الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رضي الله تعالى عنه قَالَ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ بِخَمْسَةٍ وَثَلاَثِينَ أَلْفًا وَوَضَعَ عَنْهُ خَمْسَةَ آلاَفٍ أَحْسَبُهُ قَالَ: مِنْ آخِرِ نُجُومِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عِنْدِي مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فَيُجْبَرُ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَنْهُ مِمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ الْكِتَابَةَ شَيْئًا وَإِذَا وَضَعَ عَنْهُ شَيْئًا مَا كَانَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ, فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ جُبِرَ وَرَثَتُهُ عَلَى ذَلِكَ, فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا وَضَعَ عَنْهُ الْحَاكِمُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّيْءِ مِنْ كِتَابَتِهِ وَمَا زَادَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ أَوْ وَرَثَتُهُ إذَا كَانَتْ أُمُورُهُمْ جَائِزَةً فَهُمْ مُتَطَوِّعُونَ بِهِ, فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ جَبَرْت سَيِّدَ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَنْهُ وَلَمْ تُجْبِرْهُ عَلَى أَنْ يُكَاتِبَهُ؟ قِيلَ: لِبَيَانِ اخْتِلاَفِهِمَا, فَإِنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَمَا أَعْطَاهُ لَهُ دُونَ مَا كَانَ مُكَاتِبًا وَهُوَ إذَا كَانَ رَقِيقًا لاَ يُمْنَعُ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ رِقِّهِ, وَمَا مَلَكَ الْعَبْدُ فَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ لِسَيِّدِهِ وَمَا مَلَكَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ مَلَكَهُ الْعَبْدُ دُونَهُ (قَالَ): وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْكِتَابَةَ كُلَّهَا فَعَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْئًا, فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى وَرَثَتِهِ, وَإِنْ كَانَ وَارِثُهُ مُولِيًا, أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ أَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ, أَوْ وَصِيَّةٌ جَعَلَ لِلْمُكَاتَبِ أَدْنَى الْأَشْيَاءِ يُحَاصِصُهُم بِهِ. وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ, ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ وَأَوْصَى إلَى أَحَدٍ دَفَعَهُ إلَى الْمُكَاتَبِ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَنْ رَضِيَهُ لَهُ وَيُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ أَقَلَّ الْأَشْيَاءِ, وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَسَيِّدُهُ وَقَدْ أَدَّى فَعَلَى الْوَرَثَةِ مِنْ هَذَا مَا كَانَ عَلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يُؤَدُّوهُ مِنْ مَالِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ, فَإِنْ كَانَ عَلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُحَاصُّوا أَهْلَ الدَّيْنِ إلَّا بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ. وَإِنْ كَانُوا مُتَطَوِّعِينَ بِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَمْ يُحَاصَّ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ مَالِ أَبِيهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُ إلَّا أَقَلُّ الْأَشْيَاءِ, فَإِذًا أَخْرَجُوا الْأَقَلَّ لَمْ يَضْمَنُوا; لِأَنَّهُ لاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ فَأَعْطَى وَارِثُهُ الْمُكَاتَبَ أَكْثَرَ مِنْ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّيْءِ كَانَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ رَدُّهُ, وَكَذَلِكَ يَكُونُ لِأَهْلِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ; لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّيْءِ مِنْ مَالٍ لَيْسَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ, وَهَكَذَا سَيِّدُهُ لَوْ فَلَّسَ, فَأَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ سَيِّدُهُ شَيْئًا وَلَمْ يُفَلِّسْ أَوْ وَضَعَهُ عَنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ لَهُ وَالشَّيْءُ كُلُّ مَالِهِ ثَمَنٌ وَإِنْ قَلَّ ثَمَنُهُ فَكَانَ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَنَانِيرَ فَأَعْطَاهُ حَبَّةَ ذَهَبٍ, أَوْ أَقَلَّ مِمَّا لَهُ ثَمَنٌ جَازَ, وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فَكَذَلِكَ, وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ وَرِقًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقًا مِنْ شَيْءٍ كَاتَبَهُ عَلَيْهِ لَمْ يُجْبَرْ الْعَبْدُ عَلَى قَبُولِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَيُعْطِيَهُ مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ لِأَنَّ. قَوْلَهُ: {مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} يُشْبِهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - آتَاكُمْ مِنْهُ, فَإِذَا أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلاَ تَرَى أَنِّي لاَ أُجْبِرُ أَحَدًا لَهُ حَقٌّ فِي شَيْءٍ أَنْ يُعْطَاهُ مِنْ غَيْرِهِ؟ مَنْ تَجُوزُ كِتَابَتُهُ مِنْ الْمَالِكِينَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - بِالْفِعْلِ فِي الْمَمَالِيكِ مَنْ كَانَ مِلْكُهُ ثَابِتًا فِي الْمَمَالِيكِ وَكَانَ غَيْرَ مَحْجُورٍ, فَلَيْسَ يَكُونُ هَكَذَا إلَّا حُرٌّ بَالِغٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ وَإِذَا كَاتَبَ الْحُرُّ الْمَحْجُورُ عَبْدَهُ, ثُمَّ أُطْلِقَ عَنْهُ الْحَجَرَ فَإِنَّ كِتَابَتَهُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَدَّدَهَا بَعْدَ إطْلاَقِ الْحَجْرِ, وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ فِي الرُّشْدِ وَالْحَجْرِ كَالْحُرِّ لاَ يَخْتَلِفَانِ, وَلَوْ كَاتَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْطَلِقَ عَنْهُ الْحَجْرُ, ثُمَّ أُطْلِقَ عَنْهُ الْحَجْرُ, ثُمَّ تأداه الْكِتَابَةَ كُلَّهَا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَدَّدَ الْكِتَابَةَ بَعْدَ إطْلاَقِ الْحَجْرِ, أَوْ قَالَ بَعْدَ إطْلاَقِ الْحَجْرِ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِهَذَا الْقَوْلِ لاَ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا, كَمَا لَوْ قَالَ هَذَا - لِعَبْدٍ لَهُ - إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ, فَدَخَلَهَا بَعْدَ إطْلاَقِ الْحَجْرِ عَنْ السَّيِّدِ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يُجَدِّدَ يَمِينًا, أَوْ عِتْقًا بَعْدَ إطْلاَقِ الْحَجْرِ وَلَوْ ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ كَاتَبَهُ فَقَالَ: كَاتَبْتُك وَأَنَا مَحْجُورٌ, وَقَالَ الْعَبْدُ: كَاتَبَتْنِي وَأَنْتَ غَيْرُ مَحْجُورٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ وَعَلَى السَّيِّدِ الْبَيِّنَةُ, وَإِذَا كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ, ثُمَّ حُجِرَ عَلَى السَّيِّدِ, أَوْ عَبْدِهِ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى السَّيِّدِ ثَابِتَةً وَيَسْتَأْدِي وَلِيُّهُ الْكِتَابَةَ, وَإِذَا أَدَّى الْعَبْدُ فَهُوَ حُرٌّ (قَالَ): وَلَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَبْدَهُ وَهُوَ مُبَرْسَمٌ, أَوْ بِهِ أَلَمٌ, أَوْ عَارِضٌ غَالِبٌ عَلَى عَقْلِهِ, أَوْ مُزِيلٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ حِينَ كَاتَبَهُ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ فَإِنْ أَفَاقَ فَأَثْبَتَهُ عَلَيْهَا فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ حَتَّى يُجَدِّدَهَا لَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَوْ أَعْتَقَهُ فِيهِ جَازَ عِتْقُهُ, أَوْ بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ, وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ, ثُمَّ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ فَالْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى عَقْدِهَا فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا أُثْبِتُهُ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ لَمْ أُثْبِتْهُ بِحَالٍ يَأْتِي بَعْدَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا كَاتَبَ الصَّبِيُّ عَبْدَهُ لَمْ تَجُزْ كِتَابَتُهُ بِإِذْنِ أَبِيهِ كَانَتْ الْكِتَابَةُ, أَوْ قَاضٍ, أَوْ وَلِيِّهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ; لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِمَّنْ لاَ يَجُوزُ عِتْقُهُ, وَإِذَا كَاتَبَ الصَّبِيُّ عَبْدَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ, ثُمَّ بَلَغَ فَأَثْبَتَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله تعالى عنه: وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ, ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا, وَإِذَا كَاتَبَهُ, ثُمَّ أَفْلَسَ فَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا, وَلَوْ كَاتَبَتْ أُمُّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرٌ مَمْلُوكًا لَهُمَا لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ وَلَوْ أَخَذَا جَمِيعَهَا لَمْ يَعْتِقْ; لِأَنَّهُمَا مِمَّا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلاَ عِتْقُهُ, وَإِذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ لَمْ تَجُزْ كِتَابَتُهُ وَلَوْ أَخَذَ الْكِتَابَةَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لاَ يَجُوزُ عِتْقُهُ وَلاَ يَثْبُتُ لَهُ وَلاَءٌ كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا مِنْهُ لِنَفْسِهِ, أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ عَاجِلاً فِي أَوَّلِ كِتَابَتِهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ مِرَارًا; لِأَنَّ كَسْبَ عَبْدِهِ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَبْدُهُ مِنْهُ بِعِتْقٍ وَلاَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ مَالَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَلَيْسَ لِأَبٍ الصَّبِيِّ وَلاَ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَصِيًّا كَانَ, أَوْ مَوْلًى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ بِحَالٍ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لاَ نَظَرَ فِيهَا لِلصَّغِيرِ وَلاَ لِلْكَبِيرِ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمُكَاتَبَ إذَا كَانَ ذَا مَالٍ, أَوْ أَمَانَةٍ وَاكْتِسَابٍ كَانَتْ رَقَبَتُهُ وَمَالُهُ وَاكْتِسَابُهُ لِلصَّبِيِّ وَالْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذِي أَمَانَةٍ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ أَنْ يَمْنَعَ بَيْعَهُ وَإِجَارَتَهُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَيُكَاتِبُ عَلَى نُجُومِ تَمْنَعُ فِي