الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِتَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَإِذَا كَانَ الْقَوَدُ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ وَلِيُّ الْقَتِيلِ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِقَتْلِهِ. (قَالَ) وَإِنْ وَكَّلَهُ بِقَتْلِهِ كَانَ لَهُ قَتْلُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ عَمْدًا فَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ قَاتِلَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ الدِّيَةَ وَيَدْفَعَهَا إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَدَعَ الْقَاتِلَ مِنْ الْقَتْلِ وَلَيْسَ لَهُ عَفْوُ الْقَتْلِ وَالدِّيَةِ; لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُهَا دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَيَعْفُوَ مَا يَمْلِكُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قُتِلَ رَجُلٌ لَهُ أَوْلِيَاءُ صِغَارٌ فُقَرَاءُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَالِي عَفْوُ دَمِهِ عَلَى الدِّيَةِ وَكَانَ عَلَيْهِ حَبْسُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْوُلاَةُ فَيَخْتَارُوا الْقَتْلَ أَوْ الدِّيَةَ أَوْ يَخْتَارَ الدِّيَةَ بَالِغٌ مِنْهُمْ فَإِنْ اخْتَارَهَا لَمْ يَكُنْ إلَى النَّفْسِ سَبِيلٌ وَكَانَ عَلَى أَوْلِيَاءِ الصِّغَارِ أَنْ يَأْخُذُوا لَهُمْ الدِّيَةَ; لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ صَارَتْ مَمْنُوعَةً وَلِلْمَوْلَى عَلَيْهِ عَفْوُ الدَّمِ وَلَيْسَ لَهُ عَفْوُ الْمَالِ; لِأَنَّهُ يُتْلِفُ بِعَفْوِ الْمَالِ مَالَهُ وَلاَ يُتْلِفُ بِعَفْوِ الدَّمِ مِلْكًا لَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَمْ أَعْلَمْ مِمَّنْ لَقِيت مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الدَّمَيْنِ مُتَكَافِئَانِ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلاَمِ فَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَمْدًا قُتِلَ بِهَا وَإِذَا قَتَلَتْهُ قُتِلَتْ بِهِ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلاَ مِنْ أَوْلِيَائِهَا شَيْءٌ لِلرَّجُلِ إذَا قُتِلَتْ بِهِ وَلاَ إذَا قُتِلَ بِهَا وَهِيَ كَالرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا إذَا اُقْتُصَّ لَهَا أَوْ اُقْتُصَّ مِنْهَا, وَكَذَلِكَ النَّفَرُ يَقْتُلُونَ الْمَرْأَةَ وَالنِّسْوَةُ يَقْتُلْنَ الرَّجُلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ جِرَاحُهُ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ كُلُّهَا بِجِرَاحِهَا إذَا أَقَدْتهَا فِي النَّفْسِ أَقَدْتهَا فِي الْجِرَاحِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مِنْ النَّفْسِ وَلاَ يَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي الدِّيَةِ فَإِذَا أَرَادَ أَوْلِيَاؤُهَا الدِّيَةَ فَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَإِنْ أَرَادَ أَوْلِيَاءُ الرَّجُلِ دِيَتَهُ مِنْ مَالِهَا فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ لاَ تُنْقَصُ لِقَتْلِ الْمَرْأَةِ لَهُ وَحُكْمُ الْقِصَاصِ مُخَالِفٌ حُكْمَ الْعَقْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَوُلاَةُ الْمَرْأَةِ وَوَرَثَتُهَا كَوُلاَةِ الرَّجُلِ وَوَرَثَتِهِ لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي الدِّيَةِ. وَإِذَا قُتِلَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلاً يَتَحَرَّكُ وَلَدُهَا أَوْ لاَ يَتَحَرَّكُ فَفِيهَا الْقَوَدُ وَلاَ شَيْءَ فِي جَنِينِهَا حَتَّى يُزَايِلَهَا, فَإِذَا زَايَلَهَا مَيِّتًا قَبْلَ مَوْتِهَا أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَفِيهِ غُرَّةٌ, قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ زَايَلَهَا حَيًّا قَبْلَ مَوْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ إنْ مَاتَ وَفِيهِ دِيَتُهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَمِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ, وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَخَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَسَوَاءٌ قَتَلَهَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ مَنْ عَلَيْهَا فِي قَتْلِهِ الْقَوَدُ فَذَكَرَتْ حَمْلاً حُبِسَتْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا, ثُمَّ أُقِيدَ مِنْهَا حِينَ تَضَعُ حَمْلَهَا, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا مُرْضِعٌ. فَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَرَكَتْ بِطِيبِ نَفْسٍ وَلِيَّ الدَّمِ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا حَتَّى يُوجَدَ لَهُ مُرْضِعٌ, فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَتْ لَهُ, وَإِنْ وَلَدَتْ, ثُمَّ وَجَدَتْ تَحَرُّكًا انْتَظَرَتْ حَتَّى تَضَعَ الْمُتَحَرِّكَ أَوْ يُعْلَمَ أَنْ لَيْسَ بِهَا حَمْلٌ, وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ بِهَا حَمْلٌ فَادَّعَتْهُ. اُنْتُظِرَ بِالْقَوَدِ مِنْهَا حَتَّى تُسْتَبْرَأَ أَوْ يُعْلَمَ أَنْ لاَ حَمْلَ بِهَا, وَلَوْ عَجَّلَ الْإِمَامُ فَاقْتَصَّ مِنْهَا حَامِلاً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْمَأْثَمُ حَتَّى تُلْقِيَ جَنِينًا, فَإِنْ أَلْقَتْهُ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ دُونَ الْمُقْتَصِّ لَهُ. وَكَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لاَ بَيْتِ الْمَالِ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى بِأَنْ يُقْتَصَّ مِنْهَا, ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَبْلُغْ وَلِيَّ الدَّمِ حَتَّى يَقْتَصَّ مِنْهَا ضَمِنَ الْإِمَامُ جَنِينَهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: إذَا قَتَلَ رَجُلٌ نَفَرًا فَأَتَى أَوْلِيَاؤُهُمْ جَمِيعًا يَطْلُبُونَ الْقَوَدَ وَتَصَادَقُوا عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ بَعْضَهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ أَوْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ اُقْتُصَّ لِلَّذِي قَتَلَهُ أَوَّلاً وَكَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِمَنْ بَقِيَ مِمَّنْ قُتِلَ آخِرًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ أَحْبَبْت لِلْإِمَامِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَتَلَ غَيْرَ الَّذِي جَاءَهُ أَنْ يَبْعَثَ إلَى وَلِيِّهِ, فَإِنْ طَلَبَ الْقَوَدَ قَتَلَهُ بِمَنْ قُتِلَ أَوَّلاً وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَاقْتَصَّ مِنْهُ فِي قَتْلِ آخَرَ أَوْ أَوْسَطَ أَوْ أَوَّلٍ كَرِهْتُهُ لَهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ; لِأَنَّ لِكُلِّهِمْ عَلَيْهِ الْقَوَدَ, وَأَيُّهُمْ جَاءَ فَأَثْبَتَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِقَتْلِ وَلِيٍّ لَهُ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَلَمْ يَقْتُلْهُ حَتَّى جَاءَ آخَرُ فَأَثْبَتَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِقَتْلِ وَلِيّ لَهُ قَتْلُهُ دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوَّلاً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَثْبَتُوا عَلَيْهِ مَعًا الْبَيِّنَةَ أَيُّهُمْ قُتِلَ أَوَّلاً: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ, فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ أَحْبَبْت لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ قَتَلَ وَلِيَّهُ أَوَّلاً فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ قَتَلَهُ لَهُ وَأَعْطَى الْبَاقِينَ الدِّيَاتِ مِنْ مَالِهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُمْ مَعًا أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قُتِلَ رَجُلٌ عَمْدًا وَوَرَثَتُهُ كِبَارٌ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ غَائِبٌ وَقُتِلَ آخَرُ عَمْدًا وَوَرَثَتُهُ بَالِغُونَ فَسَأَلُوا الْقَوَدَ لَمْ يُعْطُوهُ وَحُبِسَ عَلَى صَغِيرِهِمْ حَتَّى يَبْلُغَ وَغَائِبِهِمْ حَتَّى يَحْضُرَ فَلَعَلَّ الصَّغِيرَ وَالْغَائِبَ يَدَعَانِ الْقَوَدَ فَيَبْطُلُ الْقَوَدُ وَيُعْطَوْنَ دِيَتَهُ فِي مَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ دَفَعَهُ الْإِمَامُ إلَى وَلِيِّ الَّذِي قُتِلَ آخِرًا وَتَرَكَ الَّذِي قَتَلَهُ أَوَّلاً فَقَتَلَهُ كَانَ عِنْدِي مُسِيئًا وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ; لِأَنَّ كُلَّهُمْ اسْتَوْجَبَ دَمَهُ عَلَى الْكَمَالِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَرِجْلَ آخَرَ وَقَتَلَ آخَرَ ثُمَّ جَاءُوا يَطْلُبُونَ الْقِصَاصَ مَعًا اُقْتُصَّ مِنْهُ الْيَدُ وَالرِّجْلُ, ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ الْيُمْنَى وَكَفَّ آخَرَ الْيُمْنَى, ثُمَّ جَاءُوا مَعًا يَطْلُبُونَ الْقَوَدَ أَقَصَصْت مِنْ الْأُصْبُعِ وَخَيَّرْت صَاحِبَ الْكَفِّ بَيْنَ أَنْ أَقُصَّهُ وَآخُذَ لَهُ أَرْشَ الْأُصْبُعِ أَوْ آخُذَ لَهُ أَرْشَ الْكَفِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ بَدَأَ فَأَقَصَّهُ مِنْ الْكَفِّ أُعْطِي صَاحِبَ الْأُصْبُعِ أَرْشَهَا وَلَوْ قَطَعَ كَفَّيْ رَجُلَيْنِ الْيُمْنَى كَانَ كَقَتْلِهِ النَّفْسَيْنِ يُقْتَصُّ لِأَيِّهِمَا جَاءَ أَوَّلاً وَإِنْ جَاءَا مَعًا اُقْتُصَّ لِلْمَقْطُوعِ بَدِيًّا. وَإِنْ اُقْتُصَّ لِلْآخَرِ أَخَذَ الْأَوَّلُ دِيَةَ يَدِهِ. وَهَكَذَا كُلُّ مَا أَصَابَ مِمَّا عَلَيْهِ فِيهِ الْقِصَاصُ فَمَاتَ مِنْهُ بِقَوَدٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَرْشُهُ فِي مَالِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ. وَقَالَ عُمَرُ لَوْ تَمَالاََ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ سَمِعْت عَدَدًا مِنْ الْمُفْتِينَ وَبَلَغَنِي عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا قَتَلَ الرَّجُلاَنِ أَوْ الثَّلاَثَةُ أَوْ أَكْثَرُ الرَّجُلَ عَمْدًا فَلِوَلِيِّهِ قَتْلُهُمْ مَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ بَنَيْت جَمِيعَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيَنْبَغِي - عِنْدِي - لِمَنْ قَالَ: يُقْتَلُ الِاثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ بِالرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا قَطَعَ الِاثْنَانِ يَدَ رَجُلٍ مَعًا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمَا مَعًا, وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَمَا جَازَ فِي الِاثْنَيْنِ جَازَ فِي الْمِائَةِ وَأَكْثَرَ وَإِنَّمَا تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا مَعًا إذَا حَمَلاَ شَيْئًا فَضَرَبَاهُ مَعًا ضَرْبَةً وَاحِدَةً أَوْ حَزَّاهُ مَعًا حَزًّا وَاحِدًا فَأَمَّا إنْ قَطَعَ هَذَا يَدَهُ مِنْ أَعْلاَهَا إلَى نِصْفِهَا وَهَذَا يَدَهُ مِنْ أَسْفَلِهَا حَتَّى أَبَانَهَا فَلاَ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا وَيُحَزُّ مِنْ هَذَا بِقَدْرِ مَا حَزَّ مِنْ يَدِهِ وَمِنْ هَذَا بِقَدْرِ مَا حَزَّ مِنْ يَدِهِ إنْ كَانَ هَذَا يُسْتَطَاعُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا هَكَذَا فِي الْجُرْحِ وَالشَّجَّةِ الَّتِي يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَغَيْرُهَا لاَ يَخْتَلِفُ. وَلاَ يُخَالِفُ النَّفْسَ إلَّا فِي أَنَّهُ يَكُونُ الْجُرْحُ يَتَبَعَّضُ وَالنَّفْسُ لاَ تَتَبَعَّضُ, فَإِذَا لَمْ يَتَبَعَّضْ بِأَنْ يَكُونَا جَانِيَيْنِ عَلَيْهِ مَعًا جُرْحًا كَمَا وَصَفْت لاَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهُ دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ كَالنَّفْسِ فِي الْقِيَاسِ وَإِذَا تَبَعَّضَ خَالَفَ النَّفْسَ. وَإِذَا ضَرَبَ رَجُلاَنِ أَوْ أَكْثَرُ رَجُلاً بِمَا يَكُونُ فِي مِثْلِهِ الْقَوَدُ فَلَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ حَتَّى مَاتَ. وَذَلِكَ أَنْ يَجْرَحُوهُ مَعًا بِسُيُوفٍ أَوْ زُجَاجِ رِمَاحٍ أَوْ نِصَالِ نَبْلٍ أَوْ بِشَيْءٍ صُلْبٍ مُحَدَّدٍ يَخْرِقُ مِثْلُهُ فَلَمْ يَزَلْ ضَمِنَا مِنْ الْجِرَاحِ حَتَّى مَاتَ فَلِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ إنْ شَاءُوا أَنْ يَقْتُلُوهُمْ مَعًا قَتَلُوهُمْ وَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُمْ الدِّيَةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ مَعًا إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتُهُ إنْ كَانُوا اثْنَيْنِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا وَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الثُّلُثُ. وَهَكَذَا إنْ كَانُوا أَكْثَرَ وَإِنْ أَرَادُوا قَتْلَ بَعْضِهِمْ وَأَخْذَ الدِّيَةِ مِنْ بَعْضٍ كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ. وَإِنْ أَرَادُوا أَخْذَ الدِّيَةِ أَخَذُوا مِنْهُ بِحِسَابِ مَنْ قَتَلَ مَعَهُ كَأَنْ قَتَلَهُ ثَلاَثَةٌ فَقَتَلُوا اثْنَيْنِ وَأَرَادُوا أَخْذَ الدِّيَةِ مِنْ وَاحِدٍ فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ ثُلُثَهَا; لِأَنَّ ثُلُثَهُ بِثُلُثِهِ وَإِنْ كَانُوا عَشْرَةً أَخَذُوا مِنْهُ عُشْرَهُ وَإِنْ كَانُوا مِائَةً أَخَذُوا مِنْهُ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ دِيَتِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ ثَلاَثَةٌ فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا الِاثْنَيْنِ وَيَأْخُذُوا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَقْتُولِ. وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلاً عَمْدًا وَقَتَلَهُ مَعَهُ صَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ مَعْتُوهٌ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا الرَّجُلَ وَيَأْخُذُوا مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ أَيُّهُمَا كَانَ الْقَاتِلَ نِصْفَ الدِّيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ أَنَّ حُرًّا وَعَبْدًا قَتَلاَ عَبْدًا عَمْدًا كَانَ عَلَى الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَعَلَى الْعَبْدِ الْقَتْلُ. وَهَكَذَا لَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ نَصْرَانِيًّا كَانَ عَلَى الْمُسْلِمِ نِصْفُ دِيَةِ النَّصْرَانِيِّ وَعَلَى النَّصْرَانِيِّ الْقَوَدُ وَهَكَذَا لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ ابْنَهُ وَقَتَلَهُ مَعَهُ أَجْنَبِيٌّ كَانَ عَلَى أَبِيهِ نِصْفُ دِيَتِهِ وَالْعُقُوبَةُ وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ الضَّرْبُ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ كُلِّهَا عَمْدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ عَمْدًا وَآخَرَ خَطَأً أَوْ بِمَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخَطَأِ مِنْ أَنْ يَضْرِبَهُ بِعَصًا خَفِيفَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ خَفِيفٍ فَمَاتَ فَلاَ قَوَدَ فِيهِ لِشِرْكِ الْخَطَأِ الَّذِي لاَ قَوَدَ فِيهِ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى صَاحِبِ الْخَطَأِ فِي مَالِ عَاقِلَتِهِ وَعَلَى صَاحِبِ الْعَمْدِ فِي أَمْوَالِهِمَا. وَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ أَنَّ رَجُلَيْنِ ضَرَبَا رَجُلاً فَرَاغَا عَنْهُ وَتَرَكَاهُ مُضْطَجِعًا مِنْ ضَرْبَتِهِمَا ثُمَّ مَرَّ بِهِ آخَرُ فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ, فَإِنْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ قَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ وَفِيهِ الْحَيَاةُ وَلَمْ يَدْرِ لَعَلَّ الضَّرْبَ قَدْ بَلَغَ بِهِ الذَّبْحَ أَوْ نَزْعَ حَشْوَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِصَاصٌ. وَكَانَ لِأَوْلِيَائِهِ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى أَيِّهِمَا شَاءُوا وَيَلْزَمُهُ دِيَتُهُ وَيُعَزَّرَانِ مَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَمْ يُثْبِتُوا أَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ. وَقَالُوا: لاَ نَدْرِي لَعَلَّهُ كَانَ حَيًّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ وَلاَ يُغَرَّمُهُمَا حَتَّى يُقْسِمَ أَوْلِيَاؤُهُ فَيَأْخُذُونَ دِيَتَهُ مِنْ الَّذِينَ أَقْسَمُوا عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ أَوْلِيَاؤُهُ نُقْسِمُ عَلَيْهِمَا مَعًا قِيلَ إنْ أَقْسَمْتُمْ عَلَى جِرَاحِ الْأَوَّلَيْنِ وَقَطْعِ الْآخَرِ فَذَلِكَ لَكُمْ وَإِنْ أَقْسَمْتُمْ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الضَّرْبَتَيْنِ مَعًا لَمْ يَكُنْ لَكُمْ إذَا قَطَعَهُ الْآخَرُ بِاثْنَيْنِ أَوْ ذَبَحَهُ الْآخَرُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا أَبْطَلْت الْقِصَاصَ أَوَّلاً أَنَّ الضَّارِبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إذَا كَانُوا بَلَغُوا مِنْهُ مَا لاَ حَيَاةَ مَعَهُ إلَّا بَقِيَّةَ حَيَاةِ الذَّكِيِّ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ. وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَبْلُغُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَالْقَوَدُ عَلَى الْآخَرِ وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ الْجِرَاحُ فَجَعَلَتْهَا قَسَامَةً بِدِيَةٍ; لِأَنَّ كُلًّا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلاَ أَجْعَلُ فِيهَا قِصَاصًا