الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا بَاعَ السَّيِّدُ شِقْصًا فِي دَارٍ لِلْمُكَاتَبِ فِيهَا شَيْءٌ فَلِلْمُكَاتَبِ فِيهِ الشُّفْعَةُ; لِأَنَّ السَّيِّدَ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ مَا كَانَ حَيًّا مُكَاتَبًا كَمَا يُمْنَعُ مِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ, وَلَوْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ كَانَ الْبَائِعَ كَانَ لِسَيِّدِهِ فِيهِ الشُّفْعَةُ, وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُكَاتَبُ بَاعَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ, أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إذَا بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ. (قَالَ): وَإِذَا بَاعَ الْمُكَاتَبُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ الشِّقْصَ فَقَالَ الَّذِي اشْتَرَى بِإِذْنِهِ: إنَّ السَّيِّدَ قَدْ سَلَّمَ لِي الشُّفْعَةَ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ أَلاَ تَرَى لَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا كَانَ لَهُ فِي الدَّارِ شِقْصٌ فَأَذِنَ لَهُ شَرِيكٌ لَهُ فِي الدَّارِ أَنْ يَبِيعَ شِقْصَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ; لِأَنَّ إذْنَهُ وَصَمْتَهُ سَوَاءٌ, وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ, وَلَوْ أَذِنَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَ شِقْصَهُ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَبَاعَ بِهِ الْمُكَاتَبُ جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَ لِلسَّيِّدِ الشُّفْعَةُ فِي الْبَيْعِ وَلاَ يَكُونُ هَذَا تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ فَإِنْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: أَحْلِفْهُ لِي مَا كَانَ إذْنُهُ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ لَمْ نُحَلِّفْهُ; لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَشْفِعَ, وَإِنَّمَا نُحَلِّفُهُ إذَا قَالَ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ. وَلَوْ بَاعَ الْمُكَاتَبُ مَا لاَ شُفْعَةَ فِيهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَالَ سَيِّدُهُ: أَنَا آخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي شَيْءٍ بَاعَهُ مُكَاتَبُهُ إلَّا كَمَا تَكُونُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا بَاعَ الْأَجْنَبِيُّ وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ; لِأَنَّ بَيْعَهُ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ إتْلاَفٌ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَمْنُوعٌ مِنْ إتْلاَفِ قَلِيلِ مَالِهِ وَكَثِيرِهِ إذَا بَاعَ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَالْبَيْعُ فِيهِ فَاسِدٌ, فَإِنْ وُجِدَ بِعَيْنِهِ رُدَّ فَإِنْ فَلَتَ فَعَلَى مُشْتَرِيهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ فَقِيمَتُهُ, وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَاعَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْعِتْقُ فِيهِ بَاطِلٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ لِلْمُشْتَرِي فَالْأَمَةُ مَرْدُودَةٌ, وَعَلَى الْمُشْتَرِي عُقْرُهَا, وَقِيمَةُ وَلَدِهَا يَوْمَ سَقَطَ وَلَدُهَا وَوَلَدُهَا حُرٌّ, وَإِنْ مَاتَتْ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهَا وَعُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا, وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ عُقْرُهَا وَرَدُّهَا, وَإِنْ نَقَصَتْ فَعَلَيْهِ رَدُّهَا وَرَدُّ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا, وَلَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إنْفَاذَ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ وَلاَ يَجُوزُ إذَا عَقَدَ بِغَيْرِ إذْنِهِ, وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بِحَالِهِ حَتَّى يُحَدِّدَ الْمُكَاتَبُ بَيْعًا بِإِذْنِ السَّيِّدِ مُسْتَأْنَفًا فَيَجُوزُ إذَا كَانَ لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ أَوْ يُجَدِّدَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بَيْعًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ, وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ قَدْ عَفَوْت لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعَ, وَأَنَا أَرْضَى أَنْ لاَ أَرُدَّهُ لَمْ يَجُزْ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ السَّيِّدُ: قَدْ عَفَوْت رُدَّ الْبَيْعُ وَعَفَوْت مَا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ عُقْرٍ وَقِيمَةِ وَلَدٍ وَقِيمَةِ شَيْءٍ إنْ فَاتَ مِنْ الْبَيْعِ فَقَالَ الْمُكَاتَبُ: لاَ أَعْفُوهُ كَانَ ذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ إذَا قَالَ: لاَ أَفْعَلُ; لِأَنَّ فِعْلَهُ الْأَوَّلَ كَانَ فِيهِ غَيْرَ جَائِزٍ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُكَاتَبُ: قَدْ عَفَوْته وَقَالَ السَّيِّدُ: لاَ أَعْفُوهُ لَمْ يُجْبَرَا جَمِيعًا عَلَى عَفْوِ شَيْءٍ مِنْهُ فَإِذَا اجْتَمَعَا عَلَى إحْدَاثِ بَيْعٍ فِيهِ جَازَ بَيْعُهُمَا مُسْتَأْنَفًا, وَلَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَتِيقًا, وَلاَ أُمُّ الْوَلَدِ فِي حُكْمِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلاَدِ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ أَوْ يَبِيعَهُ الْمُكَاتَبُ وَحْدَهُ بَيْعًا جَائِزًا, فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَحْدَثَ الْمُشْتَرِي لِلْعَبْدِ عِتْقًا عَتَقَ وَلِأُمِّ الْوَلَدِ وَطْئًا تَلِدُ مِنْهُ كَانَتْ فِي حُكْمِ أُمِّ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ ذَلِكَ بَعْدَ الْبَيْعِ الْجَائِزِ فَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ مَمْلُوكَانِ لِسَيِّدِهِمَا يَبِيعُهُمَا وَلِوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ لَهُمَا مَالِكُهُمَا, وَهَكَذَا كُلُّ مَا بَاعَ الْمُكَاتَبُ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي هَذَا لاَ يَخْتَلِفُ فَإِذَا ابْتَدَأَ الْمُكَاتَبُ الْبَيْعَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ رَدَّ الْبَيْعِ بَعْدَ إذْنِهِ لَهُ أَوْ أَرَادَاهُ مَعًا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ; لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ جَائِزًا فَلاَ يُرَدُّ. وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِالْإِذْنِ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ, ثُمَّ قَالَ: قَدْ رَجَعْت فِي إذْنِي بَعْدُ, وَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ أَوْ كَذَّبَهُ فَسَوَاءٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَيَلْزَمُهُمَا الْبَيْعُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرُجُوعِهِ عَنْ الْإِذْنِ بِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيُرَدُّ الْبَيْعُ وَإِنْ بَاعَ الْمُكَاتَبُ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ, وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ, وَعَلَى السَّيِّدِ الْيَمِينُ. وَإِنْ وَهَبَ الْمُكَاتَبُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ فَإِنْ أَجَازَهُ السَّيِّدُ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَلاَ تَجُوزُ هِبَةُ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يَبْتَدِئَهَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَإِذَا ابْتَدَأَهَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ جَازَتْ كَمَا تَجُوزُ هِبَةُ الْحُرِّ, وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا أَنَّ مَالَ الْمُكَاتَبِ لاَ يَكُونُ إلَّا لَهُ أَوْ لِسَيِّدِهِ, فَإِذَا اجْتَمَعَا مَعًا عَلَى هِبَتِهِ جَازَ ذَلِكَ, وَكَذَلِكَ يَجُوزُ مَا بَاعَ الْمُكَاتَبُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ, ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ الْهِبَةِ. قَالَ: وَشِرَاءُ الْمُكَاتَبِ كَبَيْعِهِ لاَ يَخْتَلِفَانِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدَيْ الْمُكَاتَبِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا قُلْنَا فِي بَيْعِهِ, فَإِنْ كَانَ شِرَاؤُهُ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ جَازَ عَلَيْهِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. (قَالَ): وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ شَيْئًا أَوْ بَاعَهُ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَعَلِمَ بِهِ السَّيِّدُ فَلَمْ يَرُدَّهُ السَّيِّدُ وَسَلَّمَهُ, أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فِي الْحَالَيْنِ مَعًا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَخْذُهُ مِمَّنْ بَاعَهُ فَإِنْ فَاتَ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ اتِّبَاعُهُ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لاَ مِثْلَ لَهُ أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ. وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ جَارِيَةً بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَأَحْبَلَهَا أَوْ عَتَقَ فَوَلَدَتْ فَالْبَيْعُ فِيهَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ, وَعَلَيْهِ عُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا حِينَ وُلِدَ وَوَلَدُهَا حُرٌّ لاَ يُمْلَكُ كَمَا كَانَ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُ فِي بَيْعِ الْجَارِيَةِ مِمَّا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ, وَهَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَلَمْ يَرُدَّ الْبَيْعَ حَتَّى عَتَقَ الْمُكَاتَبُ, ثُمَّ أَعْتَقَهُ كَانَ الْعِتْقُ غَيْرَ مُجِيزٍ لِلْبَيْعِ لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كَانَ مَرْدُودًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ بَاعَ الْمُكَاتَبُ أَوْ اشْتَرَى بَيْعًا وَشِرَاءً جَائِزًا عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ بِالْخِيَارِ أَوْ الْمُكَاتَبَ وَمُبَايِعَهُ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا أَوْ أَقَلَّ فَلَمْ تَمْضِ أَيَّامُ الْخِيَارِ حَتَّى مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَامَ السَّيِّدُ فِي الْخِيَارِ مَقَامَ الْمُكَاتَبِ فَإِذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ الْخِيَارُ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِمْضَاءُ الْبَيْعِ.
(قَالَ) وَلَوْ بَاعَ الْمُكَاتَبُ أَوْ اشْتَرَى شِرَاءً جَائِزًا بِلاَ شَرْطِ خِيَارٍ فَلَمْ يَتَفَرَّقْ الْمُكَاتَبُ وَبَيِّعُهُ عَنْ مُقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ حَتَّى مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَجَبَ الْبَيْعُ; لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْ الرَّدَّ حَتَّى مَاتَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ, وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَهَبَ لِلثَّوَابِ; لِأَنَّ مَنْ أَجَازَ الْهِبَةَ لِلثَّوَابِ فَأُثِيبَ الْوَاهِبُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ هِبَتِهِ, وَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي هِبَتِهِ وَجَعَلَهَا كَالرِّضَا مِنْهُمْ يَلْزَمُهُمْ مِنْهُ مَا رَضُوا بِهِ وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقَلِيلٍ, وَلاَ بِكَثِيرٍ مِنْ مَالِهِ, وَلاَ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ, وَلاَ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ وَلاَ قَتْلٍ وَلاَ شَيْئًا مِنْ الْكَفَّارَاتِ فِي الْحَجِّ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ سَيِّدُهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ, وَلاَ يُكَفِّرُ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَّا بِالصَّوْمِ مَا كَانَ مُكَاتَبًا, فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ حَتَّى يَعْتِقَ جَازَ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ مِنْ مَالِهِ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَالِكٌ لِمَالِهِ, وَالْكَفَّارَاتُ خِلاَفُ جِنَايَتِهِ; لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ تَكُونُ صِيَامًا فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا, وَغَيْرُهُ يَجْزِيهِ, وَالْجِنَايَاتُ وَمَا اسْتَهْلَكَ لِلْآدَمِيِّينَ لاَ يَكُونُ فِيهِ إلَّا مَالٌ بِكُلِّ حَالٍ, وَكُلُّ مَا قُلْت لاَ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي مَالِهِ فَفَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَلَمْ يَرُدَّهُ السَّيِّدُ حَتَّى عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَأَجَازَهُ السَّيِّدُ, أَوْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنِّي إنَّمَا أُجِيزُ كُلَّ شَيْءٍ, وَأُفْسِدُهُ بِالْعَقْدِ لاَ بِحَالٍ تَأْتِي بَعْدَ الْعَقْدِ, وَإِذَا اسْتَأْنَفَ فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ هِبَةً أَوْ شَيْئًا