الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} الآيَةَ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} الآيَةَ. وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ} وَقَالَ: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} الآيَةَ, وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ} إلَى: {فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} الآيَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رحمه الله: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} الآيَةَ. وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} وَقَالَ: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ تَقْتُلُ الْإِنَاثَ مِنْ وَلَدِهَا صِغَارًا خَوْفَ الْعَيْلَةِ عَلَيْهِمْ, وَالْعَارِ بِهِمْ فَلَمَّا نَهَى اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ أَوْلاَدِ الْمُشْرِكِينَ دَلَّ عَلَى تَثْبِيتِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَمْرٍو النَّخَعِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ: {ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْكَبَائِرِ أَكْبَرُ؟ فَقَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَك}.
أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ يَحِلُّ قَتْلُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ, أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ, أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَاَلَّذِي يَحِلُّ أَنْ يَعْمِدَ مُسْلِمٌ بِالْقَتْلِ ثَلاَثٌ: كُفْرٌ ثَبَتَ عَلَيْهِ بَعْدَ إيمَانِهِ أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانِهِ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي مَوَاضِعِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ} أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ: {عَنْ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَقْتُلْهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَطَعَ يَدِيَ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا أَفَأَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْته فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ} (قَالَ الرَّبِيعُ) مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّكَ إنْ قَتَلْته فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ " يُرِيدُ أَنَّهُ حَرَامُ الدَّمِ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّك بِمَنْزِلَتِهِ مُبَاحُ الدَّمِ يُرِيدُ بِقَتْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ إذْ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا لاَ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا مِثْلَهُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ بِإِسْنَادٍ لاَ يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَتِيلٍ فَقَالَ مَنْ بِهِ فَلَمْ يُذْكَرُ لَهُ أَحَدٌ فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ اشْتَرَكَ فِيهِ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ لاََكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ} وَأَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ لاَ أَحْفَظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {قَتْلُ الْمُؤْمِنِ يَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ زَوَالَ الدُّنْيَا} أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} مَعَ التَّشْدِيدِ فِي الْقَتْلِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: {وَمَنْ قَتَلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} لاَ يَقْتُلُ غَيْرَ قَاتِلِهِ وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} فَالْقِصَاصُ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ فَعَلَ مَا فِيهِ الْقِصَاصُ لاَ مِمَّنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَأَحْكَمَ اللَّهُ - عَزَّ ذِكْرُهُ - فَرْضَ الْقِصَاصِ فِي كِتَابِهِ وَأَبَانَتْ السُّنَّةُ لِمَنْ هُوَ وَعَلَى مَنْ هُوَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: {وُجِدَ فِي قَائِمِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابٌ إنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ الْقَاتِلُ غَيْرَ قَاتِلِهِ وَالضَّارِبُ غَيْرَ ضَارِبِهِ وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَا كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي قِرَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ فِيهَا : {لَعَنَ اللَّهُ الْقَاتِلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ وَالضَّارِبَ غَيْرَ ضَارِبِهِ وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ وَلِيِّ نِعْمَتِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ - عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ أَوْ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا بِقَتْلٍ فَهُوَ قَوَدٌ بِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَمَنْ حَالَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ} أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ إيَادِ بْنِ لَقِيطٍ: {عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى أَبِي الَّذِي بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دَعْنِي أُعَالِجُ هَذَا الَّذِي بِظَهْرِك فَإِنِّي طَبِيبٌ فَقَالَ: أَنْتَ رَفِيقٌ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا مَعَكَ فَقَالَ: ابْنِي أَشْهَدُ بِهِ فَقَالَ أَمَا إنَّهُ لاَ يَجْنِي عَلَيْكَ وَلاَ تَجْنِي عَلَيْهِ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ قِصَاصَ عَلَى مَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ, وَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ تَحِضْ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً, وَكُلُّ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ إلَّا بِالسُّكْرِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ عَلَى السَّكْرَانِ كَهِيَ عَلَى الصَّحِيحِ وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَهُوَ بَالِغٌ غَيْرُ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ السُّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ الْبَالِغُ وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بَالِغٌ يَجُوزُ إقْرَارُهُ أَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً عَمْدًا وَوَصَفَ الْجِنَايَةَ فَأَثْبَتَهَا, ثُمَّ جُنَّ أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ مِنْهَا وَأَرْشُ الْخَطَأِ فِي مَالِهِ وَلاَ يَحُولُ ذَهَابُ عَقْلِهِ دُونَ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِلَّهِ مِنْ زِنًا أَوْ ارْتَدَّ, ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ أُقِمْ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا وَلَمْ أَقْتُلْهُ بِالرِّدَّةِ; لِأَنِّي أَحْتَاجُ إلَى ثُبُوتِهِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا وَهُوَ يَعْقِلُ. وَكَذَلِكَ أَحْتَاجُ إلَى أَنْ أَقُولَ لَهُ وَهُوَ يَعْقِلُ: إنْ لَمْ تَرْجِعْ إلَى الْإِسْلاَمِ قَتَلْتُكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَقَرَّ وَهُوَ بَالِغٌ أَنَّهُ جَنَى عَلَى رَجُلٍ جِنَايَةً عَمْدًا وَقَالَ كُنْت يَوْمَ جَنَيْت عَلَيْهِ صَغِيرًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنْ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَرْشُهَا فِي مَالِهِ خَطَأً فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا خَطَأً لَمْ يَضْمَنْ الْعَاقِلَةُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَضَمِنَهُ هُوَ فِي مَالِهِ وَلَوْ قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ جَنَيْتهَا عَلَيْهِ ذَاهِبَ الْعَقْلِ بَالِغًا فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَهَبَ عَقْلُهُ قُبِلَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أُقِيدَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَيْثُ قُبِلَتْ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ طَلَبَهَا الْمُدَّعِي قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ جَنَى عَلَى رَجُلٍ جِنَايَةً عَمْدًا سَأَلْتُهُمْ أَكَانَ بَالِغًا أَوْ صَغِيرًا؟. فَإِنْ لَمْ يُثْبِتُوهُ بَالِغًا وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يُنْكِرُ الْجِنَايَةَ أَوْ يَقُولُ: كَانَتْ وَأَنَا صَغِيرٌ جَعَلْتُهَا جِنَايَةَ صَغِيرٍ وَجَعَلْتُ أَرْشَهَا فِي مَالِهِ وَلَمْ أَقُدْ مِنْهُ. (قَالَ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً يُجَنُّ وَيُفِيقُ جَنَى عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ جَنَيْتُ عَلَيْهِ فِي حَالِ جُنُونِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ, وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ وَلَمْ يُثْبِتُوا كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ جُنُونِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ كَانَ هَكَذَا وَإِنْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ كَانَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَهَكَذَا مَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ بِمَرَضٍ أَيَّ مَرَضٍ كَانَ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مَا كَانَ غَيْرَ السُّكْرِ وَلَوْ أَثْبَتُوا أَنَّ مَجْنُونًا جَنَى وَهُوَ سَكْرَانُ وَقَالُوا: لاَ نَدْرِي ذَهَابَ عَقْلِهِ مِنْ السُّكْرِ أَوْ مِنْ الْعَارِضِ الَّذِي بِهِ؟ جَعَلْتُ الْقَوْلَ قَوْلَهُ, وَلَوْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ كَانَ مُفِيقًا مِنْ الْجُنُونِ وَأَنَّ السُّكْرَ كَانَ أَذْهَبَ عَقْلَهُ جَعَلْت عَلَيْهِ الْقَوَدَ وَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ عَلَى أَنَّهُ جَنَى مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ, وَآخَرُونَ أَنَّهُ جَنَى هَذِهِ الْجِنَايَةَ غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ أَلْغَيْتُ الْبَيِّنَتَيْنِ لِتَكَافُئِهِمَا وَجَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَشَهِدَ لَهُ شُهُودٌ بِأَنَّهُ جَنَى مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ وَقَالَ هُوَ بَلْ جَنَيْتُ وَأَنَا أَعْقِلُ قَبِلْتُ قَوْلَهُ وَجَعَلْت عَلَيْهِ الْقَوَدَ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: جِمَاعُ الْقَتْلِ ثَلاَثَةُ وُجُوهٍ: عَمْدٌ فِيهِ قِصَاصٌ فَلِوَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَمْدُ الْقِصَاصِ إنْ شَاءَ وَعَمْدٌ بِمَا لَيْسَ فِيهِ قِصَاصٌ وَخَطَأٌ فَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قِصَاصٌ (قَالَ) فَالْعَمْدُ فِي النَّفْسِ بِمَا فِيهِ الْقِصَاصُ أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيُصِيبَهُ بِالسِّلاَحِ الَّذِي يُتَّخَذُ لِيَنْهَرَ الدَّمَ وَيَذْهَبَ فِي اللَّحْمِ, وَذَلِكَ الَّذِي يَعْقِلُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ السِّلاَحُ الْمُتَّخَذُ لِلْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَهُوَ الْحَدِيدُ الْمُحَدَّدُ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالْخِنْجَرِ وَسِنَانِ الرُّمْحِ وَالْمِخْيَطِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يُشَقُّ بِحَدِّهِ إذَا ضُرِبَ أَوْ رُمِيَ بِهِ الْجِلْدُ وَاللَّحْمُ دُونَ ثِقْلِهِ فَيَجْرَحُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ السِّلاَحُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ شَيْءٍ لَهُ صَلاَبَةٌ فَحُدِّدَ حَتَّى صَارَ إذَا وُجِئَ بِهِ أَوْ رُمِيَ بِهِ يَخْرِقُ حَدُّهُ قَبْلَ ثِقْلِهِ مِثْلُ الْعُودِ يُحَدَّدُ وَالنُّحَاسِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَغَيْرِهِ فَكُلُّ مَنْ أَصَابَ أَحَدًا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا جَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْ الْجُرْحِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ ضَرَبَهُ بِعَرْضِ سَيْفٍ أَوْ عَرْضِ خِنْجَرٍ أَوْ مِخْيَطٍ فَلَمْ يَجْرَحْهُ فَمَاتَ فَلاَ قَوَدَ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ الْحَدِيدُ جَارِحًا أَوْ شَادِخًا مِثْلَ الْحَجَرِ الثَّقِيلِ يَفْضَخُ بِهِ رَأْسَهُ وَعَمُودِ الْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَهُ بِعَمُودِ حَدِيدٍ خَفِيفٍ لاَ يَشْدَخُ مِثْلُهُ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْحَدِيدِ لاَ يَشْدَخُ وَمَا كَانَ لاَ يَجْرَحُ أَوْ كَانَ خَفِيفًا لاَ يَشْدَخُ, وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَجْرَحْهُ وَمَاتَ فَفِيهِ الْعَقْلُ وَلاَ قَوَدَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْحَدِيدِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى عَصًا خَفِيفَةٍ شَبِيهَةٍ بِالنَّصِيبِ فَضُرِبَ بِهِ الضَّرْبَةَ الْوَاحِدَةَ فَمِيتَ مِنْهُ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ; لِأَنَّ هَذَا لاَ يُتَّخَذُ لِيَنْهَرَ دَمًا وَلاَ يُتَّخَذُ يُمَاتُ بِهِ وَإِنْ قُتِلَ قُتِلَ بِالثِّقْلِ لاَ بِالْحَدِّ (قَالَ): وَكَذَلِكَ الْمِعْرَاضُ يَرْمِي بِهِ فَلاَ يَجْرَحُ وَيُصِيبُ بِعَرْضِهِ فَيَمُوتُ أَوْ يُصِيبُ بِنَصْلِهِ فَلاَ يَجْرَحُ فَيَمُوتُ (قَالَ) وَهَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ لاَ حَدَّ لَهُ خَفِيفٍ فَرَضَخَهُ فَمَاتَ فَلاَ قَوَدَ وَلَوْ شَجَّهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ فَبُضِعَ فِيهِ أَوْ ضَرَبَهُ أَسْوَاطًا يَرَى أَنَّ مِثْلَهُ لاَ يَمُوتُ مِنْ مِثْلِهَا فَلاَ قَوَدَ وَلَوْ كَانَ نِضْوًا فَضَرَبَهُ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ وَمِثْلُهُ يَمُوتُ فِيمَا يَرَى مِنْ مِثْلِهَا فَمَاتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَلَوْ كَانَ مُحْتَمِلاً فَضَرَبَهُ مِائَةً وَالْأَغْلَبُ أَنَّ مِثْلَهُ لاَ يَمُوتُ مِنْ مِثْلِهَا فَمَاتَ فَلاَ قَوَدَ وَكُلُّ حَدِيدٍ لَهُ حَدٌّ يَجْرَحُ فَجَرَحَ بِهِ جَرْحًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَمَاتَ مِنْهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ; لِأَنَّهُ يَجْرَحُ بِحَدِّهِ وَالْحَجَرُ يَجْرَحُ بِثِقَلِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَرْوِ أَوْ مِنْ الْحِجَارَةِ شَيْءٌ يُحَدَّدُ حَتَّى يَمُورَ مَوْرَ الْحَدِيدِ فَجُرِحَ بِهِ فَفِيهِ الْقَوَدُ إنْ مَاتَ الْمَجْرُوحُ وَإِنْ مَا جَاوَزَ هَذَا فَكَانَ الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ ضُرِبَ بِهِ أَوْ أُلْقِيَ فِيهِ أَوْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَعِشْ, فَضَرَبَ بِهِ رَجُلٌ رَجُلاً أَوْ أَلْقَاهُ فِيهِ وَكَانَ لاَ يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهُ أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهِ فَمَاتَ الرَّجُلُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ, وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلَ بِالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَشْدَخُ رَأْسَهُ أَوْ صَدْرَهُ فَيَشْدَخُهُ أَوْ خَاصِرَتَهُ فَيَقْتُلُهُ مَكَانَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ بِالْعَصَا الْخَفِيفَةِ فَيُتَابِعُ عَلَيْهِ الضَّرْبَ حَتَّى يَبْلُغَ مِنْ عَدَدِ الضَّرْبِ مَا يَكُونُ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ, وَكَذَلِكَ السِّيَاطُ وَمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى, وَذَلِكَ أَنْ يَضْرِبَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ أَوْ فِي بَطْنِهِ أَوْ عَلَى ثَدْيَيْهِ ضَرْبًا مُتَتَابِعًا أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ الْمِائَتَيْنِ أَوْ الثَّلَثَمِائَةِ أَوْ عَلَى أَلْيَتَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا فَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ إلَّا مَيِّتًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ, ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَفِي أَنْ يُسَعِّرَ الْحُفْرَةَ حَتَّى إذَا انجحمت أَلْقَاهُ فِيهَا أَوْ يُسَعِّرَ النَّارَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ثُمَّ يُلْقِيَهُ فِيهَا مَرْبُوطًا أَوْ يَرْبِطَهُ لِيُغْرِقَهُ فِي الْمَاءِ فَإِنْ فَعَلَ هَذَا فَمَاتَ فِي مَكَانِهِ أَوْ مَاتَ بَعْدُ مِنْ أَلَمِ مَا أَصَابَهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا سَعَّرَ النَّارَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَأَلْقَاهُ فِيهَا وَهُوَ زَمِنٌ أَوْ صَغِيرٌ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَلْقَاهُ فِيهَا صَحِيحًا فَكَانَ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا فَتَرَكَ التَّخَلُّصَ فَمَاتَ فَلاَ قَوَدَ وَإِنْ عَالَجَ التَّخَلُّصَ فَغَلَبَهُ كَثْرَتُهَا أَوْ الْتِهَابُهَا, فَفِيهِ الْقَوَدُ, وَكَذَلِكَ إنْ أُلْقِيَ فِيهَا فَلَمْ يَزَلْ يَتَحَرَّكُ يُعَالِجُ الْخُرُوجَ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَاتَ أَوْ أُخْرِجَ وَبِهِ مِنْهَا حَرْقٌ, الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يُعَاشُ مِنْهُ فَمَاتَ مِنْهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَإِنْ كَانَ بَعْضَ هَذَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ بِأَنْ يَكُونَ إلَى جَنْبِ أَرْضٍ لاَ نَارَ عَلَيْهَا فَإِنَّمَا يَكْفِيهِ أَنْ يَنْقَلِبَ فَيَصِيرَ عَلَيْهَا أَوْ يَقُولَ أُقِمْتُ وَأَنَا عَلَى التَّخَلُّصِ قَادِرٌ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا عَلَيْهِ الدَّلاَلَةُ بِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ وَقَدْ قِيلَ: يَكُونُ فِيهِ الْعَقْلُ. وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ قَرِيبٍ مِنْ سَاحِلٍ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَوْمَ وَلَمْ تَغْلِبْهُ جَرْيَةُ الْمَاءِ فَمَاتَ فَلاَ قَوَدَ وَإِنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ الْعَوْمَ وَأَلْقَاهُ قَرِيبًا مِنْ نَجْوَةِ أَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ سَفِينَةٍ مُقِيمَةٍ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَوْمَ فَتَرَكَ التَّخَلُّصَ فَلاَ قَوَدَ وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ لاَ يُتَخَلَّصُ فِي الْأَغْلَبِ مِنْهُ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ, وَلَوْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَتَخَلَّص مِنْهُ فَأَخَذَهُ حُوتٌ فَلاَ قَوَدَ وَعَلَيْهِ الْعَقْلُ (قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ) وَقَدْ قِيلَ: يَتَخَلَّصُ أَوْ لاَ يَتَخَلَّصُ سَوَاءٌ أَنْ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْعَقْلُ. (قَالَ الرَّبِيعُ) وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنْ لاَ عَقْلَ فِي النَّفْسِ وَلاَ قَوَدَ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يَتَخَلَّصَ فَيَسْلَمَ مِنْ الْمَوْتِ فَتَرَكَ التَّخَلُّصَ وَعَلَى الطَّارِحِ أَرْشُ مَا أَحْرَقَتْ النَّارُ مِنْهُ أَوَّلَ مَا طُرِحَ قَبْلَ أَنْ يُمْكِنَهُ التَّخَلُّصُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ خَنَقَهُ فَتَابَعَ عَلَيْهِ الْخَنْقَ حَتَّى يَقْتُلَهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ, وَكَذَلِكَ إنْ غَمَّهُ بِثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَتَابَعَ عَلَيْهِ الْغَمَّ حَتَّى يَمُوتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ, وَإِنْ تَرَكَهُ حَيًّا, ثُمَّ مَاتَ بَعْدُ فَلاَ قَوَدَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَنْقُ أَوْ الْغَمُّ قَدْ أَوْرَثَهُ مَا لاَ يَجْرِي مَعَهُ نَفَسُهُ فَيَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ الْقَوَدُ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَقَدْ قِيلَ يَتَخَلَّصُ أَوْ لاَ يَتَخَلَّصُ أَنْ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْعَقْلُ; لِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ الْيَدِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَجِمَاعُ هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَنْ قُتِلَ بِشَيْءٍ مِمَّا وَصَفْتُ غَيْرِ السِّلاَحِ الْمُحَدَّدِ فَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّ مَنْ نِيلَ مِنْهُ يَقْتُلُهُ وَيُقْتَلُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ سِنِّهِ وَصِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ أَوْ حَالِهِ إنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِذَلِكَ قَتْلاً وَحَيًّا كَقَتْلِ السِّلاَحِ أَوْ أَوْحَى فَفِيهِ الْقَوَدُ. وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّ مَنْ نِيلَ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا نِيلَ مِنْهُ يَسْلَمُ وَلاَ يَأْتِي ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَلاَ قَوَدَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَضَرْبُ الْقَلِيلِ عَلَى الْخَاصِرَةِ يَقْتُلُ فِي الْأَغْلَبِ وَلاَ يَقْتُلُ مِثْلُهُ لَوْ كَانَ فِي ظَهْرٍ أَوْ أَلْيَتَيْنِ أَوْ فَخِذَيْنِ أَوْ رِجْلَيْنِ وَالضَّرْبُ الْقَلِيلُ يَقْتُلُ النِّضْوَ الْخَلَق الضَّعِيفَةِ فِي الْأَغْلَبِ وَالْأَغْلَبُ أَنْ لاَ يَقْتُلَ قَوِيَّهُ, وَيَقْتُلُ فِي الْأَغْلَبِ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالْحَرِّ الشَّدِيدِ وَلاَ يَقْتُلُ فِي الْأَغْلَبِ فِي غَيْرِهِمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ نَالَ مِنْ امْرِئٍ شَيْئًا فَأَنْظُرُ إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي نَالَهُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّ مَا نَالَهُ بِهِ يَقْتُلُهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ, وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّ مَا نَالَهُ بِهِ لاَ يَقْتُلُهُ فَلاَ قَوَدَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ طَيَّنَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بَيْتًا وَلَمْ يَدَعْهُ يَصِلُ إلَيْهِ طَعَامٌ وَلاَ شَرَابٌ أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ أَوْ حَبَسَهُ فِي مَوْضِعٍ وَإِنْ لَمْ يُطَيِّنْ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ مُدَّةً الْأَغْلَبُ مِنْ مِثْلِهَا أَنَّهُ يَقْتُلُهُ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ مَاتَ فِي مُدَّةٍ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهَا فَفِيهَا الْعَقْلُ وَلاَ قَوَدَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ حَبَسَهُ فَجَاءَهُ بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ فَلَمْ يُشَرِّبْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ مُدَّةٌ يَمُوتُ أَحَدٌ مُنِعَ الطَّعَامَ فِي مِثْلِهَا فَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ; لِأَنَّهُ تَرَكَ أَنْ يَشْرَبَ فَأَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الطَّعَامَ مُدَّةً الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَمُوتُ أَحَدٌ مُنِعَهَا الطَّعَامَ, وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي مَنَعَهُ فِيهَا الطَّعَامَ مُدَّةً الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَمُوتُ أَحَدٌ مِنْ مِثْلِهَا قُتِلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهَا ضَمِنَ الْعَقْلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَقَدْته بِمَا صَنَعَ بِهِ حُبِسَ وَمُنِعَ كَمَا حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ فَإِنْ مَاتَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَمَا دُونَ النَّفْسِ مُخَالِفٌ لِلنَّفْسِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ فِي الْعَمْدِ فَلَوْ عَمَدَ رَجُلٌ عَيْنَ رَجُلٍ بِأُصْبُعِهِ فَفَقَأَهَا كَانَ فِيهَا الْقِصَاصُ; لِأَنَّ الْأُصْبُعَ تَأْتِي فِيهَا عَلَى مَا يَأْتِي عَلَيْهِ السِّلاَحُ فِي النَّفْسِ, وَرُبَّمَا جَاءَتْ عَلَى أَكْثَرَ وَهَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ فِي عَيْنِهِ فَاعْتَلَّتْ فَلَمْ تَبْرَأَ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا أَوْ اُنْتُجِفَتْ كَانَ فِيهَا الْقِصَاصُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَطَمَهُ لَطْمَةً فِي رَأْسِهِ فَوَرِمَتْ, ثُمَّ اتَّسَعَتْ حَتَّى أُوضِحَتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِصَاصٌ; لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ اللَّطْمَةِ أَنَّهَا قَلَّمَا يَكُونُ مِنْهَا هَكَذَا فَتَكُونُ فِي حُكْمِ الْخَطَأِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ضَرَبَ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ مُحَدَّدٍ أَوْ حَجَرٍ لَهُ ثِقَلٌ غَيْرُ مُحَدَّدٍ فَأَوْضَحَهُ أَوْ أَدْمَاهُ, ثُمَّ صَارَتْ مُوضِحَةً كَانَ فِيهَا الْقَوَدُ; لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِمَّا وَصَفْتُ مِنْ الْحِجَارَةِ أَنَّهَا تَصْنَعُ هَذَا, وَلَوْ كَانَتْ حَصَاةٌ فَرَمَاهُ بِهَا فَوَرِمَتْ ثُمَّ أُوضِحَتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِصَاصٌ وَكَانَ فِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا; لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهَا لاَ تَصْنَعُ هَذَا فَعَلَى هَذَا مَا دُونَ النَّفْسِ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ كُلُّهُ يُنْظَرُ إذَا أَصَابَهُ بِالشَّيْءِ فَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَصْنَعُ بِهِ مِثْلَ مَا يُصْنَعُ بِشَيْءٍ مِنْ الْحَدِيدِ فِي النَّفْسِ فَأَصَابَهُ فِيهِ فَفِيهِ الْقَوَدُ, وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يَصْنَعُ ذَلِكَ إلَّا قَلِيلاً إنْ كَانَ فَلاَ قَوَدَ فِيهِ وَفِيهِ الْعَقْلُ وَهَذَا عَلَى مِثَالِ مَا يُصْنَعُ فِي النَّفْسِ فِي إثْبَاتِ الْقِصَاصِ وَتَرْكِهِ وَأَخْذِ الْعَقْلِ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَجِمَاعُ مَعْرِفَةِ قَتْلِ الْعَمْدِ مِنْ الْخَطَأِ أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ بِالْعَصَا الْخَفِيفَةِ, أَوْ قَالَ عَصًا فِي أَلْيَتَيْهِ أَوْ بِالسِّيَاطِ فِي ظَهْرِهِ - الضَّرْبَ الَّذِي الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ اللَّطْمِ وَالْوَجْءِ وَالصَّكِّ وَالضَّرْبَةِ بِالشِّرَاكِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَكُلُّ هَذَا مِنْ الْعَمْدِ الْخَطَأِ الَّذِي لاَ قَوَدَ فِيهِ وَفِيهِ الْعَقْلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {أَلاَ إنَّ فِي قَتِيلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ أَوْ الْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا} أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالدِّيَةُ فِي هَذَا عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ خَطَأٌ فِي الْقَتْلِ, وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِي الْفِعْلِ يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَلاَ يَكُونُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ فِي مُضِيِّ ثَلاَثِ سِنِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا مَعْنَى مَا وَصَفْتُ مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي الْأَغْلَبُ فِيهِ أَنَّهُ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ, وَلَمْ أَلْقَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ يُخَالِفُ فِي أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ, فَأَمَّا أَنْ يَشْدَخَ الرَّجُلُ رَأْسَ الرَّجُلِ بِالْحَجَرِ أَوْ يُتَابِعَ عَلَيْهِ ضَرْبَ الْعَصَا أَوْ السِّيَاطِ مُتَابَعَةً الْأَغْلَبُ أَنَّ مِثْلَهُ لاَ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهَا فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ بِالضَّرْبَةِ بِالسِّكِّينِ وَالْحَدِيدَةِ الْخَفِيفَةِ فِي الرَّأْسِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَعْجَلُ قَتْلاً وَأَحْرَى أَنْ لاَ يَعِيشَ أَحَدٌ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: مِنْ الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيَتْهُ فَحَدَّثَنِيهِ وَبَلَغَنِي عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَايُنٌ فِي الْفَضْلِ وَيَكُونُ بَيْنَهَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الْجِيرَانِ مِنْ قَتْلِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَكَانَ بَعْضُهَا يَعْرِفُ لِبَعْضٍ الْفَضْلَ فِي الدِّيَاتِ حَتَّى تَكُونَ دِيَةُ الرَّجُلِ الشَّرِيفِ أَضْعَافَ دِيَةِ الرَّجُلِ دُونَهُ, فَأَخَذَ بِذَلِكَ بَعْضٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهَا بِأَقْصَدَ مِمَّا كَانَتْ تَأْخُذُ بِهِ فَكَانَتْ دِيَةُ النَّضِيرِي ضِعْفَ دِيَةِ الْقُرَظِيِّ, وَكَانَ الشَّرِيفُ مِنْ الْعَرَبِ إذَا قُتِلَ يُجَاوَزُ قَاتِلُهُ إلَى مَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ مِنْ أَشْرَافِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي قَتَلَهُ أَحَدُهَا وَرُبَّمَا لَمْ يَرْضَوْا إلَّا بِعَدَدٍ يَقْتُلُونَهُمْ فَقَتَلَ بَعْضُ غَنِيٍّ شَأْسِ بْنِ زُهَيْرٍ فَجَمَعَ عَلَيْهِمْ أَبُوهُ زُهَيْرُ بْنُ جَذِيمَةَ فَقَالُوا لَهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ نُدِبَ عَنْهُمْ: سَلْ فِي قَتْلِ شَأْسٍ فَقَالَ: إحْدَى ثَلاَثٍ لاَ يُغْنِينِي غَيْرُهَا, قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تُحْيُونَ لِي شَأْسًا أَوْ تَمْلَئُونَ رِدَائِي مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ أَوْ تَدْفَعُونَ إلَيَّ غَنِيًّا بِأَسْرِهَا فَأَقْتُلَهَا, ثُمَّ لاَ أَرَى أَنِّي أَخَذْت مِنْهُ عِوَضًا. وَقُتِلَ كُلَيْبُ وَائِلٍ فَاقْتَتَلُوا دَهْرًا طَوِيلاً وَاعْتَزَلَهُمْ بَعْضُهُمْ فَأَصَابُوا ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ بُجَيْرٍ فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُمْ عُزْلَتِي فَبُجَيْرٌ بِكُلَيْبٍ وَكُفُّوا عَنْ الْحَرْبِ فَقَالُوا: بُجَيْرٍ بِشِسْعِ نَعْلِ كُلَيْبٍ فَقَاتَلَهُمْ وَكَانَ مُعْتَزِلاً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ: إنَّهُ نَزَلَ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِمَّا كَانُوا يَحْكُمُونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي أَحْكِيهِ كُلَّهُ بَعْدَ هَذَا وَحَكَمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ فَسَوَّى فِي الْحُكْمِ بَيْنَ عِبَادِهِ الشَّرِيفِ مِنْهُمْ وَالْوَضِيعِ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فَقَالَ: إنَّ الْإِسْلاَمَ نَزَلَ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَطْلُبُ بَعْضًا بِدِمَاءٍ وَجِرَاحٍ فَنَزَلَ فِيهِمْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} الآيَةَ. وَالْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُوسَى عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ مُعَاذٌ قَالَ مُقَاتِلٌ أَخَذْت هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ نَفَرٍ حَفِظَ مُعَاذٌ مِنْهُمْ مُجَاهِدًا وَالْحَسَنَ وَالضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} الآيَةَ. (قَالَ) كَانَ كُتِبَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ حُقَّ لَهُ أَنْ يُقَادَ بِهَا وَلاَ يُعْفَى عَنْهُ وَلاَ تُقْبَلُ مِنْهُ الدِّيَةُ وَفُرِضَ عَلَى أَهْلِ الْإِنْجِيلِ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ وَلاَ يُقْتَلَ وَرُخِّصَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} يَقُولُ: الدِّيَةُ تَخْفِيفٌ مِنْ اللَّهِ إذْ جَعَلَ الدِّيَةَ وَلاَ يُقْتَلُ, ثُمَّ قَالَ: {فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يَقُولُ: مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يَقُولُ: لَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَنْتَهِي بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ أَنْ يُصِيبَ مَخَافَةَ أَنْ يُقْتَلَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} قَالَ الْعَفْوُ أَنْ تُقْبَلَ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ: {فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا كَمَا قَالَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ, وَكَذَلِكَ مَا قَالَ مُقَاتِلٌ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذْ ذَكَرَ الْقِصَاصَ, ثُمَّ قَالَ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} لَمْ يَجُزْ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُقَالَ: إنْ عُفِيَ بِأَنْ صُولِحَ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ; لِأَنَّ الْعَفْوَ تَرْكُ حَقٍّ بِلاَ عِوَضٍ. فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْ عُفِيَ عَنْ الْقَتْلِ فَإِذَا عَفَا لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ سَبِيلٌ وَصَارَ لِلْعَافِي الْقَتْلِ مَالٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَهُوَ دِيَةُ قَتِيلِهِ فَيَتَّبِعُهُ بِمَعْرُوفٍ وَيُؤَدِّي إلَيْهِ الْقَاتِلُ بِإِحْسَانٍ, فَلَوْ كَانَ إذَا عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِلْعَافِي يَتَّبِعُهُ وَلاَ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ يُؤَدِّيهِ بِإِحْسَانٍ. (وَقَالَ) وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مَعَ بَيَانِ الْقُرْآنِ فِي مِثْلِ مَعْنَى الْقُرْآنِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلاَ يَحِلُّ لِمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا فَإِنْ ارْتَخَصَ أَحَدٌ فَقَالَ: أُحِلَّتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّهَا لِي وَلَمْ يُحِلَّهَا لِلنَّاسِ, وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ, ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ, ثُمَّ إنَّكُمْ يَا خُزَاعَةُ قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ. مِنْ هُذَيْلٍ وَأَنَا وَاَللَّهِ عَاقِلُهُ فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلاً فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} فَيُقَالُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي قَوْلِهِ: {فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} لاَ يَقْتُلْ غَيْرَ قَاتِلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إنَّهَا خَاصَّةٌ فِي الْحَيَّيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَكَيْتُ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ, ثُمَّ أَدَبُهَا أَنْ يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى إذَا قَتَلَهَا وَلاَ يُقْتَلَ غَيْرُ قَاتِلِهَا إبْطَالاً لاََنْ يُجَاوِزَ الْقَاتِلَ إلَى غَيْرِهِ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ أَفْضَلَ مِنْ الْقَاتِلِ كَمَا وَصَفْت لَيْسَ أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ ذَكَرٌ بِالْأُنْثَى إذَا كَانَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلاَ أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ إنَّمَا يُتْرَكُ قَتْلُهُ مِنْ جِهَةٍ غَيْرُهَا, وَإِذَا كَانَتْ هَكَذَا أَشْبَهَ أَنْ تَكُونَ لاَ تَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يَكُونَ يُقْتَلُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إذَا كَانَا قَاتِلَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهِيَ عَامَّةٌ فِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ أَوْجَبَ بِهَا الْقِصَاصَ إذَا تَكَافَأَ دَمَانِ وَإِنَّمَا يَتَكَافَآنِ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلاَمِ وَعَلَى كُلِّ مَا وَصَفْتُ مِنْ عُمُومِ الآيَةِ وَخُصُوصِهَا دَلاَلَةٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَيُّمَا رَجُلٍ قَتَلَ قَتِيلاً فَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْهُ الدِّيَةَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِلاَ دِيَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَخْذُ الْمَالِ وَتَرْكُ الْقِصَاصِ كَرِهَ ذَلِكَ الْقَاتِلُ أَوْ أَحَبَّهُ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا جَعَلَ السُّلْطَانَ لِلْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانُ عَلَى الْقَاتِلِ فَكُلُّ وَارِثٍ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَقْتُلَ حَتَّى يَجْتَمِعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ عَلَى الْقَتْلِ وَيُنْتَظَرَ غَائِبُهُمْ حَتَّى يَحْضُرَ أَوْ يُوَكِّلَ وَصَغِيرُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ إلَى اجْتِمَاعِ غَائِبِهِمْ وَبُلُوغِ صَغِيرِهِمْ: فَإِنْ مَاتَ غَائِبُهُمْ أَوْ صَغِيرُهُمْ أَوْ بَالِغُهُمْ قَبْلَ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْقَتْلِ فَلِوَارِثِ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ فِي الدَّمِ وَالْمَالِ مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَقْتُلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ الدِّيَةِ فَذَلِكَ لَهُ وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى الدَّمِ إذَا أَخَذَ الدِّيَةَ أَوْ عَفَا بِلاَ دِيَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَقْتُولِ دَيْنٌ وَكَانَتْ لَهُ وَصَايَا لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الدَّيْنِ وَلاَ الْوَصَايَا الْعِوَضُ فِي الْقَتْلِ إنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ, فَإِنْ عَفَا الْوَرَثَةُ وَأَخَذُوا الدِّيَةَ أَوْ عَفَا أَحَدُهُمْ كَانَتْ الدِّيَةُ حِينَئِذٍ مَالاً مِنْ مَالِهِ يَكُونُ أَهْلُ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِهَا وَلِأَهْلِ الْوَصَايَا حَقُّهُمْ مِنْهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَمْ تَخْتَرْ الْوَرَثَةُ الْقَتْلَ وَلاَ الْمَالَ حَتَّى مَاتَ الْقَاتِلُ كَانَتْ لَهُمْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ يُحَاصُّونَ بِهَا غُرَمَاءَهُ كَدَيْنٍ مِنْ دَيْنِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ اخْتَارُوا الْقَتْلَ فَمَاتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ كَانَتْ لَهُمْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ; لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَبْطُلُ عَنْهُمْ بِأَنْ يَخْتَارُوا الْقَتْلَ وَيَقْتُلُونَ فَيَكُونُونَ مُسْتَوْفِينَ لِحَقِّهِمْ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى لَهُمْ بِالْقِصَاصِ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ فَمَاتَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ كَانَتْ لَهُمْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْقَاتِلُ وَلَكِنْ رَجُلٌ قَتَلَهُ خَطَأً فَأُخِذَتْ لَهُ دِيَةٌ كَانَتْ الدِّيَةُ مَالاً مِنْ مَالِهِ لاَ يَكُونُ أَهْلُ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ أَحَقَّ بِهَا مِنْ غُرَمَائِهِ كَمَا لاَ يَكُونُونَ أَحَقَّ بِمَا سِوَاهَا مِنْ مَالِهِ وَلَهُمْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ يَكُونُونَ بِهَا أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ عَمْدًا, ثُمَّ عَفَا الْمَجْرُوحُ عَنْ الْجُرْحِ وَمَا حَدَثَ مِنْهُ, ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ لَمْ يَكُنْ إلَى قَتْلِ الْجَارِحِ سَبِيلٌ بِأَنَّ الْمَجْرُوحَ قَدْ عَفَا الْقَتْلَ فَإِنْ كَانَ عَفَا عَنْهُ لِيَأْخُذَ عَقْلَ الْجُرْحِ أُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ تَامَّةً; لِأَنَّ الْجُرْحَ قَدْ صَارَ نَفْسًا وَإِنْ كَانَ عَفَا عَنْ الْعَقْلِ وَالْقِصَاصِ فِي الْجُرْحِ, ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ فَمَنْ لَمْ يُجِزْ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ أَبْطَلَ الْعَفْوَ وَجَعَلَ الدِّيَةَ تَامَّةً لِلْوَرَثَةِ; لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ وَمَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ جَعَلَ عَفَوْهُ عَنْ الْجُرْحِ وَصِيَّةً يُضْرَبُ بِهَا الْقَاتِلُ فِي الثُّلُثِ مَعَ أَهْلِ الْوَصَايَا وَقَالَ فِيمَا زَادَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى عَقْلِ الْجُرْحِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ مِثْلُ عَقْلِ الْجُرْحِ; لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ مُلِكَ عَنْهُ وَالْآخَرُ لاَ يَجُوزُ; لِأَنَّهُ لاَ يُمْلَكُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَتَلَ نَفَرٌ رَجُلاً عَمْدًا كَانَ لِوَلِيِّ الْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ فِي قَوْلِ مَنْ قَتَلَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ - أَيَّهُمْ أَرَادَ وَيَأْخُذَ مِمَّنْ أَرَادَ مِنْهُمْ الدِّيَةَ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْهَا كَأَنَّهُمْ كَانُوا ثَلاَثَةً فَعَفَا عَنْ وَاحِدٍ فَيَأْخُذَ مِنْ الِاثْنَيْنِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ أَوْ يَقْتُلَهُمَا إنْ شَاءَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانُوا نَفَرًا فَضَرَبُوهُ مَعًا فَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِمْ, وَأَحَدُهُمْ ضَارِبٌ بِحَدِيدَةٍ وَالْآخَرُ بِعَصًا خَفِيفَةٍ وَالْآخَرُ بِحَجَرٍ أَوْ سَوْطٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَكُلُّهُمْ عَامِدٌ لِلضَّرْبِ فَلاَ قِصَاصَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنِّي لاَ أَعْلَمُ بِأَيِّ الضَّرْبِ كَانَ الْمَوْتُ وَفِي بَعْضِ الضَّرْبِ مَا لاَ قَوَدَ فِيهِ بِحَالٍ وَعَلَى الْعَامِدِ بِالْحَدِيدِ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَعَلَى الْآخَرِينَ حِصَّتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ رَمَى شَيْئًا فَأَخْطَأَ بِهِ فَأَصَابَهُ مَعَهُمْ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِ الْعَامِدِينَ بِالْحَدِيدِ - الدِّيَةُ فِي حِصَصِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ حَالَّةً وَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ بِالْحَدِيدَةِ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ كَمَا تَكُونُ دِيَةُ الْخَطَأِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ عَفَا الْمَقْتُولُ عَنْ هَؤُلاَءِ. كُلِّهِمْ كَانَ الْقَوْلُ فِيمَنْ لاَ يُجِيزُ لِلْقَاتِلِ وَصِيَّةً أَوْ مَنْ يُجِيزُهَا كَمَا وَصَفْتُ, وَقَالَ فِي الَّذِي يُشْرِكُهُمْ بِخَطَأٍ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْعَاقِلَةِ لاَ لِلْقَاتِلِ فَجَمِيعُ مَا أَصَابَ الْعَاقِلَةُ مِنْ حِصَّةِ صَاحِبِهِمْ مِنْ الدِّيَةِ وَصِيَّةٌ لَهُمْ جَائِزَةٌ مِنْ الثُّلُثِ وَالْآخَرُ أَنْ لاَ تَجُوزَ لَهُ وَصِيَّةٌ; لِأَنَّهَا لاَ تَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ إلَّا بِسُقُوطِهَا عَنْهُ فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ. (قَالَ الرَّبِيعُ) الْقَوْلُ الثَّانِي أَصَحُّ عِنْدِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَوْلُ فِي الرَّجُلِ يَجْرَحُ الرَّجُلَ جُرْحًا يَكُونُ فِي مِثْلِهِ قِصَاصٌ فَيَبْرَأُ الْمَجْرُوحُ مِنْهُ أَنَّ لِلْمَجْرُوحِ فِي جُرْحِهِ مِثْلَ مَا كَانَ لِأَوْلِيَائِهِ فِي قَتْلِهِ مِنْ الْخِيَارِ فَإِنْ شَاءَ اسْتَقَادَ مِنْ جُرْحِهِ, وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ عَقْلَ الْجُرْحِ مِنْ مَالِ الْجَارِحِ حَالًّا يَكُونُ غَرِيمًا مِنْ الْغُرَمَاءِ يُحَاصُّ أَهْلَ الدَّيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا أَصَابَهُ مِنْ جُرْحٍ عَمْدًا لاَ قِصَاصَ فِيهِ فَعَقْلُهُ فِي مَالِ الْجَارِحِ حَالٌّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ جِنَايَاتٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِمَّا أَرَادَ وَيَأْخُذَ الْعَقْلَ مِمَّا أَرَادَ مِنْهَا, وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ نَفَرٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيَأْخُذَ مِنْ بَعْضٍ الْعَقْلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ أَوْ الْجَارِحُ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حُرًّا مُسْلِمًا كَانَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَلِلْمَجْرُوحِ فِي نَفْسِهِ عَلَى الْجَانِي الْقِصَاصُ أَوْ اخْتِيَارُ الْعَقْلِ مِنْ الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ فَإِنْ اخْتَارُوهُ أَوْ اخْتَارَهُ فَاقْتَصُّوا أَوْ اقْتَصَّ فَلاَ شَيْءَ لَهُمْ غَيْرُ الْقِصَاصِ فَإِنْ اخْتَارُوا أَوْ اخْتَارَ الْعَقْلَ فَذَلِكَ فِي مَالِ الذِّمِّيِّ حَالَ يَكُونُونَ فِي مَالِهِ غُرَمَاءَ لَهُ وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ كَامِلاً يُبَاعُ فِيهِ فَإِنْ بَلَغَ الْعَقْلَ كَامِلاً فَذَلِكَ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَوْ الْمَجْرُوحِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ يَلْزَمْ سَيِّدَهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ زَادَ ثَمَنُ الْعَبْدِ عَلَى الْعَقْلِ رُدَّ إلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءَ سَيِّدُ الْعَبْدِ قَبْلَ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ النَّفْسِ أَوْ الْجُرْحَ مُتَطَوِّعًا غَيْرَ مَجْبُورٍ عَلَيْهِ لَمْ يُبَعْ عَلَيْهِ عَبْدُهُ وَقَدْ أَدَّى جَمِيعَ مَا فِي عُنُقِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ. الْجَانِي عَبْدًا عَلَى عَبْدٍ كَانَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْخِيَارُ فِي الْقِصَاصِ أَوْ الْعَقْلِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي ذَلِكَ خِيَارٌ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ جُرْحًا بَرِئَ مِنْهُ, وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا أَوْ غَيْرَ مَرْهُونٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَخَذَ لَهُ عَقْلاً وَهُوَ مَرْهُونٌ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مَا أَخَذَ لَهُ مِنْ الْعَقْلِ رَهْنًا إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا مِنْ دَيْنِهِ وَلاَ يَمْنَعُ الْقِصَاصَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا جَعَلْتُ عَلَيْهِ إذَا أَخَذَ الْعَقْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ رَهْنًا أَوْ قِصَاصًا; لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ بَدَنِ الْعَبْدِ إنْ مَاتَ أَوْ نَقَصَ بَدَنُهُ لِنَقْصِ الْجِرَاحِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَسَوَاءٌ هَذَا فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِمَالِكَ الْمَمْلُوكِ فِي هَذَا كُلِّهِ فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَذَلِكَ إلَيْهِ دُونَ سَيِّدِهِ يَقْتَصُّ إنْ شَاءَ أَوْ يَأْخُذُ الدِّيَةَ فَإِنْ أَخَذَ الدِّيَةَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَمَا يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ. (قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّبِيعُ) وَفِي الْمُكَاتَبِ يُجْنَى عَلَيْهِ جِنَايَةٌ فِيهَا قِصَاصٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ فَيَصِيرُ رَقِيقًا فَيَكُونُ قَدْ أَتْلَفَ عَلَى سَيِّدِهِ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ مِنْ الْقِصَاصِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ وَيَكُونَ أَوْلَى بِهِ مِنْ السَّيِّدِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اخْتَارَ الْعَقْلَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الَّذِي فِيهِ الْقِصَاصُ فَهُوَ حَالٌّ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَكُلُّ عَمْدٍ وَإِنْ كَانَ دِيَاتٍ فِي مَالِ الْجَانِي مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْ قَتْلِ الْعَمْدِ شَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَحَبَّ الْوُلاَةُ أَوْ الْمَجْرُوحُ الْعَفْوَ فِي الْقَتْلِ بِلاَ مَالٍ وَلاَ قَوَدٍ فَذَلِكَ لَهُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمِنْ أَيْنَ أَخَذْتَ الْعَفْوَ فِي الْقَتْلِ بِلاَ مَالٍ وَلاَ قَوَدٍ؟ قِيلَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} وَمِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنَّ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ كَفَّارَةً أَوْ قَالَ شَيْئًا يَرْغَبُ بِهِ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا فَالْقَوَدُ وَإِنْ أَحَبُّوا فَالْعَقْلُ} قِيلَ لَهُ: نَعَمْ هُوَ فِيمَا يَأْخُذُونَ مِنْ الْقَاتِلِ مِنْ الْقَتْلِ, وَالْعَفْوُ بِالدِّيَةِ وَالْعَفْوُ بِلاَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِأَخْذٍ مِنْ الْقَاتِلِ إنَّمَا هُوَ تَرْكٌ لَهُ كَمَا قَالَ: {وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُعْدَمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ} لَيْسَ أَنْ لَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ وَلاَ تَرْكُ شَيْءٍ يُوجِبُ لَهُ إنَّمَا يُقَالُ هُوَ لَهُ, وَكُلُّ مَا قِيلَ لَهُ أَخْذُهُ فَلَهُ تَرْكُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا, ثُمَّ مَاتَ الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ; لِأَنَّهُ يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَأْخُذُوا أَيَّهُمَا شَاءُوا إلَّا أَنَّ حَقَّهُمْ فِي وَاحِدٍ دُونَ وَاحِدٍ فَإِذَا فَاتَ وَاحِدٌ فَحَقُّهُمْ ثَابِتٌ فِي الَّذِي كَانَ حَقَّهُمْ فِيهِ إنْ شَاءُوا وَهُوَ حَيٌّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لِلرَّجُلِ إذَا جَرَحَهُ الرَّجُلُ الْخِيَارُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْجُرْحِ فَإِنْ مَاتَ الْجَارِحُ فَلَهُ عَقْلُ الْجُرْحِ إنْ شَاءَ حَالًّا كَمَا وَصَفْتُ فِي مَالِ الْجَارِحِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَوَاءٌ أَيُّ مِيتَةٍ مَاتَ الْقَاتِلُ وَالْجَارِحُ بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَدِيَةُ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ, وَجُرْحُهُ فِي مَالِهِ. فَإِنْ جُرِحَ رَجُلٌ جِرَاحَاتٍ فِي كُلِّهَا قِصَاصٌ فَلِلْمَجْرُوحِ الْخِيَارُ فِي كُلِّ جُرْحٍ مِنْهَا كَمَا يَكُونُ فِي جُرْحٍ وَاحِدٍ لَوْ جَرَحَهُ إيَّاهُ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ مِنْ بَعْضِهَا وَأَخَذَ الدِّيَةَ مِنْ بَعْضِهَا وَإِنْ شَاءَ ذَلِكَ فِي كُلِّهَا فَهُوَ لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَأَنَّهُ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَأَوْضَحَهُ فَإِنْ شَاءَ قَطَعَ لَهُ يَدًا وَرِجْلاً وَأَخَذَ عَقْلَ يَدٍ وَرِجْلٍ وَإِنْ شَاءَ أَوْضَحَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ إذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي كُلٍّ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي بَعْضٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ وَالْمَجْرُوحِ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ أَحَبُّوا اقْتَصُّوا لِلْمَيِّتِ مِنْ النَّفْسِ أَوْ الْجُرْحِ إنْ لَمْ يَكُنْ نَفْسَهُ وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ وَإِنْ أَحَبُّوا إذَا كَانَتْ جِرَاحٌ وَلَمْ يَكُنْ نَفْسٌ أَنْ يَأْخُذُوا أَرْشَ بَعْضِ الْجِرَاحِ وَيَقْتَصُّوا مِنْ بَعْضٍ كَانَ لَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرُ بِوَاحِدٍ فَقَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلاً عَمْدًا فَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَقْتُلُوا مَنْ شَاءُوا مِنْهُمْ وَأَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ مِمَّنْ شَاءُوا فَإِذَا أَخَذُوا الدِّيَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ وَاحِدٍ إلَّا عُشْرَ الدِّيَةِ وَإِذَا كَانَتْ الدِّيَةُ فَإِنَّمَا يَغْرَمُهَا الرَّجُلُ عَلَى قَدْرِ مَنْ شَرِكَهُ فِيهَا وَهِيَ خِلاَفُ الْقِصَاصِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ, ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعَةُ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحِ فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ الْقِصَاصَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَصْنَعُوا مَا صَنَعَ بِصَاحِبِهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ وَيَأْخُذُوا أَرْشًا فِيمَا صَنَعَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَإِذَا كَانَتْ. النَّفْسَ فَلاَ أَرْشَ لِلْجِرَاحِ لِدُخُولِ الْجِرَاحِ فِي النَّفْسِ وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا دِيَةَ النَّفْسِ كُلَّهَا وَيَدَعُوا الْقِصَاصَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ دُونَ رِجْلَيْهِ أَوْ بَعْضَ أَطْرَافِهِ الَّتِي قَطَعَ مِنْهُ وَيَدَعُوا قَتْلَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ إذَا قَضَيْت لَهُمْ بِأَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَيَقْتُلُوهُ قَضَيْت لَهُمْ بِأَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِهِ وَيَدَعُوا قَتْلَهُ فَإِنْ قَالُوا نَقْطَعُ يَدَيْهِ, ثُمَّ نَأْخُذُ مِنْهُ دِيَةً أَوْ بَعْضَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ وَقِيلَ إذَا قَطَعْتُمْ يَدَيْهِ فَقَدْ أَخَذْتُمْ مِنْهُ مَا فِيهِ الدِّيَةُ فَلاَ يَكُونُ لَكُمْ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ إلَّا الْقَطْعُ أَوْ الْقَتْلُ فَأَمَّا مَالٌ فَلاَ وَلَوْ قَطَعُوا لَهُ يَدًا أَوْ رِجْلاً ثُمَّ قَالُوا نَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ; لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَأَرَادُوا أَخْذَ الْقَوَدِ مِنْ يَدٍ وَالْأَرْشِ مِنْ أُخْرَى كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْرَأَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَجَرَحَهُ جَائِفَةً مَعَ قَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ: نَجْرَحُهُ جَائِفَةً وَنَقْتُلُهُ لَمْ يُمْنَعُوا ذَلِكَ, وَإِنْ أَرَادُوا تَرْكَهُ بَعْدَهَا تَرَكُوهُ وَلَوْ قَالُوا عَلَى الِابْتِدَاءِ: نَجْرَحُهُ جَائِفَةً وَلاَ نَقْتُلُهُ لَمْ يُتْرَكُوا, وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُتْرَكُونَ إذَا قَالُوا نَقْتُلُهُ بِمَا يُقَادُ مِنْهُ فِي الْجِنَايَةِ وَأَمَّا مَا لاَ يُقَادُ مِنْهُ فَلاَ يُتْرَكُونَ وَإِيَّاهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الآيَةِ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِيرَاثًا مِنْهُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا فَالْقَوَدُ وَإِنْ أَحَبُّوا فَالْعَقْلُ} وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا عَلِمْتُهُ فِي أَنَّ الْعَقْلَ مَوْرُوثٌ كَمَا يُورَثُ الْمَالُ, وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَكُلُّ وَارِثٍ وَلِيُّ الدَّمِ كَمَا كَانَ لِكُلِّ وَارِثٍ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مِيرَاثِ الْمَيِّتِ زَوْجَةً كَانَتْ لَهُ أَوْ ابْنَةً أَوْ أُمًّا أَوْ وَلَدًا أَوْ وَالِدًا لاَ يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ وِلاَيَةِ الدَّمِ إذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا بِالدَّمِ مَالاً كَمَا لاَ يُخْرِجُونَ مَنْ سِوَاهُ مِنْ مَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلاً فَلاَ سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ إلَّا بِأَنْ يُجْمِعَ جَمِيعُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا عَلَى الْقِصَاصِ فَإِذَا فَعَلُوا فَلَهُمْ الْقِصَاصُ وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلاَ مَالَ لَهُ أَوْ كَانَتْ لَهُ وَصَايَا كَانَ لِلْوَرَثَةِ الْقَتْلُ وَإِنْ كَرِهَ أَهْلُ الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَأَنَّ الْوَرَثَةَ إنْ شَاءُوا مَلَكُوا