لِهَذَا الْمَعْنَى. وَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِعَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ مُحَدَّدَةٌ وَلَمْ يُثْبِتُوا بِالْحَدِيدَةِ قَتَلَهُ أَمْ بِالْعَصَا قَتَلَهُ فَلاَ قَوَدَ إذَا كَانَتْ الْعَصَا لَوْ انْفَرَدَتْ مِمَّا لاَ قَوَدَ فِيهِ وَفِيهِ الدِّيَةُ بِكُلِّ حَالٍ. وَإِنْ حَلَفَ أَوْلِيَاؤُهُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْحَدِيدَةِ فَهِيَ حَالَّةٌ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا فَهِيَ فِي مَالِهِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ; لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْقَتْلَ فَأَقَلُّهُ الْخَطَأُ وَلاَ تَغْرَمُهُ الْعَاقِلَةُ وَلَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهُ خَطَأٌ. وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ أُصْبُعَ الرَّجُلِ, ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَطَعَ كَفَّهُ أَوْ قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ مِنْ مَفْصِلِ الْكُوعِ, ثُمَّ قَطَعَهَا آخَرُ مِنْ الْمَرْفِقِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِمَا مَعًا الْقَوَدُ يُقْطَعُ أُصْبُعُ هَذَا وَكَفُّ قَاطِعِ الْكَفِّ وَيَدُ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْفِقِ, ثُمَّ يُقْتَلاَنِ, وَسَوَاءٌ قَطَعَا مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَطَعَاهَا مِنْ يَدَيْنِ مُفْتَرِقَتَيْنِ سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ قَطْعِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تَذْهَبْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى بِالْبُرْءِ; لِأَنَّ بَاقِيَ أَلَمِهَا وَاصِلٌ إلَى الْجَسَدِ كُلِّهِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: ذَهَبَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى حِينَ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الْآخِرَةُ قَاطِعَةً بَاقِي الْمَفْصِلِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ وَأَعْظَمُ مِنْهَا جَازَ إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ وَشَجَّهُ آخَرُ مُوضِحَةً فَمَاتَ أَنْ يُقَالَ لاَ يُقَادُ مِنْ صَاحِبِ الْمُوضِحَةِ بِالنَّفْسِ; لِأَنَّ أَلَمَ الْجِرَاحِ الْكَثِيرَةِ قَدْ عَمَّ الْبَدَنَ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَمَنْ أَجَازَ أَنْ يُقْتَلَ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لَكَانَ الْأَلَمُ يَأْتِي عَلَى بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ بَعْضٍ حَتَّى يَكُونَ رَجُلاَنِ لَوْ قَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَ رَجُلٍ مَعًا فَمَاتَ لَمْ يُقَدْ مِنْهُمَا فِي النَّفْسِ; لِأَنَّ أَلَمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي شَقِّ يَدِهِ الَّذِي قَطَعَ وَلَكِنَّ الْأَلَمَ يَخْلُصُ مِنْ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيَخْلُصُ إلَى الْبَدَنِ كُلِّهِ فَيَكُونُ مَنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَحْكُمُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْقَوَدِ حُكْمَهُ عَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ مُنْفَرِدًا فَإِذَا أَخَذَ الْعَقْلَ حَكَمَ عَلَى كُلِّ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً عَلَى الْعَدَدِ مِنْ عَقْلِ النَّفْسِ كَأَنَّهُمْ عَشْرَةٌ جَنَوْا عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَرَأَيْت قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} هَلْ فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ لاَ يُقْتَلَ حُرَّانِ بِحُرٍّ وَلاَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ؟ قِيلَ لَهُ: لَمْ نَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ فَإِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي هَذَا فَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فِيمَ نَزَلَتْ؟ قِيلَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُوسَى عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: قَالَ مُقَاتِلٌ أَخَذْت هَذَا التَّفْسِيرَ مِنْ نَفَرٍ حَفِظَ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ قَالُوا قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآيَةَ, قَالَ: كَانَ بَدْءُ ذَلِكَ فِي حَيَّيْنِ مِنْ الْعَرَبِ اقْتَتَلُوا قَبْلَ الْإِسْلاَمِ بِقَلِيلٍ وَكَانَ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ فَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ لِيَقْتُلُنَّ بِالْأُنْثَى الذَّكَرَ وَبِالْعَبْدِ مِنْهُمْ الْحُرَّ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ رَضُوا وَسَلَّمُوا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا مِنْ هَذَا بِمَا قَالُوا; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَلْزَمَ كُلَّ مُذْنِبٍ ذَنْبَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ جُرْمَ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ فَقَالَ: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} إذَا كَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَاتِلاً لَهُ: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} إذَا كَانَ قَاتِلاً لَهُ: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً لَهَا لاَ أَنْ يُقْتَلَ بِأَحَدٍ مِمَّنْ لَمْ يَقْتُلْهُ لِفَضْلِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَاتِلِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّى لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنْ يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ غَيْرَ خَاصَّةٍ كَمَا قَالَ مَنْ وَصَفْت قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ لَمْ يُقْتَلْ ذَكَرٌ بِأُنْثَى وَلَمْ يَجْعَلْ عَوَامُّ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا لِهَذَا مَعْنَاهَا وَلَمْ يُقْتَلْ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَهْلِ التَّوْرَاةِ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآيَةَ. (قَالَ) وَلاَ يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ إنْ كَانَ حُكْمًا بَيِّنًا إلَّا مَا جَازَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} وَلاَ يَجُوزُ فِيهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ كُلُّ نَفْسٍ مُحَرَّمَةَ الْقَتْلِ فَعَلَى مَنْ قَتَلَهَا الْقَوَدُ فَيَلْزَمُ فِي هَذَا أَنْ يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ, وَالرَّجُلُ بِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا وَالرَّجُلُ بِوَلَدِهِ إذَا قَتَلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَوْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} مِمَّنْ دَمُهُ مُكَافِئٌ دَمَ مَنْ قَتَلَهُ وَكُلُّ نَفْسٍ كَانَتْ تُقَادُ بِنَفْسٍ بِدَلاَلَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ كَمَا كَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً خَاصَّةً لاَ أَنَّ ذَكَرًا لاَ يُقْتَلُ بِأُنْثَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى مَعَانِيهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ; لِأَنَّ عَلَيْهِ دَلاَئِلَ: مِنْهَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ} وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لاَ يُقْتَلَ الْمَرْءُ بِابْنِهِ إذَا قَتَلَهُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لاَ يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ وَلاَ بِمُسْتَأْمَنٍ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَلاَ بِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَلاَ صَبِيٍّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لاَ يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ بِحَالٍ, وَلَوْ قَتَلَ حُرٌّ ذِمِّيٌّ عَبْدًا مُؤْمِنًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَعَلَى الْحُرِّ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ قِيمَتُهُ كَامِلاً بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ كَانَتْ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَتَاعٍ لَهُ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَبَعِيرٍ لَهُ لَوْ قَتَلَهُ وَعَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ إذَا قَتَلَهُ عَمْدًا مَا وَصَفْت فِي مَالِهِ; وَإِذَا قَتَلَهُ خَطَأً مَا وَصَفْت عَلَى عَاقِلَتِهِ, وَعَلَيْهِ مَعَ قِيمَتِهِمَا مَعًا عِتْقُ رَقَبَةٍ, وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ يَقْتُلُهَا الْحُرُّ وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ كَمَا تُقْتَلُ بِالرَّجُلِ وَسَوَاءٌ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ عَمْدًا فَلِأَوْلِيَاءِ الْخُنْثَى الْقِصَاصُ; لِأَنَّهُ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ رَجُلاً أَوْ امْرَأَةً فَيَكُونُ لَهُمْ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ خُنْثَى وَلَوْ سَأَلُوا الدِّيَةَ قَضَى لَهُمْ بِدِيَتِهِ عَلَى دِيَةِ امْرَأَةٍ; لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَلَمْ يُقْضَ لَهُمْ بِدِيَةِ رَجُلٍ وَلاَ زِيَادَةٍ عَلَى دِيَةِ امْرَأَةٍ; لِأَنَّهُ شَكٌّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْخُنْثَى بَيِّنًا أَنَّهُ ذَكَرٌ قَضَى لَهُمْ بِدِيَةِ رَجُلٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ مِنْ الرِّجَالِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَإِذَا طَلَبَ الدِّيَةَ فَلَهُ دِيَةُ امْرَأَةٍ فَإِنْ بَانَ بَعْدُ أَنَّهُ رَجُلٌ أَلْحَقْتُهُ بِدِيَةِ رَجُلٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَوَّلاً يَبُولُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ وَكَانَتْ عَلاَمَاتُ الرَّجُلِ فِيهِ أَغْلَبَ قَضَيْت لَهُ بِدِيَةِ رَجُلٍ ثُمَّ أُشْكِلَ فَحَاضَ أَوْ جَاءَ مِنْهُ مَا يُشْكَلُ غَرَّمْته الْفَضْلَ مِنْ دِيَةِ امْرَأَةٍ (قَالَ الرَّبِيعُ) الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ الَّذِي لَهُ فَرْجٌ وَذَكَرٌ إذَا بَالَ مِنْهُمَا لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَانْقِطَاعُهُمَا مَعًا, وَإِذَا كَانَ يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَالْحُكْمُ لِلَّذِي يَسْبِقُ, وَإِنْ كَانَا يَسْتَبِقَانِ مَعًا فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَنْقَطِعُ قَبْلَ الْآخَرِ فَالْحُكْمُ لِلَّذِي يَبْقَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الْعَبِيدِ بِالْقِصَاصِ فِي الآيَةِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا بَيْنَ الْأَحْرَارِ بِالْقِصَاصِ وَلَمْ أَعْلَمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي النَّفْسِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةُ الْأَمَةَ أَوْ الْعَبْدُ الْأَمَةَ أَوْ الْأَمَةُ الْعَبْدَ عَمْدًا فَهُمْ كَالْأَحْرَارِ تُقْتَلُ الْحُرَّةُ بِالْحُرَّةِ وَالْحُرُّ بِالْحُرَّةِ وَالْحُرَّةُ بِالْحُرِّ فَعَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ مَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتُقْتَلُ الْأَعْبُدُ بِالْعَبْدِ يَقْتُلُونَهُ عَمْدًا, وَكَذَلِكَ الْإِمَاءُ بِالْعَبْدِ يَقْتُلْنَهُ عَمْدًا وَالْقَوْلُ فِيهِمْ كَالْقَوْلِ فِي الْأَحْرَارِ, وَأَوْلِيَاءُ الْعَبِيدِ مَالِكُوهُمْ فَيُخَيَّرُ مَالِكُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ أَوْ الْأَمَةِ الْمَقْتُولَةِ بَيْنَ قَتْلِ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ مِنْ الْعَبِيدِ أَوْ أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ مِنْ رَقَبَةِ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ فَهُوَ لَهُ, وَإِذَا قُتِلَ الْعَبْدُ عَمْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ وَهُوَ وَلِيُّ دَمِهِ دُونَ قَرَابَةٍ لَوْ كَانَتْ لِعَبْدِهِ; لِأَنَّهُ مَالِكُهُ فَإِنْ شَاءَ الْقِصَاصَ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ قِيمَةَ عَبْدِهِ بِيعَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ فَأُعْطِيَ الْمَقْتُولُ عَبْدُهُ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَرُدَّ فَضْلٌ إنْ كَانَ فِيهَا عَلَى مَالِكِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ فَضْلٌ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ شَيْءٍ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهُ عَنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَحَقٌّ ذَهَبَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَلاَ تَبَاعَةَ فِيهِ عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ اخْتَارَ وَلِيُّ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ قَتْلَ بَعْضِ الْعَبِيدِ وَأَخْذَ قِيمَةِ عَبْدِهِ مِنْ الْبَاقِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْبَاقِينَ مِنْ قِيمَةِ عَبْدِهِ إلَّا بِقَدْرِ عَدَدِهِمْ إنْ كَانُوا عَشْرَةً فَلَهُ فِي رَقَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ قِيمَةُ عَبْدِهِ. (قَالَ) وَإِنْ قَتَلَ عَبِيدٌ عَشْرَةٌ عَبْدًا عَمْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ الْمَقْتُولِ بَيْنَ قَتْلِهِمْ أَوْ أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ مِنْ رِقَابِهِمْ فَإِنْ اخْتَارَ قَتْلَهُمْ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ ثَمَنِ عَبْدِهِ فَلَهُ فِي رَقَبَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ عُشْرُ قِيمَةِ عَبْدِهِ فَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً فَلَهُ فِي رَقَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ قِيمَةِ عَبْدِهِ, وَأَيُّ الْعَبِيدِ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ أَوْ يُبَاعَ لَهُ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَلَهُ فِي الْبَاقِينَ الْقَتْلُ أَوْ أَخْذُ الْأَرْشِ مِنْهُمْ بِقَدْرِ عَدَدِهِمْ كَمَا وَصَفْت. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ عَبْدًا فَعَلَى الْحُرِّ الْعُقُوبَةُ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلِلسَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ الْقِصَاصُ أَوْ إتْبَاعُهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ عَبْدِهِ فِي عُنُقِهِ كَمَا وَصَفْت. وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْحُرَّ قُتِلَ بِهِ وَيُقَادُ مِنْهُ فِي الْجِرَاحِ إنْ شَاءَ الْحُرُّ وَإِنْ شَاءَ وَرَثَتُهُ فِي الْقَتْلِ وَهُوَ فِي الْجِرَاحِ يَجْرَحُهَا عَمْدًا كَهُوَ فِي الْقَتْلِ فِي أَنَّ ذَلِكَ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ كَمَا وَصَفْت. وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ عَمْدًا فَلاَ قَوَدَ حَتَّى يَجْتَمِعَ مَالِكَاهُ مَعًا عَلَى الْقَوَدِ وَأَيُّهُمَا شَاءَ أَخْذَ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهِ كَانَ لِلْآخَرِ مِثْلُهُ وَلاَ قَوَدَ لَهُ إذَا لَمْ يُجْمِعْ مَعَهُ شَرِيكُهُ عَلَى الْقَوَدِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقُتِلَ فَأَعْتَقَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَتْلِ كَانَ عَلَى مِلْكِهِمَا قَبْلَ يُعْتِقَانِهِ; لِأَنَّ الْعِتْقَ لاَ يَقَعُ عَلَى مَيِّتٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَعْتَقَاهُ مَعًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ وَكَّلاَ مَنْ أَعْتَقَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ فَهُوَ حُرٌّ وَوُلاَةُ دَمِهِ مَوَالِيهِ إنْ كَانَ مَوَالِيهِ هُمْ وَرَثَتَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ كَانُوا أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ مِنْ مَوَالِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا فَقَتَلَهُ عَبْدٌ عَمْدًا فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُ الْقَوَدِ وَلَيْسَ الْمُرْتَهِنُ بِسَبِيلٍ مِنْ دَمِهِ لَوْ عَفَاهُ أَوْ أَخَذَهُ, وَذَلِكَ أَنَّ سَيِّدَهُ إنْ أَرَادَ الْقَوَدَ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ أَخْذَ ثَمَنِهِ أَخَذَهُ وَثَمَنُهُ رَهْنٌ مَكَانَهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ الْقَوَدَ وَثَمَنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلاَ أَنْ يَدَعَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا إنْ كَانَ رَهْنًا إلَّا بِأَنْ يَقْضِيَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ أَوْ يُعْطِيَهُ مِثْلَ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ أَوْ يَرْضَى ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ. وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ أَوْ قُتِلَ فَسَيِّدُهُ وَلِيُّ دَمِهِ وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ لَهُ إذَا كَانَ مَقْتُولاً وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ وَلاَ يَأْخُذَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَسَيِّدُهُ الْخَصْمُ وَيُبَاعُ مِنْهُ فِي الْجِنَايَةِ بِقَدْرِ أَرْشِهَا إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ سَيِّدُهُ مُتَطَوِّعًا فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ عَلَى الرَّهْنِ. وَإِنْ فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لاَ يَرْجِعُ بِمَا فَدَاهُ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ عَمْدًا فَلِسَيِّدِهِ الْقَتْلُ وَالْعَفْوُ بِلاَ مَالٍ; لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْمَالَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَوْ قَتَلَ خَطَأً أَوْ قَتَلَ مَنْ يَلْزَمُهُ لَهُ قِصَاصٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ ثَمَنَهُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْتَهِنَ حَقَّهُ أَوْ مِثْلَ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ. (قَالَ الرَّبِيعُ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا فَقُتِلَ عَمْدًا فَلِسَيِّدِهِ الْقِصَاصُ إنْ عَفَا الْقِصَاصَ وَجَبَ لَهُ مَالٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَهُ; لِأَنَّ قِيمَتَهُ ثَمَنٌ لِبَدَنِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَا كَانَ ثَمَنًا لِبَدَنِ الْمَرْهُونِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا الْمُدَبَّرُ وَالْأَمَةُ قَدْ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَمَمَالِيكُ حَالُهُمْ فِي جِنَايَتِهِمْ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِمْ حَالُ مَمَالِيكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ فَأَتَى عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ مَاتَ رَقِيقًا وَهُوَ كَعَبْدِ الرَّجُلِ غَيْرَ مُكَاتَبٍ جُنِيَ عَلَيْهِ وَإِذَا جُنِيَ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدًا فَلَهُ الْقِصَاصُ إنْ جَنَى عَلَيْهِ عَبْدٌ وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَ الْقِصَاصِ وَأَخْذَ الْمَالِ كَانَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَلَّطٍ عَلَى مَالِهِ تَسْلِيطَ الْحُرِّ عَلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ عَفْوُ الْمَالِ فِي الْعَمْدِ; لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ بِالْجِنَايَةِ قِصَاصًا مِثْلُ أَنْ يَجْنِيَ عَلَيْهِ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ أَوْ صَغِيرٌ فَلَيْسَ لَهُ عَفْوُ الْجِنَايَةِ بِحَالٍ; لِأَنَّهُ مَالٌ يَمْلِكُهُ وَلَيْسَ لَهُ إتْلاَفُ مَالِهِ. (قَالَ الرَّبِيعُ) وَلَوْ جُنِيَ عَلَى الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلاَ قِصَاصَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ عَمْدًا فَلاَ قِصَاصَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَتَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي جَنَى فِيهَا عَلَيْهِ مَعَ وُقُوعِ الْجِنَايَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ كَانَتْ دِيَاتِ أَحْرَارٍ وَقِيمَتُهُ فِي مَالِ الْجَانِي دُونَ عَاقِلَتِهِ وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ خَطَأً فَقِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَإِذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى أَمَةٍ أَوْ عَبْدٍ فَكَذَلِكَ, وَالْقَوْلُ فِي قِيمَتِهِمْ قَوْلُ الْجَانِي; لِأَنَّهُ يَغْرَمُ ثَمَنَهُ وَعَلَى السَّيِّدِ الْبَيِّنَةُ بِفَضْلٍ إنْ ادَّعَاهُ وَإِذَا كَانَتْ خَطَأً فَالْقَوْلُ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ قَوْلُ عَاقِلَةِ الْجَانِي; لِأَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ فَإِنْ قَالُوا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَقَالَ الْقَاتِلُ: قِيمَتُهُ أَلْفَانِ ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ أَلْفًا وَالْقَاتِلُ فِي مَالِهِ أَلْفًا لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُ مَا أَقَرَّ أَنَّهُ جِنَايَتُهُ وَلاَ يَلْزَمُهُمْ إقْرَارُهُ إذَا أَكْذَبُوهُ. وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ عَلَى عَبْدٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فِي الْعَمْدِ وَلاَ أَنْظُرُ إلَى فَضْلِ قِيمَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَيُخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَبَيْنَ الْأَرْشِ فَإِنْ اخْتَارَ الْأَرْشَ فَهُوَ لَهُ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَقِيمَتُهُ لِسَيِّدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَالْقَوْلُ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَوْلُ سَيِّدِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَلاَ أَنْظُرُ إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ الْجَانِي; لِأَنَّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ رَقَبَتِهِ وَرَقَبَتُهُ مَالٌ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ سَيِّدِ الْجَانِي وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِأَنَّ قِيمَتَهُ الْأَكْثَرُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَكْثَرُ فِي عُبُودِيَّتِهِ وَإِنْ عَتَقَ لَزِمَهُ الْفَضْلُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ سَيِّدُهُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْجَانِي عَلَى الْعَبْدِ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لاَ يَخْتَلِفَانِ هُمَا, وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ الْجَانِي عَلَى الْعَبْدِ مُكَاتَبًا فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ الْقَوَدُ فَإِنْ اخْتَارَ سَيِّدُ الْعَبْدِ تَرْكَ الْقَوَدِ لِلْمَالِ أَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَسَوَاءٌ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَلْفَانِ وَقِيمَةَ الْمُكَاتَبِ أَلْفَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَقَالَ سَيِّدُهُ أَلْفٌ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْجِزَ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ إبْطَالُ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ يُوَفِّيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ أَدَّى مِنْ الْجِنَايَةِ مَا أَقَرَّ السَّيِّدُ أَنَّهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَمْ يُتْبَعْ الْعَبْدُ فِي شَيْءٍ مِنْ جِنَايَتِهِ وَإِذَا أُعْتِقَ أُتْبِعَ بِالْفَضْلِ وَإِنْ أَدَّى فَضْلاً عَمَّا أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ خُيِّرَ السَّيِّدُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالْفَضْلِ مُتَطَوِّعًا أَوْ يُبَاعَ مِنْ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ. (قَالَ الرَّبِيعُ) وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الَّذِي دُفِعَتْ إلَيْهِ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُكَاتَبِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِ كَسَائِرِ مَالِهِ فَإِذَا عَتَقَ رَجَعَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ عَجَزَ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ لاَزِمٌ لِلْمُكَاتَبِ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ يَجُوزُ لَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَالِهِ وَيَلْزَمُهُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بِيعَ الْمُكَاتَبُ فِيهِ إنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ بِأَدَائِهِ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ عَبِيدًا عَمْدًا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَاشْتَجَرُوا فَسَيِّدُ الْعَبْدِ الَّذِي قُتِلَ أَوَّلاً أَوْلَى بِالْقِصَاصِ وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الَّذِي قُتِلَ أَوَّلاً فَعَفَا عَنْهُ عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِ مَالٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الَّذِي قُتِلَ عَبْدُهُ بَعْدَهُ فَإِنْ عَفَا عَنْهُ دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ بَعْدَهُ وَهَكَذَا حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا عَفَا عَنْهُ أَوْ يَقْتُلَهُ أَحَدُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَكُونُ قَضَاؤُهُ بِهِ لِلَّذِي قُتِلَ أَوَّلاً وَعَفْوُهُ عَنْهُ - مُزِيلاً لِلْقَوَدِ عَنْهُ مِمَّنْ قُتِلَ بَعْدَهُ; لِأَنَّ كُلَّهُمْ يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ قَتْلَهُ بِمَنْ قُتِلَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ كَمَا يَكُونُ لِلْقَوْمِ عَلَى رَجُلٍ حُدُودٌ فَيَعْفُو بَعْضُهُمْ فَيَكُونُ لِلْبَاقِينَ أَخْذُ حُدُودِهِمْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخْذُ حَدِّهِ; لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ حَقِّ صَاحِبِهِ وَهَكَذَا لَوْ قَطَعَ أَيْمَانَ رِجَالٍ أَوْ مَالَهُمْ فِيهِ الْقِصَاصُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ النَّفَرَ عَمْدًا أَوْ الْوَاحِدَ ثُمَّ مَاتَ فَدِيَاتُ مَنْ قُتِلَ حَالَّةٌ فِي مَالِهِ بِكَمَالِهَا وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ النَّفَرَ عَمْدًا, ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَقُتِلَ أَوْ زَنَى فَرُجِمَ فَدِيَاتُهُمْ فِي مَالِهِ كَمَا وَصَفْت فِي مَوْتِهِ, وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ النَّفَرَ عَمْدًا فَعَدَا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ عَلَى الْقَاتِلِ فَقَتَلَهُ عَمْدًا فَلِأَوْلِيَائِهِ الْقَوَدُ, إلَّا أَنْ يَشَاءُوا أَنْ يَعْفُوا الْقَوَدَ عَلَى مَالٍ وَإِنْ عَفَوْهُ عَلَى مَالٍ فَالدِّيَةُ مَالٌ مِنْ مَالِ الْمَقْتُولِ يَأْخُذُهَا أَوْلِيَاءُ الَّذِينَ قُتِلُوا كَمَا يَأْخُذُونَ سَائِرَ مَالِهِ وَهُمْ فِيهِ أُسْوَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ عَفَا أَوْلِيَاؤُهُ الدَّمَ وَالْمَالَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ لِلْقَاتِلِ مَالٌ يُخْرِجُ دِيَاتِ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ فَعَفْوُهُمْ جَائِزٌ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُمْ; لِأَنَّهُمْ حِينَ عَفَوْا الدَّمَ صَارَ لَهُ بِالْقَتْلِ مَالٌ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ عَفْوُ مَالِهِ حَتَّى يُؤَدُّوا دَيْنَهُ كُلَّهُ وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ النَّفَرَ, ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَجَاءَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ يَطْلُبُونَ الْقَوَدَ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ قُتِلَ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قِيلَ لَهُمْ إنْ شِئْتُمْ أَخَذْتُمْ الدِّيَاتِ وَتَرَكْتُمْ الدَّمَ وَقَتَلْنَاهُ بِالرِّدَّةِ وَغَنِمْنَا مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ فَعَلُوا فَذَلِكَ لَهُمْ وَإِنْ تَابَ بَعْدَ مَا يَأْخُذُونَ الدِّيَاتِ أَوْ يَقُولُونَ قَدْ عَفَوْنَا الْقَوَدَ عَلَى الْمَالِ أَوْ لَمْ يَتُبْ فَسَأَلُوا الْقَوَدَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ إذَا تَرَكُوهُ مَرَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي تَرْكِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا سَأَلُوا الْقَوَدَ وَامْتَنَعُوا مِنْ الْعَفْوِ أَعْطَيْنَاهُمْ الْقَوَدَ بِاَلَّذِي قُتِلَ أَوَّلاً وَجَعَلْنَا لِلْبَاقِينَ الدِّيَةَ وَمَا فَضَلَ مِنْ مَالِهِ غَنِمَ عَلَيْهِ عَنْهُ, وَذَلِكَ أَنَّ وَاجِبًا عَلَيْنَا إعْطَاءُ الْآدَمِيِّينَ الْقَوَدَ وَالْقَوَدُ يَأْتِي عَلَى قَتْلِهِ بِالْقَوَدِ وَالرِّدَّةِ, وَلَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا قَاتِلاً أَوْ قَاتِلاً غَيْرَ مُرْتَدٍّ أَعْطَيْنَا مِنْ مَالِهِ الدِّيَةَ وَبِذَلِكَ قَدَّمْنَا فِي هَذَا حَقَّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قَتْلِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الْقَتْلِ فِي الرِّدَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ وَقَتَلَ قَبْلَ الزِّنَا أَوْ بَعْدَهُ بَدَأْنَا بِالْقَتْلِ, فَإِنْ تَرَكَ أَوْلِيَاؤُهُ رُجِمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ وَقَطَعَ آخَرُ رِجْلَهُ وَشَجَّهُ الْآخَرُ مُوضِحَةً وَأَصَابَهُ الْآخَرُ بِجَائِفَةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَدِيدٍ أَوْ بِشَيْءٍ يُحَدَّدُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ الْحَدِيدِ فَلَمْ يَبْرَأْ شَيْءٌ مِنْ جِرَاحَتِهِ حَتَّى مَاتَ فَكُلُّهُمْ قَاتِلٌ وَعَلَى كُلِّهِمْ الْقَوَدُ, وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ مِائَةَ جُرْحٍ وَآخَرُ جُرْحًا وَاحِدًا كَانَ عَلَيْهِمَا مَعًا الْقَوَدُ وَكَانَ لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ أَنْ يَجْرَحُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَدَدَ مَا جَرَحَهُ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضَرَبُوا عُنُقَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَرَحَهُ جُرْحًا جَائِفَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ أَوْ جَائِفَةً نَافِذَةً كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَنْ يَجْرَحَهُ جَائِفَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ أَوْ جَائِفَةً نَافِذَةً. وَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ لَمْ أَمْنَعْهُ أَنْ يَصْنَعَ هَذَا وَلاَ آمُرُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلِيَّ الْقَتِيلِ أَنْ يَلِيَهُ بِنَفْسِهِ إنَّمَا آمُرُ بِهِ مَنْ يُبْصِرُ كَيْفَ جَرَحَهُ فَأَقُولُ: اجْرَحْهُ كَمَا جَرَحَهُ فَإِذَا بَقِيَ ضَرْبُ الْعُنُقِ خَلَّيْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ قَطَعَ يَدَهُ بِنِصْفِ الذِّرَاعِ لَمْ أَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ; لِأَنَّهُ يُقْتَلُ مَكَانَهُ وَإِنَّمَا أَمْنَعُهُ إذَا كَانَ جُرْحًا لاَ يُقْتَلُ بِهِ وَلاَ يَكُونُ فِيهِ قِصَاصٌ. وَالثَّانِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَوْ جَرَحَهُ اقْتَصَّ بِهِ مِنْهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلاَ يَصْنَعَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ جَرَحَهُ بِهِ دُونَ النَّفْسِ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْهُ; لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يَدَعُ قَتْلَهُ فَيَكُونُ قَدْ عَذَّبَهُ وَأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا صَنَعَ بِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لاَ يُقْتَصُّ مِنْهَا وَيُقَالُ لَهُ الْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ. وَإِذَا جَرَحَ الثَّلاَثَةُ رَجُلاً جِرَاحَ عَمْدٍ بِسِلاَحٍ وَكَانَ ضَمِنَا حَتَّى مَاتَ وَقَدْ بَرَأَتْ جِرَاحُ أَحَدِهِمْ وَلَمْ تَبْرَأْ جِرَاحُ الْبَاقِينَ فَعَلَى الْبَاقِينَ الْقِصَاصُ وَلاَ قِصَاصَ فِي النَّفْسِ عَلَى الَّذِي بَرَأَتْ جِرَاحُهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ إنْ كَانَ مِمَّا يُقْتَصُّ مِنْهُ أَوْ الْعَقْلُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ فَعَلَيْهِ عَقْلُ ذَلِكَ الْجُرْحِ بَالِغًا مَا بَلَغَ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ جِرَاحُهُ تَبْلُغُ دِيَةً أَوْ أَكْثَرَ; لِأَنَّهُ جَانِي جِرَاحٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفْسٌ. وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ جَرَحَهُ مَرَّاتٍ وَصَدَّقَهُ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ فَهَكَذَا, وَلَوْ كَذَّبَهُ الْقَتَلَةُ مَعَهُ لَمْ يُقْبَلْ تَكْذِيبُهُمْ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَاتِلاً مَعَهُمْ لَمْ يَدْرَأْ عَنْهُمْ الْقَتْلَ فَلاَ مَعْنَى لتكذيبهموه إذَا أَرَادَ أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَوْ صَدَّقَهُ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ وَكَذَّبَهُ الْقَتَلَةُ مَعَهُ وَقَالَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ: نَحْنُ نَأْخُذُ الدِّيَةَ كَامِلَةً مِنْ الْقَاتِلِينَ الَّذِينَ جَرَحْت مَعَهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يُقِرُّوا أَنَّ جِرَاحَهُ قَدْ بَرَأَتْ أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ إذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَإِذَا بَرَأَتْ جِرَاحُهُ لَزِمَهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَلاَ يَلْزَمُهُمَا إلَّا بِإِقْرَارِهِمَا الدِّيَةَ تَامَّةً; لِأَنَّهُمَا قَاتِلاَنِ دُونَهُ أَوْ بَيِّنَةٌ تَقُومُ عَلَى ذَلِكَ فَيَخْرُجُ الثَّالِثُ مِنْ الْقَتْلِ مَعَهُمَا فَتَكُونُ عَلَيْهِمَا. وَلَوْ جَرَحَهُ ثَلاَثَةٌ فَأَقَرَّ اثْنَانِ أَنَّ جِرَاحَ أَحَدِ الثَّلاَثَةِ بَرَأَتْ وَمَاتَ مِنْ جِرَاحِهِمَا وَادَّعَى ذَلِكَ الْجَانِي الَّذِي أَقَرَّا لَهُ بِهِ وَصَدَّقَهُمْ أَوْلِيَاءُ الْقَتْلِ, وَأَرَادُوا أَخْذَ الدِّيَةِ مِنْ الِاثْنَيْنِ الْمُقِرَّيْنِ أَنَّ جِرَاحَ الْجَارِحِ مَعَهُمَا بَرَأَتْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ; لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمَا إلَّا ثُلُثَا الدِّيَةِ فَبُرْؤُهُمَا مِمَّا سِوَاهُ إذَا سَأَلَ ذَلِكَ الْقَاتِلاَنِ. وَلَوْ قَتَلَهُ ثَلاَثَةٌ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ وَأَرَادُوا أَخْذَ الدِّيَةِ كَانَ ثُلُثُهَا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَثُلُثَاهَا عَلَى الْحُرَّيْنِ, وَإِذَا أَفْلَسَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا أَتْبَعُوهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَحْرَارِ وَسَيِّدِ الْعَبْدِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ - شَيْءٌ بِحَالٍ. وَقَدْ قِيلَ: هَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْقِتْلَةُ عَمْدًا وَفِيهِمْ مَجْنُونٌ أَوْ صِبْيَانٌ أَوْ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ قَتَلَ رَجُلٌ ابْنَهُ فَالدِّيَةُ كُلُّهَا فِي أَمْوَالِهِمْ لَيْسَ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ مِنْهَا شَيْءٌ. وَقَدْ قِيلَ: تَحْمِلُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ عَمْدَهُ كَمَا يَحْمِلُونَ خَطَأَهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -, وَإِذَا جَرَحَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جِرَاحًا كَثِيرَةً وَالْآخَرُ جُرْحًا وَاحِدًا فَأَرَادَ أَوْلِيَاؤُهُ الْقَوَدَ فَهُوَ لَهُمْ وَإِنْ أَرَادُوا الْعَقْلَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ إذَا كَانَتْ نَفْسًا فَسَوَاءٌ فِي الْغَرَامَةِ الَّذِي جَرَحَ الْجِرَاحَ الْقَلِيلَةَ وَاَلَّذِي جَرَحَ الْجِرَاحَ الْكَثِيرَةَ. (قَالَ الرَّبِيعُ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَهُوَ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَدَيْنٌ عَلَيْهِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ " قَالَ الرَّبِيعُ " أَظُنُّهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ غَزَوْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قَالَ وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ وَكَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ أَوْثَقَ عَمَلٍ فِي نَفْسِي قَالَ عَطَاءٌ قَالَ صَفْوَانُ: {قَالَ يَعْلَى كَانَ لِي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الْآخَرِ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ فَذَهَبَتْ يَعْنِي إحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ} قَالَ عَطَاءٌ وَحَسِبْت أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ فَتَقْضِمُهَا كَأَنَّهَا فِي فِي فَحْلٍ يَقْضِمُهَا؟} أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ إنْسَانًا جَاءَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَضَّهُ إنْسَانٌ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْهُ فَذَهَبَتْ ثَنِيَّتُهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعُدَتْ ثَنِيَّتُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ فَإِذَا عَضَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ الْعُضْوَ الَّذِي عُضَّ مِنْهُ يَدًا أَوْ رِجْلاً أَوْ رَأْسًا مِنْ فِي الْعَاضِّ فَأَذْهَبَتْ ثَنَايَا الْعَاضِّ وَمَاتَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَمُتْ فَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَى الْمُنْتَزِعِ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعَضُّ بِحَالٍ وَلَوْ كَانَ الْعَاضُّ بَدَأَ فِي جَمَاعَةِ النَّاسِ فَضَرَبَ وَظَلَمَ أَوْ بُدِئَ فَضُرِبَ وَظُلِمَ كَانَ سَوَاءً; لِأَنَّ نَفْسَ الْعَضِّ لَيْسَ لَهُ وَإِنَّ لِلْمَعْضُوضِ مَنْعَ الْعَضِّ فَإِذَا كَانَ لَهُ مَنْعُهُ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ فِيمَا أَحْدَثَ مَا يَمْنَعُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَنْعِ عُدْوَانٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ عُدْوَانَ فِي إخْرَاجِ الْعُضْوِ مِنْ فِي الْعَاضِّ وَلَوْ رَامَ إخْرَاجَ الْعُضْوِ مِنْ فِي الْعَاضِّ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ وَغَلَبَهُ إخْرَاجُهَا كَانَ لَهُ فَكُّ لَحْيَيْهِ بِيَدِهِ الْأُخْرَى إنْ كَانَ عَضَّ إحْدَى يَدَيْهِ وَبِيَدَيْهِ مَعًا إنْ كَانَ عَضَّ رِجْلَهُ فَإِنْ كَانَ عَضَّ قَفَاهُ فَلَمْ تَنَلْهُ يَدَاهُ كَانَ لَهُ نَزْعُ رَأْسِهِ مِنْ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهِ فَلَهُ التَّحَامُلُ عَلَيْهِ بِرَأْسِهِ إلَى وَرَاءٍ مُصْعِدًا أَوْ مُنْحَدِرًا وَإِنْ قَدَرَ بِيَدَيْهِ فَغَلَبَهُ ضَبْطًا بِفِيهِ كَانَ لَهُ ضَرْبُ فِيهِ بِيَدَيْهِ أَوْ بَدَنِهِ أَبَدًا حَتَّى يُرْسِلَهُ فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِمَّا وَصَفْنَا لَهُ وَبَعَجَ بَطْنَهُ بِسِكِّينٍ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ بِيَدَيْهِ أَوْ ضَرَبَهُ فِي بَعْضِ جَسَدِهِ ضَمِنَ فِي هَذَا كُلِّهِ الْجِنَايَةَ; لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ لَهُ وَلاَ يَضْمَنُ فِيمَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى هَدْمِ فِيهِ كُلِّهِ وَكَانَتْ مِنْهُ مَنِيَّتُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا أَصَابَ بِهِ الْعَاضُّ الْمَعْضُوضَ مِنْ جُرْحٍ فَصَارَ نَفْسًا أَوْ صَارَ جُرْحًا عَظِيمًا ضَمِنَهُ كُلَّهُ; لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: {أَنَّ سَعْدًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ} أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ خَيْبَرِيٍّ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَقَتَلَهُ, أَوْ قَتَلَهُمَا فَأَشْكَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ الْقَضَاءُ فِيهِ فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ يَسْأَلُ لَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَ أَبُو مُوسَى عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ إنَّ هَذَا الشَّيْءَ مَا هُوَ بِأَرْضِنَا عَزَمْت عَلَيْك لَتُخْبِرَنِّي فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: كَتَبَ إلَيَّ فِي ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَبُو حَسَنٍ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَبِهَذَا نَقُولُ فَإِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَادَّعَى أَنَّهُ يَنَالُ مِنْهَا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَهُمَا ثَيِّبَانِ مَعًا فَقَتَلَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يُصَدَّقْ وَكَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ أَيَّهُمَا قَتَلَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَوْلِيَاؤُهُ أَخْذَ الدِّيَةِ أَوْ الْعَفْوَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ مِنْهُمَا أَنَّهُمْ عَلِمُوهُ قَدْ نَالَ مِنْهَا مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ إنْ كَانَ الرَّجُلَ أَوْ نِيلَ مِنْ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْمَقْتُولَةُ كَانَ عَلَى أَيِّهِمَا ادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ مَا عَلِمَ فَإِنْ حَلَفَ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حُلِّفَ الْقَاتِلُ وَبَرِئَ مِنْ الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ وَلِيَّانِ فَادَّعَى عَلَيْهِمَا الْعِلْمَ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا مَا عَلِمَ وَنَكَلَ الْآخَرُ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْقَاتِلُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ وَوَصَفَ الزِّنَا الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَانَ بَيِّنًا فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ, وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ حَالَّةً فِي مَالِهِ لِلَّذِي حَلَفَ مَا عَلِمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلِيَّانِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ فَحَلَفَ الْكَبِيرُ مَا عَلِمَ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ فَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ فَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ إنْ شَاءَ الْكَبِيرُ أَخَذَ نِصْفَ الدِّيَةِ فَإِنْ أَخَذَهَا أَخَذَ لِلصَّغِيرِ نِصْفَ الدِّيَةِ, ثُمَّ يَنْتَظِرُ بِهِ أَنْ يَحْلِفَ فَإِذَا كَبِرَ حَلَفَ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ وَحَلَفَ الْقَاتِلُ رَدَّ مَا أَخَذَ لَهُ, وَلَوْ أَقَرَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ مِنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ مَعَهَا فِي الثَّوْبِ وَتَحَرَّكَ تَحَرُّكَ الْمُجَامِعِ وَأَنْزَلَ وَلَمْ يُقِرُّوا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَوَدُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَقَرُّوا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَكَانَ الْمَقْتُولُ بِكْرًا بِدَعْوَى أَوْلِيَائِهِ إخْوَتِهِ أَوْ ابْنِهِ فَادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّهُ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَوْلِيَائِهِ وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ; لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْبِكْرِ قَتْلٌ فِي الزِّنَا فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ كَانَ ثَيِّبًا سَقَطَ عَنْهُ الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَتْلُ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ إذَا كَانَا ثَيِّبَيْنِ وَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ نَالَ مِنْهَا مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ وَلاَ يُصَدَّقُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْقَوَدَ وَهَكَذَا لَوْ وَجَدَهُ يتلوط بِابْنِهِ أَوْ يَزْنِي بِجَارِيَتِهِ لاَ يَخْتَلِفُ, وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ وَالْقَوَدُ فِي الْقَتْلِ إلَّا بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يُحِلُّ دَمَهُ. وَلاَ يَحِلُّ دَمُهُ وَأَنْ يَعْمِدَ قَتْلَهُ إلَّا بِكُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً يَنَالُ مِنْهَا مَا يُحَدُّ بِهِ الزَّانِي فَقَتَلَهُمَا وَالرَّجُلُ ثَيِّبٌ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ ثَيِّبٍ فَلاَ شَيْءَ فِي الرَّجُلِ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْمَرْأَةِ, وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ غَيْرَ ثَيِّبٍ وَالْمَرْأَةُ ثَيِّبًا كَانَ عَلَيْهِ فِي الرَّجُلِ الْقَوَدُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْمَرْأَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا حَبَسَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ رَجُلاً أَيَّ حَبْسٍ مَا كَانَ بِكِتَافٍ أَوْ رَبْطِ الْيَدَيْنِ أَوْ إمْسَاكِهِمَا أَوْ إضْجَاعِهِ لَهُ وَرَفَعَ لِحْيَتَهُ عَنْ حَلْقِهِ فَقَتَلَهُ الْآخَرُ قُتِلَ بِهِ الْقَاتِلُ وَلاَ قَتْلَ عَلَى الَّذِي حَبَسَهُ وَلاَ عَقْلَ وَيُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ; لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَقْتُلْ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِالْقَتْلِ عَلَى الْقَاتِلِينَ وَهَذَا غَيْرُ قَاتِلٍ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ} أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَوْ بَعْضَ الْوُلاَةِ بَعَثَ إلَى الْوَهْطِ لِيَقْبِضَهُ فَلَبِسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو السِّلاَحَ وَجَمَعَ مَنْ أَطَاعَهُ وَجَلَسَ عَلَى بَابِهِ فَقِيلَ لَهُ: أَتُقَاتِلُ؟ فَقَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُقَاتِلَ وَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؟} قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ أُرِيدَ مَالُهُ فِي مَصْرِفَيْهِ غَوْثٌ أَوْ صَحْرَاءُ لاَ غَوْثَ فِيهَا أَوْ أُرِيدَ وَحَرِيمُهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يُكَلِّمَ مَنْ يُرِيدُهُ وَيَسْتَغِيثَ فَإِنْ مُنِعَ أَوْ امْتَنَعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِتَالُهُ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَمْتَنِعَ مَنْ أَرَادَ مَالَهُ أَوْ قَتْلَهُ أَوْ قَتْلَ بَعْضِ أَهْلِهِ أَوْ دُخُولاً عَلَى حَرِيمِهِ أَوْ قَتْلَ الْحَامِيَةِ حَتَّى يَدْخُلَ الْحَرِيمَ أَوْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَالِ أَوْ يُرِيدَهُ الْإِرَادَةَ الَّتِي يَخَافُ الْمَرْءُ أَنْ يَنَالَهُ أَوْ بَعْضَ أَهْلِهِ فِيهَا بِجِنَايَةٍ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ كُلِّ مَالِهِ دَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ إلَّا بِضَرْبِهِ بِيَدٍ أَوْ عَصًا أَوْ سِلاَحِ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ ضَرْبُهُ وَلَيْسَ لَهُ عَمْدُ قَتْلِهِ, وَإِذَا كَانَ لَهُ ضَرْبُهُ فَإِنْ أَتَى الضَّرْبُ عَلَى نَفْسِهِ فَلاَ عَقْلَ فِيهِ وَلاَ قَوَدَ وَلاَ كَفَّارَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ حَتَّى رَجَعَ عَنْهُ تَارِكًا لِقِتَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ بِضَرْبٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ قَاتَلَهُ وَهُوَ مُوَلٍّ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ يَرْمِيهِ أَوْ يَطْعَنُهُ أَوْ يُوهِقُهُ كَانَ لَهُ عِنْدَ توهيقه إيَّاهُ أَوْ انْحِرَافِهِ لِرَمْيِهِ ضَرْبُهُ وَرَمْيُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ تَرْكِهِ ذَلِكَ ضَرْبُهُ وَلاَ رَمْيُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَرَادَهُ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ وَبَيْنَهُمَا نَهْرٌ أَوْ خَنْدَقٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ مَا لاَ يَصِلُ مَعَهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ وَلاَ يَكُونُ لَهُ ضَرْبُهُ حَتَّى يَكُونَ بَارِزًا لَهُ مُرِيدًا لَهُ. فَإِذَا كَانَ بَارِزًا لَهُ مُرِيدًا لَهُ كَانَ لَهُ ضَرْبُهُ حِينَئِذٍ إذَا لَمْ يَرَ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ عَنْهُ إلَّا بِالضَّرْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ لَهُ مُرِيدًا فَانْكَسَرَتْ يَدُ الْمُرِيدِ أَوْ رِجْلُهُ حَتَّى يَصِيرَ مِمَّنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ; لِأَنَّ الْإِرَادَةَ لاَ تُحِلُّ ضَرْبَهُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ يُطِيقُ الضَّرْبَ فَأَمَّا إذَا صَارَ إلَى حَالٍ لاَ يَقْوَى عَلَى ضَرْبِ الْمُرَادِ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُرَادِ ضَرْبُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ فِي جَبَلٍ أَوْ حِصْنٍ أَوْ خَنْدَقٍ فَأَرَادَهُ رَجُلٌ لاَ يَصِلُ إلَيْهِ بِضَرْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ فَإِنْ رَمَاهُ الرَّجُلُ. وَمِثْلُ الرَّمْيِ يَصِلُ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ كَانَ لَهُ رَمْيُهُ وَضَرْبُهُ, وَإِنْ بَرَزَ الرَّجُلُ مِنْ الْحِصْنِ حَتَّى يَصِيرَ الرَّجُلُ يَقْدِرُ عَلَى ضَرْبِهِ بِحَالٍ فَأَرَادَهُ فَلَهُ ضَرْبُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَوَاءٌ فِيمَا يَحِلُّ بِالْإِرَادَةِ وَأَنْ يَكُونَ يَبْلُغُ الضَّرْبُ وَالرَّمْيُ مَعَهَا وَيَحْرُمُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْجَمَلِ الصَّئُولِ وَالدَّابَّةِ الصَّئُولَةِ وَغَيْرِهَا; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ ضَرْبُهُ لاََنْ يَقْتُلَ الْمُرَادَ أَوْ يَجْرَحَهُ فَكُلُّ هَؤُلاَءِ سَوَاءٌ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُ بِالْإِرَادَةِ إذَا كَانَ الْمُرِيدُ يَقْدِرُ عَلَى الْقَتْلِ وَلِلْمُرَادِ أَنْ يَبْدُرَ الْمُرِيدَ بِالضَّرْبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أَقْبَلَ الرَّجُلُ بِالسَّيْفِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ السِّلاَحِ إلَى الرَّجُلِ فَإِنَّمَا لَهُ ضَرْبُهُ عَلَى مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يَضْرِبُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْدَأْهُ الْمُقْبِلُ إلَيْهِ بِالضَّرْبِ فَلْيَضْرِبْهُ. وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي نَفْسِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ وَكَانَ لَهُ الْقَوَدُ فِيمَا نَالَ مِنْهُ بِالضَّرْبِ أَوْ الْأَرْشِ; وَإِذَا أَبَحْتُ لِلرَّجُلِ دَمَ رَجُلٍ أَوْ ضَرْبَهُ فَمَاتَ مِمَّا أَبَحْت لَهُ فَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ وَلاَ كَفَّارَةَ, وَإِذَا قُلْت لَيْسَ لَهُ رَمْيُهُ وَلاَ ضَرْبُهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ وَالْكَفَّارَةُ فِيمَا نَالَ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَوْ عَرَضَ لَهُ فَضَرَبَهُ وَلَهُ الضَّرْبُ ضَرَبَهُ, ثُمَّ وَلَّى أَوْ جُرِحَ فَسَقَطَ ثُمَّ عَادَ فَضَرَبَهُ أُخْرَى فَمَاتَ مِنْهُمَا ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَالْكَفَّارَةَ; لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ ضَرْبِ مُبَاحٍ وَضَرْبٍ مَمْنُوعٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ضَرَبَهُ مُقْبِلاً فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى, ثُمَّ ضَرَبَهُ مُوَلِّيًا فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى, ثُمَّ بَرَأَ مِنْهُمَا فَلَهُ الْقَوَدُ فِي الْيُسْرَى وَالْيُمْنَى هَدَرٌ وَلَوْ مَاتَ مِنْهُمَا فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ فَلَهُمْ نِصْفُ الدِّيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَقْبَلَ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ, ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَ ثُلُثَ الدِّيَةِ; لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِرَاحَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ مُبَاحَةٍ. وَثَانِيَةٍ غَيْرِ مُبَاحَةٍ وَثَالِثَةٍ مُبَاحَةٍ فَلَمَّا تَفَرَّقَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ فَرَّقْت بَيْنَهُ وَجَعَلْته كَجِنَايَةِ ثَلاَثَةٍ, وَلَوْ جَرَحَهُ أَوَّلاً وَهُوَ مُبَاحٌ جِرَاحَاتٍ, ثُمَّ وَلَّى فَجَرَحَهُ جِرَاحَاتٍ كَانَتْ جِنَايَتَيْنِ مَاتَ مِنْهُمَا فَسَوَاءٌ قَلِيلُ الْجِرَاحِ فِي الْحَالِ الْوَاحِدَةِ وَكَثِيرِهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ. فَإِنْ عَادَ فَأَقْبَلَ فَجَرَحَهُ جِرَاحَةً قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً فَمَاتَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ كَمَا قُلْتُ أَوَّلاً. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَمَا أَصَابَ الْمُرِيدُ لِنَفْسِ الرَّجُلِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حَرِيمِهِ مِنْ الرَّجُلِ فِي إقْبَالِهِ أَوْ نَالَهُ بِهِ فِي تَوْلِيَتِهِ عَنْهُ سَوَاءٌ; لِأَنَّهُ ظَالِمٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِيمَا فِيهِ الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ فِيمَا فِيهِ الْعَقْلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. فَإِنْ كَانَ الْمُرِيدُ مَعْتُوهًا أَوْ مِمَّنْ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَفِيمَا أَصَابَ الْعَقْلَ وَإِنْ كَانَ الْمُرِيدُ بَهِيمَةً فِي نَهَارٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَى مَالِكِهَا كَانَتْ مِمَّا يَصُولُ وَيَعْقِرُ أَوْ مِمَّا لاَ يَصُولُ وَلاَ يَعْقِرُ بِحَالٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا قَائِدٌ أَوْ سَائِقٌ أَوْ رَاكِبٌ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأَتْ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ} أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ سَمِعْت سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: {اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ} أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَيْتِهِ رَأَى رَجُلاً اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَأَهْوَى إلَيْهِ بِمِشْقَصٍ كَانَ فِي يَدِهِ كَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ لَمْ يُبَالِ أَنْ يَطْعَنَهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً عَمَدَ أَنْ يَأْتِيَ نَقْبًا أَوْ كُوَّةً أَوْ جَوْبَةً فِي مَنْزِلِ رَجُلٍ يَطَّلِعُ عَلَى حَرَمِهِ مِنْ النِّسَاءِ كَانَ ذَلِكَ الْمُطَّلِعُ مِنْ مَنْزِلِ الْمُطَّلَعِ أَوْ مِنْ مَنْزِلٍ لِغَيْرِهِ أَوْ طَرِيقٍ أَوْ رَحْبَةٍ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَهُوَ آثِمٌ بِعَمْدِ الِاطِّلاَعِ. وَلَوْ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُطَلَّعَ عَلَيْهِ خَذَفَهُ بِحَصَاةٍ أَوْ وَخَزَهُ بِعُودٍ صَغِيرٍ أَوْ مِدْرًى أَوْ مَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ فِي أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ جُرْحٌ يَخَافُ قَتْلَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُذْهِبُ الْبَصَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ فِيمَا يَنَالُ مِنْ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُطَّلِعُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلاَ إثْمٌ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا كَانَ الْمُطَّلِع مُقِيمًا عَلَى الِاطِّلاَعِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ النُّزُوعِ فَإِذَا نَزَعَ عَنْ الِاطِّلاَعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنَالَهُ بِشَيْءٍ وَمَا نَالَهُ بِهِ فَعَلَيْهِ فِيهِ قَوَدٌ أَوْ عَقْلٌ إذَا كَانَ فِيهِ عَقْلٌ وَلَوْ طَعَنَهُ عِنْدَ أَوَّلِ اطِّلاَعِهِ بِحَدِيدَةٍ تَجْرَحُ الْجُرْحَ الَّذِي يَقْتُلُ أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ يَقْتُلُ مِثْلُهُ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِيمَا فِيهِ الْقَوَدُ; لِأَنَّهُ إنَّمَا أُذِنَ لَهُ الَّذِي يَنَالُهُ بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ الَّذِي يَرْدَعُ بَصَرَهُ لاَ يَقْتُلُ نَفْسَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ثَبَتَ مُطَّلِعًا لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ مَسْأَلَتِهِ أَنْ يَرْجِعَ أَوْ بَعْدَ رَمْيِهِ بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ اسْتَغَاثَ عَلَيْهِ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَوْضِعِ غَوْثٍ أَحْبَبْت أَنْ يَنْشُدَهُ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ فِي مَوْضِعِ الْغَوْثِ وَغَيْرِهِ مِنْ النُّزُوعِ عَنْ الِاطِّلاَعِ فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِالسِّلاَحِ وَأَنْ يَنَالَهُ بِمَا يَرْدَعُهُ. فَإِنْ جَاءَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ جَرَحَهُ فَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ وَلاَ يُجَاوِزُ بِمَا يَرْمِيه بِهِ مَا أَمَرْته بِهِ أَوَّلاً حَتَّى يَمْتَنِعَ فَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعْ نَالَهُ بِالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ; لِأَنَّ هَذَا مَكَانٌ يَرَى مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَمْ يَنَلْ هَذَا مِنْهُ كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُعَاقِبَهُ وَلَوْ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي الِاطِّلاَعِ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنَالَهُ بِشَيْءٍ إذَا اطَّلَعَ فَنَزَعَ مِنْ الِاطِّلاَعِ أَوْ رَآهُ مُطَّلِعًا فَقَالَ مَا عَمَدْت وَلاَ رَأَيْت وَإِنْ نَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ بِشَيْءٍ فَقَالَ مَا عَمَدْت وَلاَ رَأَيْت لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ; لِأَنَّ الِاطِّلاَعَ ظَاهِرٌ وَلاَ يُعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ وَلَوْ كَانَ أَعْمَى فَنَالَهُ بِشَيْءٍ ضَمِنَهُ; لِأَنَّ الْأَعْمَى لاَ يُبْصِرُ بِالِاطِّلاَعِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ الْمُطَلِّعُ ذَا مَحْرَمٍ مِنْ نِسَاءِ الْمُطَّلَعِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنَالَهُ بِشَيْءٍ بِحَالٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَّلِعَ; لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَرَى مِنْهُمْ عَوْرَةً لَيْسَتْ لَهُ رُؤْيَتُهَا. وَإِنْ نَالَهُ بِشَيْءٍ فِي الِاطِّلاَعِ ضَمِنَهُ عَقْلاً وَقَوَدًا إلَّا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْهُمْ مُتَجَرِّدَةً فَيُقَالُ لَهُ فَلاَ يَنْزِعُ فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ فِيهِ مَا يَكُونُ لَهُ فِي الْأَجْنَبِيِّينَ إذَا اطَّلَعُوا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِنَّمَا فَرَّقْت بَيْنَ الْمُطَّلِعِ أَوَّلَ مَا يَطَّلِعُ وَبَيْنَ الْمُرِيدِ مَالَ الرَّجُلِ أَوْ نَفْسَهُ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ الْبَصَرَ قَدْ يُمْتَنَعُ مِنْهُ بِالتَّوَارِي عَنْهُ بِالسِّتْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّجُلُ يُصْحِرُ لِلرَّجُلِ فَيَخَافُ قَتْلَهُ وَأَبَحْت رَدْعَ الْبَصَرِ بِالْحَصَاةِ وَمَا أَشْبَهَهَا بِمَا حَكَيْت مِنْ الْخَبَرِ وَبِأَنَّ الْمُبْصِرَ لِلْعَوْرَةِ مُتَعَدٍّ وَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ مِنْ التَّعَدِّي أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقْدِرُ الْمُرَادُ عَلَى أَنْ يَهْرُبَ عَلَى قَدَمَيْهِ مِنْ الْمُرِيدِ فَأَجْعَلُ لَهُ أَنْ يَثْبُتَ وَلاَ يَهْرُبَ وَأَنْ يَدْفَعَ إرَادَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالضَّرْبِ بِالسِّلاَحِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسِ الْمَدْفُوعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ مَنْزِلَ الرَّجُلِ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا بِسِلاَحٍ فَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ وَإِنْ أَتَى الضَّرْبُ عَلَى نَفْسِهِ, فَإِذَا وَلَّى رَاجِعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ فُسْطَاطَهُ فِي بَادِيَةٍ وَفِيهِ حَرَمُهُ أَوْ لاَ حَرَمَ لَهُ فِيهِ أَوْ خِزَانَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حُرْمَةٌ إذَا رَأَى أَنَّهُ يُرِيدُ مَالَهُ أَوْ نَفْسَهُ أَوْ الْفِسْقَ, وَهَكَذَا إنْ أَرَادَ دُخُولَ مَنْزِلِهِ أَوْ كَابَرَهُ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّاخِلُ يُعْرَفُ بِسَرِقَةٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ لاَ يُعْرَفُ بِهِ. (قَالَ) وَلاَ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاتِلُ إنْ قَتَلَ وَلاَ الْجَارِحُ إنْ جَرَحَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً أُعْطِيَ مِنْهُ الْقَوَدُ وَلَوْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا هَذَا مُقْبِلاً إلَى هَذَا بِسِلاَحٍ شَاهِرُهُ وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ فَضَرَبَهُ هَذَا فَقَتَلَهُ أَهْدَرْتُهُ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ دَاخِلاً دَارِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مَعَهُ سِلاَحًا أَوْ ذَكَرُوا سِلاَحًا غَيْرَ شَاهِرِهِ فَقَتَلَهُ أَقَدْتُ مِنْهُ لاَ أَطْرَحُ الْقَوَدَ إلَّا بِمُكَابَرَتِهِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ وَأَنْ يُشْهَرَ عَلَيْهِ سِلاَحٌ وَتَقُومُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا هَذَا مُقْبِلاً إلَى هَذَا فِي صَحْرَاءَ لاَ سِلاَحَ مَعَهُ فَقَتَلَهُ الرَّجُلُ أَقَدْته بِهِ; لِأَنَّهُ قَدْ يُقْبِلُ الْإِقْبَالَ غَيْرَ الْمَخُوفِ مُرِيدًا لَهُ وَلاَ دَلاَلَةَ عَلَى أَنَّهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ الْإِقْبَالَ الْمَخُوفَ فَأَيُّ سِلاَحٍ شَهِدُوا أَنَّهُ أَقْبَلَ بِهِ إلَيْهِ الْعَصَا أَوْ وَهَقٌ أَوْ قَوْسٌ أَوْ سَيْفٌ أَوْ غَيْرُهُ, ثُمَّ قَتَلَهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ إلَيْهِ شَاهِرُهُ أَهْدَرْته. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ فِي صَحْرَاءَ بِسِلاَحٍ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَدَيْ الَّذِي أُرِيدَ, ثُمَّ وَلَّى عَنْهُ فَأَدْرَكَهُ فَذَبَحَهُ أَقَدْته مِنْهُ وَضَمَّنْت الْمَقْتُولَ دِيَةَ يَدَيْ الْقَاتِلِ وَلَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً فِي إقْبَالِهِ وَضَرْبَةً أُخْرَى فِي إدْبَارِهِ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَوَدٌ وَجَعَلْت عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ; لِأَنِّي جَعَلْته مَيِّتًا مِنْ الضَّرْبَةِ الَّتِي كَانَتْ مُبَاحَةً وَالضَّرْبَةِ الَّتِي كَانَتْ مَمْنُوعَةً فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا لَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَهُمْ أَوْ غَشُوهُمْ فِي حَرِيمِهِمْ فَتَصَافُّوا فَقُتِلَ الْمَظْلُومُونَ فَمَنْ قُتِلُوا هَدَرٌ وَمَنْ قَتَلَ الظَّالِمُونَ لَزِمَهُمْ فِيهِ الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ وَمَا ذَهَبُوا بِهِ لَهُمْ لاَ يَسْقُطُ عَنْ الظَّالِمِينَ شَيْءٌ نَالُوهُ حَتَّى يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ فِيهِ حُكْمَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ مَعَ الظَّالِمِينَ قَوْمٌ مُسْتَكْرَهُونَ أَوْ أَسْرَى فَاقْتَتَلُوا فَقَتَلَ الْمُسْتَكْرَهُونَ بِضَرْبٍ أَوْ رَمْيٍ لَمْ يَعْمِدُوا بِهِ أَوْ عَمَدُوا وَهُمْ لاَ يُعْرَفُونَ مُكْرَهِينَ فَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ عَلَى الْمَظْلُومِينَ الَّذِينَ نَالُوهُمْ وَعَلَيْهِمْ فِيهِمْ الْكَفَّارَةُ; لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى الْمُسْلِمِينَ بِبِلاَدِ الْعَدُوِّ يُنَالُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ عَمَدَهُمْ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُمْ مُسْتَكْرَهُونَ أَوْ أَسْرَى فَعَلَيْهِ فِيهِمْ الْقَوَدُ إنْ نَالَ مِنْهُمْ مَا فِيهِ الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ إنْ نَالَ مِنْهُمْ مَا فِيهِ الْعَقْلُ لاَ يَبْطُلُ ذَلِكَ عَنْهُ إلَّا بِأَنْ يَجْهَلَ حَالَهُمْ أَوْ يَعْرِفَهُمْ فَيُصِيبَهُمْ مِنْهُ فِي الْقِتَالِ مَا لاَ يَعْمِدُهُمْ بِهِ خَاصَّةً أَوْ يَعْمِدُ الْجَمْعَ الَّذِينَ هُمْ فِيهِ أَوْ يُشْهِرُ عَلَيْهِ سِلاَحًا فَيَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الزَّحْفَانِ ظَالِمَيْنِ, مِثْلُ أَنْ يَقْتَتِلُوا عَلَى نَهْبٍ أَوْ عَصَبِيَّةٍ وَيَغْشَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي حَرِيمِهِ فَلاَ يَسْقُطُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا أَصَابَ مِنْ صَاحِبِهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَقِفَ رَجُلٌ فَيَعْمِدَهُ رَجُلٌ بِضَرْبٍ فَيَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ لَهُ دَفْعَهُ عَنْهَا وَمَا قُلْت إنَّ لِلرَّجُلِ فِيهِ أَنْ يَضْرِبَ الْمُرِيدَ عَلَى مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ إذَا كَانَ الْمُرِيدُ مُقْبِلاً إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرَادِ مَعَ يَمِينِهِ كَانَ الْمُرَادُ شُجَاعًا أَوْ جَبَانًا أَوْ الْمُرِيدُ مَأْمُونًا أَوْ مَخُوفًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا غَشِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ فِي حَرِيمِهِمْ أَوْ غَيْرِ حَرِيمِهِمْ لِيُقَاتِلُوهُمْ فَدَفَعَ الْمَغْشِيُّونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَا أَصَابُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا مُقْبِلِينَ فَهُوَ هَدَرٌ وَمَا أَصَابَ مِنْهُمْ الْغَاشُونَ لَزِمَهُمْ حُكْمُهُ عَقْلاً وَقَوَدًا
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَوْلُهُ: {مِنْ قَوْمٍ} يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: {لَجَأَ قَوْمٌ إلَى خَثْعَمَ فَلَمَّا غَشِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ اسْتَعْصَمُوا بِالسُّجُودِ فَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْطُوهُمْ نِصْفَ الْعَقْلِ لِصَلاَتِهِمْ, ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ أَلاَ إنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ؟ قَالَ لاَ تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ هَذَا يَثْبُتُ فَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى مَنْ أَعْطَى مِنْهُمْ مُتَطَوِّعًا وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي دَارِ الشِّرْكِ لِيُعْلِمَهُمْ أَنْ لاَ دِيَاتِ لَهُمْ وَلاَ قَوَدَ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ بَعْدُ وَيَكُونُ إنَّمَا قَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ بِنُزُولِ الآيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي التَّنْزِيلِ كِفَايَةٌ عَنْ التَّأْوِيلِ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذْ حَكَمَ فِي الآيَةِ الْأُولَى فِي الْمُؤْمِنِ يُقْتَلُ خَطَأً بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَحَكَمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الآيَةِ بَعْدَهَا فِي الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِيثَاقٌ وَقَالَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {مِنْ قَوْمٍ} يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا دَارُهُمْ دَارُ حَرْبٍ مُبَاحَةٌ فَلَمَّا كَانَتْ مُبَاحَةً وَكَانَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ إذَا بَلَغَتْ النَّاسَ الدَّعْوَةُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ غَارِّينَ كَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُبِيحُ الْغَارَةَ عَلَى دَارٍ وَفِيهَا مَنْ لَهُ إنْ قُتِلَ عَقْلٌ أَوْ قَوَدٌ فَكَانَ هَذَا حُكْمَ اللَّهِ - عَزَّ ذِكْرُهُ -. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ إلَّا فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا; وَذَلِكَ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا مِنْ قُرَيْشٍ وَقُرَيْشٌ عَامَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَقُرَيْشٌ عَدُوٌّ لَنَا, وَكَذَلِكَ كَانُوا مِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَقَبَائِلِهِمْ أَعْدَاءً لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ حَرْبٍ, ثُمَّ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَلاَ عَقْلَ لَهُ إذَا قَتَلَهُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ مُسْلِمًا, وَكَذَلِكَ أَنْ يُغِيرَ فَيَقْتُلَ مَنْ لَقِيَ أَوْ يَلْقَى مُنْفَرِدًا بِهَيْئَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي دَارِهِمْ فَيَقْتُلَهُ, وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ فِي سَرِيَّةٍ مِنْهُمْ أَوْ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِهِمْ الَّتِي يُلْقَوْنَ بِهَا فَكُلُّ هَذَا عَمْدٌ خَطَأٌ يَلْزَمُهُ اسْمُ الْخَطَأِ; لِأَنَّهُ خَطَأٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ قَتْلَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا بِالْقَتْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا أَوْ نَائِمًا أَوْ بِهَيْئَةٍ لاَ تُشْبِهُ هَيْئَةَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَتُشْبِهُ هَيْئَةَ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ; لِأَنَّ الْمُشْرِكَ قَدْ يَتَهَيَّأُ بِهَيْئَةِ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَ بِهَيْئَةِ الْمُشْرِكِ بِبِلاَدِ الشِّرْكِ وَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ الْمَقْتُولِ وُلاَةٌ فَادَّعَوْا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا أُحَلِّفُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ حُلِّفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا لَقَدْ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا وَكَانَ لَهُمْ الْقَوَدُ إنْ كَانَ قَتَلَهُ عَامِدًا لِقَتْلِهِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَيْرَهُ وَأَصَابَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا مِنْهُمْ أَوْ أَسِيرًا فِيهِمْ أَوْ مُسْتَأْمَنًا عِنْدَهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَفِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ, وَكَذَلِكَ فِي الْأَسْرَى يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَجْرَحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يُقْتَلُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ الْجِرَاحِ, وَكَذَلِكَ تُقَامُ الْحُدُودُ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَتَوْا إذَا كَانُوا أَسْلَمُوا وَهُمْ يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ مِنْ حَلاَلٍ وَحَرَامٍ أَوْ كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ يُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ الْحُقُوقُ فِي الْأَمْوَالِ إذَا أَسْلَمُوا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَا عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ حَرْبٍ, ثُمَّ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَلاَ عَقْلَ لَهُ إذَا قَتَلَهُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ مُسْلِمًا, وَكَذَلِكَ أَنْ يُغِيرَ فَيَقْتُلَ مَنْ لَقِيَ أَوْ يَلْقَى مُنْفَرِدًا بِهَيْئَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي دَارِهِمْ فَيَقْتُلَهُ, وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ فِي سَرِيَّةٍ مِنْهُمْ أَوْ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِهِمْ الَّتِي يُلْقَوْنَ بِهَا فَكُلُّ هَذَا عَمْدٌ خَطَأٌ يَلْزَمُهُ اسْمُ الْخَطَأِ; لِأَنَّهُ خَطَأٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ قَتْلَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا بِالْقَتْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا أَوْ نَائِمًا أَوْ بِهَيْئَةٍ لاَ تُشْبِهُ هَيْئَةَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَتُشْبِهُ هَيْئَةَ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ; لِأَنَّ الْمُشْرِكَ قَدْ يَتَهَيَّأُ بِهَيْئَةِ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَ بِهَيْئَةِ الْمُشْرِكِ بِبِلاَدِ الشِّرْكِ وَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ الْمَقْتُولِ وُلاَةٌ فَادَّعَوْا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا أُحَلِّفُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ حُلِّفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا لَقَدْ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا وَكَانَ لَهُمْ الْقَوَدُ إنْ كَانَ قَتَلَهُ عَامِدًا لِقَتْلِهِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَيْرَهُ وَأَصَابَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا مِنْهُمْ أَوْ أَسِيرًا فِيهِمْ أَوْ مُسْتَأْمَنًا عِنْدَهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَفِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ, وَكَذَلِكَ فِي الْأَسْرَى يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَجْرَحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يُقْتَلُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ الْجِرَاحِ, وَكَذَلِكَ تُقَامُ الْحُدُودُ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَتَوْا إذَا كَانُوا أَسْلَمُوا وَهُمْ يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ مِنْ حَلاَلٍ وَحَرَامٍ أَوْ كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ يُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ الْحُقُوقُ فِي الْأَمْوَالِ إذَا أَسْلَمُوا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَا عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَلَهُ وَلَدٌ صِغَارٌ وَأُمُّهُمْ كَافِرَةٌ أَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّهُمْ وَهُوَ كَافِرٌ فَلِلْوَلَدِ حُكْمُ الْإِيمَانِ بِأَيِّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ فَيُقَادُ قَاتِلُهُ وَيَكُونُ لَهُ دِيَةُ مُسْلِمٍ وَلاَ يُعَذَّرُ أَحَدٌ إنْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْهُ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ إلَّا بِإِسْلاَمِ أَبَوَيْهِ مَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَغَارَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَوْ لَقُوهُمْ بِلاَ غَارَةٍ أَوْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ الْمُشْرِكُونَ فَاخْتَلَطُوا فِي الْقِتَالِ فَقَتَلَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضًا أَوْ جَرَحَهُ فَادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ الْمَقْتُولَ أَوَالْمَجْرُوحَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيَدْفَعُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ دِيَتَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ صَفًّا وَالْمُشْرِكُونَ صَفًّا لَمْ يَتَحَامَلُوا فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا فِي صَفِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ ظَنَنْتُهُ مُشْرِكًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إنَّمَا يُقْبَلُ مِنْهُ إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّ مَا ادَّعَى كَمَا ادَّعَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قِيلَ لِمُسْلِمٍ: قَدْ حَمَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْنَا أَوْ حَمَلَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ أَوْ رَأَوْا وَاحِدًا قَدْ حَمَلَ فَقَتَلَ مُسْلِمًا فِي صَفِّ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ ظَنَنْته الَّذِي حَمَلَ أَوْ بَعْضَ مَنْ حَمَلَ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَتَلَهُ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَعَمَدْتُهُ قُتِلَ بِهِ.
(قَالَ) وَلَوْ حَمَلَ مُسْلِمٌ عَلَى مُشْرِكٍ فَاسْتَتَرَ مِنْهُ بِالْمُسْلِمِ فَعَمَدَ الْمُسْلِمُ قَتْلَ الْمُسْلِمِ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ, وَلَوْ قَالَ عَمَدْت قَتْلَ الْمُشْرِكِ فَأَخْطَأْت بِالْمُسْلِمِ كَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ (قَالَ) وَلَوْ قَالَ لَمْ أَعْرِفْهُ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. (قَالَ) وَلَوْ حَمَلَ مُسْلِمٌ عَلَى مُشْرِكٍ فَاسْتَتَرَ مِنْهُ بِالْمُسْلِمِ فَعَمَدَ الْمُسْلِمُ قَتْلَ الْمُسْلِمِ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ, وَلَوْ قَالَ عَمَدْت قَتْلَ الْمُشْرِكِ فَأَخْطَأْت بِالْمُسْلِمِ كَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ (قَالَ) وَلَوْ قَالَ لَمْ أَعْرِفْهُ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ الْحَامِلُ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ مُلْتَحِمًا فَضَرَبَهُ وَهُوَ مُتَتَرِّسٌ بِمُسْلِمٍ وَقَالَ عَمَدْت الْكَافِرَ كَانَ هَكَذَا, وَلَوْ قَالَ عَمَدْت الْمُؤْمِنَ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَمْدُ الْمُؤْمِنِ فِي حَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ الْحَامِلُ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ مُلْتَحِمًا فَضَرَبَهُ وَهُوَ مُتَتَرِّسٌ بِمُسْلِمٍ وَقَالَ عَمَدْت الْكَافِرَ كَانَ هَكَذَا, وَلَوْ قَالَ عَمَدْت الْمُؤْمِنَ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَمْدُ الْمُؤْمِنِ فِي حَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ لاَ يُمْكِنُهُ ضَرْبُ الْكَافِرِ إلَّا بِضَرْبِهِ الْمُسْلِمَ بِحَالٍ فَضَرَبَ الْمُسْلِمَ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ وَقَالَ أَرَدْت الْكَافِرَ أُقِيدَ بِالْمُسْلِمِ وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ أَرَدْت الْكَافِرَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِرَادَةُ إلَّا بِأَنْ يَقَعَ الضَّرْبُ بِالْمُسْلِمِ. (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ. (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ: {كَانَ الْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ شَيْخًا كَبِيرًا فَوَقَعَ فِي الْآطَامِ مَعَ النِّسَاءِ يَوْمَ أُحُدٍ فَخَرَجَ يَتَعَرَّضُ الشَّهَادَةَ فَجَاءَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشْرِكِينَ فَابْتَدَرَهُ الْمُسْلِمُونَ فتوشقوه بِأَسْيَافِهِمْ وَحُذَيْفَةُ يَقُولُ: أَبِي أَبِي فَلاَ يَسْمَعُونَهُ مِنْ شُغْلِ الْحَرْبِ حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِدِيَتِهِ}.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَمَا نَالَ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ مَالٍ لَمْ يَضْمَنُوا مِنْهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ فِي أَيْدِيهِمْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَسْلَمُوا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا, وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وُحْدَانًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ دَاخِلَ بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ مُسْتَتِرًا أَوْ مُكَابِرًا لَمْ يُتْبَعْ إذَا أَسْلَمَ بِمَا أَصَابَ وَلَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَلاَ أَرْشٌ وَلاَ يُتْبَعُ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِغُرْمِ مَالٍ وَلاَ غَيْرِهِ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يُوجَدَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وَمَا قَدْ سَلَفَ تَقْضِي وَذَهَبَ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ يُطْرَحُ عَنْهُمْ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَالْعِبَادِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الْإِيمَانُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ} وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا} وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ مَا مَضَى مِنْهُ وَقَتَلَ وَحْشِيٌّ حَمْزَةَ فَأَسْلَمَ فَلَمْ يُقَدْ مِنْهُ وَلَمْ يُتْبَعْ لَهُ بِعَقْلٍ وَلَمْ يُؤْمَرْ لَهُ بِكَفَّارَةٍ لِطَرْحِ الْإِسْلاَمِ مَا فَاتَ فِي الشِّرْكِ, وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ بِجُرْحٍ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ: {حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ} إلَى قَوْلِهِ : {وَهُمْ صَاغِرُونَ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لاَ أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ} يَعْنِي بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَ الْإِسْلاَمِ; لِأَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ لَوْ كَفَرُوا بَعْدَ الْإِسْلاَمِ الْقَتْلُ وَالْحُدُودُ وَلاَ يَلْزَمُهُمْ مَا مَضَى قَبْلَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا كُلُّ مَا أَصَابَ لَهُمْ مُسْلِمٌ أَوْ مُعَاهَدٌ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ قَبْلَ الْإِسْلاَمِ وَالْعَهْدِ فَهُوَ هَدَرٌ وَلَوْ وَجَدُوا مَالاً لَهُمْ فِي يَدَيْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَخْذُهُ وَلَوْ تَخَوَّلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَحَدًا قَبْلَ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ يَدَيْهِ; لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ مُبَاحَةٌ قَبْلَ الْإِسْلاَمِ أَوْ الْعَهْدِ لَهُمْ وَهُمْ مُخَالِفُونَ أَهْلَ الْإِسْلاَمِ فِيمَا وُجِدَ فِي أَيْدِيهِمْ لِمُسْلِمٍ بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَضَى فِي رَدِّ الرِّبَا بِرَدِّ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَلَمْ يَقْضِ بِرَدِّ مَا قُبِضَ فَهَلَكَ فِي الشِّرْكِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا أَصَابَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ أَوْ الذِّمِّيُّ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أُتْبِعَ بِهِ; لِأَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا أَنْ يَنَالَ أَوْ يُنَالَ مِنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا أَسْلَمَ الْقَوْمُ, ثُمَّ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلاَمِ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ وَهُمْ مَقْهُورُونَ أَوْ قَاهِرُونَ فِي مَوْضِعِهِمْ الَّذِي ارْتَدُّوا فِيهِ وَادَّعَوْا نُبُوَّةَ رَجُلٍ تَبِعُوهُ عَلَيْهَا أَوْ رَجَعُوا إلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ تَعْطِيلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْكُفْرِ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبْدَءُوا بِجِهَادِهِمْ قَبْلَ جِهَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا قَطُّ فَإِذَا ظَفِرُوا بِهِمْ اسْتَتَابُوهُمْ فَمَنْ تَابَ حَقَنُوا دَمَهُ بِالتَّوْبَةِ وَإِظْهَارِ الرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلاَمِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ قَتَلُوهُ بِالرِّدَّةِ وَسَوَاءٌ ذَلِكَ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا أَصَابَ أَهْلُ الرِّدَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ أَوْ بَعْدَ إظْهَارِ التَّوْبَةِ فِي قِتَالٍ وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ أَوْ غَيْرِ قِتَالٍ أَوْ عَلَى نَائِرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَسَوَاءٌ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِمْ كَالْحُكْمِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لاَ يَخْتَلِفُ فِي الْعَقْلِ وَالْقَوَدِ وَضَمَانِ مَا يُصِيبُونَ وَسَوَاءٌ ذَلِكَ قَبْلَ يُقْهَرُونَ أَوْ بَعْدَ مَا قُهِرُوا فَتَابُوا أَوْ لَمْ يَتُوبُوا لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: فَمَا صَنَعَ أَبُو بَكْرٍ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ؟ قِيلَ: قَالَ لِقَوْمٍ جَاءُوهُ تَائِبِينَ تَدُونَ قَتْلاَنَا وَلاَ نَدِي قَتْلاَكُمْ فَقَالَ عُمَرُ لاَ نَأْخُذُ لِقَتْلاَنَا دِيَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: فَمَا قَوْلُهُ تَدُونَ قَتْلاَنَا؟ قِيلَ: إذَا أَصَابُوا غَيْرَ مُتَعَمِّدِينَ وُدُوا وَإِذَا ضَمِنُوا الدِّيَةَ فِي قَتْلٍ غَيْرَ مُتَعَمِّدِينَ كَانَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِي قَتْلِهِمْ مُتَعَمِّدِينَ وَهَذَا خِلاَفُ حُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ قُتِلَ بِأَحَدٍ؟ قِيلَ: وَلاَ يَثْبُتُ عَلَيْهِ قَتْلُ أَحَدٍ بِشَهَادَةٍ وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ نَعْلَمْ حَاكِمَا أَبْطَلَ لِوَلِيٍّ دَمَ قَتِيلٍ أَنْ يَقْتُلَ لَهُ لَوْ طَلَبَهُ وَالرِّدَّةُ لاَ تَدْفَعُ عَنْهُمْ عَقْلاً وَلاَ قَوَدًا وَلاَ تَزِيدُهُمْ خَيْرًا إنْ لَمْ تَزِدْهُمْ شَرًّا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا قَامَتْ لِمُرْتَدٍّ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَظْهَرَ الْقَوْلَ بِالْإِيمَانِ, ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ يَعْلَمُ تَوْبَتَهُ أَوْ لاَ يَعْلَمُهَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ كَمَا عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي كَافِرٍ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فَلاَ يَعْلَمُ إيمَانَهُ وَعَبْدٌ عَتَقَ وَلاَ يَعْلَمُ عِتْقَهُ ثُمَّ قَتَلَهُمَا فَيُقْتَلُ بِهِمَا فِي الْحَالَيْنِ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ فَأَغَارَ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ دِيَةٌ وَكَانَتْ فِيهِ كَفَّارَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ عَمَدَ رَجُلٌ قَتْلَهُ فِي غَيْرِ غَارَةٍ وَقَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلاَمَ قَبْلَ الْقَتْلِ وَعَلِمَهُ الْقَاتِلُ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَدَاهُ; لِأَنَّهُ عَمَدَهُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْقَتْلِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ إذَا قَتَلَهُ غَيْرَ عَامِدٍ لِقَتْلِهِ بِعَيْنِهِ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ فِي غَارَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ ظَاهِرُ الآيَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -: أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا كُتِبَ عَلَى الْبَالِغِينَ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ; لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ إذَا قَتَلُوا الْمُؤْمِنِينَ بِابْتِدَاءِ الآيَةِ. وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}; لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأُخُوَّةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} وَقَطَعَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ. وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِثْلِ ظَاهِرِ الآيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمِعْت عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي وَبَلَغَنِي عَنْ عَدَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ فِي خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ: {لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ} وَبَلَغَنِي عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ رَوَى ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَأَحْسِبُ طَاوُسًا وَالْحَسَنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ الْفَتْحِ: {لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ} أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا رضي الله عنه هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ لاَ وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ, إلَّا أَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي الْقُرْآنِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قُلْت وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ فَقَالَ: {الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَلاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ وَلاَ امْرَأَةٌ بِكَافِرٍ فِي حَالٍ أَبَدًا, وَكُلُّ مَنْ وَصَفَ الْإِيمَانَ مِنْ أَعْجَمِيٍّ وَأَبْكَمَ يَعْقِلُ وَيُشِيرُ بِالْإِيمَانِ وَيُصَلِّي فَقَتَلَ كَافِرًا فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ دِيَتُهُ فِي مَالِهِ حَالَّةً وَسَوَاءٌ أَكْثَرَ الْقَتْلَ فِي الْكُفَّارِ أَوْ لَمْ يُكْثِرْ, وَسَوَاءٌ قَتَلَ كَافِرًا عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ, لاَ يَحِلُّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَتْلُ مُؤْمِنٍ بِكَافِرٍ بِحَالٍ فِي قَطْعِ طَرِيقٍ وَلاَ غَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَتَلَ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَلاَ يُبْلَغُ بِتَعْزِيرِهِ فِي قَتْلٍ وَلاَ غَيْرِهِ حَدٌّ وَلاَ يُبْلَغُ بِحَبْسِهِ سَنَةٌ وَلَكِنْ حَبْسٌ يُبْتَلَى بِهِ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ التَّعْزِيرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَتَلَ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَلاَ يُبْلَغُ بِتَعْزِيرِهِ فِي قَتْلٍ وَلاَ غَيْرِهِ حَدٌّ وَلاَ يُبْلَغُ بِحَبْسِهِ سَنَةٌ وَلَكِنْ حَبْسٌ يُبْتَلَى بِهِ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ التَّعْزِيرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَتَلَ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ قُتِلَ بِهِ ذِمِّيًّا كَانَ الْقَاتِلُ أَوْ حَرْبِيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا. وَإِذَا أَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دَمَ الْمُؤْمِنِ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ كَانَ دَمُ الْكَافِرِ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ أَوْلَى أَنْ يُبَاحَ وَفِيمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلاَلَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْت. قَوْلُهُ: {مَنْ اعْتَبَطَ مُسْلِمًا بِقَتْلٍ فَهُوَ بِهِ قَوَدٌ} فَهَذِهِ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَنْ قُتِلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَقَالَ الْقَاتِلُ: الْمَقْتُولُ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ فَعَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُرٌّ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ; لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْحَقَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا الْإِيمَانُ فِعْلٌ يُحْدِثُهُ الْمُؤْمِنُ الْبَالِغُ أَوْ يَكُونُ غَيْرَ بَالِغٍ فَيَكُونُ مُؤْمِنًا بِإِيمَانِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَقَالَ الْقَاتِلُ: الْمَقْتُولُ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ فَعَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُرٌّ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ; لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْحَقَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا الْإِيمَانُ فِعْلٌ يُحْدِثُهُ الْمُؤْمِنُ الْبَالِغُ أَوْ يَكُونُ غَيْرَ بَالِغٍ فَيَكُونُ مُؤْمِنًا بِإِيمَانِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا وُلِدَ الْمَوْلُودُ عَلَى الشِّرْكِ فَأَسْلَمَ أَبَوَاهُ وَلَمْ يَصِفْ الْإِيمَانَ فَقَتَلَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُؤْمِنٌ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مُسْلِمٍ بِإِسْلاَمِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْفَرْضُ فَإِذَا لَزِمَهُ الْفَرْضُ فَدِينُهُ دِينُ نَفْسِهِ كَمَا يَكُونُ مُؤْمِنًا وَأَبَوَاهُ كَافِرَانِ فَلاَ يَضُرُّهُ كُفْرُهُمَا أَوْ كَافِرًا وَأَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ فَلاَ يَنْفَعُهُ إيمَانُهُمَا, وَإِنْ ادَّعَى أَبَوَاهُ بَعْدَ مَا يُقْتَلُ أَنَّهُ وَصَفَ الْإِيمَانَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْقَاتِلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَيْهِمَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ وَصَفَ الْإِسْلاَمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَادَّعَى الْقَاتِلُ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلاَمِ وَقَالَ وَرَثَتُهُ: بَلْ قَتَلَهُ وَهُوَ عَلَى دِينِ الْإِسْلاَمِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا قُتِلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَحَلَفَ أَبُوهُ أَنَّهُ مَا عَلِمَهُ ارْتَدَّ بَعْدَ مَا وَصَفَ الْإِسْلاَمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ جَاءَ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا قَبِلْت ذَلِكَ مِنْهُمْ وَكَانَ عَلَى قَاتِلِهِ الْقَوَدُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْقَاتِلَ حِينَ قَالَ فِي هَذِهِ: ارْتَدَّ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِإِسْلاَمِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَادَّعَى الرِّدَّةَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فَوْقَهَا لَمْ يُقَرَّ لَهُ بِالْإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلاَ صِفَةِ الْإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلاَ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْإِيمَانِ بِإِيمَانِ أَبَوَيْهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ صِفَةَ الْإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا قَتَلَ نَصْرَانِيًّا, ثُمَّ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ فَسَأَلَ وَرَثَةُ النَّصْرَانِيِّ أَنْ يُقَادُوا مِنْهُ, وَقَالُوا هَذَا كَافِرٌ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ; لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ, وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَالتَّعْزِيرُ فَإِنْ تَابَ قُبِلَ مِنْهُ وَإِلَّا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ. وَهَكَذَا لَوْ ضَرَبَ مُسْلِمٌ نَصْرَانِيًّا فَجَرَحَهُ, ثُمَّ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ, ثُمَّ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَالْقَاتِلُ مُرْتَدٌّ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ; لِأَنَّ الْمَوْتَ كَانَ بِالضَّرْبَةِ, وَالضَّرْبَةُ كَانَتْ وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَقَتَلَ ذِمِّيًّا فَسَأَلَ أَهْلُهُ الْقَوَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلاَمِ أَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ فَسَوَاءٌ, وَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ وَهَذَا أَوْلاَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ; لِأَنَّهُ قَتَلَ وَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ, وَالثَّانِي لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ حَتَّى يَرْجِعَ أَوْ يُقْتَلَ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَرْسَلَ سَهْمًا عَلَى نَصْرَانِيٍّ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى أَسْلَمَ أَوْ عَلَى عَبْدٍ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بِهِ حَتَّى عَتَقَ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ; لِأَنَّ غَلَبَةَ السَّهْمِ كَانَتْ بِالْإِرْسَالِ الَّذِي لاَ قَوَدَ فِيهِ بَيْنَهُمَا, وَلَوْ كَانَ وُقُوعُهُ بِهِ وَهُوَ بِحَالِهِ حِينَ أَرْسَلَ السَّهْمَ, ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُقَصَّ مِنْهُ وَعَلَيْهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ حُرٍّ فِي الْحَالَتَيْنِ وَالْكَفَّارَةُ, وَلاَ يَكُونُ هَذَا فِي أَقَلَّ مِنْ حَالِ مَنْ أَرْسَلَ سَهْمًا عَلَى غَرَضٍ فَأَصَابَ إنْسَانًا; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا جَنَتْ رَمْيَتُهُ وَكِلاَ هَذَيْنِ مَمْنُوعٌ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَهُ بِرَمْيٍ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَرْسَلَ سَهْمًا عَلَى نَصْرَانِيٍّ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى أَسْلَمَ أَوْ عَلَى عَبْدٍ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بِهِ حَتَّى عَتَقَ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ; لِأَنَّ غَلَبَةَ السَّهْمِ كَانَتْ بِالْإِرْسَالِ الَّذِي لاَ قَوَدَ فِيهِ بَيْنَهُمَا, وَلَوْ كَانَ وُقُوعُهُ بِهِ وَهُوَ بِحَالِهِ حِينَ أَرْسَلَ السَّهْمَ, ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُقَصَّ مِنْهُ وَعَلَيْهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ حُرٍّ فِي الْحَالَتَيْنِ وَالْكَفَّارَةُ, وَلاَ يَكُونُ هَذَا فِي أَقَلَّ مِنْ حَالِ مَنْ أَرْسَلَ سَهْمًا عَلَى غَرَضٍ فَأَصَابَ إنْسَانًا; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا جَنَتْ رَمْيَتُهُ وَكِلاَ هَذَيْنِ مَمْنُوعٌ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَهُ بِرَمْيٍ. (قَالَ) وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ عَلَى مُرْتَدٍّ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى أَسْلَمَ أَوْ عَلَى حَرْبِيٍّ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى أَسْلَمَ كَانَ خِلاَفًا لِلْمَسَائِلِ قَبْلَهَا; لِأَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمَا وَهُمَا مُبَاحَا الدَّمِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَوَدٌ بِحَالٍ لِمَا أَصَابَهُمَا مِنْ رَمْيَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَدِيَةُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بِتَحْوِيلِ حَالِهِمَا قَبْلَ وُقُوعِ الرَّمْيَةِ.
(قَالَ) وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ عَلَى مُرْتَدٍّ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى أَسْلَمَ أَوْ عَلَى حَرْبِيٍّ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى أَسْلَمَ كَانَ خِلاَفًا لِلْمَسَائِلِ قَبْلَهَا; لِأَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمَا وَهُمَا مُبَاحَا الدَّمِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَوَدٌ بِحَالٍ لِمَا أَصَابَهُمَا مِنْ رَمْيَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَدِيَةُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بِتَحْوِيلِ حَالِهِمَا قَبْلَ وُقُوعِ الرَّمْيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ضَرَبَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ, ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ, ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ, ثُمَّ مَاتَ مُسْلِمًا ضَمِنَ الْقَاتِلُ الدِّيَةَ كُلَّهَا فِي مَالِهِ; لِأَنَّ الضَّرْبَ كَانَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَالْمَوْتَ كَانَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَلاَ تَسْقُطُ الدِّيَةُ بِحَالٍ حَدَثَتْ بَيْنَهُمَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهَا الضَّارِبُ شَيْئًا وَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ لِلْحَالِ الْحَادِثَةِ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ رَجُلاً وَقَتَلَهُ مَعَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ مَنْ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ بِحَالٍ فَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِمَا مَعًا فَإِنْ كَانَ ضَرْبُهُمَا مَعًا بِمَا يَكُونُ فِيهِ الْقَوَدُ قُتِلَ الْبَالِغُ وَكَانَ عَلَى الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ, وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ. (قَالَ) وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ ابْنَهُ وَقَتَلَهُ مَعَهُ أَجْنَبِيٌّ وَلَمْ يُقْتَلْ الْأَبُ وَأَخَذْت نِصْفَ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ حَالَّةً, وَلَوْ قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ عَبْدًا قُتِلَ بِهِ الْعَبْدُ وَكَانَتْ عَلَى الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ كَانَتْ دِيَاتٍ وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ كَافِرًا قُتِلَ الْكَافِرُ وَكَانَتْ عَلَى الْمُسْلِمِ نِصْفُ دِيَتِهِ وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلاَنِ رَجُلاً أَحَدُهُمَا بِعَصًا خَفِيفَةٍ وَالْآخَرُ بِسَيْفٍ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِصَاصٌ; لِأَنَّ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ كَانَتْ مِمَّا لاَ قِصَاصَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَوَدُ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ كُلُّهَا بِشَيْءٍ يُقْتَصُّ مِنْهُ إذَا مِيَتٌ مِنْهُ, وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلاً بِسَيْفٍ وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ فَلاَ قِصَاصَ وَعَلَى الضَّارِبِ نِصْفُ دِيَتِهِ حَالَّةً فِي مَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ضَرَبَهُ رَجُلٌ بِسَيْفٍ وَضَرَبَهُ أَسَدٌ أَوْ نَمِرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ أَوْ سَبُعٌ مَا كَانَ ضَرْبَةً فَإِنْ كَانَتْ ضَرْبَةُ السَّبُعِ تَقَعُ مَوْقِعَ الْجُرْحِ فِي أَنْ يُشَقَّ جُرْحُهَا فَيَكُونُ الْأَغْلَبُ أَنَّ الْجُرْحَ قَتَلَ دُونَ الثِّقَلِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ فَيَكُونُ لَهُمْ نِصْفُهَا وَإِنْ كَانَتْ ضَرْبَةً لاَ تَلْهَدُ وَلاَ تَقْتُلُ ثِقَلاً كَمَا يَقْتُلُ الشَّدْخُ أَوْ الْخَشَبَةُ الثَّقِيلَةُ أَوْ الْحَجَرُ الثَّقِيلُ فَلاَ يَجْرَحُ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ; لِأَنَّ إنْسَانًا إنْ ضَرَبَهُ مَعَهُ تِلْكَ الضَّرْبَةَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا قَوَدٌ وَإِنَّمَا أَجْعَلُهُ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ فَلَمَّا كَانَتْ إحْدَى الضَّرْبَتَيْنِ إنَّمَا تَقْتُلُ لاَ ثِقَلاً وَلاَ جُرْحًا وَكَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّ مِثْلَهَا لاَ يَقْتُلُ مُفْرَدًا سَقَطَ الْقَوَدُ فَلَمَّا لَمْ يَمْحُضَا بِمَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ فَلاَ قَوَدَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ جَرَحَتْ جُرْحًا خَفِيفًا كَالْخَدْشِ وَالْأَغْلَبُ أَنَّ الْقَتْلَ مِنْهَا لاَ يَقْتُلُ بِاللَّهْدِ وَلاَ الثِّقَلِ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا قِصَاصٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ السَّبُعَ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَوَدَجَهُ أَوْ قَصَفَ عُنُقَهُ أَوْ شَقَّ بَطْنَهُ فَأَلْقَى حَشْوَتَهُ كَانَ هُوَ الْقَاتِلَ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ إنْ كَانَ فِيهَا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ الْعَقْلَ, وَالْعَقْلُ إنْ كَانَتْ جِرَاحُهُ مِمَّا لاَ قِصَاصَ فِيهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا الْتَقَى زَحْفَانِ وَأَحَدُهُمَا ظَالِمٌ, فَقُتِلَ رَجُلٌ مِنْ الصَّفِّ الْمَظْلُومِ فَسَأَلَ أَوْلِيَاؤُهُ الْعَقْلَ, أَوْ الْقَوَدَ قِيلَ: ادَّعُوهُ عَلَى مَنْ شِئْتُمْ فَإِنْ ادَّعَوْهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ نَفَرٍ بِأَعْيَانِهِمْ كُلِّفُوا الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جَاءُوا بِهَا فَلَهُمْ الْقَوَدُ إنْ كَانَ فِيهِ قَوَدٌ أَوْ الْعَقْلُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَوَدٌ, وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِبَيِّنَةٍ قِيلَ: إنْ شِئْتُمْ فَأَقْسِمُوا خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى رَجُلٍ أَوْ نَفَرٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَلَكُمْ الدِّيَةُ وَلاَ قَوَدَ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا, وَإِنْ أَقْسَمَ الَّذِينَ ادَّعَيْتُمْ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا بَرِئُوا مِنْ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ إذَا حَلَفُوا إنْ امْتَنَعْتُمْ مِنْ الْإِيمَانِ وَإِنْ تُحَلِّفُوهُمْ فَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ وَإِنْ قُلْتُمْ قَتَلُوهُ جَمِيعًا فَكَانَ يُمْكِنُ لِمِثْلِهِمْ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِيهِ أَقْسَمْتُمْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ وَكَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ أَوْ نَحْوَهَا فَقَدْ قِيلَ: إنْ اقْتَصَرْتُمْ بِالدَّعْوَى عَلَى مَنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَرِكَ فِيهِ وَأَقْسَمْتُمْ جَعَلْنَا ذَلِكَ لَكُمْ. وَإِلَّا لَمْ نَدَعْكُمْ تُقْسِمُوا عَلَى مَا نَعْلَمُكُمْ فِيهِ كَاذِبِينَ وَإِذَا جَاءُوا بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّ رَجُلاً قَتَلَهُ لاَ يُثْبِتُونَ الرَّجُلَ الْقَاتِلَ فَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ وَقِيلَ: أَقْسِمُوا عَلَى وَاحِدٍ إنْ شِئْتُمْ, ثُمَّ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فَإِنْ أَقْسَمُوا عَلَى وَاحِدٍ فَأَثْبَتَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ سَقَطَتْ الْقَسَامَةُ فَلَمْ يُعْطَوْا بِهَا وَلاَ بِالْبَيِّنَةِ, وَإِنْ سَأَلُوا بَعْدَ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَبْرَءُوا غَيْرَهُ بِالدَّعْوَى عَلَيْهِ دُونَهُ, وَبِأَنْ كَذَبُوا فِي الْقَسَامَةِ وَلَسْت أَقْتُلُ بِالْقَسَامَةِ بِحَالٍ أَبَدًا وَلَوْ قَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ: نُقْسِمُ عَلَى كُلِّهِمْ لَمْ أَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ; لِأَنِّي إنْ أَغْرَمْت كُلَّهُمْ فَقَدْ عَلِمْت أَنِّي أَغْرَمْت مِنْهُمْ قَوْمًا بُرَآءُ, وَإِنْ أَرَدْت أَنْ أُغَرِّمَ بَعْضَهُمْ لَمْ أَعْرِفْ مَنْ أُغَرِّمُ فَلاَ تَكُونُ الْقَسَامَةُ إلَّا عَلَى مَعْرُوفٍ بِعَيْنِهِ وَمَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ كَمَا لاَ تَكُونُ الْحُقُوقُ إلَّا عَلَى مَعْرُوفٍ بِعَيْنِهِ. فَإِذَا الْتَقَى الرَّجُلاَنِ فَأَضْرَبَا بِأَيِّ سِلاَحٍ اضْطَرَبَا فِيهِ فَيَكُونُ فِيمَنْ أُصِيبَ بِهِ الْقَوَدُ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ رَأَوْا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْرِعًا إلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يُثْبِتُوا أَيَّهُمَا بَدَأَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ بِهِ صَاحِبَهُ إنْ كَانَ فِيهِ عَقْلٌ أَوْ كَانَ فِيهِ قَوَدٌ وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ صَاحِبَهُ بَدَأَهُ وَأَنَّهُ إنَّمَا ضَرَبَهُ لِيَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ, وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ لِصَاحِبِهِ مَا بَدَأَ فَإِذَا حَلَفَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ بِهِ صَاحِبَهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ عَقْلٌ تَقَاصَّا وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ الْفَضْلَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قِصَاصٌ اُقْتُصَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ قِصَاصٌ وَلاَ تَبَاعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلاَ قَوَدَ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يُقَادُ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ وَبِهِ جِرَاحَاتٌ كَانَتْ جِرَاحَاتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ, فَإِنْ كَانَتْ دِيَةً قِيلَ: لِأَهْلِ الْمَيِّتِ إنْ أَرَدْتُمْ الْقَوَدَ فَلَكُمْ الْقَوَدُ وَعَلَى صَاحِبِكُمْ دِيَةُ جِرَاحِ الْمَجْرُوحِ وَإِنْ أَرَدْتُمْ الدِّيَةَ فَلَكُمْ الدِّيَةُ وَلِلْمَجْرُوحِ دِيَةٌ فَإِحْدَاهُمَا قِصَاصٌ بِالْأُخْرَى إنْ كَانَ ضَرْبُهُمَا عَمْدًا كُلُّهُ, وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ رَجَعَ الْمَجْرُوحُ بِالْفَضْلِ عَنْ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَإِنْ أَرَدْتُمْ الْقَوَدَ فَلِلْمُقَادِ مِنْهُ مَا لَزِمَ الْمَيِّتَ مِنْ جِرَاحَةِ الْحَيِّ وَلَكُمْ الْقَوَدُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ فِي الْحَرْبِ فَلَقِيَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُقْبِلاً مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَهُ فَإِنْ قَالَ قَدْ عَرَفْتُهُ مُسْلِمًا قُتِلَ بِهِ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْتُهُ كَافِرًا أُحْلِفَ مَا قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُؤْمِنًا, ثُمَّ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلاَ قَوَدَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَقِيَهُ فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ بِغَيْرِ حَرْبٍ فَقَالَ ظَنَنْته كَافِرًا لَمْ يُعْذَرْ وَقُتِلَ بِهِ وَإِنَّمَا يُعْذَرُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنَّهُ كَمَا قَالَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ فِي الْحَرْبِ فَلَقِيَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُقْبِلاً مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَهُ فَإِنْ قَالَ قَدْ عَرَفْتُهُ مُسْلِمًا قُتِلَ بِهِ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْتُهُ كَافِرًا أُحْلِفَ مَا قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُؤْمِنًا, ثُمَّ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلاَ قَوَدَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَقِيَهُ فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ بِغَيْرِ حَرْبٍ فَقَالَ ظَنَنْته كَافِرًا لَمْ يُعْذَرْ وَقُتِلَ بِهِ وَإِنَّمَا يُعْذَرُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنَّهُ كَمَا قَالَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي صَفٍّ وَالْمُشْرِكُونَ بِإِزَائِهِمْ لَمْ يَلْتَقُوا وَلَمْ يَتَحَامَلُوا فَقَتَلَ رَجُلٌ رَجُلاً فِي صَفِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ ظَنَنْته كَافِرًا وَالْمَقْتُولُ مُؤْمِنٌ أُقِيدَ مِنْهُ وَإِنْ تَحَامَلُوا وَكَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ وَقَتَلَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ: {أَنَّ الْيَمَانَ أَبَا حُذَيْفَةَ جَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ أُطُمٍ مِنْ الْآطَامِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشْرِكِينَ فَظَنَّهُ الْمُسْلِمُونَ مُشْرِكًا فَالْتَفُّوا عَلَيْهِ بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى قَتَلُوهُ وَحُذَيْفَةُ يَقُولُ: أَبِي أَبِي وَلاَ يَسْمَعُونَهُ لِشُغْلِ الْحَرْبِ فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِدِيَةٍ}. وَقَالَ فِيمَا أَحْسِبُ عَفَاهَا حُذَيْفَةُ, وَقَالَ فِيمَا أَحْسِبُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ, فَزَادَهُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَقْبَلَ إلَى نَاحِيَةِ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَامِدًا فَقَالَ وَرَثَةُ الْمُشْرِكِ إنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ, فَإِنْ أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَلَهُمْ الْعَقْلُ وَلاَ قَوَدَ إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ قَتَلْتُهُ وَأَنَا أَظُنُّهُ عَلَى الشِّرْكِ إذَا جَعَلْت لَهُ هَذَا فِي الْمُسْلِمِ يَعْرِفُ إسْلاَمَهُ جَعَلْته لَهُ فِيمَنْ لَمْ يُشْهَرْ إسْلاَمُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَقْبَلَ كَمَا وَصَفْت فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ لَمْ يُودَ حَتَّى يُقِيمَ وَرَثَتُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً ضَرَبَ حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ, وَلَوْ ضُرِبَ فَأَسْلَمَ, ثُمَّ ضُرِبَ فَمَاتَ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً ضَرَبَ حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ, وَلَوْ ضُرِبَ فَأَسْلَمَ, ثُمَّ ضُرِبَ فَمَاتَ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه وَلَّى رَجُلاً عَلَى الْيَمَنِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ أَقْطَعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَذَكَرَ أَنَّ وَالِيَ الْيَمَنِ ظَلَمَهُ فَقَالَ إنْ كَانَ ظَلَمَكَ لاَُقِيدَنَّكَ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ إنْ قَتَلَ الْإِمَامُ هَكَذَا. (قَالَ) وَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ الرَّجُلَ بِقَتْلِ الرَّجُلِ فَقَتَلَهُ الْمَأْمُورُ فَعَلَى الْإِمَامِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ وَلَيْسَ عَلَى الْمَأْمُورِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ; لِأَنَّهُ وَلِيُّ الْقَتْلِ, وَإِنَّمَا أَزَلْت عَنْهُ الْقَوَدَ أَنَّ الْوَالِيَ يَحْكُمُ بِالْقَتْلِ فِي الْحَقِّ فِي الرِّدَّةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْقَتْلِ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ ظُلْمًا كَانَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْإِمَامِ الْقَوَدُ وَكَانَا كَقَاتِلَيْنِ مَعًا, وَإِنَّمَا أُزِيلُ الْقَوَدَ عَنْهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُقْتَلُ بِحَقٍّ, وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ ظُلْمًا وَلَكِنَّ الْوَالِيَ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَزُلْ عَنْ الْإِمَامِ الْقَوَدُ بِكُلِّ حَالٍ وَفِي الْمَأْمُورِ الْمُكْرَهِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا ظُلْمًا إنَّمَا يَبْطُلُ الْكَرْهُ عَنْهُ فِيمَا لاَ يَضُرُّ غَيْرَهُ وَالْآخَرُ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْوَالِي الْمُتَغَلِّبُ وَالْمُسْتَعْمِلُ إذَا قُهِرَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِ عَلَيْهِ هَذَا سَوَاءٌ طَالَ قَهْرُهُ لَهُ أَوْ قَصُرَ. وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الْمُتَغَلِّبُ عَلَى اللُّصُوصِيَّةِ أَوْ الْعَصَبِيَّةِ فَأَمَرَ رَجُلاً بِقَتْلِ الرَّجُلِ فَعَلَى الْمَأْمُورِ الْقَوَدُ وَعَلَى الْآمِرِ إذَا كَانَ قَاهِرًا لِلْمَأْمُورِ لاَ يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ بِحَالٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً فِي مِصْرٍ أَوْ فِي قَرْيَةٍ لَمْ يُقْهَرْ أَهْلُهَا كُلُّهُمْ فَأَمَرَ رَجُلاً بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ وَالْمَأْمُورُ مَقْهُورٌ فَعَلَى الْمَأْمُورِ الْقَوَدُ فِي هَذَا دُونَ الْآمِرِ وَعَلَى الْآمِرِ الْعُقُوبَةُ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ بِجَمَاعَةٍ يَمْنَعُونَهُ مِنْهُ أَوْ بِنَفْسِهِ أَوْ أَنْ يَهْرُبَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي هَذَا دُونَ الْآمِرِ وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ بِحَالٍ فَعَلَيْهِمَا الْقَوَدُ مَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَمَرَ عَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ صَبِيَّ غَيْرِهِ بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ يُمَيِّزَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ وَأَبِيهِ وَيَرَيَانِ لِسَيِّدِهِ وَأَبِيهِ طَاعَةً وَلاَ يَرَيَانِهَا لِهَذَا عُوقِبَ الْآمِرُ وَكَانَ الصَّغِيرُ وَالْعَبْدُ قَاتِلَيْنِ دُونَ الْآمِرِ وَإِنْ كَانَا لاَ يُمَيِّزَانِ ذَلِكَ فَالْقَاتِلُ الْآمِرُ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَمَرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ الْأَعْجَمِيَّ أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ; لِأَنِّي لاَ أَجْعَلُ جِنَايَتَهُمَا بِأَمْرِهِ كَجِنَايَتِهِ وَلَوْ أَمَرَهُمَا أَنْ يَفْعَلاَ بِأَنْفُسِهِمَا فِعْلاً لاَ يَعْقِلاَنِهِ فَفَعَلاَهُ فَقَتَلَهُمَا ذَلِكَ الْفِعْلُ ضَمِنَهُمَا مَعًا كَمَا يَضْمَنُهُمَا لَوْ فَعَلَهُ بِهِمَا فَقَتَلَهُمَا كَأَنْ أَمَرَهُمَا أَنْ يَقْطَعَا عِرْقًا أَوْ يُفَجِّرَا قُرْحَةً عَلَى مَقْتَلٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ وَلَوْ أَمَرَهُمَا أَنْ يَذْبَحَا أَنْفُسَهُمَا فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ لَمْ يَعْقِلْ وَالْعَبْدُ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ فَفَعَلاَ ضَمِنَهُمَا كَمَا يَضْمَنُهُمَا لَوْ ذَبَحَهُمَا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَعْقِلُ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتُلُهُ فَفَعَلَ فَمَاتَ فَهُوَ مُسِيءٌ آثِمٌ وَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ وَلاَ يَكُونُ كَالْقَاتِلِ. وَإِذَا أَمَرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ الْبَالِغَ أَوْ عَبْدَهُ الَّذِي يَعْقِلُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً فَقَتَلَهُ عُوقِبَ السَّيِّدُ الْآمِرُ وَعَلَى الْعَبْدِ وَالِابْنِ الْقَاتِلَيْنِ الْقَوَدُ دُونَهُ. وَإِذَا أَمَرَ سَيِّدُ الْعَشِيرَةِ رَجُلاً مِنْ الْعَشِيرَةِ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً وَلَيْسَ بِبَلَدٍ لَهُ فِيهَا سُلْطَانٌ فَالْقَتْلُ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ الْآمِرِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اسْتَكْرَهَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَسَقَاهُ سُمًّا وَوَصَفَ السَّاقِي السُّمَّ سُئِلَ السَّاقِي فَإِنْ قَالَ سَقَيْته إيَّاهُ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَأَنَّهُ قَلَّ مَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يَضُرَّهُ ضَرَرًا شَدِيدًا وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْقَتْلَ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَقْتُلُ فَمَاتَ الْمَسْقِيُّ فَعَلَى السَّاقِي الْقَوَدُ يُسْقَى مِثْلَ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَيْتَةِ فَذَلِكَ وَإِلَّا ضَرَبْت عُنُقَهُ فَإِنْ قَالَ سَقَيْتُهُ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ وَقَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ قَلِيلاً قِيلَ: لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ إنْ كَانَتْ لَكُمْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ السُّمِّ إذَا سُقِيَ فَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَقْتُلُ أُقِيدَ مِنْهُ وَإِنْ جَهِلُوا ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاقِي مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى السَّاقِي الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَدِيَتُهُ دِيَةُ خَطَأِ الْعَمْدِ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يَقْتُلُ وَقَدْ يَقْتُلُ مِثْلُهُ وَسَوَاءٌ عَلِمَ السُّمَّ السَّاقِي فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ كُلَّمَا يَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ عَنْهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ مِمَّنْ يَعْلَمُهُ عَلَى رُؤْيَتِهِ, وَإِنْ كَانَا رَأَيَاهُ يَسْقِيهِ السُّمَّ بِدَوَاءٍ مَعَهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ فَإِنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ وَيَتْرُكُ الْقَوَدَ وَيَضْمَنُ الدِّيَةَ إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يُعَاشُ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ إنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَسْقِيِّ لِضَعْفِ بَدَنِهِ أَوْ خَلْقِهِ أَوْ سَقَمِهِ لاَ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِ هَذَا السُّمِّ وَالْأَغْلَبُ أَنَّ الْقَوِيَّ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِ لَمْ يُقَدْ فِي الْقَوِيِّ الَّذِي الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِ وَأُقِيدَ فِي الضَّعِيفِ الَّذِي الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِ كَمَا لَوْ ضَرَبَ رَجُلاً نِضْوَ الْخَلْقِ أَوْ سَقِيمًا أَوْ ضَعِيفًا ضَرْبًا لَيْسَ بِالْكَثِيرِ بِالسَّوْطِ أَوْ عَصًا خَفِيفَةٍ فَقِيلَ: إنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ هَذَا لاَ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِ هَذَا أُقِيدَ مِنْهُ وَلَوْ ضَرَبَ مِثْلَهُنَّ رَجُلاً الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِنَّ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ.
|