الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَكَمَا يَنْبَغِي لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بَعَثَهُ بِكِتَابٍ عَزِيزٍ: {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فَهَدَى بِكِتَابِهِ, ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى خَلْقِهِ: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وَقَالَ: {ونْزَلْنَا إلَيْك الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً} وَقَالَ: {وَأَنْزَلْنَا إلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَسَنَّ رَسُولُهُ لَهُمْ فَقَالَ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فَاعْلَمْ أَنَّ مَعْصِيَتَهُ فِي تَرْكِ أَمْرِهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إلَّا اتِّبَاعَهُ, وَكَذَلِكَ قَالَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} مَعَ مَا أَعْلَمَ نَبِيَّهُ بِمَا فَرَضَ مِنْ اتِّبَاعِ كِتَابِهِ فَقَالَ: {فَاسْتَمْسِكْ بِاَلَّذِي أُوحِيَ إلَيْك} وَقَالَ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْت لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلاَمَ دِينًا} وَأَبَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِخَلْقِهِ أَنَّهُ تَوَلَّى الْحُكْمَ فِيمَا أَثَابَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهِ عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ سَرَائِرِهِمْ وَافَقَتْ سَرَائِرُهُمْ عَلاَنِيَتَهُمْ أَوْ خَالَفَتْهَا وَإِنَّمَا جَزَاهُمْ بِالسَّرَائِرِ فَأَحْبَطَ عَمَلَ كُلِّ مَنْ كَفَرَ بِهِ, ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ: {إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} فَطَرَحَ عَنْهُمْ حُبُوطَ أَعْمَالِهِمْ وَالْمَأْثَمَ بِالْكُفْرِ إذَا كَانُوا مُكْرَهِينَ وَقُلُوبُهُمْ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ بِالْإِيمَانِ وَخِلاَفِ الْكُفْرِ وَأَمَرَ بِقِتَالِ الْكَافِرِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَأَبَانَ ذَلِكَ جَلَّ وَعَزَّ حَتَّى يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ, ثُمَّ أَوْجَبَ لِلْمُنَافِقِينَ إذَا أَسَرُّوا نَارَ جَهَنَّمَ فَقَالَ: {إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ} وَقَالَ: {إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّك لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ الْقَتْلِ فَمَنَعَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ وَلَمْ يُزِلْ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا أَحْكَامَ الْإِيمَانِ مِمَّا أَظْهَرُوا مِنْهُ وَأَوْجَبَ لَهُمْ الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ مِنْ النَّارِ لِعِلْمِهِ بِسَرَائِرِهِمْ وَخِلاَفِهَا لِعَلاَنِيَتِهِمْ بِالْإِيمَانِ فَأَعْلَمَ عِبَادَهُ مَعَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُجَّةِ بِأَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ أَحَدٌ فِي شَيْءٍ إنَّ عِلْمَهُ بِالسِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةِ وَاحِدٌ فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وَقَالَ عَزَّ وَعَلاَ: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} مَعَ آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ الْكِتَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَعَرَّفَ جَمِيعَ خَلْقِهِ فِي كِتَابِهِ أَنْ لاَ عِلْمَ إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} وَقَالَ: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ:, ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَأَمَرَهُمْ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَأَنْ لاَ يَتَوَلَّوْا غَيْرَهُ إلَّا بِمَا عَلَّمَهُمْ وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْك رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وَقَالَ لِنَبِيِّهِ: {قُلْ مَا كُنْت بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ}, ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ أَنْ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَبْلَ الْوَحْيِ وَمَا تَأَخَّرَ أَنْ يَعْصِمَهُ فَلاَ يُذْنِبُ فَعَلِمَ مَا يَفْعَلُ بِهِ مِنْ رِضَاهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَيِّدُ الْخَلاَئِقِ وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ}: {وَجَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فِي امْرَأَةِ رَجُلٍ رَمَاهَا بِالزِّنَا فَقَالَ لَهُ يُرْجَمُ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ آيَةَ اللِّعَانِ فَلاَعَنَ بَيْنَهُمَا} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهُ} وَقَالَ: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} الآيَةَ. وَقَالَ لِنَبِيِّهِ: {يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} فَحَجَبَ عَنْ نَبِيِّهِ عِلْمَ السَّاعَةِ وَكَانَ مَنْ جَاوَرَ مَلاَئِكَةَ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَاءَهُ الْمُصْطَفِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَقْصَرَ عِلْمًا مِنْ مَلاَئِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَى خَلْقِهِ طَاعَةَ نَبِيِّهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ بَعْدُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْئًا وَأَوْلَى أَنْ لاَ يَتَعَاطَوْا حُكْمًا عَلَى غَيْبِ أَحَدٍ لاَ بِدَلاَلَةٍ وَلاَ ظَنٍّ لِتَقْصِيرِ عِلْمِهِمْ عَنْ عِلْمِ أَنْبِيَائِهِ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْوَقْفَ عَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَأْتِيَنَّهُمْ أَمْرُهُ فَإِنَّهُ جَلَّ وَعَزَّ ظَاهَرَ عَلَيْهِمْ الْحُجَجَ فِيمَا جَعَلَ إلَيْهِمْ مِنْ الْحُكْمِ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ لاَ يَحْكُمُوا إلَّا بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَأَنْ لاَ يُجَاوِزُوا أَحْسَنَ ظَاهِرِهِ فَفَرَضَ عَلَى نَبِيِّهِ أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ حَتَّى يُسْلِمُوا وَأَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ إذَا أَظْهَرُوا الْإِسْلاَمَ, ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ, ثُمَّ رَسُولُهُ أَنْ لاَ يَعْلَمَ سَرَائِرَهُمْ فِي صِدْقِهِمْ بِالْإِسْلاَمِ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ: {إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} (قَرَأَ الرَّبِيعُ) إلَى قَوْلِهِ: {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ} يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِصِدْقِهِنَّ بِإِيمَانِهِنَّ قَالَ: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} يَعْنِي مَا أَمَرَتْكُمْ أَنْ تَحْكُمُوا بِهِ فِيهِنَّ إذَا أَظْهَرْنَ الْإِيمَانَ لِأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مِنْ صِدْقِهِنَّ بِالْإِيمَانِ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ فَاحْكُمُوا لَهُنَّ بِحُكْمِ الْإِيمَانِ فِي أَنْ لاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ: {لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} قَالَ الشَّافِعِيُّ:, ثُمَّ أَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَى قَوْمٍ يُظْهِرُونَ الْإِسْلاَمَ وَيُسِرُّونَ غَيْرَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِخِلاَفِ حُكْمِ الْإِسْلاَمِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا بِخِلاَفِ مَا أَظْهَرُوا فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَسْلَمْنَا يَعْنِي أَسْلَمْنَا بِالْقَوْلِ بِالْإِيمَانِ مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ, ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَجْزِيهِمْ إنْ أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَعْنِي إنْ أَحْدَثُوا طَاعَةَ رَسُولِهِ وَقَالَ لَهُ فِي الْمُنَافِقِينَ وَهُمْ صِنْفٌ ثَانٍ: {إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ} إلَى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَيْمَانَهُمْ بِمَا يُسْمَعُ مِنْهُمْ مِنْ الشِّرْكِ بَعْدَ إظْهَارِ الْإِيمَانِ جُنَّةً مِنْ الْقَتْلِ وَقَالَ فِي الْمُنَافِقِينَ: {سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ} الآيَةَ. فَأَمَرَ بِقَبُولِ مَا أَظْهَرُوا وَلَمْ يَجْعَلْ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ خِلاَفَ حُكْمِ الْإِيمَانِ, وَكَذَلِكَ حُكْمُ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ بِحُكْمِ الْإِيمَانِ وَهُمْ يُعْرَفُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ مِنْهُمْ مَنْ تَقُومُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِقَوْلِ الْكُفْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّلاَلَةُ فِي أَفْعَالِهِ فَإِذَا أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ وَالْقَوْلَ بِالْإِيمَانِ حُقِنَتْ عَلَيْهِمْ دِمَاؤُهُمْ وَجَمَعَهُمْ ذِكْرُ الْإِسْلاَمِ وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ فَقَالَ: {إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ} فَجَعَلَ حُكْمَهُ عَلَيْهِمْ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى سَرَائِرِهِمْ وَحُكْمَ نَبِيِّهِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى عَلاَنِيَتِهِمْ بِإِظْهَارِ التَّوْبَةِ وَمَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ وَمَا أَقَرُّوا بِقَوْلِهِ وَمَا جَحَدُوا مِنْ قَوْلِ الْكُفْرِ مِمَّا لَمْ يُقِرُّوا بِهِ وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ كَذَّبَهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي كُلٍّ, وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ: {أَنَّ رَجُلاً سَارَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نَدْرِ مَا سَارَّهُ حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يُشَاوِرُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ بَلَى وَلاَ شَهَادَةَ لَهُ فَقَالَ أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ قَالَ بَلَى وَلاَ صَلاَةَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ} أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ شَهِدْت مِنْ نِفَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ثَلاَثَةَ مَجَالِسَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا, وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فَرَضَ اللَّهِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يُظْهِرُوا أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا فَعَلُوا مَنَعُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا يَعْنِي إلَّا بِمَا يَحْكُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِيهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ بِصِدْقِهِمْ وَكَذِبِهِمْ وَسَرَائِرِهِمْ وَاَللَّهُ الْعَالِمُ بِسَرَائِرِهِمْ الْمُتَوَلِّي الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ دُونَ أَنْبِيَائِهِ وَحُكَّامِ خَلْقِهِ وَبِذَلِكَ مَضَتْ أَحْكَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ مِنْ الْحُدُودِ وَجَمِيعِ الْحُقُوقِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ وَأَنَّ اللَّهَ يَدِينُ بِالسَّرَائِرِ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: {وَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَجْلاَنِيُّ وَهُوَ أُحَيْمِرٌ سِبْطٌ نِضْوُ الْخَلْقِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْت شَرِيكَ ابْنَ السَّحْمَاءِ يَعْنِي ابْنَ عَمِّهِ وَهُوَ رَجُلٌ عَظِيمُ الْأَلْيَتَيْنِ أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ حَادُّ الْخُلُقِ يُصِيبُ فُلاَنَةَ يَعْنِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حُبْلَى وَمَا قَرِبْتهَا مُنْذُ كَذَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِيكًا فَجَحَدَ وَدَعَا الْمَرْأَةَ فَجَحَدَتْ فَلاَعَنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَهِيَ حُبْلَى, ثُمَّ قَالَ اُبْصُرُوهَا, فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَدْعَجَ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرًا كَأَنَّهُ وَحِرَةٌ فَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ كَذَبَ فَجَاءَتْ بِهِ أَدْعَجَ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلاَ مَا قَضَى اللَّهُ} يَعْنِي أَنَّهُ لَمِنْ زِنًا لَوْلاَ مَا قَضَى اللَّهُ مِنْ أَنْ لاَ يَحْكُمَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا بِإِقْرَارٍ أَوْ اعْتِرَافٍ عَلَى نَفْسِهِ لاَ يَحِلُّ بِدَلاَلَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ. وَقَالَ: {لَوْلاَ مَا قَضَى اللَّهُ لَكَانَ لِي فِيهِمَا قَضَاءٌ غَيْرُهُ} وَلَمْ يَعْرِضْ لِشَرِيكٍ وَلاَ لِلْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَنْفَذَ الْحُكْمَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ, ثُمَّ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الصَّادِقُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ أَنَّ: {رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْمُزَنِيَّةَ أَلْبَتَّةَ, ثُمَّ أَتَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي سُهَيْمَةَ أَلْبَتَّةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرُكَانَةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ رُكَانَةُ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ رضي الله عنهما} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي جَمِيعِ مَا وَصَفْت وَمَعَ غَيْرِهِ مِمَّا اسْتَغْنَيْت بِمَا كَتَبْت عَنْهُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْحُكَّامِ فِي الدُّنْيَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَرَامًا عَلَى حَاكِمٍ أَنْ يَقْضِيَ أَبَدًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ إلَّا بِأَحْسَنِ مَا يَظْهَرُ وَأَخَفِّهِ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَإِنْ احْتَمَلَ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ غَيْرَ أَحْسَنِهِ كَانَتْ عَلَيْهِ دَلاَلَةٌ بِمَا يَحْتَمِلُ مَا يُخَالِفُ أَحْسَنَهُ وَأَخَفَّهُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لِمَا حَكَمَ اللَّهُ فِي الْأَعْرَابِ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا وَعَلِمَ اللَّهُ الْإِيمَانَ لَمْ يَدْخُلْ فِي قُلُوبِهِمْ وَمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا وَأَنَّهُمْ كَذَبَةٌ بِمَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِيمَانِ وَبِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ حِينَ وَصَفَ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ إنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ فَجَاءَ بِهِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَوْجِهَا فَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ} أَيْ لَقَدْ زَنَتْ وَزَنَى بِهَا شَرِيكٌ الَّذِي رَمَاهُ زَوْجُهَا بِالزِّنَى, ثُمَّ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ إلَيْهِمَا سَبِيلاً إذَا لَمْ يُقِرَّا وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمَا بَيِّنَةٌ وَأَبْطَلَ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا عَلَيْهِمَا اسْتِعْمَالَ الدَّلاَلَةِ الَّتِي لاَ يُوجَدُ فِي الدُّنْيَا دَلاَلَةٌ بَعْدَ دَلاَلَةِ اللَّهِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْأَعْرَابِ أَقْوَى مِمَّا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْلُودِ امْرَأَةِ الْعَجْلاَنِيِّ قَبْلَ يَكُونُ, ثُمَّ كَانَ كَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَغْلَبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ: {الْفَزَارِيّ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ وَعَرَّضَ بِالْقَذْفِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْقَذْفَ, ثُمَّ لَمْ يَحُدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} إذْ لَمْ يَكُنْ التَّعْرِيضُ ظَاهِرَ قَذْفٍ فَلَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ حُكْمَ الْقَاذِفِ وَالْأَغْلَبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ قَوْلَ رُكَانَةَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ يُعْقَلُ أَنَّهُ قَدْ أَوْقَعَ الطَّلاَقَ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَأَنَّ أَلْبَتَّةَ إرَادَةُ شَيْءٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِبْتَاتَ بِثَلاَثٍ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ ظَاهِرًا فِي قَوْلِهِ وَاحْتَمَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَحْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِظَاهِرِ الطَّلاَقِ وَذَلِكَ وَاحِدَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ حَكَمَ عَلَى النَّاسِ بِخِلاَفِ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ اسْتِدْلاَلاً عَلَى أَنَّ مَا أَظْهَرُوا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا أَظْهَرُوا بِدَلاَلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ غَيْرِ دَلاَلَةٍ لَمْ يَسْلَمْ عِنْدِي مِنْ خِلاَفِ التَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مَنْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلاَمِ مِمَّنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلاَمِ قَتَلْته وَلَمْ أَسْتَتِبْهُ وَمَنْ رَجَعَ عَنْهُ مِمَّنْ لَمْ يُولَدْ عَلَى الْإِسْلاَمِ اسْتَتَبْته وَلَمْ يَحْكُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَنْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلاَمِ مِمَّنْ أَظْهَرَ نَصْرَانِيَّةً أَوْ يَهُودِيَّةً أَوْ دِينًا يُظْهِرُ كَالْمَجُوسِيَّةِ اسْتَتَبْته, فَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ قُبِلَتْ مِنْهُ وَمَنْ رَجَعَ إلَى دِينٍ يُخْفِيهِ لَمْ أَسْتَتِبْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلٌّ قَدْ بَدَّلَ دِينَهُ دِينَ الْحَقِّ وَرَجَعَ إلَى الْكُفْرِ فَكَيْفَ يُسْتَتَابُ بَعْضُهُمْ وَلاَ يُسْتَتَابُ بَعْضٌ وَكُلٌّ بَاطِلٌ, فَإِنْ قَالَ لاَ أَعْرِفُ تَوْبَةَ الَّذِي يُسِرُّ دِينَهُ. قِيلَ وَلاَ يَعْرِفُهَا إلَّا اللَّهُ وَهَذَا مَعَ خِلاَفِهِ حُكْمَ اللَّهِ ثُمَّ رَسُولِهِ كَلاَمٌ مُحَالٌ يُسْأَلُ مَنْ قَالَ هَذَا هَلْ تَدْرِي لَعَلَّ الَّذِي كَانَ أَخْفَى الشِّرْكَ يَصْدُقُ بِالتَّوْبَةِ وَاَلَّذِي كَانَ أَظْهَرَ الشِّرْكَ يَكْذِبُ بِالتَّوْبَةِ, فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَتَدْرِي لَعَلَّك قَتَلْت الْمُؤْمِنَ الصَّادِقَ بِالْإِيمَانِ وَاسْتَحْيَيْت الْكَاذِبَ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ, فَإِنْ قَالَ لَيْسَ عَلَيَّ إلَّا الظَّاهِرُ قِيلَ فَالظَّاهِرُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَقَدْ جَعَلْته اثْنَيْنِ بِعِلَّةٍ مُحَالَةٍ وَالْمُنَافِقُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُظْهِرُوا يَهُودِيَّةً وَلاَ نَصْرَانِيَّةً وَلاَ مَجُوسِيَّةً بَلْ كَانُوا يَسْتَسِرُّونَ بِدِينِهِمْ فَيَقْبَلُ مِنْهُمْ مَا يُظْهِرُونَ مِنْ الْإِيمَانِ فَلَوْ كَانَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ حِينَ خَالَفَ السُّنَّةَ أَحْسَنَ أَنْ يَعْتَلَّ بِشَيْءٍ لَهُ وَجْهٌ وَلَكِنَّهُ يُخَالِفُهَا وَيَعْتَلُّ بِمَا لاَ وَجْهَ لَهُ كَأَنَّهُ يَرَى النَّصْرَانِيَّةَ وَالْيَهُودِيَّةَ لاَ تَكُونُ إلَّا بِإِتْيَانِ الْكَنَائِسِ. أَرَأَيْت إذَا كَانُوا بِبِلاَدٍ لاَ كَنَائِسَ فِيهَا أَمَا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ فَتَخْفَى صَلاَتُهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ؟ قَالَ وَمَا وَصَفْت مِنْ حُكْمِ اللَّهِ, ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ إنْ جَاءَتْ بِهِ الْمُتَلاَعِنَةُ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ يَبْطُلُ حُكْمُ الدَّلاَلَةِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْ الذَّرَائِعِ فَإِذَا أُبْطِلَ الْأَقْوَى مِنْ الدَّلاَئِلِ أُبْطِلَ لَهُ الْأَضْعَفُ مِنْ الذَّرَائِعِ كُلِّهَا وَأُبْطِلَ الْحَدُّ فِي التَّعْرِيضِ بِالدَّلاَلَةِ. فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إذَا تَشَاتَمَ الرَّجُلاَنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا مَا أَبِي بِزَانٍ وَلاَ أُمِّي بِزَانِيَةٍ حُدَّ لِأَنَّهُ إذَا قَالَهُ عَلَى الْمُشَاتَمَةِ فَالْأَغْلَبُ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ قَذْفَ أُمِّ الَّذِي يُشَاتِمُ وَأَبِيهِ وَإِنْ قَالَهُ عَلَى غَيْرِ الْمُشَاتَمَةِ لَمْ أَحُدَّهُ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ الْقَذْفَ مَعَ إبْطَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمَ التَّعْرِيضِ فِي حَدِيثِ الْفَزَارِيّ الَّذِي وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ غُلاَمًا أَسْوَدَ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ عُمَرَ حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ فِي مِثْلِ هَذَا قِيلَ وَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ وَمَعَ مَنْ خَالَفَهُ مَا وَصَفْنَا مِنْ الدَّلاَلَةِ وَيَبْطُلُ مِثْلُهُ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ طَالِقَ إيقَاعُ طَلاَقٍ ظَاهِرٍ وَالْبَتَّةَ تَحْتَمِلُ زِيَادَةً فِي عَدَدِ الطَّلاَقِ وَغَيْرَ زِيَادَةٍ فَعَلَيْهِ الظَّاهِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَحْتَمِلُ غَيْرَ الظَّاهِرِ حَتَّى لاَ يَحْكُمَ عَلَيْهِ أَبَدًا إلَّا بِظَاهِرٍ, وَيَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَفْسُدُ عَقْدٌ أَبَدًا إلَّا بِالْعَقْدِ نَفْسِهِ لاَ يَفْسُدُ بِشَيْءٍ تَقَدَّمَهُ وَلاَ تَأَخَّرَهُ وَلاَ بِتَوَهُّمٍ وَلاَ بِأَغْلَبَ, وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ لاَ تُفْسِدُهُ إلَّا بِعَقْدِهِ وَلاَ نُفْسِدُ الْبُيُوعَ بِأَنْ يَقُولَ هَذِهِ ذَرِيعَةٌ وَهَذِهِ نِيَّةُ سُوءٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ نُبْطِلَ مِنْ الْبُيُوعِ بِأَنْ يُقَال مَتَى خَالَفَ أَنْ تَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى الَّذِي لاَ يَحِلُّ كَانَ أَنْ يَكُونَ الْيَقِينُ مِنْ الْبُيُوعِ بِعَقْدِ مَا لاَ يَحِلُّ أَوْلَى أَنْ يُرَدَّ بِهِ مِنْ الظَّنِّ أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ اشْتَرَى سَيْفًا وَنَوَى بِشِرَائِهِ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ كَانَ الشِّرَاءُ حَلاَلاً وَكَانَتْ النِّيَّةُ بِالْقَتْلِ غَيْرَ جَائِزَةٍ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهَا الْبَيْعُ. قَالَ, وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْبَائِعُ سَيْفًا مِنْ رَجُلٍ يَرَاهُ أَنَّهُ يَقْتُلُ بِهِ رَجُلاً كَانَ هَكَذَا, وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى فَرَسًا وَهُوَ يَرَاهَا عَقُوقًا فَقَالَ هُوَ وَاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتهَا بِمِائَةٍ إلَّا لِعِقَاقِهَا وَمَا تَسْوَى لَوْلاَ الْعِقَاقُ خَمْسِينَ وَقَالَ الْبَائِعُ مَا أَرَدْت مِنْهَا الْعِقَاقَ لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ إذَا انْعَقَدَتْ صَفْقَةُ الْبَيْعِ عَلَى الْفَرَسِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الْعِقَاقُ وَلَوْ اُشْتُرِطَ فِيهَا الْعِقَاقُ فَسَدَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لاَ يَدْرِي أَيَكُونُ أَوْ لاَ يَكُونُ أَلاَ تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلاً شَرِيفًا نَكَحَ دَنِيَّةً أَعْجَمِيَّةً, أَوْ شَرِيفَةً نَكَحَتْ دَنِيًّا أَعْجَمِيًّا فَتَصَادَقَا فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنْ لَمْ يَنْوِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنْ يَثْبُتَا عَلَى النِّكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ لَيْلَةٍ لَمْ يَحْرُمْ النِّكَاحُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لِأَنَّ ظَاهِرَ عُقْدَتِهِ كَانَتْ صَحِيحَةً إنْ شَاءَ الزَّوْجُ حَبَسَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا فَإِذَا دَلَّ الْكِتَابُ ثُمَّ السَّنَةُ ثُمَّ عَامَّةُ حُكْمِ الْإِسْلاَمِ عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالظَّاهِرِ عَقْدُهَا وَلاَ يُفْسِدُهَا نِيَّةُ الْعَاقِدَيْنِ كَانَتْ الْعُقُودُ إذَا عُقِدَتْ فِي الظَّاهِرِ صَحِيحَةً أَوْلَى أَنْ لاَ تَفْسُدَ بِتَوَهُّمِ غَيْرِ عَاقِدِهَا عَلَى عَاقِدِهَا ثَمَّ, سِيَّمَا إذَا كَانَ تَوَهُّمًا ضَعِيفًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَا وَصَفْت مَعَ مَا أَنَا ذَاكِرٌ وَسَاكِتٌ عَنْهُ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرْت مِنْهُ عَمَّا لَمْ أَذْكُرْ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ لِمَنْ اسْتَأْهَلَ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا أَوْ مُفْتِيًا أَنْ يَحْكُمَ وَلاَ أَنْ يُفْتِيَ إلَّا مِنْ جِهَةِ خَبَرٍ لاَزِمٍ وَذَلِكَ الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ أَوْ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَوْ قِيَاسٌ عَلَى بَعْضِ هَذَا لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ وَلاَ يُفْتِيَ بِالِاسْتِحْسَانِ إذْ لَمْ يَكُنْ الِاسْتِحْسَانُ وَاجِبًا وَلاَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ أَنْ يَسْتَحْسِنَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الِاسْتِحْسَانُ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي مَعَ مَا ذَكَرْت فِي كِتَابِك هَذَا؟ قِيلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعَمَلِ بِالْقُرْآنِ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ السُّدَى الَّذِي لاَ يُؤْمَرُ وَلاَ يُنْهَى وَمَنْ أَفْتَى أَوْ حَكَمَ بِمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَقَدْ أَجَازَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ فِي مَعَانِي السُّدَى وَقَدْ أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ سُدًى وَرَأَى أَنْ قَالَ أَقُولُ بِمَا شِئْت وَادَّعَى مَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلاَفِهِ فِي هَذَا وَفِي السُّنَنِ فَخَالَفَ مِنْهَاجَ النَّبِيِّينَ وَعَوَامَّ حُكْمِ جَمَاعَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ الْعَالِمِينَ, فَإِنْ قَالَ فَأَيْنَ مَا ذَكَرْت مِنْ الْقُرْآنِ وَمِنْهَاجِ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ؟ قِيلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إلَيْك مِنْ رَبِّك} وَقَالَ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتْبَعْ أَهْوَاءَهُمْ} الآيَةَ. ثُمَّ جَاءَهُ قَوْمٌ فَسَأَلُوهُ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالَ أُعْلِمُكُمْ غَدًا يَعْنِي أَسْأَلُ جِبْرِيلَ ثُمَّ أُعْلِمُكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} الآيَةَ. وَجَاءَتْهُ امْرَأَةُ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ تَشْكُو إلَيْهِ أَوْسًا فَلَمْ يُجِبْهَا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُك فِي زَوْجِهَا} وَجَاءَهُ الْعَجْلاَنِيُّ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ قَالَ لَمْ يَنْزِلْ فِيكُمَا وَانْتَظَرَ الْوَحْيَ فَلَمَّا نَزَلَ دَعَاهُمَا فَلاَعَنَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ لِنَبِيِّهِ: {أَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاك خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} الآيَةَ. وَلَيْسَ يُؤْمَرُ أَحَدٌ أَنْ يَحْكُمَ بِحَقٍّ إلَّا وَقَدْ عَلِمَ الْحَقَّ وَلاَ يَكُونُ الْحَقُّ مَعْلُومًا إلَّا عَنْ اللَّهِ نَصًّا أَوْ دَلاَلَةً مِنْ اللَّهِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهَ الْحَقَّ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ نَازِلَةٌ إلَّا وَالْكِتَابُ يَدُلُّ عَلَيْهَا نَصًّا أَوْ جُمْلَةً, فَإِنْ قَالَ وَمَا النَّصُّ وَالْجُمْلَةُ؟ قِيلَ النَّصُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَأَحَلَّ نَصًّا حَرَّمَ الْأُمَّهَاتِ وَالْجَدَّاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالاَتِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُنَّ وَأَبَاحَ مَنْ سِوَاهُنَّ وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ فَقَالَ: {اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} الآيَةَ. فَكَانَ مُكْتَفًى بِالتَّنْزِيلِ فِي هَذَا عَنْ الِاسْتِدْلاَلِ فِيمَا نَزَلَ فِيهِ مَعَ أَشْبَاهٍ لَهُ, فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْجُمْلَةُ؟ قِيلَ مَا فَرَضَ اللَّهُ مِنْ صَلاَةٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ الصَّلاَةُ وَعَدَدَهَا وَوَقْتَهَا وَالْعَمَلَ فِيهَا وَكَيْفَ الزَّكَاةُ وَفِي أَيِّ الْمَالِ هِيَ وَفِي أَيِّ وَقْتٍ هِيَ وَكَمْ قَدْرُهَا وَبَيَّنَ كَيْفَ الْحَجُّ وَالْعَمَلَ فِيهِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ وَمَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يُقَالُ لِهَذَا كَمَا قِيلَ لِلْأَوَّلِ قُبِلَ عَنْ اللَّهِ؟ قِيلَ نَعَمْ, فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ قِيلَ؟ قُبِلَ عَنْ اللَّهِ لِكَلاَمِهِ جُمْلَةً وَقَبْلَ تَفْسِيرِهِ عَنْ اللَّهِ بِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ طَاعَةَ نَبِيِّهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وَقَالَ: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} مَعَ مَا فَرَضَ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ, فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا مَقْبُولٌ عَنْ اللَّهِ كَمَا وَصَفْت فَهَلْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَحْيٍ؟ قِيلَ اللَّهُ أَعْلَمُ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ الرَّبِيعُ هُوَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عِنْدَهُ كِتَابًا مِنْ الْعُقُولِ نَزَلَ بِهِ الْوَحْيُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ إلَّا بِوَحْيٍ فَمِنْ الْوَحْيِ مَا يُتْلَى وَمِنْهُ مَا يَكُونُ وَحْيًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَنُّ بِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَا تَرَكْت شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمْ اللَّهُ بِهِ إلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَلاَ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ إلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ وَإِنَّ الرَّوْحَ الْأَمِينَ قَدْ أَلْقَى فِي رَوْعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا فَأَحْمِلُوا فِي الطَّلَبِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ مَا لَمْ يَتْلُ قُرْآنًا إنَّمَا أَلْقَاهُ جِبْرِيلُ فِي رَوْعِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ فَكَانَ وَحْيًا إلَيْهِ وَقِيلَ جَعَلَ اللَّهُ إلَيْهِ لِمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَنْ يُسِنَّ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ أَلْزَمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ الْخِيرَةَ مِنْ أَمْرِهِمْ فِيمَا سَنَّ لَهُمْ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعَ سُنَّتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا الْحُجَّةُ فِي قَبُولِ مَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قِيلَ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لِلُّزُومِ جَمَاعَتِهِمْ مَعْنًى إلَّا لُزُومَ قَوْلِ جَمَاعَتِهِمْ وَكَانَ مَعْقُولاً أَنَّ جَمَاعَتَهُمْ لاَ تَجْهَلُ كُلُّهَا حُكْمًا لِلَّهِ وَلاَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الْجَهْلَ لاَ يَكُونُ إلَّا فِي خَاصٍّ وَأَمَّا مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَلاَ يَكُونُ فِيهِ الْجَهْلُ فَمَنْ قَبِلَ قَوْلَ جَمَاعَتِهِمْ فَبِدَلاَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَرَأَيْت مَا لَمْ يَمْضِ فِيهِ كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ وَلاَ يُوجَدُ النَّاسُ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَأَمَرْت بِأَنْ يُؤْخَذَ قِيَاسًا عَلَى كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَيُقَالُ لِهَذَا قُبِلَ عَنْ اللَّهِ؟ قِيلَ نَعَمْ قُبِلَتْ جُمْلَتُهُ عَنْ اللَّهِ, فَإِنْ قِيلَ مَا جُمْلَتُهُ؟ قِيلَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, فَإِنْ قِيلَ أَفَيُوجَدُ فِي الْكِتَابِ دَلِيلٌ عَنْ مَا وَصَفْت؟ قِيلَ نَعَمْ نَسَخَ اللَّهُ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفَرَضَ عَلَى النَّاسِ التَّوَجُّهَ إلَى الْبَيْتِ فَكَانَ عَلَى مَنْ رَأَى الْبَيْتَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ بِالْعِيَانِ وَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ الْبَيْتُ أَنْ يُوَلِّيَ وَجْهَهُ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ الْبَيْتَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَكَانَ الْمُحِيطُ بِأَنَّهُ أَصَابَ الْبَيْتَ بِالْمُعَايَنَةِ وَالْمُتَوَجِّهُ قَصَدَ الْبَيْتَ مِمَّنْ غَابَ عَنْهُ قَابِلَيْنِ عَنْ اللَّهِ مَعًا التَّوَجُّهَ إلَيْهِ وَأَحَدُهُمَا عَلَى الْإِحَاطَةِ وَالْآخَرُ مُتَوَجِّهٌ بِدَلاَلَةٍ فَهُوَ عَلَى إحَاطَةٍ مِنْ صَوَابِ جُمْلَةِ مَا كُلِّفَ وَعَلَى غَيْرِ إحَاطَةٍ كَإِحَاطَةِ الَّذِي يَرَى الْبَيْتَ مِنْ صَوَابِ الْبَيْتِ وَلَمْ يُكَلَّفْ الْإِحَاطَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قِيلَ فِيمَ يُتَوَجَّهُ إلَى الْبَيْتِ؟ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} وَقَالَ: {وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} وَكَانَتْ الْعَلاَمَاتُ جِبَالاً يَعْرِفُونَ مَوَاضِعَهَا مِنْ الْأَرْضِ وَشَمْسًا وَقَمَرًا وَنَجْمًا مِمَّا يَعْرِفُونَ مِنْ الْفَلَكِ وَرِيَاحًا يَعْرِفُونَ مَهَابَّهَا عَلَى الْهَوَاءِ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ طَلَبَ الدَّلاَئِلِ عَلَى شَطْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت فَوَلِّ وَجْهَك شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وَكَانَ مَعْقُولاً عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْمُرُهُمْ بِتَوْلِيَةِ وُجُوهِهِمْ شَطْرَهُ بِطَلَبِ الدَّلاَئِلِ عَلَيْهِ لاَ بِمَا اسْتَحْسَنُوا وَلاَ بِمَا سَنَحَ فِي قُلُوبِهِمْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى أَوْهَامِهِمْ بِلاَ دَلاَلَةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ لِأَنَّهُ قَضَى أَنْ لاَ يَتْرُكَهُمْ سُدًى وَكَانَ مَعْقُولاً عَنْهُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَوَجَّهُوا شَطْرَهُ وَغَيَّبَ عَنْهُمْ عَيْنَهُ أَنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ أَنْ يَتَوَجَّهُوا حَيْثُ شَاءُوا لاَ قَاصِدِينَ لَهُ بِطَلَبِ الدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} فَكَانَ عَلَى الْحُكَّامِ أَنْ لاَ يَقْبَلُوا إلَّا عَدْلاً فِي الظَّاهِرِ وَكَانَتْ صِفَاتُ الْعَدْلِ عِنْدَهُمْ مَعْرُوفَةً وَقَدْ وَصَفْتهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ يَكُونُ فِي الظَّاهِرِ عَدْلاً وَسَرِيرَتُهُ غَيْرُ عَدْلٍ وَلَكِنَّ اللَّهُ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ مَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ السَّبِيلَ إلَى عَمَلِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إذْ كَانَ يُمْكِنُ إلَّا أَنْ يَرُدُّوا مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ خِلاَفُ الْعَدْلِ عِنْدَهُمْ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي ظَهَرَ مِنْهُ خِلاَفُ الْعَدْلِ خَيْرًا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الَّذِي ظَهَرَ مِنْهُ الْعَدْلُ وَلَكِنْ كُلِّفُوا أَنْ يَجْتَهِدُوا عَلَى مَا يَعْلَمُونَ مِنْ الظَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يُؤْتَوْا أَكْثَرَ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَكَانَ مَعْقُولاً عَنْ اللَّهِ فِي الصَّيْدِ النَّعَامَةُ وَبَقَرُ الْوَحْشِ وَحِمَارُهُ وَالثَّيْتَلُ وَالظَّبْيُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْأَرْنَبُ وَالْيَرْبُوعُ وَغَيْرُهُ وَمَعْقُولاً أَنَّ النَّعَمَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَفِي هَذَا مَا يَصْغُرُ عَنْ الْغَنَمِ وَعَنْ الْإِبِلِ وَعَنْ الْبَقَرِ فَلَمْ يَكُنْ الْمِثْلُ فِيهِ فِي الْمَعْقُولِ وَفِيمَا حَكَمَ بِهِ مَنْ حَكَمَ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا أَنْ يَحْكُمُوا فِي الصَّيْدِ بِأَوْلَى الْأَشْيَاءِ شَبَهًا مِنْهُ مِنْ النَّعَمِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إذْ كَانَ الْمِثْلُ يَقْرُبُ قُرْبَ الْغَزَالِ مِنْ الْعَنْزِ وَالضَّبُعِ مِنْ الْكَبْشِ أَنْ يُبْطِلُوا الْيَرْبُوعَ مَعَ بُعْدِهِ مِنْ صَغِيرِ الْغَنَمِ وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَجْتَهِدُوا كَمَا أَمْكَنَهُمْ الِاجْتِهَادُ وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَأَشْبَهُ لِهَذَا تَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الْقِيَاسِ وَحَظْرِ أَنْ يُعْمَلَ بِخِلاَفِهِ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ أَمْرَ اللَّهِ بِالدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا طَلَبَهُ بِالسَّبِيلِ الَّتِي فُرِضَتْ عَلَيْهِ وَمَنْ قَالَ أَسْتَحْسِنُ لاَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَلاَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْبَلْ عَنْ اللَّهِ وَلاَ عَنْ رَسُولِهِ مَا قَالَ وَلَمْ يَطْلُبْ مَا قَالَ بِحُكْمِ اللَّهِ وَلاَ بِحُكْمِ رَسُولِهِ, وَكَانَ الْخَطَأُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ هَذَا, بَيَّنَّا بِأَنَّهُ قَدْ قَالَ: أَقُولُ وَأَعْمَلُ بِمَا لَمْ أُومَرْ بِهِ وَلَمْ أُنْهَ عَنْهُ وَبِلاَ مِثَالٍ عَلَى مَا أُمِرْت بِهِ وَنُهِيت عَنْهُ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ بِخِلاَفِ مَا قَالَ فَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا إلَّا مُتَعَبِّدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} إنَّ مَنْ حَكَمَ أَوْ أَفْتَى بِخَيْرٍ لاَزِمٍ أَوْ قِيَاسٍ عَلَيْهِ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَحَكَمَ وَأَفْتَى مِنْ حَيْثُ أُمِرَ فَكَانَ فِي النَّصِّ مُؤَدَّيَا مَا أُمِرَ بِهِ نَصًّا وَفِي الْقِيَاسِ مُؤَدِّيًا مَا أُمِرَ بِهِ اجْتِهَادًا وَكَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ فِي الْأَمْرَيْنِ. ثُمَّ لِرَسُولِهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ ثُمَّ رَسُولِهِ, ثُمَّ الِاجْتِهَادِ فَيُرْوَى: {أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذٍ بِمَ تَقْضِي؟ قَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ أَجْتَهِدُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} وَقَالَ: {إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ} فَأَعْلَمَ أَنَّ لِلْحَاكِمِ الِاجْتِهَادَ وَالْمَقِيسَ فِي مَوْضِعِ الْحُكْمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ اسْتَجَازَ أَنْ يَحْكُمَ أَوْ يُفْتِيَ بِلاَ خَبَرٍ لاَزِمٍ وَلاَ قِيَاسٍ عَلَيْهِ كَانَ مَحْجُوجًا بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَفْعَلُ مَا هَوِيت وَإِنْ لَمْ أُومَرْ بِهِ مُخَالِفٌ مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَكَانَ مَحْجُوجًا عَلَى لِسَانِهِ وَمَعْنَى مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا, فَإِنْ قِيلَ مَا هُوَ؟. قِيلَ لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رَخَّصَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعُقُولِ وَالْآدَابِ فِي أَنْ يُفْتِيَ وَلاَ يَحْكُمَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِاَلَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ أُمُورُ الْقِيَاسِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْعَقْلِ لِتَفْصِيلِ الْمُشْتَبَهِ فَإِذَا زَعَمُوا هَذَا قِيلَ لَهُمْ وَلِمَ لَمْ يَجُزْ لِأَهْلِ الْعُقُولِ الَّتِي تَفُوقُ كَثِيرًا مِنْ عُقُولِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْفُتْيَا أَنْ يَقُولُوا فِيمَا قَدْ نَزَلَ مِمَّا يَعْلَمُونَهُ مَعًا أَنْ لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ وَلاَ إجْمَاعٌ وَهُمْ أَوْفَرُ عُقُولاً وَأَحْسَنُ إبَانَةً لِمَا قَالُوا مِنْ عَامَّتِكُمْ, فَإِنْ قُلْتُمْ لِأَنَّهُمْ لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِالْأُصُولِ قِيلَ لَكُمْ فَمَا حُجَّتُكُمْ فِي عِلْمِكُمْ بِالْأُصُولِ إذَا قُلْتُمْ بِلاَ أَصْلٍ وَلاَ قِيَاسٍ عَلَى أَصْلٍ؟ هَلْ خِفْتُمْ عَلَى أَهْلِ الْعُقُولِ الْجَهَلَةِ بِالْأُصُولِ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الْأُصُولَ فَلاَ يُحْسِنُونَ أَنْ يَقِيسُوا بِمَا لاَ يَعْرِفُونَ وَهَلْ أَكْسَبَكُمْ عِلْمُكُمْ بِالْأُصُولِ الْقِيَاسَ عَلَيْهِمْ أَوْ أَجَازَ لَكُمْ تَرْكَهَا؟ فَإِذَا جَازَ لَكُمْ تَرْكَهَا جَازَ لَهُمْ الْقَوْلُ مَعَكُمْ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُخَالِفُ عَلَيْهِمْ تَرْكُ الْقِيَاسِ عَلَيْهَا أَوْ الْخَطَأِ, ثُمَّ لاَ أَعْلَمُهُمْ إلَّا أَحْمَدَ عَلَى الصَّوَابِ إنْ قَالُوا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ مِنْكُمْ لَوْ كَانَ أَحَدٌ يُحْمَدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مِثَالاً فَتَرَكُوهُ وَأَعْذُرُ بِالْخَطَأِ مِنْكُمْ وَهُمْ أَخْطَئُوا فِيمَا لاَ يَعْلَمُونَ وَلاَ أَعْلَمُكُمْ إلَّا أَعْظَمَ وِزْرًا مِنْهُمْ أَتَرَكْتُمْ مَا تَعْرِفُونَ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي لاَ تَجْهَلُونَ, فَإِنْ قُلْتُمْ فَنَحْنُ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ عَلَى غَيْرِ جَهَالَةٍ بِالْأَصْلِ قِيلَ, فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَأَنْتُمْ خَالَفْتُمْ الْحَقَّ عَالِمِينَ بِهِ وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ مَا إنْ جَهِلْتُمُوهُ لَمْ تَسْتَأْهِلُوا أَنْ تَقُولُوا فِي الْعِلْمِ وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ وَاسِعًا لَكُمْ تَرْكُ الْقِيَاسِ وَالْقَوْلِ بِمَا سَنَحَ فِي أَوْهَامِكُمْ وَحَضَرَ أَذْهَانَكُمْ وَاسْتَحْسَنَتْهُ مَسَامِعُكُمْ حُجِجْتُمْ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْقُرْآنِ, ثُمَّ السُّنَّةِ وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنْ أَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إلَّا بِعِلْمٍ وَمَا لاَ تَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ تَدَاعَى عِنْدَهُ رَجُلاَنِ فِي ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ تَبَايَعَاهُ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ إذَا كَانَ مُشْكِلاً أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْعُوَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَيَسْأَلَهُمْ عَمَّا تَدَاعَيَا فِيهِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ, فَإِنْ تَطَالَبَا قِيمَةَ عَيْبٍ فِيهِ وَقَدْ فَاتَ سَأَلَهُمْ عَنْ قِيمَتِهِ فَلَوْ قَالَ أَفْضَلُهُمْ دِينًا وَعِلْمًا إنِّي جَاهِلٌ بِسُوقِهِ الْيَوْمَ وَإِنْ كُنْت عَالِمًا بِهَا قَبْلَ الْيَوْمِ وَلَكِنِّي أَقُولُ فِيهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ بِجَهَالَتِهِ بِسُوقِ يَوْمِهِ وَقَبِلَ قَوْلَ مَنْ يَعْرِفُ سُوقَ يَوْمِهِ وَلَوْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُ سُوقَ يَوْمِهِ فَقَالَ إذَا قِسْت هَذَا بِغَيْرِهِ مِمَّا يُبَاعُ وَقَوَّمْته عَلَى مَا مَضَى وَكَانَ عَيْبَهُ دَلَّنِي الْقِيَاسُ عَلَى كَذَا وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ غَيْرَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ اسْتِحْسَانَهُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِمَا يُقَالُ إنَّهُ قِيمَةُ مِثْلِهِ فِي يَوْمِهِ. وَكَذَلِكَ هَذَا فِي امْرَأَةٍ أُصِيبَتْ بِصَدَاقٍ فَاسِدٍ يُقَالُ كَمْ صَدَاقُ مِثْلِهَا فِي الْجَمَالِ وَالْمَالِ وَالصَّرَاحَةِ وَالشَّبَابِ وَاللُّبِّ وَالْأَدَبِ فَلَوْ قِيلَ مِائَةُ دِينَارٍ وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نَزِيدَهَا دِرْهَمًا أَوْ نَنْقُصَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَقَالَ لِلَّذِي يَقُولُ أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَزِيدَهَا أَوْ أَنْقُصَهَا لَيْسَ ذَلِكَ لِي وَلاَ لَك وَعَلَى الزَّوْجِ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَإِذَا حَكَمَ بِمِثْلِ هَذَا فِي الْمَالِ الَّذِي نَقَلَ رَزِيَّتَهُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَلَمْ يَسَعْ فِيهِ الِاسْتِحْسَانَ وَأَلْزَمَ فِيهِ الْقِيَاسَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَلَمْ يَجْهَلْ لِأَهْلِ الْجَهَالَةِ قِيَاسًا فِيهِ لِأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَا يَقِيسُونَ عَلَيْهِ فَحَلاَلُ اللَّهِ وَحَرَامُهُ مِنْ الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَعَظِيمِ الْأُمُورِ أَوْلَى أَنْ يَلْزَمَ الْحُكَّامَ وَالْمُفْتِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَفَرَأَيْت إذَا قَالَ الْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي فِي النَّازِلَةِ لَيْسَ فِيهَا نَصُّ خَبَرٍ وَلاَ قِيَاسٍ وَقَالَ أَسْتَحْسِنُ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ جَائِزًا لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَحْسِنَ خِلاَفَهُ فَيَقُولُ كُلُّ حَاكِمٍ فِي بَلَدٍ وَمُفْتٍ بِمَا يَسْتَحْسِنُ فَيُقَالُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِضُرُوبٍ مِنْ الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا, فَإِنْ كَانَ هَذَا جَائِزًا عِنْدَهُمْ فَقَدْ أَهْمَلُوا أَنْفُسَهُمْ فَحَكَمُوا حَيْثُ شَاءُوا وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ وَإِنْ قَالَ الَّذِي يَرَى مِنْهُمْ تَرْكَ الْقِيَاسِ بَلْ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُ مَا قُلْت قِيلَ لَهُ مَنْ أَمَرَ بِطَاعَتِك حَتَّى يَكُونَ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُك؟ أَوْ رَأَيْت إنْ ادَّعَى عَلَيْك غَيْرُك هَذَا أَتُطِيعُهُ أَمْ تَقُولُ لاَ أُطِيعُ إلَّا مَنْ أُمِرْت بِطَاعَتِهِ؟ فَكَذَلِكَ لاَ طَاعَةَ لَك عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ لِمَنْ أَمَرَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ بِطَاعَتِهِ وَالْحَقُّ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِاتِّبَاعِهِ وَدَلَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِ نَصًّا أَوْ اسْتِنْبَاطًا بِدَلاَئِلَ أَوَرَأَيْت إذْ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّوَجُّهِ قِبَلَ الْبَيْتِ وَهُوَ مُغَيَّبٌ عَنْ الْمُتَوَجِّهِ هَلْ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ بِطَلَبِ الدَّلاَئِلِ عَلَيْهِ؟ أَوَرَأَيْت إذَا أَمَرَ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنْ لاَ يَقْبَلَ غَيْرَهَا هَلْ يَعْرِفُ الْعَدْلَ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا بِطَلَبِ الدَّلاَئِلِ عَلَى عَدْلِهِ؟ أَوَرَأَيْت إذَا أَمَرَ بِالْحُكْمِ بِالْمِثْلِ فِي الصَّيْدِ هَلْ أَمَرَ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا بِأَنْ يَحْكُمَ بِنَظَرِهِ؟ فَكُلُّ هَذَا اجْتِهَادٌ وَقِيَاسٌ أَوَرَأَيْت إذَا أَمَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْحُكْمِ هَلْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا عَلَى غَيْرِ طَلَبِ عَيْنٍ وَطَلَبُ الْعَيْنِ لاَ يَكُونُ إلَّا بِاتِّبَاعِ الدَّلاَئِلِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ مُحَالاً أَنْ يُقَالَ اجْتَهِدْ فِي طَلَبِ شَيْءٍ مَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ بِاحْتِيَالِهِ وَالِاسْتِدْلاَلُ عَلَيْهِ لاَ يَكُونُ طَالِبًا لِشَيْءٍ مَنْ سَنَحَ عَلَى وَهْمِهِ أَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّهُ لَيَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْقِيَاسِ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرْت وَفِي بَعْضِهِ مَا قَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى لِي وَلِجَمِيعِ خَلْقِهِ التَّوْفِيقَ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ وَلاَ لِلْوَالِي أَنْ يَدَعَ أَحَدًا وَلاَ يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ أَحَدًا إلَّا مَتَى يَجْمَعُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا عِلْمَ الْكِتَابِ وَعِلْمَ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ خَاصِّهِ وَعَامِّهِ وَأَدَبِهِ وَعَالِمًا بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَعَالِمًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ عَاقِلاً يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُشْتَبَهِ وَيَعْقِلُ الْقِيَاسَ. فَإِنْ عَدِمَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ قِيَاسًا, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِالْأُصُولِ غَيْرَ عَاقِلٍ لِلْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ الْفَرْعُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ قِسْ وَهُوَ لاَ يَعْقِلُ الْقِيَاسَ وَإِنْ كَانَ عَاقِلاً لِلْقِيَاسِ وَهُوَ مُضَيِّعٌ لِعِلْمِ الْأُصُولِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لَهُ قِسْ عَلَى مَا لاَ تَعْلَمْ كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قِسْ لِأَعْمًى وَصَفْت لَهُ اجْعَلْ كَذَا عَنْ يَمِينِك, وَكَذَا عَنْ يَسَارِك فَإِذَا بَلَغْت كَذَا فَانْتَقِلْ مُتَيَامِنًا وَهُوَ لاَ يُبْصِرُ مَا قِيلَ لَهُ يَجْعَلُهُ يَمِينًا وَيَسَارًا أَوْ يُقَالُ سِرْ بِلاَدًا وَلَمْ يَسِرْهَا قَطُّ وَلَمْ يَأْتِهَا قَطُّ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا عِلْمٌ يَعْرِفُهُ وَلاَ يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا قَصْدُ سَمْتٍ يَضْبِطُهُ لِأَنَّهُ يَسِيرُ فِيهَا عَنْ غَيْرِ مِثَالٍ قَوِيمٍ وَكَمَا لاَ يَجُوزُ لِعَالِمٍ بِسُوقِ سِلْعَةٍ مُنْذُ زَمَانٍ ثُمَّ خَفِيَتْ عَنْهُ سَنَةً أَنْ يُقَالَ لَهُ قَوِّمْ عَبْدًا مِنْ صِفَتِهِ كَذَا لِأَنَّ السُّوقَ تَخْتَلِفُ وَلاَ لِرَجُلٍ أَبْصَرَ بَعْضَ صِنْفٍ مِنْ التِّجَارَاتِ وَجَهِلَ غَيْرَ صِنْفِهِ وَالْغَيْرُ الَّذِي جَهِلَ لاَ دَلاَلَةٌ عَلَيْهِ بِبَعْضِ عِلْمِ الَّذِي عَلِمَ قُوِّمَ كَذَا كَمَا لاَ يُقَالُ لِبَنَّاءٍ اُنْظُرْ قِيمَةَ الْخِيَاطَةِ وَلاَ لِخَيَّاطٍ اُنْظُرْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ حَكَمَ وَأَفْتَى مَنْ لَمْ يَجْمَعْ مَا وَصَفْت قِيلَ فَقَدْ رَأَيْت أَحْكَامَهُمْ وَفُتْيَاهُمْ فَرَأَيْت كَثِيرًا مِنْهَا مُتَضَادًّا مُتَبَايِنًا وَرَأَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ يُخَطِّئُ صَاحِبَهُ فِي حُكْمِهِ وَفُتْيَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُسْتَعَانُ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَرَأَيْت مَا اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُونَ كَيْفَ الْحَقُّ فِيهِ عِنْدَ اللَّهِ؟ قِيلَ لاَ يَجُوزُ فِيهِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِيهِ عِنْدَ اللَّهِ كُلُّهُ إلَّا وَاحِدًا لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحْكَامَهُ وَاحِدٌ لِاسْتِوَاءِ السَّرَائِرِ وَالْعَلاَنِيَةِ عِنْدَهُ وَأَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَوَاءٌ, فَإِنْ قِيلَ مَنْ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فَيَقِيسَ عَلَى كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ هَلْ يَخْتَلِفُونَ وَيَسَعُهُمْ الِاخْتِلاَفُ؟. أَوْ يُقَالُ لَهُمْ إنْ اخْتَلَفُوا: مُصِيبُونَ كُلُّهُمْ أَوْ مُخْطِئُونَ أَوْ لِبَعْضِهِمْ مُخْطِئٌ وَبَعْضُهُمْ مُصِيبٌ؟ قِيلَ لاَ يَجُوزُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنْ اخْتَلَفُوا إنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ الِاجْتِهَادُ وَذَهَبَ مَذْهَبًا مُحْتَمَلاً أَنْ يُقَال لَهُ أَخْطَأَ مُطْلَقًا وَلَكِنْ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ أَطَاعَ فِيمَا كُلِّفَ وَأَصَابَ فِيهِ وَلَمْ يُكَلَّفْ عِلْمَ الْغَيْبِ الَّذِي لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَثِّلْ لِي مِنْ هَذَا شَيْئًا قِيلَ لاَ مِثَالَ أَدَلُّ عَلَيْهِ مِنْ الْغَيْبِ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاسْتِقْبَالِهِ فَإِذَا اجْتَهَدَ رَجُلاَنِ بِالطَّرِيقَيْنِ عَالِمَانِ بِالنُّجُومِ وَالرِّيَاحِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَرَأَى أَحَدُهُمَا الْقِبْلَةَ مُتَيَامِنًا مِنْهُ وَرَأَى أَحَدُهُمَا الْقِبْلَةَ مُنْحَرِفَةً عَنْ حَيْثُ رَأَى صَاحِبُهُ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ يَرَى وَلاَ يَتْبَعَ صَاحِبَهُ إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى غَيْرِ مَا أَدَّى صَاحِبَهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ وَلَمْ يُكَلَّفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَوَابَ عَيْنِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَقَدْ أَدَّى مَا كُلِّفَ مِنْ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ بِالدَّلاَئِلِ عَلَيْهِ, فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ أَحَدَهُمَا اسْمُ الْخَطَأِ قِيلَ أَمَّا فِيمَا كُلِّفَ فَلاَ وَأَمَّا خَطَأُ عَيْنِ الْبَيْتِ فَنَعَمْ لِأَنَّ الْبَيْتَ لاَ يَكُونُ فِي جِهَتَيْنِ, فَإِنْ قِيلَ فَيَكُونُ مُطِيعًا بِالْخَطَأِ قِيلَ هَذَا مِثْلُ جَاهِدٍ يَكُونُ مُطِيعًا بِالصَّوَابِ لِمَا كُلِّفَ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَغَيْرَ آثِمٍ بِالْخَطَأِ إذْ لَمْ يُكَلَّفْ صَوَابَ الْمَغِيبِ الْعَيِّنِ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يُكَلَّفْ صَوَابَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَطَأٌ مَا لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ صَوَابَ عَيْنِهِ, فَإِنْ قِيلَ أَفَتَجِدُ سُنَّةً تَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ نَعَمْ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ} قَالَ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ فَحَدَّثْت بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا مَعْنَى هَذَا؟ قِيلَ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ فَجَمَعَ الصَّوَابَ بِالِاجْتِهَادِ وَصَوَابَ الْعَيْنِ الَّتِي اجْتَهَدَ كَانَ لَهُ حَسَنَتَانِ وَإِذَا أَصَابَ الِاجْتِهَادَ وَأَخْطَأَ الْعَيْنَ الَّتِي أَمَرَ يَجْتَهِدُ فِي طَلَبِهَا كَانَتْ لَهُ حَسَنَةٌ وَلاَ يُثَابُ مَنْ يُؤَدِّي فِي أَنْ يُخْطِئَ الْعَيْنَ وَيُحْسِنُ مَنْ يُؤَدِّي أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ صَوَابَ الْعَيْنِ فِي حَالٍ, فَإِنْ قِيلَ ذَمَّ اللَّهُ عَلَى الِاخْتِلاَفِ قِيلَ الِاخْتِلاَفُ وَجْهَانِ فَمَا أَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْحُجَّةَ عَلَى خَلْقِهِ حَتَّى يَكُونُوا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إلَّا اتِّبَاعُهُ وَلاَ لَهُمْ مُفَارَقَتُهُ, فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَلِكَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي لاَ يَحِلُّ الِاخْتِلاَفُ فِيهِ, فَإِنْ قَالَ فَأَيْنَ ذَلِكَ؟ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ} فَمَنْ خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ لاَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ أَوْ سُنَّةً قَائِمَةً فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْخِلاَفُ وَلاَ أَحْسَبُهُ يَحِلُّ لَهُ خِلاَفَ جَمَاعَةِ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِمْ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ وَمَنْ خَالَفَ فِي أَمْرٍ لَهُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَذَهَبَ إلَى مَعْنًى يَحْتَمِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ دَلاَئِلُ لَمْ يَكُنْ فِي مِنْ خِلاَفٍ لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُخَالِفُ حِينَئِذٍ كِتَابًا نَصَّا وَلاَ سُنَّةً قَائِمَةً وَلاَ جَمَاعَةً وَلاَ قِيَاسًا بِأَنَّهُ إنَّمَا نَظَرَ فِي الْقِيَاسِ فَأَدَّاهُ إلَى غَيْرِ مَا أَدَّى صَاحِبَهُ إلَيْهِ الْقِيَاسُ كَمَا أَدَّاهُ فِي التَّوَجُّهِ لِلْبَيْتِ بِدَلاَلَةِ النُّجُومِ إلَى غَيْرِ مَا أَدَّى إلَيْهِ صَاحِبَهُ, فَإِنْ قَالَ وَيَكُونُ هَذَا فِي الْحُكْمِ؟ قِيلَ نَعَمْ, فَإِنْ قِيلَ فَمِثْلُ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْحُكْمِ دَلاَلَةٌ عَلَى مَوْضِعِ الصَّوَابِ قِيلَ قَدْ عَرَفْنَاهَا فِي بَعْضِهِ وَذَلِكَ أَنْ تَنْزِلَ نَازِلَةٌ تَحْتَمِلُ أَنْ تُقَاسَ فَيُوجَدَ لَهَا فِي الْأَصْلَيْنِ شَبَهٌ فَيَذْهَبُ ذَاهِبٌ إلَى أَصْلٍ وَالْآخَرُ إلَى أَصْلٍ غَيْرِهِ فَيَخْتَلِفَانِ, فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يُوجَدُ السَّبِيلُ إلَى أَنْ يُقِيمَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ حُجَّةً فِي بَعْضِ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ؟ قِيلَ نَعَمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ تُنْظَرَ النَّازِلَةُ, فَإِنْ كَانَتْ تُشْبِهُ أَحَدَ الْأَصْلَيْنِ فِي مَعْنًى وَالْآخَرَ فِي اثْنَيْنِ صُرِفَتْ إلَى الَّذِي أَشْبَهَتْهُ فِي الِاثْنَيْنِ دُونَ الَّذِي أَشْبَهَتْهُ فِي وَاحِدٍ وَهَكَذَا إذَا كَانَ شَبِيهًا بِأَحَدِ الْأَصْلَيْنِ أَكْثَرَ , فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَثِّلْ مِنْ هَذَا شَيْئًا قِيلَ لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي أَنْ لاَ دِيَةَ لِلْعَبْدِ يُقْتَلُ خَطَأً مُؤَقَّتَةً إلَّا قِيمَتَهُ, فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إلَى أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَعَلَى مَنْ قَتَلَهُ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ إلَى أَنَّهُ إنْ زَادَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ نَقَصَهَا مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ لاَ أَبْلُغُ بِهَا دِيَةَ حُرٍّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نَبْلُغُ بِهَا دِيَةَ أَحْرَارٍ فَإِذَا كَانَ ثَمَنُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا صَاحِبُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا أَنَّهَا ثَمَنُهُ, وَكَذَلِكَ إذَا زَادَتْ عَلَى دِيَةِ أَحْرَارٍ أَخَذَهَا سَيِّدُهُ كَمَا تُقْتَلُ لَهُ دَابَّةٌ تَسْوَى دِيَاتِ أَحْرَارٍ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ كَانَ وَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ أَمْرًا لاَ يَجُوزُ الْخَطَأُ فِيهِ لِمَا وَصَفْت, ثُمَّ عَادَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ فَقَالَ يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَآخُذُ الْأَحْرَارَ بِالْعَبِيدِ وَلاَ يَقْتَصُّ الْعَبْدُ مِنْ حُرٍّ وَلاَ مِنْ الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُمْ وَلِمَ قَتَلْتُمْ الْعَبْدَ وَالْأَعْبُدَ بِالْعَبْدِ قَوَدًا وَلَمْ تُقَيِّدُوا الْعَبْدَ مِنْ الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ؟ قَالَ مِنْ أَصْلِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ فِي الْعَبِيدِ إذَا قُتِلُوا خَطَأً أَنَّ فِيهِمْ أَثْمَانَهُمْ وَأَثْمَانُهُمْ كَالدَّوَابِّ وَالْمَتَاعِ فَقُلْنَا لاَ نَقْصَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ لِأَنَّهُمْ أَمْوَالٌ فَقُلْت لَهُمْ أَفَيُقَاسُ الْقِصَاصُ عَلَى الدِّيَاتِ وَالْأَثْمَانِ أَمْ الْقِصَاصُ مُخَالِفٌ لِلدِّيَاتِ وَالْأَثْمَانِ, فَإِنْ كَانَ يُقَاسُ عَلَى الدِّيَاتِ فَلَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا قَتَلْت عَبْدًا يَسْوَى أَلْفَ دِينَارٍ بِعَبْدِ يَسْوَى خَمْسَةَ دَنَانِيرَ وَقَتَلْت بِهِ عَبِيدًا كُلُّهُمْ ثَمَنُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِهِ وَلَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا حِينَ قَتَلْت بَعْضَ الْعَبِيدِ بِبَعْضٍ وَأَنْتَ تُمَثِّلُهُمْ بِالْبَهَائِمِ وَالْمَتَاعِ وَأَنْ وَلاَ تَقْتُلُ بَهِيمَةً بِبَهِيمَةٍ لَوْ قَتَلَتْهَا, فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ الدِّيَاتِ أَصْلٌ وَالدِّيَاتُ عِبْرَةٌ لِأَنَّك تَقْتُلُ الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ وَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَلَمْ تَذْهَبْ مَذْهَبًا بِتَرْكِك الْقِصَاصَ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذَا قَتَلْت الْعَبْدَ بِالْعَبْدِ كَانَ أَنْ يَتْلَفَ بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ أَقَلَّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُمْ مَعَ مَا يَلْزَمُك مِنْ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ وَمَا يَلْزَمُنِي بِقَوْلِي هَذَا؟ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ قَتَلَ عَبْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى مَنْ قَتَلَ الْحُرَّ مِنْ الْإِثْمِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَلَيْهِ فَرْضُ اللَّهِ وَلَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلاَمِ وَلاَ تَزْعُمُ هَذَا فِيمَنْ قَتَلَ بَعِيرًا أَوْ حَرَقَ مَتَاعًا وَتَزْعُمُ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ حَلاَلاً وَحَرَامًا وَحُدُودًا وَفَرَائِضَ وَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْبَهَائِمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ عَلَى عِبَادِهِ حُكْمَيْنِ حُكْمًا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ إنْ أُثَابَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ عَلَى مَا أَسَرُّوا كَمَا فَعَلَ بِهِمْ فِيمَا أَعْلَنُوا وَأَعْلَمَهُمْ إقَامَةً لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَبَيَّنَهَا لَهُمْ أَنَّهُ عَلِمَ سَرَائِرَهُمْ وَعَلِمَ عَلاَنِيَتَهُمْ فَقَالَ: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} وَقَالَ: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} وَخَلْقُهُ لاَ يَعْلَمُونَ إلَّا مَا شَاءَ عَزَّ وَجَلَّ وَحَجَبَ عِلْمَ السَّرَائِرِ عَنْ عِبَادِهِ وَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلاً فَقَامُوا بِأَحْكَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ وَأَبَانَ لِرُسُلِهِ وَخَلْقِهِ أَحْكَامَ خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا أَظْهَرُوا وَأَبَاحَ دِمَاءَ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ خَلْقِهِ فَقَالَ: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَحَرَّمَ دِمَاءَهُمْ إنْ أَظْهَرُوا الْإِسْلاَمَ فَقَالَ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وَقَالَ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً} وَقَالَ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمَ} فَجَعَلَ حِينَئِذٍ دِمَاءَ الْمُشْرِكِينَ مُبَاحَةً وَقِتَالَهُمْ حَتْمًا وَفَرْضًا عَلَيْهِمْ إنْ لَمْ يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ, ثُمَّ أَظْهَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ مَا يُخْفُونَ خِلاَفَ مَا يُعْلِنُونَ فَقَالَ: {يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ} وَقَالَ: {سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ} مَعَ مَا ذَكَرَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ يَجْعَلْ لِنَبِيِّهِ قَتْلَهُمْ إذَا أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَاكَحَةَ الْمُسْلِمِينَ وَلاَ مُوَارَثَتَهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَرَأَيْت مِثْلَ هَذَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ}: {وَقَالَ الْمِقْدَادُ أَرَأَيْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ مُشْرِكًا قَاتَلَنِي فَقَطَعَ يَدِي, ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَأَسْلَمَ أَفَأَقْتُلُهُ؟ قَالَ لاَ تَقْتُلْهُ} وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} الآيَةَ. فَحَكَمَ بِالْأَيْمَانِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَعْلَمُ مِنْ الْمَرْأَةِ مَا لاَ يَعْلَمُهُ الْأَجْنَبِيُّونَ وَدَرَأَ عَنْهُ وَعَنْهَا بِهَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ وَحَكَمَ فِي الرَّجُلِ يَقْذِفُ غَيْرَ زَوْجَتِهِ أَنْ يُحَدَّ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عَلَى مَا قَالَ وَلاَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْعَجْلاَنِيِّ وَامْرَأَتِهِ بِنَفْيِ زَوْجِهَا وَقَذْفِهَا بِشَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اُنْظُرُوهَا, فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ - يَعْنِي الْوَلَدَ - أَسْحَمَ أَدْعَجَ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلاَ أَرَاهُ إلَّا صَدَقَ} وَتِلْكَ صِفَةُ شَرِيكٍ الَّذِي قَذَفَهَا بِهِ زَوْجُهَا وَزَعَمَ أَنَّ حَبَلَهَا مِنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحِرَةٌ فَلاَ أَرَاهُ إلَّا كَذَبَ عَلَيْهَا} وَكَانَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ صِفَةَ زَوْجِهَا فَجَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُ شَرِيكَ ابْنَ السَّحْمَاءِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلاَ مَا حَكَمَ اللَّهُ} أَيْ لَكَانَ لِي فِيهِ قَضَاءٌ غَيْرُهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِبَيَانِ الدَّلاَلَةِ بِصِدْقِ زَوْجِهَا فَلَمَّا كَانَتْ الدَّلاَلَةُ لاَ تَكُونُ عِنْدَ الْعِبَادِ إحَاطَةً دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إبْطَالِ كُلِّ مَا لَمْ يَكُنْ إحَاطَةً عِنْدَ الْعِبَادِ مِنْ الدَّلاَئِلِ إنْ لَمْ يُقِرُّوا بِهِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَمْ يَمْتَنِعْ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَوْ تَقُومُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُؤْخَذَ لاَ يُؤْخَذُ بِدَلاَلَةٍ: {وَطَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدٍ يَزِيدَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ, ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْلَفَهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا عَلَيْهِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى لَمَّا كَانَ كَلاَمُهُ مُحْتَمِلاً لاََنْ لَمْ يُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ كَمَا حَكَمَ اللَّهُ فِيمَنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي الدُّنْيَا فَيَنْكِحُ الْمُؤْمِنَاتِ وَيُوَارِثُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَمَ بِأَنَّ سَرَائِرَهُمْ عَلَى غَيْرِ مَا أَظْهَرُوا وَأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ طَلاَقَ أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِبْتَاتَ الَّذِي لاَ غَايَةَ لَهُ مِنْ الطَّلاَقِ: {وَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ فَقَالَ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ فَجَعَلَ يُعَرِّضُ بِالْقَذْفِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى أَتَاهُ؟ قَالَ لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقُ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ} وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِحَدٍّ وَلاَ لِعَانٍ إذْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَذْفِ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَكُونَ أَرَادَ قَذْفًا وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى سَامِعِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَذْفَ مَعَ أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِالظَّنِّ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ دَلاَئِلُ قَرِيبَةٌ فَلاَ يَحْكُمُ إلَّا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْبَيِّنَةِ تَقُومُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ إقْرَارٍ مِنْهُ بِالْأَمْرِ الْبَيِّنِ وَكَمَا حَكَمَ اللَّهُ أَنَّ مَا أَظْهَرَ فَلَهُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ حَكَمَ أَنَّ مَا أَظْهَرَ فَعَلَيْهِ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ أَبَاحَ الدَّمَ بِالْكُفْرِ وَإِنْ كَانَ قَوْلاً فَلاَ يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْعِبَادِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ إلَّا بِالظَّاهِرِ لاَ بِالدَّلاَئِلِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ فِي الدِّيَةِ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَزَادَ وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ أَلْفُ شَاةٍ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ. قَالَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَرَضَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ رَوَى عَنْ عُمَرَ وَانْظُرْ أَيُّ الرِّوَايَتَيْنِ أَقْرَبُ إلَى مَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ فِي غَيْرِ هَذَا فَهُوَ الْحَقُّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي الْقَوْلَيْنِ كَافَّةً أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنْ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتِي دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ فَجَعَلُوا لِكُلِّ دِينَارٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَفَرَضُوا الزَّكَاةَ عَلَى هَذَا فَهَذَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ بَيْنَهُمْ فَإِذَا فَرَضُوا هَذَا فِي الصَّدَقَةِ فَكَيْفَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفْرِضُوا الدِّيَةَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ يَفْرِضُوا كُلَّ دِينَارٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْرِضُوا الدِّيَةَ بِمَا يَفْرِضُونَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالاَ لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَجَعَلُوا الدِّينَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ فَعَلَى هَذَا الْأَحْرَى مَا فَرَضُوا فِي مِثْلِ هَذَا, فَإِنْ زَادَ سِعْرٌ أَوْ نَقَصَ لَمْ يُنْظَرْ فِي ذَلِكَ أَلاَ تَرَى لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَجَبَ فِي ذَلِكَ الزَّكَاةُ وَجُعِلَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا زَكَاةٌ وَجُعِلَ دِينَارٌ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهَذَا أَمْرٌ وَاضِحٌ لَيْسَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفْرِضُوا الدِّيَةَ فِيهِ إلَّا عَلَى مَا فُرِضَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَنَحْوُهَا وَنَحْنُ فِيمَا نَظُنُّ أَعْلَمُ بِفَرِيضَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حِينَ فَرَضَ الدِّيَةَ دَرَاهِمَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ يُؤَدِّي الدِّيَةَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَقَدْ صَدَقَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه فَرَضَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَكِنَّهُ فَرَضَهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَزْنَ سِتَّةٍ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانَتْ الدِّيَةُ الْإِبِلَ فَجُعِلَتْ الْإِبِلُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ كُلُّ بَعِير بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَزْنَ سِتَّةٍ فَذَلِكَ عَشَرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَقِيلَ لِشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنَّ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ شَرِيكٌ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فَأَتَى رَجُلٌ مِنَّا رَجُلاً مِنْ الْعَدُوِّ وَضَرَبَهُ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا فَكَبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَاجِبَيْهِ وَأَنْفِهِ وَلِحْيَتِهِ وَصَدْرِهِ فَقَضَى فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ يَوْمئِذٍ وَزْنَ سِتَّةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَوَى مَكْحُولٌ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبَ وَعَدَدٌ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ أَنَّ عُمَرَ فَرَضَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ أَعْلَمْ بِالْحِجَازِ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ وَلاَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَمِمَّنْ قَالَ الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَلاَ أَعْلَمُ بِالْحِجَازِ أَحَدًا خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَدِيمًا وَلاَ حَدِيثًا وَلَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ: {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ} وَزَعَمَ عِكْرِمَةُ أَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ: {وَمَا نَقَمُوا إلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} فَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قَالَ فِي أَحَدِهِمَا فَرَضَ الدِّيَةَ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ فِي الْآخَرِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَزْنَ سِتَّةٍ قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَفَتَقُولُ إنَّ الدِّيَةَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَزْنَ سِتَّةٍ فَقَالَ لاَ فَقُلْت مِنْ أَيْنَ زَعَمْت إنْ كُنْت أَعْلَمُ بِالدِّيَةِ فِيمَا زَعَمْت مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ لِأَنَّك مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ وَلِأَنَّك عَنْ عُمَرَ قُلْتَهَا فَإِنَّ عُمَرَ قَضَى فِيهَا بِشَيْءٍ لاَ تَقْضِي بِهِ قَالَ لَمْ تَكُونُوا تَحْسَبُونَ قُلْت أَفَتَرْوِي شَيْئًا تَجْعَلُهُ أَصْلاً فِي الْحُكْمِ فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ تَرْوِي عَنْهُ لاَ يُعْرَفُ قَضَى بِهِ وَكَيْفَ تَقْضِي بِالدِّيَةِ وَزْنَ سَبْعَةٍ أَفَرَأَيْت مَا جَعَلْت فِيهِ الزَّكَاةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا جَعَلْت فِيهِ الْقَطْعَ وَجَاءَ تَسْمِيَةُ دَرَاهِمَ لَيْسَ فِيهَا وَزْنُ سِتَّةٍ وَلاَ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَقَالَ لَك قَائِلٌ بَلْ هِيَ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ لاَ وَزْنِ سَبْعَةٍ لِأَنَّ عُمَرَ لاَ يَفْرِضُ الدِّيَةَ وَزْنَ سِتَّةٍ وَيَفْرِضُ فِيمَا سِوَاهَا وَزْنَ سَبْعَةٍ مَا تَقُولُ؟ قَالَ أَقُولُ إنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا جَاءَتْ جُمْلَةً فَهِيَ عَلَى وَزْنِ الْإِسْلاَمِ قُلْنَا: فَكَيْفَ أَخْرَجْت الدِّيَةَ مِنْ وَزْنِ الْإِسْلاَمِ إذَا كَانَ وَزْنُ الْإِسْلاَمِ عِنْدَك وَزْنَ سَبْعَةٍ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّك أَعْلَمُ بِالدِّيَةِ مِنْهُمْ لِأَنَّكُمْ مِنْ أَهْلِهَا وَزَعَمْت لَنَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ إنَّمَا كَانَتْ صِنْفَيْنِ. أَحَدُهُمَا الدِّرْهَمُ وَزْنُ مِثْقَالٍ وَالْآخَرُ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزْنُ سِتَّةٍ حَتَّى ضَرَبَ زِيَادُ دَرَاهِمَ الْإِسْلاَمِ فَلَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ كُلُّ دِرْهَمٍ جَاءَتْ بِهِ الزَّكَاةُ أَوْ فِي الدِّيَةِ أَوْ فِي الْقَطْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بِوَزْنِ الْمِثْقَالِ وَقَالَ آخَرُ بِوَزْنِ سِتَّةٍ وَقَالَ آخَرُ كُلُّ دِرْهَمٍ فَهُوَ بِوَزْنِ الْإِسْلاَمِ قِيلَ لَهُ فَهَكَذَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تَقُولَ فِي الدِّيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقُولُ لِقَائِلٍ قَوْلَهُ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ قَدْ خَرَجْت مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ إنَّ الدِّيَةَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَزْنَ سِتَّةٍ وَمِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الدِّيَةَ عَشْرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا تَرْوُونَ فِيهَا وَزْنَ سِتَّةٍ كَمَا حَدَّثَ أَبُو إِسْحَاقَ لِأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ يَذْكُرُ وَزْنَ سِتَّةٍ فَهُوَ أَوْلَى بِهَا وَقَالَ آخَرُونَ وَزْنُ الْمَثَاقِيلِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ أَوْلَى بِهَا, فَإِنْ قَالَ بَلْ وَزْنُ الْإِسْلاَمِ فَادَّعَى مُحَمَّدٌ عَلَى أَهْلِ الْحِجَازِ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالدِّيَةِ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا عُمَرُ قَبِلَ الدِّيَةَ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالدِّيَةِ مِنْهُ إذَا كَانَ مِنْهُمْ فَمَنْ كَانَ الْحَاكِمُ مِنْهُمْ أَوْلَى بِالْمَعْرِفَةِ بِالدَّرَاهِمِ مِنْهُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ إنَّمَا وَقَعَ بِالْحَاكِمِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَرَضَ الْمُسْلِمُونَ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ, فَإِنْ قِيلَ لَهُ وَمَنْ أَخْبَرك أَنَّهُمْ فَرَضُوا الزَّكَاةَ قِيَاسًا؟ أَرَأَيْت إذَا فُرِضَتْ الزَّكَاةُ فِي أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ وَفِي ثَلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ أَقَاسُوا الْبَقَرَ عَلَى الْغَنَمِ, فَإِنْ قَاسُوهَا فَالْقِيَاسُ لاَ يَصْلُحُ إلَّا عَدَدًا وَعَدَدُ الْبَقَرِ أَقَلُّ مِنْ عَدَدِ الْغَنَمِ أَوْ بِالْقِيمَةِ فَقِيمَةُ ثَلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ وَهَكَذَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ لاَ عَدَدُهَا عَدَدَ وَاحِدٍ مِنْهَا وَلاَ قِيمَتُهَا قِيمَةَ وَاحِدٍ مِنْهَا قَالَ مَا الزَّكَاةُ بِقِيَاسٍ قُلْنَا وَلِذَلِكَ كَانَتْ الدَّوَابُّ سِوَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ لاَ زَكَاةَ فِيهَا وَالتِّبْرُ سِوَى الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ لاَ زَكَاةَ فِيهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ لاَ قِيَاسَ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الذَّهَبَ يُقَاسُ عَلَى الْوَرِقِ وَالْوَرِقُ يُقَاسُ عَلَى الذَّهَبِ. فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ أَحَدَهُمَا قِيَاسٌ عَلَى الْآخَرُ فَأَيُّهُمَا الْأَصْلُ, فَإِنْ زَعَمْت أَنَّهُ الذَّهَبُ لَزِمَك أَنْ تَقُولَ عِشْرِينَ دِينَارًا إذَا كَانَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَلَوْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا تَسْوَى عِشْرِينَ دِينَارًا كَانَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ أَوْ أَلْفَ دِرْهَمٍ لاَ تَسْوَى عِشْرِينَ دِينَارًا لَمْ يَكُنْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ زَعَمْت أَنَّ الْوَرِقَ هِيَ الْأَصْلُ قِيلَ لَك فِيهَا كَمَا قِيلَ لَك فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قَالَ فَمَا هِيَ؟ قُلْنَا كَمَا قُلْت فِي الْمَاشِيَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ قَالَ فَالدِّيَةُ قُلْنَا فَأَصْلُ الدِّيَةِ الْإِبِلُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوَّمَهَا عُمَرَ أَلْفَ دِينَارٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ الذَّهَبُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقُ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ فَاتَّبِعْ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ عُمَرَ كَمَا قَضَى قَالَ فَكَيْفَ كَانَ الصَّرْفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما؟ قِيلَ أَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ الْأَخْبَارِ بَيِّنًا فَعَلِيٌّ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ وَقَطَعَ عُثْمَانُ سَارِقًا فِي أُتْرُجَّةٍ ثَمَنِ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ وَقَضَى فِي امْرَأَةٍ قُتِلَتْ فِي الْحَرَمِ بِدِيَةٍ وَثُلُثِ ثَمَانِيَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَمَّا الدَّلاَلَةُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِمِثْلِ هَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا} وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ} وَهَذَا يُشْبِهُ قَضَاءَ عُثْمَانَ وَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مَنْ زَعَمَ لَك أَنَّ فِي عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ زَكَاةٌ؟ أَرَأَيْت مَنْ قَالَ فِي وَسْقَيْنِ وَنِصْفٍ زَبِيبًا وَوَسْقَيْنِ وَنِصْفٍ تَمْرًا زَكَاةٌ؟ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ, وَكَذَلِكَ فِي عِشْرِينَ شَاةً وَخَمْسَ عَشَرَةَ بَقَرَةً؟ قَالَ نَعَمْ قِيلَ وَلِمَ؟ قَالَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِنْفٌ غَيْرُ صِنْفِ صَاحِبِهِ قِيلَ, وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ لاَ يُضَمُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ؟ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَالْحِنْطَةُ مِنْ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ مِنْ الزَّبِيبِ أَقْرَبُ أَوْ الذَّهَبُ مِنْ الْوَرِقِ فِي الْقِيمَةِ وَاللَّوْنِ؟ قَالَ وَمَا لِلْقُرْبِ وَلِهَذَا؟ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِنْفٌ قِيلَ فَكَيْفَ جَمَعْت بَيْنَ الْأَبْعَدِ الْمُخْتَلِفِ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَأَبَيْت أَنْ تَجْمَعَ مَا بَيْنَ الْأَقْرَبِ الْمُخْتَلِفِ؟ قَالَ فَإِنَّا نَقُولُ هَذَا قُلْنَا فَمَنْ قَالَ قَوْلَك هَذَا هَلْ تَجِدُ بِهِ أَثَرًا يُتَّبَعُ؟ قَالَ لاَ قُلْنَا فَقِيَاسٌ؟ قَالَ لاَ قُلْنَا فَلاَ قِيَاسَ وَلاَ أَثَرَ قَالَ فَإِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِكُمْ يَقُولُهُ مَعَنَا قُلْنَا, فَإِنْ كَانَتْ الْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ لَك بِأَنَّ ذَلِكَ الصَّاحِبَ يَقُولُهُ مَعَك يَجْمَعُ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتُ فَيَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْقُطْنِيَّةِ قَالَ هَذَا خَطَأٌ قُلْنَا وَمَا دَلَّك عَلَى خَطَئِهِ؟ أَلَيْسَ إذْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ} فَإِنَّمَا عَنَى مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ لاَ مِنْ صِنْفَيْنِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك هِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ؟. قَالَ إذَا يَقُولُ لِي مَا يَعْرِفُ الْعَقْلُ غَيْرَهُ فَلاَ أَقْبَلُهُ مِنْهُ مَا قِيمَتُهَا وَلاَ خِلْقَتُهَا بِوَاحِدَةٍ قُلْنَا فَالذَّهَبُ أَبْعَدُ مِنْ الْوَرِقِ فِي الْقِيمَةِ وَالْخِلْقَةُ مِنْ الْحِنْطَةِ مِنْ الشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ فَأَرَاك تَتَّخِذُ قَوْلَهُ إذَا وَافَقَك حُجَّةً وَتَزْعُمُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ يُخْطِئُ وَيُحِيلُ وَقُلْنَا لَهُ لاَ يَثْبُتُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا ذَكَرْت مِنْ الْقَطْعِ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَأَنْتَ تَرْوِي عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عَزَّةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ: {النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ} قَالَ هَذَا مَقْطُوعٌ قُلْنَا وَاَلَّذِي رَوَيْت عَنْهُ الْقَطْعَ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَقْطُوعٌ بِرِوَايَتِهِ عَنْ رَجُلٍ أَدْنَى فِي الثِّقَةِ عِنْدَك مِنْ رِوَايَةِ هَذَا وَأَمَّا رِوَايَتُنَا عَنْ عَلِيٍّ فَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا. أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ هَذَا مُنْقَطِعٌ قُلْنَا وَحَدِيثُكُمْ مَقْطُوعٌ عَنْ رَجُلٍ لاَ نَعْرِفُهُ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّمَا جَمَعْنَا بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ مِنْ قَبِلَ أَنَّهُمَا ثَمَنٌ لِكُلِّ شَيْءٍ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَفَيَكُونَانِ ثَمَنًا لِكُلِّ شَيْءٍ مَجْمُوعَيْنِ, فَإِنْ قَالَ مَا تَعْنِي بِمَجْمُوعَيْنِ؟ قِيلَ يُقَالُ لَك أَرَأَيْت مَنْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ مَتَاعًا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَوَرِقًا أَوْ أَحَدَهُمَا, فَإِنْ قَالَ بَلْ إحْدَاهُمَا وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ الْوَرِقُ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الَّذِينَ هِيَ أَمْوَالُهُمْ وَالذَّهَبُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ الَّذِينَ هِيَ أَمْوَالُهُمْ قِيلَ فَمَا أَسْمَعُك جَمَعْت بَيْنَهُمَا فِي قِيمَةِ مَا اُسْتُهْلِكَ وَلاَ فِي دِيَةٍ وَمَا أَنْتَ إلَّا تُفْرِدُ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ فَكَيْفَ لَمْ تُفْرِدْهُمَا هَكَذَا فِي الزَّكَاةِ؟ أَوْ رَأَيْت إذَا كَانَا وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ تَجْتَمِعُ فِي أَنَّهَا أَثْمَانٌ لِلْأَحْرَارِ الْمَقْتُولِينَ أَتَجْمَعُ بَيْنَهَا فِي الزَّكَاةِ. فَإِنْ قُلْت لاَ وَلَيْسَ اجْتِمَاعُهَا فِي شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى اجْتِمَاعِهَا فِي غَيْرِهِ قِيلَ فَهَكَذَا مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ وَفِيهِ الْعُشْرُ كُلُّهُ فَهُوَ مُجْتَمِعٌ فِي أَنَّ فِيهِ الْعُشْرَ كَمَا فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ رُبُعُ الْعُشْرِ وَيَفْتَرِقُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِثَمَنٍ لِكُلِّ شَيْءٍ كَمَا الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ عِنْدَك ثَمَنٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وَيَفْتَرِقُ فِي أَنَّهُ مَأْكُولٌ كَمَا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ عِنْدَك غَيْرُ مَأْكُولٍ أَفَتَجْمَعُ بَيْنَهُ لِاجْتِمَاعِهِ فِيمَا وَصَفْنَا, فَإِنْ قَالَ لاَ وَلاَ يَدُلُّنِي اجْتِمَاعُهُ فِي مَعْنًى وَلاَ فِي مَعَانٍ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ قِيلَ فَهَكَذَا فَافْعَلْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لاَ يَكُونُ شَبَهُ الْعَمْدِ إلَّا فِي النَّفْسِ وَالْعَمْدُ مَا أَصَبْت بِسِلاَحٍ وَالْخَطَأُ إذَا تَعَمَّدْت الشَّيْءَ فَأَصَبْت غَيْرَهُ وَشَبَهُ الْعَمْدِ كُلُّ شَيْءٍ تَعَمَّدْت ضَرْبَهُ بِلاَ سِلاَحٍ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه لاَ قَوَدَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ إلَّا فِي النَّفْسِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا قَتَلَ حُرًّا مُتَعَمِّدًا أَوْ قَتَلَهُ الْحُرُّ مُتَعَمِّدًا قُتِلَ بِهِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ الْعَبْدُ الْحُرَّ فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَيْفَ يَكُونُ نَفْسَانِ تُقْتَلُ بِصَاحِبَتِهَا إنْ قَتَلَتْهَا الْأُخْرَى وَلاَ تُقْتَلُ بِهَا الْأُخْرَى إنْ قَتَلَتْهَا؟ قَالُوا لِنُقْصَانِ الْعَبْدِ عَنْ نَفْسِ الْحُرِّ فَهَذَا الرَّجُلُ يَقْتُلُ الْمَرْأَةَ عَمْدًا وَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَيُقْتَلُ بِهَا, وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَتَلَ الْحُرُّ الْعَبْدَ مُتَعَمِّدًا قُتِلَ بِهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلاَ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْمَمْلُوكِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ قِصَاصٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ لِلْعَبْدِ فَلاَ قَوَدَ بَيْنَهُمَا فِي نَفْسٍ وَلاَ غَيْرِهَا وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْحُرَّ أَوْ جَرَحَهُ فَلِأَوْلِيَاءِ الْحُرِّ أَنْ يَسْتَقِيدُوا مِنْهُ فِي النَّفْسِ وَلِلْحُرِّ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِنْهُ فِي الْجِرَاحِ إنْ شَاءَ أَوْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ فِي عُنُقِهِ إنْ شَاءَ وَيَدْعُ الْقَوَدَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنَّ الْمَدَنِيِّينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوا إقَادَةَ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّ لِنَقْصِ نَفْسِ الْعَبْدِ عَنْ نَفْسِ الْحُرِّ وَقَدْ يُقِيدُونَ الْمَرْأَةَ مِنْ الرَّجُلِ وَهِيَ أَنْقَصُ نَفْسًا مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلاَ أَعْرِفُ مَنْ قَالَ هَذَا لَهُ وَلاَ احْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ إلَّا أَنْ يَقُولَهُ لَهُ مَنْ يَنْسِبُونَهُ إلَى عِلْمٍ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ قَوَدِ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّ مَا لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَنَا فِيهِ وَالسَّبَبُ الَّذِي قُلْنَاهُ لَهُ مَعَ الِاتِّبَاعِ أَنَّ الْحُرَّ كَامِلُ الْأَمْرِ فِي أَحْكَامِ الْإِسْلاَمِ وَالْعَبْدَ نَاقِصُ الْأَمْرِ فِي عَامِّ أَحْكَامِ الْإِسْلاَمِ وَفِي الْحُدُودِ فِيمَا يَتَّصِفُ مِنْهَا بِأَنَّ حَدَّهُ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ وَيُقْذَفُ فَلاَ يُحَدُّ لَهُ قَاذِفُهُ وَلاَ يَرِثُ وَلاَ يُورَثُ وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلاَ يَأْخُذُ سَهْمًا إنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَامِلَةُ الْأَمْرِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلاَمِ وَحَدُّهَا وَحَدُّ الرَّجُلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ سِوًى وَمِيرَاثُهَا ثَابِتٌ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهَا وَشَهَادَتُهَا جَائِزَةٌ حَيْثُ أُجِيزَتْ وَلَيْسَتْ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ فَلِذَلِكَ لاَ تَأْخُذُ سَهْمًا وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي رَوَى مُحَمَّدٌ عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُ لِنَقْصِ الدِّيَةِ كَانَ الْمَدَنِيُّونَ قَدْ يَجْعَلُونَ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ دِيَاتِ أَحْرَارٍ فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ لاَ يَقْتُلُوا الْعَبْدَ الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَا دِينَارٍ بِحُرٍّ إنَّمَا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَلَكِنَّ الدِّيَةَ لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ مَعْنَى الْقِصَاصِ بِسَبِيلٍ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا أَرَأَيْت إذَا قَتَلَهُ بِهِ وَأَقَادَ النَّفْسَ الَّتِي هِيَ جِمَاعُ الْبَدَنِ كُلِّهِ مِنْ الْحُرِّ بِنَفْسِ الْعَبْدِ فَكَيْفَ لاَ يَقُصُّهُ مِنْهُ فِي مُوضِحَةٍ إذَا كَانَ الْكُلُّ بِالْكُلِّ فَالْبَعْضُ بِالْبَعْضِ أَوْلَى, فَإِنْ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُصَّهُ مِنْهُ فِي الْجِرَاحِ وَلاَ يَقُصَّهُ مِنْهُ فِي النَّفْسِ, ثُمَّ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُبَعِّضَ الْجِرَاحَ فَيَقُصَّهُ فِي بَعْضِهَا وَلاَ يَقُصَّهُ فِي بَعْضٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الْقِصَاصَ فَقَالَ: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآيَةَ. إلَى قَوْلِهِ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وَأَصْلُ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْفِقْهِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِقْهِ إلَّا بِخَبَرٍ لاَزِمٍ أَوْ قِيَاسٍ وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ بِخَبَرٍ لاَزِمٍ فِيمَا عَلِمْت وَضِدُّ الْقِيَاسِ فَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رحمه الله تعالى كَيْفَ يَكُونُ نَفْسَانِ تُقْتَلُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَلاَ تُقْتَلُ الْأُخْرَى بِهَا فَلِنَقْصِ الْقَاتِلِ فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ نَاقِصَ الْحُرْمَةِ لَمْ يَكُنْ النَّقْصُ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ إذَا قَتَلَ مَنْ هُوَ أَعْظَمَ حُرْمَةً مِنْهُ وَالنَّقْصُ لاَ يَمْنَعُ الْقَوَدَ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَوْجَدَنِيهِ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا قِيلَ نَعَمْ وَأَعْظَمُ مِنْهُ يَزْعُمُ أَنَّ رَجُلاً لَوْ قَتَلَ أَبَاهُ قُتِلَ لَهُ وَلَوْ قَتَلَهُ أَبُوهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ لِفَضْلِ الْأُبُوَّةِ عَلَى الْوَلَدِ وَحُرْمَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَيَزْعُمُ أَنَّ رَجُلاً لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ لَمْ يَقْتُلْهُ بِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ عَبْدُهُ قَتَلَهُ بِهِ وَلَوْ قَتَلَ مُسْتَأْمَنًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ الْمُسْتَأْمَنُ يُقْتَلُ بِهِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ يَقْتُلاَنِ الرَّجُلَ جَمِيعًا عَمْدًا إنَّ عَلَى الْكَبِيرِ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَعَلَى الصَّغِيرِ نِصْفَ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُقْتَلُ الْكَبِيرُ وَيَكُونُ عَلَى الصَّغِيرِ نِصْفُ الدِّيَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَكَيْفَ يُقْتَلُ الْكَبِيرُ وَقَدْ شَرِكَهُ فِي الدَّمِ مَنْ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ نَفْسَهُ هُوَ وَرَجُلٌ آخَرُ مَعَهُ أَكَانَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الْقَوَدُ وَقَدْ شَرِكَهُ فِي دَمِ الْمَقْتُولِ نَفْسِهِ؟ يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَيْضًا أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلاً وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي قَطْعِ يَدِهِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَمَاتَ مِنْ الْقِطْعَيْنِ جَمِيعًا أَيُقْتَلُ الَّذِي قَطَعَ الرِّجْلَ وَقَدْ شَرِكَهُ فِي الدَّمِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلاً عَقَرَهُ سَبُعٌ وَشَجَّهُ رَجُلٌ مُوضِحَةً عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَيُقْتَلُ صَاحِبُ الْمُوضِحَةِ الضَّارِبُ وَقَدْ شَرِكَهُ فِي الدَّمِ مَنْ لَيْسَ فِي فِعْلِهِ قَوَدٌ وَلاَ أَرْشٌ؟ يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ هَذَا أَنْ يَقُولَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً وَصَبِيًّا سَرَقَا سَرِقَةً وَاحِدَةً إنَّهُ يُقْطَعُ الرَّجُلُ وَيُتْرَكُ الصَّبِيُّ وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ سَرَقَا مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِأَحَدِهِمَا فِيهَا شِرْكٌ قُطِعَ الَّذِي لاَ شِرْكَ لَهُ وَلاَ يُقْطَعُ الَّذِي لَهُ الشِّرْكُ أَرَأَيْتُمْ رَجُلاً وَصَبِيًّا رَفَعَا سَيْفًا بِأَيْدِيهِمَا فَضَرَبَا بِهِ رَجُلاً ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ أَتَكُونُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهَا عَمْدٌ فِيهِ الْقَوَدُ وَبَعْضُهَا خَطَأٌ, فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ فَأَيُّهَا الْعَمْدُ وَأَيُّهَا الْخَطَأُ؟ أَرَأَيْتُمْ إنْ رَفَعَ رَجُلاَنِ سَيْفًا فَضَرَبَا بِهِ أَحَدُهُمَا مُتَعَمِّدَيْنِ لِذَلِكَ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ وَهِيَ ضَرْبَتُهُ وَضَرْبَةُ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِضَرْبَةٍ دُونَ صَاحِبِهِ أَيَكُونُ فِي هَذَا قَوَدٌ لَيْسَ فِي هَذَا قَوَدٌ إذَا أُشْرِكَ فِي الدَّمِ شَيْءٌ لاَ قَوَدَ فِيهِ وَلاَ تَبْعِيضَ فِي شَيْءٍ مِنْ النَّفْسِ أَرَأَيْتُمْ رَجُلاً ضَرَبَ رَجُلاً فَشَجَّهُ مُوضِحَةً خَطَأً, ثُمَّ ثَنَّى فَشَجَّهُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَمَاتَ فِي مَكَانِهِ مِنْ ذَلِكَ جَمِيعًا يَنْبَغِي فِي قَوْلِكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا عَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفَ الدِّيَةِ بِالشَّجَّةِ الْخَطَأِ وَتَقْتُلُوهُ بِالشَّجَّةِ الْعَمْدِ فَيَكُونُ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَلَيْهِ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ نِصْفُ الدِّيَةِ وَالْقَتْلُ وَيَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّ رَجُلاً وَجَبَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي شَجَّةٍ مُوضِحَةٍ فَاقْتَضَّ مِنْهُ, ثُمَّ زَادَ عَلَى حَقِّهِ مُتَعَمِّدًا فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقْتَلُ الَّذِي اقْتَصَّ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي تَعَمَّدَ أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَوْمٍ قَتَلُوا رَجُلاً عَمْدًا فِيهِمْ مُصَابٌ قَالَ تَكُونُ فِيهِ الدِّيَةُ أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ قَالَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إذَا دَخَلَ خَطَأٌ فِي عَمْدٍ فَهِيَ دِيَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْبَالِغُ وَالصَّبِيُّ مَعَهُ أَوْ الْمَجْنُونُ مَعَهُ رَجُلاً وَكَانَ الْقَتْلُ مِنْهُمَا جَمِيعًا عَمْدًا فَلاَ يَجُوزُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ بَالِغَيْنِ قَتَلاَ رَجُلاً عَمْدًا بِرَجُلٍ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلَ وَيَجْعَلَ نِصْفَ الدِّيَةِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ, وَأَصْلُ هَذَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْقَتْلِ فَإِذَا كَانَ عَمْدًا كُلُّهُ لاَ يُخَالِطُهُ خَطَأٌ فَاشْتَرَكَ فِيهِ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ مِنْهُمْ أُقِيدَ مِنْهُ وَمَنْ زَالَ عَنْهُ الْقَوَدُ أَزَالَهُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ (قَالَ الرَّبِيعُ) تَرَكَ الشَّافِعِيُّ الْعَاقِلَةَ لِأَنَّهُ عَمْدٌ عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ مَطْرُوحٌ عَنْهُ لِلصِّغَرِ وَالْجُنُونِ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا يُشْبِهُ هَذَا؟ قِيلَ لَهُ الرَّجُلاَنِ يَقْتُلاَنِ الرَّجُلَ عَمْدًا فَيَعْفُو الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِهِمَا أَوْ يُصَالِحُهُ فَلاَ يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَلاَ الْمُصَالَحِ وَيَكُونُ لَهُ السَّبِيلُ عَلَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ عَنْهُ فَيَقْتُلُهُ فَيَأْخُذُ مِنْ أَحَدِ الْقَاتِلَيْنِ بَعْضَ الدِّيَةِ أَوْ يَعْفُو عَنْهُ وَيَقْتُلُ الْآخَرَ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَذَانِ كَانَ عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ فَزَالَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِإِزَالَةِ الْوَلِيِّ قِيلَ لَهُ أَفَرَأَيْت إنْ أَزَالَهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ أَزَالَ عَنْ غَيْرِهِ, فَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ وَفِعْلُهُمَا وَاحِدٌ, فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ وَيْحُكُمْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَ نَفْسِهِ لاَ حُكْمَ غَيْرِهِ, فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ هَذَا عِنْدَك هَكَذَا فِي هَذَيْنِ فَكَيْفَ إذَا قَتَلَ الرَّجُلاَنِ الرَّجُلَ عَمْدًا وَأَحَدُ الْقَاتِلَيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَالْآخَرُ مِمَّنْ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ كَيْفَ لَمْ تَقِدْ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَتَأْخُذُ الدِّيَةَ مِنْ الَّذِي لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ مِثْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْأَبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُقَالُ لَهُ إنْ كُنْت إنَّمَا رَفَعْت الْقَوَدَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَقْتُلاَنِ الرَّجُلَ وَمَعَهُمَا عَاقِلٌ مِنْ قَبِلَ أَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُمَا فَحَكَمْت بِأَنَّ أَحَدَهُمَا خَطَأٌ فَقَدْ تَرَكْت هَذَا الْأَصْلَ فِي الرَّجُلِ الْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُهُ مُسْلِمٌ وَمُسْتَأْمَنٌ إذَا كُنْت تَحْكُمُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَتَجْعَلُ عَلَى الْمُسْلِمِ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ رَأَيْت أَبَا رَجُلٍ وَرَجُلاً أَجْنَبِيًّا قَتَلاَ رَجُلاً لَمْ تَقْتُلْ الْأَجْنَبِيَّ وَتَجْعَلْ عَلَى الْأَبِ نِصْفَ الدِّيَةِ إذَا كَانَ هَؤُلاَءِ مِمَّنْ يَعْقِلُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَلاَ يَكُونُ الْقَلَمُ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَتَجْعَلُ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ لاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَجْعَلُ عَمْدَهُ عَمْدًا لاَ خَطَأً وَتُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ فَتَزْعُمُ أَنَّ عَمْدَ أُولَئِكَ خَطَأٌ وَأَنَّ عَمْدَهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ مَا فَرَّقْت بَيْنَهُ, فَإِنْ زَعَمَ أَنْ حُجَّتَهُ أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ خَطَأٌ تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ وَعَمْدَ الْأَبِ يَقْتُلُ ابْنَهُ مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ عَمْدٌ يَزُولُ عَنْهُ الْقَوَدُ لِمَعْنًى فِيهِ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ, وَكَذَلِكَ عَمْدُ الْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنَ مَعَ الْمُسْلِمِ إذَا حَكَمَ عَلَيْهِ فَإِذَا زَعَمَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا شَرِكَ الْأَبَ وَالْمُسْتَأْمَنَ إذَا شَرِكَ الْمُسْلِمَ فِي الْقَتْلِ قُتِلَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَوَدُ فَقَدْ تَرَكَ الْأَصْلَ الَّذِي إلَيْهِ ذَهَبَ فَأَمَّا مَا أُدْخِلَ عَلَى أَصْحَابِنَا فَأَكْثَرُهُ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ تُقْطَعُ يَدُهُ فِي الْحَدِّ أَوْ الْقِصَاصِ, ثُمَّ يَقْطَعُ آخَرُ رِجْلَهُ فَيَمُوتُ هَذَا لاَ قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ حَقٍّ وَجِنَايَةِ بَاطِلٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ دِيَةٌ لِأَنَّ يَدَهُ قُطِعَتْ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمَّا كَانَ لِلْإِبَاحَةِ فِيهِ مَوْضِعٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ مَنْ قَتَلَهُ وَقَتْلُهُ غَيْرُ مُنْفَرِدٍ بِهِ وَلاَ شَرِكَةَ فِيهِ بِتَعَدٍّ وَعَلَيْهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدَ قَالَ, وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَهُ السَّبُعُ فَجَرَحَهُ وَضَرَبَهُ آخَرُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ جِنَايَةَ السَّبُعِ لاَ عَقْلَ فِيهَا وَلاَ قَوَدَ فَأَمَّا جِنَايَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ فَثَابِتَةٌ عَلَيْهِمَا إنْ لَمْ تَكُنْ بِقَوَدٍ فَبِعَقْلٍ وَإِذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُمَا غَيْرَ لَغْوٍ وَالنَّفْسُ مَقْتُولَةً قَتْلَ عَمْدٍ وَمِنْ قَوْلِهِ أَنْ تُقْتَلَ الْعَشَرَةُ بِوَاحِدٍ إذَا قَتَلُوهُ عَمْدًا وَيَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ قَاتِلٌ عَلَى الِانْفِرَادِ حَتَّى لَوْ أَزَالَ الْقَوَدَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَخَذَ الْقَوَدَ مِنْ الْبَاقِينَ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَتْلِ كَانَ عَمْدًا فَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً لَمْ يُقْتَلْ, فَإِنْ قَالَ فَقَتْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ خَطَأٌ قِيلَ لَهُ هَذَا مُحَالٌ أَنْ تَزْعُمَ أَنَّهُ خَطَأٌ وَهُوَ عَمْدٌ وَلَكِنْ قَدْ كَانَتْ فِيهِمَا عِلَّةٌ يُمْنَعُ بِهَا الْقِصَاصُ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَجْعَلُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا أَجْعَلُ خَطَأَهُ قِيلَ وَهَذَا إنْ رُدَّ عَلَيْك وَجُعِلَ فِي أَمْوَالِهِمَا لَمْ تَجِدْ فِيهِ حُجَّةً وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ كَانَتْ عَلَيْك فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَأَنْتَ لاَ تَجْعَلُ الدِّيَةَ إلَّا فِي مَالِ الْأَبِ لاَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنَ مَعَهُ مُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي عَقْلِ الْمَرْأَةِ إنَّ عَقْلَ جَمِيعِ جِرَاحِهَا وَنَفْسِهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ, وَكَذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَقْلُهَا كَعَقْلِهِ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ فَأُصْبُعُهَا كَأُصْبُعِهِ وَسِنُّهَا كَسِنِّهِ وَمُوضِحَتُهَا كَمُوضِحَتِهِ وَمُنَقِّلَتُهَا كَمُنَقِّلَتِهِ فَإِذَا كَانَ الثُّلُثَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ عَلَى النِّصْفِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَدْ رَوَى الَّذِي قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ يَسْتَوِي الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْعَقْلِ إلَى الثُّلُثِ, ثُمَّ النِّصْفُ فِيمَا بَقِيَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ يَسْتَوِي الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْعَقْلِ إلَى الثُّلُثِ, ثُمَّ النِّصْفُ فِيمَا بَقِيَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه فِي هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ قَوْلِ زَيْدٍ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنهما أَنَّهُمَا قَالاَ عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا فَقَدْ اجْتَمَعَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ عَلَى هَذَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِغَيْرِهِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صَوَابِ قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قُطِعَتْ أُصْبُعُهَا خَطَأً وَجَبَ عَلَى قَاطِعِهَا فِي قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عُشْرُ دِيَةِ الرَّجُلِ, فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ عُشْرَا الدِّيَةِ, فَإِنْ قَطَعَ ثَلاَثَ أَصَابِعَ وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ, فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ وَجَبَ عَلَيْهِ عُشْرَا الدِّيَةِ فَإِذَا عَظُمَتْ الْجِرَاحَةِ قَلَّ الْعَقْلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى الْقِيَاسُ الَّذِي لاَ يَدْفَعُهُ أَحَدٌ يَعْقِلُ وَلاَ يُخْطِئُ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا نَرَى أَنَّ نَفْسَ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ فِيهَا مِنْ الدِّيَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَفِي يَدِهَا نِصْفُ مَا فِي يَدِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا صَغُرَ مِنْ جِرَاحِهَا هَكَذَا فَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لاَ يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يُخْطِئَ بِهَا مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ وَكَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي ثَلاَثِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ ثَلاَثُونَ وَفِي أَرْبَعٍ عِشْرُونَ وَيُقَالُ لَهُ حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا فَيَقُولُ هِيَ السُّنَّةُ وَكَانَ يَرْوِي عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ, ثُمَّ تَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْطِئَ أَحَدٌ هَذَا الْخَطَأَ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ لِأَنَّ الْخَطَأَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ فِيمَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ فَيَكُونُ رَأْيٌ أَصَحُّ مِنْ رَأْيٍ فَأَمَّا هَذَا فَلاَ أَحْسَبُ أَحَدًا يُخْطِئُ بِمِثْلِهِ إلَّا اتِّبَاعًا لِمَنْ لاَ يُجَوِّزُ خِلاَفَهُ عِنْدَهُ فَلَمَّا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ هِيَ السُّنَّةُ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ عَامَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يُشَبِّهْ زَيْدٌ أَنْ يَقُولَ هَذَا مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ لِأَنَّهُ لاَ يَحْتَمِلُهُ الرَّأْيُ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه خِلاَفُهُ قِيلَ فَلاَ يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ وَلاَ عَنْ عُمَرَ وَلَوْ ثَبَتَ كَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا قَالاَهُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ الَّذِي لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهُ فَلاَ يَكُونُ قِلَّةَ عِلْمٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْقِلُ مَا قَالاَ إذَا كَانَتْ النَّفْسُ عَلَى نِصْفِ عَقْلِ نَفْسِهِ وَالْيَدِ كَانَ كَذَلِكَ مَا دُونَهُمَا وَلاَ يَكُونُ فِيمَا قَالَ سَعِيدٌ السُّنَّةُ إذَا كَانَتْ تُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْعَقْلَ إلَّا عَنْ عِلْمِ اتِّبَاعٍ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَدْ كُنَّا نَقُولُ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى, ثُمَّ وَقَفْت عَنْهُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْخِيرَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّا قَدْ نَجِدُ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ السُّنَّةُ, ثُمَّ لاَ نَجِدُ لِقَوْلِهِ السُّنَّةَ نَفَاذًا بِأَنَّهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْقِيَاسُ أَوْلَى بِنَا فِيهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ وَلاَ يَثْبُتُ عَنْ زَيْدٍ كَثُبُوتِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه فِي الرَّجُلِ يَضْرِبُ بَطْنَ الْأَمَةِ فَتُلْقِي جَنِينًا مَيِّتًا إنْ كَانَ غُلاَمًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَفِيهَا عُشْرُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَيْفَ فَرَضَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى شَيْئًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا: {فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةً عَبْدًا أَوْ أَمَةً} فَقَدَّرَ ذَلِكَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَالْخَمْسُونَ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ وَمِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ عُشْرُ دِيَتِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ قِيمَةِ الْجَنِينِ لَوْ كَانَ حَيًّا لَيْسَ مِنْ قِيمَةِ أُمِّهِ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَلْقَتْ الْجَنِينَ حَيًّا فَمَاتَ كَمْ كَانَ يَكُونُ فِيهِ؟ أَلَيْسَ إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ قِيمَتُهُ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي ذَلِكَ؟ قَالُوا بَلَى قِيلَ لَهُمْ فَمَا تَقُولُونَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَغَرِمَ قَاتِلُهُ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ أَلْقَتْ آخَرَ مَيِّتًا أَلَيْسَ يَغْرَمُ فِي قَوْلِكُمْ عُشْرَ ثَمَنِ أُمِّهِ وَأُمُّهُ جَارِيَةٌ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ قَالُوا بَلَى يَغْرَمُ عُشْرَ قِيمَتِهَا وَهُوَ خَمْسُونَ دِينَارًا قِيلَ لَهُمْ فَيَكُونُ الْقَاتِلُ غَرِمَ فِي الَّذِي أَلْقَتْهُ حَيًّا أَقَلَّ مِنْ الَّذِي غَرِمَ فِيهِ مَيِّتًا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ أَكْثَرَ فِي الَّذِي أَلْقَتْهُ حَيًّا لِأَنَّهُ يَغْرَمُ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ الدِّيَةَ كَامِلَةً وَإِذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا غَرِمَ غُرَّةً وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ جَنِينُ الْأَمَةِ عَلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ فَيَغْرَمُ فِي الْمَيِّتِ أَقَلَّ مِمَّا يَغْرَمُ فِي الْحَيِّ وَقَدْ غَرَّمْتُمُوهُ أَنْتُمْ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ حَيًّا فَمَاتَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ بَطْنَ الْأَمَةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا, ثُمَّ مَاتَ فَفِي الْجَنِينِ قِيمَةُ نَفْسِهِ فَإِذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ تُعْرَفْ فِيهِ حَيَاةٌ فَإِنَّمَا حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ حُرًّا فِي بَطْنِهَا وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَكْثَرُ مَنْ سَمِعْنَا مِنْهُ مِنْ مُفْتِي الْحِجَازِيِّينَ وَأَهْلِ الْآثَارِ فَخَالَفَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي جَنِينِ الْأَمَةِ فَقَالاَ فِيهِ إذَا خَرَجَ فِيهِ حَيًّا كَمَا قُلْنَا وَقَالاَ فِيهِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا, فَإِنْ كَانَ غُلاَمًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَفِيهَا عُشْرُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَلَّمَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ بِمَا سَأَحْكِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كُنْت لَعَلِّي لاَ أُفَرِّقُ بَيْنَ كَلاَمِهِ وَكَلاَمِ غَيْرِهِ وَأَكْثَرُهُ كَلاَمُهُ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا؟ قُلْت أَمَّا نَصًّا فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ قَالَ لَيْسَ يَلْزَمُنِي قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ وَلاَ يَلْزَمُك قُلْت وَلَكِنْ رُبَّمَا غَالَطْت بِقَوْلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ وَقُلْت قُلْته قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ قَالَ إنَّا لَنَزْعُمُ أَنَّ قَوْلَنَا هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى السُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ قُلْت, فَإِنْ شِئْت فَأَسْأَلُ وَإِنْ شِئْت سَأَلَتْك قَالَ سَلْ فَقُلْت أَلَيْسَ الْأَصْلُ جَنِينَ الْحُرَّةِ؟ قَالَ بَلَى قُلْت فَلِمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ بِغُرَّةٍ وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ أَذَكَرٌ وَأُنْثَى فَكَانَ الْجَنِينُ هُوَ الْحَمْلُ قُلْنَا فَلَمَّا كَانَ الْجَنِينُ وَاحِدًا فَسَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى؟ قَالَ بَلَى قُلْت هَكَذَا قُلْنَا فَجَمَعْنَا بَيْنَ جَنِينِهَا فَجَعَلْنَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَخَمْسِينَ دِينَارًا إذَا لَمْ تَكُنْ غُرَّةً قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ خَرَجَا حَيَّيْنِ فَمَاتَا قَالَ فَفِي الْغُلاَمِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْجَارِيَةِ خَمْسُونَ قُلْنَا وَسَوَاءٌ كَانَا ابْنَيْ أُمِّ وَلَدٍ مِنْ سَيِّدِهَا قِيمَةُ أُمِّهِمَا عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ كَانَا ابْنَيْ حُرَّةٍ لاَ يُلْتَفَتُ إلَى أُمِّهِمَا قَالَ نَعَمْ إنَّمَا حُكْمُهُمَا حُكْمُ أَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفَيْنِ فِي الذَّكَرِ مِنْهُمَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْأُنْثَى خَمْسُونَ قُلْت, ثُمَّ سَوَّيْت بَيْنَهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا حَيَاةٌ أَلَيْسَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ غَيْرِهِمَا لاَ حُكْمُ أَنْفُسِهِمَا؟ قَالَ فَلاَ أُعْطِيك ذَلِكَ وَلَكِنْ أَجْعَلُ حُكْمَهُمَا حُكْمَ أَنْفُسِهِمَا بِكُلِّ حَالٍ قُلْت فَإِذَا لَمْ تُعْطِ هَذَا فَكَيْفَ فَرَّقْت بَيْنَ حُكْمِهِمَا إذَا عَرَفْت حَيَاتَهُمَا وَلَمْ تَعْرِفْ قَالَ اتِّبَاعًا قُلْت فِي الْجَنِينَيْنِ مِنْ الْحُرَّةِ دَلاَلَةٌ مِنْ خَبَرٍ بِأَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ أَنْفُسِهِمَا أَمْ إنَّمَا قُلْت يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ أَنْفُسِهِمَا قَالَ مَا فِيهِ خَبَرٌ وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ قُلْنَا أَفَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ غَيْرِهِمَا إذَا لَمْ تَعْرِفْ حَيَاتَهُمَا وَحُكْمَ نَفْسِهِمَا إذَا عَرَفْت حَيَاتَهُمَا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَإِذَا كَانَا يُحْتَمَلاَنِ مَعًا فَكَيْفَ لَمْ تَصِرْ إلَى مَا قُلْنَا حَيْثُ فَرَّقْت بَيْنَ حُكْمِهِمَا وَلاَ تَزْعُمُ أَنَّ أَصْلَهُمَا وَاحِدٌ وَأَنَّ حُكْمَهُمَا يَتَفَرَّقُ وَإِذَا كَانَ يُحْتَمَلُ فَزَعَمْت أَنَّ كُلَّ قَوْلَيْنِ أَبَدًا اُحْتُمِلاَ فَأَوْلاَهُمَا بِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَصِيرُوا إلَيْهِ أَوْلاَهُمَا بِالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَقَوْلُنَا فِيهِ الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَقَوْلُك خِلاَفُهُمَا قَالَ وَكَيْفَ؟ قُلْنَا بِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّا إذَا لَمْ نُفَرِّقْ بَيْنَ أَصْلِ حُكْمِهِمَا وَهُوَ جَنِينُ الْحُرَّةِ لِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ فَرْعَيْ حُكْمِهِمَا وَهُوَ جَنِينُ الْأَمَةِ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَمِنْ قِبَلِ أَنَّنِي وَإِيَّاكَ نَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ الرَّجُلِ ضِعْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَأَنْتَ فِي الْجَنِينِ تَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ ضِعْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَقُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُمَا لَوْ سَقَطَا حَيَّيْنِ فَكَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً أَوْ مُخْتَلِفَةً كَانَ فِيهِمَا قِيمَتُهُمَا مَا كَانَتْ وَإِنْ مَيِّتَيْنِ كَانَ فِي الذَّكَرِ مِنْهُمَا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَفِي الْأُنْثَى عُشْرُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْت أَنَّ عَقْلَ الْأُنْثَى مِنْ أَصْلِ عَقْلِهَا فِي الْحَيَاةِ مَا أَعْلَمُك إلَّا نَكَّسْت الْقِيَاسَ فَقَلَبْته قَالَ فَأَنْتَ سَوَّيْت بَيْنَهُمَا قُلْت مِنْ أَجْلِ أَنَّنِي زَعَمْت أَنَّ أَصْلَ حُكْمِهِمَا حُكْمَ غَيْرِهِمَا لاَ حُكْمَ أَنْفُسِهِمَا كَمَا سَوَّيْت بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ فَلَمْ أُفَرِّقْ بَيْنَ قِيَاسِهِمَا وَجَعَلْت كُلًّا يُحْكَمُ فِيهِ حُكْمَ أُمِّهِ إذَا كَانَ مِثْلَ أُمِّهِ عَتِيقًا بِعِتْقِهَا وَرَقِيقًا بِرِقِّهَا وَأَنْتَ قَلَبْت فِيهِ الْقِيَاسَ قَالَ فَقَوْلُنَا يُحْتَمَلُ قُلْنَا مَا يُحْتَمَلُ إلَّا النَّكْسُ وَالْقِيَاسُ كَمَا وَصَفْنَا فِي الظَّاهِرِ فَمَعَنَا الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَنَزْعُمُ أَنَّ الْحُجَّةَ تَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِي قَوْلِكُمْ أَنْ تَكُونَ دِيَةُ جَنِينِ الْأَمَةِ مَيِّتًا أَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ حَيًّا فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ قِيلَ لَيْسَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا مِنْ هَذَا شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا هِيَ بِغَيْرِهِ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَأَنْتَ يَدْخُلُ عَلَيْك فِي غَيْرِ هَذَا أَكْثَرُ مِنْهُ مَعَ مَا دَخَلَ عَلَيْك مِنْ خِلاَفِ الْقِيَاسِ مَعَ السُّنَّةِ قَالَ وَأَيْنَ ذَلِكَ؟ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلاً لَوْ جَنَى عَلَى أَطْرَافِ رَجُلٍ فِيهَا عَشْرُ دِيَاتٍ فِي مَقَامٍ فَسِيحٍ؟ قَالَ يَكُونُ فِيهِ عَشْرُ دِيَاتٍ قُلْنَا, فَإِنْ جَنَى هَذِهِ الْجِنَايَةَ الَّتِي فِيهَا عَشْرُ دِيَاتٍ, ثُمَّ قَتَلَهُ مَكَانَهُ قَالَ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ قُلْنَا فَقَدْ دَخَلَ عَلَيْك إذَا زَعَمْت أَنَّهُ إذَا زَادَ فِي الْجِنَايَةِ الْمَوْتَ نَقَصَتْ جِنَايَتُهُ مِنْهُ تِسْعَ دِيَاتٍ قَالَ إنَّمَا يَدْخُلُ هَذَا عَلَيَّ مَنْ قِبَلِ أَنَّنِي أَجْعَلُ الْبَدَنَ كُلَّهُ تَبَعًا لِلنَّفْسِ قُلْنَا فَكَيْفَ تَجْعَلُهُ تَبَعًا لِلنَّفْسِ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ قَبْلَهَا وَقَدْ أَصَابَهُ وَلَهُ حُكْمٌ, فَإِنْ جَازَ لَك هَذَا رَدَدْت أَصَحَّ مِنْهُ أَنَّهُمْ زَعَمُوا لَك أَنَّ جَنِينَ الْأَمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ قَطُّ إنَّمَا كَانَ حُكْمُهُ بِأُمِّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَيْفَ يَكُونُ الْحُكْم لِمَنْ لَمْ يَخْرُجْ حَيًّا قَطُّ؟.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَهُمَا سَوَاءٌ السُّفْلَى وَالْعُلْيَا وَأَيُّهُمَا قُطِعَتْ كَانَ فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِيهِمَا الدِّيَةُ جَمِيعًا, فَإِنْ قُطِعَتْ السُّفْلَى فَفِيهَا ثُلُثَا الدِّيَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَلِمَ قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ هَذَا؟ أَلِأَنَّ السُّفْلَى أَنْفَعُ مِنْ الْعُلْيَا؟ فَقَدْ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِصْبَعِ الْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ فَرِيضَةً وَاحِدَةً فَجَعَلَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ عُشْرَ الدِّيَةِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ: {النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخِنْصَرُ وَالْإِبْهَامُ سَوَاءٌ} مَعَ آثَارٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ قَدْ جَاءَتْ فِيهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَرْسَلَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ مَا فِي الضِّرْسِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَرَدَّنِي مَرْوَانُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَفَتَجْعَلُ مُقَدِّمَ الْفَمِ كَالْأَضْرَاسِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَوْلاَ أَنَّك لاَ تَعْتَبِرُ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الشَّفَتَيْنِ عَقْلُهُمَا سَوَاءٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الشَّفَتَيْنِ سِوَى هَذَا آثَارٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الشَّفَتَانِ سَوَاءٌ وَالْأَصَابِعُ سَوَاءٌ وَالدِّيَةُ عَلَى الْأَسْمَاءِ لَيْسَتْ عَلَى قَدْرِ الْمَنَافِعِ وَهَكَذَا بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ وَهُوَ الَّذِي قَصَدَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَصْدُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَمْ تَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ إذَا كَانَ الَّذِي قَصَدَ قَصْدَهُ بِالرِّوَايَةِ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَا لاَ يَقُولُ وَيَرْوِي عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا قَدْ تَرَكَهُ مَالِكٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنُصَّهُ فَيُسَمِّي مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَأَمَّا أَنْ يُغَالِطَ بِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ أَسْمَعُهُ إذَا سَمَّى وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي كُلِّ دَهْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَعِيبُ عَلَى غَيْرِهِ أَدْنَى مِنْ هَذَا, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ الشَّفَتَيْنِ وَالْأَصَابِعَ سَوَاءٌ؟ قُلْنَا لَهُ دَلاَلَةُ السُّنَّةِ ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهِ, فَإِنْ قَالَ وَمَا ذَلِكَ؟ قِيلَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَصَابِعِ بِعُشْرِ عُشْرٍ وَالْأَصَابِعُ مُخْتَلِفَةُ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ إنَّمَا قَصَدَ قَصْدَ الْأَسْمَاءِ كَانَ يَنْبَغِي فِي كُلِّ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ} فَلَمْ أَعْلَمْ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ فِي الْيُسْرَى مِنْ الْيَدَيْنِ مَا فِي الْيُمْنَى وَالْيُمْنَى أَنْفَعُ مِنْ الْيُسْرَى فَلَوْ كَانَ إذْ قَالَ فِي الْيَدِ خَمْسُونَ عَنَى بِهَا الْيُمْنَى وَكَانَ لِلنَّاسِ أَنْ يُفَضِّلُوا بَيْنَ الْيَدَيْنِ انْبَغَى أَنْ يَكُونَ فِي الْيُسْرَى أَقَلُّ مِنْ خَمْسِينَ وَلَوْ كَانَ قَصَدَ فِي الْيَدِ الَّتِي جُعِلَ فِيهَا خَمْسُونَ قَصْدَ الْيُسْرَى انْبَغَى أَنْ يَكُونَ فِي الْيُمْنَى أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ فَلَمَّا رَأَيْنَا مَذَاهِبَ الْفُقَهَاءِ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُمْ إنَّمَا ذَهَبُوا إلَى الْأَسْمَاءِ وَالسَّلاَمَةِ فَإِذَا جُمِعَ الْعُضْوَانِ وَأَكْثَرُ الْأَسْمَاءِ وَالسَّلاَمَةُ كَانَا سَوَاءً وَهَكَذَا هَذَا فِي الْعَيْنَيْنِ وَالْأَسْنَانِ سَوَاءٌ وَالثَّنِيَّةُ أَنْفَعُ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْعَقْلِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ وَفَقْءُ الصَّحِيحَةِ مِنْ عَيْنَيْهِ إنْ كَانَ عَمْدًا فَلِلصَّحِيحِ الْقَوَدُ لاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَإِنَّ عَلَى مَا قُلْته نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَقِيدَ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الدِّيَةَ أَلْفُ دِينَارِ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الصَّحِيحَةِ إذَا فُقِئَتْ إنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهَا الْقَوَدُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الَّتِي فَقَأَهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَهِيَ وَعَيْنُ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ إذَا فُقِئَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَكَيْفَ صَارَتْ عَيْنُ الْأَعْوَرِ أَفْضَلَ مِنْ عَيْنِ الصَّحِيحِ؟ هَذَا عَقْلٌ أَوْجَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَيْنَيْنِ جَمِيعًا فَجَعَلَ فِي كُلِّ عَيْنٍ نِصْفَ الدِّيَةِ, فَإِنْ فُقِئَتْ عَيْنُ رَجُلٍ فَغَرِمَ الْفَاقِئُ نِصْفَ الدِّيَةِ, ثُمَّ إنَّ رَجُلاً آخَرَ عَدَا عَلَى الْعَيْنِ الْأُخْرَى فَفَقَأَهَا خَطَأً لَمْ يَجِبْ عَلَى الْفَاقِئِ الثَّانِي الدِّيَةُ كَامِلَةً فَيَكُون الرَّجُلُ قَدْ أَخَذَ فِي عَيْنَيْهِ دِيَةً وَنِصْفًا وَإِنَّمَا أَوْجَبَ فِيهِمَا دِيَةً فَفِي الْأُولَى نِصْفُ الدِّيَةِ, وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَيْسَ يَتَحَوَّلُ ذَلِكَ بِفَقْءِ الْأُولَى وَلاَ تُزَادُ إحْدَاهُمَا فِي عَقْلِهَا عَلَى الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا يَفْقَأُ الْأُخْرَى يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ هَذَا فِي الْعَيْنَيْنِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْيَدَيْنِ وَأَنْ يَقُولَهُ فِي الرِّجْلَيْنِ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَيْسَ يَزْدَادُ شَيْئًا لِعَيْنٍ فُقِئَتْ وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحِ يَفْقَأُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ كِلاَهُمَا سَوَاءٌ إنْ كَانَ الْفَقْءُ عَمْدًا فَالْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَهُ الْعَقْلُ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ ثُلُثَاهَا فِي مُضِيِّ سَنَةٍ وَثُلُثُهَا فِي مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا؟ قِيلَ السُّنَّةُ, فَإِنْ قَالَ وَأَيْنَ السُّنَّةُ؟ قُلْنَا إذْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ}, فَإِنْ أَصَابَ الصَّحِيحُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ أَصَابَ عَيْنًا أَوْ عَيْنَيْنِ, فَإِنْ قَالَ عَيْنًا قُلْنَا فَإِنَّمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْعَيْنِ خَمْسِينَ فَمَنْ جَعَلَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ الْخَمْسِينَ فَقَدْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ حُجَّةٍ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا قُلْنَا لاَ أَكْثَرَ مِنْ السُّنَّةِ هِيَ الْغَايَةُ وَمَا دُونَهَا تَبَعٌ لَهَا, فَإِنْ قَالَ فَفِيهَا زِيَادَةٌ؟ قِيلَ نَعَمْ مَوْجُودٌ فِي السُّنَّةِ إذَا كَانَ فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وَفِي الْعَيْنَيْنِ مِائَةٌ فَإِذَا كَانَتَا إذَا فُقِئَتَا مَعًا كَانَتْ فِيهِمَا مِائَةٌ فَمَا بَالُهُمَا إذَا فُقِئَتَا مَعًا يَكُونُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسُونَ وَإِذَا فُقِئَتْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ ذَهَابِ الْأُخْرَى كَانَتْ فِيهَا مِائَةٌ أَزَادَ تَفَرُّقُ الْجِنَايَةِ فِي عَقْلِهَا أَوْ خَالَفَ تَفْرِيقَ الْجِنَايَةِ بَيْنَهُمَا أَوَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلَيْنِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْبَاقِيَةُ أَلَيْسَ إنْ جَعَلْنَا فِيهِ خَمْسِينَ فَقَدْ جَعَلْنَاهَا فِي جَمِيعِ مَا فِي بَطْشِهِ وَوَافَقْنَا السُّنَّةَ وَلَمْ نَزِدْ عَلَى الْجَانِي غَيْرَ جِنَايَتِهِ وَإِنْ جَعَلْنَا فِيهَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ كُنَّا قَدْ جَعَلْنَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَجْنِ وَخَالَفْنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَدِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
|