الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَمَّاهُنَّ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ; لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ يَجْمَعُ هَذَا إنْ لَمْ يَقْطَعْ الْعِصْمَةَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَبَيْنَهُمْ فِي الزِّنَا وَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ اسْمُهُ: {الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْسُوخَةٌ. (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ نَسَخَتْهَا: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} فَهُنَّ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} يُشْبِهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ إذَا لَمْ تُقْطَعْ الْعِصْمَةُ بِالزِّنَا فَالْمُوَارَثَةُ بِأَحْكَامِ الْإِسْلاَمِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهَا وَإِنْ زَنَتْ وَيَدُلُّ إذَا لَمْ تُقْطَعْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِالزِّنَا لاَ بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً, وَإِنْ زَنَتْ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ يُحَرِّمُ نِكَاحَهَا قُطِعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ تَزْنِي عِنْدَ زَوْجِهَا وَبَيْنَهُ وَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ النِّسَاءِ بِأَنْ يُحْبَسْنَ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ, أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} فِي كِتَابِ اللَّهِ, ثُمَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيْنَ مَا وَصَفْت مِنْ ذَلِكَ؟ قِيلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت إذَا أَمَرَ اللَّهُ فِي اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ أَنْ يُحْبَسْنَ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ, أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً أَلَيْسَ بَيِّنًا أَنَّ هَذَا أَوَّلُ مَا أُمِرَ بِهِ فِي الزَّانِيَةِ؟ فَإِنْ قَالَ هَذَا, وَإِنْ كَانَ هَكَذَا عِنْدِي فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدِي حَدُّ الزِّنَا فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ هَذَا, ثُمَّ خُفِّفَ وَجُعِلَ هَذَا مَكَانَهُ إلَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ غَيْرُ هَذَا قِيلَ لَهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} قَالَ كَانُوا يُمْسِكُوهُنَّ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْحُدُودِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَلاَ أَدْرِي أَسَقَطَ مِنْ كِتَابِي حِطَّانُ الرَّقَاشِيُّ أَمْ لاَ؟ فَإِنَّ الْحَسَنَ حَدَّثَهُ عَنْ حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ, وَقَدْ حَدَّثَنِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَهَذَا حَدِيثٌ يَقْطَعُ الشَّكَّ وَيُبَيِّنُ أَنَّ حَدَّ الزَّانِيَيْنِ كَانَ الْحَبْسَ, أَوْ الْحَبْسَ, وَالْأَذَى فَكَانَ الْأَذَى بَعْدَ الْحَبْسِ, أَوْ قَبْلَهُ وَأَنَّ أَوَّلَ مَا حَدَّ اللَّهُ بِهِ الزَّانِيَيْنِ مِنْ الْعُقُوبَةِ فِي أَبْدَانِهِمَا بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ}, وَالْجَلْدُ عَلَى الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ مَنْسُوخٌ: {بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ وَلَمْ يَجْلِدْهُ وَرَجَمَ الْمَرْأَةَ الَّتِي بَعَثَ إلَيْهَا أُنَيْسًا وَلَمْ يَجْلِدْهَا, وَكَانَا ثَيِّبَيْنِ} فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ؟ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت إذَا كَانَ أَوَّلُ مَا حَدَّ اللَّهُ بِهِ الزَّانِيَيْنِ الْحَبْسَ, أَوْ الْحَبْسَ, وَالْأَذَى, ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالتَّغْرِيبُ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ} أَلَيْسَ فِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَا حَدَّهُمَا اللَّهُ بِهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ فِي أَبْدَانِهِمَا الْحَبْسُ, وَالْأَذَى؟ فَإِنْ قَالَ بَلَى قِيلَ فَإِذَا كَانَ هَذَا أَوَّلاً فَلاَ نَجِدُ ثَانِيًا أَبَدًا إلَّا بَعْدَ الْأَوَّلِ فَإِذَا حَدٌّ ثَانٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَخُفِّفَ مِنْ حَدِّ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى مَا خُفِّفَ الْأَوَّلُ مَنْسُوخٌ عَنْ الزَّانِي.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ بِالشَّهَادَةِ وَسَمَّى فِيهَا عَدَدَ الشَّهَادَةِ فَانْتَهَى إلَى شَاهِدَيْنِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَمَالَ الشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ شَاهِدَانِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَمَالَهَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا شَهَادَةٌ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ; لِأَنَّ مَا كَانَ دُونَ الْكَمَالِ مِمَّا يُؤْخَذُ بِهِ الْحَقُّ لِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ فَهُوَ غَيْرُ مَا أَمَرَ بِالْأَخْذِ بِهِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَنَا بِالْأَخْذِ بِهِ, وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ نَفْيِ أَنْ يَجُوزَ فِيهِ إلَّا ذَلِكَ رِجَالٌ لاَ نِسَاءَ مَعَهُمْ لِأَنَّ شَاهِدَيْنِ لاَ يَحْتَمِلُ بِحَالٍ أَنْ يَكُونَا إلَّا رَجُلَيْنِ فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِشْهَادِ فِي الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ مَا احْتَمَلَ أَمْرُهُ بِالْإِشْهَادِ فِي الْبُيُوعِ وَدَلَّ مَا وَصَفْت مِنْ أَنِّي لَمْ أَلْقَ مُخَالِفًا حَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حَرَامًا أَنْ يُطَلِّقَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ دَلاَلَةُ اخْتِيَارٍ لاَ فَرْضٍ يَعْصِي بِهِ مَنْ تَرَكَهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ إنْ فَاتَ فِي مَوْضِعِهِ وَاحْتَمَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الرَّجْعَةِ مِنْ هَذَا مَا احْتَمَلَ الطَّلاَقُ وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ; لِأَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى الرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا كَمَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى الطَّلاَقِ يَثْبُتُ, وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّجُلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالِاخْتِيَارُ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَ فِيهِ بِالشَّهَادَةِ وَاَلَّذِي لَيْسَ فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ الْإِشْهَادُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} الآيَةَ. وَاَلَّتِي بَعْدَهَا وَقَالَ فِي سِيَاقِهَا: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} الآيَةَ. فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شُهُودَ الزِّنَا وَذَكَرَ شُهُودَ الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ. وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُمْ امْرَأَةً فَوَجَدْنَا شُهُودَ الزِّنَا يَشْهَدُونَ عَلَى حَدٍّ لاَ مَالٍ وَشُهُودَ الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى تَحْرِيمٍ بَعْدَ تَحْلِيلٍ وَتَثْبِيتِ تَحْلِيلٍ لاَ مَالَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا, وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ وَلاَ مَالَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَنَّهُ وَصَّى, ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ فِي أَنْ لاَ يَجُوزَ فِي الزِّنَا إلَّا الرِّجَالُ وَعَلِمْت أَكْثَرَهُمْ قَالَ وَلاَ فِي الطَّلاَقِ وَلاَ الرَّجْعَةِ إذَا تَنَاكَرَ الزَّوْجَانِ وَقَالُوا ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ, وَكَانَ مَا حَكَيْت مِنْ أَكْثَرِهِمْ قَالَ وَلاَ فِي الطَّلاَقِ وَلاَ الرَّجْعَةِ إذَا تَنَاكَرَ الزَّوْجَانِ وَقَالُوا ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ, وَكَانَ مَا حَكَيْت مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ دَلاَلَةً عَلَى مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَكَانَ أَوْلَى الْأُمُورِ أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ وَيُقَاسَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ اللَّهُ شُهُودَ الدَّيْنِ فَذَكَرَ فِيهِمْ النِّسَاءَ, وَكَانَ الدَّيْنُ أَخْذَ مَالٍ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ, وَالْأَمْرُ عَلَى مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الشَّهَادَاتِ أَنْ يُنْظَرَ كُلُّ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ فَكَانَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ نَفْسِهَا مَالٌ, وَكَانَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِهَا حَقٌّ غَيْرُ مَالٍ, أَوْ شَهِدَ بِهِ لِرَجُلٍ, وَكَانَ لاَ يَسْتَحِقُّ بِهِ مَالاً لِنَفْسِهِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ غَيْرَ مَالٍ مِثْلَ الْوَصِيَّةِ, وَالْوَكَالَةِ, وَالْقِصَاصِ, وَالْحَدِّ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ لاَ يَجُوزُ فِيهِ امْرَأَةٌ وَيُنْظَرُ كُلُّ مَا شَهِدَ بِهِ مِمَّا أَخَذَ بِهِ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَالاً فَتَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ, لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَجَازَهُنَّ اللَّهُ فِيهِ, فَيَجُوزُ قِيَاسًا لاَ يَخْتَلِفُ هَذَا الْقَوْلُ فَلاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ, وَمَنْ خَالَفَ هَذَا الْأَصْلَ تَرَكَ عِنْدِي مَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ مِنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ, وَلاَ أَعْلَمُ لِأَحَدٍ خَالَفَهُ حُجَّةً فِيهِ بِقِيَاسٍ وَلاَ خَبَرٍ لاَزِمٍ, وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ لاَ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ حَيْثُ نُجِيزُهُنَّ إلَّا مَعَ رَجُلٍ وَلاَ يَجُوزُ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَتَانِ فَصَاعِدًا; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُسَمِّ مِنْهُنَّ أَقَلَّ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِنَّ اللَّهُ إلَّا مَعَ رَجُلٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى, وَقَدْ حَكَيْت مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ مِنْ الشَّهَادَاتِ, وَكَانَ الْكِتَابُ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا يُحْكَمُ بِهَا عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ عَلَى مَنْ كَانَتْ لَهُ تِلْكَ الشَّهَادَاتُ, وَكَانَتْ عَلَى ذَلِكَ دَلاَلَةُ السُّنَّةِ, ثُمَّ الْآثَارِ وَمَا لاَ أَعْلَمُ بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيته فَحَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا قَالَ وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةً وَذَكَرَ فِي الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ, وَالْوَصِيَّةِ اثْنَيْنِ, ثُمَّ كَانَ الْقَتْلُ, وَالْجِرَاحُ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا عَدَدَ الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقْطَعُ بِهِمْ فَاحْتَمَلَ أَنْ تُقَاسَ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا وَأَنْ تُقَاسَ عَلَى شُهُودِ الطَّلاَقِ وَمَا سَمَّيْنَا مَعَهُ فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا, ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا وَاحِدًا فِي أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا سِوَى الزِّنَا شَاهِدَانِ فَكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ لاَ أَعْرِفُ لَهُ مُتَقَدِّمًا إذَا احْتَمَلَ الْقِيَاسُ خِلاَفَ قَوْلِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ الْقِيَاسُ قَوْلَهُ, وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَى الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَذْفِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي الْقَذَفَةِ: {لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الآيَةَ. وَقَالَ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} قِيلَ لَهُ: هَذَا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ; لِأَنَّ اللَّهَ حَكَمَ فِي الزِّنَا بِأَرْبَعَةٍ فَإِذَا قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلاً بِالزِّنَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ زَانٍ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ تَقْطَعُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَمَا لَمْ يُتِمُّوا أَرْبَعَةً فَهُوَ قَاذِفٌ يُحَدُّ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالْأَرْبَعَةِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ الزِّنَا فَيَخْرُجَ مِنْ ذَلِكَ الْقَاذِفُ وَيُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْمَقْذُوفُ وَحُكْمُهُمْ مَعًا حُكْمُ شُهُودِ الزِّنَا لِأَنَّهُنَّ شَهَادَاتٌ عَلَى الزِّنَا لاَ عَلَى الْقَذْفِ فَإِذَا قَامَ عَلَى رَجُلٍ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَذَفَ رَجُلاً حُدَّ; لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَدَدَ شُهُودِ الْقَذْفِ فَكَانَ قِيَاسًا عَلَى الطَّلاَقِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وَصَفْت وَلاَ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يُحَدَّ لَهُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُثْبِتُونَ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ فَيُحَدُّ وَيَكُونُ هَذَا صَادِقًا فِي الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَكْثَرُ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الشُّهُودِ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ وَفِي الدَّيْنِ رَجُلاَنِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَكَانَ تَفْرِيقُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الشَّهَادَاتِ عَلَى مَا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنَّهَا مُفْتَرِقَةٌ وَاحْتَمَلَ إذَا كَانَ أَقَلُّ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ الشَّهَادَاتِ شَاهِدَيْنِ, أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَا تَتِمُّ بِهِ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى لاَ يَكُونُ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ يَمِينٌ إذَا أَتَى بِكَمَالِ الشَّهَادَةِ فَيُعْطَى بِالشَّهَادَةِ دُونَ يَمِينِهِ لاَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّمَ أَنْ لاَ يُعْطَى أَحَدٌ بِأَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ, أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ; لِأَنَّهُ لَمْ يُحَرَّمْ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ نَصًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَبِهَذَا نَقُولُ; لِأَنَّ عَلَيْهِ دَلاَلَةَ السُّنَّةِ, ثُمَّ الْآثَارِ وَبَعْضِ الْإِجْمَاعِ, وَالْقِيَاسِ فَقُلْنَا يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَسَأَلَنَا سَائِلٌ مَا رَوَيْت مِنْهَا؟ فَقُلْنَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ} قَالَ عَمْرٌو فِي الْأَمْوَالِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ} (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ يَسْأَلُ أَبِي أَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ؟ قَالَ نَعَمْ وَقَضَى بِهَا عَلِيٌّ رضي الله عنه بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ مُسْلِمٌ وَقَالَ جَعْفَرٌ فِي حَدِيثِهِ فِي الدَّيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَحَكَمْنَا بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ مَا سِوَاهَا وَمَا حَكَمْنَا فِيهِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَجَزْنَا فِيهِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَمَا لَمْ نَحْكُمْ فِيهِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لَمْ نُجِزْ فِيهِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ اسْتِدْلاَلاً بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي وَصَفْت فِي شَهَادَتِهِنَّ قَبْلَ هَذَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى, وَقَدْ حَكَيْت مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ مِنْ الشَّهَادَاتِ, وَكَانَ الْكِتَابُ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا يُحْكَمُ بِهَا عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ عَلَى مَنْ كَانَتْ لَهُ تِلْكَ الشَّهَادَاتُ, وَكَانَتْ عَلَى ذَلِكَ دَلاَلَةُ السُّنَّةِ, ثُمَّ الْآثَارِ وَمَا لاَ أَعْلَمُ بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيته فَحَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا قَالَ وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةً وَذَكَرَ فِي الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ, وَالْوَصِيَّةِ اثْنَيْنِ, ثُمَّ كَانَ الْقَتْلُ, وَالْجِرَاحُ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا عَدَدَ الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقْطَعُ بِهِمْ فَاحْتَمَلَ أَنْ تُقَاسَ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا وَأَنْ تُقَاسَ عَلَى