الْمَالَ بِسَبَبِهِ وَإِنْ شَاءُوا مَلَكُوا الْقَوَدَ, وَكَذَلِكَ إنْ شَاءُوا عَفَوْا عَلَى غَيْرِ مَالٍ وَلاَ قَوَدٍ; لِأَنَّ الْمَالَ لاَ يُمْلَكُ بِالْعَمْدِ إلَّا بِمَشِيئَةِ الْوَرَثَةِ أَوْ بِمَشِيئَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِذَا كَانَ فِي وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ صِغَارٌ أَوْ غُيَّبٌ لَمْ يَكُنْ إلَى الْقِصَاصِ سَبِيلٌ حَتَّى يَحْضُرَ الْغُيَّبُ وَيَبْلُغَ الصِّغَارُ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الْقِصَاصِ فَذَلِكَ لَهُمْ وَإِذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَعْتُوهٌ فَلاَ سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ حَتَّى يُفِيقَ أَوْ يَمُوتَ فَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ وَأَيُّ الْوَرَثَةِ كَانَ بَالِغًا فَعَفَا بِمَالٍ أَوْ بِلاَ مَالٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَكَانَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ, وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ صَارَتْ لَهُمْ الدِّيَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ لِلدَّمِ وَلِيَّانِ فَحُكِمَ لَهُمَا بِالْقِصَاصِ أَوْ لَمْ يُحْكَمْ حَتَّى قَالَ أَحَدُهُمَا: قَدْ عَفَوْتُ الْقَتْلَ لِلَّهِ أَوْ قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ أَوْ قَدْ تَرَكْتُ الِاقْتِصَاصَ مِنْهُ أَوْ قَالَ الْقَاتِلُ: اُعْفُ عَنِّي فَقَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ فَقَدْ بَطَلَ الْقِصَاصُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ أَخَذَهُ; لِأَنَّ عَفْوَهُ عَنْ الْقِصَاصِ غَيْرُ عَفْوِهِ عَنْ الْمَالِ إنَّمَا هُوَ عَفْوُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} يَعْنِي مَنْ عُفِيَ لَهُ عَنْ الْقِصَاصِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِصَاصٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ الدِّيَةِ وَلَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ مَا لَزِمَكَ لِي لَمْ يَكُنْ هَذَا عَفْوًا لِلدِّيَةِ وَكَانَ عَفْوًا لِلْقِصَاصِ وَإِنَّمَا كَانَ عَفْوًا لِلْقِصَاصِ دُونَ الْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ عَفْوًا لِلْمَالِ دُونَ الْقِصَاصِ وَلاَ لَهُمَا; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ بِالْقِصَاصِ, ثُمَّ قَالَ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَفْوَ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ تَرْكُ الْقِصَاصِ; لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْأَمْرَيْنِ وَحَكَمَ بِأَنْ يَتَّبِعَ بِالْمَعْرُوفِ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الْمَعْفُوُّ لَهُ بِإِحْسَانٍ وَقَوْلُهُ مَا يَلْزَمُكَ لِي عَلَى الْقِصَاصِ اللَّازِمِ كَانَ لَهُ وَهُوَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ إذَا عُفِيَ لَهُ عَنْ الْقِصَاصِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الدِّيَةَ حَتَّى يَعْفُوَهَا صَاحِبُهَا وَلَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْك الدِّيَةَ لَمْ يَكُنْ هَذَا عَفْوًا لَهُ عَنْ الْقِصَاصِ; لِأَنَّهُ مَا كَانَ مُقِيمًا عَلَى الْقِصَاصِ فَالْقِصَاصُ لَهُ دُونَ الدِّيَةِ وَهُوَ لاَ يَأْخُذُ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْ الدِّيَةِ, ثُمَّ مَاتَ الْقَاتِلُ فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ الدِّيَةِ; لِأَنَّهُ عَفَا عَنْهَا وَلَيْسَتْ لَهُ إنَّمَا تَكُونُ لَهُ بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْ الْقِصَاصِ, وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ عَفْوُهُ, وَلَوْ عَفَاهُمَا فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ كَانَ عَفْوُهُ جَائِزًا وَكَانَ عَفْوُهُ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَصِيَّةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِي إلَّا الدِّيَةُ, وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَعَفَاهَا فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إلَّا أَخْذُهَا مِنْ الْقَاتِلِ, وَلَوْ عَفَاهَا وَلِيُّهُ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلاً, وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ وَلِيُّهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ لَيْسَ بِنَظَرٍ لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا عَفَا الْمَحْجُورُ عَنْ الْقِصَاصِ جَازَ عَفْوُهُ عَنْهُ وَكَانَتْ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مَعَهُ الدِّيَةُ; لِأَنَّ فِي عَفْوِهِ عَنْ الْقِصَاصِ زِيَادَةً فِي مَالِهِ وَعَفْوُهُ الْمَالَ نَقْصٌ فَلاَ يَجُوزُ عَفْوُهُ الْمَالَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ جَازَ لَهُ عَفْوُ مَالِهِ سِوَى الدِّيَةِ جَازَ ذَلِكَ لَهُ فِي الدِّيَةِ وَمَنْ لَمْ يَجُزْ عَفْوُ مَالِهِ سِوَى الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ عَفْوُ الدِّيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ قَدْ عَفَوْت عَنْ الْقَاتِلِ أَوْ قَدْ عَفَوْت حَقِّي عَنْ الْقَاتِلِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ كَانَ لِوَرَثَتِهِ أَخْذُ حَقِّهِ مِنْ الدِّيَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْقِصَاصُ فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّهُ قَدْ عَفَا الدِّيَةَ وَالْقَوَدَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ أَرَادَ إحْلاَفَ الْوَرَثَةِ مَا يَعْلَمُونَهُ عَفَاهُمَا أَحَلَفُوهُمْ وَأَخَذُوا بِحَقِّهِمْ مِنْ الدِّيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْعَافِي حَيًّا فَادَّعَى عَلَيْهِ الْقَاتِلُ أَنَّهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ الدَّمَ وَالْمَالَ أُحْلِفَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُ فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى أَحَدٍ فِيهَا الْقِصَاصُ دُونَ النَّفْسِ كَالنَّفْسِ, لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا أَرَادَ أَوْ أَخْذُ الْمَالِ أَوْ الْعَفْوُ بِلاَ مَالٍ فَإِنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ الْجِرَاحِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ فَوَلِيُّهُ يَقُومُ فِي الِاقْتِصَاصِ وَالْعَفْوِ مَقَامَهُ وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي النَّفْسِ لاَ يَخْتَلِفَانِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ أَوْ غَيْرِهَا فَشَهِدَ أَحَدُ وَرَثَتِهِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَفَا الْقِصَاصَ أَوْ عَفَا الْمَالَ وَالْقِصَاصَ فَلاَ سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ كَانَ الشَّاهِدُ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَوْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ بَالِغًا وَارِثًا لِلْمَقْتُولِ; لِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِ إقْرَارًا أَنَّ دَمَ الْقَاتِلِ مَمْنُوعٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أُحَلِّفُ الشُّهُودَ عَلَيْهِ مَا عَفَا الْمَالَ وَكَانَتْ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَلاَ يَحْلِفُ مَا عَفَا الْقِصَاصَ; لِأَنَّهُ لاَ سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ وَلاَ أُحَلِّفُهُ عَلَى مَا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ أَطْرَحْ عَنْهُ بِيَمِينِهِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَلَفَ الْقَاتِلُ مَعَ شَهَادَتِهِ لَهُ أَنَّهُ عَفَا عَنْهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِالْمَالِ وَبَرِئَ مِنْ حِصَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ وَأَخَذَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ مِنْهُمْ حِصَصَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ. وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْوَارِثِ أَنَّهُ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْ دَمِ أَبِي أَوْ عَفَوْتُ عَنْ فُلاَنٍ دَمَ أَبِي أَوْ عَفَوْتُ عَنْ فُلاَنٍ تَبَاعَتِي فِي دَمِ أَبِي أَوْ عَفَوْتُ عَنْ فُلاَنٍ مَا يَلْزَمُهُ لِأَبِي أَوْ مَا يَلْزَمُهُ لِي مِنْ قِبَلِ أَبِي كَانَ هَذَا كُلُّهُ عَفْوًا لِلدَّمِ وَلَمْ يَكُنْ عَفْوًا لِحِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ حَتَّى يُبَيِّنَ فَيَقُولَ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ الدَّمَ وَالدِّيَةَ أَوْ الدَّمَ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَالِ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ وَصَلَ كَلاَمَهُ فَقَالَ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْعُقُوبَةِ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا عَفْوًا لِلْمَالِ حَتَّى يَقُولَ: قَدْ عَفَوْت عَنْهُ الدَّمَ وَالْمَالَ الَّذِي يَلْزَمُهُ لِأَبِي, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ دَمًا وَمَا يَلْزَمُهُ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْعُقُوبَةَ تَلْزَمُهُ وَلَيْسَ هَذَا عَفْوًا لِلْمَالِ حَتَّى يُسَمِّيَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ وَصَلَ فَقَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ فِي دَمِ أَبِي مِنْ قِصَاصٍ وَعُقُوبَةٍ فِي مَالٍ لَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَنْ الدِّيَةِ حَتَّى يَقُولَ: مَا يَلْزَمُهُ لِي مِنْ الْمَالِ أَوْ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَالِ; لِأَنَّهُ قَدْ يَجْهَلُ فَيَرَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرَقَ لَهُ مَالٌ أَوْ يُقْطَعَ أَوْ يُعَاقَبَ فِيهِ فَالدِّيَةُ لَيْسَتْ عُقُوبَةً وَعَلَيْهِ فِي هَذَا كُلِّهِ الْيَمِينُ مَا عَفَا الدِّيَةَ وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَشَهِدَ الِاثْنَانِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا عَلَى الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمْ عَفَوْا الدِّيَةَ وَالْقِصَاصَ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ جَائِزَةً وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ شَهَادَتِهِمْ مَا يَجُرُّونَ بِهِ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَلاَ يَدْفَعُونَ بِهِ عَنْهَا; لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَفْوُ الدَّمِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَهُ صَاحِبُهُ وَلَيْسَتْ تَصِيرُ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَفْوًا إلَى صَاحِبِهِ فَيَكُونُ جَارًّا بِهَا إلَى نَفْسِهِ شَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ لِلدَّمِ وَلِيَّانِ: أَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ أَوْ حَاضِرٌ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْقَتْلِ وَلَمْ يُخَيِّرْهُ فَعَدَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ فَقَتَلَ قَاتِلَ أَبِيهِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا لاَ قِصَاصَ بِحَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا يُسْقِطُ مَنْ قَالَ هَذَا - الْقَوَدَ عَنْهُ إذَا لَمْ يُجْمِعْ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَإِنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} يَحْتَمِلُ أَيَّ وَلِيٍّ قَتَلَ كَانَ أَحَقَّ بِالْقَتْلِ وَقَدْ كَانَ يَذْهَبُ إلَى هَذَا أَكْثَرُ مُفْتِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيَقُولُونَ لَوْ قُتِلَ رَجُلٌ لَهُ مِائَةُ وَلِيٍّ فَعَفَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ كَانَ لِلْبَاقِي الَّذِي لَمْ يَعْفُ الْقَوَدُ وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحَدِّ يَكُونُ لِلرَّجُلِ فَيَمُوتُ فَيَعْفُو أَحَدُ بَنِيهِ أَنَّ لِلْآخَرِ الْقِيَامَ بِهِ فَبِهَذَا أَسْقَطَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقِصَاصَ عَنْ الْقَاتِلِ وَالتَّعْزِيرَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ يَجْهَلُ عُزِّرَ بِالتَّعَدِّي بِالْقَتْلِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ وُلاَةِ الدَّمِ, ثُمَّ قِيلَ لِوُلاَةِ الدَّمِ مَعَهُ لَكُمْ حِصَّةٌ مِنْ الدِّيَةِ فَإِنْ عَفَوْتُمُوهَا تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَخْذَهَا فَهِيَ لَكُمْ وَالْقَوْلُ مِمَّنْ يَأْخُذُونَهَا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَهُمْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَيَرْجِعُ بِهَا وَرَثَةُ الْقَاتِلِ فِي مَالِ قَاتِلِهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ إنْ عَفَوْا عَنْ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ رَجَعَ وَرَثَةُ قَاتِلِ الْمَقْتُولِ عَلَى قَاتِلِ صَاحِبِهِمْ بِحِصَّةِ الْوَرَثَةِ مَعَهُ مِنْ الدِّيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا لِلْوَرَثَةِ فِي مَالِ أَخِيهِمْ; لِأَنَّهُ قَاتِلُ أَبِيهِمْ; لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا كَانَتْ تَلْزَمُهُ لَوْ كَانَ لَمْ يَقْتُلْهُ وَلِيٌّ فَإِذَا قَتَلَهُ وَلِيٌّ يُدْرَأُ عَنْهُ الْقِصَاصُ فَلاَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَيُوجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ قَاتِلَ أَبِيهِ الْقِصَاصَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى الْقَتْلِ وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَقَالَ قَتَلَ ابْنِي أَوْ رَجُلاً أَنَا وَلِيُّهُ طُلِبَ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَقَامَهَا بِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا عُزِّرَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ وَلاَ كَفَّارَةٌ وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا اُقْتُصَّ مِنْهُ. وَلَوْ قُتِلَ رَجُلٌ لَهُ وَلِيَّانِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا قَاتِلَ أَبِيهِ وَادَّعَى أَنَّ الْوَلِيَّ مَعَهُ أَذِنَ لَهُ أُحَلِّفُ الْوَلِيَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ كَانَ لَهُ نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى مَا وَصَفْت وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدِّيَةِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ وَلِيَّانِ أَوْ أَوْلِيَاءُ فَعَفَا أَحَدُ أَوْلِيَائِهِ الْقِصَاصَ, ثُمَّ عَدَا عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ فَقَتَلَهُ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ عَفْوَ مَنْ مَعِي فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ فَإِذَا اقْتَصَّ مِنْهُ فَنَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ الْمَقْتُولِ الَّذِي اُقْتُصَّ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنْ يَحْلِفَ مَا عَلِمَ عَفْوَهُ, ثُمَّ عُوقِبَ وَلَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَأُغَرِّمُ دِيَتَهُ حَالَّةً فِي مَالِهِ يُرْفَعُ عَنْهُ مِنْهَا بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ دِيَةِ الْمَقْتُولِ الَّذِي هُوَ وَارِثُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْآخَرِ لَقَدْ عَلِمَ, ثُمَّ فِي الْقِصَاصِ مِنْهُ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ وَالْآخَرُ لاَ قِصَاصَ مِنْهُ وَمَنْ قَالَ يُقْتَصُّ مِنْهُ جَعَلَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ نَصِيبَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ وَلِلَّذِي قُتِلَ بِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ لَمَّا أَخَذَ مِنْهُ الْقِصَاصَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا عَفَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْقِصَاصَ فَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَهُمْ بِالدِّيَةِ فَأَيُّهُمْ قَتَلَ الْقَاتِلَ قُتِلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَدَعَ ذَلِكَ وَرَثَتُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ الْجِنَايَةَ فِيهَا قِصَاصٌ فَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَدْ عَفَوْت عَنْ الْجَانِي جِنَايَتَهُ عَلَيَّ وَبَرَّأَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْجِنَايَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ الْجَانِي وَسَأَلَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ قَدْ عَفَوْت لَهُ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ جَازَ عَفْوُهُ لِلْمَالِ إنْ كَانَ يَلِي مَالَهُ وَإِنْ كَانَ لاَ يَلِي مَالَهُ جَازَ عَفْوُهُ لِلْقِصَاصِ وَأُخِذَ لَهُ الْمَالُ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا وَهَكَذَا إنْ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي وَهُوَ يَلِي مَالَهُ سُئِلَ وَرَثَتُهُ فَإِنْ قَالُوا: لاَ نَعْلَمُهُ عَفَا الْمَالَ, أُحْلِفُوا: مَا عَلِمُوهُ عَفَا الْمَالَ وَأَخَذُوا الْمَالَ مِنْ مَالِ الْجَانِي إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْجَانِي بِبَيِّنَةٍ عَلَى عَفْوِهِ الْمَالَ وَالْقِصَاصَ مَعًا فَيَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ, وَلَوْ جَاءَ الْجَانِي بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ قَالَ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ مَا يَلْزَمُهُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَيَّ لَمْ يَكُنْ هَذَا عَفْوَ الْمَالِ حَتَّى يُبَيِّنَ فَيَقُولَ مِنْ قِصَاصٍ وَأَرْشٍ فَيَجُوزَ عَفْوُ الْمَالِ وَلَوْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي بَعْدَ قَوْلِهِ قَدْ عَفَوْت عَنْ الْجَانِي جِنَايَتَهُ عَلَيَّ سَقَطُ الْقِصَاصُ وَكَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ دِيَةُ النَّفْسِ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ مَا لَزِمَهُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَيَّ مِنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا كَانَ هَكَذَا. وَلَوْ قَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْهُ مَا لَزِمَهُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَيَّ مِنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ فَلَمْ يَمُتْ مِنْ الْجِنَايَةِ وَصَحَّ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ الْعَفْوُ فِيمَا لَزِمَهُ بِالْجِنَايَةِ نَفْسِهَا وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا لَزِمَهُ بِزِيَادَتِهَا; لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَكُنْ وَجَبَتْ لَهُ يَوْمَ عَفَا, وَلَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً بِحَالٍ وَكَانَتْ كَهِبَةٍ وَهَبَهَا مَرِيضًا, ثُمَّ صَحَّ فَتَجُوزُ جَوَازَ هِبَةِ الصَّحِيحِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَمْ يَصِحَّ حَتَّى جَرَحَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَخَرَجَ الْأَوَّلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَاتِلاً كَانَ أَرْشُ الْجُرْحِ كُلِّهِ وَصِيَّةً جَائِزَةً يُضْرَبُ بِهَا مَعَ أَهْلِ الْوَصَايَا; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ. (قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ قَاتِلٌ مَعَ غَيْرِهِ فَلاَ تَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَارِحُ الثَّانِي قَدْ ذَبَحَهُ أَوْ قَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ الْقَاتِلَ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْأَوَّلِ; لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْقَاتِلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَقَالَ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ الْجِنَايَةَ وَمَا يَحْدُثُ فِيهَا وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْهَا مِنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَلاَ سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ بِحَالِ الْعَفْوِ عَنْهُ وَالنَّظَرِ إلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ نَفْسِهَا فَكَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَائِزُ الْعَفْوِ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْعَافِي عَنْهُ كَأَنْ كَانَ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَعَفَا عَقْلَهَا وَقَوَدَهَا فَيُرْفَعُ عَنْهُ مِنْ الدِّيَةِ نِصْفُ عُشْرِهَا; لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْجِنَايَةِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ; لِأَنَّهُ عَفَا عَمَّا لَمْ يَجِبْ لَهُ فَلاَ يَجُوزُ عَفْوُهُ فِيهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُؤْخَذَ بِجَمِيعِ الْجِنَايَةِ; لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا وَهَذَا قَاتِلٌ لاَ تَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةٌ بِحَالٍ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ يَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ, ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا وَعَفَا جَازَ لَهُ الْعَفْوُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الثُّلُثِ; لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ لَهُ أَكْثَرَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ نَقَصَ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي; لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا وَهَذَا قَاتِلٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ قَدْ عَفَوْت عَنْكَ الْعَقْلَ وَالْقَوَدَ فِي كُلِّ مَا جَنَيْت عَلَيَّ فَجَنَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَوْلِ لَمْ يَكُنْ هَذَا عَفْوًا وَكَانَ لَهُ الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ; لِأَنَّهُ عَفَا عَنْهُ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى أَبِي الرَّجُلِ جُرْحًا فَقَالَ ابْنُهُ وَهُوَ وَارِثُهُ: قَدْ عَفَوْت عَنْ جِنَايَتِك عَلَى أَبِي فِي الْعَقْلِ وَالْقَوَدِ مَعًا لَمْ يَكُنْ هَذَا عَفْوًا; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لِأَبِيهِ وَلاَ يَكُونُ لَهُ الْقِيَامُ بِهَا إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ وَلَهُ إذَا مَاتَ أَبُوهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ أَوْ الْقَوَدَ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْفُ بَعْدَ مَا وَجَبَ لَهُ وَلَوْ عَفَاهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ إذَا عَفَاهُمَا مَعًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ جِنَايَةً فِيهَا قِصَاصٌ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الْأَرْشُ وَالْجِنَايَةُ وَالدِّيَةُ كُلُّهَا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ عَفَا الْقِصَاصَ وَالْأَرْشَ جَازَ الْعَفْوُ إنْ صَحَّ مِنْهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ, وَإِنْ مَاتَ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ جَازَ الْعَفْوُ; لِأَنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ يَضْرِبُ بِهِ سَيِّدُ الْعَبْدِ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ مَعَ أَهْلِ الْوَصَايَا بِالْأَقَلِّ مِنْ الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ مَا كَانَ أَوْ قِيمَةِ رَقَبَةِ عَبْدِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا أَجَزْنَاهَا هُنَا أَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ وَسَيِّدُهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ, وَلَوْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ مُوضِحَةً فَقَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْهُ الْقِصَاصَ وَالْعَقْلَ وَمَا يَحْدُثُ فِي الْجِنَايَةِ جَازَ لَهُ الْعَفْوُ عَنْ الْمُوضِحَةِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ مَا بَقِيَ; لِأَنَّهُ عَفَا عَمَّا لَمْ يَجِبْ لَهُ وَلَمْ يُوصِ إنْ وَجَبَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ, وَلَوْ أَنَّهُ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ الْمُوضِحَةِ أَوْ ازْدَادَتْ فَزِيَادَتُهَا بِالْمَوْتِ وَغَيْرِهِ وَصِيَّةٌ لَهُ جَازَ الْعَفْوُ مِنْ الثُّلُثِ, أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ كَانَ لَهُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ مَالٌ فَقَالَ: مَا رَبِحَ فِيهِ فُلاَنٌ فَهُوَ هِبَةٌ لِفُلاَنٍ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَ وَصِيَّةٌ لِفُلاَنٍ جَازَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ جَنَى عَلَى الْحُرِّ جِنَايَةً أَقَرَّ بِهَا الْعَبْدُ وَلَمْ تَقُمْ بِهَا بَيِّنَةٌ فَقَالَ الْحُرُّ: قَدْ عَفَوْت الْجِنَايَةَ وَعَقْلَهَا أَوْ مَا يَحْدُثُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِصَاصٌ بِحَالِ الْعَفْوِ وَكَانَ الْعَقْلُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ فَكَانَ عَفْوُهُ عَنْهُ الْعَقْلَ كَعَفْوِهِ عَنْ الْحَدِّ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ مِنْهُ إذَا عَتَقَ مَا يَجُوزُ لِلْجَانِي الْحُرِّ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَيُرَدُّ عَنْهُ مَا يُرَدُّ عَنْ الْحُرِّ. وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ مُوضِحَةً عَمْدًا فَابْتَاعَ الْحُرُّ الْعَبْدَ مِنْ سَيِّدِهِ بِالْمُوضِحَةِ كَانَ هَذَا عَفْوًا لِلْقِصَاصِ فِيهَا وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَا مَعًا أَرْشَ الْمُوضِحَةِ فَيَبْتَاعُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ فَيَكُونُ الْبَيْعُ جَائِزًا, وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ مُوضِحَةٍ أَوْ أَقَلَّ; لِأَنَّ الْأَثْمَانَ لاَ تَجُوزُ إلَّا مَعْلُومَةً عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا كَانَ لَهُ رَدُّهُ وَكَانَ لَهُ فِي عُنُقِهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ, وَلَوْ أَخَذَهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ فَمَاتَ فِي يَدَيْ الْمُشْتَرِي كَانَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ يُحَاصُّ بِهَا مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ فِي عُنُقِهِ. وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا جَنَى عَلَى حُرٍّ عَمْدًا فَأَعْتَقَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْعَبْدَ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ لاَ يَعْلَمُ فَسَوَاءٌ وَلِلْحُرِّ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْعَقْلَ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَى السَّيِّدِ الْمُعْتِقِ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ الْعَقْلِ أَوْ قِيمَةِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ عَمْدًا وَخَطَأً سَوَاءٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا جَنَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ مُوضِحَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَنَكَحَهَا عَلَى الْمُوضِحَةِ فَالنِّكَاحُ عَلَيْهَا عَفْوٌ لِلْجِنَايَةِ وَلاَ سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ, وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَإِنْ كَانَا قَدْ عَلِمَا أَرْشَ الْجِنَايَةِ كَانَ مَهْرُهَا أَرْشَ الْجِنَايَةِ فِي الْعَمْدِ خَاصَّةً فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَإِنْ نَكَحَهَا عَلَى أَرْشِ مُوضِحَةٍ خَطَأً كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَكَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهَا أَرْشُ مُوضِحَةٍ; لِأَنَّهُ إنَّمَا نَكَحَهَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى غَيْرِهَا وَلاَ يَجُوزُ صَدَاقُ دَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُصَدَّقِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا عَاشَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْهَا فَكَانَ الصَّدَاقُ جَائِزًا وَزَادَهَا فِيهِ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا رُدَّتْ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِالْفَضْلِ; لِأَنَّهَا تَصِيرُ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ فَلاَ تَجُوزُ, وَلَوْ جَنَتْ عَلَى عَبْدٍ لَهُ جِنَايَةً فَنَكَحَهَا عَلَيْهَا جَازَ كَنِكَاحِهِ إيَّاهَا عَلَى جِنَايَةِ نَفْسِهِ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا فِي أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا كَانَ جَائِزًا وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمَاتَ الْعَبْدُ جَائِزٌ; لِأَنَّهَا لَمْ تَجْنِ عَلَى السَّيِّدِ فَيَكُونُ قَابِلاً وَلَمْ يَكُنْ صَدَاقُهَا فِي مَعْنَى الْوَصَايَا بِحَالٍ فَلاَ يَجُوزُ مِنْهُ مَا جَاوَزَ صَدَاقَ مِثْلِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَيُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ وَالْحُدُودِ سِوَى الزِّنَا شَاهِدَانِ. وَإِذَا كَانَ الْجُرْحُ وَالْقَتْلُ عَمْدًا لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا شَاهِدَانِ وَلاَ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلاَ يَمِينٌ وَشَاهِدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُرْحُ عَمْدًا مِمَّا لاَ قِصَاصَ فِيهِ بِحَالٍ, مِثْلُ الْجَائِفَةِ وَمِثْلُ جِنَايَةِ مَنْ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْتُوهٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ أَوْ حُرٍّ عَلَى عَبْدٍ أَوْ أَبٍ عَلَى ابْنِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا قُبِلَ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٌ وَشَاهِدٌ; لِأَنَّهُ مَالٌ بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ هَاشِمَةً أَوْ مَأْمُومَةً لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ; لِأَنَّ الَّذِي شُجَّ هَاشِمَةً أَوْ مَأْمُومَةً إنْ أَرَادَ أَنْ آخُذَ لَهُ الْقِصَاصَ مِنْ مُوضِحَةٍ فَعَلْت; لِأَنَّهَا مُوضِحَةٌ وَزِيَادَةٌ فَإِذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ الْأَدْنَى إنْ أَرَادَ أَنْ آخُذَ لَهُ فِيهَا قَوَدًا أَخَذْتهَا لَمْ أَقْبَلْ فِيهَا شَهَادَةَ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلاَ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِذَا كَانَتْ لاَ قِصَاصَ فِي أَدْنَى شَيْءٍ مِنْهَا وَلاَ أَعْلاَهُ قَبِلْت فِيهَا شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ وَشَاهِدًا وَيَمِينًا. وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ قَتْلَ عَمْدٍ وَقَالَ قَدْ عَفَوْت الْقَوَدَ أَوْ قَالَ لِي الْقَوَدُ أَوْ الْمَالُ وَأَنَا آخُذُ الْمَالَ وَسَأَلَ أَنْ يُقْبَلَ لَهُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ يَمِينٌ وَشَاهِدٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ; لِأَنَّهُ لاَ يَجِبُ لَهُ مَالٌ حَتَّى يَجِبَ لَهُ قَوَدٌ. وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ جُرْحًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ أَقْبَلْ لَهُ شَهَادَةَ وَارِثٍ لَهُ بِحَالٍ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَفْسًا فَيَسْتَوْجِبُ بِشَهَادَتِهِ الدِّيَةَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ ابْنٌ وَابْنُ عَمٍّ فَادَّعَى جُرْحًا فَشَهِدَ لَهُ ابْنُ عَمِّهِ قَبِلْت شَهَادَتَهُ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ لَهُ فَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا حَتَّى مَاتَ ابْنُهُ طَرَحْت شَهَادَةَ ابْنِ عَمِّهِ; لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ وَارِثًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ; لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَرِثَهُ وَإِنْ حُكِمَ بِهَا, ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ فَصَارَ ابْنُ عَمِّهِ الْوَارِثَ لَمْ تُرَدَّ; لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى بِهَا فِي حِينِ لاَ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِهَا شَيْئًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ شَاهِدَيْنِ بِقَتْلٍ عَمْدًا وَهُوَ مِمَّنْ يُسْتَقَادُ مِنْهُ لِلْمَقْتُولِ فَأَتَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِرَجُلَيْنِ مِنْ عَاقِلَتِهِ غَيْرِ وَلَدِهِ أَوْ وَالِدِهِ يَشْهَدَانِ لَهُ عَلَى جَرْحِ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عَلَيْهِ قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا; لِأَنَّهُمَا لاَ يَعْقِلاَنِ عَنْهُ فِي الْعَمْدِ فَيَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَقْلاً وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ قَتْلَ خَطَأٍ وَأَقَامَ بِهِ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ فَجَاءَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِرَجُلَيْنِ مِنْ عَاقِلَتِهِ يَجْرَحَانِ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا; لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ الْعَقْلِ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا مِنْ عَاقِلَتِهِ فَقِيرَيْنِ لاَ يَلْزَمُهُمَا لِذَلِكَ عَقْلٌ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُمَا مَالٌ فِي وَقْتِ الْعَقْلِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمَا الْعَقْلُ فَيَكُونَا دَافِعَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ خَطَأً فَجَاءَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِرِجَالٍ مِنْ عَصَبَتِهِ يَجْرَحُونَهُمَا انْبَغَى لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ الَّذِينَ جَرَحُوهُمَا مِمَّنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْقِلَ عَنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ حِينَ شَهِدُوا إنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا, وَذَلِكَ أَنْ لاَ يَكُونَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ نَسَبًا مِنْهُمَا يَحْمِلُ الْعَقْلَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ نَسَبًا مِنْهُمَا يَحْمِلُ الْعَقْلَ عَنْهُ حَتَّى لاَ يَخْلُصَ إلَى أَنْ يَعْقِلَ الشَّاهِدَانِ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَقْلَ عَنْهُ مِنْ الْعَاقِلَةِ أَوْ حَاجَتِهِمْ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا; لِأَنَّهُمَا حِينَ شَهِدَا مِنْ غَيْرِ عَاقِلَتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلاَ أَقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْجِنَايَةِ إلَّا مَا أَقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُقُوقِ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ رَجُلاً ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَقَّفْتُهُمَا فَإِنْ قَالاَ: أَنْهَرَ دَمَهُ وَمَاتَ مَكَانَهُ مِنْ ضَرْبِهِ قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا وَإِنْ قَالاَ مَا نَدْرِي أَنَهَرَ دَمَهُ أَوْ لَمْ يَنْهَرْ. لَمْ أَجْعَلْهُ بِهَا جَارِحًا وَلَوْ قَالاَ: ضَرَبَهُ فِي رَأْسِهِ فَرَأَيْنَا دَمًا سَائِلاً لَمْ أَجْعَلْهُ جَارِحًا إلَّا بِأَنْ يَقُولاَ سَالَ مِنْ ضَرْبَتِهِ, ثُمَّ لَمْ أَجْعَلْهَا دَامِيَةً حَتَّى يَقُولاَ وَأَوْضَحَهَا وَهَذِهِ هِيَ نَفْسُهَا أَوْ هِيَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ بَرَأَ مِنْهَا فَأَرَادَ الْقِصَاصَ لَمْ أَقْضِهِ إلَّا بِأَنْ يَقُولاَ هِيَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا أَوْ يَصِفَاهَا طُولَهَا وَعَرْضَهَا فَإِنْ قَالاَ أَوْضَحَهُ وَلاَ نَدْرِي كَمْ طُولُ الْمُوضِحَةِ لَمْ أَقْضِهِ مِنْهُ وَإِنْ قَالاَ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ وَلاَ نُثْبِتُ أَيْنَ مَوْضِعُ الْمُوضِحَةِ لَمْ أَقْضِهِ; لِأَنِّي لاَ أَدْرِي أَيْنَ آخُذُ مِنْهُ الْقِصَاصَ مِنْ رَأْسِهِ وَجَعَلْت عَلَيْهِ الدِّيَةَ; لِأَنَّهُمَا قَدْ أَثْبَتَا عَلَى أَنَّهُ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ وَلَوْ قَالاَ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ, وَالْمَقْطُوعُ إحْدَى يَدَيْهِ مَقْطُوعُ الْيَدِ الْأُخْرَى, قِصَاصٌ إذَا لَمْ يُثْبِتَا الْيَدَ الَّتِي قَطَعَ وَعَلَى الْجَانِي الْأَرْشُ فِي مَالِهِ; لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا قَطْعَ يَدِهِ وَلَوْ قَالاَ قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَلَمْ يُثْبِتَا أَيَّ الْيَدَيْنِ هِيَ أَيَدُهُ الْمَقْطُوعَةُ هِيَ أَمْ يَدُهُ الْأُخْرَى قِيلَ أَنْتُمْ ضُعَفَاءُ لَيْسَتْ لَهُ إلَّا يَدَانِ بَيِّنُوا فَإِنْ فَعَلُوا قَبِلْت وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَبِلْت وَقُضِيَ عَلَيْهِ وَكَانَ هَؤُلاَءِ ضُعَفَاءَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا فِي رِجْلَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَكُلِّ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ إلَّا اثْنَانِ فَقُطِعَ أَحَدُهُمَا وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا قَطَعَ يَدَ هَذَا وَقَالَ هَذَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَالَ هَذَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا إنْ كَانَ عَمْدًا لِاخْتِلاَفِهِمَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُبَرِّئُ الْجَانِيَ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي زَعَمَ الْآخَرُ أَنَّهُ فَعَلَ فِيهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ بِمَكَّةَ يَوْمَ كَذَا وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَ بِمِصْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ أَنَّهُ قَتَلَ إنْسَانًا بِمِصْرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ جَرَحَهُ أَوْ أَصَابَ حَدًّا سَقَطَ كُلُّ هَذَا عَنْهُ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ تُبَرِّئُهُ مِمَّا شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهِ الْأُخْرَى وَهَذَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَدْ كَانَ وَالْآخَرُ لَمْ يَكُنْ وَبَطَلَتَا مَعًا عَنْهُ; لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِإِحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْأُخْرَى وَأُحَلِّفُ كَمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلاَ بَيِّنَةٍ وَلَيْسَ كَاَلَّذِي يُظَاهِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَخْبَارِ الَّتِي تُقَرُّ فِي نَفْسِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَمَا قَالُوا لاَ يَبْرَأُ مِنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً بِمَعْنَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ فِي هَذَا الْقَسَامَةُ وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِدَلاَلَةٍ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ بَاطِلاً; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُكَذِّبُ الْآخَرَ وَلاَ يَكُونُ قَاتِلاً لَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ بُكْرَةً وَالْآخَرُ أَنَّهُ عَشِيَّةً وَالْآخَرُ أَنَّهُ خَنَقَهُ حَتَّى مَاتَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ حَتَّى مَاتَ كَانَتْ هَذِهِ شَهَادَةً مُتَضَادَّةً لاَ تَلْزَمُهُ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلاَ رَجُلاً وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِمَا أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ قَتَلاَهُ وَكَانَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا أَوْلِيَاءُ الدَّمِ مَعًا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَذَّبُوهُمَا وَإِنْ ادَّعَوْا شَهَادَتَهُمَا فَشَهِدَا قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَ الْآخَرُ إنْ قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا وَجَعَلْت الْمَشْهُودَ عَلَيْهِمَا اللَّذَيْنِ شَهِدَا بَعْدَ مَا شَهِدَ عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ دَافِعَيْنِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا وَأَبْطَلْت شَهَادَتَهُمَا وَإِنْ ادَّعَوْا شَهَادَةَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا آخِرًا أَبْطَلْت الشَّهَادَةَ; لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ قَدْ شَهِدَا عَلَيْهِمَا فَدَفَعَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِمَا قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَا وَإِنْ لَمْ يَدَّعُوا شَيْئًا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى يَدَّعُوا كَمَا وَصَفْت لَكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَإِنْ جَاءُوا جَمِيعًا مَعًا لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَتَهُمْ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَهَادَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ إلَّا فِي شَهَادَةِ الْآخَرِ مِثْلُهَا فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْلَى بِالرَّدِّ وَلاَ الْقَبُولِ مِنْ الْآخَرِ. وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً خَطَأً فِي يَوْمٍ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ كَانَ قَوْلُ الْعَامَّةِ إنَّ هَذَا جَائِزٌ; لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلٍ وَهَكَذَا إقْرَارُ النَّاسِ فِي يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ وَمَجْلِسٍ بَعْدَ مَجْلِسٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْفِعْلِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَلَمْ يَقُلْ عَمْدًا وَلاَ خَطَأً جَعَلْته قَاتِلاً وَجَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَ الْقَاتِلِ فَإِنْ قَالَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ قَالَ خَطَأً حَلَفَ مَا قَتَلَهُ عَمْدًا وَكَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي مُضِيِّ ثَلاَثِ سِنِينَ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً سَأَلْتُهُ وَجَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَإِنْ قَالَ خَطَأً أَحَلَفَتْهُ عَلَى الْعَمْدِ وَجَعَلْته عَلَيْهِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ; لِأَنَّ كِلَيْهِمَا يَشْهَدُ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً وَقَدْ يَكُونَانِ صَادِقَيْنِ; لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى قَوْلٍ بِلاَ فِعْلٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَا شَهِدَا عَلَى قَتْلٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِحَدِيدَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ بِعَصًا كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةً; لِأَنَّهُمَا مُتَضَادَّانِ وَلاَ يَكُونُ قَاتِلُهُ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى نَفْسِهِ وَبِعَصًا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ شَهَادَةً مُتَضَادَّةً يُكَذِّبُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَكِنِّي لَمْ أُجْزِهَا; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُجْتَمِعَةٍ عَلَى شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ الْمُقَرُّ بِهِ خَطَأً أُحَلِّفُ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ مَعَ شَاهِدِهِمْ وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ بِمَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الْحُقُوقُ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا أُحْلِفُوا أَيْضًا قَسَامَةً; لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ فِي الدَّمِ وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ بِالْقَسَامَةِ. وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا قَتَلَ فُلاَنًا أَوْ هَذَا قَدْ أَثْبَتَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ شَهَادَةً قَاطِعَةً وَكَانَتْ فِي هَذَا قَسَامَةً عَلَى أَحَدِهِمَا كَمَا تَكُونُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ قَتَلَهُ بَعْضُهُمْ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ قَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ أَوْ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لاَ يَدْرِي أَيَّهُمَا قُتِلَ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ شَهَادَةً وَلاَ فِي هَذَا قَسَامَةً; لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا طَلَبُوا لَمْ يَكُونُوا بِأَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَقْبَلُ الشَّهَادَةَ حَتَّى يُثْبِتُوهَا فَإِنْ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ فِي رَأْسِهِ ضَرْبَةً بِسَيْفٍ أَوْ حَدِيدَةٍ أَوْ عَصًا فَرَأَيْنَاهُ مَشْجُوجًا هَذِهِ الشَّجَّةَ لَمْ أَقُصَّ مِنْهُ حَتَّى يَقُولُوا فَشَجَّهُ بِهَا هَذِهِ الشَّجَّةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ وَهُوَ مُلَفَّفٌ فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ أَوْ جَرَحَهُ هَذَا الْجُرْحَ وَلَمْ يُبَيِّنُوا أَنَّهُ كَانَ حَيًّا حِينَ ضَرَبَهُ لَمْ أَجْعَلْهُ قَاتِلاً وَلاَ جَارِحًا حَتَّى يَقُولُوا ضَرَبَهُ وَهُوَ حَيٌّ أَوْ تَثْبُتُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ حِينَ ضَرَبَهُ كَانَ حَيًّا أَوْ كَانَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ بَعْدَ ضَرْبِهِ إيَّاهُ فَيُعْلَمُ أَنَّ الضَّرْبَةَ كَانَتْ وَهُوَ حَيٌّ وَأَقْبَلُ قَوْلَ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذِهِ الشَّجَّةَ لَمْ تَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ وَأَنَّهُ ضَرَبَهُ مَيِّتًا وَهَكَذَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَوْمًا دَخَلُوا بَيْتًا فَغَابُوا, ثُمَّ هَدَمَهُ هَذَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ هَدَمْتُهُ بَعْدَ مَا مَاتُوا جَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ حَتَّى تُثْبِتَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْحَيَاةَ كَانَتْ فِيهِمْ حِينَ هَدَمَ هَذَا الْبَيْتَ. (قَالَ الرَّبِيعُ) وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ يُشْبِهُ هَذَا أَنَّ الْمَلْفُوفَ بِالثَّوْبِ وَالْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْبَيْتِ فَهَدَمَهُ عَلَيْهِمْ عَلَى الْحَيَاةِ حَتَّى يُعْلَمَ أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُمْ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَهْدِمَ الْبَيْتَ عَلَيْهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ أَقَرَّ فَقَالَ ضَرَبْته فَقَطَعْته وَهَدَمْت الْبَيْتَ عَلَى هَؤُلاَءِ وَهُمْ مَوْتَى أَوْ ضَرَبْت فَمَ هَذَا الرَّجُلِ وَأَسْنَانُهُ سَاقِطَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلاَفِ مَا قَالَ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ ضَرَبَ هَذَا الرَّجُلَ ضَرْبَةً أَثْبَتْنَاهَا فَلَمْ يَبْرَأْ جُرْحُهَا حَتَّى مَاتَ الْمَضْرُوبُ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ إلَّا بِأَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ مَاتَ أَوْ يُثْبِتَ الشُّهُودُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ رَأَى الضَّرْبَةَ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ حِينَ ضَرَبَهُ أَوْ يُثْبِتَ الشُّهُودُ الَّذِينَ رَأَوْا الضَّرْبَةَ أَوْ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الضَّرْبَةِ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ لاَزِمًا لِلْفِرَاشِ مِنْهَا حَتَّى مَاتَ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْهَا وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا وَاحِدٌ حَلَفَ الْجَانِي مَا مَاتَ مِنْهَا وَضَمِنَ أَرْشَ الْجُرْحِ فَإِنْ نَكَلَ حُلِّفُوا وَكَانَ لَهُمْ الدِّيَةُ أَوْ الْقِصَاصُ فِيهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَصُّ مِنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا بِسَيْفٍ وَلَهُ وُلاَةٌ, رِجَالٌ وَنِسَاءٌ تَشَاحَّ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى الْقِصَاصِ فَطَلَبَ كُلُّهُمْ تَوَلِّيَ قَتْلِهِ قِيلَ: لاَ يَقْتُلُهُ إلَّا وَاحِدٌ فَإِنْ سَلَّمْتُمُوهُ لِرَجُلٍ مِنْكُمْ وَلِيَ قَتْلَهُ وَإِنْ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ يَقْتُلُهُ خُلِّيَ وَقَتْلَهُ وَإِنْ تَشَاحَحْتُمْ أَقْرَعْنَا بَيْنَكُمْ فَأَيُّكُمْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ خَلَّيْنَاهُ وَقَتْلَهُ وَلاَ يُقْرَعُ لِامْرَأَةٍ وَلاَ يَدَعُهَا وَقَتْلَهُ; لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهَا لاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ إلَّا بِتَعْذِيبِهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِيهِمْ أَشَلُّ الْيُمْنَى أَوْ ضَعِيفٌ أَوْ مَرِيضٌ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ إلَّا بِتَعْذِيبِهِ أُقْرِعَ بَيْنَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَلاَ يَدَعْ يُعَذِّبُهُ بِالْقَتْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا وَلِيٌّ وَاحِدٌ مَرِيضٌ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ إلَّا بِتَعْذِيبِهِ قِيلَ لَهُ: وَكِّلْ مَنْ يَقْتُلُهُ وَلاَ يُتْرَكُ وَقَتْلَهُ يُعَذِّبُهُ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ وُلاَتُهُ نِسَاءً لَمْ تَقْتُلْهُ امْرَأَةٌ بِقُرْعَةٍ. (قَالَ) وَيُنْظَرُ إلَى السَّيْفِ الَّذِي يَقْتُلُهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ صَارِمًا وَإِلَّا أُعْطِيَ صَارِمًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْوَلِيُّ صَحِيحًا فَخَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَكَانَ لاَ يُحْسِنُ يَضْرِبُ أُعْطِيَهُ وَلِيَّ غَيْرِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ قَتْلاً وَحَيًّا. (قَالَ) فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ وُلاَتُهُ الضَّرْبَ أَمَرَ الْوَالِي ضَارِبًا بِضَرْبِ عُنُقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ ضَرَبَ الْقَاتِلُ ضَرْبَةً فَلَمْ يَمُتْ فِي ضَرْبَةٍ أُعِيدَ عَلَيْهِ الضَّرْبُ حَتَّى يَمُوتَ بِأَصْرَمِ سَيْفٍ وَأَشَدِّ ضَرْبٍ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ لِلْقَتِيلِ وُلاَةٌ فَاجْتَمَعُوا عَلَى الْقَتْلِ فَلَمْ يُقْتَلْ الْقَاتِلُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمْ كُفَّ عَنْ قَتْلِهِ حَتَّى يُجْمِعَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ عَلَى الْقَتْلِ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ, وَلَكِنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يُفِيقَ أَوْ يَمُوتَ فَتَقُومَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ وَسَوَاءٌ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ; لِأَنَّهُ قَدْ يَأْذَنُ, ثُمَّ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ بَعْدَ الْإِذْنِ فَإِنْ تَفَوَّتَ أَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَقَتَلَهُ كَانَ كَمَا وَصَفْت فِي الرَّجُلَيْنِ يُقْتَلُ أَبُوهُمَا فَيُفَوَّتُ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ وَغَرِمَ نَصِيبَ الْمَيِّتِ وَالْمَعْتُوهِ مِنْ الدِّيَةِ, وَالْوَلِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي وِلاَيَةِ الدَّمِ وَالْقِيَامِ بِالْقِصَاصِ وَعَفْوِ الدَّمِ عَلَى الْمَالِ سَوَاءٌ, وَإِنْ عَفَا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ عَلَى غَيْرِ مَالٍ فَالْعَفْوُ عَنْ الدَّمِ جَائِزٌ لاَ سَبِيلَ مَعَهُ إلَى الْقَوَدِ وَلَهُ نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ; لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ إتْلاَفُ الْمَالِ وَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقَوَدِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا اقْتَرَعَ الْوُلاَةُ فَخَرَجَتْ قُرْعَةُ أَحَدِهِمْ وَهُوَ يَضْعُفُ عَنْ قَتْلِهِ أُعِيدَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْبَاقِينَ وَهَكَذَا تُعَادُ أَبَدًا حَتَّى تَخْرُجَ عَلَى مَنْ يَقْوَى عَلَى قَتْلِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ضَرْبَةً فَمَاتَ مِنْهَا فَخُلِّيَ الْوَلِيُّ وَقَتْلَهُ فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ ضَرَبَ وَسَطَهُ أَوْ مَثَّلَ بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ وَلاَ كَفَّارَةٌ وَأُوجِعَ عُقُوبَةً بِالْعُدْوَانِ فِي الْمُثْلَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَاءَ يَضْرِبُ عُنُقَهُ فَضَرَبَ رَأْسَهُ مِمَّا يَلِي الْعُنُقَ أَوْ كَتِفَيْهِ وَقَالَ أَخْطَأْت أُحَلِّفُ مَا عَمَدَ مَا صَنَعَ وَلَمْ يُعَاقَبْ وَقِيلَ: اضْرِبْ عُنُقَهُ وَلَوْ ضَرَبَ مَفْرِقَ رَأْسِهِ أَوْ وَسَطَهُ أَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً, الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يُخْطِئُ بِمِثْلِهَا مَنْ أَرَادَ ضَرْبَ الْعُنُقِ عُوقِبَ وَلَمْ يُحَلَّفْ إنَّمَا يُحَلَّفُ مَنْ يُمْكِنُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى مَا حُلِّفَ عَلَيْهِ وَيُقَالُ: اضْرِبْ عُنُقَهُ وَإِنْ قَالَ لاَ أُحْسِنُ إلَّا هَذَا قُبِلَ مِنْهُ وَوَكَّلَ مَنْ يُحْسِنُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَتَوَكَّلُ لَهُ وَكَّلَ الْإِمَامُ لَهُ مَنْ يَقْتُلُهُ وَلاَ يَقْتُلُهُ حَتَّى يَسْتَأْمِرَ الْوَلِيَّ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ قَتَلَهُ. فَلَوْ أَنَّ الْوَالِيَ أَذِنَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِقَتْلِ رَجُلٍ قَضَى لَهُ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ فَذَهَبَ لِيَقْتُلَهُ, ثُمَّ قَالَ الْوَلِيُّ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الْعَفْوَ عَنْهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا عَلِمَهُ عَفَا عَنْهُ وَلاَ عَلَى الَّذِي قَالَ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَغْرَمُ الدِّيَةَ وَيُكَفِّرُ إنْ حَلَفَ وَأَقَلُّ حَالاَتِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ بِقَتْلِهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْوُلاَةُ رَجُلاً بِقَتْلِ رَجُلٍ لَهُمْ عَلَيْهِ قَوَدٌ فَتَنَحَّى بِهِ وَكِيلُهُمْ لِيَقْتُلَهُ فَعَفَا كُلُّهُمْ أَوْ أَحَدُهُمْ وَأَشْهَدَ عَلَى الْعَفْوِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَوَدُ لَمْ يَصِلْ الْعَفْوُ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى قَتَلَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَوَدُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَكِيلِ الَّذِي قَتَلَ قِصَاصٌ; لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ خَاصَّةً وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلاَ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْوَلِيِّ الَّذِي أَمَرَهُ; لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ لَهُ بِالْقَتْلِ وَيُحَلَّفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ الْعَفْوَ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يُقْتَلْ وَوَدَاهُ وَإِلَّا حُلِّفَ الْوَلِيُّ لَقَدْ عَلِمَهُ وَقَتَلَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُهُمَا; لِأَنَّ الْمَقْتُولَ صَارَ مَمْنُوعًا بِعَفْوِ الْوَلِيِّ عَنْهُ الْقَتْلَ وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْعَبْدِ يُعْتَقُ وَلاَ يَعْلَمُ الرَّجُلُ بِعِتْقِهِ فَيَقْتُلَهُ فَيَغْرَمُ دِيَةَ حُرٍّ وَالْكَافِرِ يُسْلِمُ وَلاَ يَعْلَمُ الرَّجُلُ بِإِسْلاَمِهِ فَيَقْتُلَهُ فَتَكُونُ دِيَتُهُ دِيَةَ مُسْلِمٍ قَالَ فَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُمَا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ. (قَالَ الرَّبِيعُ) يُرِيدُ بِهِ قَتْلَ الْعَبْدِ وَهُوَ يَعْرِفُهُ حُرًّا مُسْلِمًا.
|