مُدَّتِهَا لَهَا مِنْ مَنْفَعَتِهِ, ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ لاَ يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ, وَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ يَنْصَحُ وَيَكْتَسِبُ إذَا كُوتِبَ نَصِيحَةً لاَ يَنْصَحُهَا عَبْدًا, قِيلَ: فَإِنْ كَانَتْ نَصِيحَتُهُ بِمَالٍ يُؤَدِّيه عِنْدَهُ فأتطلبه فَهُوَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَوْلَى عَلَيْهِ وَلاَ يَمْنَعُ رَقَبَةَ الْعَبْدِ وَلاَ مَنْفَعَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ نَصِيحَتُهُ اكْتِسَابًا فَأَجْرُهُ فَإِنْ خَبُثَ أَدَّبَهُ, فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ يُخَالِفُ أَنْ يَأْبَقَ إنْ لَمْ يُكَاتَبْ, قِيلَ: وَلاَ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ إذَا كُوتِبَ أَنْ يُقِيمَ حَتَّى إذَا تَقَارَبَ حُلُولُ نَجْمِهِ أَبَقَ, فَلَيْسَتْ الْكِتَابَةُ نَظَرًا بِحَالٍ, وَإِنَّمَا أَجَزْنَاهَا عَلَى مَنْ يَلِي مَالَهُ; لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ جَازَ, فَإِنْ كَاتَبَ أَبُو الصَّبِيِّ, أَوْ وَلِيُّ الْيَتِيمِ, أَوْ الْمَوْلَى فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ, وَإِنْ أَدَّى الْعَبْدُ, أَوْ أَعْتَقَهُ فَالْعَبْدُ رَقِيقٌ بِحَالٍ, وَمَا يُؤَدِّي مِنْهُ حَلاَلٌ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ رَجَعَ الْوَالِي عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرِّقَابِ, وَإِذَا بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَاسْتَوْفَى قِيمَتَهُ, أَوْ ازْدَادَ, أَوْ بَاعَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي نَظَرِ الْمَوْلَى لِعِتْقٍ, أَوْ غَيْرِهِ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِهِ بِالْعَبْدِ لِلْمَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى يَمْلِكُهُ; لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ وَمَالِهِ وَكَسْبِهِ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ وَاحِدٌ وَهَكَذَا لَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَبًا كَانَ, أَوْ غَيْرَهُ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ يُعْطِيهِ إيَّاهُ الْعَبْدُ إنْ أَعْطَاهُ وَقَبَضَ الْمَالَ مِنْ الْعَبْدِ, أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ فَالْمَالُ لِلْمَوْلَى وَالْعِتْقُ بَاطِلٌ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَوْلَى أَيًّا كَانَ أَوْ غَيْرُهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ أَحَدٍ بِدَيْنٍ فَإِنْ بَاعَهُ بِدَيْنٍ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ كَانَ الْعِتْقُ مَرْدُودًا وَفِي عِتْقِ الْأَبِ وَالْوَلِيِّ عَبْدَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَلَى مَالٍ, أَوْ مُكَاتَبَتِهِ مَعْنًى بِأَنْ لاَ يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ إلَّا لِلْمُعْتِقِ وَالْمَوْلَى غَيْرَ مُعْتَقٍ وَالْمُعْتِقُ غَيْرُ مَالِكٍ وَلاَ يَجُوزُ الْعِتْقُ لِغَيْرِ مَالِكٍ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى بَالِغًا فَأَذِنَ بِذَلِكَ لِوَلِيِّهِ لَمْ يَجُزْ; لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّغِيرِ فِي أَنْ لاَ يَجُوزَ أَمْرُهُ فِي مَالِهِ حَتَّى يَجْمَعَ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بَالِغٍ أَوْ صَبِيٍّ وَبَيْنَ رَجُلٍ يَلِي نَفْسَهُ لَمْ تَجُزْ كِتَابَتُهُ أَذِنَ فِيهَا الْمَحْجُورُ وَوَلِيُّهُ أَمْ لَمْ يَأْذَنَا وَإِذَا أَدَّى عَتَقَ نَصِيبُ غَيْرِ الْمَحْجُورِ وَيُرَاجَعُ هُوَ وَالْعَبْدُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَعَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَضُمِنَ لِلْمَحْجُورِ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَمْلُوكًا وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى الْمَحْجُورِ بِشَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهُ; لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ عَبْدِهِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ عَبْدًا لَهُ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ وَلاَ عَبْدًا لَهُ غَيْرَ بَالِغٍ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعْقُولاً عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ إنَّمَا خَاطَبَ بِالْفَرَائِضِ الْبَالِغِينَ غَيْرَ الْمَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ, فَالْكِتَابَةُ إذَا كَانَتْ فَرِيضَةً لِلْعَبْدِ لاَزِمَةً عَلَى سَيِّدِهِ وَلِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ فِيهَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَالْوَفَاءُ وَلَيْسَ الصَّغِيرُ وَلاَ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ فَرْضٌ بِقَوْلِهِ كَمَا لاَ يُحَدُّ بِقَوْلِهِ وَلاَ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي شَيْءٍ لِلَّهِ وَلاَ لِلنَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ أَبُو الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ. عَنْهُمَا وَلاَ أُمِّهِمَا إنْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ وَكَاتَبَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَيْهِمَا دُونَ أَنْفُسِهِمَا; لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ بِشَيْءٍ خَلاَ الْكِتَابَةِ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا الَّتِي هِيَ سَبَبُ فِكَاكِ رِقِّهِ فَأَمَّا أَنْ يَحْمِلَ عَنْ غَيْرِهِ فَلاَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَبَوَاهُمَا حُرَّيْنِ فَكَاتَبَا عَنْهُمَا عَلَى نُجُومٍ وَضَمِنَهَا الْأَبَوَانِ فَشَرَطَ السَّيِّدُ أَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ حَتَّى يُؤَدِّيَا إلَيْهِ هَذَا الْمَالَ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ وَإِنْ أَدَّيَا إلَيْهِ عَنْهُمَا عَتَقَا كَمَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَيَأْخُذُ السَّيِّدُ قِيمَةَ الْمُعْتَقِ مِنْهُمَا وَيَتَرَاجَعُونَ كَمَا وَصَفْت فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ فِي الْيَمِينِ وَلَيْسَ لِأَبَوَيْهِمَا إذَا أَعْتَقَا أَنْ يَرْجِعَا عَلَى السَّيِّدِ بِمَا أَعْطَيَاهُ عَلَى عِتْقِهِمَا كَمَا لَيْسَ لَهُمَا لَوْ قَالاَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى مِائَةِ فَأَعْتَقَهُ أَنْ يَرْجِعَا كَمَا لَوْ أَعْطَيَاهُ مِائَةً, أَوْ ضَمِنَاهَا لَهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا وَلَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا فِي الضَّمَانِ لَهُ مَا لَمْ يَعْتِقْهُ وَكَذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ يَرْجِعَانِ مَا لَمْ يَعْتِقَا (قَالَ): وَإِذَا أَرَادَ أَبَوَاهُمَا أَنْ يَجُوزَ هَذَا اشْتَرَيَاهُمَا بِنَقْدٍ, أَوْ دَيْنٍ إلَى أَجَلٍ, أَوْ حَالٍّ فَإِذَا فَعَلاَ لَزِمَهُمَا الْمَالُ وَكَانَ الِابْنَانِ حُرَّيْنِ بِمُلْكِ الْأَبَوَيْنِ لَهُمَا وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا أَنَّ الْأَجْنَبِيَّيْنِ إذَا اشْتَرَوْهُمَا لَمْ يَعْتِقَا حَتَّى يُحْدِثُوا لَهُمَا عِتْقًا, وَلَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ وَابْنٌ لَهُ صَغِيرٌ كَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةً وَكَذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَابْنٌ لَهُ مَعْتُوهٌ, أَوْ بَالِغٌ غَيْرُ مَعْتُوهٍ غَائِبٌ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا وَلَدَ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَمَةٍ لَهُ لَمْ يَجُزْ هَذَا, وَإِذَا كَاتَبَ الْعَبْدُ بَالِغًا صَحِيحًا, ثُمَّ غَلَبَ الْعَبْدُ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُعْجِزَهُ حَتَّى يَحِلَّ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِهِ فَإِذَا حَلَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْجِيزُهُ; لِأَنَّهُ لاَ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ بِحَالٍ حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ وَلاَ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَجِّزَهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ مَالِهِ فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالاً يُؤَدِّي إلَى سَيِّدِهِ مِنْهُ الْكِتَابَةَ أَدَّاهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ فَضْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَا يُؤَدِّي عَنْهُ الْكِتَابَةَ, أَوْ النَّجْمَ الَّذِي حَلَّ عَلَيْهِ مِنْهَا عَجَّزَهُ فَإِنْ عَجَّزَهُ, ثُمَّ أَفَاقَ فَدَلَّ عَلَى مَالٍ لَهُ, أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ قَبْلَ إفَاقَتِهِ أُبْطِلَ التَّعْجِيزَ عَنْهُ وَجَعَلَهُ مُكَاتَبًا بِحَالِهِ إذَا كَانَ الْمَالُ لَهُ قَبْلَ التَّعْجِيزِ وَادَّعَى ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ كَانَ مَالاً أَفَادَهُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ جَعَلَهُ لِسَيِّدِهِ وَلَمْ يُرَدَّ التَّعْجِيزُ وَلَوْ وَجَدَ الْحَاكِمُ لَهُ فِي ذَهَابِ عَقْلِهِ مَا يُؤَدِّي عَنْهُ كِتَابَتَهُ فَأَدَّاهُ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالاً وَلَمْ يَجِدْ لَهُ نَفَقَةً وَلاَ أَحَدًا يَتَطَوَّعُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ عَجَّزَهُ وَأَلْزَمَ السَّيِّدَ نَفَقَتَهُ وَلاَ يَلْزَمُ السَّيِّدَ نَفَقَتُهُ بِحَالٍ حَتَّى يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْعَجْزِ فَإِذَا وَجَدَ لَهُ مَالاً كَانَ قَبْلَ التَّعْجِيزِ فُكَّ التَّعْجِيزُ عَنْهُ وَيَرُدُّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ مَعَ كِتَابَتِهِ (قَالَ): وَيُبَيِّنُ مَا وَصَفْت فِي كِتَابِ تَعْجِيزِهِ إيَّاهُ, وَلَوْ غُلِبَ الْمُكَاتَبُ عَلَى عَقْلِهِ وَأَدَّى عَنْهُ السُّلْطَانُ كَانَ عَلَى الْكِتَابَةِ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي عَنْهُ مِنْ حَقِّهِ, فَإِذَا أَدَّى عَنْهُ رَجُلٌ مُتَطَوِّعًا فَعَلَى الْحَاكِمِ قَبُولُ ذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ حَتَّى يَصِيرَ مَالاً لَهُ ثُمَّ يُعْطِيه سَيِّدَهُ وَلَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ قَبُولٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُتَطَوِّعُ عَنْهُ قَدْ مَلَّكْته إيَّاهُ فَيَلْزَمُ السَّيِّدَ قَبُولُهُ عَنْ الْمُكَاتَبِ; لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لاَ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ, فَإِنْ أَبَى السَّيِّدُ أَنْ يَقْبَلَهُ عَنْهُ وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي فَعَجَّزَهُ, ثُمَّ عَلِمَهُ رَدَّ تَعْجِيزَهُ وَأَخَذَ بِمَا تُطُوِّعَ بِهِ عَلَيْهِ إنْ أَعْطَاهُ الْمُتَطَوِّعُ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ): قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: إذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ عَلَى مَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ عَلَيْهِ فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا أَنَفَذْنَاهَا. فَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ, ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُعَجِّزَهُ فَإِنْ شَاءَ الْعَجْزَ بِعْنَاهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَمَتُهُ يُكَاتِبُهَا, ثُمَّ تُسْلِمُ إنْ شَاءَتْ الْعَجْزَ بِعْنَاهَا وَإِنْ لَمْ تَشَأْهُ أَثْبَتْنَا الْكِتَابَةَ. وَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ نَصْرَانِيٌّ بِحَالِهِ فَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا, وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَا جَمِيعًا. وَلَوْ كَاتَبَ نَصْرَانِيٌّ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا عَلَى خَمْرٍ, أَوْ خِنْزِيرٍ, أَوْ شَيْءٍ لَهُ ثَمَنٌ عِنْدَهُمْ مُحَرَّمٌ عِنْدَنَا فَجَاءَنَا السَّيِّدُ يُرِيدُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ وَالْعَبْدُ يُرِيدُ إثْبَاتَهَا أَوْ الْعَبْدُ يُرِيدُ إبْطَالَهَا وَالسَّيِّدُ يُرِيدُ إثْبَاتَهَا. أَبْطَلْنَاهَا; لِأَنَّهُمَا جَاءَانَا (قَالَ): وَنُبْطِلُهَا مَا لَمْ يُؤَدِّ الْمُكَاتَبُ الْخَمْرَ, أَوْ الْخِنْزِيرَ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ, فَإِذَا أَدَّى الْخَمْرَ, أَوْ الْخِنْزِيرَ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ, ثُمَّ تَرَافَعَا إلَيْنَا, أَوْ جَاءَنَا أَحَدُهُمَا فَقَدْ عَتَقَ وَلاَ يُزَادُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَضَى فِي النَّصْرَانِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ خَمْرٍ بِيعَ عِنْدَهُمْ, وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ بِخَمْرٍ فَأَدَّاهَا إلَّا قَلِيلاً, ثُمَّ أَسْلَمَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ بِحَالِهِ فَجَاءَانَا أَبْطَلْنَا الْمُكَاتَبَةَ كَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ خَمْرًا وَهُوَ مُسْلِمٌ, وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ, ثُمَّ جَاءَنَا السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ أَبْطَلْنَا الْمُكَاتَبَةَ, كَأَنَّهُ لَيْسَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ خَمْرًا, وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمْنَا جَمِيعًا, وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُسْلَمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَجَاءَنَا أَحَدُهُمَا أَبْطَلْنَا الْمُكَاتَبَةَ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقْتَضِيَ خَمْرًا (قَالَ): وَلَوْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ, أَوْ أَحَدُهُمَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الْعَبْدِ رِطْلُ خَمْرٍ فَقَبَضَ السَّيِّدُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ عَتَقَ الْعَبْدُ بِقَبْضِهِ آخِرَ كِتَابَتِهِ وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الْعَبْدِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ قَبَضَهَا وَلَيْسَ لَهُ مِلْكُهَا إنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمُ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمَ فَلَيْسَ لَهُ قَبْضُهَا مِنْهُ وَلاَ لِمُسْلِمٍ تَأْدِيَتُهَا إلَيْهِ. وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا ابْتَاعَ عَبْدًا مُسْلِمًا, أَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ نَصْرَانِيٌّ فَأَسْلَمَ, ثُمَّ كَاتَبَهُ بَعْدَ إسْلاَمِ الْعَبْدِ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ, أَوْ شَيْءٍ تَحِلُّ كِتَابَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ أَوْ لاَ تَحِلُّ فَفِيهَا قَوْلاَنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكِتَابَةَ بَاطِلٌ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ تَامٍّ, وَمَتَى تَرَافَعُوا إلَيْنَا رَدَدْنَاهَا وَمَا أَخَذَ النَّصْرَانِيُّ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ; لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعُوا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَتَرَاجَعَا بِفَضْلِ قِيمَةِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ مَا قَبَضَ مِنْهُ النَّصْرَانِيُّ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِالْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ مَا أَدَّى إلَيْهِ الْعَبْدُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ رَجَعَ عَلَى النَّصْرَانِيِّ بِالْفَضْلِ عَنْ قِيمَتِهِ وَلَوْ كَاتَبَهُ بِخَمْرٍ, أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ شَيْءٍ لاَ ثَمَنَ لَهُ فِي الْإِسْلاَمِ بَعْدَمَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً فَإِنْ أَدَّاهَا الْعَبْدُ عَتَقَ بِهَا وَرَجَعَ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيُّ بِقِيمَةٍ تَامَّةٍ لِأَنَّهُ لاَ ثَمَنَ لِلْخَمْرِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ, وَلَوْ كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِلنَّصْرَانِيِّ جَارِيَةً كَانَتْ هَكَذَا فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ مَا لَمْ يَطَأْهَا فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَمْ تَحْمِلْ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ وَطِئَهَا فَحَمَلَتْ فَأَصْلُ كِتَابَتِهَا صَحِيحٌ وَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْعَجْزِ وَبَيْنَ أَنْ تَمْضِيَ عَلَى الْكِتَابَةِ, فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ مَا لَمْ تَعْجَزْ, وَإِنْ اخْتَارَتْ الْعَجْزَ أَوْ عَجَزَتْ جُبِرَ عَلَى بَيْعِهَا مَا لَمْ تَلِدْ, فَإِنْ وَلَدَتْ لَهُ فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ حُرٌّ بِإِسْلاَمِهَا لاَ سَبِيلَ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ مِنْ مَالِكِهَا وَإِنْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ فَمَاتَ النَّصْرَانِيُّ فَهِيَ حُرَّةٌ بِمَوْتِهِ وَيَبْطُلُ عَنْهَا مَا بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْكِتَابَةِ وَلَهَا مَالُهَا لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ; لِأَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ مَالِهَا بِالْكِتَابَةِ, ثُمَّ صَارَتْ حُرَّةً فَصَارُوا مَمْنُوعِينَ مِنْهُ بِحُرِّيَّتِهَا, وَإِنْ وَلَدَتْ وَعَجَزَتْ أَخَذَ بِنَفَقَتِهَا وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إصَابَتِهَا, فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَتَعْمَلُ لَهُ مَا تُطِيقُ وَلَهُ مَا اكْتَسَبَتْ وَجَنَى عَلَيْهَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ بِشَيْءٍ يَحِلُّ فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ, فَإِنْ عَجَزَ بِيعَ عَلَيْهِ, وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَارَ الْعَجْزَ بِيعَ عَلَيْهِ, وَإِذَا أَدَّى عَتَقَ وَكَانَ لِلنَّصْرَانِيِّ وَلاَؤُهُ; لِأَنَّهُ مَالِكٌ مُعْتِقٌ وَإِذَا كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً بِيعَ مَا لَمْ يُؤَدِّ فَيَعْتِقْ, فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ فَهُوَ حُرٌّ وَوَلاَؤُهُ لِلنَّصْرَانِيِّ وَيَتَرَاجَعَانِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ مَمْلُوكًا وَتَكُونُ لِلنَّصْرَانِيِّ عَلَيْهِ دَيْنًا. (قَالَ): وَجِنَايَةُ عَبْدِ النَّصْرَانِيِّ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ مُكَاتَبَتِهِ فِي الْحُكْمِ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا مِثْلُ جِنَايَةِ مُكَاتَبِ الْمُسْلِمِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَوَلَدِهِ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي الْحُكْمِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: وَإِذَا كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ, ثُمَّ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ أَثْبَتَ الْكِتَابَةَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ أَحْدَثَ لِعَبْدِهِ قَهْرًا عَلَى اسْتِعْبَادِهِ وَإِبْطَالِ الْكِتَابَةِ, فَإِذَا فَعَلَ. فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ وَلَوْ كَاتَبَ مُسْلِمٌ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ, أَوْ كَافِرٌ كَانَتْ الْكِتَابَةُ ثَابِتَةً كَهِيَ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَلَوْ أَحْدَثَ لَهُ الْمُسْلِمُ قَهْرًا بَطَلَ بِهِ الْكِتَابَةُ, أَوْ أَدَّى إلَى الْمُسْلِمِ فَأُعْتِقَ وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ, أَوْ كَافِرٌ, ثُمَّ قَهَرَهُ الْمُسْلِمُ فَسَبَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ حُرًّا; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَمَانٌ لَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ كَافِرًا وَعِتْقٌ تَامٌّ إنْ كَانَ مُسْلِمًا, أَوْ كَافِرًا, وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ كَافِرًا فَيَعْتِقُ بِكِتَابَةِ الْمُسْلِمِ, ثُمَّ سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا; لِأَنَّ لَهُ أَمَانًا مِنْ مُسْلِمٍ بِعِتْقِهِ إيَّاهُ وَلَوْ كَانَ أَعْتَقَهُ كَافِرٌ بِكِتَابَةٍ, أَوْ غَيْرِ كِتَابَةٍ فَسَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ كَانَ رَقِيقًا; لِأَنَّهُ لاَ أَمَانَ لَهُ مِنْ مُسْلِمٍ فَاَلَّذِي أَعْتَقَهُ نَفْسُهُ يُسْتَرَقُّ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَكَاتَبَ عَبْدَهُ عِنْدَنَا وَالْعَبْدُ كَافِرٌ فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إلَى بِلاَدِ الْحَرْبِ وَتَحَاكَمَا إلَيْنَا مَنَعْتُهُ مِنْ إخْرَاجِهِ وَوَكَّلَ مَنْ يَقْبِضُ نُجُومَهُ, فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ وَكَانَ وَلاَؤُهُ لِلْحَرْبِيِّ وَقِيلَ: لَهُ إنْ أَرَدْتُ الْمُقَامَ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ فَأَسْلِمْ, أَوْ أَدِّ الْجِزْيَةَ إنْ كُنْتَ مِمَّنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ, وَإِنَّمَا تَرَكْنَاك تُقِيمُ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ لِلْأَمَانِ لَك وَإِنَّك مَالٌ لاَ جِزْيَةَ عَلَيْك. وَلَوْ كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا لَهُ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ, أَوْ الْحَرْبِ, ثُمَّ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ, ثُمَّ لَحِقَ السَّيِّدُ بِدَارِ الْحَرْبِ, فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ فَالْمُكَاتَبُ بِحَالٍ يُؤَدِّي نُجُومَهُ, فَإِذَا قُبِضَتْ دُفِعَتْ إلَى وَرَثَةِ الْحَرْبِيِّ; لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ كَانَ لَهُ أَمَانٌ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ السَّيِّدُ وَلَمْ يُقْتَلْ وَلَكِنَّهُ سُبِيَ وَالْمُكَاتَبُ بِبِلاَدِ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ وَلَمْ تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ بِسَبْيِ السَّيِّدِ وَلَوْ سُبِيَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ وَكَانَ الْمُكَاتَبُ مُكَاتَبًا بِحَالِهِ, فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ نَظَرْت إلَى سَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ, فَإِنْ كَانَ قُتِلَ حِينَ سُبِيَ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ, أَوْ فُودِيَ بِهِ فَوَلاَؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ وَإِنْ كَانَ اُسْتُرِقَّ فَمَاتَ رَقِيقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَؤُهُ وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَكَانَ لاَ وَلاَءَ لَهُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ أَجْعَلَ الْوَلاَءَ لِرَقِيقٍ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لِأَحَدٍ بِسَبَبِهِ وَلَدٌ وَلاَ سَيِّدَ لَهُ وَلَوْ أَعْتَقَ سَيِّدٌ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ مَا اُسْتُرِقَّ كَانَ وَلاَؤُهُ لَهُ; لِأَنَّهُ قَدْ أَعْتَقَهُ وَصَارَ مِمَّنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلاَءٌ بِالْحُرِّيَّةِ, فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَجْعَلُ الْوَلاَءَ إذَا أَعْتَقَ سَيِّدُهُ لِسَيِّدٍ لَهُ وَقَدْ رَقَّ؟ قِيلَ بِابْتِدَاءِ كِتَابَتِهِ, كَمَا أَجْعَلُ وَلاَءَ الْمُكَاتَبِ يُكَاتِبُهُ الرَّجُلُ, ثُمَّ يَمُوتُ السَّيِّدُ فَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ بِسِنِينَ لِسَيِّدِهِ; لِأَنَّهُ عَقَدَ كِتَابَتَهُ وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ لَهُ, وَلَوْ لَمْ يَدَعْ الْمَيِّتُ شَيْئًا غَيْرَهُ وَالْمَيِّتُ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا, فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ لَمْ تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ حِينَ اُسْتُرِقَّ سَيِّدُهُ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ وَلاَ يُبْطِلُهَا حَادِثٌ كَانَ مِنْ سَيِّدِهِ كَمَا لاَ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَلاَ إفْلاَسِهِ وَلاَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ, فَإِذَا كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَرَجَعَ السَّيِّدُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ وَأَدَّى الْمُكَاتَبُ الْكِتَابَةَ وَالْحَرْبِيُّ رَقِيقٌ, أَوْ قَدْ مَاتَ رَقِيقًا, فَالْكِتَابَةُ لِجَمَاعَةِ أَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ; لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ لَهَا إذَا بَطَلَ أَنْ يَمْلِكَ سَيِّدٌ الْمُكَاتَبَ, وَإِذَا لَمْ يَجُزْ بِأَنْ صَارَ رَقِيقًا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أَنْ يَمْلِكَ مَالاً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكَهُ عَبْدُ سَيِّدِهِ لَهُ وَلاَ قَرَابَةٌ لَهُ وَلَوْ قُتِلَ السَّيِّدُ, أَوْ سُبِيَ فَمَنَّ عَلَيْهِ قَبْلَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ رِقٌّ, أَوْ فُودِيَ بِهِ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَرُدَّ مَالَهُ إلَى سَيِّدِهِ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ كَانَ, أَوْ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ فَإِنْ مَاتَ رُدَّ عَلَى وَرَثَتِهِ. وَإِنْ اُسْتُرِقَّ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ, ثُمَّ عَتَقَ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ إذًا مُكَاتَبَتُهُ, وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ يَدْفَعَ إلَيْهِ دَفَعَ إلَى وَرَثَتِهِ; لِأَنَّهُ كَانَ مَالاً مَوْقُوفًا لَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ مَالِكُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَالٌ كَانَ لَهُ أَمَانٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ نُبْطِلَ أَمَانَهُ وَلاَ مِلْكَهُ مَا كَانَ رَقِيقًا وَلاَ سَيِّدَ دُونَهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ هُوَ فَلَمَّا عَتَقَ كَانَتْ الْأَمَانَةُ مُؤَدَّاةً إلَيْهِ إذَا كَانَ مَالِكًا فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهَا إذَا كَانَ إذَا ضَرَبَ إلَيْهِ مَلَكَهَا غَيْرُهُ عَلَيْهِ كَمَا وَرَّثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَبَوَيْنِ, فَلَمَّا كَانَ الْأَبَوَانِ مَمْلُوكِينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوَرَّثَا; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَالَهُمَا مَالِكُهُمَا وَلَوْ عَتَقَ الْأَبَوَانِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَلَدِ وَرِثَا, فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ مَلَكَ بَعْضَ هَذَا الْمَالِ قَبْلَ عِتْقِ السَّيِّدِ, قِيلَ: كَانَ مَوْقُوفًا لَيْسَ لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ مِلْكُهُ كَمَا يُوقَفُ مَالُ الْمُرْتَدِّ لِيَمْلِكَهُ هُوَ, أَوْ غَيْرُهُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْإِسْلاَمِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا جَرَى عَلَيْهِ الرِّقُّ فَمَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ; لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا مَالَهُ بِأَنْ صَارَ غَيْرُهُ مَالِكًا لَهُ إذَا صَارَ رَقِيقًا. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ. السَّيِّدُ قَهْرًا يَسْتَرِقُّهُ بِهِ حَتَّى خَرَجَا إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَلَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَأَدَّى الْمُكَاتَبُ بِهَا وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ السَّيِّدُ قَهْرًا وَخَرَجَا إلَيْنَا كَانَ حُرًّا. وَلَوْ دَخَلَ إلَيْنَا حَرْبِيٌّ وَعَبْدُهُ بِأَمَانٍ فَكَاتَبَهُ, ثُمَّ خَرَجَ الْحَرْبِيُّ إلَى بِلاَدِ الْحَرْبِ, ثُمَّ خَرَجَ عَبْدُهُ وَرَاءَهُ أَوْ مَعَهُ فَأَحْدَثَ لَهُ قَهْرًا بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ, وَكَذَلِكَ لَوْ أَدَّى إلَيْهِ, ثُمَّ اسْتَعْبَدَهُ, ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ عَبْدًا لَهُ كَمَا يَحْدُثُ قَهْرُ الْحُرِّ بِبِلاَدٍ فَيَكُونُ لَهُ عَبْدًا. وَلَوْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ, ثُمَّ كَاتَبَ عَبْدَهُ, ثُمَّ خَرَجَ الْحَرْبِيُّ إلَى بِلاَدِ الْحَرْبِ, ثُمَّ أَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ فَسَبَوْا عَبْدًا لِحَرْبِيٍّ, ثُمَّ اسْتَنْقَذَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانَ عَلَى مِلْكِ الْحَرْبِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمَانٌ كَمَا لَوْ أَغَارُوا عَلَى نَصْرَانِيٍّ فَاسْتَعْبَدُوهُ ثُمَّ اسْتَنْقَذَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانَ حُرًّا; لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمَانٌ, وَكَذَلِكَ لَوْ أَغَارُوا عَلَى الْحَرْبِيِّ بِبِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَقَدْ دَخَلَ بِأَمَانٍ فَسَبَوْهُ فَاسْتَنْقَذَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانَ لَهُ أَمَانُهُ, وَلَوْ أَقَامَ مُكَاتَبُ الْحَرْبِيِّ فِي أَيْدِيهمْ حَتَّى يَمُرَّ بِهِ نَجْمٌ لاَ يُؤَدِّيه كَانَ لِلْحَرْبِيِّ إنْ كَانَ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ, أَوْ بِلاَدِ الْحَرْبِ أَنْ يُعَجِّزَهُ, فَإِنْ عَجَّزَهُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ, وَإِنْ لَمْ يُعَجِّزْهُ فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ, وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ كِتَابَتُهُ صَحِيحَةً, فَأَمَّا إذَا كَانَتْ كِتَابَتُهُ فَاسِدَةً بِشَرْطٍ فِيهَا أَوْ كَاتَبَهُ عَلَى حَرَامٍ مِثْلَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا, فَإِذَا صَارَ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَرَدَّهُ مَوْلاَهُ أَفْسَدُوا الْكِتَابَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَكَاتَبَ عَبْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ فَكِتَابَتُهُ جَائِزَةٌ, وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ فَأَمْرُهُ فِيهِ جَائِزٌ, كَمَا كَانَ قَبْلَ الرِّدَّةِ, فَإِذَا وَقَفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ حَتَّى يَمُوتَ, أَوْ يُقْتَلَ عَلَى الرِّدَّةِ فَيَصِيرَ مَالُهُ يَوْمئِذٍ فَيْئًا, أَوْ يَتُوبَ فَيَكُونَ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ تَجُزْ كِتَابَتُهُ, وَإِذَا كَاتَبَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ أَوْ كَاتَبَهُ قَبْلَ يَرْتَدَّ ثُمَّ ارْتَدَّ فَالْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ, قَالَ: وَلاَ أُجِيزُ كِتَابَةَ السَّيِّدِ الْمُرْتَدِّ وَلاَ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ عَنْ الْإِسْلاَمِ إلَّا عَلَى مَا أُجِيزُ كِتَابَةَ الْمُسْلِمِ وَلَيْسَ وَلاَءُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالنَّصْرَانِيِّينَ. وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ قَطُّ فَيُتْرَكُ عَلَى مَا اسْتَحَلَّ فِي دِينِهِ مَا لَمْ يَتَحَاكَمْ إلَيْنَا وَلَوْ تَأَدَّى السَّيِّدُ الْمُرْتَدُّ مِنْ مُكَاتَبِهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الْمُرْتَدِّ كِتَابَةً حَرَامًا عَتَقَ بِهَا وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ, وَكَذَلِكَ كُلُّ كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ تأداها مِنْهُ عَتَقَ بِهَا وَتَرَاجَعَا بِالْقِيمَةِ كَمَا وَصَفْت فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَلَوْ لَحِقَ السَّيِّدُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَتَأَدَّى مُكَاتَبَتَهُ فَمَتَى عَجَزَ, فَلِلْحَاكِمِ رَدُّهُ فِي الرِّقِّ. وَمَتَى أَدَّى عَتَقَ وَوَلاَؤُهُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ, وَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا; لِأَنَّهُ الْمَالِكُ الْعَاقِدُ لِلْكِتَابَةِ وَإِذَا عَجَّزَ الْحَاكِمُ الْمُكَاتَبَ فَجَاءَ سَيِّدَهُ تَائِبًا فَالتَّعْجِيزُ تَامٌّ عَلَى الْمُكَاتَبِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ أَنْ يُجَدِّدَا الْكِتَابَةَ. وَإِذَا وَقَفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ نَهَى مُكَاتَبَهُ عَنْ أَنْ يَدْفَعَ إلَى سَيِّدِهِ شَيْئًا مِنْ نُجُومِهِ, فَإِذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ لَمْ يُبْرِئْهُ مِنْهَا وَأَخَذَهُ بِهَا, وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَارْتَدَّ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ, أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ بِحَالِهَا لاَ تُبْطِلُهَا الرِّدَّةُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ ارْتَدَّ أَوَّلاً, ثُمَّ كَاتَبَهُ السَّيِّدُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ كَانَتْ الْكِتَابَةُ جَائِزَةً أَقَامَ الْعَبْدُ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ, أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ, فَمَتَى أَدَّى الْكِتَابَةَ فَهُوَ حُرٌّ وَوَلاَؤُهُ لِسَيِّدِهِ وَمَتَى حَلَّ نَجْمٌ مِنْهَا وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ وَلَمْ يُؤَدِّهِ فَلِسَيِّدِهِ تَعْجِيزُهُ, كَمَا يَكُونُ لَهُ فِي الْمُكَاتَبِ غَيْرُ الْمُرْتَدِّ, وَإِذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ, أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَلاَ يَكُونُ مَالُ الْمُكَاتَبِ فَيْئًا بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ; لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَتِمَّ عَلَيْهِ وَمَا مَلَكَ الْمُكَاتَبُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنْ يَعْتِقَ فَيَكُونَ لَهُ أَوْ يَمُوتَ فَيَكُونَ مِلْكًا لِسَيِّدِهِ وَسَوَاءٌ مَا اكْتَسَبَ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ, أَوْ بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ فَإِنْ مَاتَ, أَوْ قُتِلَ وَهُوَ مُكَاتَبٌ فَهُوَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ. الْمُسْلِمِ الَّذِي كَاتَبَهُ لاَ يَكُونُ فَيْئًا وَلاَ غَنِيمَةً وَلَوْ أُوجِفَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ, أَوْ رِكَابٍ; لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُكَاتَبُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بِشَيْءٍ فَوَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ, أَوْ لَمْ يَقَعْ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَمَالُهُ كُلُّهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أُسِرَ, ثُمَّ سُبِيَ كَانَ لِسَيِّدِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَهُوَ وَمَالُهُ غَنِيمَةٌ; لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ مِلْكُهُ عَلَى مَالِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ ظُفِرَ بِهِ وَهُوَ مُكَاتَبٌ, أَوْ حُرٌّ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ مُكَاتَبًا وَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ, وَإِنْ عَرَضَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى سَيِّدِهِ مَالَهُ مَكَانَهُ أُجْبِرَ سَيِّدُهُ عَلَى قَبْضِهِ وَعَتَقَ وَقُتِلَ وَكَانَ مَالُهُ فَيْئًا, وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ حَتَّى يُقْتَلَ فَمَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ إذَا كَانَ سَيِّدُهُ مُسْلِمًا. وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ الْمُرْتَدَّ وَالْمُكَاتَبُ الْمُسْلِمَ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَقُتِلَ السَّيِّدُ, أَوْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ فَالْمُكَاتَبُ وَمَالُهُ فَيْءٌ; لِأَنَّهُ مَالٌ لِلْمُرْتَدِّ وَإِذَا أَدَّى فَعَتَقَ فَمَا أَدَّى مِنْ الْكِتَابَةِ فَمَالُ الْمُرْتَدِّ يَكُونُ فَيْئًا, وَمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ فَمَالُ الْعَبْدِ الَّذِي عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ لاَ يَعْرِضُ لَهُ. وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ, ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَمَا قَبَضَ فِي رِدَّتِهِ مِنْ كِتَابَتِهِ قَبْلَ يُحْجَرَ عَلَيْهِ فَالْمُكَاتَبُ مِنْهُ بَرِيءٌ, وَمَا قَبَضَ بَعْد الْحَجْرِ مِنْهُ فَلِلْوَالِي أَخْذُهُ بِنُجُومِهِ وَلاَ يُبَرِّئُهُ مِنْهُ, فَإِنْ أَسْلَمَ الْمَوْلَى وَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ أَبْرَأَهُ الْوَالِي فَمَا قَبَضَ الْمَوْلَى مِنْهُ إنْ كَانَ قَبَضَ مِنْهُ فِي الرِّدَّةِ نَجْمًا, ثُمَّ سَأَلَهُ الْوَالِي ذَلِكَ النَّجْمَ فَلَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ فَعَجَّزَهُ وَأَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ أَلْغَى التَّعْجِيزَ عَنْ الْمُكَاتَبِ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا حَيْثُ دَفَعَ إلَى سَيِّدِهِ وَهُوَ يُخَالِفُ الْمَحْجُورَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ; لِأَنَّ وَقْفَ الْحَاكِمِ مَالَهُ إنَّمَا كَانَ تَوْفِيرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ إنْ مَلَكُوهُ عَنْهُ بِأَنْ يَمُوتَ قَبْلَ يَتُوبَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَتَابَ فِي وَقْفِهِ عَنْهُ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ وَيَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ وَتُعْطَى مِنْهُ جِنَايَتُهُ, وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ. وَإِذَا ارْتَدَّ الْعَبْدُ عَنْ الْإِسْلاَمِ وَكَاتَبَهُ سَيِّدُهُ جَازَتْ كِتَابَتُهُ, فَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَمَعَهُ عَبْدٌ آخَرُ فِي الْكِتَابَةِ أُخِذَتْ مِنْ الْآخَرِ حِصَّتُهُ وَعَتَقَ مِنْ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِهِ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ حِصَّةِ الْمُرْتَدِّ شَيْءٌ, وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْمُرْتَدَّةُ تُكَاتِبُ فَإِنْ وَلَدَتْ فِي الْكِتَابَةِ فَمَتَى عَجَزَتْ فَوَلَدُهَا رَقِيقٌ وَمَتَى عَتَقَتْ عَتَقُوا. وَإِذَا سُبِيَ مُكَاتَبٌ مُسْلِمٌ فَسَيِّدُهُ أَحَقُّ بِهِ وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ أَوْ لَمْ يَقَعْ, وَإِنْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ بِإِذْنِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا اشْتَرَاهُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ, وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. وَإِذَا كَاتَبَ الْعَبْدَ وَهُوَ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا وَتَرَكَ مَوْلاَهُ بِهَا مُشْرِكًا فَهُوَ حُرٌّ وَلاَ كِتَابَةَ عَلَيْهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ مُسْلِمًا وَهُوَ مُكَاتَبٌ فَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ مُسْلِمًا فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ فَلاَ يَعْتِقُ بِخُرُوجِهِ, وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ وَلَوْ خَرَجَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ لَمْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَؤُهُ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ كَاتَبَ مُسْلِمٌ عَبْدًا لَهُ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ قَبْلَ السَّيِّدِ, ثُمَّ ارْتَدَّ السَّيِّدُ, أَوْ ارْتَدَّ السَّيِّدُ, ثُمَّ ارْتَدَّ الْعَبْدُ, أَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ, وَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى السَّيِّدِ قَبْلَ أَنْ يُوقَفَ مَالُهُ عَتَقَ, وَسَوَاءٌ رَجَعَ الْمُكَاتَبُ إلَى الْإِسْلاَمِ, أَوْ لَمْ يَرْجِعْ إذَا أَدَّى إلَى السَّيِّدِ فِي أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدُ بِالْأَدَاءِ وَكُلِّ حَالٍ, وَكَذَلِكَ سَوَاءٌ رَجَعَ السَّيِّدُ إلَى الْإِسْلاَمِ, أَوْ لَمْ يَرْجِعْ فِي أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدُ بِالْأَدَاءِ وَلَوْ جَاءَ الْعَبْدُ إلَى الْحَاكِمِ فَقَالَ: هَذِهِ كِتَابَتِي فَاقْبِضْهَا, فَإِنْ سَيِّدِي قَدْ ارْتَدَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ بِقَبْضِهَا حَتَّى يَنْظُرَ, فَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا قَبَضَهَا وَأَعْتَقَهُ وَوَقَفَهَا, فَإِنْ رَجَعَ سَيِّدُهُ إلَى الْإِسْلاَمِ إلَيْهِ الْكِتَابَةُ, وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ, أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَيْئًا كَسَائِرِ مَالِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه: وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ لِرَجُلٍ فَكَاتَبَ الرَّجُلُ نِصْفَهُ فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ; لِأَنَّ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ نِصْفُ عَبْدٍ. وَنِصْفُهُ حُرٌّ فَكَاتَبَ الْعَبْدَ عَلَى كُلِّهِ كَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ وَكَانَ شَبِيهًا بِمَعْنَى لَوْ بَاعَهُ كُلَّهُ مِنْ رَجُلٍ; لِأَنَّهُ بَاعَهُ مَا يَمْلِكُ وَمَا لاَ يَمْلِكُ, فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْكِتَابَةَ عَلَى هَذِهِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ عَتَقَ وَتَرَاجَعَا فِي نِصْفِهِ كَمَا وَصَفْت فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَلَوْ كَانَ لَهُ نِصْفُهُ فَكَاتَبَهُ عَلَى ثُلُثَيْهِ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً; لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى مَا لاَ يَمْلِكُ مِنْهُ, فَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى مَا يَمْلِكُ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ حُرٌّ بِأَنْ عَتَقَ جَازَ نِصْفًا كَانَ أَوْ ثُلُثًا, أَوْ أَكْثَرَ, فَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِمَّا يَمْلِكُ مِنْهُ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ كَالرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الْعَبْدُ فَيُكَاتِبُ نِصْفُهُ (قَالَ): وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ نِصْفُ الْعَبْدِ وَلِرَجُلٍ نِصْفُهُ قَدْ دَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ إلَى أَجَلٍ, أَوْ أَخْدَمَهُ, أَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ شَيْئًا فَكَاتَبَهُ شَرِيكُهُ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي إذَا كَانَ الْعَبْدُ بِكَمَالِهِ لِرَجُلٍ فَكَاتَبَ نِصْفَهُ, أَوْ جُزْءًا مِنْهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِعِتْقِ بَتَاتٍ فَأَعْتَقَهُ كُلُّهُ عَلَيْهِ بِالسُّنَّةِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ أَجْعَلَهُ مُكَاتَبًا كُلَّهُ, وَإِنَّمَا أُكَاتِبُ نِصْفَهُ فَلَيْسَ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ بِحَالٍ فَأُنَفِّذُ الْكِتَابَةَ; لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا كُوتِبَ مَنَعَ سَيِّدَهُ مِنْ مَالِهِ وَخِدْمَتِهِ, وَإِذَا كَاتَبَ نِصْفَهُ لَمْ يَسْتَطِعْ مَنْعَهُ مِنْ مَالِهِ وَخِدْمَتِهِ وَنِصْفُهُ غَيْرُ مُكَاتَبٍ, وَإِذَا قَاسَمَهُ الْخِدْمَةَ لَمْ يَتِمَّ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ وَلَمْ يُبِنْ مَا اكْتَسَبَ فِي يَوْمِ سَيِّدِهِ الَّذِي يَخْدُمُهُ فِيهِ, وَفِي يَوْمِهِ الَّذِي يُتْرَكُ فِيهِ لِكَسْبِهِ, وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ; لِأَنَّهُ يَمْنَعُ سَيِّدَهُ يَوْمَهُ, فَلاَ يَكُونُ كَسْبُهُ تَامًّا فَلِذَلِكَ أُبْطِلَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا تَرَافَعَا إلَيْنَا قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ أَبْطَلْنَا الْكِتَابَةَ, وَإِذَا أَبْطَلْنَاهَا فَمَا أَدَّى مِنْهَا إلَى سَيِّدِهِ فَهُوَ مَالٌ, وَإِذَا لَمْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ كُلُّهُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ; لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْرَجَ مِنْهُ النِّصْفَ عَلَى الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ فَلاَ يَرْجِعُ بِأَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ; لِأَنَّ النِّصْفَ الثَّانِيَ عَتَقَ عَلَيْهِ بِإِيقَاعِهِ الْعِتْقَ عَلَى النِّصْفِ بِالْكِتَابَةِ فَكَانَ كَرَجُلٍ قَالَ لِعَبْدٍ لَهُ: نِصْفُك حُرٌّ إذَا أَعْطَيْتنِي مِائَةَ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ إيَّاهَا عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ; لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ وَإِذَا أَعْتَقَ مِنْهُ شَيْئًا عَتَقَ كُلُّهُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَمَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ يَتَأَدَّى مِنْهُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ, وَلَوْ تَأَدَّى مِنْهُ الْوَرَثَةُ لَمْ يَعْتِقْ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَالِكِهِ الَّذِي قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ, وَكَذَلِكَ كُلُّ كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ قَبْضِهَا فَقَبَضَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ بِهَا لِمَا وَصَفْت, وَمَا أَخَذُوا مِنْهُ فَهُوَ مَالٌ لَهُمَا وَهَذَا كَعَبْدٍ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَمْ يَدْخُلْهَا حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ, ثُمَّ دَخَلَهَا فَلاَ يَعْتِقُ; لِأَنَّهُ دَخَلَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ. وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ كِتَابَةً غَيْرَ جَائِزَةٍ, ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بَاطِلَةٌ, وَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ, أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ, أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ, وَكَذَلِكَ إذَا أَجَرَهُ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ, وَكَذَلِكَ إذَا جَنَى فَهُوَ كَعَبْدٍ لَمْ يُكَاتِبْ يُخَيَّرُ فِي أَنْ يَفْدِيَهُ مُتَطَوِّعًا, أَوْ يُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكَاتِبَهُ دُونَ صَاحِبِهِ أَذِنَ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ; لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَشَرْطُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ فِي النِّصْفِ الَّذِي كَاتَبَهُ عَلَى خَمْسِينَ إبِلاً يَعْتِقُ بِأَدَائِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ حَتَّى يَأْخُذَ شَرِيكُهُ مِثْلَهَا فَتَكُونَ كِتَابَتُهُ عَلَى خَمْسِينَ وَلاَ يَعْتِقُ إلَّا بِمِائَةٍ. وَإِذَا أَخَذَ الْخَمْسِينَ فَلِشَرِيكِهِ نِصْفُهَا وَلاَ يَعْتِقُ الْعَبْدُ بِخَمْسَةِ وَعِشْرِينَ, وَإِنَّمَا أُعْتِقَ بِخَمْسِينَ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَعْتِقَ بِأَدَاءِ خَمْسِينَ لَمْ تُسَلَّمْ لِسَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ (قَالَ): وَإِذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَهُوَ مِثْلُ أَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ إرَادَتَهُ أَنْ يُكَاتِبَ نِصْفَهُ لاَ تُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ نِصْفِهِ هُوَ, وَإِذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ نِصْفِهِ هُوَ فَلَيْسَ لِلَّذِي كَاتَبَهُ أَنْ يَتَأَدَّى مِنْهُ شَيْئًا إلَّا وَلَهُ نِصْفُهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ: تأداه مَا شِئْت. وَلاَ شَيْء لِي مِنْهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ مَالاً يَمْلِكُ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فَإِذَا كَسَبَهُ الْعَبْدُ فَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ حِينَئِذٍ بِعِلْمِ شَرِيكِهِ وَكَمْ هُوَ وَإِذْنُهُ جَازَ لَهُ, وَلَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ شَرِيكُهُ, فَأَمَّا قَبْلَ كَسْبِهِ أَوْ قَبْلَ عِلْمِ الشَّرِيكِ وَتَسْلِيمِهِ فَلاَ يَجُوزُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ بِإِذْنِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي كِتَابَةِ الْعَبْدِ كُلِّهِ فَيَكُونَ الشَّرِيكُ وَكِيلاً لِشَرِيكِهِ فِي كِتَابَتِهِ فَيُكَاتِبُهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَتَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ, فَإِنْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ عَلَى خَمْسِينَ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ فَلِشَرِيكِهِ نِصْفُهَا وَلاَ يَعْتِقُ, وَإِنْ أَدَّاهَا إلَى سَيِّده الَّذِي كَاتَبَهُ وَأَدَّى إلَى سَيِّدِهِ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبُهُ مِثْلَهَا عَتَقَ; لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى إلَيْهِ خَمْسِينَ سُلِّمَتْ وَيَتَرَاجَعُ السَّيِّدُ الَّذِي كَاتَبَهُ وَالْمُكَاتَبُ بِقِيمَةِ نِصْفِهِ; لِأَنَّهُ عَتَقَ بِكِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُ نِصْفِهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ رَجَعَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ بِالْفَضْلِ عَلَى الْخَمْسِينَ, وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ رَجَعَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِالزَّائِدِ عَلَى الْخَمْسِينَ, وَلَوْ أَرَادَ شَرِيكُهُ فِي الْعَبْدِ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ أَنْ يَمْنَعَ عِتْقَهُ بِأَنْ يَقُولَ: لاَ أَقْبِضُ الْخَمْسِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ, وَقَبَضْت عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى إلَيْهِ مِثْلَ مَا أَدَّى إلَى صَاحِبِهِ, وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَكَانَ الْعَبْدُ حُرًّا كُلُّهُ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا مَلَكَ مِنْ عَبْدٍ وَلِآخَرَ فِيهِ شِرْكٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْمَالِكُ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَلَوْ أَنَّ شَرِيكَهُ حِينَ أَعْتَقَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ كَانَ الْعِتْقُ مَوْقُوفًا, فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ الْأَوَّلُ مُوسِرًا فَأَدَّى قِيمَتَهُ إلَيْهِ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ وَكَانَ لَهُ وَلاَؤُهُ, وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ عَلَى الشَّرِيكِ مَا أَعْتَقَ مِنْهُ وَكَانَ وَلاَؤُهُ بَيْنَهُمَا, وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ, أَوْ أَرْبَعَةٍ, أَوْ أَكْثَرَ. وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَكَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ, أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ, ثُمَّ كَاتَبَهُ الْآخَرُ, فَالْكِتَابَةُ كُلُّهَا فَاسِدَةٌ; لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ فَاسِدٌ فَكَذَلِكَ الْعَقْدُ الثَّانِي, وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَا جَمِيعًا عَلَى كِتَابَتِهِ يَجْعَلاَنِهَا عَقْدًا وَاحِدًا وَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِيهَا مُسْتَوِي الشَّرِكَةِ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ لاَ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا فِي الْكِتَابَةِ أَكْثَرُ مِمَّا لِلْآخَرِ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ): قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: مُكَاتَبٌ بَيْنَ قَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يُقَاطِعَ بَعْضَهُمْ قَالَ: لاَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مِثْلُ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ هَؤُلاَءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَلاَ يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي الْمُكَاتَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُكَاتَبِ شَيْئًا دُونَ صَاحِبِهِ, فَإِنْ أَخَذَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِنُصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْهُ, وَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَتْبَعَ الْمَكَاتِبَ وَيَتْبَعَ الْمُكَاتَبَ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ, أَوْ يَتْبَعَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ وَلاَ يَبْرَأُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يَقْبِضَ كُلُّ مَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ جَمِيعَ حِصَّتِهِ فِي كِتَابَتِهِ. وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَكَاتَبَاهُ مَعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا دُونَ صَاحِبِهِ وَمَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَى صَاحِبِهِ, وَإِنْ أَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا جَمِيعَ نَصِيبِهِ دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَعْتِقْ; لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا أَدَّى إلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَ صَاحِبَهُ مِثْلَهُ, أَوْ يُبْرِئَ الْمَكَاتِبُ مِنْ مِثْلِهِ, فَإِنْ فَعَلَ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَلَوْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الْمُكَاتَبِ دُونَهُ فَقَبَضَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لاَ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ; لِأَنَّ لِشَرِيكِهِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ, وَإِذْنُهُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدَيْ السَّيِّدِ فَيُعْطِيه إيَّاهُ إذْنَهُ بِمَا. لَيْسَ يَمْلِكُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. وَالْآخَرُ: يَعْتِقُ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَجَزَ عَنْ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إنْظَارَهُ وَأَنْ لاَ يُعَجِّزَهُ وَأَرَادَ الْآخَرُ تَعْجِيزَهُ فَعَجَّزَهُ فَهُوَ عَاجِزٌ وَالْكِتَابَةُ كُلُّهَا مَفْسُوخَةٌ وَلاَ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا إثْبَاتُ الْكِتَابَةِ وَلِلْآخِرِ أَنْ يَفْسَخَهَا بِالْعَجْزِ, كَمَا لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ مِنْهُ دُونَ صَاحِبِهِ. وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَكَاتَبَاهُ مَعًا عَلَى نُجُومٍ مُخْتَلِفَةٍ فَحَلَّ بَعْضُهَا قَبْلَ بَعْضٍ, أَوْ عَلَى نُجُومٍ وَاحِدَةٍ بَعْضُهَا أَكْثَرُ مِنْ بَعْضٍ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً, وَلَوْ أَجَزْت هَذَا أَجَزْت أَنْ يُكَاتِبَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ, وَذَلِكَ أَنَّهُمَا فِي كَسْبِهِ سَوَاءٌ, فَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَأْخُذُ صَاحِبُهُ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ وَإِذَا أَدَّى إلَيْهِمَا عَلَى هَذَا فَعَتَقَ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَرُدَّ إلَيْهِ فَضْلاً إنْ كَانَ أَخَذَهُ وَتَرَاجَعَا فِي فَضْلِ مَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَبْدِ دُونَ صَاحِبِهِ. وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: كَاتَبْنَاهُ مَعًا عَلَى أَلْفِ وَقَالَ الْآخَرُ: عَلَى أَلْفَيْنِ وَادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَلْفًا تَحَالَفَ الْمُكَاتَبُ وَمُدَّعِي الْكِتَابَةِ عَلَى أَلْفَيْنِ وَفُسِخَتْ الْكِتَابَةُ, وَلَوْ صَدَقَ الْمَكَاتِبُ صَاحِبُ الْأَلْفَيْنِ وَالْأَلْفِ فَقَالَ: كَاتَبَنِي أَحَدُهُمَا عَلَى أَلْفٍ وَالْآخَرُ عَلَى أَلْفَيْنِ فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ بِلاَ يَمِينٍ, وَلَوْ قَالَ الْمُكَاتَبُ: بَلْ كَاتَبَانِي جَمِيعًا عَلَى أَلْفَيْنِ فَإِنْ صَدَّقَهُ صَاحِبُ الْأَلْفِ فَالْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ, وَإِنْ قَالَ: بَلْ عَلَى أَلْفٍ وَحَلَفَ الَّذِي ادَّعَى أَلْفَيْنِ, فَالْكِتَابَةُ مَفْسُوخَةٌ, وَلَوْ كَاتَبَاهُ مَعًا عَلَى أَلْفٍ فَقَالَ: قَدْ أَدَّيْتهَا إلَى أَحَدِكُمَا وَصَدَّقَاهُ مَعًا لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَقْبِضَ الَّذِي لَمْ يُؤَدَّ إلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ شَرِيكِهِ, أَوْ يُبْرِئَهُ مِنْهَا, فَإِذَا قَبَضَهَا أَوْ أَبْرَأهُ مِنْهَا بَرِئَ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَابِضَ الْأَلْفَ مُسْتَوْفٍ لِنَفْسِهِ خَمْسَمِائَةٍ لاَ تُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ صَاحِبُهُ مِثْلَهَا وَهُوَ فِي الْخَمْسِ الْمِائَةِ الْبَاقِيَةِ كَالرَّسُولِ لِلْمُكَاتَبِ لاَ يَبْرَأُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِوُصُولِهَا إلَى سَيِّدِهِ, وَلَوْ كَاتَبَاهُ عَلَى أَلْفٍ فَادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَهَا إلَيْهِمَا مَعًا وَأَقَرَّ لَهُ أَحَدُهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ أُحْلِفَ الْمُنْكِرُ, فَإِذَا حَلَفَ عَتَقَ نَصِيبُ الَّذِي أَقَرَّ مِنْ الْعَبْدِ وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ الْخَمْسِمِائَةِ وَلَمْ يَرْجِعَ بِهَا هُوَ عَلَى الْعَبْدِ; لِأَنَّهُ يُقِرُّ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ أَدَّى إلَى صَاحِبِهِ مَا عَلَيْهِ وَأَنَّ صَاحِبَهُ يَأْخُذُهَا مِنْهُ بِظُلْمٍ وَلاَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ النِّصْفُ الْبَاقِي; لِأَنَّ الْعَبْدَ يُقِرُّ أَنَّهُ بَرِيءَ مِنْ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ عَتَقَ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ أَدَّى إلَى صَاحِبِهِ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ رَدَّ نِصْفَهُ رَقِيقًا وَكَانَ كَعَبْدٍ لِصَاحِبِهِ نِصْفُهُ فَكَاتَبَهُ فَعَجَزَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ دَفَعَ إلَيْهِمَا نُصِيبَهُمَا فَعَتَقَ وَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ حَلَفَ شَرِيكُهُ وَرَجَعَ عَلَى الَّذِي أَقَرَّ فَأَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدَيْهِ وتأداه الْآخِذُ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ كَمَا وَصَفْت فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَكُونَ دَفَعَ إلَى الْمُنْكِرِ شَيْئًا لَمْ يَحْلِفْ وَرَجَعَ الْمُنْكِرُ عَلَى الْمُقِرِّ فَأَخَذَ نِصْفَ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ, وَلَوْ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ مَعَ هَذَا أَنَّهُ دَفَعَ الْكُلَّ إلَى أَحَدِهِمَا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بَلْ دَفَعْته إلَيْنَا مَعًا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَشَرَكَهُ صَاحِبُهُ فِيمَا أَخَذَ وَأَحْلَفْت الَّذِي يُبَرِّئُهُ الْمَكَاتِبُ لِشَرِيكِهِ لاَ لِلْمُكَاتَبِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِأَنْ يَقْبِضَ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَقَبَضَ مِنْهُ, ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ, أَوْ مَاتَ, فَسَوَاءٌ, وَلَهُمَا مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْمَالِ نِصْفَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَوْفَى الْمَأْذُونُ لَهُ جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْ الْكِتَابَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِنْ كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ, فَمَنْ قَالَ يَجُوزُ مَا قَبَضَ وَلاَ يَكُونُ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيُشْرِكَهُ فِيهِ فَنَصِيبُ شَرِيكِهِ مِنْهُ حُرٌّ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَنَصِيبُهُ مِنْهُ حُرٌّ, فَإِنْ عَجَزَ فَجَمِيعُ مَا فِي يَدَيْهِ لِلَّذِي بَقِيَ لَهُ فِيهِ الرِّقُّ, وَإِنَّمَا جَعَلْت ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ عَتَقَ بِهِ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ أَخَذَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَعَجَّزَهُ بِالْبَاقِي مِنْهُ, وَإِنْ مَاتَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ يَرِثُهُ رَبُّهُ بِقَدْرِ الْجِزْيَةِ الَّتِي فِيهَا وَيَأْخُذُ هَذَا مَالَهُ بِقَدْرِ الْعُبُودِيَّةِ فِيهِ, وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لاَ يَعْتِقُ وَيَكُونُ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ. فَيُشْرِكَهُ فِيمَا أَذِنَ لَهُ بِهِ, وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهُ فَأَخَذَ الَّذِي لَهُ عَلَى الْحُرِّ, وَإِذْنُهُ لَهُ بِالْقَبْضِ وَغَيْرُ إذْنِهِ سَوَاءٌ, فَإِنْ قَبَضَهُ, ثُمَّ تَرَكَهُ فَإِنَّمَا هِيَ هِبَةٌ وَهَبَهَا لَهُ تَجُوزُ إذَا قَبَضَهَا.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمُكَاتَبَةِ, وَإِذْنُهُ كُلُّهُ عَلَى مَا يَحِلَّ, فَلَمَّا كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ مُخَالِفَةً حَالَ الرِّقِّ فِي أَنَّ السَّيِّدَ يَمْنَعُ مَالَ مُكَاتَبِهِ وَأَنَّ مُكَاتَبَهُ يَعْتِقُ بِمَا شَرَطَ لَهُ سَيِّدُهُ إذَا أَدَّاهُ كَانَ بَيِّنًا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لاَ تَجُوزُ إلَّا عَلَى مَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْبُيُوعُ وَالْإِجَارَاتُ بِأَنْ تَكُونَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَبِعَمَلٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ, فَمَا جَازَ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فِي الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ جَازَ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ وَمَا رُدَّ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ رُدَّ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ فِيمَا يُمْلَكُ بِالْكِتَابَةِ لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ مَوْصُوفَةِ الْوَزْنِ وَالْأَعْيَانِ إلَى عَشْرِ سِنِينَ, وَأَوَّلُ السِّنِينَ سَنَةُ كَذَا وَآخِرُهَا سَنَةُ كَذَا تُؤَدِّي فِي انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذِهِ الْعَشْرِ السِّنِينَ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا, وَلاَ بَأْسَ أَنْ تَجْعَلَ الدَّنَانِيرَ فِي السِّنِينَ مُخْتَلِفَةً, فَيُؤَدِّي فِي سَنَةٍ دِينَارًا وَفِي سَنَةٍ خَمْسِينَ وَفِي سَنَةٍ مَا بَيْنَ ذَلِكَ إذَا سَمَّى كَمْ يُؤَدِّي فِي كُلِّ سَنَةٍ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَقُولَ: أُكَاتِبُك عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ تُؤَدِّيهَا فِي عَشْرِ سِنِينَ; لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَحِلُّ بِانْقِضَاءِ الْعَشْرِ السِّنِينَ فَتَكُونُ نَجْمًا وَاحِدًا, وَالْكِتَابَةُ لاَ تَصْلُحُ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ, أَوْ تَكُونُ تَحِلُّ فِي الْعَشْرِ السِّنِينَ فَلاَ يَدْرِي فِي أَوَّلِهَا تَحِلُّ أَوْ فِي آخِرِهَا, وَكَذَلِكَ لاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَقُولَ: أُكَاتِبُك عَلَى أَنْ لاَ تَمْضِيَ عَشْرُ سِنِينَ حَتَّى تُؤَدِّيَ إلَيَّ مِائَةَ دِينَارٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: تُؤَدِّيَ إلَيَّ فِي عَشْرِ سِنِينَ مِائَةَ دِينَارٍ كَيْفَ يَخْفَ عَلَيْك, غَيْرَ أَنَّ الْعَشْرَ السِّنِينَ لاَ تَنْقَضِي حَتَّى تُؤَدِّيَهَا, وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لاَ يَدْرِيَانِ حِينَئِذٍ كَمْ يُؤَدِّي فِي كُلِّ وَقْتٍ, وَكَذَلِكَ لاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَقُولَ: أُكَاتِبُك عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ, أَوْ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ, وَإِنْ سَمَّى لَهَا آجَالاً مَعْلُومَةً; لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي حِينَئِذٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ الْكِتَابَةُ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أُكَاتِبُك عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ تُؤَدِّيهَا إلَيَّ كُلُّ سَنَةٍ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ عَلَى أَنَّكَ تَدْفَعُ إلَيَّ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ سَنَةِ بِالْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, أَوْ عَرَضَ كَذَا لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ وَقَعَتْ بِعَشْرِ دَنَانِيرَ فِي كُلِّ سَنَةٍ, وَأَنَّهُ ابْتَاعَ بِالْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ, وَالْعَشَرَةُ دَيْنٌ فَابْتَاعَ دَرَاهِمَ دَيْنًا بِدَنَانِيرَ دَيْنٍ, وَهَذَا حَرَامٌ مِنْ جِهَاتِهِ كُلِّهَا, وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: ابْتَعْت مِنْك إذَا حَلَّتْ عَرَضًا; لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ لاَ يَصْلُحُ وَزِيَادَةُ فَسَادٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ, وَيَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ بِعَرَضٍ وَحْدَهُ وَنَقْدٍ, وَإِذَا كَاتَبَهُ بِعَرَضٍ لَمْ يَجُرْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَرَضُ مَوْصُوفًا وَالْأَجَلُ مَعْلُومًا كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَى أَجَلٍ إلَّا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ يُقَام عَلَيْهِمَا, وَإِذَا كَانَ الْعَرَضُ فِي الْكِتَابَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا يَكُونُ فِي أَنْ يُسْلِفَ فِي الْعَرَضِ سَوَاءٌ لاَ يَخْتَلِفَانِ فَإِنْ كَانَ الْعَرَضُ ثِيَابًا قَالَ: ثَوْبٌ مَرْوِيٌّ طُولُهُ كَذَا وَكَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا وَصَفِيقٌ, أَوْ رَقِيقٌ جَيِّدٌ يُوَفِّيه إيَّاهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا, فَإِنْ تَرَكَ مِنْ هَذَا شَيْئًا لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْلِفَ فِيهِ إلَّا هَكَذَا. وَهَكَذَا إنْ كَانَ الْعَرَضُ طَعَامًا أَوْ حَيَوَانًا, أَوْ رَقِيقًا, أَوْ مَا كَانَ الْعَرْضُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الرَّقِيقِ قَالَ: عَبْدٌ أَسْوَدُ فَرَّانِي مِنْ جِنْسِ كَذَا أَسْوَدَ حَالِكِ السَّوَادِ أَمْرَدَ مَرْبُوعٍ, أَوْ طِوَالٍ, أَوْ قَصِيرٍ بَرِيءٍ مِنْ الْعُيُوب, وَإِذَا كَانَ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ: جَمَلٌ ثَنِيٍّ, أَوْ رُبَاعَ مِنْ نَعَمِ بَنَى فُلاَنٍ أَحْمَرَ, أَوْ جَوْنٍ غَيْرِ مُودِنٍ بَرِيءٍ مِنْ الْعُيُوبِ وَيُوفِيه إيَّاهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَقْتَ كَذَا, فَإِنْ تَرَكَ مِنْ هَذَا شَيْئًا لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَهُ بَرِئَ مِنْ الْعُيُوبِ, فَإِنَّمَا لَهُ بَرِئَ مِنْ الْعُيُوبِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ, وَسَوَاءٌ كَاتَبَهُ عَلَى عُرُوضٍ مُنْفَرِدَةٍ أَوْ عُرُوضٍ وَنَقْدٍ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ دَارًا بِعَرَضٍ وَنَقْدٍ إذَا كَانَ كُلُّ مَا بَاعَهُ مَعْلُومًا وَإِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَالْإِجَارَةُ تَمَلُّكُ مَا تُمَلَّكُ بِهِ الْبُيُوعُ إذَا شُرِعَ فِيهَا مَعَ الْإِجَارَةِ, فَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلاً بِيَدِهِ مَعْلُومًا فَأَخَذَ فِيهِ حِينَ يُكَاتِبُهُ وَيَجْعَلَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَعَهُ, أَوْ بَعْدَهُ فِي نَجْمٍ آخَرَ مَالاً مَا كَانَ كَانَتْ الْكِتَابَةُ جَائِزَةً, وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلاً مَا كَانَ الْعَمَلُ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَمَلِ مَالاً يَأْخُذُهُ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ, وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ إنْ كَانَ وَاحِدًا, فَهُوَ نَجْمٌ وَاحِدٌ. وَالْكِتَابَةُ لاَ تَجُوزُ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ فِي مَالٍ وَلاَ غَيْرِهِ, وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ مِنْ يَوْمِهِ عَمَلاً وَبَعْدَ شَهْرٍ عَمَلاً آخَرَ لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ, وَنَحْنُ لاَ نُجِيزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ بَعْدَ شَهْرٍ عَمَلاً; لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ عَلَيْهِ بَعْدَ الشَّهْرِ مَا يَمْنَعُهُ الْعَمَلَ مِنْ مَرَضٍ وَمَوْتٍ وَحَبْسٍ وَغَيْرِهِ, وَالْعَمَلُ بِالْيَدِ لَيْسَ بِمَالٍ مَضْمُونٍ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ, وَقَدْ يَقْدِرُ عَلَى الْمَالِ مَرِيضٌ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ, وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ لَهُ دَارًا وَعَلَى الْمُكَاتَبِ جَمِيعُ عِمَارَتِهَا وَسَمَّى لَهُ دِرْعًا مَعْلُومَ الِارْتِفَاعِ وَالْعَرْضِ وَالْمَوْضِعِ مِنْ الدَّارِ, وَسَمَّى مَا يَدْخُلُ فِيهَا مِنْ اللَّبِنِ وَقَدْرِ اللَّبِنِ وَالْحِجَارَةِ كَانَ كَعَمَلِهِ بِيَدِهِ لاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَأْخُذُهُ فِي ذَلِكَ حِينَ يُكَاتِبُهُ وَيَكُونُ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ يُؤَدِّيه إلَيْهِ لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ اسْتِئْخَارَ الْعَمَلِ لاَ يَجُوزُ, وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ شَهْرًا, فَأَخَذَ فِيهِ حِينَ يُكَاتِبُهُ وَيُؤَدِّيَ إلَيْهِ شَيْئًا بَعْدَ الشَّهْرِ جَازَ. وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ شَهْرًا حِينَ كَاتَبَهُ وَشَهْرًا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ; لِأَنَّهُ ضَرَبَ لِلْخِدْمَةِ أَجَلاً لاَ يَكُونُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِيهِ خِدْمَةٌ, وَهَذَا كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ حُرًّا عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْخِدْمَةَ شَهْرًا, ثُمَّ يَخْدُمَهُ, وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ شَهْرًا حَتَّى يُكَاتِبَهُ, ثُمَّ يُوفِيَهُ لَبِنًا, أَوْ حِجَارَةً, أَوْ طِينًا مَعْلُومًا بَعْدَ شَهْرٍ كَانَ هَذَا جَائِزًا وَكَانَ هَذَا كَالْمَالِ. وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ شَهْرًا, ثُمَّ يُعْطِيَهُ مَالاً بَعْدُ فَمَرِضَ ذَلِكَ الشَّهْرَ انْتَقَضَتْ الْكِتَابَةُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَحَدًا يَخْدُمَهُ مَكَانَهُ وَلاَ عَلَيْهِ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ السَّيِّدُ, كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ حُرًّا عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ شَهْرًا فَمَرِضَ فِي الشَّهْرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلاَ لَهُ أَنْ يُخْدِمَهُ غَيْرُهُ وَانْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ, وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى نُجُومٍ مُسَمَّاةٍ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ بَعْدَ النُّجُومِ شَهْرًا أَوْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلاً بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً, فَإِنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَخَدَمَ, أَوْ عَمِلَ عَتَقَ وَتَرَاجَعَا بِقِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَحَسَبَ لِلْمُكَاتَبِ مَا أَعْطَاهُ وَأَجْرَ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ لَهُ وَتَرَاجَعَا بِالْقِيمَةِ, وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةً وَيَعْمَلَ لَهُ عِنْدَ أَدَاءِ كُلِّ نَجْمٍ يَوْمًا, أَوْ سَاعَةً شَيْئًا مَعْلُومًا كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً لِتَأْخِيرِ الْعَمَلِ, وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ يُؤَدِّي إلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَشْرَةً وَيُعْطِيه ضَحِيَّةً, فَإِنْ وَصَفَ الضَّحِيَّةَ فَقَالَ: مَاعِزَةٌ ثَنِيَّةٌ مِنْ شِيَاهِ بَلَدِ كَذَا, أَوْ شِيَاهِ بَنِي فُلاَنٍ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ يَوْمِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا, فَهُوَ جَائِزٌ وَالشَّاةُ مِنْ الْكِتَابَةِ, وَإِنْ قَالَ أُضْحِيَّةً فَلَمْ يَصِفْهَا فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ تَكُون جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ وَثَنِيَّةٍ مِنْ الْمَعْزِ وَمَا فَوْقَهُمَا فَلاَ يَجُوزُ هَذَا كَمَا لاَ يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ, وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فِي عَشْرِ سِنِينَ وَعِشْرِينَ ضَحِيَّةً بَعْدَهَا كُلُّ ضَحِيَّةٍ فِي سَنَةٍ وَوَصَفَ الضَّحَايَا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِأَدَاءِ آخِرِ الْكِتَابَةِ الضَّحَايَا, وَالضَّحَايَا نُجُومٌ مِنْ نُجُومِ كِتَابَتِهِ لاَ يَعْتِقُ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَهَا قَالَ: وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ وَضَحَايَا أَهْلِهِ مَا بَلَغَ أَهْلُهُ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ ضَحِيَّةً مَوْصُوفَةً, وَإِنْ زَادُوا زَادَتْ عَلَيْهِ الضَّحَايَا وَإِنْ نَقَصُوا نَقَصَتْ الضَّحَايَا, فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ; لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ عَلَى غَيْر شَيْءٍ مَعْلُومٍ. وَإِنْ قَالَ لَهُ: ابْنِ لِي هَذِهِ الدَّارَ بِنَاءً مَوْصُوفًا, أَوْ عَلِّمْ لِي هَذَا الْغُلاَمَ, أَوْ اخْدِمْنِي شَهْرًا أَوْ اخْدِمْ فُلاَنًا شَهْرًا, أَوْ اُبْلُغْ بَلَدَ كَذَا أَوْ انْسِجْ ثَوْبَ كَذَا وَأَنْتَ حُرٌّ, فَفَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ حُرٌّ وَلَيْسَ بِمُكَاتَبٍ, وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ, وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ فَالْعَبْدُ مَمْلُوكٌ, وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ, أَوْ كَلَّمْت فُلاَنًا. فَأَنْتَ حُرٌّ, وَهَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ: أَعْطِنِي مِائَةَ دِينَارٍ وَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهَا فَهُوَ حُرٌّ, وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا فَذَلِكَ لَهُ وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كِتَابَةً, إنَّمَا الْكِتَابَةُ النُّجُومُ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضٍ وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ ضَمِنَ لَهُ بِنَاءَ دَارٍ وَيُحَاطُ بِصِفَةِ بِنَائِهَا عَلَيْهِ عِمَارَتُهَا حَتَّى يُوَفِّيَهُ إيَّاهَا قَائِمَةً عَلَى صِفَتِهِ وَسَمَّى مَعَهَا دَنَانِيرَ يُعْطِيه إيَّاهَا قَبْلَهَا, أَوْ بَعْدَهَا كَانَ هَذَا جَائِزًا; لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ عَمَلٍ عَمِلَهُ بَعْدَهُ, أَوْ لَمْ يَعْمَلْهُ يُكَلَّفُ كَمَا يُكَلَّفُ الْمَالَ وَمَعَهُ نَجْمٌ غَيْرُهُ, وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى ضَمَانِ بِنَاءِ دَارَيْنِ يَبْنِي إحْدَاهُمَا فِي وَقْتِ كَذَا وَالْأُخْرَى فِي وَقْتِ كَذَا كَانَتْ هَذِهِ كِتَابَةً جَائِزَةً, وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَمَلِ بِيَدِهِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ إذَا كَاتَبَهُ, أَوْ اسْتَأْجَرَ حُرًّا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِيَدِهِ لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهِ يَعْمَلُ لَهُ وَإِذَا ضَمِنَ عَمَلاً كُلِّفَ أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ بِنَفْسِهِ, أَوْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
|