغْلاَقِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْمَهْرُ كَامِلاً بِالْمَسِيسِ وَالْقَوْلُ فِي الْمَسِيسِ قَوْلُ الزَّوْجِ وَقَالَ غَيْرُهُمْ: يَجِبُ الْمَهْرُ بِإِغْلاَقِ الْبَابِ وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَا ذَنْبُهُنَّ؟ إنْ جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ فَخَالَفْتُمْ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٌ وَمَا ذَهَبَا إلَيْهِ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَتَيْنِ وَهُمَا قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَالَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} وَخَالَفْتُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ وَذَلِكَ أَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَنِصْفَهُ الثَّانِي بِالدُّخُولِ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا الَّذِي لاَ وَجْهَ لَهُ غَيْرُهُ أَنَّهَا إذَا خَلَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا وَاخْتَلَى بِهَا فَهُوَ كَالْقَبْضِ فِي الْبُيُوعِ فَقَدْ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ الْآخَرِ وَلَمْ يَذْهَبَا إلَى مَسِيسٍ وَعُمَرُ يُدَيِّنُ ثُمَّ يَقْضِي بِالْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمَسِيسَ لِقَوْلِهِ مَا ذَنْبُهُنَّ إنْ كَانَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْغَلْقِ وَالْإِرْخَاءِ إذَا لَمْ تَدَّعِ الْمَرْأَةُ جِمَاعًا وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ عُدْتُمْ فَأَبْطَلْتُمْ الْجِمَاعَ وَدَعْوَى الْجِمَاعِ فَقُلْتُمْ إذَا كَانَ اسْتَمْتَعَ بِهَا سَنَةً حَتَّى تَبْلَى ثِيَابُهَا وَجَبَ الْمَهْرُ وَمَنْ حَدَّ لَكُمْ سَنَةً؟ وَمَنْ حَدَّ لَكُمْ إبْلاَءَ الثِّيَابِ؟ وَإِنْ بَلِيَتْ الثِّيَابُ قَبْلَ السَّنَةِ فَكَيْفَ لَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ؟ أَرَأَيْت إنْ قَالَ إنْسَانٌ إذَا اسْتَمْتَعَ بِهَا يَوْمًا وَقَالَ آخَرُ يَوْمَيْنِ وَقَالَ آخَرُ شَهْرًا وَقَالَ آخَرُ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ ثَلاَثِينَ سَنَةً مَا الْحُجَّةُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا تَوْقِيتٌ لَمْ يُوَقِّتْهُ عُمَرُ وَلاَ زَيْدٌ وَهُمَا اللَّذَانِ انْتَهَيْنَا إلَى قَوْلِهِمَا وَلاَ يُوَقَّتُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ فَهَكَذَا أَنْتُمْ فَمَا أَعْرِفُ لِمَا تَقُولُونَ مِنْ هَذَا إلَّا أَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ جَمِيعِ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا سَبَقَكُمْ بِهِ فَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً فَهَذَا لَيْسَ بِعِنِّينٍ وَالْعِنِّينُ عِنْدَكُمْ إنَّمَا يُؤَجَّلُ سَنَةً مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ امْرَأَتُهُ إلَى السُّلْطَانِ وَلَوْ أَقَامَ مَعَهَا قَبْلَ ذَلِكَ دَهْرًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ أَجْرَى فَرَسًا فَوَطِئَ عَلَى أُصْبُعِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ فَنَزَا مِنْهَا فَمَاتَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلَّذِينَ ادَّعَى عَلَيْهِمْ: أَتَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا مَاتَ مِنْهَا؟ فَأَبَوْا وَتَحَرَّجُوا مِنْ الْأَيْمَانِ فَقَالَ لِلْآخَرِينَ: احْلِفُوا أَنْتُمْ فَأَبَوْا فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ عَلَى السَّعْدِيِّينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفْتُمْ فِي هَذَا الْحُكْمِ كُلِّهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُمْ يَبْدَأُ الْمُدَّعُونَ بَلْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْلِفْ وَاحِدٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ شَطْرُ دِيَةٍ وَلاَ أَقَلُّ وَلاَ أَكْثَرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَإِنْ كُنْتُمْ ذَهَبْتُمْ إلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ الْمُدَّعِينَ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ الْمُدَّعُونَ أَيْمَانَهُمْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَإِلَى هَذَا ذَهَبْنَا وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَجَدْتُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ سُنَّةً أَنْ تَصِيرُوا إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ دُونَ مَا خَالَفَهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَمَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ أَوْلَى أَنْ تَأْخُذُوا فِيهِ بِحُكْمِ عُمَرَ مِنْ هَذَا لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذَا أَشْهَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَقُولُوا هَذَا دَمُ خَطَأٍ وَاَلَّذِي حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمُ عَمْدٍ فَنَتَّبِعُ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَكَمَ فِي الْعَمْدِ وَمَا حَكَمَ بِهِ عُمَرُ كَمَا حَكَمَ فِي الْخَطَأِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خِلاَفَ الْآخَرِ فَإِنْ صِرْتُمْ إلَى أَنْ تَقُولُوا: إنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ إنَّهُمَا قَسَامَةٌ فَنَصِيرُ إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَجْعَلُ الْخَطَأَ قِيَاسًا عَلَى الْعَمْدِ فَمَا كَانَ لاَ يَتَوَجَّهُ مِنْ حَدِيثٍ يُخَالِفُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا عَلَى خِلاَفِهِ أَوْلَى أَنْ تَصِيرُوا فِيهِ إلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ تَخْتَلِفَ أَقَاوِيلُكُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الضِّرْسِ بِجَمَلٍ وَفِي التَّرْقُوَةِ بِجَمَلٍ وَفِي الضِّلَعِ بِجَمَلٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَضَى عُمَرُ فِي الْأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بَعِيرٍ وَقَضَى مُعَاوِيَةُ فِي الْأَضْرَاسِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَالدِّيَةُ تَنْقُصُ فِي قَضَاءِ عُمَرَ وَتَزِيدُ فِي قَضَاءِ مُعَاوِيَةَ فَلَوْ كُنْت أَنَا لَجَعَلْت فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ فَقُلْت: لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ فِي الْأَضْرَاسِ خَمْسٌ خَمْسٌ وَنَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّرْقُوَةِ وَفِي الضِّلْعِ حُكْمٌ مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا فِيهَا حُكُومَةٌ بِاجْتِهَادٍ قَالَ: فَقَدْ خَالَفْتُمْ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ كُلَّهُ فَقُلْتُمْ فِي الْأَضْرَاسِ خَمْسٌ خَمْسٌ وَهَكَذَا نَقُولُ لِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السِّنِّ خَمْسٌ كَانَتْ الضِّرْسُ سِنًّا قَالَ: فَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِمَّا أَقْبَلَ مِنْ الْفَمِ مِمَّا اسْمُهُ سِنٌّ فَإِذَا كَانَتْ لَنَا وَلَكُمْ حُجَّةٌ بِأَنْ نَقُولَ: الضِّرْسُ سِنٌّ وَنَذْهَبَ إلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَنُخَالِفَ غَيْرَهُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ تَوَجَّهَ لِغَيْرِهِ أَنْ لاَ يَكُونَ خِلاَفَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَكَذَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ لاَ نَتْرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَبَدًا لِقَوْلِ غَيْرِهِ فَأَمَّا أَنْ تَتْرُكُوا قَوْلَ عُمَرَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً وَتَتْرُكُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ عُمَرَ مَرَّةً فَهَذَا مَا لاَ يَجْهَلُ عَالِمٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: وَخَالَفْتُمْ عُمَرَ فِي التَّرْقُوَةِ وَالضِّلْعِ فَقُلْتُمْ: لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مُوَقَّتٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَنَا أَقُولُ بِقَوْلِ عُمَرَ فِيهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا عَلِمْت فَلَمْ أَرَ أَنْ أَذْهَبَ إلَى رَأْيِي وَأُخَالِفَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ عُمَرَ فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرٌ بَعِيرٌ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ وَقَالَ: فِيهِمَا بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَإِذَا كَانَ سَعِيدٌ يَعْرِفُ عَنْ عُمَرَ شَيْئًا ثُمَّ يُخَالِفُهُ وَلَمْ يَذْهَبْ أَيْضًا إلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ الْحَدِيثِ وَكُنْتُمْ تُخَالِفُونَ عُمَرَ ثُمَّ تُخَالِفُونَ سَعِيدًا فَأَيْنَ مَا تَدَّعُونَ أَنَّ سَعِيدًا إذَا قَالَ قَوْلاً لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا عَنْ عِلْمٍ وَتَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ فِي شَيْءٍ وَهَا أَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ فَأَيْنَ مَا زَعَمْتُمْ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَدِينَةِ كَالْوِرَاثَةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَحِكَايَتُهُمْ إذَا حَكَوْا وَحَكَيْتُمْ عَنْهُمْ اخْتِلاَفًا فَكَذَلِكَ حِكَايَةُ غَيْرِكُمْ فِي أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا الْإِجْمَاعُ عِنْدَهُمْ فِيمَا يُوجَدُ الْإِجْمَاعُ فِيهِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَأَنَّ أَوْلَى عِلْمِ النَّاسِ بَعْدَ الصَّلاَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ بِالْمَدِينَةِ الدِّيَاتُ لِأَنَّ ابْنَ طَاوُسٍ قَالَ: عَنْ أَبِيهِ مَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَقْلٍ وَصَدَقَاتٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِهِ الْوَحْيُ وَعُمَرُ مِنْ الْإِسْلاَمِ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ مِنْ النَّاسِ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ فِي الدِّيَاتِ وَخَالَفْتُمْ ابْنَ الْمُسَيِّبِ بَعْدَهُ فِيهَا وَلاَ أَرَى دَعْوَاكُمْ الْمَوْرُوثَ كَمَا ادَّعَيْتُمْ وَمَا أَرَاكُمْ قَبِلْتُمْ عَنْ عُمَرَ هَذَا وَمَا أَجِدُكُمْ تَقْبَلُونَ الْعِلْمَ إلَّا عَنْ أَنْفُسِكُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلاَ أُجِيزُهُ وَلَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فِيهِ لَرَجَمْت. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ خَالَفْتُمْ هَذَا وَقُلْتُمْ: النِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ فَخَالَفْتُمْ عُمَرَ وَعُمَرُ لَوْ تَقَدَّمَ فِيهِ لَرَجَمَ يَعْنِي لَوْ أَعْلَمْت النَّاسَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ النِّكَاحُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَةٍ حَتَّى يَعْرِفُوا ذَلِكَ لَرَجَمْت فِيهِ مَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ تَقَدُّمِي.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: إنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ مُوَلَّدَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَخَرَجَ عُمَرُ يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَزَعًا وَقَالَ: هَذِهِ الْمُتْعَةُ وَلَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فِيهَا لَرَجَمْت قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى يُشْبِهُ قَوْلَهُ فِي الْأَوَّلِ وَمَذْهَبُ عُمَرَ فِي هَذَا أَنَّ الْمُتْعَةَ إذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عِنْدَهُ وَكَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهَا مُسْتَحِلِّينَ أَوْ جَاهِلِينَ وَهُوَ اسْمُ نِكَاحٍ فَيَدْرَأُ عَنْهُمْ بِالِاسْتِحْلاَلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَقَدَّمَ فِيهَا حَتَّى يُعْلِمَهُمْ أَنَّ حُكْمَهُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فَفَعَلُوهَا رَجَمَهُمْ وَحَمَلَهُمْ عَلَى حُكْمِهِ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا حُرِّمَ كَمَا قَالَ: يَسْتَحِلُّ قَوْمٌ الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ يَدًا بِيَدٍ فَيَفْسَخُهُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَرَاهُ حَرَامًا فَخَالَفْتُمْ عُمَرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا وَقُلْتُمْ: لاَ حَدَّ عَلَى مَنْ نَكَحَ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَةٍ وَلاَ مَنْ نَكَحَ نِكَاحَ مُتْعَةٍ كَمَا زَعَمْت فِيهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلاً وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمًا عَلَى وَلِيِّهَا إذَا كَانَ الَّذِي أَنْكَحَهَا هُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ وَتَرُدُّ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْ مِنْ صَدَاقِ نَفْسِهَا وَيَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ مَا اسْتَحَلَّهَا بِهِ إذَا مَسَّهَا, فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ مَالِكٍ وَسَأَلْت عَنْ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا حَكَمَ عُمَرُ أَنَّ لَهَا الْمَهْرَ بِالْمَسِيسِ وَأَنَّ الْمَهْرَ عَلَى وَلِيِّهَا لِأَنَّهُ غَارٌّ وَالْغَارُّ - عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ - يَغْرَمُ أَرَأَيْت رَجُلاً بَاعَ عَبْدًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ حُرٌّ أَلَيْسَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ بَاعَ مَتَاعًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَاسْتُحِقَّ أَوْ فَسَدَ الْبَيْعُ أَوْ كَانَ لِمُشْتَرِيهِ الْخِيَارُ فَاخْتَارَ رَدَّهُ أَلاَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا غَرِمَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؟ قَالَ: وَرَوَيْتُمْ الْحَدِيثَ عَنْ عُمَرَ وَخَالَفْتُمُوهُ فِيهِ بِمَا وَصَفْته فَلَوْ ذَهَبْتُمْ فِيهِ إلَى أَمْرٍ يُعْقَلُ فَقُلْتُمْ: إذَا كَانَ الصَّدَاقُ ثَمَنًا لِلْمَسِيسِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ الزَّوْجُ عَلَيْهَا وَلاَ عَلَى وَلِيٍّ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ الْمَسِيسَ كَمَا ذَهَبَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ إلَى هَذَا كَانَ مَذْهَبًا فَأَمَّا مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ فَلَيْسَ بِمَذْهَبٍ وَهُوَ خِلاَفُ عُمَرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ:: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنْ كُتِبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ الْعِرَاقِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى عَامِلِهِ أَنْ مُرْهُ يُوَافِينِي فِي الْمَوْسِمِ فَبَيْنَا عُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إذْ لَقِيَهُ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَمَرْتَ أَنْ أُجْلَبَ عَلَيْك فَقَالَ عُمَرُ: أَنْشُدُك بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ هَلْ أَرَدْت بِقَوْلِك حَبْلُك عَلَى غَارِبِك الطَّلاَقَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَوْ اسْتَحْلَفْتنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُك أَرَدْت الْفِرَاقَ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ مَا أَرَدْت قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَبِهَذَا نَقُولُ وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ كَلاَمٍ أَشْبَهَ الطَّلاَقَ لَمْ نَحْكُمْ بِهِ طَلاَقًا حَتَّى يُسْأَلَ قَائِلُهُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ طَلاَقًا فَهُوَ طَلاَقٌ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ طَلاَقًا لَمْ يَكُنْ طَلاَقًا وَلَمْ نَسْتَعْمِلْ الْأَغْلَبَ مِنْ الْكَلاَمِ عَلَى رَجُلٍ احْتَمَلَ غَيْرَ الْأَغْلَبِ فَخَالَفْتُمْ عُمَرَ فِي هَذَا فَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ طَلاَقٌ وَأَنَّهُ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا أَرَادَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ تَدْرِ أَيْنَ هُوَ فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَنْتَظِرُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَ: وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ مِثْلُ مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ وَزِيَادَةٌ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ فَقَدِمَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا الْآخِرُ كَانَ أَحَقَّ بِهَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا الْآخِرُ فَالْأَوَّلُ الْمَفْقُودُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَالْمَهْرِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي الْمَفْقُودِ قَالَ بِهَذَا كُلِّهِ اتِّبَاعًا لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ مَعًا فَتَزْعُمُونَ أَنَّهَا إذَا نَكَحَتْ لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ فِيهَا خِيَارٌ هِيَ مِنْ الْآخِرِ, فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ: أَدْرَكْت مَنْ يُنْكِرُ مَا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ عُمَرَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ رَأَيْنَا مَنْ يُنْكِرُ قَضِيَّةَ عُمَرَ كُلَّهَا فِي الْمَفْقُودِ وَيَقُولُ هَذَا لاَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ فَهَلْ كَانَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الثِّقَاتِ إذَا حَمَلُوا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ لَمْ يُتَّهَمُوا فَكَذَلِكَ الْحُجَّةُ عَلَيْك وَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَاتُ عَنْ عُمَرَ حَدِيثًا وَاحِدًا فَتَأْخُذَ بِبَعْضِهِ وَتَدَعَ بَعْضًا أَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك قَائِلٌ: آخُذُ بِاَلَّذِي تَرَكْت مِنْهُ وَأَتْرُكُ الَّذِي أَخَذْت بِهِ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ غَايَةً يَنْتَهِي إلَيْهَا أَخَذَ بِقَوْلِهِ كَمَا قَالَ: فَأَمَّا قَوْلُك فَإِنَّمَا جَعَلْت الْغَايَةَ فِي نَفْسِك لاَ فِيمَنْ رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ فَهَكَذَا الْحُجَّةُ عَلَيْك لِأَنَّك تَرَكْت بَعْضَ قَضِيَّةِ عُمَرَ وَأَخَذْت بِبَعْضِهَا (قَالَ الرَّبِيعُ): لاَ تَتَزَوَّجُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ حَتَّى يَأْتِيَ يَقِينُ مَوْتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} فَجَعَلَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عِدَّةً, وَكَذَلِكَ جَعَلَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ عِدَّةً لَمْ يُبِحْهَا إلَّا بِمَوْتٍ أَوْ طَلاَقٍ وَهِيَ مَعْنَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ قَالَ: {إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْقُرُ عِنْدَ عَجُزِ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُخَيِّلَ إلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فَلاَ يَنْصَرِفْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ فَلاَ تَزُولُ الطَّهَارَةُ إلَّا بِيَقِينِ الْحَدَثِ وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَهَا زَوْجٌ بِيَقِينٍ فَلاَ يَزُولُ قَيْدُ نِكَاحِهَا بِالشَّكِّ وَلاَ يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهَذَا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ أَهْل الشَّامِ قَالُوا لِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ: خُذْ مِنَّا مِنْ خَيْلِنَا وَمِنْ رَقِيقِنَا صَدَقَةً فَأَبَى ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ فَأَبَى ثُمَّ كَلَّمُوهُ أَيْضًا فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إلَيْهِ إنْ أَحَبُّوا فَخُذْهَا مِنْهُمْ وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي رُدَّهَا إلَى فُقَرَائِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ أَنْ يُؤْخَذَ فِي الْفَرَسِ شَاتَانِ أَوْ عَشَرَةٌ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا, فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لاَ تُؤْخَذُ فِي الْخَيْلِ صَدَقَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلاَ فَرَسِهِ صَدَقَةٌ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ وَرَوَى غَيْرُكُمْ عَنْ عُمَرَ هَذَا فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ لِشَيْءٍ رَوَيْتُمُوهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا فِي كُلِّ مَنْ رَوَى عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا يُخَالِفُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَإِنَّكُمْ لَتُخَالِفُونَ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا هُوَ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا وَتَعْمَلُونَ فِيهِ بِأَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِهِ لاَ يَقُولُ قَوْلاً يُخَالِفُهُ وَتَقُولُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْتِي مَوْضِعٌ آخَرُ فَيَخْتَلِفُ كَلاَمُكُمْ وَلَوْ شَاءَ رَجُلٌ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي عَبْدِهِ وَفَرَسِهِ صَدَقَةٌ} إذَا كَانَ فَرَسُهُ مَرْبُوطًا لَهُ مَطِيَّةً فَأَمَّا خَيْلٌ تَتَنَاتَجُ فَنَأْخُذُ مِنْهَا كَمَا أَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَدْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ وَلَوْ ذَهَبْتُمْ هَذَا الْمَذْهَبَ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ يُحْتَمَلُ فَإِنْ لَمْ تَقُولُوا وَصِرْتُمْ إلَى اتِّبَاعِ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً وَجُمْلَةُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَيْهِ فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَخْتَلِفُ أَقَاوِيلُكُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ قِيلَ لَهُ: مَا قَرَأَتْ قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؟ قَالُوا: حَسَنًا قَالَ: فَلاَ بَأْسَ, قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ مَنْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلاَةِ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَلاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ إلَّا بِقِرَاءَةٍ قَالَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَصَلاَتُهُ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَمْ يَرَ إذَا كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ حَسَنًا بَأْسًا وَلاَ تَجِدُونَ عَنْهُ شَيْئًا أَحْرَى أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا مِنْهُ وَمِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَيْهِ عَادَةً مِنْ هَذَا إذَا كَانَ عِلْمُ الصَّلاَةِ ظَاهِرًا فَكَيْفَ خَالَفْتُمُوهُ فَإِنْ كُنْتُمْ إنَّمَا ذَهَبْتُمْ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ صَلاَةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ} فَيَنْبَغِي أَنْ تَذْهَبُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ هَذَا الْمَذْهَبَ فَإِذَا جَاءَ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَدَعُوهُ لِشَيْءٍ إنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ كَمَا قُلْتُمْ هَهُنَا وَهَذَا مَوْضِعٌ لَكُمْ فِيهِ شُهُودٌ لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ لَوْ ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ بِأَنْ تَقُولُوا: لاَ صَلاَةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ لِمَنْ كَانَ ذَاكِرًا وَالنِّسْيَانُ مَوْضُوعٌ كَمَا أَنَّ نِسْيَانَ الْكَلاَمِ عِنْدَكُمْ مَوْضُوعٌ فِي الصَّلاَةِ فَإِذَا أَمْكَنَكُمْ أَنْ تَقُولُوا هَذَا فِي الصَّلاَةِ فَلَمْ تَقُولُوهُ وَصِرْتُمْ إلَى جُمْلَةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكْتُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ وَمَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لِجُمْلَةِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَكَيْفَ لَمْ تَصْنَعُوا هَذَا فِيمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْصُوصًا بَيِّنًا لاَ يَحْتَمِلُ مَا خَالَفَهُ مِثْلَ مَا احْتَمَلَ هَذَا مِنْ التَّأْوِيلِ بِالنِّسْيَانِ؟
سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ قَتْلِ الْقُرَادِ وَالْحَلَمَةِ فِي الْإِحْرَامِ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِقَتْلِهِ وَلاَ فِدْيَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَفْدِي الْمُحْرِمُ مَا قَتَلَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَقُلْت لَهُ: مَا الْحُجَّةُ فِيهِ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ: {رَأَى عُمَرَ يُقَرِّدُ بَعِيرًا لَهُ فِي طِينٍ بِالسُّقْيَا} فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّ صَاحِبَنَا يَقُولُ: لاَ يَنْزِعُ الْحَرَامُ قُرَادًا وَلاَ حَلَمَةً وَيَحْتَجُّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَرِهَ أَنْ يَنْزِعُ الْمُحْرِمُ قُرَادًا أَوْ حَلَمَةً مِنْ بَعِيرٍ قَالَ: وَكَيْفَ تَرَكْتُمْ قَوْلَ عُمَرَ وَهُوَ يُوَافِقُ السُّنَّةَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَمَعَ عُمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ ذَهَبْتُمْ إلَى التَّقْلِيدِ فَلِعُمَرَ بِمَكَانِهِ مِنْ الْإِسْلاَمِ وَفَضْلِ عِلْمِهِ وَمَعَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُوَافَقَةُ السُّنَّةِ أَوْلَى أَنْ تُقَلِّدُوهُ (قَالَ): وَقَدْ تَتْرُكُونَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ وَلِرَأْيِ غَيْرِ ابْنِ عُمَرَ فَإِذَا تَرَكْتُمْ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طِيبِ الْمُحْرِمِ لِقَوْلِ عُمَرَ وَتَرَكْتُمْ عَلَى عُمَرَ تَقْرِيدَ الْبَعِيرِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَعَلَى ابْنِ عُمَرَ فِيمَا لاَ يُحْصَى لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ فَالْعِلْمُ إلَيْكُمْ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ صَارَ فَلاَ تَتَّبِعُونَ مِنْهُ إلَّا مَا شِئْتُمْ وَلاَ تَقْبَلُونَ إلَّا مَا هَوَيْتُمْ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِذَا زَعَمْتُمْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يُخَالِفُ عُمَرَ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ بِالْمَدِينَةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْهُمْ الِاخْتِلاَفَ وَغَيْرُكُمْ يَرْوِيهِ عَنْهُمْ فِي أَكْثَرِ خَاصِّ الْفِقْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لاَ يَصْدُرَنَّ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فَمَحِلُّ الشَّعَائِرِ وَانْقِضَاؤُهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ رَجُلاً مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ لَمْ يَكُنْ وَدَّعَ الْبَيْتَ (قَالَ) وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ جَهِلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا فَيَرْجِعَ فَلاَ أَنْتُمْ عَذَرْتُمُوهُ بِالْجَهَالَةِ فَلاَ تَرُدُّونَهُ مِنْ قَرِيبٍ وَلاَ بَعِيدٍ وَلاَ أَنْتُمْ اتَّبَعْتُمْ قَوْلَ عُمَرَ وَمَا تَأَوَّلَ صَاحِبُكُمْ مِنْ الْقُرْآنِ أَنَّ الْوَدَاعَ مِنْ نُسُكِهِ فَيَجْعَلُ عَلَيْهِ دَمًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ دَمًا " وَهُوَ يَقُولُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ " مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ دَمًا " ثُمَّ تَتْرُكُونَهُ حَيْثُ شِئْتُمْ وَتَدْعُونَهُ وَمَعَهُ عُمَرُ وَمَا تَأَوَّلْتُمْ مِنْ الْقُرْآنِ.
سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ شَيْئًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ مِنْ دَوَابِّ الصَّيْدِ شَيْئًا جَزَاهُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} وَالْمِثْلُ لاَ يَكُونُ إلَّا لِدَوَابِّ الصَّيْدِ فَأَمَّا الطَّيْرُ فَلاَ مِثْلَ لَهُ وَمِثْلُهُ قِيمَتُهُ إلَّا أَنَّ فِي حَمَامِ مَكَّةَ اتِّبَاعًا لِلْآثَارِ شَاةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نُخَالِفُ مَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ فِي الْأَرْنَبِ وَالْيَرْبُوعِ فَيَقُولُ: لاَ يُفْدَيَانِ بِجَفْرَةٍ وَلاَ بِعَنَاقٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا الْجَهْلُ الْبَيِّنُ وَخِلاَفُ كِتَابِ اللَّهِ عِنْدَنَا وَأَمْرِ عُمَرَ وَأَمْرِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْكُمْ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَنْزِيلِ الْكِتَابِ شَيْءٌ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إذْ حَكَمَ فِي الصَّيْدِ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ فَلَيْسَ يُعْدَمُ الْمِثْلُ أَبَدًا فَمَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الصَّيْدِ إذَا قَتَلَ بِأَيِّ النَّعَمِ كَانَ أَقْرَبَ بِهَا شَبَهًا فِي الْبَدَنِ فَدَى بِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ كَذَا فَدَى الْكَبِيرَ بِالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرَ بِالصَّغِيرِ أَوْ يَكُونُ الْمِثْلُ الْقِيمَةَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ وَقَوْلُكُمْ لاَ الْقِيمَةُ وَلاَ الْمِثْلُ مِنْ الْبَدَنِ بَلْ هُوَ خَارِجٌ مِنْهُمَا مَعَ خُرُوجِهِ مِمَّا وَصَفْنَا مِنْ الْآثَارِ وَتَزْعُمُونَ فِي كُلِّ مَا كَانَ فِيهِ ثَنِيَّةٌ فَصَاعِدًا أَنَّهُ مِثْلُ النَّعَمِ فَتَرْفَعُونَ وَتَخْفِضُونَ فَإِذَا جَاءَ مَا دُونَ ثَنِيَّةٍ قُلْتُمْ مِثْلٌ مِنْ الْقِيمَةِ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ لَوْ لَمْ يُخَالِفْ الْآثَارَ فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَهَا وَكُلُّ مَا فَدَى فَإِنَّمَا الْقَدْرُ قِيمَتُهُ وَالْقِيمَةُ تَكُونُ قَلِيلَةً وَكَثِيرَةً وَأَقَاوِيلُكُمْ فِيهَا مُتَنَاقِضَةٌ فَكَيْفَ تُجَاوِزُ الثَّنِيَّةُ الَّتِي تَجُوزُ ضَحِيَّةً فِي الْبَقَرَةِ فَتَفْدِيهَا وَيَكُونُ يَصِيدُ صَيْدًا صَغِيرًا دُونَ الثَّنِيَّةِ فَلاَ تَفْدِيهِ بِصَغِيرٍ دُونَ الثَّنِيَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَتَصِيرُونَ إلَى قَوْلِ عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَتَتْرُكُونَ فِيهِ مَا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصِيرُونَ إلَى تَرْكِ قَوْلِهِ فِي كَثِيرٍ وَتَدَعُونَ لِقَوْلِهِ مَا وَصَفْت مِنْ سُنَنٍ تَرْوُونَهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تُخَالِفُونَ عُمَرَ وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ التَّابِعِينَ بَلْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَمِنْ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَأَصْحَابُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ جَهَدْت أَنْ أَجِدَ أَحَدًا يُخْبِرُنِي إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ فِي تَرْكِكُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ فِي الْيَرْبُوعِ وَالْأَرْنَبِ فَمَا وَجَدْت أَحَدًا يَزِيدُنِي عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: الضَّحَايَا وَالْبُدْنُ وَالثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَنْتُمْ أَيْضًا تُخَالِفُونَ فِي هَذَا لِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ لاَ يُجِيزُ مِنْ الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ إلَّا الثَّنِيَّ فَمَا فَوْقَهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ الْجَذَعَةَ مِنْ الضَّأْنِ ضَحِيَّةً وَإِنْ كَانَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الثَّنِيَّ فَمَا فَوْقَهُ وَفَاءٌ وَلاَ يَسَعُ ذَلِكَ مَا دُونَهُ أَنْ يَكُونَ ضَحِيَّةً فَقَدْ تَأَوَّلْتُمْ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ وَضَيَّقْتُمْ عَلَى غَيْرِكُمْ مَا دَخَلْتُمْ فِي مِثْلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ جَعَلَ الصَّيْدَ مِنْ مَعْنَى الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ بِسَبِيلِ مَا نَجِدُ أَحَدًا مِنْكُمْ يُعْرَفُ عَنْهُ فِي هَذَا شَيْءٌ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكِيَهُ لِضَعْفِ مَذْهَبِكُمْ بِهِ وَخُرُوجِهِ مِنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ ثُمَّ تَنَاقُضِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَجَزَاءُ الصَّيْدِ ضَحَايَا قُلْنَا: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ ضَحَايَا جَزَاءِ الصَّيْدِ بَدَلٌ مِنْ الصَّيْدِ وَالْبَدَلُ يَكُونُ مِنْهُ مَا يَكُونُ بَقَرَةً مِثْلَهُ فَأَرْفَعُ وَأُخْفِضُ مِنْهَا تَمْرَةً وَالتَّمْرَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ مَا يَكُونُ بِتَمْرَةٍ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِبَدَنَةٍ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بَيْنَ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا فَرَّقَ بَيْنَ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالضَّحَايَا وَالْبُدْنِ قِيلَ: أَرَأَيْت الضَّحَايَا أَيَكُونُ عَلَى أَحَدٍ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ شَاةٍ؟ فَإِنْ قَالَ: لاَ قِيلَ أَفَرَأَيْت الْبُدْنَ أَلَيْسَتْ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا أَوْ شَيْئًا وَجَبَ بِإِفْسَادِ حَجٍّ؟ فَإِنْ قَالَ: بَلَى قِيلَ: أَفَرَأَيْت جَزَاءَ الصَّيْدِ أَلَيْسَ إنَّمَا هُوَ غُرْمٌ وَغَرِمَهُ مَنْ قَتَلَهُ بِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْقَتْلِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَحَكَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ لِلْمَسَاكِينِ الْحَاضِرِي الْكَعْبَةَ؟ فَإِنْ قَالَ: بَلَى قِيلَ: فَكَمَا تَحْكُمُ لِمَالِكِ الصَّيْدِ عَلَى رَجُلٍ لَوْ قَتَلَهُ بِالْبُدْنِ مِنْهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: فَإِذَا قَتَلَ نَعَامَةً كَانَتْ فِيهَا بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةَ وَحْشٍ كَانَتْ فِيهَا شَاةٌ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: أَفَتَرَى هَذَا كَالْأَضَاحِيِّ أَوْ كَالْهَدْيِ التَّطَوُّعِ أَوْ الْبُدْنِ أَوْ إفْسَادِ الْحَجِّ فَإِنْ قَالَ: قَدْ يَفْتَرِقَانِ قِيلَ: أَلَيْسَ إذَا أُصِيبَتْ نَعَامَةٌ كَانَتْ فِيهَا بَدَنَةٌ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْمِثْلِ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْغَزَالُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ هَذَا بَدَلاً لِشَيْءٍ أَتْلَفَ فَكَانَ عَلَيَّ أَنْ أُغَرِّمَ أَكْثَرَ مِنْ الضَّحِيَّةِ فِيهِ لِمَ لاَ يَكُونُ لِي أَنْ أُعْطِيَ دُونَ الضَّحِيَّةِ فِيهِ وَأَنْتَ قَدْ تَجْعَلُ ذَلِكَ لِي فَتَجْعَلُ فِي الْجَرَادَةِ تَمْرَةً؟. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّمَا أَجْعَلُ عَلَيْك الْقِيمَةَ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ دُونَ مَا يَكُونُ ضَحِيَّةً قِيلَ: فَمَنْ قَالَ لَك: إنَّ شَيْئًا يَكُونُ بَدَلاً مِنْ شَيْءٍ فَتَجْعَلُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ الْمِثْلَ مَا كَانَ ضَحِيَّةً فَأَعْلَى وَلاَ تَجْعَلُ الضَّحِيَّةَ تُجْزِي فِيمَا قَتَلَ مِنْهُ مِمَّا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا وَإِذَا كَانَ شَيْءٌ دُونَ الضَّحِيَّةِ لَمْ تَطْرَحْهُ عَنِّي بَلْ تَجْعَلُهُ عَلَيَّ بِمِثْلٍ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ ضَحِيَّةً فَهُوَ فِي قَوْلِك لَيْسَ مِنْ مَعَانِي الضَّحَايَا فَإِنْ قَالَ: أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا نَاقِصًا وَضَحِيَّةً؟ قِيلَ: نَعَمْ فَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَمْرَةٌ وَقَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ هَدْيًا وَلَوْ لَمْ يَجُزْ كُنْت قَدْ أَخْطَأْت إذْ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أَصَبْت صَيْدًا مَرِيضًا أَوْ أَعْوَرَ أَوْ مَنْقُوصًا قُوِّمَ عَلَيَّ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ نَاقِصًا وَلَمْ تَقُلْ يُقَوَّمُ عَلَيَّ وَافِيًا فَمَثَّلْت الصَّيْدَ الصَّغِيرَ مَرَّةً بِالْإِنْسَانِ الْحَيِّ يُقْتَلُ مَنْقُوصًا فَيَكُونُ فِيهِ دِيَةٌ تَامَّةٌ وَزَعَمْت أُخْرَى أَنَّهُ إذَا قَوَّمَ الصَّيْدَ الْمَقْتُولَ قَوَّمَهُ مَنْقُوصًا وَهَذَا قَوْلٌ يَخْتَلِفُ إنْ كَانَ قِيَاسًا عَلَى الْإِنْسَانِ الْحُرِّ فَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ قِيمَتِهِ مَنْقُوصًا وَصَغِيرًا وَكَبِيرًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُقْتَلُ مَرِيضًا وَمَنْقُوصًا كَهَيْئَتِهِ صَحِيحًا وَافِرًا وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ يُتْلَفُ فَيُقَوِّمُهُ بِالْحَالِ الَّتِي أُتْلِفَ فِيهَا لاَ بِغَيْرِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَإِنْ قَالَ: مَا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ هَدْيًا قُلْت الْهَدْيُ شَيْءٌ فَصَلْتُهُ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَنْ أُمِرْت بِفَصْلِهِ إلَيْهِ كَالْهَدِيَّةِ تَخْرُجُهَا مِنْ مَالِك إلَى غَيْرِك فَيَقَعُ اسْمُ الْهَدْيِ عَلَى تَمْرَةٍ وَبَعِيرٍ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ وَمَأْكُولٍ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْهَدِيَّةِ عَلَى مَا قَلَّ وَكَثُرَ فَإِنْ قَالَ أَفَيَجُوزُ أَنْ تُذْبَحَ صَغِيرَةٌ مِنْ الْغَنَمِ فَتَتَصَدَّقَ بِهَا قُلْت: نَعَمْ كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِتَمْرَةٍ وَالْهَدْيُ غَيْرُ الضَّحِيَّةِ وَالضَّحِيَّةُ غَيْرُ الْهَدْيِ الْهَدْيُ بَدَلٌ وَالْبَدَلُ يَقُومُ مَقَامَ مَا أُتْلِفَ وَالضَّحِيَّةُ لَيْسَتْ بَدَلاً مِنْ شَيْءٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قَالَ هَذَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا فَخَالَفْتُمْ إلَى غَيْرِ قَوْلٍ آخَرَ مِثْلِهِمْ وَلاَ مَنْ سَلَفَ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلِمْته قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ مُحْرِمًا أَلْقَى جُوَالِقًا فَأَصَابَ يَرْبُوعًا فَقَتَلَهُ فَقَضَى فِيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ بِجَفْرَةٍ مُجْفِرَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ حَكَمَ فِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ أَوْ جَفْرَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى فِي أُمِّ حُيَيْنٍ بِحُلَّانٍ مِنْ الْغَنَمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقٍ قَالَ: خَرَجْنَا حَجِيجًا فَأَوْطَأَ رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ أَرْبَدُ ضَبًّا فَفَزَرَ ظَهْرَهُ فَقَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ أَرْبَدُ فَقَالَ عُمَرُ: اُحْكُمْ فِيهِ فَقَالَ: أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَمُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّمَا أَمَرْتُك أَنْ تَحْكُمَ فِيهِ وَلَمْ آمُرْكَ أَنْ تُزَكِّيَنِي فَقَالَ أَرْبَدُ: أَرَى فِيهِ جَدْيًا قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ فَقَالَ عُمَرُ: فَذَاكَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ أَعْلَمُ مَذْهَبًا أَضْعَفُ مِنْ مَذْهَبِكُمْ رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ تُؤَجَّلُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَتَنْكِحُ وَرَوَى الْمَشْرِقِيُّونَ عَنْ عَلِيٍّ لِتَصْبِرْ حَتَّى يَأْتِيَهَا يَقِينُ مَوْتِهِ وَجَعَلَ اللَّهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَ الْمَشْرِقِيُّونَ: لاَ يَجُوزُ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إلَّا مَنْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى الَّتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا يَقِينًا فَقُلْتُمْ: عُمَرُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ فَإِذَا قِيلَ لَكُمْ وَعَلِيٌّ عَالِمٌ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ لاَ تَقْسِمُونَ مَالَ الْمَفْقُودِ عَلَى وَرَثَتِهِ وَلاَ تَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوَفَاةِ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّهُ مَاتَ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى مَوْتِهِ فَكَيْفَ حَكَمْتُمْ عَلَيْهِ حُكْمَ الْوَفَاةِ فِي امْرَأَتِهِ فَقَطْ؟ قُلْتُمْ: لاَ يُقَالُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لِمَ؟ وَلاَ كَيْفَ؟ وَلاَ يُتَأَوَّلُ مَعَهُ الْقُرْآنُ ثُمَّ وَجَدْتُمْ عُمَرَ يَقُولُ فِي الصَّيْدِ بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وَمَعَ عُمَرَ عُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَطَاءٌ وَغَيْرُهُمْ فَخَالَفْتُمُوهُمْ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ النَّاسِ إلَّا أَنْفُسُكُمْ لِقَوْلٍ مُتَنَاقِضٍ ضَعِيفٍ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَصَابَ وَلَدَ ظَبْيٍ صَغِيرًا فَدَاهُ بِوَلَدِ شَاةٍ مِثْلِهِ وَإِنْ أَصَابَ صَيْدًا أَعْوَرَ فَدَاهُ بِأَعْوَرَ مِثْلِهِ أَوْ مَنْقُوصًا فَدَاهُ بِمَنْقُوصٍ مِثْلِهِ أَوْ مَرِيضًا فَدَاهُ بِمَرِيضٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ فَدَاهُ بِوَافٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُرَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إنِّي أَجْرَيْت أَنَا وَصَاحِبِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةَ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ: تَعَالَى نَحْكُمُ أَنَا وَأَنْتَ فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: هَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ مَعِي حَاكِمٌ لَحَكَمْت فِي الثَّعْلَبِ بِجَدْيٍ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّ صَاحِبَنَا يَقُولُ: إنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا أَصَابَا ظَبْيًا حُكِمَ عَلَيْهِمَا بِعَنْزَيْنِ وَبِهَذَا نَقُولُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي رِوَايَتِكُمْ وَابْنِ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِكُمْ إلَى قَوْلِ غَيْرِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا جَازَ لَكُمْ أَنْ تُخَالِفُوهُمْ فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ قَوْلَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ حُجَّةً عَلَى السُّنَّةِ وَلاَ تَجْعَلُونَهُ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِكُمْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقِيسُوا فَأَخْطَأْتُمْ الْقِيَاسَ فَلَوْ لَمْ تَكُونُوا خَالَفْتُمْ أَحَدًا كُنْتُمْ قَدْ أَخْطَأْتُمْ الْقِيَاسَ قِسْتُمْ بِالرَّجُلَيْنِ يَقْتُلاَنِ النَّفْسَ فَيَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةُ عِتْقِ رَقَبَةٍ وَفِي النَّفْسِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا بَدَلٌ وَالْبَدَلُ كَالثَّمَنِ وَهُوَ الدِّيَةُ فِي الْحُرِّ وَالثَّمَنُ فِي الْعَبْدِ وَالْأَبْدَالُ لاَ يُزَادُ فِيهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ لَوْ أَنَّ مِائَةَ رَجُلٍ قَتَلُوا رَجُلاً حُرًّا أَوْ عَبْدًا لَمْ يَغْرَمُوا إلَّا دِيَةً أَوْ قِيمَةً فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَالظَّبْيُ يُقْتَلُ بِالْقِيمَةِ وَالدِّيَةِ أَشْبَهُ أَمْ الْكَفَّارَةِ قِيلَ بِالْقِيمَةِ وَالدِّيَةِ فَإِنْ قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ؟ قِيلَ: تُفْدَى النَّعَامَةُ بِبَدَنَةٍ وَالْجَرَادَةُ بِتَمْرَةٍ وَهَذَا مِثْلُ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُرْتَفِعِ وَالْمُنْخَفِضِ وَالْكَفَّارَةُ شَيْءٌ لاَ يُزَادُ فِيهَا وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهَا إنْ كَانَ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً أَوْ عِتْقًا وَقَوْلُ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعْنَى الْقُرْآنِ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَقُولُ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} فَجَعَلَ فِيهِ الْمِثْلَ فَمَنْ جَعَلَ فِيهِ مِثْلَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - ثُمَّ لاَ تَمْتَنِعُونَ مِنْ رَدِّ قَوْلِ عُمَرَ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي نَفَرٍ أَصَابُوا صَيْدًا قَالَ: عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ نَفَرٍ أَصَابُوا صَيْدًا قَالَ: عَلَيْهِمْ جَزَاءٌ قِيلَ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ؟ قَالَ: إنَّهُ لَمُغَرَّرٌ بِكُمْ بَلْ عَلَيْكُمْ كُلِّكُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عَامِلِ جَيْشٍ كَانَ بَعَثَهُ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ يَطْلُبُ الْعِلْجَ حَتَّى إذَا أَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ وَامْتَنَعَ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ مُتَرَّس يَقُولُ لاَ تَخَفْ فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ وَإِنِّي وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَبْلُغُنِي أَنَّ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا ضَرَبْت عُنُقَهُ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ هَذَا بِالْأَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ وَلاَ يُقْتَلُ بِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ خَالَفْتُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ تَرْوُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَهُ عَلِمْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَيْسَ هَذَا بِالْأَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِي مِثْلِ هَذَا اجْتِمَاعٌ وَهُوَ لاَ يَرْوِي شَيْئًا يُخَالِفُهُ وَلاَ يُوَافِقُهُ فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ فِيمَا لاَ رِوَايَةَ فِيهِ؟ فَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ} وَهَذَا كَافِرٌ لَزِمَهُ إذَا جَاءَ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَ كُلَّ مَا خَالَفَهُ أَمَّا أَنْ يَتْرُكَ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً وَيَلْزَمُهُ أُخْرَى فَهَذَا لاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ.
سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ: أَيُخَمِّرُ الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَلاَ يُخَمِّرُ رَأْسَهُ وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْمُحْرِمِ يُصْطَادُ مِنْ أَجَلِهِ الصَّيْدُ قَالَ: لاَ يَأْكُلُهُ فَإِنْ أَكَلَهُ فَقَدْ أَسَاءَ وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ فَقُلْت: وَمَا الْحُجَّةُ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ ثُمَّ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا فَقَالُوا: أَلاَ تَأْكُلُ أَنْتَ؟ قَالَ: إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي فَقُلْت: إنَّا نَكْرَهُ تَخْمِيرَ الْوَجْهِ لِلْمُحْرِمِ وَيَكْرَهُهُ صَاحِبُنَا وَيَرْوِي فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ فَلاَ يُخَمِّرُهُ الْمُحْرِمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَمَرْوَانَ كَانُوا يُخَمِّرُونَ وُجُوهَهُمْ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَإِنْ كُنْت ذَهَبْت إلَى أَنَّ عُثْمَانَ وَابْنَ عُمَرَ اخْتَلَفَا فِي تَخْمِيرِ الْوَجْهِ فَكَيْفَ أَخَذْت بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ دُونَ قَوْلِ عُثْمَانَ وَمَعَ عُثْمَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَرْوَانُ وَمَا هُوَ أَقْوَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ؟ قُلْت وَمَا هُوَ؟ قَالَ: {أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَيِّتٍ مَاتَ مُحْرِمًا أَنْ يُكْشَفَ عَنْ رَأْسِهِ دُونَ وَجْهِهِ وَلاَ يَقْرَبُ طِيبًا وَيُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا} فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ تَخْمِيرَ وَجْهِهِ وَعُثْمَانُ وَزَيْدٌ رَجُلاَنِ وَابْنُ عُمَرَ وَاحِدٌ وَمَعَهُمَا مَرْوَانُ فَكَانَ يَنْبَغِي عِنْدَك أَنْ يَكُونَ هَذَا أَشْبَهَ بِالْعَمَلِ وَبِدَلاَلَةِ السُّنَّةِ وَعُثْمَانُ الْخَلِيفَةُ وَزَيْدٌ ثُمَّ مَرْوَانُ بَعْدَهُمَا وَقَدْ اخْتَلَفَ عُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ فِي الْعَبْدِ يُبَاعُ وَيَتَبَرَّأُ صَاحِبُهُ مِنْ الْعَيْبِ فَقَضَى عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ مَا كَانَ بِهِ دَاءٌ عَلِمَهُ وَقَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ التَّبَرُّؤَ يُبَرِّئُهُ مِمَّا عَلِمَ لَمْ يَعْلَمْ فَاخْتَرْت قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ وَسَمِعْت مِنْ أَصْحَابِك مَنْ يَقُولُ عُثْمَانُ الْخَلِيفَةُ عَنْ قَضَاهُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَأَنَّهُ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ وَقَوْلُهُ بِهَذَا كُلِّهِ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ فَعُثْمَانُ إذْ كَانَ مَعَهُ مَا وَصَفْت فِي تَخْمِيرِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ مِنْ دَلاَلَةِ السُّنَّةِ وَمِنْ قَوْلِ زَيْدٍ وَمَرْوَانَ أَوْلَى أَنْ يُصَارَ إلَى قَوْلِهِ مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمُفْتِينَ بِالْبُلْدَانِ فَقُلْت: لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ شَأْنِك الصَّمْتُ حِينَ تَسْمَعُ كَلاَمَ النَّاسِ حَتَّى تَعْرِفَ مِنْهُ فَإِنِّي أَرَاك تُكْثِرُ أَنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ رَوِيَّةٍ فَقُلْت: وَمَا ذَلِكَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَعْنِي بِقَوْلِك وَمَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ؟ أَتَعْنِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَامِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ فَقَالَ: أَفَتُخَمِّرُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ مَا فَوْقَ ذَقَنِهَا فَإِنَّ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تُخَمِّرَ رَأْسَهَا فَقُلْت: لاَ قَالَ: أَفَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا لَبَّدَ رَأْسَهُ حَلْقُهُ أَوْ تَقْصِيرُهُ؟ فَقُلْت: نَعَمْ قَالَ: أَفَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ وَجْهِهِ؟ فَقُلْت: لاَ فَقَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: وَفَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ حُكْمِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَقَالَ: اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْوَجْهَ مَا دُونَ الرَّأْسِ وَأَنَّ الذَّقَنَ مِنْ الْوَجْهِ وَقَالَ امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ فَكَانَ الرَّأْسُ غَيْرَ الْوَجْهِ فَقُلْت: نَعَمْ قَالَ: وَقَوْلُك لاَ كَرَاهَةَ لِتَخْمِيرِ الْوَجْهِ بِكَمَالِهِ وَلاَ إبَاحَةَ تَخْمِيرِهِ بِكَمَالِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مُعَلِّمًا أَنْ يَبْدَأَ فَيُعَرِّفَ مَا يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ وَلاَ يَنْطِقَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ وَهَذِهِ سَبِيلٌ لاَ أَرَاك تَعْرِفُهَا فَاتَّقِ اللَّهَ وَامْسِكْ عَنْ أَنْ تَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَمْ أَرَ مِنْ أَدَبِ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَك إلَّا أَنْ يَقُولَ الْقَوْلَ ثُمَّ يَصْمُتُ وَذَلِكَ أَنَّهُ " قَالَ: فِيمَا نَرَى " يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَصْنَعُ شَيْئًا بِمُنَاظَرَةِ غَيْرِهِ إلَّا بِمَا أَنْ صَمَتَ أَمْثَلُ بِهِ. قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَمِنْ أَيْنَ قُلْت أَيُّ صَيْدٍ صِيدَ مِنْ أَجْلِ مُحْرِمٍ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَغْرَمْ فِيهِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَوْجَبَ غُرْمَهُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} فَلَمَّا كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ مُحَرَّمٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا جَنَى غَيْرُهُ فِدْيَةٌ كَمَا لَوْ قَتَلَ مِنْ أَجْلِهِ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ أَجْلِهِ عَقْلٌ وَلاَ كَفَّارَةٌ وَلاَ قَوَدٌ فَإِنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى قَالَ: وَلَمَّا كَانَ الصَّيْدُ مَقْتُولاً فَأَمْسَكَ الْمُحْرِمُ عَنْ أَكْلِهِ وَمِنْ أَجْلِهِ صِيدَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ بِأَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا مَقْتُولاً لاَ فِدْيَةَ فِيهِ حِينَ قُتِلَ وَيَأْكُلُهُ بَشَرٌ لاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا أَكَلَهُ وَاحِدٌ فَدَاهُ وَإِنَّمَا نَقْطَعُ الْفِدْيَةَ فِيهِ بِالْقَتْلِ فَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ وَلاَ فِدْيَةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ فِدْيَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدَهَا قَتْلاً يُوجِبُ فِدْيَةً قُلْت: إنَّ الْأَكْلَ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْمُحْرِمِ وَإِنَّمَا أَمَرْتُهُ بِالْفِدْيَةِ لِذَلِكَ قَالَ: وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُ مَيْتَةٍ وَلاَ شُرْبُ خَمْرٍ وَلاَ مُحَرَّمٍ وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَهُوَ آثِمٌ بِالْأَكْلِ وَالْفِدْيَةُ فِي الصَّيْدِ إنَّمَا تَكُونُ بِالْقَتْلِ فَقُلْت: لِلشَّافِعِيِّ: فَهَلْ خَالَفَك فِي هَذَا غَيْرُنَا؟ فَقَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا غَيْرَكُمْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ لَحْمَ صَيْدٍ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ فَدَاهُ بَلْ عَلِمْت أَنَّ مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ مَنْ قَالَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ لِأَنَّهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ وَلَوْلاَ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ فِيهِ لَكَانَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا قَوْلَهُ وَلَكِنَّهُ خَالَفَ الْحَدِيثَ فَخَالَفْنَاهُ فَإِنْ كَانَتْ لَنَا عَلَيْهِ حُجَّةٌ بِخِلاَفِ بَعْضِ الْحَدِيثِ فَهِيَ لَنَا عَلَيْك بِخِلاَفِك بَعْضَهُ وَهُوَ يَعْرِفُ مَا يَقُولُ وَإِنْ زَلَّ عِنْدَنَا وَلَسْتُمْ وَاَللَّهُ يُعَافِينَا وَإِيَّاكُمْ تَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُونَ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَعْطَى رَجُلاً سِلاَحًا لِيُقَوِّيَهُ عَلَى قَتْلِ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَقَتَلَهُ الْمُعْطَى كَانَ عَلَى الْمُعْطِي عَقْلٌ أَوْ قَوَدٌ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِنَّهُ مُسِيءٌ آثِمٌ بِتَقْوِيَةِ الْقَاتِلِ قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ وَلاَ عِلْمَ لَهُ بِجِنَايَةٍ عَلَى قَتْلِهِ وَرَضِيَهُ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَفَلاَ تَرَى هَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ عَقْلٌ أَوْ قَوَدٌ أَوْ كَفَّارَةٌ مِمَّنْ قُتِلَ مِنْ أَجْلِهِ صَيْدٌ لاَ يَعْلَمُهُ فَأَكَلَهُ؟ فَإِذَا قُلْت إنَّمَا جُعِلَ الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ بِالْقَتْلِ فَهَذَا غَيْرُ قَاتِلٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِهِ ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً.
فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: مَا لَغْوُ الْيَمِينِ؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ فَهُوَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْأَنِسَانِ لاَ وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: وَمَا الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْت؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ اللَّغْوُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الْكَلاَمُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَجِمَاعُ اللَّغْوِ يَكُونُ الْخَطَأَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفْتُمُوهُ وَزَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُوجَدُ عَلَى خِلاَفِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا ضِدُّ اللَّغْوِ هَذَا هُوَ الْإِثْبَاتُ فِي الْيَمِينِ يَقْصِدُهَا يَحْلِفُ لاَ يَفْعَلُهُ يَمْنَعُهُ السَّبَبُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ} مَا عَقَّدْتُمْ مَا عَقَّدْتُمْ بِهِ عَقْدَ الْأَيْمَانِ عَلَيْهِ وَلَوْ احْتَمَلَ اللِّسَانُ مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ مَا مَنَعَ احْتِمَالَهُ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ عَائِشَةُ وَكَانَتْ أَوْلَى أَنْ تُتَّبَعَ مِنْكُمْ لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِاللِّسَانِ مِنْكُمْ مَعَ عِلْمِهَا بِالْفِقْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ التَّشَهُّدُ قَالَ: فَخَالَفْتُمُوهَا فِيهِ إلَى قَوْلِ عُمَرَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ أَنَّ عَائِشَةَ دَبَّرَتْ جَارِيَةً لَهَا فَسَحَرَتْهَا فَاعْتَرَفَتْ بِالسِّحْرِ فَأَمَرَتْ بِهَا عَائِشَةُ أَنْ تُبَاعَ مِنْ الْأَعْرَابِ مِمَّنْ يُسِيءُ مَلَكَتَهَا فَبِيعَتْ قَالَ: فَخَالَفْتُمُوهَا فَقُلْتُمْ لاَ يُبَاعُ مُدَبَّرٌ وَلاَ مُدَبَّرَةٌ وَنَحْنُ نَقُولُ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا.
فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَمَا تَقُولُ فِي لُبْسِ الْخَزِّ؟ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنْ يَدَعَهُ رَجُلٌ لِيَأْخُذَ بِأَقْصَدَ مِنْهُ فَأَمَّا لِأَنَّ لُبْسَ الْخَزِّ حَرَامٌ فَلاَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَسَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مُطْرَفَ خَزٍّ كَانَتْ تَلْبَسُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَوَيْنَا أَنَّ الْقَاسِمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي غَدَاةٍ بَادِرَةٍ وَعَلَيْهِ مُطْرَفُ خَزٍّ فَأَلْقَاهُ عَلَيْهَا فَلَمْ تُنْكِرْهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ لُبْسَ الْخَزِّ فَقَالَ: أَوَمَا رَوَيْتُمْ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ؟ فَقُلْت: بَلَى فَقَالَ: لِأَيِّ شَيْءٍ خَالَفْتُمُوهَا وَمَعَهَا بَشَرٌ لاَ يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا فَلَمْ يَزَلْ الْقَاسِمُ يَلْبَسُهُ حَتَّى بِيعَ فِي مِيرَاثِهِ فِيمَا بَلَغَنَا فَإِذَا شِئْتُمْ جَعَلْتُمْ قَوْلَ الْقَاسِمِ حُجَّةً وَإِذَا شِئْتُمْ تَرَكْتُمْ ذَلِكَ عَلَى عَائِشَةَ وَالْقَاسِمِ وَمَنْ شِئْتُمْ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ سَلَفَ فِي سَبَائِبَ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تِلْكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَكَرِهَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى لِأَنَّهُ أَرَادَ بَيْعَهَا مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ بِبَيْعِهِ بَأْسٌ وَقُلْتُمْ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلاَ تَأْوِيلَ حَدِيثٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَّا: {الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ} قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ وَلاَ أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَأْخُذُ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ شَيْئًا اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَقَدْ بَاعَ مَضْمُونًا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَأَصْلُ الْبَيْعِ لَمْ يَبْرَأْ إلَيْهِ مِنْهُ وَأَكَلَ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَخَالَفْتُمُوهُ فَأَجَزْتُمْ بَيْعَ مَا لَمْ يُقْبَضْ سِوَى الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اُتُّبِعَ بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ أَعْلَمُ بَيْنَ صَاحِبِهِ الَّذِي اُبْتِيعَ مِنْهُ وَغَيْرِهِ فَرْقًا لَئِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَهَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَخْرَجُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامٌّ فَلاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا فَكَيْفَ نَهَى عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنْتُمْ لاَ تَرْوُونَ خِلاَفَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ عَلِمْتُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ فَأَمَرَ ابْنَتَهَا أَنْ تَمْشِيَ عَنْهَا. فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ: لاَ يَمْشِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَحْسِبُ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَشْيَ إلَى قُبَاءَ نُسُكٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْسُكَ عَنْهَا وَكَيْفَ خَالَفْتُمُوهُ وَلاَ أَعْلَمُكُمْ رَوَيْتُمْ عَنْ أَحَدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَهُ.
بَابٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَهُوَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَبَدَنَةٌ وَحَجَّةٌ تَامَّةٌ وَرَوَاهُ عَنْ رَبِيعَةَ فَتَرَكَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِخَبَرِ رَبِيعَةَ وَرَوَاهُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عِكْرِمَةَ يَظُنُّهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ سَيِّئُ الْقَوْلِ فِي عِكْرِمَةَ لاَ يَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَ حَدِيثَهُ وَهُوَ يَرْوِي سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفَهُ وَعَطَاءٌ ثِقَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ النَّاسِ قَالَ: وَالْعَجَبُ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي عِكْرِمَةَ مَا يَقُولُ ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ يُوَافِقُ قَوْلَهُ وَيُسَمِّيهِ مَرَّةً وَيَرْوِي عَنْهُ ظَنًّا وَيَسْكُتُ عَنْهُ مَرَّةً فَيَرْوِي عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّضَاعِ وَذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَغَيْرِهِ وَسَكَتَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَإِنَّمَا حَدَّثَ بِهِ ثَوْرٌ عَنْ عِكْرِمَةَ وَهَذَا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَتَحَفَّظُوا مِنْهَا فَيَأْخُذُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا فَيَقِيسُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْكَثْرَةِ وَيَتْرُكُ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ هَذَا مَنْصُوصًا لِغَيْرِ مَعْنًى هَلْ رَأَى أَحَدًا قَطُّ تَمَّ حَجُّهُ يَعْمَلُ فِي الْحَجِّ بِشَيْءٍ مَا لاَ يَنْبَغِي لَهُ فَقَضَاهُ بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ يَعْتَمِرُ عِنْدَهُ وَهُوَ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ حَجِّهِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ نُعَمِّرُهُ بَعْدَ الْحَجِّ فَكَيْفَ يَكُونُ حَجٌّ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ كُلِّهِ وَقَضَى عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهِ فِي الْحَجِّ ثُمَّ نَقُولُ: أَحْرِمْ بِعُمْرَةٍ عَنْ حَجٍّ مَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ مُفْتِي الْأَمْصَارِ قَالَ هَذَا قَبْلَ رَبِيعَةَ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ. وَهَذَا مِنْ قَوْلِ رَبِيعَةَ عَفَا اللَّهُ عَنَّا وَعَنْهُ وَمِنْ ضَرْبِ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ قَضَى بِاثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا وَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ اعْتَكَفَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ أَقَاوِيلَ كَانَ يَقُولُهَا قَالَ: وَالْعَجَبُ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَسْتَوْحِشُونَ مِنْ التَّرْكِ عَلَى رَبِيعَةَ مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا فَكَيْفَ تَتْبَعُونَهُ فِيهِ.
سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَتُطَلِّقُ نَفْسَهَا ثَلاَثًا فَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا مَلَّكْتُهَا أَمْرَهَا فِي وَاحِدَةٍ لاَ فِي ثَلاَثٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَهِيَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا فَقُلْت لَهُ مَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: مَا شَأْنُك؟ فَقَالَ: مَلَّكْت امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَفَارَقَتْنِي فَقَالَ: لَهُ زَيْدٌ ارْتَجِعْهَا إنْ شِئْت فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ هِيَ ثَلاَثٌ إلَّا أَنْ يُنَاكِرَهَا وَرُوِيَ شَبِيهًا بِذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا أَرَاكُمْ تُبَالُونَ مَنْ خَالَفْتُمْ فَإِنْ ذَهَبْتُمْ إلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَمَرْوَانَ دُونَ قَوْلِ زَيْدٍ فَبِأَيِّ وَجْهٍ ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ فَهَلْ يَعْدُو الْمُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلاَثًا أَنْ يَكُونَ أَصْلُ التَّمْلِيكِ إخْرَاجَ جَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ طَلاَقِهَا إلَيْهَا فَإِذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَزِمَهُ وَلَمْ تَنْفَعْهُ مُنَاكَرَتُهَا أَوْ لاَ يَكُونُ إخْرَاجَ جَمِيعِهِ فَيَكُونَ مُحْتَمِلاً لِإِخْرَاجِ الْجَمِيعِ وَالْبَعْضِ فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ فَلَوْ مَلَّكَهَا وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلاَثًا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً وَأَسْمَعُكُمْ إذَا اخْتَرْتُمْ - وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ - لاَ تَعْرِفُونَ كَيْفَ مَوْضِعُ الِاخْتِيَارِ وَمَا مَوْضِعُ الْمُنَاكَرَةِ فِيهِ إلَّا مَا وَصَفْت. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَضَى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا أُطْفِئَتْ أَوْ قَالَ: بُخِقَتْ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِهَذَا الْعَمَلُ إنَّمَا فِيهَا الِاجْتِهَادُ لاَ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَبِرَ حَتَّى لاَ يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ فَكَانَ يَفْتَدِي وَخَالَفَهُ مَالِكٌ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي قَمِيصٍ فَقُلْت: إنَّا نَكْرَهُ هَذَا فَقَالَ: كَيْفَ كَرِهْتُمْ مَا اسْتَحَبَّ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا كَانَتْ تَبِيعُ ثِمَارَهَا وَتَسْتَثْنِي مِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةُ قَوْمٍ فَقَالَ لِأَهْلِهَا: شَأْنَكُمْ بِهَا فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الثَّمَرِ لاَ يُجَاوِزُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَيْضًا يُرْوَى عَنْ الْقَاسِمِ وَعَمْرَةَ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُمَا حَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ سَهْمًا مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ لَيَجُوزُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ وَأَكْثَرُ وَلاَ أَدْرِي مَنْ اجْتَمَعَ لَكُمْ عَلَى هَذَا وَاَلَّذِي يُرْوَى خِلاَفُ مَا يَقُولُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ وَاقِعًا عَلَى شَيْءٍ وَالْمُسْتَثْنَى خَارِجٌ مِنْ الْبَيْعِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك ثَمَرَ حَائِطِي إلَّا كَذَا وَكَذَا نَخْلَةً فَيَكُونُ النِّصْفُ خَارِجًا مِنْ الْبَيْعِ أَوْ أَبِيعُك ثَمَرَهُ إلَّا نِصْفَهُ أَوْ إلَّا ثُلُثَهُ فَيَكُونُ مَا اسْتَثْنَى خَارِجًا مِنْ الْبِيَعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى الْقَاسِمَ فَقَالَ: إنِّي أَفَضْت وَأَفَضْت مَعِي بِأَهْلِي فَعَدَلْت إلَى شِعْبٍ فَذَهَبْت لِأَدْنُوَ مِنْهَا فَقَالَتْ امْرَأَتِي: لَمْ أُقَصِّرْ مِنْ شَعْرِ رَأْسِي بَعْدُ فَأَخَذْت مِنْ شَعْرِ رَأْسِهَا بِأَسْنَانِي ثُمَّ وَقَعْت بِهَا قَالَ: فَضَحِكَ الْقَاسِمُ ثُمَّ قَالَ: فَمُرْهَا فَلْتَأْخُذْ مِنْ رَأْسِهَا بِالْجَلَمَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الْقَاسِمُ: إذَا قَصَّرَ مِنْ رَأْسِهَا بِأَسْنَانِهِ أَجْزَأَ عَنْهَا مِنْ الْجَلَمَيْنِ قَالَ مَالِكٌ: يُهْرِيقُ دَمًا وَخَالَفَ الْقَاسِمَ لِقَوْلِ نَفْسِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ مِنْ أَيْنَ الْقَاسِمُ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ؟ قَالَ: مِنْ حَيْثُ تَيَسَّرَ قَالَ مَالِكٌ: لاَ أُحِبُّ أَنْ يَرْمِيَهَا إلَّا مِنْ بَطْنِ الْمَسِيلِ وَلَمْ يَرْوِ فِيهَا خِلاَفًا عَنْ أَحَدٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ وَكَانَ زُرَيْقٌ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ اُنْظُرْ مَنْ مَرَّ بِك مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ لِلتِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ نَقَصَ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُلُثُ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلاَ تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَمَنْ مَرَّ بِك مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلاَ تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَابًا إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِقَوْلِ عُمَرُ نَأْخُذُ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إلَّا مَرَّةً فِي الْحَوْلِ وَخَالَفْتُمُوهُ إنْ اخْتَلَفُوا فِي السَّنَةِ مِرَارًا وَخَالَفْتُمْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا إنْ نَقَصَ ثُلُثُ دِينَارٍ فَأَخْبَرْت عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ جَازَتْ جَوَازَ الْوَازِنَةِ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ وَلَوْ نَقَصْت أَكْثَرَ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ جَوَازَ الْوَازِنَةِ وَهِيَ تَنْقُصُ ثُلُثَ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا زَكَاةٌ وَزَعَمْتُمْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ إنْ نَقَصَتْ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَهِيَ تَجُوزُ جَوَازَ الْوَازِنَةِ أُخِذَتْ مِنْهَا الزَّكَاةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَسْنَا نَقُولُ بِهَذَا إذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ} فَهُوَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ نَقَصَتْ حَبَّةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا صَدَقَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ وَأَنْتُمْ لَمْ تَقُولُوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رُوِيَ لَيْسَ فِيمَا دُونِ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَهُوَ سُنَّةٌ وَلاَ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الزَّيْتُونِ فَقَالَ: فِيهِ الْعُشْرُ وَخَالَفَهُ مَالِكٌ فَقَالَ: لاَ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ إلَّا مِنْ زَيْتِهِ وَجَوَابُ ابْنِ شِهَابٍ عَلَى حَبِّهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ قَالَ: مَالِكٌ: لاَ صَدَقَةَ إلَّا فِي عَيْنٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعَرْضِ الَّذِي يُدَارُ صَدَقَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدًا يَعْنِي ابْنَ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلاَ هَلْ فِي الشُّفْعَةِ سُنَّةٌ؟ فَقَالاَ جَمِيعًا نَعَمْ: الشُّفْعَةُ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَلاَ تَكُونُ الشُّفْعَةُ إلَّا بَيْنَ الْقَوْمِ الشُّرَكَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَتَأْخُذُونَ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي هَذَا يَعْنِي أَنْ تَكُونَ الشُّفْعَةُ إلَّا فِيمَا كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: لاَ شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلاَ فَحْلِ نَخْلٍ وَقَالَ مَالِكٌ: لاَ شُفْعَةَ فِي طَرِيقٍ وَلاَ عَرْصَةِ دَارٍ, وَإِنْ صَلُحَ فِيهَا الْقَسْمُ وَقَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ دَارٍ أَوْ حَيَوَانٍ, أَوْ عَرْضٍ: الشُّفْعَةُ فِي الشِّقْصِ بِقَدْرِ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ, ثُمَّ خَالَفْتُمْ مَعْنَى هَذَا فِي الْمُكَاتَبِ, فَجَعَلْتُمْ نُجُومَهُ تُبَاعُ وَجَعَلْتُمُوهُ أَحَقَّ بِمَا يُبَاعُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ يَعْنِي ابْنَ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولاَنِ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ مَرْوَانَ كَانَ يَقْضِي فِي الرَّجُلِ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ رَأْيُ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ عَلَى مَنْ الْكِرَاءُ؟ فَقَالَ: سَعِيدٌ عَلَى زَوْجِهَا قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ زَوْجِهَا؟ قَالَ: فَعَلَى الْأَمِيرِ.
سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ السُّجُودِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فَقَالَ: فِيهَا سَجْدَتَانِ فَقُلْت: وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَجَدَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ إنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صَغِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِهِمْ بِالْجَابِيَةِ بِسُورَةِ الْحَجِّ فَسَجَدَ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ, فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا لاَ نَسْجُدُ فِيهَا إلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَدْ خَالَفْتُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَعًا إلَى غَيْرِ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ تَتَّخِذُونَ قَوْلَ عُمَرَ وَحْدَهُ حُجَّةً وَابْنِ عُمَرَ وَحْدَهُ حُجَّةً حَتَّى تَرُدُّوا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّنَّةَ وَتَبْنُونَ عَلَيْهِمَا عَدَدًا مِنْ الْفِقْهِ ثُمَّ تَخْرُجُونَ مِنْ قَوْلِهِمَا لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ هَلْ تَعْلَمُونَ يُسْتَدْرَكُ عَلَى أَحَدٍ قَوْلٌ الْعَوْرَةُ فِيهِ أَبْيَنُ مِنْهَا فِيمَا وَصَفْت مِنْ أَقَاوِيلِكُمْ, وَسَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَمَّا رَوَى صَاحِبُنَا وَحْدَهُ فِي الْمُحَصَّبِ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ اللَّيْلِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ, قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: نَحْنُ نَقُولُ لاَ يَنْبَغِي لِعَالِمٍ أَنْ يَفْعَلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا عَلَى الْعَالِمِ مِنْ النُّسُكِ مَا لَيْسَ عَلَى غَيْرِهِ قُلْت: هُوَ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ تَرَكَاهُ؟ قُلْت: لاَ فِدْيَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا, قَالَ: وَلَكِنَّكُمْ مِنْ أَصْلِ مَذْهَبِكُمْ أَنَّ مَنْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَهْرَاقَ دَمًا فَإِنْ كَانَ نُسُكًا فَقَدْ تَرَكْتُمْ أَصْلَ قَوْلِكُمْ وَإِنْ كَانَ مَنْزِلَ سَفَرٍ لاَ مَنْزِلَ نُسُكٍ فَلاَ تَأْمُرُ عَالِمًا وَلاَ جَاهِلاً أَنْ يَنْزِلَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ نَضَحَ فِي عَيْنَيْهِ الْمَاءَ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا مَا تَرَكْتُمْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ تَرْوُوا عَنْ أَحَدٍ خِلاَفَهُ فَإِذَا وَسِعَكُمْ التَّرْكُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ لِغَيْرِ قَوْلِ مِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ لَكُمْ أَنْ تَقُولُوا قَوْلُهُ حُجَّةٌ عَلَى مِثْلِهِ وَأَنْتُمْ تَدَّعُونَ عَلَيْهِ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَحْتَجُّوا بِهِ عَلَى مِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ لِأَنْفُسِكُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا رَعَفَ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَالِكٌ رَوَى عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَصَابَهُ رُعَافٌ أَوْ مَنْ وَجَدَ رُعَافًا أَوْ مَذْيًا أَوْ قَيْئًا انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ يَسْتَأْنِفُ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَغْسِلُ الدَّمَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَرْوِي عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْصَرِفُ فَيَغْسِلُ الدَّمَ وَيَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَالْوُضُوءُ فِي الظَّاهِرِ فِي رِوَايَتِكُمْ إنَّمَا هُوَ وُضُوءُ الصَّلاَةِ وَهَذَا يُشْبِهُ التَّرْكَ, لِمَا رَوَيْتُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي رِوَايَةِ غَيْرِكُمْ أَنَّهُ يَبْنِي فِي الْمَذْيِ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ لاَ تَبْنُونَ فِي الْمَذْيِ.
|