شُهُودِ الطَّلاَقِ وَمَا سَمَّيْنَا مَعَهُ فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا, ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا وَاحِدًا فِي أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا سِوَى الزِّنَا شَاهِدَانِ فَكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ لاَ أَعْرِفُ لَهُ مُتَقَدِّمًا إذَا احْتَمَلَ الْقِيَاسُ خِلاَفَ قَوْلِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ الْقِيَاسُ قَوْلَهُ, وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَى الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَذْفِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي الْقَذَفَةِ: {لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الآيَةَ. وَقَالَ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} قِيلَ لَهُ: هَذَا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ; لِأَنَّ اللَّهَ حَكَمَ فِي الزِّنَا بِأَرْبَعَةٍ فَإِذَا قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلاً بِالزِّنَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ زَانٍ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ تَقْطَعُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَمَا لَمْ يُتِمُّوا أَرْبَعَةً فَهُوَ قَاذِفٌ يُحَدُّ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالْأَرْبَعَةِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ الزِّنَا فَيَخْرُجَ مِنْ ذَلِكَ الْقَاذِفُ وَيُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْمَقْذُوفُ وَحُكْمُهُمْ مَعًا حُكْمُ شُهُودِ الزِّنَا لِأَنَّهُنَّ شَهَادَاتٌ عَلَى الزِّنَا لاَ عَلَى الْقَذْفِ فَإِذَا قَامَ عَلَى رَجُلٍ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَذَفَ رَجُلاً حُدَّ; لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَدَدَ شُهُودِ الْقَذْفِ فَكَانَ قِيَاسًا عَلَى الطَّلاَقِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وَصَفْت وَلاَ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يُحَدَّ لَهُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُثْبِتُونَ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ فَيُحَدُّ وَيَكُونُ هَذَا صَادِقًا فِي الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَكْثَرُ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الشُّهُودِ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ وَفِي الدَّيْنِ رَجُلاَنِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَكَانَ تَفْرِيقُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الشَّهَادَاتِ عَلَى مَا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنَّهَا مُفْتَرِقَةٌ وَاحْتَمَلَ إذَا كَانَ أَقَلُّ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ الشَّهَادَاتِ شَاهِدَيْنِ, أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَا تَتِمُّ بِهِ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى لاَ يَكُونُ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ يَمِينٌ إذَا أَتَى بِكَمَالِ الشَّهَادَةِ فَيُعْطَى بِالشَّهَادَةِ دُونَ يَمِينِهِ لاَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّمَ أَنْ لاَ يُعْطَى أَحَدٌ بِأَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ, أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ; لِأَنَّهُ لَمْ يُحَرَّمْ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ نَصًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَبِهَذَا نَقُولُ; لِأَنَّ عَلَيْهِ دَلاَلَةَ السُّنَّةِ, ثُمَّ الْآثَارِ وَبَعْضِ الْإِجْمَاعِ, وَالْقِيَاسِ فَقُلْنَا يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَسَأَلَنَا سَائِلٌ مَا رَوَيْت مِنْهَا؟ فَقُلْنَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ} قَالَ عَمْرٌو فِي الْأَمْوَالِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ} (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ يَسْأَلُ أَبِي أَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ؟ قَالَ نَعَمْ وَقَضَى بِهَا عَلِيٌّ رضي الله عنه بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ مُسْلِمٌ وَقَالَ جَعْفَرٌ فِي حَدِيثِهِ فِي الدَّيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَحَكَمْنَا بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ مَا سِوَاهَا وَمَا حَكَمْنَا فِيهِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَجَزْنَا فِيهِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَمَا لَمْ نَحْكُمْ فِيهِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لَمْ نُجِزْ فِيهِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ اسْتِدْلاَلاً بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي وَصَفْت فِي شَهَادَتِهِنَّ قَبْلَ هَذَا.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ خِلاَفًا أَسْرَفَ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ أَرُدُّ حُكْمَ مَنْ حَكَمَ بِهَا لِأَنَّهَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ فَقُلْت لِأَعْلَى مَنْ لَقِيت مِمَّنْ خَالَفَنَا فِيهَا عِلْمًا: أَمَرَ اللَّهُ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْت فَفِيهِ أَنَّ حَتْمًا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ, أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَقَالَ فَإِنْ قُلْته؟ قُلْت لَهُ فَقُلْهُ فَقَالَ فَقَدْ قُلْته فَقُلْت وَتَجِدُ مَنْ الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمَا فَقَالَ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ بَالِغَانِ عَدْلاَنِ قُلْت وَمَنْ حَكَمَ بِدُونِ مَا قُلْت خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت لَهُ إنْ كَانَ كَمَا زَعَمْت فَقَدْ خَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت إذْ أَجَزْت شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُمْ غَيْرُ الَّذِينَ شَرَطَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ وَأَجَزْت شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا عَلَى الْوِلاَدَةِ وَهَذَانِ وَجْهَانِ أَعْطَيْت بِهِمَا مِنْ جِهَةِ الشَّهَادَةِ, ثُمَّ أَعْطَيْت بِغَيْرِ شَهَادَةٍ فِي الْقَسَامَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فَتَقُولُ مَاذَا؟ قُلْت أَقُولُ إنَّ الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لَيْسَ بِخِلاَفِ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, بَلْ بِحُكْمِ اللَّهِ حَكَمْت بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَفَرَضَ اللَّهُ طَاعَةَ رَسُولِهِ فَاتَّبَعْت رَسُولَهُ فَعَنْ اللَّهِ قَبِلْت كَمَا قَبِلْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنْ أَنَّ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ فَرْضٌ وَلِهَذَا كِتَابٌ طَوِيلٌ هَذَا مُخْتَصَرٌ مِنْهُ قَدْ قَالُوا فِيهِ وَقُلْنَا وَأَكْثَرْنَا. قَالَ: أَفَتُوجِدُنِي لَهَا نَظِيرًا فِي الْقُرْآنِ؟ قُلْت: نَعَمْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ, أَوْ مَسْحِهِمَا فَمَسَحْنَا وَمَسَحْت عَلَى الْخُفَّيْنِ بِالسُّنَّةِ. وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا} فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ بِالسُّنَّةِ. وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا بِالسُّنَّةِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَقَالَ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُقْطَعُ بَعْضُ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ وَيُجْلَدُ مِائَةً بَعْضُ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ بِهِ, وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنَ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ خَاصًّا وَعَامًّا فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ تَلْزَمُك مِنْ حَيْثُ لَزِمَك هَذَا فَإِنْ كُنْت مُصِيبًا بِاتِّبَاعِ مَا وَصَفْنَا مِنْ السُّنَّةِ مَعَ الْقُرْآنِ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُخْطِئًا بِتَرْكِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَإِنْ كُنْت مُصِيبًا بِتَرْكِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْك تَرْكُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَتَرْكُ تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَقَطْعُ كُلِّ سَارِقٍ فَقَدْ خَالَفَك فِي هَذَا كُلِّهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَوَافَقَنَا فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ عَوَامُّ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَمِنْهُمْ مَنْ خَالَفَ أَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ أَثْبَتُ مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ, وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ ثَابِتَةً لِعِلَّةٍ أَضْعَفَ مِنْ كُلِّ عِلَّةٍ اعْتَلَّ بِهَا مَنْ رَدَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنْ كَانَتْ لَنَا وَلَهُ بِهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِيمَا خَالَفَ مِنْ الْأَحَادِيثِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَحْدَهَا كَمَا يَجُوزُ فِي الْخَبَرِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَلَيْسَ مِنْ قِبَلِ الشَّهَادَاتِ أَجَزْتهَا, وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الشَّهَادَاتِ أَجَزْتهَا لَمْ أُجِزْ إلَّا مَا ذَكَرْت مِنْ أَرْبَعٍ, أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ وَأَيْنَ الْخَبَرُ مِنْ الشَّهَادَةِ؟ قَالَ وَأَيْنَ يَفْتَرِقَانِ؟ قُلْت تَقْبَلُ فِي الْخَبَرِ كَمَا قُلْت امْرَأَةً وَاحِدَةً وَرَجُلاً وَاحِدًا وَتَقُولُ فِيهِ أَخْبَرَنَا فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنٍ أَفَتَقْبَلُ هَذَا فِي الشَّهَادَاتِ؟ فَقَالَ لاَ قُلْت: وَالْخَبَرُ هُوَ مَا اسْتَوَى فِيهِ الْمُخْبِرُ, وَالْمُخْبَرِ, وَالْعَامَّةُ مِنْ حَلاَلٍ وَحَرَامٍ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَالشَّهَادَةُ مَا كَانَ الشَّاهِدُ مِنْهَا خَلِيًّا, وَالْعَامَّةُ وَإِنَّمَا تُلْزِمُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَرَى هَذَا يُشْبِهُ هَذَا؟ قَالَ أَمَّا فِي هَذَا فَلاَ قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ إذَا قَبِلْت فِي الْخَبَرِ فُلاَنًا عَنْ فُلاَنٍ, فَاقْبَلْ فِي أَنْ تُخْبِرَك امْرَأَةٌ عَنْ امْرَأَةٍ أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَلَدَتْ هَذَا الْوَلَدَ؟ قَالَ وَلاَ أَقْبَلُ هَذَا حَتَّى أَقِفَ الَّتِي شَهِدَتْ, أَوْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِأَمْرٍ قَاطِعٍ قُلْت وَأَنْزَلْته مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ؟ قَالَ أَمَّا فِي هَذَا فَلاَ قُلْت فَفِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْزَلْته مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ؟ هَلْ عَدَوْت بِهَذَا أَنْ قُلْت هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ وَلَمْ تَقِسْهُ فِي شَيْءٍ غَيْرِ الْأَصْلِ الَّذِي قُلْت؟ فَأَسْمَعُك إذًا تَضَعُ الْأُصُولَ لِنَفْسِك قَالَ فَمِنْ أَصْحَابِك مَنْ قَالَ لاَ يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ قُلْت لَهُ هَلْ رَأَيْتنِي أَذْكُرُ لَك قَوْلاً لاَ تَقُولُ بِهِ؟. قَالَ لاَ قُلْت فَكَيْفَ ذَكَرْت لِي مَا لاَ أَقُولُ بِهِ؟ قَالَ فَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ خَبَرٌ لاَ شَهَادَةٌ وَلاَ إلَى مَا ذَهَبْت إلَيْهِ مِنْ أَنْ تَقُولَ بِهِ عَلَى مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وَمَا أَعْرِفُ لَهُ مُتَقَدِّمًا يَلْزَمُ قَوْلُهُ فَقُلْت لَهُ أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْ قَوْلِك الَّذِي يَلْزَمُك فِيهِ عِنْدِي أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْهُ أَوْلَى بِك مِنْ ذِكْرِ قَوْلِ غَيْرِك فَهَذَا أَمْرٌ لَمْ نُكَلَّفْهُ نَحْنُ وَلاَ أَنْتَ, وَلَوْلاَ عَرْضُك بِتَرْفِيعِ قَوْلِك وَتَخْطِئَةِ مَنْ خَالَفَك كُنَّا شَبِيهًا أَنْ نَدَعَ حِكَايَةَ قَوْلِك قَالَ فَإِنْ شَهِدَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ رَجُلاَنِ, أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قُلْت أُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَتَكُونُ أَوْثَقَ عِنْدِي مِنْ شَهَادَةِ النِّسَاءِ لاَ رَجُلَ مَعَهُنَّ قَالَ وَكَيْفَ لَمْ تَعُدَّهُمْ بِالشَّهَادَةِ فُسَّاقًا وَلاَ تُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ؟ قُلْت الشَّهَادَةُ غَيْرُ الْفِسْقِ قَالَ فَادْلُلْنِي عَلَى مَا وَصَفْت قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}: {قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ حِينَ قَالَ لَهُ أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قَالَ نَعَمْ} وَالشُّهُودُ عَلَى الزِّنَا نَظَرُوا مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مُحَرَّمٍ وَمِنْ الرَّجُلِ إلَى مُحَرَّمٍ فَلَوْ كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ إقَامَةِ شَهَادَةٍ كَانَ حَرَامًا فَلَمَّا كَانَ لِإِقَامَةِ شَهَادَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِمُبَاحٍ لاَ بِمُحَرَّمٍ فَكُلُّ مَنْ نَظَرَ لِيُثْبِتَ شَهَادَتَهُ لِلَّهِ, أَوْ لِلنَّاسِ فَلَيْسَ بِجَرْحٍ وَمَنْ نَظَرَ لِلتَّلَذُّذِ وَغَيْرِ شَهَادَةٍ عَامِدًا كَانَ جَرْحًا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَكَانَ الَّذِي يَعْرِفُ مَنْ خُوطِبَ بِهَذَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْأَحْرَارُ الْمَرْضِيُّونَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ رِجَالَنَا وَمَنْ نَرْضَاهُ أَهْلُ دِينِنَا لاَ الْمُشْرِكُونَ لِقَطْعِ اللَّهِ الْوِلاَيَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِالدِّينِ وَرِجَالُنَا أَحْرَارُنَا وَاَلَّذِينَ نَرْضَى أَحْرَارُنَا لاَ مَمَالِيكُنَا الَّذِينَ يَغْلِبُهُمْ مَنْ يَمْلِكُهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهِمْ وَأَنَّا لاَ نَرْضَى أَهْلَ الْفِسْقِ مِنَّا وَأَنَّ الرِّضَا إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْعَدْلِ مِنَّا وَلاَ يَقَعُ إلَّا عَلَى الْبَالِغِينَ لِأَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ الْبَالِغُونَ دُونَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ فَإِذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ لِيَقْطَعَ بِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّهُ يَقْطَعُ بِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَكْثَرَ الْفَرَائِضِ الْبَالِغُونَ دُونَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ فَإِذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ لِيُقْطَعَ بِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَكْثَرَ الْفَرَائِضِ فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ الْفَرَائِضِ فِي نَفْسِهِ لَمْ يُلْزَمْ غَيْرُهُ فَرْضًا بِشَهَادَتِهِ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته فِي أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْأَحْرَارُ الْعُدُولُ فِي كُلِّ شَهَادَةٍ عَلَى مُسْلِمٍ غَيْرَ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا فَإِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَهُ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مِنْ رِجَالِكُمْ} يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ تَجُوزَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي شَيْءٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَجَازَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ قِيلَ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَدَّهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ لاَ تَجُوزُ وَزَادَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} قَالَ وَمَعْنَى الْكِتَابِ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ, فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنْ تَكُونَ دَلاَلَةً قِيلَ وَكَيْفَ تَكُونُ الدَّلاَلَةُ بِقَوْلِ صِبْيَانٍ مُنْفَرِدِينَ إذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُقْبَلُوا؟ إنَّمَا تَكُونُ الدَّلاَلَةُ بِقَوْلِ الْبَالِغِينَ الَّذِينَ يُقْبَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ, فَأَشْبَهَ مَا وَصَفْت أَنْ يَكُونَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِيمَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ هُوَ مَنْ وَصَفْت مِمَّنْ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى صِفَتِهِ وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مَمْلُوكٍ فِي شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَلاَ شَهَادَةُ غَيْرِ عَدْلٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُضْرَبَ الْقَاذِفُ ثَمَانِينَ وَلاَ تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا وَسَمَّاهُ فَاسِقًا إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَقُلْنَا يَلْزَمُ أَنْ يُضْرَبَ ثَمَانِينَ وَأَنْ لاَ تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا فِي حَالِ مَنْ سُمِّيَ بِالْفِسْقِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ مَنْ سُمِّيَ بِالْفِسْقِ قَالَ وَتَوْبَتُهُ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ تَكُونُ التَّوْبَةُ الْإِكْذَابَ؟ قِيلَ لَهُ: إنَّمَا كَانَ فِي حَدِّ الْمُذْنِبِينَ بِأَنْ نَطَقَ بِالْقَذْفِ, وَتَرْكُ الذَّنْبِ هُوَ أَنْ يَقُولَ الْقَذْفُ بَاطِلٌ وَتَكُونَ التَّوْبَةُ بِذَلِكَ, وَكَذَلِكَ يَكُونُ الذَّنْبُ فِي الرِّدَّةِ بِالْقَوْلِ بِهَا وَالتَّوْبَةُ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِالْقَوْلِ فِيهَا بِالْإِيمَانِ الَّذِي تَرَكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى هَذَا؟ فَفِيمَا وَصَفْت كِفَايَةٌ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَنْ عُمَرَ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ يَوْمَ قَذَفَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَحُدَّ قِيلَ لَهُ مَكَانَهُ إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ, وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يَفْعَلَ لِأَنَّ الذَّنْبَ الَّذِي رُدَّتْ بِهِ شَهَادَتُهُ هُوَ الْقَذْفُ فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَقَدْ تَابَ وَإِنْ قَذَفَ وَهُوَ مِمَّنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ, ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ رَدَّهَا كَانَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا سُوءُ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْذِفَ, وَالْآخَرُ الْقَذْفُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَكُونُ خَارِجًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عِلَّةُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِالْقَذْفِ فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَثَبَتَ عَلَيْهِ عِلَّةُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِسُوءِ الْحَالِ حَتَّى تُخْتَبَرَ حَالُهُ فَإِذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْحُسْنُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ, وَهَكَذَا لَوْ حُدَّ مَمْلُوكٌ حَسَنُ الْحَالِ, ثُمَّ عَتَقَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إلَّا بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ فِي الْقَذْفِ, وَهَكَذَا لَوْ حُدَّ ذِمِّيٌّ حَسَنُ الْحَالِ, فَأَسْلَمَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إلَّا بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ فِي الْقَذْفِ فَقَالَ لِي قَائِلٌ: أَفَتَذْكُرُ فِي هَذَا حَدِيثًا فَقُلْت إنَّ الْآيَةَ لَمُكْتَفًى بِهَا مِنْ الْحَدِيثِ وَإِنَّ فِيهِ لَحَدِيثًا (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَذْفِ لاَ تَجُوزُ, فَأَشْهَدُ لاََخْبَرَنِي, ثُمَّ سَمَّى الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك, أَوْ إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قَالَ سُفْيَانُ شَكَكْت بَعْدَمَا سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يُسَمِّي الرَّجُلَ فَسَأَلْت فَقَالَ لِي عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَقِيلَ لِسُفْيَانَ شَكَكْت فِي خَبَرِهِ فَقَالَ لاَ هُوَ سَعِيدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ:؟ رحمه الله تعالى: وَبَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَاذِفِ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَقَالَ كُلُّنَا نَقُولُهُ فَقُلْت مَنْ؟ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْقَاذِفِ فَقَالَ إذَا ضُرِبَ الْحَدَّ, ثُمَّ تَابَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا, وَإِنْ لَمْ يُضْرَبْ الْحَدَّ, أَوْ ضُرِبَهُ وَلَمْ يُوَفَّهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ فَذَكَرْتُ لَهُ مَا ذَكَرْتُ مِنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ, وَالْآثَارِ فَقَالَ فَإِنَّا ذَهَبْنَا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فَقُلْنَا نَطْرَحُ عَنْهُمْ اسْمَ الْفِسْقِ وَلاَ نَقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةً فَقُلْت لِقَائِلِ هَذَا أَوَتَجِدُ الْأَحْكَامَ عِنْدَك فَمَا يُسْتَثْنَى عَلَى مَا وَصَفْت فَيَكُونَ مَذْهَبًا ذَهَبْتُمْ فِي اللَّفْظِ أَمْ الْأَحْكَامُ عِنْدَك فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى غَيْرِ مَا وَصَفْت؟ فَقَالَ: أَوْضِحْ هَذَا لِي قُلْت أَرَأَيْت رَجُلاً لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لاَ أُكَلِّمُك أَبَدًا وَلاَ أَدْخُلُ لَك بَيْتًا وَلاَ آكُلُ لَك طَعَامًا وَلاَ أَخْرُجُ مَعَك سَفَرًا وَإِنَّك لَغَيْرُ حَمِيدٍ عِنْدِي وَلاَ أَكْسُوك ثَوْبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ وَاقِعًا عَلَى مَا بَعْدَ قَوْلِهِ " أَبَدًا ", أَوْ عَلَى مَا بَعْدَ غَيْرِ حَمِيدٍ عِنْدِي, أَوْ عَلَى الْكَلاَمِ كُلِّهِ؟ قَالَ, بَلْ عَلَى الْكَلاَمِ كُلِّهِ قُلْت فَكَيْفَ لَمْ تُوقِعْ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الآيَةِ عَلَى الْكَلاَمِ كُلِّهِ وَأَوْقَعْتهَا فِي هَذَا الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْكَلاَمِ كُلِّهِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنَّ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ لِرَجُلٍ أَرَادَ اسْتِشْهَادَهُ اسْتَشْهِدْ غَيْرِي فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي قُلْت فَالرَّجُلُ الَّذِي وَصَفْت امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَتُوبَ مِنْ الْقَذْفِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ امْتَنَعَ أَنْ يَتُوبَ مِنْ الْقَذْفِ, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَنَا فِي هَذَا إلَّا مَا رَوَيْت كَانَ حُجَّةً عَلَيْك قَالَ وَكَيْفَ؟ قُلْت إنْ كَانَ الرَّجُلُ عِنْدَك مِمَّنْ تَابَ مِنْ الْقَذْفِ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ فَسَّقُوهُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا تَابَ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الْفِسْقِ وَفِيمَا قَالَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُلْزِمُونَهُ اسْمَ الْفِسْقِ إلَّا وَشَهَادَتُهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ قُلْت وَلاَ يُجِيزُونَ شَهَادَتَهُ إلَّا وَقَدْ أَسْقَطُوا عَنْهُ اسْمَ الْفِسْقِ; لِأَنَّهُمْ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ إسْقَاطِ اسْمِ الْفِسْقِ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ وَإِجَازَةِ شَهَادَتِهِ بِسُقُوطِ الِاسْمِ عَنْهُ كَمَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُ, وَإِذَا كُنْت تَقْبَلُ شَهَادَةَ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي, وَالْمُسْتَتَابِ مِنْ الرِّدَّةِ إذَا تَابَ فَكَيْفَ خَصَصْت بِهَا الْقَاذِفَ وَهُوَ أَيْسَرُ ذَنْبًا مِنْ غَيْرِهِ؟ قَالَ تَأَوَّلْت فِيهِ الْقُرْآنَ قُلْت تَأَوُّلُك خَطَأٌ عَلَى لِسَانِك قَالَ: قَالَهُ شُرَيْحٌ قُلْت أَفَتَجْعَلُ شُرَيْحًا حُجَّةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ سَمَّيْت وَغَيْرِهِمْ, وَالْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ؟ وَكَيْفَ؟ زَعَمْت إنْ لَمْ يَطْهُرْ بِالْحَدِّ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ, وَإِذَا طَهُرَ بِالْحَدِّ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ تَائِبًا فِي الْحَالَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحُكِيَ أَنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ وَصَفُوا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ كَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ فَحُكِيَ أَنَّ كَبِيرَهُمْ قَالَ: {ارْجِعُوا إلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إنَّ ابْنَك سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} (قَالَ) وَلاَ يَسَعُ شَاهِدًا أَنْ يَشْهَدَ إلَّا بِمَا عَلِمَ, وَالْعِلْمُ مِنْ ثَلاَثَةِ وُجُوهٍ مِنْهَا مَا عَايَنَهُ الشَّاهِدُ فَيَشْهَدُ بِالْمُعَايَنَةِ, وَمِنْهَا مَا سَمِعَهُ فَيَشْهَدُ مَا أَثْبَتَ سَمْعًا مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ, وَمِنْهَا مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ فِي أَكْثَرِهِ الْعِيَانُ وَتَثْبُتُ مَعْرِفَتُهُ فِي الْقُلُوبِ فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَجْهِ وَمَا شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ, أَوْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ يُثْبِتُهُ بِمُعَايَنَةٍ, وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ يُثْبِتُهُ سَمْعًا مَعَ إثْبَاتِ بَصَرٍ حِينَ يَكُونُ الْفِعْلُ وَبِهَذَا قُلْت لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إلَّا أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ شَيْئًا مُعَايَنَةً, أَوْ مُعَايَنَةً وَسَمْعًا, ثُمَّ عَمِيَ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ يَوْمَ يَكُونُ الْفِعْلُ الَّذِي يَرَاهُ الشَّاهِدُ أَوْ الْقَوْلُ الَّذِي أَثْبَتَهُ سَمْعًا وَهُوَ يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ يَعْمَى, ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ حَافِظًا لَهُ بَعْدَ الْعَمَى جَازَ, وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ, وَالْفِعْلُ وَهُوَ أَعْمَى لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ, وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا كَانَ الْكِتَابُ أَحْرَى أَنْ لاَ يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةُ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ الدَّارَ أَوْ الثَّوْبَ عَلَى تَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّهُ مَالِكٌ الدَّارَ وَعَلَى أَنْ لاَ يَرَى مُنَازِعًا لَهُ فِي الدَّارِ وَالثَّوْبِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ فِي الْقَلْبِ فَيَسَعُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّسَبِ إذَا سَمِعَهُ يَنْتَسِبُ زَمَانًا, أَوْ سَمِعَ غَيْرَهُ يَنْسُبُهُ إلَى نَسَبِهِ وَلَمْ يَسْمَعْ دَافِعًا وَلَمْ يَرَ دَلاَلَةً يَرْتَابُ بِهَا, وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ عَلَى عَيْنِ الْمَرْأَةِ وَنَسَبِهَا إذَا تَظَاهَرَتْ لَهُ أَخْبَارُ مَنْ يُصَدِّقُ بِأَنَّهَا فُلاَنَةُ وَيَرَاهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهَذَا كُلُّهُ شَهَادَةٌ بِعِلْمٍ كَمَا وَصَفْت, وَكَذَلِكَ يَحْلِفُ الرَّجُلُ عَلَى مَا يَعْلَمُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فِيمَا أَخَذَ بِهِ مَعَ شَاهِدٍ وَفِي رَدِّ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي شَهَادَةِ الْأَعْمَى فَقَالَ لاَ تَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ بَصِيرًا يَوْمَ شَهِدَ وَيَوْمَ رَأَى وَسَمِعَ أَوْ رَأَى, وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ إذَا شَهِدَ عَلَى رُؤْيَةٍ فَسَأَلْنَاهُمْ فَهَلْ مِنْ حُجَّةِ كِتَابٍ, أَوْ سُنَّةٍ, أَوْ أَثَرٍ يَلْزَمُ فَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لَنَا, وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فِيهِ أَنْ قَالُوا إنَّا احْتَجْنَا إلَى أَنْ يَكُونَ يَرَى يَوْمَ شَهِدَ كَمَا احْتَجْنَا إلَى أَنْ يَكُونَ يَرَى يَوْمَ عَايَنَ الْفِعْلَ, أَوْ سَمِعَ الْقَوْلَ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْحَالَيْنِ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْأُخْرَى فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت الشَّهَادَةَ أَلَيْسَتْ بِيَوْمِ يَكُونُ الْقَوْلُ, أَوْ الْفِعْلُ, وَإِنْ يَقُمْ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ؟ قَالَ بَلَى قُلْت فَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ, وَالْفِعْلُ وَهُوَ بَصِيرٌ سَمِيعٌ مُثْبِتٌ, ثُمَّ شَهِدَ بِهِ بَعْدُ عَاقِلاً أَعْمَى لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ قَالَ, فَأَقُولُ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ لاَ يَجُوزُ إلَّا بِأَمْرَيْنِ قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى فِعْلِ رَجُلٍ حَيٍّ, ثُمَّ يَمُوتَ الرَّجُلُ فَيَقُومَ بِالشَّهَادَةِ وَهُوَ لاَ يَرَى الرَّجُلَ وَيَقُومَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى آخَرَ وَهُوَ غَائِبٌ لاَ يَرَاهُ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا عَلِمْتُك تُثْبِتُ لِنَفْسِك حُجَّةً إلَّا خَالَفْتهَا, وَلَوْ كُنْت لاَ تُجِيزُهَا إذَا أَثْبَتَهَا بَصِيرًا وَشَهِدَ بِهَا أَعْمَى; لِأَنَّهُ لاَ يُعَايِنُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ عِنْدَك لَزِمَك أَنْ لاَ تُجِيزَهَا بَصِيرًا عَلَى مَيِّتٍ وَلاَ غَائِبٍ; لِأَنَّهُ لاَ يُعَايِنُ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَمَّا الْمَيِّتُ فَلاَ يُعَايِنُهُ فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا الْغَائِبُ بِبَلَدٍ فَأَنْتَ تُجِيزُهَا وَهُوَ لاَ يَرَاهُ قَالَ فَإِنْ رَجَعْت فِي الْغَائِبِ فَقُلْت لاَ أُجِيزُهَا عَلَيْهِ فَقُلْت أَفَتَرْجِعُ فِي الْمَيِّتِ وَهُوَ أَشَدُّ عَلَيْك مِنْ الْغَائِبِ؟ قَالَ لاَ قَالَ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِك مَنْ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْأَعْمَى بِكُلِّ حَالٍ إذَا أَثْبَتَ كَمَا يُثْبِتُ أَهْلُهُ فَقُلْت إنْ كَانَ هَذَا صَوَابًا فَهُوَ أَبْعَدُ لَك مِنْ الصَّوَابِ قَالَ فَلِمَ لَمْ تَقُلْ بِهِ؟. قُلْت لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ يَلْزَمُ, فَأَتَّبِعَهُ وَمَعَنَا الْقُرْآنُ, وَالْمَعْقُولُ بِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيمَا لاَ يَكُونُ إلَّا بِعِيَانٍ, أَوْ عِيَانٍ وَإِثْبَاتِ سَمْعٍ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ مَنْ لاَ يُثْبِتُ بِعِيَانٍ; لِأَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ قَالَ وَيُخَالِفُونَك فِي الْكِتَابِ قُلْت, وَذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ تَجُوزَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُمْ فِيهِ مُتَنَاقِضٌ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِي لَوْ عَرَفْت كِتَابِي وَلَمْ أَذْكُرْ الشَّهَادَةَ أَنْ أَشْهَدَ إلَّا وَأَنَا ذَاكِرٌ وَيَزْعُمُونَ أَنِّي إنْ عَرَفْت كِتَابَ مَيِّتٍ حَلَّ لِي أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَكِتَابِي كَانَ أَوْلَى أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِ غَيْرِي, وَلَوْ جَازَ أَنْ أُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا جَازَ أَنْ أَشْهَدَ عَلَى كِتَابِي وَلاَ أَشْهَدَ عَلَى كِتَابِ غَيْرِي وَلاَ يَجُوزُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِمَا وَصَفْت مِنْ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنَّا نَحْتَجُّ عَلَيْك فِي أَنَّك تُعْطِي بِالْقَسَامَةِ وَتُحَلِّفُ الرَّجُلَ مَعَ شَاهِدِهِ عَلَى مَا غَابَ بِأَنَّهُمْ قَدْ يَحْلِفُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ قُلْت يَحْلِفُونَ عَلَى مَا يَعْلَمُونَ مِنْ أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلاَثَةِ الَّتِي وَصَفْت لَك قُلْت فَإِنْ قَالَ لاَ يَكُونُ إلَّا مِنْ الْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ فَقُلْت لَهُ اُتْرُكْ هَذَا الْقَوْلَ إذَا سُئِلْت قَالَ فَاذْكُرْ ذَلِكَ قُلْت أَرَأَيْت الشَّهَادَةَ عَلَى النَّسَبِ, وَالْمِلْكِ أَتَقْبَلُهُمَا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي قَبِلْنَاهَا مِنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت, وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَسِبُ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِ نَسَبِهِ لَمْ يَرَ أَبَاهُ يُقِرُّ بِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ فِي يَدَيْ الرَّجُلِ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهَا قَدْ غَصَبَهَا, أَوْ أَعَارَهُ إيَّاهَا غَائِبٌ وَيُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ, وَالْعَبْدِ قَالَ: فَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى إجَازَةِ هَذَا قُلْنَا وَإِنْ كَانُوا أَجْمَعُوا فَفِيهِ دَلاَلَةٌ لَك عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ كَمَا قُلْنَا دُونَ مَا قُلْت أَوَرَأَيْت عَبْدًا ابْنَ خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ ابْتَاعَهُ ابْنُ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً, ثُمَّ بَاعَهُ وَأَبِقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَخَاصَمَهُ فِيهِ فَقَالَ: أُحَلِّفُهُ لَقَدْ بَاعَهُ إيَّاهُ بَرِيًّا مِنْ الْإِبَاقِ فَقُلْت وَقَالَ لَك هَذَا وَلَدٌ بِالْمَشْرِقِ وَأَنَا بِالْمَغْرِبِ وَلاَ تُمْكِنُنِي الْمَسْأَلَةُ عَنْهُ; لِأَنَّهُ لَيْسَ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَثِقُ بِهِ قَالَ: يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى عِلْمِهِ قُلْت وَيَسَعُك ذَلِكَ وَيَسَعُ الْقَاضِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت أَرَأَيْت قَوْمًا قُتِلَ أَبُوهُمْ فَأَمْكَنَهُمْ أَنْ يَعْتَرِفُوا الْقَاتِلَ, أَوْ يُعَايِنُوهُ أَوْ يُخْبِرَهُمْ مَنْ عَايَنَهُ مِمَّنْ مَاتَ, أَوْ غَابَ مِمَّنْ يُصَدَّقُ عِنْدَهُمْ وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدِي أَلَيْسُوا أَوْلَى أَنْ يُقْسِمُوا مِنْ صَاحِبِ الْعَبْدِ الَّذِي وَصَفَهَا أَنْ يَحْلِفَ؟ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لاَ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ} إلَى آخِرِ الآيَةِ وَقَالَ: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} وَقَالَ: {وَاَلَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وَقَالَ: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عَنْ كُلِّ مَنْ سَمِعْت مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّهُ فِي الشَّاهِدِ, وَقَدْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ وَأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ, وَالْقَرِيبِ, وَالْبَعِيدِ وَلِلْبَغِيضِ الْقَرِيبِ, وَالْبَعِيدِ وَلاَ يَكْتُمَ عَنْ أَحَدٍ وَلاَ يُحَابِيَ بِهَا وَلاَ يَمْنَعَهَا أَحَدًا قَالَ ثُمَّ تَتَفَرَّعُ الشَّهَادَاتُ فَيَجْتَمِعُونَ وَيَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَلْزَمُ مِنْهَا وَمَا لاَ يَلْزَمُ وَلِهَذَا كِتَابٌ غَيْرُ هَذَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} إلَى قَوْلِهِ: {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ فِيمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ حَقًّا فِي مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ كُلَّمَا دُعِيَ لِحَقٍّ كَتَبَهُ لاَ بُدَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ أَنْ يَقُومَ مِنْهُمْ مَنْ يَكْفِي حَتَّى لاَ تَكُونَ الْحُقُوقُ مُعَطَّلَةً لاَ يُوجَدُ لَهَا فِي الِابْتِدَاءِ مَنْ يَقُومُ بِكِفَايَتِهَا وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ فَرْضًا لاَزِمًا عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا قَامَ بِهَا مَنْ يَكْفِي أُخْرِجَ مَنْ يَتَخَلَّفُ مِنْ الْمَأْثَمِ, وَالْفَضْلُ لِلْكَافِي عَلَى الْمُتَخَلِّفِ فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ كَانَ حَرَجُ جَمِيعِ مَنْ دُعِيَ إلَيْهِ فَتَخَلَّفَ بِلاَ عُذْرٍ كَمَا كَانَ الْجِهَادُ وَالصَّلاَةُ عَلَى الْجَنَائِزِ وَرَدُّ السَّلاَمِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ لاَ يُحْرَجُ الْمُتَخَلِّفُ إذَا كَانَ فِيمَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ كِفَايَةٌ فَلَمَّا احْتَمَلَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا, وَكَانَ فِي سِيَاقِ الآيَةِ: {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} كَانَ فِيهَا كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ نُهِيَ الشُّهَدَاءُ الْمَدْعُوُّونَ كُلُّهُمْ أَنْ يَأْبَوْا قَالَ: {وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ}, فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ يُحْرَجُ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضِرَارًا, وَفَرْضُ الْقِيَامِ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَهَذَا يُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مَا وَصَفْت مِنْ الْجِهَادِ, وَالْجَنَائِزِ وَرَدِّ السَّلاَمِ, وَقَدْ حَفِظْت عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَلَمْ أَحْفَظْ خِلاَفَهُ عَنْ أَحَدٍ أَذْكُرُهُ مِنْهُمْ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّك عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} إلَى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} وَقَالَ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْك} وَقَالَ: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَأَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ قَبْلَهُ وَالنَّاسِ إذَا حَكَمُوا أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ, وَالْعَدْلُ اتِّبَاعُ حُكْمِهِ الْمُنَزَّلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَهُ بِالْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَوَضَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دِينِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ وَفَرَضَ طَاعَتَهُ فَقَالَ: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وَقَالَ: {فَلاَ وَرَبِّك لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآيَةَ. وَقَالَ: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الآيَةَ. فَعُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ كِتَابُ اللَّهِ, ثُمَّ سُنَّةُ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ لِمُفْتٍ وَلاَ لِحَاكِمٍ أَنْ يُفْتِيَ وَلاَ يَحْكُمَ حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِهِمَا وَلاَ أَنْ يُخَالِفَهُمَا وَلاَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِحَالٍ فَإِذَا خَالَفَهُمَا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ فَإِذَا لَمْ يُوجَدَا مَنْصُوصَيْنِ فَالِاجْتِهَادُ بِأَنْ يُطْلَبَا كَمَا يُطْلَبُ الِاجْتِهَادُ بِأَنْ يَتَوَجَّهُ إلَى الْبَيْتِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مُسْتَحْسِنًا عَلَى غَيْرِ الِاجْتِهَادِ كَمَا لَيْسَ لِأَحَدٍ إذَا غَابَ الْبَيْتُ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَحَبَّ وَلَكِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي التَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ. وَهَذَا مَوْضُوعٌ بِكَمَالِهِ فِي كِتَابِ جِمَاعِ عِلْمِ الْكِتَابِ, ثُمَّ السُّنَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ لَوْلاَ هَذِهِ الْآيَةُ لَرَأَيْتُ أَنَّ الْحُكَّامَ قَدْ هَلَكُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمِدَ هَذَا لِصَوَابِهِ وَأَثْنَى عَلَى هَذَا بِاجْتِهَادِهِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ, وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ} قَالَ يَزِيدُ فَحَدَّثْت بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَزْمٍ فَقَالَ هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ أُمِرَ أَنْ يَجْتَهِدَ عَلَى مُغَيَّبٍ فَإِنَّمَا كُلِّفَ الِاجْتِهَادَ وَيَسَعُهُ فِيهِ الِاخْتِلاَفُ فَيَكُونُ فَرْضًا عَلَى الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَجْتَهِدَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لاَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ, وَبَيِّنٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ كَمَا لاَ يَكُونُ لِأَحَدٍ لَهُ عِلْمٌ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ يَرَى أَنَّهَا فِي مَوْضِعٍ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ إنْ رَأَى أَنَّهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ, وَإِذَا كُلِّفُوا الِاجْتِهَادَ فَبَيِّنٌ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ بِغَيْرِ قِيَاسٍ لاَ يَجُوزُ كُلِّفَ لِأَحَدٍ (قَالَ): وَالْقِيَاسُ قِيَاسَانِ: أَحَدُهُمَا: يَكُونُ فِي مِثْلِ مَعْنَى الْأَصْلِ فَذَلِكَ الَّذِي لاَ يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلاَفُهُ, ثُمَّ قِيَاسٌ أَنْ يُشَبِّهَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ مِنْ الْأَصْلِ, وَالشَّيْءُ مِنْ الْأَصْلِ غَيْرُهُ, فَيُشَبِّهَ هَذَا بِهَذَا الْأَصْلِ, وَيُشَبِّهَ غَيْرَهُ بِالْأَصْلِ غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَوْضِعُ الصَّوَابِ فِيهِ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ يَنْظُرَ, فَأَيُّهُمَا كَانَ أَوْلَى بِشِبْهِهِ صَيَّرَهُ إلَيْهِ إنْ أَشْبَهَ أَحَدَهُمَا فِي خَصْلَتَيْنِ, وَالْآخَرَ فِي خَصْلَةٍ أَلْحَقَهُ بِاَلَّذِي هُوَ أَشْبَهُ فِي خَصْلَتَيْنِ وَمَنْ اجْتَهَدَ مِنْ الْحُكَّامِ, ثُمَّ رَأَى أَنَّ اجْتِهَادَهُ خَطَأٌ, أَوْ قَدْ خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً, أَوْ إجْمَاعًا, أَوْ شَيْئًا فِي مِثْلِ مَعْنَى هَذَا رَدَّهُ وَلاَ يَسَعُهُ غَيْرُ ذَلِكَ, وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَمْ يَرُدَّهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَلَى مَنْ اجْتَهَدَ عَلَى مُغَيَّبٍ فَاسْتَيْقَنَ الْخَطَأَ كَانَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ, وَلَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ مَكَّةَ لَيْلاً فَتَأَخَّى الْبَيْتَ, ثُمَّ أَبْصَرَ فَرَأَى الْبَيْتَ فِي غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا أَعَادَ وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لاَ يَرَاهُ لَمْ يُعِدْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ رَجَعَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مِنْ مُغَيَّبٍ إلَى يَقِينٍ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ يَرْجِعُ مِنْ مُغَيَّبٍ إلَى مُغَيَّبٍ وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي كِتَابِ " جِمَاعِ الْعِلْمِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ " وَكِتَابُ الْقَضَاءِ, وَالْحَقُّ فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ وَاحِدٌ وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُتْرَكَ النَّاسُ يَحْكُمُونَ بِحُكْمِ بُلْدَانِهِمْ إذَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيمَا فِيهِ كِتَابٌ, أَوْ سُنَّةٌ, أَوْ شَيْءٌ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُمَا حَتَّى يَكُونَ حُكْمُهُمْ وَاحِدًا إنَّمَا يَتَفَرَّقُونَ فِي الِاجْتِهَادِ إذَا احْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الِاجْتِهَادَ, وَأَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ. بَابُ التَّثْبِيتِ فِي الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} الآيَةَ. وَقَالَ: {إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَأَمَرَ اللَّهُ مَنْ يُمْضِي أَمْرَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَبِينًا قَبْلَ أَنْ يُمْضِيَهُ, ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُكْمِ خَاصَّةً أَنْ لاَ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ وَهُوَ غَضْبَانُ لِأَنَّ الْغَضْبَانَ مَخُوفٌ عَلَى أَمْرَيْنِ. أَحَدِهِمَا قِلَّةِ التَّثَبُّتِ, وَالْآخَرِ أَنَّ الْغَضَبَ قَدْ يَتَغَيَّرُ مَعَهُ الْعَقْلُ وَيَتَقَدَّمُ بِهِ صَاحِبُهُ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ غَضِبَ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ, أَوْ لاَ يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَمَعْقُولٌ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حِينَ يَحْكُمُ فِي حَالٍ لاَ تُغَيِّرُ خُلُقَهُ وَلاَ عَقْلَهُ, وَالْحَاكِمُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ فَأَيُّ حَالٍ أَتَتْ عَلَيْهِ تُغَيِّرُ خُلُقَهُ, أَوْ عَقْلَهُ انْبَغَى لَهُ أَنْ لاَ يَقْضِيَ حَتَّى تَذْهَبَ وَأَيُّ حَالٍ صَيَّرَتْ إلَيْهِ سُكُونَ الطَّبِيعَةِ وَاجْتِمَاعَ الْعَقْلِ انْبَغَى لَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَهَا فَيَكُونَ حَاكِمًا عِنْدَهَا, وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ, وَكَانَ قَاضِيًا أَنَّهُ رُئِيَ أَنَّهُ يَأْكُلُ خُبْزًا بِجُبْنٍ فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ آخُذُ حُكْمِي كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الطَّعَامَ يُسَكِّنُ حَرَّ الطَّبِيعَةِ وَأَنَّ الْجُوعَ يُحَرِّكُ حَرَّهَا وَتَتُوقُ النَّفْسُ إلَى الْمَأْكَلِ فَيَشْتَغِلُ عَنْ الْحُكْمِ, وَإِذَا كَانَ مَرِيضًا شَقِيحًا, أَوْ تَعِبًا شَقِيحًا فَكُلُّ هَذَا فِي حَالِ الْغَضَبِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ, أَوْ أَشَدَّ يَتَوَقَّى الْحُكْمَ وَيَتَوَقَّاهُ عَلَى الْمَلاَلَةِ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَكِلُّ مَعَ الْمَلاَلَةِ وَجِمَاعُهُ مَا وَصَفْت.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {مَا رَأَيْت أَحَدًا أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَغَنِيًّا عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ إذَا نَزَلَ بِالْحَاكِمِ الْأَمْرُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا, أَوْ مُشْكِلٌ انْبَغَى لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ جَاهِلاً لِأَنَّهُ لاَ مَعْنَى لِمُشَاوَرَتِهِ وَلاَ عَالِمًا غَيْرَ أَمِينٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَضَلَّ مَنْ يُشَاوِرُهُ وَلَكِنَّهُ يُشَاوِرُ مَنْ جَمَعَ الْعِلْمَ, وَالْأَمَانَةَ وَفِي الْمُشَاوَرَةِ رِضَا الْخَصْمِ, وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى}: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}: {أَنْ لاَ تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ أَبَانَ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: {دَخَلْت مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ ابْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْهَدُ بِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إنَّهُ لاَ يَجْنِي عَلَيْك وَلاَ تَجْنِي عَلَيْهِ} (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْخَذُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ حَتَّى جَاءَ إبْرَاهِيمُ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}: {أَنْ لاَ تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَاَلَّذِي سَمِعْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْ لاَ تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أَنْ لاَ يُؤْخَذَ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ, وَذَلِكَ فِي بَدَنِهِ دُونَ مَالِهِ وَإِنْ قَتَلَ, أَوْ كَانَ حَدًّا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ غَيْرُهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ وَلَمْ يُحَدَّ بِذَنْبِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ إنَّمَا جَعَلَ جَزَاءَ الْعِبَادِ عَلَى أَعْمَالِ أَنْفُسِهِمْ وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهَا, وَكَذَلِكَ أَمْوَالُهُمْ لاَ يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فِي مَالِهِ إلَّا حَيْثُ خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَإِ مِنْ الْحُرِّ عَلَى الْآدَمِيِّينَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَأَمَّا مَا سِوَاهَا فَأَمْوَالُهُمْ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ تُؤْخَذَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ حُقُوقٌ سِوَى هَذَا مِنْ ضِيَافَةٍ وَزَكَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ وَجْهِ الْجِنَايَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَى امْرِئٍ شَيْئًا مَا كَانَ مِنْ مَالٍ وَقِصَاصٍ وَطَلاَقٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِهِ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا ادَّعَى وَلاَ يَقُومُ النُّكُولُ مَقَامَ إقْرَارٍ فِي شَيْءِ حَتَّى يَكُونَ مَعَ النُّكُولِ يَمِينُ الْمُدَّعِي فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ أَحَلَفْت فِي الْحُدُودِ وَالطَّلاَقِ وَالنَّسَبِ, وَالْأَمْوَالِ وَجَعَلْت الْأَيْمَانَ كُلَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَجْعَلَهَا كُلَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي؟ قِيلَ لَهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت اسْتِدْلاَلاً بِكِتَابِ اللَّهِ, ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه فَإِنْ قَالَ وَأَيْنَ الدَّلاَلَةُ مِنْ الْكِتَابِ؟ قِيلَ لَهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} فَحَدُّ الرَّامِي بِالزِّنَا ثَمَانِينَ وَقَالَ فِي الزَّوْجِ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ} فَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْقَاذِفِ غَيْرِ الزَّوْجِ بِالْحَدِّ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِنْهُ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَأَخْرَجَ الزَّوْجَ مِنْ الْحَدِّ بِأَنْ يَحْلِفَ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ وَيَلْتَعِنَ بِخَامِسَةٍ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ وَيَلْزَمُهَا إنْ لَمْ تُخْرِجْ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ, وَالْتِعَانَهَا وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْفِيَ الْوَلَدَ, وَالْتِعَانَهُ وَسَنَّ بَيْنَهُمَا الْفُرْقَةَ وَدَرَأَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا الْحَدَّ بِالْأَيْمَانِ مَعَ الْتِعَانِهِ, وَكَانَتْ أَحْكَامُ الزَّوْجَيْنِ إذَا خَالَفَتْ أَحْكَامَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي شَيْءٍ فَهِيَ مُجَامِعَةٌ لَهُ فِي غَيْرِهِ, وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ فِيهِ قَدْ جَمَعَتْ دَرْءَ الْحَدِّ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَفُرْقَةٍ وَنَفْيِ وَلَدٍ فَكَانَ الْحَدُّ وَالطَّلاَقُ وَالنَّفْيُ مَعًا دَاخِلاً فِيهَا وَلاَ يَحِقُّ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ حِينَ يَقْذِفُهَا إلَّا بِيَمِينِ الزَّوْجِ وَتَنْكُلُ عَنْ الْيَمِينِ, أَلاَ تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ بِالْقَذْفِ وَتَرَكَ الْخُرُوجَ بِالْيَمِينِ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَرْأَةِ حَدٌّ وَلَمْ تَلْتَعِنْ, أَوَلاَ تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّينَ: {تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ} فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ عَلَى الْيَهُودِ لِيَبْرَءُوا بِهَا فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْهَا الْأَنْصَارِيُّونَ تَرَكُوا حَقَّهُمْ, أَوْ لاَ تَرَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه بَدَأَ بِالْأَيْمَانِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|