الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَالْأَسْنَانُ الْعُلْيَا ثَابِتَةٌ فِي عَظْمِ الرَّأْسِ وَالْأَسْنَانُ السُّفْلَى ثَابِتَةٌ فِي عَظْمِ اللَّحْيَيْنِ مُلْتَصِقَتَيْنِ فَإِذَا قُلِعَ اللَّحْيَانِ مِنْ أَسْفَلَ مَعًا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَإِنْ قُلِعَ أَحَدُهُمَا وَثَبَتَ الْآخَرُ فَفِي الْمَقْلُوعِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَسَقَطَ الْآخَرُ مَعَهُ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ مَعًا وَفِي الْأَسْنَانِ الَّتِي فِيهِمَا فِي كُلِّ سِنٍّ مَعَ الدِّيَةِ فِي اللَّحْيَيْنِ وَلَيْسَتْ تُشْبِهُ الْأَسْنَانَ الْيَدُ فِيهَا الْأَصَابِعُ فِي الْكَفِّ; لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَفِّ وَالْيَدِ بِالْأَصَابِعِ فَإِذَا ذَهَبَتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ وَاللَّحْيَانِ إذَا ذَهَبَا ذَهَبَتْ الْأَسْنَانُ وَهُمَا وِقَايَةُ اللِّسَانِ وَمَنْعًا لِمَا يَدْخُلُ الْجَوْفَ وَرَدُّ الطَّعَامِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْجَوْفِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ دُونَ الْأَسْنَانِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا سِنٌّ فَذَهَبَا كَانَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ لِمَا وَصَفْت وَإِنْ ضُرِبَا فَيَبِسَا حَتَّى لاَ يَنْفَتِحَا وَلاَ يَنْطَبِقَا كَانَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ انْفَتَحَا فَلَمْ يَنْطَبِقَا أَوْ انْطَبَقَا فَلَمْ يَنْفَتِحَا كَانَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ وَلاَ شَيْءَ فِي الْأَسْنَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَى الْأَسْنَانِ بِشَيْءٍ إنَّمَا جَنَى عَلَى اللَّحْيَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مَنْفَعَةُ الْأَسْنَانِ قَدْ ذَهَبَتْ إذَا لَمْ يَتَحَرَّكْ اللَّحْيَانِ وَإِنْ ضُرِبَ اللَّحْيَانِ فَشَأْنُهُمَا وَهُمَا يَنْطَبِقَانِ وَيَنْفَتِحَانِ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ لاَ يَبْلُغُ بِهَا دِيَةً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ: {أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي السِّنِّ خَمْسٌ} أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَرَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلاَفًا فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي السِّنِّ بِخَمْسٍ وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ خَبَرِ الْخَاصَّةِ وَبِهِ أَقُولُ فَالثَّنَايَا وَالرَّبَاعِيَاتُ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا ضِرْسُ الْحُلُمِ وَغَيْرُهُ أَسْنَانٌ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إذَا قُلِعَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ لاَ يَفْضُلُ مِنْهَا سِنٌّ عَلَى سِنٍّ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ بَعَثَهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُ مَاذَا فِي الضِّرْسِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ فَرَدَّنِي إلَيْهِ مَرْوَانُ فَقَالَ أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَوْ لَمْ تَعْتَبِرْ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَالَ) وَالدِّيَةُ الْمُؤَقَّتَةُ عَلَى الْعَدَدِ لاَ عَلَى الْمَنَافِعِ. (قَالَ) وَفِي سِنِّ مَنْ قَدْ ثَغَرَ وَاسْتُخْلِفَ لَهُ مِنْ بَعْدِ سُقُوطِ أَسْنَانِ اللَّبِنِ فَفِيهَا عَقْلُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنْ نَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ رَدَّ مَا أَخَذَ مِنْ الْعَقْلِ وَقَدْ قِيلَ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْنَانِ اللَّبِنِ فَإِنْ اُسْتُخْلِفَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. وَإِذَا أَثْغَرَ الرَّجُلُ وَاسْتُخْلِفَتْ أَسْنَانُهُ فَكَبِيرُهَا وَمُتَرَاصِفُهَا وَصَغِيرُهَا وَتَامُّهَا وَأَبْيَضُهَا وَحَسَنُهَا سَوَاءٌ فِي الْعَقْلِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِيمَا خُلِقَ مِنْ الْأَعْيُنِ وَالْأَصَابِعِ الَّتِي يَخْتَلِفُ حُسْنُهَا وَقُبْحُهَا. وَأَمَّا إذَا نَبَتَتْ الْأَسْنَانُ مُخْتَلِفَةً يَنْقُصُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ نَقْصًا مُتَبَايِنًا نَقَصَ مِنْ أَرْشِ النَّاقِصَةِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَتْ عَنْ قَرِينَتِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ الثَّنِيَّةِ تَنْقُصُ عَنْ الَّتِي هِيَ قَرِينَتُهَا, مِثْلُ أَنْ تَكُونَ كَنِصْفِهَا أَوْ ثُلُثَيْهَا أَوْ أَكْثَرَ فَإِذَا تَفَاوَتَ النَّقْصُ فِيهِمَا فَنُزِعَتْ النَّاقِصَةُ مِنْهُمَا فَفِيهَا مِنْ الْعَقْلِ بِقَدْرِ نَقْصِهَا عَنْ الَّتِي تَلِيهَا وَإِنْ كَانَ نَقْصُهَا عَنْ الَّتِي تَلِيهَا مُتَقَارِبًا كَمَا يَكُونُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ كَنَقْصِ الْأُشُرِ وَدُونِهِ فَنُزِعَتْ فَفِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهَكَذَا هَذَا فِي كُلِّ سِنٍّ نَقَصَتْ عَنْ نَظِيرَتِهَا كَالرَّبَاعِيَتَيْنِ تَنْقُصُ إحْدَاهُمَا عَنْ خِلْقَةِ الْأُخْرَى وَلاَ تُقَاسُ الرَّبَاعِيَةُ بِالثَّنِيَّةِ; لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الرَّبَاعِيَةَ أَقْصَرُ مِنْ الثَّنِيَّةِ وَلاَ أَعْلَى الْفَمِ مِنْ الثَّنَايَا وَغَيْرِهَا بِأَسْفَلِهِ; لِأَنَّ ثَنِيَّةَ أَعْلَى الْفَمِ غَيْرُ ثَنِيَّةِ أَسْفَلِهِ. وَتُقَاسُ الْعُلْيَا بِالْعُلْيَا وَالسُّفْلَى بِالسُّفْلَى عَلَى مَعْنَى مَا وَصَفْت. وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ ثَنِيَّتَانِ فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا مَخْلُوقَةً خِلْقَةَ ثَنَايَا النَّاسِ تَفُوتُ الرَّبَاعِيَةُ فِي الطُّولِ بِأَكْثَرَ مِمَّا تَطُولُ بِهِ الثَّنِيَّةُ الرَّبَاعِيَةَ وَالثَّنِيَّةُ الْأُخْرَى تَفُوتُهَا فَوْتًا دُونَ ذَلِكَ فَنُزِعَتْ الَّتِي هِيَ أَطْوَلُ كَانَ فِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا, وَفَوْتُهَا لِلْأُخْرَى التَّامَّةِ كَالْعَيْبِ فِيهَا أَوْ غَيْرِ الزِّيَادَةِ. وَسَوَاءٌ ضُرِبَتْ الزَّائِدَةُ أَوْ أَصَابَتْ صَاحِبَتُهَا عِلَّةٌ فَزَادَتْ طُولاً أَوْ نَبَتَتْ هَكَذَا فَإِذَا أُصِيبَتْ هَذِهِ الطَّائِلَةُ أَوْ الَّتِي تَلِيهَا الْأُخْرَى فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِذَا أُصِيبَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ شَيْءٌ فَفِيهَا بِقِيَاسِهَا وَيُقَاسُ السِّنُّ عَمَّا ظَهَرَ مِنْ اللِّثَة مِنْهَا. فَإِذَا أَصَابَ اللِّثَةَ مَرَضٌ فَانْكَشَفَتْ عَنْ بَعْضِ الْأَسْنَانِ بِأَكْثَرَ مِمَّا انْكَشَفَتْ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا فَأُصِيبَتْ سِنُّ مِمَّا انْكَشَفَتْ عَنْهَا اللِّثَةُ فَيَبِسَتْ السِّنُّ بِمَوْضِعِ اللِّثَةِ قَبْلَ انْكِشَافِهَا, فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ وَإِذَا قَالَ مَا لاَ يُمْكِنُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَأُعْطِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ لِثَتِهِ لَمْ يَنْكَشِفْ عَمَّا بَقِيَ مِنْ أَسْنَانِهِ وَإِنْ انْكَشَفَتْ اللِّثَةُ عَنْ جَمِيعِ الْأَسْنَانِ فَهَكَذَا أَيْضًا إذَا عَلِمَ أَنَّ بِاللِّثَةِ مَرَضًا يَنْكَشِفُ مِثْلُهَا بِمِثْلِهِ فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ هَكَذَا خُلِقَتْ وَقَالَ الْجَانِي بَلْ هَذَا عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَكُونُ فِي خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ. وَإِنْ كَانَ لاَ يَكُونُ فِي خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي حَتَّى يَدَّعِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ أَسْنَانٌ قِصَارٌ كُلُّهَا مِنْ أَعْلَى وَالسُّفْلَى طِوَالٌ أَوْ قِصَارٌ مِنْ أَسْفَلَ وَالْعُلْيَا طِوَالٌ أَوْ قِصَارٌ فَسَوَاءٌ وَلاَ تُعْتَبَرُ أَعَالِي الْأَسْنَانِ بِأَسَافِلِهَا فِي كُلِّ سِنٍّ قُلِعَتْ مِنْهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُقَدَّمُ الْفَمِ مِنْ أَعْلَى طَوِيلاً وَالْأَضْرَاسُ قِصَارٌ أَوْ مُقَدَّمُ الْفَمِ قَصِيرًا وَالْأَضْرَاسُ طِوَالٌ كَانَتْ فِي كُلِّ سِنٍّ أُصِيبَتْ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَيُعْتَبَرُ بِمُقَدَّمِ الْفَمِ عَلَى مُقَدَّمِهِ فَلَوْ نَقَصَتْ ثَنَايَا رَجُلٍ عَنْ رَبَاعِيَتِهِ نُقْصَانًا مُتَفَاوِتًا كَمَا وَصَفْت نَقَصَ مِنْ دِيَةِ النَّاقِصِ مِنْهَا بِقَدْرِهِ أَوْ كَانَتْ ثَنِيَّتُهُ تَنْقُصُ عَنْ رَبَاعِيَتِهِ نُقْصَانًا بَيِّنًا فَأُصِيبَتْ إحْدَاهُمَا فَفِيهَا بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهَا أَوْ كَانَتْ رَبَاعِيَتُهُ تَنْقُصُ عَنْ ثَنِيَّتِهِ نُقْصَانًا لاَ تَنْقُصُهُ الرَّبَاعِيَاتُ فَيَصْنَعُ فِيهِمَا هَكَذَا, وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ فِي الْأَضْرَاسِ يَنْقُصُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا فِي الْأَسْنَانِ إنْ اخْتَلَفَتْ وَلَمْ أَقُلْهُ لَوْ خُلِقَتْ كُلُّهَا قِصَارًا; لِأَنَّ الِاخْتِلاَفَ هَكَذَا لاَ يَكُونُ فِي الظَّاهِرِ إلَّا مِنْ مَرَضٍ حَادِثٍ عِنْدَ اسْتِخْلاَفِ الَّذِي يَثْغَرُ أَوْ جِنَايَةٍ عَلَى الْأَسْنَانِ تَنْقُصُهَا. وَإِذَا كَانَتْ الْأَسْنَانُ مُسْتَوِيَةَ الْخَلْقِ وَمُتَقَارِبَةً فَالْأَغْلَبُ أَنَّ هَذَا فِي الظَّاهِرِ مِنْ نَفْسِ الْخِلْقَةِ بِلاَ مَرَضٍ كَمَا تَكُونُ نَفْسُ الْخِلْقَةِ بِالْقِصَرِ (قَالَ) وَلَوْ خُلِقَتْ الْأَسْنَانُ طِوَالاً فَجَنَى عَلَيْهَا جَانٍ فَكَسَرَهَا مِنْ أَطْرَافِهَا فَانْتَقَصَ مِنْهَا حَتَّى يَبْقَى مَا لَوْ نَبَتَ لِرَجُلٍ كَانَ مِنْ الْأَسْنَانِ تَامًّا فَجَنَى عَلَيْهَا إنْسَانٌ بَعْدَ هَذَا جِنَايَةً كَانَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ سِنٍّ مِنْهَا بِحِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَيُطْرَحُ عَنْهُ بِحِسَابِ مَا ذَهَبَ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِيمَا ذَهَبَ مِنْهَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ مَا أَمْكَنَ أَنْ يَصْدُقَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ذَهَبَ حَدُّ السِّنِّ أَوْ الْأَسْنَانِ بكلال لاَ تُكْسَرُ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهَا فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا, وَذَهَابُ أَطْرَافِهَا كَلَّالٍ لاَ يَنْقُصُ فَإِذَا ذَهَبَ مِنْ أَطْرَافِهَا مَا جَاوَزَ الْحَدَّ أَوْ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ مِنْهَا نَقَصَ عَنْ الْجَانِي عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً سَحَلَ سِنَّ رَجُلٍ أَوْ ضَرَبَهَا فَأَذْهَبَ حَدَّهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَقْلِ السِّنِّ بِحِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهَا وَإِذَا أَخَذَ لِشَيْءٍ مِنْ حَدِّهَا أَرْشًا ثُمَّ جَنَى عَلَيْهَا جَانٍ بَعْدَ أَخْذِهِ الْأَرْشَ نَقَصَ عَنْ الْجَانِي مِنْ أَرْشِهَا بِحِسَابِ مَا نَقَصَ مِنْهَا, وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى عَلَيْهَا رَجُلٌ فَعَفَا لَهُ عَنْ الْأَرْشِ وَإِذَا وَهِيَ فَمُ الرَّجُلِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ فَاضْطَرَبَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ بَعْضُهَا فَرَبَطَهَا بِذَهَبٍ أَوْ لَمْ يَرْبِطْهَا بِهِ فَقَلَعَ رَجُلٌ الْمُضْطَرِبَةَ مِنْهَا فَقَدْ قِيلَ فِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا وَقِيلَ فِيهَا حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ فِيهَا لَوْ ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَاضْطَرَبَتْ ثُمَّ ضَرَبَهَا آخَرُ فَقَلَعَهَا وَإِذَا ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَنَغَضَتْ انْتَظَرَ بِهَا قَدْرَ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهَا أَنَّهَا إذَا تُرِكَتْ فَلَمْ تَسْقُطْ لَمْ تَسْقُطْ إلَّا مِنْ حَادِثٍ بَعْدَهُ فَإِنْ سَقَطَتْ فَعَلَيْهِ أَرْشُهَا تَامًّا وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَلاَ يَتِمُّ فِيهَا عَقْلُهَا حَتَّى تَسْقُطَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً نَغَضَتْ سِنُّهُ ثُمَّ أَثْبَتَهَا فَثَبَتَتْ حَتَّى لاَ يُنْكِرَ شِدَّتَهَا وَلاَ قُوَّتَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَانِي عَلَيْهَا شَيْءٌ وَلَوْ نُزِعَتْ بَعْدُ كَانَ فِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا فَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ فِي الشِّدَّةِ كَمَا كَانَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَهُ فِيهَا حُكُومَةٌ عَلَى الَّذِي أَنْغَضَهَا وَحُكُومَةٌ عَلَى النَّازِعِ وَقِيلَ: أَرْشُهَا تَامًّا وَلَوْ نَدَرَتْ سِنُّ رَجُلٍ حَتَّى يَخْرُجَ سِنْخُهَا فَلاَ تُعَلَّقُ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَعَادَهَا فَثَبَتَتْ ثُمَّ قَلَعَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَانِي الْآخَرِ أَرْشٌ وَلاَ حُكُومَةٌ وَلَمْ يَكُنْ لِلَّذِي أَعَادَهَا إعَادَتُهَا; لِأَنَّهَا مَيِّتَةٌ وَهَكَذَا لَوْ وَضَعَ سِنَّ شَاةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ مِمَّا يُذَكَّى أَوْ سِنَّ غَيْرِهِ مَكَانَ سِنٍّ لَهُ انْقَلَعَتْ فَقَلَعَهَا رَجُلٌ لَمْ يَبِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَقَدْ قِيلَ فِي هَذَا حُكُومَةٌ وَهَكَذَا لَوْ وَضَعَ مَكَانَهَا سِنَّ ذَهَبٍ أَوْ سِنَّ مَا كَانَ وَإِذَا قُلِعَتْ سِنُّ رَجُلٍ بَعْدَمَا يَثْغَرُ فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا فَإِنْ نَبَتَتْ بَعْدَ أَخْذِهِ الْأَرْشَ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَوْ جَنَى عَلَيْهَا جَانٍ آخَرُ فَقَلَعَهَا وَقَدْ نَبَتَتْ صَحِيحَةً لاَ يُنْكِرُ مِنْهَا قُوَّةً وَلاَ لَوْنًا كَانَ فِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا وَهَكَذَا لَوْ قُطِعَ لِسَانُ رَجُلٍ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فَأَخَذَ لَهُ أَرْشًا ثُمَّ نَبَتَ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْ الْأَرْشِ فَإِنْ نَبَتَ صَحِيحًا كَمَا كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ فَجَنَى عَلَيْهِ جَانٍ فَفِيهِ الْأَرْشُ أَيْضًا تَامًّا وَإِنْ نَبَتَ السِّنُّ وَاللِّسَانُ مُتَغَيِّرَيْنِ عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ فَصَاحَةِ اللِّسَانِ أَوْ قُوَّةِ السِّنِّ أَوْ لَوْنِهَا ثُمَّ قُلِعَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا نَبَتَتْ أَسْنَانُ الرَّجُلِ سُودًا كُلُّهَا أَوْ ثَغَرَتْ سُودًا أَوْ مَا دُونَ السَّوَادِ مِنْ حُمْرَةٍ أَوْ خُضْرَةٍ أَوْ مَا قَارَبَهَا وَكَانَتْ ثَابِتَةً لاَ تُنْغِضُ وَكَانَ يَعَضُّ بِمُقَدَّمِهَا وَيَمْضُغُ بِمُؤَخَّرِهَا بِلاَ أَلَمٍ يُصِيبُهُ فِيمَا عَضَّ أَوْ مَضَغَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَجَنَى إنْسَانٌ عَلَى سِنٍّ مِنْهَا فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا وَإِنْ نَبَتَتْ بِيضًا ثُمَّ ثَغَرَتْ فَنَبَتَتْ سُودًا أَوْ حُمْرًا أَوْ خُضْرًا سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهَا فَإِنْ قَالُوا لاَ يَكُونُ هَذَا إلَّا مِنْ حَادِثِ مَرَضٍ فِي أُصُولِهَا فَجَنَى جَانٍ عَلَى سِنٍّ مِنْهَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ لاَ يُبْلَغُ بِهَا عَقْلُ سِنٍّ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ أَوْ قَالُوا تَسْوَدُّ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ فَجَنَى إنْسَانٌ عَلَى سِنٍّ مِنْهَا فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا وَهَكَذَا إذَا نَبَتَتْ بِيضًا فَاسْوَدَّتْ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ وَإِذَا نَبَتَتْ بِيضًا فَجَنَى عَلَيْهَا جَانٍ فَاسْوَدَّتْ وَلَمْ تَنْقُصْ قُوَّتُهَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ, وَكَذَلِكَ إنْ اخْضَرَّتْ أَوْ احْمَرَّتْ وَتَنْقُصُ كُلُّ حُكُومَةٍ فِيهَا عَنْ السَّوَادِ; لِأَنَّ السَّوَادَ أَشْبَهُ وَإِنْ اصْفَرَّتْ مِنْ الْجِنَايَةِ جُعِلَ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ كُلِّ مَا جُعِلَ فِي غَيْرِهَا وَإِذَا انْتَقَصَتْ قُوَّتُهَا مَعَ تَغَيُّرِ لَوْنِهَا زِيدَ فِي حُكُومَتِهَا وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا نَبَتَتْ أَسْنَانُهُ بِيضًا ثُمَّ أَكَلَ شَيْئًا يُحَمِّرُهَا أَوْ يُسَوِّدُهَا أَوْ يُخَضِّرُهَا ثُمَّ جَنَى عَلَيْهَا جَانٍ فَقَلَعَ مِنْهَا سِنًّا فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا; لِأَنَّ بَيِّنًا أَنَّ هَذَا مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَإِذَا جَنَى رَجُلٌ عَلَى سِنِّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّتْ مَكَانَهَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ, وَكَذَلِكَ إنْ آلَمَهَا ثُمَّ اسْوَدَّتْ بَعْدُ أَوْ دَمِيَتْ ثُمَّ اسْوَدَّتْ بَعْدُ وَإِنْ أَقَامَتْ مُدَّةً لَمْ تَسْوَدَّ ثُمَّ اسْوَدَّتْ بَعْدُ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَإِنْ قَالُوا: هَذَا لاَ يَكُونُ إلَّا مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَحَلَفَ وَإِنْ قَالُوا قَدْ يَحْدُثُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ وَلاَ حُكُومَةَ عَلَيْهِ (وَقَالَ) فِي الْأَسْنَانِ وَالْأَضْرَاسِ مَنْفَعَةٌ بِالْمَضْغِ وَحَبْسِ الطَّعَامِ وَالرِّيقِ وَاللِّسَانِ وَجَمَالٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَجْنِيَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ فَتَسْوَدَّ سِنُّهُ وَتَبْقَى لَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا حُسْنُ اللَّوْنِ فَأَجْعَلُ فِيهَا الْأَرْشَ تَامًّا; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ الْجَمَالِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ جَمَالِهَا أَيْضًا سَدُّ مَوْضِعِهَا وَلَيْسَتْ كَالْيَدِ تُشَلُّ فَتَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ مِنْهَا وَلاَ كَالْعَيْنِ تُطْفَأُ فَتَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ مِنْهَا, أَلاَ تَرَى أَنَّ الْيَدَ إذَا شُلَّتْ ثُمَّ قُطِعَتْ أَوْ الْعَيْنُ إذَا طَفِئَتْ فَفُقِئَتْ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا حُكُومَةٌ وَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّ السَّوَادَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ مَرَضٍ فِي السِّنِّ يُنْقِصُهَا لاَ يَنْقُصُ عَقْلَهَا أَنَّى جَعَلْت ذَلِكَ كَالزَّرَقِ والشهولة وَالْعَمَشِ وَالْعَيْبُ فِي الْعَيْنِ لاَ يَنْقُصُ عَقْلَهَا; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي كُلِّ طَرَفٍ فِيهِ عَمَلٌ وَجَمَالٌ أَكْثَرُ مِنْ الْجَمَالِ وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى السِّنِّ السَّوْدَاءِ الَّتِي سَوَادُهَا مِنْ مَرَضٍ مَعْلُومٍ نَقَصَ عَنْهُ مِنْ عَقْلِهَا بِقَدْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْت.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا نُزِعَتْ سِنُّ الصَّبِيِّ لَمْ يَثْغَرْ انْتَظَرَ بِهِ فَإِنْ أَثْغَرَ فُوهُ كُلُّهُ وَلَمْ تَنْبُتْ السِّنُّ الَّتِي نُزِعَتْ فَفِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِذَا نَبَتَتْ بِطُولِ الَّتِي نَظِيرَتُهَا أَوْ مُتَقَارِبَةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ نَبَتَتْ نَاقِصَةَ الطُّولِ عَنْ الَّتِي تُقَارِبُهَا نَقْصًا مُتَفَاوِتًا كَمَا وَصَفْت أُخِذَ لَهُ مِنْ أَرْشِهَا بِقَدْرِ نَقْصِهَا وَإِنْ نَبَتَتْ غَيْرَ مُسْتَوِيَةِ النَّبْتَةِ بِعِوَجٍ كَانَ إلَى دَاخِلِ الْفَمِ أَوْ خَارِجِهِ أَوْ فِي شِقٍّ كَانَتْ فِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ نَبَتَتْ سَوْدَاءَ أَوْ حَمْرَاءَ أَوْ صَفْرَاءَ فَفِيهَا حُكُومَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا فِي الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ كَثْرَةِ شَيْنِ السَّوَادِ عَلَى الْحُمْرَةِ وَالْحُمْرَةِ عَلَى الصُّفْرَةِ وَإِنْ نَبَتَتْ قَصِيرَةً عَنْ الَّتِي تَلِيهَا بِمَا تَفُوتُ بِهِ سِنٌّ مِمَّا يَلِيهَا فَفِيهَا بِقَدْرِ مَا نَقَصَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ فِي جَمِيعِ السِّنِّ أَوْ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ نَبَتَتْ مَفْرُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ فَفِيهَا بِحِسَابِ مَا نَقَصَ مِمَّا بَيْنَ الْفَرْقَيْنِ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ نَاقِصَةَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَلَيْسَ فِي شَيْنِهَا شَيْءٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ نَبَتَتْ سِنُّهُ وَنَبَتَتْ لَهُ سِنٌّ زَائِدَةٌ مَعَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي نَبَاتِ السِّنِّ الزَّائِدَةِ شَيْءٌ وَإِنْ مَاتَ الْمَنْزُوعَةُ سِنَّهُ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي سِنِّهِ حُكُومَةً; لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنْ لَوْ عَاشَ نَبَتَتْ, وَالثَّانِي: إنَّ فِيهَا خَمْسًا فِي الْإِبِلِ وَلاَ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيهَا حَتَّى يَسْتَخْلِفَ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ مِنْ فِيهِ مَا إلَى جَنْبِ سِنِّهِ الْمَنْزُوعَةِ ثُمَّ مَاتَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مَا إلَى جَنْبِهَا اُسْتُخْلِفَ وَعَاشَ الْمَنْزُوعَةُ سِنُّهُ مُدَّةً لاَ تُبْطِئُ السِّنُّ الْمَنْزُوعَةُ إلَى مِثْلِهَا فَفِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا فِي الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ مَاتَ فِي وَقْتٍ تُبْطِئُ السِّنُّ الْمَنْزُوعَةُ إلَى مِثْلِهَا أَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَقَدَّمَتْ الْأُخْرَى بِأَنْ ثَغَرَتْ قَبْلَهَا كَانَتْ فِيهَا حُكُومَةٌ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي سِنِّ الصَّبِيِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ نَبَاتِ سِنِّهِ حُكُومَةٌ وَدِيَةٌ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَإِذَا ثَغَرَتْ سِنٌّ فَطَلَعَتْ فَلَمْ يَلْتَئِمْ طُلُوعُهَا حَتَّى تَسْتَوِيَ بِنَظِيرَتِهَا حَتَّى قَلَعَهَا رَجُلٌ آخَرُ انْتَظَرَ بِهَا فَإِنْ نَبَتَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ حُكُومَتِهَا لَوْ قُلِعَتْ قَبْلَ تَثْغَرَ وَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ فَفِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا وَقَدْ قِيلَ فِيهَا مِنْ الْعَقْلِ بِقَدْرِ مَا أَصَابَ مِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا نُزِعَتْ سِنُّ الصَّبِيِّ فَاسْتَخْلَفَ فُوهُ وَلَمْ تَسْتَخْلِفْ فَأَخَذَ لَهَا أَرْشَهَا ثُمَّ نَبَتَتْ رَدَّ الْأَرْشَ وَإِذَا قُلِعَتْ سِنُّ الصَّبِيِّ فَطَلَعَ بَعْضُهَا ثُمَّ مَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ يَلْتَئِمَ طُلُوعُهَا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْهَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا إذَا مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِهَا وَحُكُومَةٌ فِي قَوْلِ مَنْ لاَ يُلْزِمُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا حُكُومَةً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قُلِعَتْ السِّنُّ الزَّائِدَةُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِذَا اسْوَدَّتْ فَفِيهَا أَقَلُّ مِنْ الْحُكُومَةِ الَّتِي فِي قَلْعِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كُسِرَتْ السِّنُّ مِنْ مَخْرَجِهَا فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَكَذَا لَوْ قَلَعَهَا مِنْ سِنْخِهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنْ كُسِرَتْ فَتَمَّ عَقْلُهَا ثُمَّ نَزَعَ إنْسَانٌ سِنْخَهَا فَفِيمَا نَزَعَ مِنْهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ كَسَرَ إنْسَانٌ نِصْفَ سِنِّ رَجُلٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ نَزَعَ آخَرُ السِّنَّ مِنْ سِنْخِهَا فَفِيهَا بِحِسَابِ مَا بَقِيَ ظَاهِرًا مِنْ السِّنِّ وَحُكُومَةُ السِّنْخِ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الْحُكُومَةُ فِي السِّنْخِ إذَا تَمَّ عَقْلُ السِّنِّ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاحِدَةً فَنُزِعَتْ بِهَا السِّنُّ مِنْ السِّنْخِ وَإِذَا ضَرَبَ رَجُلٌ السِّنَّ فَصَدَعَهَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالنَّقْصِ لَهَا وَإِذَا كَسَرَ الرَّجُلُ مِنْ سِنِّ الرَّجُلِ شَيْئًا مِنْ ظَاهِرِهَا أَوْ بَاطِنِهَا أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَفِي ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ السِّنِّ كَأَنَّهُ أَشْظَاهَا مِنْ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ وَلَمْ يَقْصِمْ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَشْظَاهَا مِنْهُ بِهَا قِيسَ طُولُ مَا أَشْظَى مِنْهَا وَعَرْضُهُ فَكَانَ رُبُعَ السِّنِّ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ ثُمَّ قِيسَ بِمَا يَلِيهِ فَكَانَ نِصْفَ ظَاهِرِ السِّنِّ وَكَانَ فِيهِ ثَمَنَ مَا فِي السِّنِّ وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ يَصْنَعُ بِمَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنْ أَشْظَاهَا حَتَّى تَهَدَّمَ مَوْضِعُهُ مِنْ السِّنِّ قِيسَ ذَلِكَ بِالطُّولِ وَالْعَرْضِ وَلَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إلَى أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هَدَمَهُ مِنْ السِّنِّ أَوْ أَشْظَاهُ أَرَقَّ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ السِّنِّ وَلاَ أَغْلَظَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَكُلُّ مَا قُلْت الدِّيَةُ أَوْ نِصْفُهَا أَوْ رُبُعُهَا إذَا أُصِيبَ مِنْ رَجُلٍ فَأُصِيبَ مِنْ امْرَأَةٍ فَفِيهِ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ بِحِسَابِهِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ لاَ تُزَادُ فِيهِ الْمَرْأَةُ عَلَى قَدْرِهِ مِنْ أَرْشِهَا عَلَى الرَّجُلِ وَلاَ الرَّجُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا كَانَا سَوَاءً فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلاَ يَخْتَلِفُ شَيْءٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلاَ الرَّجُلِ إلَّا الثَّدْيَيْنِ فَإِذَا أُصِيبَتْ حَلَمَتَا ثَدْيَيْ الرَّجُلِ أَوْ قُطِعَ ثَدْيَاهُ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ وَإِذَا أُصِيبَتْ حَلَمَتَا ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ أَوْ اصْطَلَمَ ثَدْيَاهَا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ تَامَّةٌ; لِأَنَّ فِي ثَدْيَيْهَا مَنْفَعَةَ الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي ثَدْيَيْ الرَّجُلِ وَلِثَدْيَيْهَا جَمَالٌ وَلِوَلَدِهَا فِيهِمَا مَنْفَعَةٌ وَعَلَيْهَا بِهِمَا شَيْنٌ لاَ يَقَعُ ذَلِكَ الْمَوْقِعَ مِنْ الرَّجُلِ فِي جَمَالِهِ وَلاَ شَيْنَ عَلَيْهِ كَهِيَ, وَإِذَا ضَرَبَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ مُرْضِعًا فَوَلَدَتْ فَلَمْ يَأْتِ لَهَا لَبَنٌ فِي ثَدْيِهَا الْمَضْرُوبِ وَحَدَثَ فِي الَّذِي لَمْ يُضْرَبْ أَوْ لَمْ يَحْدُثْ لَهَا لَبَنٌ فِي ثَدْيَيْهَا مَعًا لَمْ يُلْزَمْ الضَّارِبُ بِأَنْ لَمْ يُحْدِثْ اللَّبَنَ فِي ثَدْيَيْهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ هَذَا لاَ يَكُونُ إلَّا مِنْ جِنَايَتِهِ فَيُجْعَلُ فِيهِ حُكُومَةٌ وَإِذَا ضَرَبَ ثَدْيَاهَا وَفِيهِمَا لَبَنٌ فَذَهَبَ اللَّبَنُ فَلَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ الضَّرْبِ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لاَ دِيَةٌ تَامَّةٌ. فَإِنْ ضُرِبَ ثَدْيَاهَا فَعَابَا وَلَمْ يَسْقُطَا فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ وَلَوْ ضُرِبَا فَمَاتَا وَلاَ يُعْرَفُ مَوْتُهُمَا إلَّا بِأَنْ لاَ يَأْلَمَا إذَا أَصَابَهُمَا مَا يُؤْلِمُ الْجَسَدَ فَفِيهِمَا دِيَتُهُمَا تَامَّةٌ وَفِي أَحَدِهِمَا - إذَا أَصَابَهُ ذَلِكَ - نِصْفُ دِيَتِهِمَا, وَإِذَا اسْتَرْخَيَا فَكَانَا إذَا رَدَّ طَرَفَاهُمَا عَلَى آخِرِهِمَا لَمْ يَنْقَبِضْ كَانَتْ فِي هَذَا حُكُومَةٌ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ فِيمَا سِوَاهُ; لِأَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ هَذَا أَنْ لاَ يَأْلَمَا إذَا أَصَابَهُمَا مَا يُؤْلِمُ كَانَ مَوْتًا وَعَيْبًا, وَلَوْ قَطَعَ ثَدْيَ الْمَرْأَةِ فَجَافَهَا كَانَتْ فِيهِ نِصْفُ دِيَتِهَا وَدِيَةُ جَائِفَةٍ وَلَوْ قُطِعَتْ ثَدْيَاهَا فَجَافَهُمَا كَانَتْ فِيهِمَا دِيَتُهُمَا وَدِيَةُ جَائِفَتِهِمَا, وَلَوْ فَعَلَ هَذَا بِرَجُلٍ كَانَتْ فِي ثَدْيَيْهِ حُكُومَةٌ وَفِي جَائِفَتِهِ جَائِفَةٌ وَقَدْ قِيلَ فِي ثَدْيِيِّ الرَّجُلِ الدِّيَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَجَّتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ مُوضِحَةً أَوْ جَنَتْ عَلَيْهِ جِنَايَةً غَيْرَ مُوضِحَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَتَزَوَّجَهَا عَلَى الْجِنَايَةِ كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَالْمَهْرُ بَاطِلاً وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا أَرْشُهَا فِي الْخَطَأِ وَلاَ يَجُوزُ الْمَهْرُ مِنْ جِنَايَةٍ خَطَأٍ وَلاَ عَمْدٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَأِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ وَتُقْبَلُ إبِلُهُمْ مِنْهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ إبِلُهُمْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَسْنَانٌ مَعْلُومَةٌ, فَإِذَا أَدُّوا أَعْلَى مِنْهَا فِي السِّنِّ وَمَا يَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مَا عَلَيْهِمْ قُبِلَ مِنْهُمْ وَهَذَا كُلُّهُ لاَ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ, وَالْمَهْرُ لاَ يَصْلُحُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَنَكَحَهَا عَلَيْهَا جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الْمَهْرُ; لِأَنَّهَا إنَّمَا يَلْزَمُهَا بِالْجِنَايَةِ إبِلٌ فَأَيُّ إبِلٍ أَدَّتْهَا مِنْ إبِلِ الْبَلَدِ بِسِنٍّ مَعْلُومَةٍ قُبِلَتْ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ, فَإِذَا نَكَحَتْ عَلَى الْجِنَايَةِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا, وَإِذَا نَكَحَهَا عَلَى جِنَايَةِ عَمْدٍ بَطَلَ الْقَوَدُ; لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ الْقَوَدِ فَلاَ سَبِيلَ إلَى قَتْلِهَا وَإِنْ صَارَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا وَلاَ إلَى الْقَوَدِ مِنْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحَةِ وَتُؤْخَذُ مِنْهَا الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ حَالَّةً وَمِنْ عَاقِلَتِهَا فِي الْخَطَأِ وَلَهَا فِي مَالِهِ مَهْرُ مِثْلِهَا.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ قَائِلُونَ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ قُطِعَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْأَحَادِيثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لِبَعْضِ النَّاسِ قَدْ احْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِمَا يُرَى مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ فَمَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: إذَا وُجِدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةٌ كَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلاً عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْنَا: هَذَا كَمَا وَصَفْت وَالسُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْقَطْعَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُتَّفِقَانِ; لِأَنَّ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ رُبُعَ دِينَارٍ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّرْفَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ وَكَانَ كَذَلِكَ بَعْدَهُ فَرَضَ عُمَرُ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم فِي الدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ أُتْرُجَّةً فِي عَهْدِ عُثْمَانَ فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ فَقُوِّمَتْ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ قَالَ مَالِكٌ وَهِيَ الْأُتْرُجَّةُ الَّتِي يَأْكُلُهَا النَّاسُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ: سَمِعْت قَتَادَةَ يَسْأَلُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْقَطْعِ فَقَالَ أَنَسٌ حَضَرْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَطَعَ سَارِقًا فِي شَيْءٍ مَا يَسْوَى ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ قَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّهُ لِي بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لِبَعْضِ النَّاسِ: هَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحُدُّ: {أَنَّ الْقَطْعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا} فَكَيْفَ قُلْت لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا؟ قُلْت لَهُ: وَمَا حُجَّتُكَ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ رَوَيْنَا عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبِيهًا بِقَوْلِنَا. قُلْنَا: أَوَتَعْرِفُ أَيْمَنَ؟ أَمَّا أَيْمَنُ الَّذِي رَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ فَرَجُلٌ حَدَثٌ لَعَلَّهُ أَصْغَرُ مِنْ عَطَاءٍ رَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ حَدِيثًا عَنْ رَبِيعِ ابْنِ امْرَأَةِ كَعْبٍ عَنْ كَعْبٍ فَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَالْحَدِيثُ الْمُنْقَطِعُ لاَ يَكُونُ حُجَّةً. قَالَ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أَخِي أُسَامَةَ لِأُمِّهِ. قُلْت لاَ عِلْمَ لَكَ بِأَصْحَابِنَا, أَيْمَنُ أَخُو أُسَامَةَ قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَبْلَ مَوْلِدِ مُجَاهِدٍ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُحَدِّثَ عَنْهُ. قَالَ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو كَانَ قِيمَةُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت هَذَا رَأْيٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَالْمَجَّانُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا سِلَعٌ يَكُونُ ثَمَنُ عَشَرَةٍ وَمِائَةٍ وَدِرْهَمَيْنِ فَإِذَا قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ قَطَعَ فِي أَكْثَرَ عَنْهُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ لَيْسَ مِمَّنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَتَتْرُكُ عَلَيْنَا أَشْيَاءَ رَوَاهَا تُوَافِقُ أَقَاوِيلَنَا وَتَقُولُ غَلَطٌ فَكَيْفَ تَرُدُّ رِوَايَتَهُ مَرَّةً وَتَحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْحِفْظِ وَالصِّدْقِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ شَيْئًا يُخَالِفُ قَوْلَنَا؟ قَالَ: فَقَدْ رَوَيْنَا قَوْلَنَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قُلْنَا: وَرَوَاهُ الزَّعَافِرِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَصْحَابُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَالَ: " الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا " وَحَدِيثُ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ مِنْ حَدِيثِ الزَّعَافِرِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ " لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ " قُلْنَا: فَقَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عَزَّةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ} وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فَكَيْفَ لَمْ تَأْخُذُوا بِهَذَا؟ قُلْنَا هَذَا حَدِيثٌ لاَ يُخَالِفُ حَدِيثَنَا إذَا قَطَعَ فِي ثَلاَثِ دَرَاهِمَ قَطَعَ فِي خَمْسَةٍ وَأَكْثَرَ. قَالَ: فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ فِي ثَمَانِيَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْت: رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ بِحَدِيثٍ غَيْرِ صَحِيحٍ وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عُمَرَ قَالَ " الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا " فَلَمْ يَرَ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ فِي أَحَدٍ حُجَّةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعُهُ فَلاَ إلَى حَدِيثٍ صَحِيحٍ ذَهَبَ مَنْ خَالَفَنَا وَلاَ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَنْ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَاسْتَعْمَلَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ: {أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قِيلَ لَهُ إنَّ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ فَقَدِمَ صَفْوَانُ الْمَدِينَةَ فَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ فَجَاءَ بِهِ صَفْوَانُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فَقَالَ صَفْوَانُ إنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟} قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ صَفْوَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ قَائِلٌ: لاَ تُقْطَعُ يَدُ هَذَا وَكَيْفَ تُقْطَعُ يَدُ هَذَا وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَتَّى مَلَكَ مَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُهُ؟ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ قَوْلَهُ لاَ نَرْضَى بِتَرْكِ السُّنَّةِ حَتَّى نُخْطِئَ مَعَ تَرْكِهَا الْقِيَاسَ. قَالَ وَمَا الْقِيَاسُ؟ قُلْنَا مَتَى يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ سَرَقَ؟ أَحِينَ سَرَقَ أَمْ حِينَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؟ قَالَ بَلْ حِينَ سَرَقَ. قُلْنَا وَبِذَلِكَ قُلْت وَقُلْنَا: لَوْ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ الَّذِي سَرَقَ يَسْوَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ فَحَبَسَهُ الْإِمَامُ لِيَسْتَثْبِتَ سَرِقَتَهُ فَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ حَتَّى صَارَتْ السَّرِقَةُ تَسْوَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ وَأَكْثَرُ قَالَ لاَ تُقْطَعُ; لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا وَجَبَ يَوْمَ كَانَ الْفِعْلُ. قُلْنَا: وَبِهَذَا قُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ لَوْ سَرَقَ عَبْدٌ مِنْ سَيِّدِهِ فَحَبَسَهُ الْإِمَامُ فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا سَرَقَ فَأَدَّى فَعَتَقَ لَمْ يُقْطَعْ; لِأَنَّهُ حِينَ سَرَقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَطْعٌ, وَلَوْ قَذَفَ عَبْدٌ حُرًّا فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ حِينَ فَرَغَ مِنْ الْقَذْفِ وَرُفِعَ إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ حُرٌّ حُدَّ حَدَّ عَبْدٍ; لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا وَجَبَ يَوْمَ قُذِفَ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ سَاعَةَ قُذِفَ لَمْ يَكُنْ لَهُ إذَا ارْتَفَعَ إلَى الْإِمَامِ حَدٌّ; لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ, وَكَذَلِكَ إنْ زَنَى عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ مَكَانَهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ حُدَّ حَدَّ عَبْدٍ; لِأَنَّ الْحَدَّ أَنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ زَنَى. قَالَ نَعَمْ: قِيلَ فَسَارِقُ صَفْوَانَ سَرَقَ وَصَفْوَانُ مَالِكٌ وَوَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَحَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفْوَانُ مَالِكٌ. فَكَيْفَ دَرَأْت عَيْنَهُ؟ قَالَ: إنَّ صَفْوَانَ إنَّمَا وَهَبَ لَهُ الْحَدَّ. قِيلَ صَفْوَانُ وَهَبَ لَهُ رِدَاءَ نَفْسِهِ فِي الْخَبَرِ عَنْهُ. قَالَ فَإِنِّي أُخَالِفُ صَاحِبِي فَأَقُولُ إذَا قَضَى الْحَاكِمُ عَلَيْهِ ثُمَّ وَهَبَ لَهُ قُطِعَ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ قَبْلَ يَقْضِي الْحَاكِمُ لاَ يُقْطَعُ; لِأَنَّ خُرُوجَ حُكْمِ الْحَاكِمِ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَدِّ كَمُضِيِّ الْحَدِّ. قِيلَ وَهَذَا خَطَأٌ أَيْضًا. قَالَ, وَمَنْ أَيْنَ؟ قُلْنَا أَرَأَيْت لَوْ اعْتَرَفَ السَّارِقُ أَوْ الزَّانِي أَوْ الشَّارِبُ فَحَكَمَ الْإِمَامُ عَلَى الْمُعْتَرَفِينَ كُلِّهِمْ بِحُدُودِهِمْ فَذَهَبَ بِهِمْ مَنْ عِنْدَهُ لِتُقَامَ عَلَيْهِمْ حُدُودُهُمْ فَرَجَعُوا؟ قَالَ لاَ يُحَدُّونَ. قُلْنَا أَوْ لَيْسَ قَدْ زَعَمْت أَنَّ خُرُوجَ حُكْمِ الْحَاكِمِ كَمُضِيِّ الْحَدِّ؟ قَالَ مَا هُوَ مِثْلُهُ. فَلِمَ شَبَّهْته بِهِ؟.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ الْيُسْرَى وَقَدْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ قَائِلٌ: إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ ثُمَّ سَرَقَ حُبِسَ وَعُزِّرَ وَلَمْ يُقْطَعْ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْشِيَ قِيلَ قَدْ رَوَيْنَا هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَعُمَرُ يَرَاهُ وَيُشِيرُ بِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَطَعَ أَيْضًا فَكَيْفَ خَالَفْتُمُوهُ؟ قِيلَ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قُلْنَا فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي الْقَطْعِ أَشْيَاءَ مُسْتَنْكَرَةً وَتَرَكْتُمُوهَا عَلَيْهِ مِنْهَا أَنَّهُ قَطَعَ بُطُونَ أَنَامِلِ صَبِيٍّ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَطَعَ الْقَدَمَ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ. وَكُلُّ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الْقَطْعِ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَنَا فَكَيْفَ تَرَكْتُمُوهَا عَلَيْهِ لاَ مُخَالِفَ لَهُ فِيهَا وَاحْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَهَا وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَعَلَى مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ؟ أَرَأَيْت حِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} وَلَمْ يَذْكُرْ الْيَدَ وَالرِّجْلَ إلَّا فِي الْمُحَارِبِ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: يَعْتَلُّ بِعِلَّتِكُمْ أَقْطَعُ يَدَهُ وَلاَ أَزِيدُ عَلَيْهَا; لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ ذَهَبَ بَطْشُهُ وَمَشْيُهُ فَكَانَ مُسْتَهْلَكًا أَتَكُونُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا مَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ وَإِنَّ الْيَدَ وَالرِّجْلَ هِيَ مَوَاضِعُ الْحَدِّ وَإِنْ تَلِفَتْ أَرَأَيْت حِينَ حَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الزَّانِيَ وَالْقَاذِفَ لَوْ حُدَّ مَرَّةً ثُمَّ عَادَ أَلَيْسَ يُعَادُ لَهُ أَبَدًا مَا عَادَ؟ أَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ ضُرِبَ مَرَّةً فَلاَ يُعَادُ لَهُ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لِلضَّرْبِ مَوْضِعٌ فَمَتَى كَانَ الْمَوْضِعُ قَائِمًا حُدَّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ مَا كَانَ لِلْقَطْعِ مَوْضِعٌ أَتَى عَلَيْهَا وَهُوَ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مُسْتَهْلَكٌ فَكَيْفَ لَمْ يَمْتَنِعُوا مِنْ اسْتِهْلاَكِهِ وَاعْتَلُّوا فِي تَرْكِ قَطْعِ الْيُسْرَى بِالِاسْتِهْلاَكِ؟ وَكَيْفَ حَدُّوا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَهَذَا أَقْصَى غَايَةِ الِاسْتِهْلاَكِ وَدَرَءُوا الْحُدُودَ هَا هُنَا لِعِلَّةِ الِاسْتِهْلاَكِ مَعَ خِلاَفِ السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ وَكَيْفَ يَقْطَعُونَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ لَوْ قَطَعَ مِنْ أَرْبَعِ أُنَاسٍ يَدَيْنِ وَرَجُلَيْنِ؟ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ إذَا قَطَعَ مِنْ كُلِّ رَجُلٍ عُضْوًا مِنْهُ بَقِيَ لَهُ ثَلاَثَةٌ وَإِذَا أَتَيْت عَلَى أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَلاَ أَقْطَعُهُ إلَّا الْوَاحِدَ أَوْ اثْنَيْنِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} قَالَ فَأَتَأَوَّلُ مَا كَانَتْ حَالُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ مِثْلَ حَالِ الْمُقْتَصِّ لَهُ وَأَقُولُ: أَنْتَ لاَ تَقُصُّ مِنْ جُرْحٍ وَاحِدٍ إذَا أَشْبَهَ الِاسْتِهْلاَكَ وَتَجْعَلُهُ دِيَةً وَالْإِتْيَانُ عَلَى قَوَائِمِهِ عَيْنُ الِاسْتِهْلاَكِ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ لِلْقِصَاصِ مَوْضِعًا فَكَذَلِكَ لِلْقَطْعِ مَوْضِعٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ: {ابْنِ عُمَرَ قَالَ عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَرَدَّنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي} قَالَ نَافِعٌ فَحَدَّثْت بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ عُمَرُ هَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكَتَبَ لِعُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي الْمُقَاتِلَةِ وَلِابْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي الذُّرِّيَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا قُلْنَا: تُقَامُ الْحُدُودُ عَلَى مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ; لِأَنَّهُ فَصْلٌ بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ وَبَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْقِتَالُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْفَرَائِضُ, وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفَرَائِضُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَلَمْ أَعْلَمْ فِي هَذَا مُخَالِفًا وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِتَالِ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَقَالَ قَائِلٌ: لاَ تُقَامُ الْحُدُودُ عَلَى الْغُلاَمِ إذَا لَمْ يَحْتَلِمْ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَلاَ عَلَى الْجَارِيَةِ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ سَبْعَ عَشْرَةَ فَلاَ أَدْرِي مَا أَرَادَ بِهَذِهِ السِّنِينَ وَلاَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ؟ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لاَ أُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً; لِأَنَّهَا السِّنُّ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا حُجَّتُهُ عَلَيْهِ؟ أَرَأَيْت إذَا فَرَّقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَالْغُلاَمِ وَهِيَ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ وَالْغُلاَمُ إذَا بَلَغَ الْحُلُمَ فَذَلِكَ الْوَقْتُ وَقْتُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا مَا الْحُجَّةُ فِيمَا قَالَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؟ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ فِي هَذَا وَقَالُوا قَوْلَنَا فِيهِ فَقَالُوا: يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلاَ كَثَرٍ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلاَ كَثَرٍ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَقُولُ لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ وَلاَ غَيْرِ مُحْرَزٍ وَلاَ فِي جُمَّارٍ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ وَهُوَ يُشْبِهُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ) احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ النَّاسِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ يُخْبِرُ أَنْ لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ, فَمِنْ هُنَا قُلْنَا لاَ يُقْطَعُ فِي الثَّمَرِ الرَّطْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ إذَا ذَهَبْت هَذَا الْمَذْهَبَ فِيهِ, فَالثَّمَرُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ أَفَتُسْقِطُ الْقَطْعَ عَمَّنْ سَرَقَ تَمْرًا فِي بَيْتٍ؟ قَالَ لاَ, قُلْنَا: فَكَذَلِكَ الثَّمَرُ الرَّطْبُ الْمُحْرَزُ; لِأَنَّ اسْمَ الثَّمَرِ يَقَعُ عَلَى هَذَا كَمَا يَقَعُ عَلَى هَذَا قُلْت أَرَأَيْت الذِّمِّيَّيْنِ إذَا زَنَيَا أَتَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْإِسْلاَمِ أَمْ بِحُكْمِهِمْ؟ قَالَ فَإِنْ قُلْت بِحُكْمِهِمْ؟ قُلْنَا فَيَلْزَمُكَ أَنْ تُجِيزَ بَيْنَهُمْ مَا وَصَفْنَا مِمَّا أَبْطَلَهُ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ وَيَلْزَمُكَ إنْ كَانَ فِي دِينِهِمْ أَنَّ مَنْ سَرَقَ مِنْ أَحَدٍ كَانَ السَّارِقُ عَبْدًا لِلْمَسْرُوقِ أَنْ تَجْعَلَهُ لَهُ عَبْدًا قَالَ: لاَ أَجْعَلُهُ عَبْدًا وَلَكِنْ أَقْطَعُهُ قُلْنَا: فَأَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ مَرَّةً بِحُكْمِ الْإِسْلاَمِ وَمَرَّةً بِحُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَقُولُ إنَّكَ تُجِيزُ بَيْنَهُمْ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَكَيْفَ حَكَمْت مَرَّةً بِحُكْمِ الْإِسْلاَمِ وَحَكَمْت مَرَّةً بِخِلاَفِهِ؟ وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ فَقَالَ: قَوْلُنَا فِي الْيَهُودِيَّيْنِ يُرْجَمَانِ وَتُحْصِنُ الْيَهُودِيَّةُ الْمُسْلِمَ ثُمَّ عَادَ فَوَافَقَهُمْ فِي أَنْ أَجَازَ بَيْنَهُمْ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَهَذَا فِي كِتَابٍ إلَى الطُّولِ مَا هُوَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ: {أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ الْآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا - أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأْذَنْ لِي فِي أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ تَكَلَّمْ قَالَ: قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ لِي. ثُمَّ إنِّي سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي إنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاََقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُك فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةِ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا قُلْنَا وَفِيهِ الْحُجَّةُ فِي أَنْ يُرْجَمَ مَنْ اعْتَرَفَ مَرَّةً إذَا ثَبَتَ عَلَيْهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الْجَلْدَ وَالنَّفْيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفَ بَعْضُ النَّاسِ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا وَصَفْت لَكَ فَقَالَ: لاَ يُرْجَمُ بِاعْتِرَافِ مَرَّةٍ وَلاَ يُرْجَمُ حَتَّى يَعْتَرِفَ أَرْبَعًا. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَيْسًا إنْ اعْتَرَفَتْ أَنْ يَرْجُمَهَا وَأَمَرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ وَخَالَفَهُ أَيْضًا فَقَالَ: إذَا اعْتَرَفَ الزَّانِي فَالْحَقُّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْدَأَ فَيَرْجُمَ ثُمَّ النَّاسُ وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ رَجَمَهُمْ الشُّهُودُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَلَمْ يَحْضُرْهُ وَأَمَرَ أُنَيْسًا بِأَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةً فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا وَلَمْ يَقُلْ أَعْلِمْنِي لِأَحْضُرَهَا وَلَمْ أَعْلَمْهُ أَمَرَ بِرَجْمِهِمْ فَحَضَرَهُ وَلَوْ كَانَ حُضُورُ الْإِمَامِ حَقًّا حَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ يَأْتِي امْرَأَةً فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا. وَلَمْ يَقُلْ: أَعْلِمْنِي أَحْضُرُهَا وَمَا عَلِمْت إمَامًا حَضَرَ رَجْمَ مَرْجُومٍ وَلَقَدْ أَمَرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه بِرَجْمِ امْرَأَةٍ وَمَا حَضَرَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُرْجَمُ الزَّانِي الثَّيِّبُ وَلاَ يُجْلَدُ وَالْجَلْدُ مَنْسُوخٌ عَنْ الثَّيِّبِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} إلَى: {سَبِيلاً} وَهَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ. ثُمَّ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَنَّهُ قَالَ: {خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ} فَهَذَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ الْجَلْدُ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا كَانَ قَدْ أَحْصَنَ وَلَمْ يَذْكُرْ جَلْدًا وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا وَلَمْ يَجْلِدْهُ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَيْسًا أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةً فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ مَنْسُوخٌ عَنْ الثَّيِّبِ, وَكُلُّ الْأَئِمَّةِ عِنْدَنَا رَجَمَ بِلاَ جَلْدٍ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لاَ أَنْفِي أَحَدًا فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ قَوْلَهُ: وَلِمَ رَدَدْت النَّفْيَ فِي الزِّنَا وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالنَّاسِ عِنْدَنَا إلَى الْيَوْمِ؟ قَالَ رَدَدْته; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ سَفَرًا يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ} فَقُلْت لَهُ سَفَرُ الْمَرْأَةِ شَيْءٌ حِيطَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فِيمَا لاَ يَلْزَمُهَا مِنْ الْأَسْفَارِ. وَقَدْ نُهِيَتْ أَنْ تَخْلُوَ فِي الْمِصْرِ بِرَجُلٍ وَأُمِرَتْ بِالْقَرَارِ فِي بَيْتِهَا. وَقِيلَ لَهَا صَلاَتُكَ فِي بَيْتِكِ أَفْضَلُ لِئَلَّا تَعْرِضِي أَنْ تُفْتَتَنِي وَلاَ يَفْتَتِنُ بِكَ أَحَدٌ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَلْزَمُهَا بِسَبِيلٍ. أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ يَسْتَخِفُّ بِخِلاَفِ السُّنَّةِ لاَ أَجْلِدُهَا يَمْجُنُ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا تَرْكُ الْحُجَّةِ بِالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ. أَوْ رَأَيْت إذَا اعْتَلَلْت فِي النَّفْيِ بِأَنَّ: {النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ ثَلاَثًا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ} مَا هُوَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا قَالَ: إنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَعْنَى أَنَّ فِي النَّفْيِ سَفَرًا قُلْنَا: وَإِذَا اجْتَمَعَ الْحَدِيثَانِ مِنْ الصِّنْفَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي أَزَلْت أَحَدَهُمَا بِالْآخِرِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْنَا: إذَا كَانَ النَّفْيُ مِنْ أَثْبَتِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ وَالنَّاسِ إلَى الْيَوْمِ عِنْدَنَا أَنْ نَقُولَ كَمَا قُلْت: لَمَّا اجْتَمَعَا فِي أَنَّ فِيهِ سَفَرًا أَبَحْنَا لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ ثَلاَثًا أَوْ أَكْثَرَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ, قَالَ: لاَ قُلْنَا فَلِمَ كَانَ لَكَ أَنْ تُزِيلَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ لَنَا عَلَيْكَ؟ وَقُلْت أَرَأَيْت إذَا اعْتَلَلْت بِأَنَّكَ تَرَكْت النَّفْيَ; لِأَنَّ فِيهِ سَفَرًا مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ إنْ زَنَتْ بِكْرٌ بِبَغْدَادَ فَجَلَدْتهَا فَجَاءَ أَبُوهَا وَإِخْوَتُهَا وَعَدَدٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ مَحْرَمٌ لَهَا فَقَالُوا قَدْ فَسَدَتْ بِبَغْدَادَ وَأَهْلُهَا بِالْمَدَائِنِ وَأَنْتَ تُبِيحُ السَّفَرَ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلَى مَا يَبْعُدُ وَتُبِيحُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ. وَقَدْ اجْتَمَعَ لَكَ الْأَمْرَانِ فَنَحْنُ ذَوُو مَحْرَمٍ فَتَنْفِيهَا عَنْ بَغْدَادَ فَتَخْرُجُ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلَى شَهْرٍ قَدْ تُبِيحُهُ لَهَا مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ إلَى أَهْلِهَا وَتُنَحِّيهَا عَنْ بَلَدٍ قَدْ فَسَدَتْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ بِذَلِكَ مُنْعِمًا عَلَيْنَا قَالَ لاَ أَنْفِيهَا; لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِنَفْسِهَا فَلاَ أَنْفِيهَا قُلْنَا: فَقَدْ زَالَ الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ اعْتَلَلْت بِهِمَا فَلَوْ كُنْت تَرَكْت النَّفْيَ لَهَا مِنْ أَجْلِهِمَا نَفَيْتهَا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَقُلْنَا لَهُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ بِبَادِيَةٍ لاَ قَاضِيَ عِنْدَ قَرْيَتِهَا إلَّا عَلَى ثَلاَثِ لَيَالٍ أَوْ أَكْثَرَ فَادَّعَى عَلَيْهَا مُدَّعٍ حَقًّا أَوْ أَصَابَتْ حَدًّا. قَالَ تُرْفَعُ إلَى الْقَاضِي قُلْنَا مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْنَا فَقَدْ أَبَحْت لَهَا أَنْ تُسَافِرَ ثَلاَثًا أَوْ أَكْثَرَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ. قَالَ هَذَا يَلْزَمُهَا قُلْنَا: فَهَذَا يَلْزَمُهَا بِرَأْيِكَ فَأَبَحْته لَهَا وَمَنَعْتهَا مِنْهُ فَمَا سَنَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَ بِهِ عَنْ اللَّهِ جَلَّ وَعَلاَ فِيهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْنَا أَرَأَيْت إذَا اعْتَلَلْت فِي الْمَرْأَةِ بِمَا اعْتَلَلْت بِهِ أَيَحْتَاجُ الرَّجُلُ إلَى ذِي مَحْرَمٍ؟ قَالَ: لاَ قُلْنَا: فَلِمَ لَمْ تَنْفِهِ؟ قَالَ إنَّهُ حَدٌّ وَاحِدٌ فَإِذَا زَالَ عَنْ أَحَدِهِمَا زَالَ عَنْ الْآخَرِ قُلْنَا وَهَذَا أَيْضًا مِنْ شُبَهِكُمْ الَّتِي تَعْتَلُّونَ بِهَا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ مُخْطِئُونَ فِيهَا أَوْ تَعْنُونَ مَوْضِعَ الْخَطَأِ. قَالَ وَكَيْفَ؟ قُلْنَا مَا نَقُولُ فِي ثَيِّبٍ حُرٍّ زَنَى بِبِكْرٍ وَثَيِّبٍ حُرٍّ زَنَى بِأَمَةٍ وَثَيِّبٍ حُرٍّ زَنَى بِمُسْتَكْرَهَةٍ؟ قَالَ عَلَى الثَّيِّبِ فِي هَذَا كُلِّهِ الرَّجْمُ وَعَلَى الْبِكْرِ مِائَةٌ وَعَلَى الْأَمَةِ خَمْسُونَ وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَكْرَهَةِ شَيْءٌ قُلْنَا: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ثَيِّبًا, وَمَنْ زَنَى بِهَا عَبْدًا رُجِمَتْ وَجُلِدَ الْعَبْدُ خَمْسِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْنَا وَلِمَ؟ أَلَيْسَ; لِأَنَّكَ تُلْزِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّ نَفْسِهِ وَلاَ تُزِيلُهُ عَنْهُ بِأَنْ يُشْرِكَهُ فِيهِ غَيْرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَلِمَ لاَ يَكُونُ الرَّجُلُ إذَا كَانَ لاَ يَحْتَاجُ إلَى مَحْرَمٍ مَنْفِيًّا وَالنَّفْيُ حَدُّهُ قَالَ فَقَدْ نَفَى عُمَرُ رَجُلاً وَقَالَ لاَ أَنْفِي بَعْدَهُ. قُلْت نَفَى عُمَرُ رَجُلاً فِي الْخَمْرِ وَالنَّفْيُ فِي السُّنَّةِ عَلَى الزَّانِي وَالْمُخَنَّثِ وَفِي الْكِتَابِ عَلَى الْمُحَارِبِ وَهُوَ خِلاَفُ نَفْيِهِمَا لاَ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِهِمْ فَإِنْ رَأَى عُمَرُ نَفْيًا فِي الْخَمْرِ ثُمَّ رَأَى أَنْ يَدَعَهُ فَلَيْسَ الْخَمْرُ بِالزِّنَا وَقَدْ نَفَى عُمَرُ فِي الزِّنَا فَلِمَ لَمْ تَحْتَجْ بِنَفْيِ عُمَرَ فِي الزِّنَا؟ وَقَدْ تَبَيَّنَّا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنْ لَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ قَائِلٌ لاَ أَرْجُمُ إلَّا بِالِاعْتِرَافِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ; لِأَنَّهُنَّ يَقُمْنَ مَقَامَ أَرْبَعِ شَهَادَاتٍ قُلْنَا وَإِنْ كُنَّ يَقُمْنَ مَقَامَ أَرْبَعِ شَهَادَاتٍ فَإِنْ اعْتَرَفَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ رَجَعَ؟ قَالَ لاَ يُحَدُّ قِيلَ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى فَرْقٍ بَيْنَ الِاعْتِرَافِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ رَأَيْت إنْ قُلْت يَقُومُ مَقَامَ الشَّهَادَةِ فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ السَّارِقَ يَعْتَرِفُ مَرَّةً فَيُقْطَعُ وَكَيْفَ لاَ تَقُولُ حَتَّى يَعْتَرِفَ مَرَّتَيْنِ إنْ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ مَرَّةً أَلْزَمْتَهُ أَبَدًا فَجَعَلْت مَرَّةَ الِاعْتِرَافَ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ. وَمَرَّةً أَضْعَفَ؟ قَالَ: لَيْسَ الِاعْتِرَافُ مِنْ الْبَيِّنَةِ بِسَبِيلٍ وَلَكِنَّ الزُّهْرِيُّ رَوَى أَنَّهُ اعْتَرَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قُلْنَا: وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ اعْتَرَفَ مِرَارًا فَرَدَّدَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدَهَا وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلاَمِ لِجَهَالَةِ النَّاسِ بِمَا عَلَيْهِمْ, أَلاَ تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْمُعْتَرِفِ أَيَشْتَكِي أَمْ بِهِ جِنَّةٌ لاَ يَرَى أَنَّ أَحَدًا سَتَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ أَتَى يُقِرُّ بِذَنْبِهِ إلَّا وَهُوَ يَجْهَلُ حَدَّهُ؟ أَوْ لاَ تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {اُغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا} وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدَ الِاعْتِرَافِ وَأَمَرَ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِعَدَدِ اعْتِرَافٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنهما: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ فَقَالَ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ} قَالَ ابْنُ شِهَابٍ لاَ أَدْرِي أَبْعَدَ الثَّالِثَةِ أَمْ الرَّابِعَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّتْ جَارِيَةً لَهَا زَنَتْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَكَانَ الْأَنْصَارُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يُحِدُّونَ إمَاءَهُمْ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَأْمُرُ بِهِ وَأَبُو بَرْزَةَ حَدَّ وَلِيدَتَهُ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لاَ يَحُدُّ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ وَاعْتَلُّوا فِيهِ بِأَنْ قَالُوا إنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَمَةِ لاَ يَعْقِلُ الْحَدَّ؟ قُلْنَا: إنَّمَا يُقِيمُ الْحَدَّ مَنْ يَعْقِلُهُ. وَقُلْنَا لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حُرَّةٌ غَيْرُ مِلْكِ يَمِينٍ قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِحَدٍّ قُلْت: فَإِذَا أَبَاحَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا لَيْسَ بِحَدٍّ فَهُوَ فِي الْحَدِّ الَّذِي بِعَدَدٍ أَوْلَى أَنْ يُبَاحَ; لِأَنَّ الْعَدَدَ لاَ يَتَعَدَّى وَالْعُقُوبَةُ لاَ حَدَّ لَهَا فَكَيْفَ أَجَزْته فِي شَيْءٍ وَأَبْطَلْته فِي غَيْرِهِ قَالَ: رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُشْبِهُ قَوْلَنَا قُلْت أَوْ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ؟ قَالَ: لاَ قُلْنَا: فَلِمَ تَحْتَجُّ بِهِ وَلَيْسَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْرُوفٍ؟ فَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ يَقُولُ لاَ يَحُدُّ الرَّجُلُ أَمَتَهُ إذَا زَنَتْ إذَا تَرَكْت النَّاسَ يَحُدُّونَ إمَاءَهُمْ أَلَيْسَ فِي النَّاسِ الْجَاهِلُ أَفَيُوَلَّى الْجَاهِلُ حَدًّا؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْت لَهُ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ زَنَتْ أَمَتُهُ أَنْ يَحُدَّهَا كَانَ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ وَالْحَدُّ مُوَقَّتٌ مَعْرُوفٌ قَالَ فَلَعَلَّهُ أَمَرَ بِهَذَا أَهْلَ الْعِلْمِ قُلْت مَا يَجْهَلُ ضَرْبَ خَمْسِينَ أَحَدٌ يَعْقِلُ وَنَحْنُ نَسْأَلُك عَنْ مِثْلِ هَذَا قَالَ وَمَا هُوَ؟ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلاً خَافَ نُشُوزَ امْرَأَتِهِ أَوْ رَأَى مِنْهَا بَعْضَ مَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهِ أَلَهُ ضَرْبُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت لَهُ وَلِمَ؟ قَالَ رَخَّصَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ضَرْبِ النِّسَاءِ وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ قُلْنَا: فَإِنْ اعْتَلَّ عَلَيْك رَجُلٌ فِي ضَرْبِ الْمَرْأَةِ فِي النُّشُوزِ وَالْأَدَبِ بِمِثْلِ عِلَّتِك فِي الْحَدِّ وَأَكْثَرَ وَقَالَ: الْحَدُّ مُؤَقَّتٌ وَالْأَدَبُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ. فَإِنْ أَذِنْت لِغَيْرِ الْعَالَمِ فِي الضَّرْبِ خِفْت مُجَاوَزَتَهُ الْعَدَدَ قَالَ: يُقَالُ لَهُ أَدِّبْ وَلاَ تُجَاوِزْ الْعَدَدَ قُلْنَا: فَقَالَ وَمَا الْعَدَدُ؟ قَالَ مَا يَعْرِفُ النَّاسُ قُلْت: وَمَا يَعْرِفُونَ؟ قَالَ الضَّرْبُ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ وَدُونَ الْحَدِّ قُلْنَا قَدْ يَكُونُ دُونَ الْحَدِّ ضَرْبَةً وَتِسْعَةً وَثَلاَثِينَ وَتِسْعَةً وَسَبْعِينَ فَأَيَّ هَذَا يَضْرِبُهَا؟ قَالَ مَا يَعْرِفُ النَّاسُ قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ لَك لَعَلَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ إلَّا لِلْعَالِمِ قَالَ حَقُّ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ عَلَى أَهْلِهِمَا وَاحِدٌ قُلْنَا: فَلِمَ عِبْت عَلَيْنَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ زَنَتْ أَمَتُهُ أَنْ يَحُدَّهَا. ثُمَّ زَعَمْت أَنْ لَيْسَ لِلْعَالِمِ أَنْ يَحُدَّ أَمَتَهُ؟ فَإِنْ اعْتَلَلْت بِجَهَالَةِ الْجَاهِلِ فَأَجِزْ لِلْعَالِمِ أَنْ يَحُدَّهَا وَأَنْتَ لاَ تُجِيزُهُ, وَإِنَّمَا أَدْخَلْت شُبْهَةً بِالْجَاهِلِ وَأَحَدٌ يَعْقِلُ لاَ يَجْهَلُ خَمْسِينَ ضَرْبَةً غَيْرَ مُبَرِّحَةٍ ثُمَّ صِرْت إلَى أَنْ أَجَزْت لِلْجَاهِلِينَ أَنْ يَضْرِبُوا نِسَاءَهُمْ بِغَيْرِ أَنْ تُوَقِّتَ ضَرْبًا. فَإِنْ اتَّبَعْت فِي ذَلِكَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تُجِزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَيْك; لِأَنَّهُ جُمْلَةٌ فَهُوَ عَامٌّ لِلْعَالِمِ وَلِغَيْرِهِ قَالَ: نَعَمْ قُلْنَا فَلِمَ لَمْ تَتَّبِعْ الْخَبَرَ الَّذِي هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَحُدَّ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَأَثْبَتَّ أَضْعَفَ الْخَبَرَيْنِ وَجَعَلْت الْعَالِمَ وَالْجَاهِلَ فِيهِمَا سَوَاءً بِالْخَبَرِ ثُمَّ مَنَعْت الْعَالِمَ وَالْجَاهِلَ أَنْ يَحُدَّ أَمَتَهُ؟ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَيَّنَ خَطَأُ قَوْلٍ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا إلَى الْعِلَّةِ بِالْجَهَالَةِ ذَهَبَ مَنْ رَدَّ هَذَا وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ بِالْجَهَالَةِ مِمَّنْ يَحُدُّ إذًا لاََجَازَهُ لِلْعَالِمِ دُونَ الْجَاهِلِ فَهُوَ لاَ يُجِيزُهُ لِعَالِمٍ وَلاَ لِجَاهِلٍ وَقَدْ رَدَّ أَقْوَى الْخَبَرَيْنِ وَأَخَذَ بِأَضْعَفِهِمَا وَكِلاَ الْحَدِيثَيْنِ نَأْخُذُ بِهِ نَحْنُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ التَّوْفِيقَ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَبِي الزِّنَادِ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: {أَنَّ رَجُلاً قَالَ أَحَدُهُمَا أَحْبَنُ وَقَالَ الْآخَرُ مُقْعَدٌ كَانَ عِنْدَ جِوَارِ سَعْدٍ فَأَصَابَ امْرَأَةً حَبَلٌ فَرَمَتْهُ بِهِ فَسُئِلَ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ قَالَ أَحَدُهُمَا جُلِدَ بأثكال النَّخْلِ وَقَالَ الْآخَرُ بأثكول النَّخْلِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مضنوء الْخَلْقِ قَلِيلَ الِاحْتِمَالِ يَرَى أَنَّ ضَرْبَهُ بِالسَّوْطِ فِي الْحَدِّ تَلَفٌ فِي الظَّاهِرِ ضُرِبَ بأثكال النَّخْلِ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَدَّ حُدُودًا مِنْهَا حُدُودٌ تَأْتِي عَلَى النَّفْسِ: الرَّجْمُ وَالْقَتْلُ غَيْرُ الرَّجْمِ بِالْقِصَاصِ فَبَيَّنَهُمَا, وَحَدٌّ بِالْجَلْدِ فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ الْجَلْدُ وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الضَّرْبَ لَمْ يُرَدْ بِهِ التَّلَفُ وَأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - النَّكَالُ لِلنَّاسِ عَنْ الْمَحَارِمِ وَلَعَلَّهُ طَهُورٌ أَيْضًا. فَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ مَنْ يَحُدُّ أَنَّ حَدَّهُ لِلضَّرِيرِ تَلَفٌ لَمْ يَضْرِبْ الْمَحْدُودَ بِمَا يُتْلِفُهُ وَضَرَبَهُ بِمَا ضَرَبَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَتْلَفُ الصَّحِيحُ الْمُحْتَمِلُ فِيمَا يُرَى وَيَسْلَمُ غَيْرُ الْمُحْتَمِلِ قِيلَ إنَّمَا يُعْمَلُ مِنْ هَذَا عَلَى الظَّاهِرِ وَالْآجَالُ بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا الْحُبْلَى وَالْمَرِيضُ فَيُؤَخَّرُ حَدُّهُمَا حَتَّى تَضَعَ الْحُبْلَى وَيَبْرَأَ الْمَرِيضُ وَلَيْسَ كالمضنوء مِنْ خِلْقَتِهِ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ. فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُ الْحَدَّ إلَّا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ مضنوءا مِنْ خِلْقَتِهِ قُلْت أَتَرَى الْحَدَّ أَكْثَرَ أَمْ الصَّلاَةَ؟ قَالَ كُلُّ فَرْضٍ قُلْنَا: قَدْ يُؤْمَرُ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ فِي الصَّلاَةِ بِالْجُلُوسِ, وَمَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ بِالْإِيمَاءِ وَقَدْ يُزِيلُ الْحَدَّ عَمَّنْ لاَ يَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلاً (قَالَ الرَّبِيعُ) يُرِيدُ كَأَنَّ سَارِقًا سَرَقَ وَلاَ يَدَيْنِ لَهُ وَلاَ رِجْلَيْنِ فَلَمْ يَجِدْ الْحَاكِمُ إلَى أَخْذِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَطْعِ سَبِيلاً قَالَ هَذَا اتِّبَاعٌ وَمَوَاضِعُ ضَرُورَاتٍ. قُلْنَا وَجَلْدُ المضنوء بأثكال النَّخْلِ اتِّبَاعٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي لاَ يَنْبَغِي خِلاَفُهُ وَمَوْضِعُ ضَرُورَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْقَذَفَةِ: {لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَلاَ يَجُوزُ فِي الزِّنَا الشُّهُودُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ بِحُكْمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا لَمْ يَكْمُلُوا أَرْبَعَةً فَهُمْ قَذَفَةٌ, وَكَذَلِكَ حَكَمَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَجَلَدَهُمْ جَلْدَ الْقَذَفَة وَلَمْ أَعْلَمْ بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيَتْهُ بِبَلَدِنَا اخْتِلاَفًا فِيمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ فِي الزِّنَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَكْمُلُوا أَرْبَعَةً حُدُّوا حَدَّ الْقَذْفِ وَلَيْسَ هَكَذَا شَيْءٌ مِنْ الشَّهَادَاتِ غَيْرَ شُهُودِ الزِّنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: {أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدْت مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَفِي هَذَا مَا يُبَيِّنُ أَنَّ شُهُودَ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ وَأَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُونَ الْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ وَلاَ يُعَاقِبَ بِمَا رَأَى قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلاً بِالشَّامِ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهَا فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بِأَنْ يَسْأَلَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا رضي الله عنه فَسَأَلَهُ فَقَالَ عَلِيٌّ " إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا هُوَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ عَزَمْت عَلَيْكَ لَتُخْبِرنِي " فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَا أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَلاَ أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ مُخَالِفًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلاً فِي دَارِهِ فَقَامَ عَلَيْهِ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ فَقَالَ وَجَدْته فِي دَارِي يُرِيدُ السَّرِقَةَ فَقَتَلْته نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ دَرَأْنَا عَنْ الْقَاتِلِ الْقَتْلَ وَضَمَّنَّاهُ الدِّيَةَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالسَّرِقَةِ أَقَدْنَا وَلِيَّ الْقَتِيلِ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْذَنْ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي رَجُلٍ لَوْ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُولُ " إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ " فَكَيْفَ خَالَفْت سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَثَرَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه؟ قَالَ: رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ أَهْدَرَهُ فَقُلْت لَهُ قَدْ رَوَى عُمَرُ أَنَّهُ أَهْدَرَهُ فَقَالَ هَذَا قَتِيلُ اللَّهِ وَاَللَّهِ لاَ يُودَى أَبَدًا وَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ عُمَرَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عِنْدَهُ عَلَى الْمَقْتُولِ أَوْ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِمَا وَجَبَ بِهِ أَنْ يُقْتَلَ الْمَقْتُولُ قَالَ هَلْ رَوَيْتُمْ هَذَا فِي الْخَبَرِ؟ قُلْنَا قَالَ فَالْخَبَرُ عَلَى ظَاهِرِهِ قُلْنَا فَأَنْتَ تُخَالِفُ ظَاهِرَهُ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْنَا عُمَرُ لَمْ يَسْأَلْ أَيُعْرَفُ الْمَقْتُولُ بِالزِّنَا أَمْ لاَ وَأَنْتَ لاَ تُجِيزُ فِيمَنْ عُرِفَ بِالزِّنَا أَنْ يَعْقِلَ وَيُقْتَلَ بِهِ مَنْ قَتَلَهُ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَعُمَرُ لَمْ يَجْعَلْ فِيهِ دِيَةً وَأَنْتَ تَجْعَلُ فِيهِ دِيَةً قَالَ: فَأَنَا إنَّمَا قِسْتُهُ عَلَى حُكْمٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قُلْت وَمَا ذَلِكَ الْحُكْمُ قَالَ رَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مَعْرُوفًا بِالْقَتْلِ فَاقْتُلُوهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْقَتْلِ فَذَرُوهُ وَلاَ تَقْتُلُوهُ فَقُلْت وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَكَ فَتَقُولُ بِهِ؟ فَقَالَ: لاَ بَلْ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ لِلنَّصْرَانِيِّ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِهِ فَقُلْت لَهُ أَيَجُوزُ لِأَحَدٍ يُنْسَبُ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ قِصَّةً رَوَاهَا عَنْ رَجُلٍ لَيْسَتْ كَمَا قَضَى بِهِ وَيُخَالِفُهَا ثُمَّ يَقِيسُ عَلَيْهَا إذَا تَرَكَهَا فِيمَا قَضَى بِهَا فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُشْبِهَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ أَيْضًا تُخَطِّئُ الْقِيَاسَ الَّذِي رَوَيْت عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُنْظَرَ فِي حَالِ الْقَاتِلِ أَمَعْرُوفٌ بِالْقَتْلِ فَيُقَادُ أَوْ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِهِ فَيُرْفَعُ عَنْهُ الْقَوَدُ وَأَنْتَ لَمْ تَنْظُرْ فِي السَّارِقِ وَلاَ إلَى الْقَاتِلِ إنَّمَا نَظَرْت إلَى الْمَقْتُولِ قَالَ فَمَا تَقُولُ؟ قُلْت أَقُولُ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَبَرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَالْأَمْرِ الَّذِي يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ قَالَ وَمَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ؟ قُلْت أَمَا يَكُونُ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ غَرِيبًا لاَ يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ فَيَقْتُلُهُ رَجُلٌ فَيُسْأَلُ عَنْهُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ فَلاَ يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِبَلَدٍ غَيْرِهِ بِالسَّرِقَةِ؟ قَالَ بَلَى قُلْت أَمَا يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ يَتُوبُ؟ قَالَ بَلَى قُلْت: أَمَا يَكُونُ أَنْ يَدْعُوهُ رَجُلٌ لَضِغْنٍ مِنْهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ اعْمَلْ لِي عَمَلَ كَذَا ثُمَّ يَقْتُلُهُ وَيَقُولُ دَخَلَ عَلَيَّ؟ قَالَ بَلَى قُلْت: وَمَا يَكُونُ غَيْرَ سَارِقٍ فَيَبْتَدِئُ السَّرِقَةَ فَيَقْتُلُهُ رَجُلٌ وَأَنْتَ تُبِيحُ لَهُ قَتْلَهُ بِهِ؟ قَالَ بَلَى قُلْت فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْحَالاَتُ وَأَكْثَرُ مِنْهَا فِي الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ مُمْكِنَةً عِنْدَكَ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ قُلْت مَا قُلْت بِلاَ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ أَثَرٍ وَلاَ قِيَاسٍ عَلَى أَثَرٍ, قَالَ فَتَقُولُ مَاذَا قُلْت أَقُولُ: إنْ جَاءَ عَلَيْهِ بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا يَحِلُّ دَمُهُ أَهْدَرْته فَلَمْ أَجْعَلْ فِيهِ عَقْلاً وَلاَ قَوَدًا وَإِنْ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ بِشُهُودٍ أَقَصَصْت وَلِيَّهُ مِنْهُ وَلَمْ أَقْبَلْ فِيهِ قَوْلَهُ وَتَبِعْت فِيهِ السُّنَّةَ ثُمَّ الْأَثَرَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلَمْ أَجْعَلْ لِلنَّاسِ الذَّرِيعَةَ إلَى قَتْلِ مَنْ فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ يَرْمُونَهُ بِسَرِقَةٍ كَاذِبِينَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: {كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ بَايَعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ, وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ, وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَسْمَعْ فِي الْحُدُودِ حَدِيثًا أَبْيَنَ مِنْ هَذَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ الْحُدُودَ نَزَلَتْ كَفَّارَةً لِلذُّنُوبِ} وَهُوَ يُشْبِهُ هَذَا وَهُوَ أَبْيَنُ مِنْهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَّصِلِ الْإِسْنَادِ فِيمَا أَعْرِفُ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ} (قَالَ) وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَرَ رَجُلاً فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَ حَدًّا بِالِاسْتِتَارِ وَأَنَّ عُمَرَ أَمَرَهُ بِهِ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَنَحْنُ نُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ الْحَدَّ أَنْ يَسْتَتِرَ وَأَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ يَعُودَ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: {فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} قَرَأَ إلَى: {بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَفِي هَذِهِ الآيَةِ بَيَانٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ فِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَوْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ وَجَعَلَ عَلَيْهِ إنْ حَكَمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ, وَالْقِسْطُ حُكْمُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام الْمَحْضِ الصَّادِقِ أَحْدَثَ الْأَخْبَارِ عَهْدًا بِاَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذِهِ الآيَةِ مَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ (قَالَ) وَسَمِعْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}: إنْ حَكَمْت لاَ عَزْمًا أَنْ تَحْكُمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا رَجَمَهُمَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَالدَّلِيلُ الْوَاضِحُ أَنَّ مَنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ فَإِنَّمَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ فَمَا حَكَمْنَا بِهِ عَلَى مُسْلِمٍ حَكَمْنَا بِهِ عَلَى مَنْ خَالَفَ الْإِسْلاَمَ وَحُكِمَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَرَأَيْت الرَّجُلَ يُخَبِّئُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِالْقِسْطِ ثُمَّ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ بِالرَّجْمِ وَتِلْكَ سُنَّةٌ عَلَى الثَّيِّبِ الْمُسْلِمِ إذَا زَنَى وَدَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِمُسْلِمٍ حُكْمٌ بَيْنَهُمْ أَبَدًا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلاَمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ لِي قَائِلٌ إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فَقُلْت لَهُ: النَّاسِخُ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِخَبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ لاَ مُخَالِفَ لَهُ أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ عَوَامُّ الْفُقَهَاءِ فَهَلْ مَعَكَ مِنْ هَذَا وَاحِدٌ؟ قَالَ: لاَ, فَهَلْ مَعَك مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخِيَارَ غَيْرُ مَنْسُوخٍ؟ قُلْت قَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} " إنْ حَكَمْت وَقَدْ رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِكَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قَابُوسِ بْنِ مُخَارِقٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ كَتَبَ إلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ أَنْ يُحَدَّ الْمُسْلِمُ وَتُدْفَعَ الذِّمِّيَّةُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا عِنْدَكَ فَهُوَ يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَوْ يَتْرُكَ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ لاَزِمًا لِلْإِمَامِ فِي حَالٍ لَزِمَهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ حُدَّ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَلَمْ تُحَدَّ الذِّمِّيَّةُ قَالَ وَكَيْفَ لَمْ تُحَدَّ الذِّمِّيَّةُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا لَمْ تَرْضَ حُكْمَهُ وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا أَوْ يَدَعَ الْحُكْمَ؟ قَالَ فَمَا الْحَالُ الَّتِي يَلْزَمُهُ فِيهَا أَنْ يَحْكُمَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ؟ قُلْت إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ تَبَاعَةٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِمُسْلِمٍ وَلاَ عَلَيْهِ إلَّا مُسْلِمٌ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَقَدَ بِالْمُسْتَأْمَنِ أَمَانًا عَلَى مَالِهِ وَدَمِهِ حَتَّى يَرْجِعَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ إلَّا مُسْلِمٌ قَالَ فَهَذَا زِنًا وَاحِدٌ قَدْ رَدَّ فِيهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه الذِّمِّيَّةَ عَلَى أَهْلِ دِينِهَا قُلْنَا: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا بِالزِّنَا عَلَى الْمُسْلِمِ شَيْءٌ تَأْخُذُهُ مِنْهُ وَلاَ لِلْمُسْلِمِ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَيَحْكُمُ لَهَا وَعَلَيْهَا وَإِنَّمَا كَانَ حُدَّ فَأَخَذَهُ إنْ كَانَ حَدِيثُكُمْ ثَابِتًا عَنْهُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَرَدَّ الذِّمِّيَّةَ إلَى أَهْلِ دِينِهَا لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَرْضَ حُكْمَهُ وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْحُكْمِ لَهَا وَعَلَيْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ وَقَدْ رَوَى بَجَالَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَتَبَ " فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ وَانْهَوْهُمْ عَنْ الزَّمْزَمَةِ " فَكَيْفَ لَمْ تَأْخُذُوا بِهِ؟ فَقُلْت لَهُ بَجَالَةُ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ وَلاَ يُعْرَفُ أَنَّ جُزْءَ مُعَاوِيَةَ كَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَامِلاً وَنَحْنُ نَسْأَلُكَ فَإِنْ قُلْت مَا قُلْنَا فَلِمَ تَحْتَجَّ بِأَمْرٍ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ؟ وَإِنْ قُلْت بَلْ نَصِيرُ إلَى حَدِيثِ بَجَالَةَ فَحَدِيثُ بَجَالَةَ مُوَافِقٌ لَنَا; لِأَنَّ عُمَرَ إنَّمَا حَمَلَهُمْ إنْ كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَامِلاً عَلَيْهِ الْمُسْلِمِينَ; لِأَنَّ الْمَحَارِمَ لاَ يَحْلِلْنَ لِلْمُسْلِمِينَ وَلاَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ الزَّمْزَمَةُ وَهَذَا يَدُلُّ إنْ كَانَ ثَابِتًا عَلَى أَنَّهُمْ يُحْمَلُونَ عَلَى مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَحَمَلْتهمْ عَلَى مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَتَبِعْتهمْ كَمَا تُتْبِعُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: لاَ قُلْت: فَقَدْ خَالَفْت مَا رَوَيْت عَنْ عُمَرَ قَالَ فَإِنْ قُلْت أُتْبِعُهُمْ فِيمَا رَأَيْت أَنَّهُ تَبِعَهُمْ فِيهِ عُمَرُ؟ قُلْت وَلِمَ تُتْبِعُهُمْ أَنْتَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ, قُلْت: فَكَذَلِكَ تُتْبِعُهُمْ فِي كُلِّ مَا عَلِمْت أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ عَلَيْهِ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ قَالَ فَإِنْ قُلْت أُتْبِعُهُمْ فِي هَذَا الَّذِي رَوَيْت أَنَّ عُمَرَ تَبِعَهُمْ فِيهِ خَاصَّةً قَالَ قُلْت فَيَلْزَمُكَ أَنْ تُتْبِعَهُمْ فِي غَيْرِهِ إذَا عَلِمْتهمْ مُقِيمِينَ عَلَيْهِ وَأَنْ تَسْتَدِلَّ بِأَنَّ عُمَرَ إنَّمَا يُتْبِعُهُمْ فِي شَيْءٍ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ عَلَيْهِ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُتْبِعَهُمْ فِي مِثْلِهِ وَأَعْظَمُ مِنْهُ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فَيَلْزَمُكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ عُمَرَ صَيَّرَهُمْ أَنْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ إلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَتَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ثُمَّ حَكَمَ بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّجْمِ وَهِيَ سُنَّتُهُ الَّتِي سَنَّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا: {لاََقْضِيَنَّ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ} ثُمَّ زَعَمْت عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ زَعَمْت عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ دَفَعَ نَصْرَانِيَّةً إلَى أَهْلِ دِينِهَا فَكُلُّ مَا زَعَمْنَا وَزَعَمْت حُجَّةٌ لَنَا وَكُلُّ مَا زَعَمْت تَعْرِفُهُ وَلاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ حُجَّةٌ لَنَا, وَلاَ يُخَالِفُ قَوْلَنَا وَأَنْتَ تُخَالِفُ مَا تَحْتَجُّ بِهِ, قَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: وَكَيْفَ لاَ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ إذَا جَاءُوكَ مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ؟ قُلْت أَمَّا مُتَفَرِّقِينَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ} عَلَى أَنَّهُمْ مُجْتَمِعُونَ لَيْسَ إنْ جَاءَك بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا جَاءُوهُ فِي الْحُكْمِ أَوْ الْإِعْرَاضَ عَنْهُمْ وَعَلَى أَنَّهُ إنْ حَكَمَ فَإِنَّمَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا يُخَالِفُ فِي أَنَّ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الزِّنَا كَانَا مُوَادِعِينَ لاَ ذِمِّيَّيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ يَقُولُ الْقَوْلَ الَّذِي أَحْكِي خِلاَفَهُ: إنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى مُوَادِعَيْنِ وَإِنْ رَضِيَا حُكْمَهُ وَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إذَا رَضِيَا حُكْمَ الْإِمَامِ فَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْحُكْمَ حَكَمَ عَلَيْهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ مُوَادِعِينَ زَمَانًا وَكَانَ أَهْلُ الصُّلْحِ وَالذِّمَّةِ مَعَهُ بِخَيْبَرَ وَفَدَكَ وَوَادِي الْقُرَى وَمَكَّةَ وَنَجْرَانَ وَالْيَمَنِ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَعَ أَبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ ثُمَّ مَعَ عُمَرَ صَدْرًا مِنْ خِلاَفَتِهِ حَتَّى أَجَلاَهُمْ عُمَرُ بِمَا بَلَغَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ فِي وِلاَيَتِهِ وَحَيْثُ تَجْرِي أَحْكَامُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَالْيَمَنِ ثُمَّ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ثُمَّ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِمَّنْ سَمَّيْنَا حَكَمَ بَيْنَهُمْ فِي شَيْءٍ وَلَوْ حَكَمُوا بَيْنَهُمْ لَحُفِظَ بَعْضُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُحْفَظْ كُلُّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَهْلُ الذِّمَّةِ بَشَرٌ لاَ يُشَكُّ بِأَنَّهُمْ يَتَظَالَمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَخْتَلِفُونَ وَيَتَطَالَبُونَ بِالْحُقُوقِ وَأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ مَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِمْ, وَمَا نَشُكُّ أَنَّ الطَّالِبَ حَرِيصٌ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ لَهُ حَقَّهُ وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ حَرِيصٌ عَلَى مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُ مَا يَطْلُبُ بِهِ وَأَنَّ كُلًّا قَدْ يُحِبُّ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُ وَأَنْ قَدْ يَرْجُو كُلٌّ فِي حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ, وَالْعِلْمُ يُحَكِّمُهُمْ أَوْ الْجَهَالَةُ بِهِ مَا لاَ يَرْجُو فِي حَاكِمِهِ وَأَنْ لَوْ كَانَ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ إذَا جَاءَهُمْ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ وَإِذَا جَاءُوهُمْ مُسْتَجْمِعِينَ لَجَاءُوهُمْ فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ مُسْتَجْمِعِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ إلَّا فِي الْمُوَادِعَيْنِ اللَّذَيْنِ رَجَمَ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ إلَّا مَا رَوَى بَجَالَةُ مِمَّا يُوَافِقُ حُكْمَ الْإِسْلاَمِ وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِمَّا يُوَافِقُ قَوْلَنَا فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ - وَإِنْ لَمْ تُخَالِفَانَا - غَيْرُ مَعْرُوفَتَيْنِ عِنْدَنَا وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ لاَ نَكُونَ مِمَّنْ تَدْعُوهُ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إلَى قَبُولِ خَبَرِ مَنْ لاَ يُثْبِتُ خَبَرَهُ مَعْرِفَتُهُ عِنْدَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ: فَإِنَّكَ إذَا أَبَيْت الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ رَجَعُوا إلَى حُكَّامِهِمْ فَحَكَمُوا بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ الْحَقِّ عِنْدَكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ: وَأَنَا إذَا أَبَيْت الْحُكْمَ فَحَكَمَ حَاكِمُهُمْ بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَلَمْ أَكُنْ أَنَا حَاكِمًا فَمَا أَنَا مِنْ حُكْمِ حُكَّامِهِمْ أَتَرَى تَرْكِي أَنْ أَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فِي دِرْهَمٍ لَوْ تَظَالَمُوا فِيهِ وَقَدْ أَعْلَمْتُكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخِيَارِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ أَوْ التَّرْكِ لَهُمْ وَمَا أَوْجَدْتُكَ مِنْ الدَّلاَئِلِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ بِأَنْ لَمْ يَحْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى أَوْ تَرَى تَرْكِي الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ أَعْظَمَ أَمْ تَرْكَهُمْ عَلَى الشِّرْكِ بِاَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟ فَإِنْ قُلْت فَقَدْ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى الشِّرْكِ بِهِ مَعُونَةً لِأَهْلِ دَيْنِهِ فَإِقْرَارُهُمْ عَلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ الشِّرْكِ أَحْرَى أَنْ لاَ يَعْرِضَ فِي نَفْسِك مِنْهُ شَيْءٌ إذَا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى أَعْظَمِ الْأُمُورِ فَأَصْغَرُهَا أَقَلُّ مِنْ أَعْظَمِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ لِي قَائِلٌ فَإِنْ امْتَنَعُوا أَنْ يَأْتُوا حُكَّامَهُمْ قُلْت أُخَيِّرُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعُوا إلَيْهِمْ أَوْ يَفْسَخُوا الذِّمَّةَ, قَالَ فَإِذَا خَيَّرْتهمْ فَرَجَعُوا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بَيْنَهُمْ بِالْبَاطِلِ عِنْدَكَ فَأَرَاك قَدْ شَرِكْتهمْ فِي حُكْمِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ لَسْت شَرِيكَهُمْ فِي حُكْمِهِمْ وَإِنَّمَا وَفَّيْت لَهُمْ بِذِمَّتِهِمْ, وَذِمَّتُهُمْ أَنْ يَأْمَنُوا فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُجْبَرُونَ عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ وَلَمْ يَزَالُوا يَتَحَاكَمُونَ إلَى حُكَّامِهِمْ بِرِضَاهُمْ فَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ حُكَّامِهِمْ قُلْت لَهُمْ لَمْ تُعْطُوا الْأَمَانَ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَالظُّلْمِ فَاخْتَارُوا أَنْ تَفْسَخُوا الذِّمَّةَ أَوْ تَرْجِعُوا إلَى مَنْ لَمْ يَزَلْ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ مُنْذُ كُنْتُمْ فَإِنْ اخْتَارُوا فَسْخَ الذِّمَّةِ فَسَخْنَاهَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا وَرَجَعُوا إلَى حُكَّامِهِمْ فَكَذَلِكَ لَمْ يَزَالُوا لاَ يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ إمَامٌ قَبْلَنَا وَرُجُوعُهُمْ إلَيْهِمْ شَيْءٌ رَضُوا بِهِ لَمْ نُشْرِكْهُمْ نَحْنُ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ رَدَدْنَاهُمْ إلَى حُكَّامِهِمْ لَمْ يَكُنْ رَدُّنَا لَهُمْ مِمَّا يُشْرِكُهُمْ وَلَكِنَّهُ مَنْعٌ لَهُمْ مِنْ الِامْتِنَاعِ (قَالَ) وَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ أَرَأَيْت لَوْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ فَسَبَوْهُمْ فَمَنَعُوهُمْ مِنْ الشِّرْكِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ أَكَانَ عَلَيَّ أَنْ أَسْتَنْقِذُهُمْ إنْ قَوِيَتْ لِذِمَّتِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إذَا اسْتَنْقَذْتهمْ وَرَجَعُوا آمَنِينَ أَشْرَكُوا وَشَرِبُوا الْخَمْرَ وَأَكَلُوا الْخِنْزِيرَ فَلاَ تَسْتَنْقِذُهُمْ فَتُشْرِكُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا الْحُجَّةُ؟ قَالَ الْحُجَّةُ أَنْ نَقُولَ أَسْتَنْقِذُهُمْ لِذِمَّتِهِمْ قُلْت: فَإِنْ قَالَ فِي أَيِّ ذِمَّتِهِمْ وَجَدْت أَنْ تَسْتَنْقِذَهُمْ؟ هَلْ تَجِدُ بِذَلِكَ خَبَرًا؟ قَالَ لاَ وَلَكِنْ مَعْقُولٌ إذَا تَرَكْتهمْ آمَنِينَ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ عَلَيْك الدَّفْعَ عَمَّنْ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ قُلْت فَإِنْ قُلْت أَدْفَعُ عَمَّا فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ لِلْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا لِغَيْرِهِمْ فَلاَ قَالَ إذَا جَعَلْت لِغَيْرِهِمْ الْأَمَانَ فِيهَا كَانَ عَلَيْكَ الدَّفْعُ عَنْهُمْ قُلْت وَحَالُهُمْ حَالُ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ لاَ, قُلْت فَكَيْفَ جَعَلْت عَلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ وَحَالُهُمْ مُخَالِفَةٌ حَالَ الْمُسْلِمِينَ, هُمْ وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي أَنَّ لَهُمْ الْمُقَامَ بِدَارِ الْمُسْلِمِينَ مُخْتَلِفُونَ فِيمَا يَلْزَمُ لَهُمْ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ جَازَ لَنَا الْقِتَالُ عَنْهُمْ وَنَحْنُ نَعْلَمُ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْكِ وَاسْتِنْقَاذُهُمْ لَوْ أُسِرُوا فَرَدُّهُمْ إلَى حُكَّامِهِمْ وَإِنْ حَكَمُوا بِمَا لاَ نَرَى أَخَفُّ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ: أَرَأَيْت إنْ أَجَزْت الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ كَيْفَ تَحْكُمُ؟ قُلْت: إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الرِّضَا بِي فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ أَحْكُمَ لِمَا وَصَفْت لَكَ وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ فَضْلاً حَكَمَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَإِنْ رَضِيت بِأَنَّهُ مُبَاحٌ لِي لَمْ أَحْكُمْ حَتَّى أُعْلِمَهُمْ أَنِّي إنَّمَا أُجِيزُ بَيْنَهُمْ مَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَرُدُّ بَيْنَهُمْ مَا يُرَدُّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأُعْلِمَهُمْ أَنِّي لاَ أُجِيزُ بَيْنَهُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولِ فَإِنْ رَضُوا بِهَذَا فَرَأَيْت أَنْ أَحْكُمَ بَيْنَهُمْ حَكَمْت وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا مَعًا لَمْ أَحْكُمْ وَإِنْ حَكَمْت فَبِهَذَا أَحْكُمُ قَالَ: وَمَا حُجَّتُكَ فِي أَنْ لاَ تُجِيزَ شَهَادَتَهُمْ بَيْنَهُمْ؟ قُلْت قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} وَقَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا عَنَى الْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَلَمْ أَرَ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا عَلَى الْأَحْرَارِ الْعُدُولِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً دُونَ الْمَمَالِيكِ الْعُدُولِ, وَالْأَحْرَارُ غَيْرُ الْعُدُولِ وَإِذَا زَعَمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهَا عَلَى الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولِ دُونَ الْمَمَالِيكِ, فَالْمَمَالِيكُ الْعُدُولُ وَالْمُسْلِمُونَ الْأَحْرَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولاً فَهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَيْفَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ فِي دِيَانَتِهِمْ فَكَيْفَ أُجِيزُ شَهَادَةَ الَّذِي هُوَ شَرٌّ وَأَرُدُّ شَهَادَةَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ بِلاَ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ أَثَرٍ وَلاَ أَمْرٍ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ عَوَامُّ الْفُقَهَاءِ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَعْدَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ بِاَللَّهِ شِرْكًا أَسْجَدُهُمْ لِلصَّلِيبِ وَأَلْزَمُهُمْ لِلْكَنِيسَةِ فَقَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ حِينَ الْوَصِيَّةِ: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِمَعْنَى مَا أَرَادَ مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا يُفَسَّرُ مَا احْتَمَلَ الْوُجُوهَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةٌ أَوْ أَثَرٌ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ مُخَالِفَ لَهُ أَوْ أَمْرٍ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ عَوَامُّ الْفُقَهَاءِ فَقَدْ سَمِعْت مَنْ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَجُّ فِيهَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ} إلَى: {الْآثِمِينَ} فَيَقُولُ الصَّلاَةُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُونَ يَتَأَثَّمُونَ مِنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ لِلَّهِ فَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَلاَ صَلاَةَ لَهُمْ قَائِمَةٌ وَلاَ يَتَأَثَّمُونَ مِنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلاَ عَلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمِعْت مَنْ يَذْكُرُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَرَأَيْت مُفْتِي أَهْلِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ يُفْتُونَ أَنْ لاَ تَجُوزَ شَهَادَةُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَلِكَ قَوْلِي قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لِمَنْ يُخَالِفُنَا فِي هَذَا فَيُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَا حُجَّتُكَ فِي إجَازَتِهَا؟ فَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قُلْت لَهُ إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ فِي السَّفَرِ أَفَتُجِيزُهَا فِي وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ بِالسَّفَرِ قَالَ: لاَ قُلْت: أَوْ تُحَلِّفُهُمْ إذَا شَهِدُوا؟ قَالَ: لاَ قُلْت: وَلِمَ وَقَدْ تَأَوَّلْت أَنَّهَا فِي وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ؟ قَالَ: لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قُلْت فَإِنْ نُسِخَتْ فِيمَا أُنْزِلَتْ فِيهِ فَلِمَ تُثْبِتُهَا فِيمَا لَمْ تَنْزِلْ فِيهِ؟ فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ: فَإِنَّمَا أَجَزْنَا شَهَادَتَهُمْ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَلِئَلَّا تَبْطُلَ حُقُوقُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَطْلُبَ الرِّفْقَ بِهِمْ فَتُخَالِفَ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ أُمِرُوا أَنْ يُقْبَلُوا هُمْ الْمُسْلِمُونَ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ: الْمَذْهَبُ الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ خَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّهُ خِلاَفُ مَا زَعَمْت أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ الَّتِي يَحْكُمُ بِهَا شَهَادَةُ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّا لَمْ نَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ قَوْلُهُ أَجَازَ شَهَادَتَهُمْ ثُمَّ خَطَأٌ فِي قَوْلِكَ طَلَبِ الرِّفْقِ بِهِمْ. (قَالَ) وَكَيْفَ قُلْت؟ أَرَأَيْت عَبِيدًا عُدُولاً مُجْتَمَعِينَ فِي مَوْضِعِ صِنَاعَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ شَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ, قُلْت: إنَّهُمْ فِي مَوْضِعٍ لاَ يَخْلِطُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ قَالَ وَإِنْ قُلْت فَإِنْ كَانُوا فِي سِجْنٍ قَالَ وَإِنْ قُلْت فَأَهْلُ السِّجْنِ وَالْبَدْوُ الصَّيَّادُونَ إنْ كَانُوا أَحْرَارًا غَيْرَ مُعَدَّلِينَ وَلاَ يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ شَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ؟ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ. قُلْت فَإِنْ قَالُوا لَكَ: لاَ يَخْلِطُنَا غَيْرُنَا وَإِنْ أُبْطِلَتْ شَهَادَتُنَا ذَهَبَتْ دِمَاؤُنَا وَأَمْوَالُنَا قَالَ وَإِنْ ذَهَبَتْ فَأَنَا لَمْ أُذْهِبْهَا قُلْت فَإِنْ قَالُوا فَاطْلُبْ الرِّفْقَ بِنَا بِإِجَازَةِ شَهَادَةِ بَعْضِنَا لِبَعْضٍ؟ قَالَ لاَ أَطْلُبُ الرِّفْقَ لَكُمْ بِخِلاَفِ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ قَالُوا لَكَ وَمَا حُكْمُ اللَّهِ؟ تَعَالَى قَالَ الْأَحْرَارُ الْعُدُولُ الْمُسْلِمُونَ قُلْت فَالْعَبِيدُ الْعُدُولُ الَّذِينَ يُعْتَقُ أَحَدُهُمْ السَّاعَةَ فَتُجِيزُ شَهَادَتَهُ أَقْرَبُ مِنْ الْعُدُولِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَمْ الذِّمِّيُّ الَّذِي يُسْلِم فَتُجِيزُ إسْلاَمَهُ قَبْلَ إجَازَةِ شَهَادَتِهِ؟ قَالَ بَلْ الْعَبْدُ الْعَدْلُ قُلْت فَلِمَ رَدَدْت الْأَقْرَبَ مِنْ شَرْطِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَأَجَزْت الْأَبْعَدَ مِنْهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَائِزًا جَازَ الْعَبْدُ وَلَمْ يَجُزْ الذِّمِّيُّ أَوْ الْحُرُّ غَيْرُ الْعَدْلِ وَلَمْ يَجُزْ الذِّمِّيُّ وَمَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ إلَّا خَيْرٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَرُدَّ شَهَادَةَ مُسْلِمٍ بِأَنْ تَعْرِفَهُ يَكْذِبُ عَلَى بَعْضِ الْآدَمِيِّينَ وَتُجِيزُ شَهَادَةَ ذِمِّيٍّ وَهُوَ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ شُرَيْحًا أَجَازَ شَهَادَتَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت شُرَيْحًا لَوْ قَالَ قَوْلاً لاَ مُخَالِفَ لَهُ فِيهِ مِثْلُهُ وَلاَ كِتَابَ فِيهِ أَيَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً؟ قَالَ لاَ: قُلْت: فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَعَلَى الْمُخَالِفِينَ لَهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ احْتَجَّ مَنْ يُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} فَقَالَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ فَكَيْفَ لَمْ تُجِزْهَا فِيمَا ذَكَرْت فِيهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي السَّفَرِ كَيْفَ لَمْ تُجِزْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ غَيْرُ أَهْلِ إسْلاَمٍ؟ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ إذَا كَانَ غَيْرُ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ هُمْ الْمُشْرِكُونَ فَجَازَ لَكَ أَنْ تُجِيزَ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ بِلاَ خَبَرٍ يَلْزَمُ فَأَنَا أُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ.; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ نَبَذُوهُ وَبَدَّلُوهُ إنَّمَا ضَلُّوا بِأَنَّهُمْ وَجَدُوا آبَاءَهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَلَزِمُوهُ وَأَرُدُّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَإِنْ قَالَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَصْدُقُ وَيُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَفِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ مَنْ يَصْدُقُ وَيُؤَدِّي الْأَمَانَةَ وَيَعِفُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا عَلِمْت مَنْ خَالَفَنَا فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا تَرَكَ فِيهِ التَّنْزِيلَ وَالسُّنَّةَ لِمَا رَوَى فِيهِ مِنْ الْأَثَرِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ ثُمَّ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ جَهِلَ وَخَطَّأَ مَنْ عَلِمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ لِي مِنْهُمْ قَائِلٌ فَإِذَا حَكَمْت بَيْنَهُمْ أَبْطَلْت النِّكَاحَ بِلاَ وَلِيٍّ وَلاَ شُهُودٍ وَهُوَ جَائِزٌ بَيْنَهُمْ؟ قُلْت: نَعَمْ قَالَ: وَتُبْطِلُ بَيْنَهُمْ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ؟ قُلْت: نَعَمْ قَالَ: وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَوْ غَيْرُهُمْ لَهُمْ لَمْ تَقْضِ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ؟ قُلْت: نَعَمْ قَالَ فَهِيَ أَمْوَالُهُمْ أَنْتَ تُقِرُّهُمْ يتمولونها. قَالَ فَقُلْت لَهُ إنَّ إقْرَارَهُمْ يتمولونها لاَ يُوجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَحْكُمَ لَهُمْ بِهَا. قَالَ: وَكَيْفَ لاَ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَحْكُمَ لَهُمْ بِمَا تُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ قُلْت لَهُ: أَمَا أُقِرُّهُمْ عَلَى الشِّرْكِ وَأُقِرُّ عَلَيْهِ أَبْنَاءَهُمْ وَرَقِيقَهُمْ؟ قَالَ: بَلَى, قُلْت: فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْضُ رَقِيقِهِمْ وَحَكَمْت عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ مِلْكِهِ أَلَسْت أَحْمَدُهُ عَلَى الْإِسْلاَمِ وَأُجْبِرُ السَّيِّدَ عَلَى بَيْعِهِ وَلاَ أَدَعُهُ يَسْتَرِقُّهُ وَلاَ أُعِيدُهُ إلَى الشِّرْكِ؟ قَالَ بَلَى قُلْت: أَفْلَسْت أَقْرَرْته عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ لَمْ أَحْكُمْ لَهُ بِمَا أَقْرَرْته عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ فِي حَالٍ مُقِرًّا عَلَيْهِ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت: أَوْ مَا أُقِرُّهُ عَلَى حُكْمِ حُكَّامِهِ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِغَيْرِ الْحَقِّ؟ قَالَ بَلَى قُلْت وَمِنْ حُكْمِ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَنْ سَرَقَ شَيْئًا لِرَجُلٍ كَانَ السَّارِقُ عَبْدًا لِلْمَسْرُوقِ فَأُقِرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ إذَا رَضُوهُ أَفَرَأَيْت لَوْ تَرَافَعُوا إلَيَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ السَّارِقَ عَبْدٌ لِلْمَسْرُوقِ قَالَ: لاَ قُلْت: وَمِنْ حُكْمِ بَعْضِهِمْ أَنْ لَيْسَ لِرَجُلٍ أَنْ يَنْكِحَ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً لاَ يُطَلِّقُهَا. وَمِنْ حُكْمِ بَعْضِهِمْ أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْكِحَ إلَّا رَجُلاً وَاحِدًا أَفَرَأَيْت لَوْ تَرَافَعُوا إلَيَّ أَلْزَمْتهمْ ذَلِكَ؟ قَالَ: لاَ قُلْت فَأَرَاك تُقِرُّهُمْ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ أَحْكَامِهِمْ إذَا صَارُوا إلَيْكَ لَمْ تَحْكُمْ لَهُمْ بِهَا وَحَكَمْت عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْإِسْلاَمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لِبَعْضِهِمْ: أَرَأَيْت إذَا تَحَاكَمُوا إلَيْكَ وَقَدْ أَرْبَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ؟ قَالَ أَرُدُّ الرِّبَا قُلْت فَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَيْكَ وَقَدْ نَكَحَ الرَّجُلُ مَحْرَمَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ أَرُدُّ النِّكَاحَ قُلْت: فَإِنْ تَحَاكَمَ إلَيْكَ مَجُوسِيَّانِ وَقَدْ أَحْرَقَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ غَنَمًا قَدْ اشْتَرَاهَا بَيْنَ يَدَيْكَ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَحَ فِيهَا مِائَةَ أَلْفٍ عَلَى أَنْ يَقِذَهَا لَهُمْ فَوَقَذَهَا كُلَّهَا وَتِلْكَ عِنْدَهُ ذَكَاتُهَا فَأَحْرَقَهَا أَحَدُهُمْ أَوْ مُسْلِمٌ فَقَالَ قَدْ أَحْرَقَ هَذَا مَالِي الَّذِي ابْتَعْته بَيْنَ يَدَيْكَ وَأَرْبَحْت فِيهِ بِمَحْضَرِكَ بِمِثْلِ مَا ابْتَعْته بِهِ وَهُوَ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ لاَ يَغْرَمُ شَيْئًا قَالَ وَلِمَ؟ هَذَا مَالِي تُقِرُّنِي عَلَيْهِ مُذْ كُنْت وَتِجَارَتِي أُحْرِقُهَا؟ قَالَ هَذَا حَرَامٌ. قُلْت: فَإِنْ قَالَ لَكَ أَرَأَيْت الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ أَحَلاَلٌ هُمَا؟ قَالَ: لاَ قُلْت فَإِنْ قَالَ فَلِمَ أَجَزْت بَيْعَهُمَا عِنْدَك وَحَكَمْت عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَهُمَا بِثَمَنِهِمَا إنْ كَانَا يَتَمَوَّلاَنِ وَتُقِرُّهُمْ عَلَى تَمَوُّلِهِمَا وَهُمَا حَرَامٌ وَلَمْ تَحْكُمْ لِي بِثَمَنِ الْمَيْتَةِ وَهِيَ تُمَوَّلُ وَقَدْ كَانَتْ حَلاَلاً قَبْلَ قَتْلِهَا عِنْدَكَ وَجِلْدُهَا حَلاَلٌ إذَا دَبَغْته؟ وَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ وَالْخِنْزِيرُ لَمْ تَكُنْ حَلاَلاً قَطُّ عِنْدَك وَلاَ يَكُونُ الْخِنْزِيرُ حَلاَلاً بِحَالٍ أَبَدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ قَوْلُنَا هَذَا مَدْخُولٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَمَا حُجَّتُكَ فِي قَوْلِكَ؟ فَوَصَفْت لَهُ كِتَابَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الرَّجْمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يَشِبَّ أَلَمْ يُخْبِرْكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَبَدَّلُوا وَكَتَبُوا الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ وَقَالُوا: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} أَلاَ يَنْهَاكُمْ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَكُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ؟ وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا أَحَدًا مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ وَقُلْت لَهُ: أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا كِتَابَهُ الَّذِي أَنْزَلَ وَكَتَبُوا الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالُوا: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ تَرَكَ أَصْحَابُكَ مَا وَصَفْنَا مِنْ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لِمَ أَقَمْتُمْ الْحُدُودَ عَلَى الْمُعَاهِدِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا فِي دِينِهِمْ وَأَبْطَلْتُمْ الْحُدُودَ فِي قَذْفِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَإِنْ كَانُوا يَرَوْنَهَا بَيْنَهُمْ؟ قَالُوا بِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ وَاحِدٌ وَبِذَلِكَ أَبْطَلْنَا الزِّنَا بَيْنَهُمْ وَنِكَاحَ الرَّجُلِ حَرِيمَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا بَيْنَهُمْ. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ فَحُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَدُلُّ عَلَى أَنْ تَحْكُمَ بَيْنَهُمْ حُكْمَنَا فِي الْإِسْلاَمِ قَالُوا: نَعَمْ فَإِذَا قِيلَ فَلِمَ أَجَزْتُمْ بَيْنَهُمْ ثَمَنَ الْخِنْزِيرِ وَغَرَّمْتُمْ ثَمَنَهُ وَلَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلاَمِ أَنْ يَجُوزَ ثَمَنُ الْحَرَامِ؟ قَالُوا هِيَ أَمْوَالُهُمْ وَقَدْ أَبْطَلُوا أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا وَقَالَ هَذَا قَوْلٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَخْتَلِفُ وَأَقَامَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ مَعَ مَا وَصَفْت لَكَ مِنْ تَنَاقُضِهِ وَسَكَتُّ عَنْ بَعْضٍ لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا وَصَفْت لَك مِمَّا لَمْ أَصِفْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّانِيَةَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّالِثَةَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ فَجَلَدَهُ وَوَضَعَ الْقَتْلَ} فَكَانَتْ رُخْصَةً (قَالَ) سُفْيَانُ ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ لِمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَمُخَوَّلٍ كُونَا وَافِدَيْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَتْلُ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا مِمَّا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْته قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: {سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إنِّي وَجَدْت مِنْ فُلاَنٍ رِيحَ شَرَابِ الطِّلاَءِ وَأَنَا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْته فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ تَامًّا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: لاَ أُوتَى بِأَحَدٍ شَرِبَ خَمْرًا نَبِيذًا أَوْ مُسْكِرًا إلَّا حَدَدْتُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْخَمْرُ حَرَامٌ وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ الشَّرَابِ وَلاَ يَحْرُمُ الْمُسْكِرُ حَتَّى يَسْكَرَ مِنْهُ وَلاَ يُحَدُّ مَنْ شَرِبَ نَبِيذًا مُسْكِرًا حَتَّى يُسْكِرَهُ. فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ: كَيْفَ خَالَفْت مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَهُ؟ قَالَ رَوَيْنَا فِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ شَرِبَ فَضْلَ شَرَابِ رَجُلٍ حَدَّهُ. قُلْنَا رَوَيْتُمُوهُ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ عِنْدَكُمْ لاَ تَكُونُ رِوَايَتُهُ حُجَّةً قَالَ: وَكَيْفَ يُعْرَفُ الْمُسْكِرُ؟ قُلْنَا لاَ نَحُدُّ أَحَدًا أَبَدًا لَمْ يَسْكَرْ حَتَّى يَقُولَ شَرِبْت الْخَمْرَ أَوْ يَشْهَدَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ يَقُولَ شَرِبْت مَا يُسْكِرُ أَوْ يَشْرَبَ مِنْ إنَاءٍ هُوَ وَنَفَرٌ فَيَسْكَرُ بَعْضُهُمْ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّرَابَ مُسْكِرٌ فَأَمَّا إذَا غَابَ مَعْنَاهُ فَلاَ يَضْرِبُ فِيهِ حَدًّا وَلاَ تَعْزِيرًا; لِأَنَّهُ إمَّا الْحَدُّ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُغَيَّبَ الْمَعْنَى وَمُغَيَّبُ الْمَعْنَى لاَ يُحَدُّ فِيهِ أَحَدٌ وَلاَ يُعَاقَبُ إنَّمَا يُعَاقَبُ النَّاسُ عَلَى الْيَقِينِ وَفِيهِ كِتَابٌ كَبِيرٌ وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ لِمَ قَالَ إذَا شَرِبَ تِسْعَةً فَلَمْ يَسْكَرْ ثُمَّ شَرِبَ الْعَاشِرَ فَسَكِرَ فَالْعَاشِرُ هُوَ حَرَامٌ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ شَرِبَ عَشَرَةً فَلَمْ يَسْكَرْ؟ فَإِنْ قَالَ حَلاَلٌ قِيلَ لَهُ فَإِنْ خَرَجَ فَأَصَابَتْهُ الرِّيحُ فَسَكِرَ فَإِنْ قَالَ: حَرَامٌ قِيلَ أَفَرَأَيْت شَيْئًا يَشْرَبُهُ رَجُلٌ حَلاَلاً ثُمَّ صَارَ فِي بَطْنِهِ حَلاَلاً فَلَمَّا أَصَابَتْهُ الرِّيحُ قَلَبَتْهُ فَصَيَّرَتْهُ حَرَامًا.
|