يَجُوزُ, أَوْ أَمْرًا لِمَنْ هُوَ فِي يَدَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ جَازَ ذَلِكَ. وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ كَاتَبَهُ فَأَدَّى إلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ السَّيِّدُ حَتَّى عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَلَمْ يُحْدِثْ الْمُكَاتَبُ لِلْعَبْدِ عِتْقًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَأَرَادَ تَجْدِيدَ الْعِتْقِ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ عِتْقًا; لِأَنَّ الْعِتْقَ لاَ يَقَعُ عَلَى مَيِّتٍ. وَمَا ابْتَدَأَ الْمُكَاتَبُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ مِنْ هِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَهُوَ لَهُ جَائِزٌ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ إتْلاَفِ مَالِهِ لِئَلَّا يَعْجِزَ فَيَرْجِعَ إلَى سَيِّدِهِ ذَاهِبَ الْمَالِ, فَإِذَا سَلَّمَ ذَلِكَ سَيِّدُهُ قَبْلَ يَفْعَلَهُ, ثُمَّ فَعَلَهُ فَمَا صَنَعَ فِيهِ مِمَّا يَجُوزُ لِلْحُرِّ جَازَ لَهُ. (قَالَ): وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِمُكَاتَبِهِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ فَأَعْتَقَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ عَلَى شَيْءٍ فَكَاتَبَهُ وَأَدَّى الْمُكَاتَبُ الْآخَرُ قَبْلَ الْأَوَّلِ الَّذِي كَاتَبَهُ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ فَلاَ يَجُوزُ فِي هَذَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ وَالْكِتَابَةَ بَاطِلٌ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} فَلَمَّا كَانَ الْمُكَاتَبُ لاَ يَجُوزُ لَهُ وَلاَءٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتِقَ وَلاَ يُكَاتِبَ مَنْ يُعْتَقُ بِكِتَابَتِهِ, وَهُوَ لاَ وَلاَءَ لَهُ, وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: لَيْسَ هَذَا كَالْبُيُوعِ وَلاَ الْهِبَاتِ ذَلِكَ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ لاَ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ بِحَالٍ, وَالْعِتْقُ بِالْكِتَابَةِ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَقِ حَقُّ وَلاَءٍ فَلَمَّا لَمْ نَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ الْوَلاَءَ لاَ يَكُونُ إلَّا لِحُرٍّ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ بِحَالٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ, وَفِي الْوَلاَءِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا عَتَقَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ أَوْ مُكَاتَبُهُ قَبْلَهُ فَالْوَلاَءُ مَوْقُوفٌ أَبَدًا عَلَى الْمُكَاتَبِ, فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَالْوَلاَءُ لَهُ; لِأَنَّهُ الْمَالِكُ الْمُعْتِقُ, وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَ فَالْوَلاَءُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ عَبْدُ عَبْدِهِ عَتَقَ, وَالثَّانِي أَنَّهُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِكُلِّ حَالٍ; لِأَنَّهُ عَتَقَ بِإِذْنِهِ فِي حِينٍ لاَ يَكُونُ لَهُ بِعِتْقِهِ وَلاَؤُهُ. فَإِنْ مَاتَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ الْمُعْتَقِ أَوْ مُكَاتَبُهُ بَعْدَمَا يُعْتِقُ وُقِفَ مِيرَاثُهُ فِي قَوْلِ مَنْ وَقَّفَ الْمِيرَاثَ كَمَا وَصَفْت يُوقَفُ وَلاَؤُهُ فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَهُوَ لَهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ يُعْتَقَ أَوْ عَجَزَ فَالْمَالُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ الْمُعْتَقِ إذَا كَانَ حَيًّا يَوْمَ يَمُوتُ مُعْتِقُ مُكَاتَبِهِ, فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الرِّجَالِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ بِنَفْسِهِ, وَمِيرَاثُهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ; لِأَنَّ لَهُ وَلاَءَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَأَمَّا مَا أَعْطَى الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ الَّذِي كَاتَبَهُ بِبَيْعٍ لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِسَيِّدِهِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ حُرٍّ لَوْ صَنَعَهُ بِهِ; لِأَنَّهُ مَالٌ لِعَبْدِهِ فَيَأْخُذُهُ كَيْفَ شَاءَ. وَإِذَا بَاعَ لِلسَّيِّدِ مُكَاتَبُهُ لَمْ يَحِلَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا كَمَا يَحِلُّ بَيْنَ سَيِّدِهِ وَبَيْنَ حُرٍّ أَجْنَبِيٍّ لاَ يَخْتَلِفُ فِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ بَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَ مِنْهُ فِي مُكَاتَبَتِهِ, وَكَذَلِكَ مَا بَاعَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ لَمْ يَحِلَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِمَا يَحِلُّ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ, وَيَجُوزُ بَيْنَهُمَا التَّغَابُنُ فِيمَا السَّيِّدُ مِنْ الْمُكَاتَبِ, وَالْمُكَاتَبُ مِنْ السَّيِّدِ وَإِنْ كَثُرَ; لِأَنَّهُ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مَالاً لِأَحَدِهِمَا, وَكَمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ يَتَبَايَعَانِ بِرِضَاهُمَا وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِدَيْنٍ, وَإِنْ كَثُرَ فَضْلُهُ فِيهِ بِحَالٍ وَرَهَنَ فِيهِ رَهْنًا وَأَخَذَ بِهِ حَمِيلاً; لِأَنَّ الرَّهْنَ يَهْلِكُ وَالْغَرِيمُ وَالْحَمِيلُ يُفْلِسُ وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ فِي الدَّيْنِ إلَّا مَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُضَارِبَ أَحَدًا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِخِيَارِ ثَلاَثٍ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ; لِأَنَّ الْبَيْعَ مَضْمُونٌ عَلَى قَابِضِهِ إمَّا بِالثَّمَنِ وَإِمَّا بِالْقِيمَةِ. وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّيْنِ, وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ; لِأَنَّ ذَلِكَ نَظَرٌ لَهُ, وَغَيْرُ نَظَرٍ لِلَّذِي أَدَانَهُ, وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْلِفَ, وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ فِي سَلَفٍ وَلاَ غَيْرِهِ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ; وَلِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُسْلِفَ فِي طَعَامٍ; لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ قَدْ يَتْلَفُ, وَلَهُ أَنْ يَتَسَلَّفَ فِي طَعَامٍ; لِأَنَّ التَّلَفَ عَلَى الَّذِي يُسَلِّفُ, وَمَا كَرِهْت مِنْ شِرَاءِ الْمُكَاتَبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِ سَيِّدِهِ وَوَالِدِهِ وَلاَ أَكْرَهُهُ لِسَيِّدِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ يَجُوزُ لَهُ فَإِنْ أَتَاهُ قَبْلَ تَحِلَّ نُجُومُهُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا غَيْرَهُ أَوْ يَضَعَ عَنْهُ مِنْهُ شَيْئًا وَيُعَجِّلَ لَهُ الْعِتْقَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ نُجُومُهُ غَيْرَ حَالَّةٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَهَا حَالًّا عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي فَيَعْتِقَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُ كَمَا لاَ يَجُوزُ فِي دَيْنٍ إلَى أَجَلٍ عَلَى حُرٍّ أَنْ يَتَعَجَّلَ بَعْضَهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَضَعَ لَهُ بَعْضًا فَإِنْ فَعَلَ هَذَا فِي الْمُكَاتَبِ رَدَّ عَلَى الْمُكَاتَبِ مَا أَخَذَ مِنْهُ وَلَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ بِهِ; لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِمَّا لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْهُ, وَإِنْ فَعَلَ هَذَا عَلَى أَنْ يُحْدِثَ لِلْمُكَاتَبِ عِتْقًا فَأَحْدَثَهُ لَهُ فَالْمُكَاتَبُ حُرٌّ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ بِالْقِيمَةِ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ كَمَا قُلْت فِي أَصْلِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ, وَلاَ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ; لِأَنَّهَا بَطَلَتْ بِالْعِتْقِ وَيَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ كَمَا وَصَفْت. فَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَصِحَّ هَذَا لَهُمَا فَلْيَرْضَ الْمُكَاتَبُ بِالْعَجْزِ وَيَرْضَ السَّيِّدُ مِنْهُ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ فَإِنْ فَعَلَ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ, وَالْعِتْقُ عَلَى مَا أَخَذَ مِنْهُ جَائِزٌ لاَ يَتَرَاجَعَانِ فِيهِ بِشَيْءٍ. (قَالَ): وَلَوْ كَاتَبَهُ بِعَرَضٍ فَأَرَادَ أَنْ يُعَجِّلُ دَنَانِيرَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَرَضِ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَضَعَ عَنْهُ لِيُعَجِّلَهُ الْعِتْقَ فَكَانَ مَا يُعَجِّلُ مِنْهُ مَقْسُومًا عَلَى عِتْقِ مَنْ لاَ يَمْلِكُهُ بِكَمَالِهِ, وَعَلَى شَيْءٍ مَوْصُوفٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ تُعْلَمْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا, وَالثَّانِي: أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْهُ شَيْئًا لَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ السَّيِّدُ مِنْهُ, وَهَكَذَا إنْ كَاتَبَهُ بِشَيْءٍ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِهِ شَيْئًا غَيْرَهُ لاَ يَخْتَلِفُ, وَلَوْ حَلَّتْ نُجُومُهُ كُلُّهَا, وَهِيَ دَنَانِيرُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِهَا مِنْهُ دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضًا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ وَيَقْبِضُهُ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا كَانَ جَائِزًا وَكَانَ حُرًّا إذَا قَبَضَهُ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ بَرِيءٌ مِمَّا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حُرٍّ دَنَانِيرُ حَالَّةٌ فَأَخَذَ بِهَا مِنْهُ عَرَضًا أَوْ دَرَاهِمَ يَتَرَاضَيَانِ بِهَا وَقَبَضَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ, وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَتَرَاجَعَا بِشَيْءٍ وَلَوْ كَانَتْ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى السَّيِّدِ مِائَةُ دِينَارٍ حَالَّةٌ وَلِلسَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ نُجُومِهِ حَالَّةٌ فَأَرَادَ الْمُكَاتَبُ وَالسَّيِّدُ أَنْ تُجْعَلَ الْمِائَةُ الَّتِي لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ قِصَاصًا بِالْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ; لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَيْهِ عَرَضًا وَكِتَابَتُهُ نَقْدًا وَلَوْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ دَنَانِيرَ وَدَيْنُهُ عَلَى سَيِّدِهِ دَنَانِيرَ حَالَّةً فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ كِتَابَتَهُ قِصَاصًا بِمِثْلِهَا جَازَ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ بَيْعٍ إنَّمَا هُوَ مِثْلُ الْقَضَاءِ, وَلَوْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِينَارٍ, وَحَلَّتْ عَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ مِائَةُ دِينَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ الْمِائَةَ الَّتِي عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ الَّتِي لَهُ عَلَى الرَّجُلِ لَمْ يَجُزْ, وَلَكِنْ إنْ أَحَالَهُ عَلَى الرَّجُلِ فَحَضَرَ الرَّجُلُ, وَرَضِيَ السَّيِّدُ أَنْ يَحْتَالَ عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ جَازَ, وَيُبْرِئُهُ, وَلَيْسَ هَذَا بَيْعًا وَإِنَّمَا هُوَ حَوَالَةٌ, وَالْحَوَالَةُ غَيْرُ بَيْعٍ وَعَتَقَ الْعَبْدُ إذَا أَبْرَأهُ السَّيِّدُ, وَلَوْ أَعْطَاهُ بِهَا حَمِيلاً لَمْ تَجُزْ الْحَمَالَةُ عَنْ الْمُكَاتَبِ, وَلَوْ حَلَّتْ عَلَى الْمُكَاتَبِ نُجُومُهُ فَسَأَلَ سَيِّدَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ وَيُؤَخِّرَهُ بِمَا عَلَيْهِ فَأَعْتَقَهُ كَانَ الْعِتْقُ جَائِزًا وَتَبِعَهُ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ النُّجُومُ إلَى أَجَلٍ فَسَأَلَ أَنْ يُعْتِقَهُ وَيَكُونَ دَيْنُهُ فِي الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ بِحَالِهِ جَازَ الْعِتْقُ وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنًا بِحَالِهِ وَهَذَا كَعَبْدٍ قَالَ لِلسَّيِّدِ أَعْتِقْنِي وَلَك عَلَيَّ كَذَا حَالَّةً أَوْ إلَى أَجَلٍ أَوْ آجَالٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ عَلَى مُكَاتَبِهِ نُجُومٌ حَالَّةٌ, أَوْ لَمْ تَحِلَّ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نُجُومَهُ, وَلاَ شَيْئًا مِنْهَا حَالًّا أَوْ غَيْرَ حَالٍّ مِنْ أَحَدٍ فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ أَحَدٍ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ, فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ رَدَّ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ, وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ, وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ عَلَى مُكَاتَبِهِ نُجُومٌ, وَلَمْ تَحْلُلْ فَبَاعَهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَقَبَضَهَا الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْمُكَاتَبِ أَوْ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْهَا لَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ; لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ بَاطِلٌ, وَلَيْسَ هَذَا كَرَجُلٍ وَكَّلَهُ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ يُعْتِقَ الْمُكَاتَبَ عَتَقَ ذَلِكَ كَعِتْقِهِ; لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ, وَإِنَّمَا فَعَلَهُ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ وَعَتَقَ هَذَا بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ دُونَ السَّيِّدِ وَبَيْعُ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ يَبْطُلُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا: أَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ غَيْرِ ثَابِتٍ كَدَيْنِ الْحُرِّ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَعْجِزُ فَلاَ يَلْزَمُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ أَوَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ أَجَازَ بَيْعَ كِتَابَتِهِ فَقَدْ أَجَازَ غَيْرَ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي, وَلاَ ذِمَّةَ لاَزِمَةٌ لِلْمُكَاتَبِ كَذِمَّةِ الْحُرِّ وَأَنَّهُ إنْ قَالَ إذَا عَجَزَ كَانَ لَهُ دَخْلٌ عَلَيْهِ أَقْبَحُ مِنْ الْأَوَّلِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ عَلَى مُكَاتَبٍ فَصَارَتْ لَهُ رَقَبَةُ الْمُكَاتَبِ مِلْكًا, وَلَمْ تُبَعْ الرَّقَبَةُ قَطُّ, فَإِنْ قَالَ: فِي عَقْدِ بَيْعِ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ: إنْ أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَالْعَبْدُ لَهُ, قِيلَ: هَذَا مُحَالٌ, وَلَوْ كَانَ كَمَا قُلْت كَانَ حَرَامًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ بَيْعُ مَا لاَ يَعْلَمُ الْبَائِعُ وَلاَ الْمُشْتَرِي فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ هُوَ أَوْ فِي رَقَبَتِهِ أَرَأَيْت رَجُلاً قَالَ: أَبِيعُك دَيْنًا عَلَى حُرٍّ فَإِنْ أَفْلَسَ فَعَبْدِي فُلاَنٌ لَك بَيْعٌ, فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ فَقَدْ أَجَازَ بَيْعَ مَا لَمْ يَعْلَمْ, وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فَبَيْعُ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْلَى أَنْ يُرَدَّ لِمَا وَصَفْت وَأَوْلَى أَنْ لاَ يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي بِهَا رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ, وَلَوْ أَجَازَ هَذَا حَاكِمٌ فَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَجَعَلَهُ رَقِيقًا لِلَّذِي اشْتَرَى كِتَابَتَهُ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَكُنْ حُرًّا وَرُدَّ قَضَاؤُهُ; لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ, وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ -.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَبِيعَ مُكَاتَبَهُ وَلاَ يَهَبَهُ حَتَّى يَعْجِزَ فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ يَخْتَارَ الْعَجْزَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ, وَلَوْ أَعْتَقَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ كَانَ الْعِتْقُ بَاطِلاً; لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا لاَ يَمْلِكُ, وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ يَعْجِزَ أَوْ يَرْضَى بِالْعَجْزِ, ثُمَّ رَضِيَ بَعْدَ الْبَيْعِ بِالْعَجْزِ كَانَ الْبَيْعُ مَفْسُوخًا حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ بَيْعًا بَعْدَ رِضَاهُ بِالْعَجْزِ وَإِذَا بَاعَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ الْمُكَاتَبَ قَبْلَ يَعْجِزَ أَوْ يَرْضَى بِالْعَجْزِ, وَأَخَذَ السَّيِّدُ مَالاً لَهُ فُسِخَ الْبَيْعُ وَرُدَّ عَلَى الْمُكَاتَبِ مَالُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَلَّ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِهِ فَأَخَذَ مَا حَلَّ لَهُ مِنْهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ, وَمَالُهُ مِنْ رَجُلٍ نَزَعَ مَالَ الْمُكَاتَبِ مِنْ يَدَيْ الْمُشْتَرِي فَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ, فَإِنْ فَاتَ الْمَالُ فِي يَدَيْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ فِي مَالِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ حَلَّتْ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ, أَوْ بَعْضُهَا, فَإِنْ كَانَتْ حَلَّتْ أَوْ بَعْضُهَا كَانَ قِصَاصًا, وَكَانَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ ضَمَّنَ الْمُكَاتَبُ أَيَّهُمَا شَاءَ, إنْ شَاءَ الَّذِي امْتَلَكَ مَالَهُ وَإِنْ شَاءَ سَيِّدَهُ, وَلَوْ بَاعَهُ, وَلاَ مَالَ لِلْمُكَاتَبِ أَوْ لَهُ مَالٌ قَلِيلٌ فَأَقَامَ فِي يَدَيْ الْمُشْتَرِي سَنَتَيْنِ وَحَلَّ عَلَيْهِ نَجْمَانِ مِنْ نُجُومِهِ, ثُمَّ رَدَدْنَا الْبَيْعَ فَسَأَلَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يُنْظَرَ سَنَتَيْنِ لِيَسْعَى فِي نَجْمَيْهِ اللَّذَيْنِ حَلَّا عَلَيْهِ فَفِيهِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا لاَ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ كَمَا لَوْ حَبَسَهُ سُلْطَانٌ, أَوْ ظَالِمٌ لَمْ يُنْظِرْهُ بِالْحَبْسِ, وَكَذَلِكَ لَوْ مَرِضَ أَوْ سُبِيَ لَمْ يُنْظِرْهُ بِالْمَرَضِ وَلاَ السِّبَاءِ, وَكَانَ لَهُ أَنْ يَحْسِبَ عَلَى سَيِّدِهِ قِيمَةَ إجَارَةِ السَّنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ غَلَبَهُ فِيهِمَا عَلَى الْبَيْعِ مِنْ نُجُومِهِ, فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ عَنْهُ كِتَابَتَهُ, وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِمَا بَقِيَ مِمَّا حَلَّ فَأَدَّاهُ, وَإِلَّا فَهُوَ عَاجِزٌ, وَإِنْ كَانَ فِي إجَارَتِهِ مِنْ السَّنَتَيْنِ فَضْلٌ عَنْ كِتَابَتِهِ عَتَقَ وَرَجَعَ بِالْفَضْلِ فَأَخَذَهُ وَسَوَاءٌ خَاصَمَ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ أَوْ لَمْ يُخَاصِمْ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ, وَكَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ يَعْجِزَ, أَوْ يَرْضَى بِالْعَجْزِ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ مُنَجَّمَةً, وَهَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُ السَّيِّدُ, ثُمَّ عَدَا عَلَيْهِ فَحَبَسَهُ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ إجَارَةُ مِثْلِهِ فِي حَبْسِهِ, فَإِنْ كَانَ الْحَابِسُ لَهُ غَيْرَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ مِنْهُ إجَارَتَهُ وَلَمْ يُنْظَرْ الْمُكَاتَبُ بِشَيْءٍ مِنْ نُجُومِهِ بَعْدَ مَحَلِّهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ سَيِّدُهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُنْظَرُ بِقَدْرِ حَبْسِ السَّيِّدِ لَهُ إنْ حَبَسَهُ, أَوْ حَبْسِهِ بِالْبَيْعِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً فَهُوَ كَعَبْدٍ لَمْ يُكَاتَبْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ شِرَائِهِ, وَبَيْعِهِ, وَغَيْرِهِ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: إذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ عَمْدًا فَلِسَيِّدِهِ الْقَوَدُ فِيمَا فِيهِ الْقَوَدُ, وَكَذَلِكَ ذَلِكَ لِوَارِثِ سَيِّدِهِ إنْ مَاتَ سَيِّدُهُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَلِسَيِّدِهِ وَوَارِثِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ الْقَوَدُ الْأَرْشُ حَالًّا عَلَى الْمُكَاتَبِ, فَإِنْ أَدَّاهُ فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ, وَلاَ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ مَاتَ سَيِّدُهُ مِنْ جِنَايَتِهِ أَوْ لَمْ يَمُتْ, فَإِنْ أَدَّاهَا فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ, وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا فَلَهُ تَعْجِيزُهُ إنْ شَاءَ فَإِذَا عَجَّزَهُ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ جِنَايَةً فِيهَا قَوَدٌ فَيَكُونَ لَهُمْ الْقَوَدُ أَمَّا الْأَرْشُ فَلاَ يَلْزَمُ عَبْدًا لِسَيِّدِهِ أَرْشٌ, وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ لِسَيِّدِهِ أَرْشٌ لَمْ يَلْزَمْهُ لِوَارِثِ سَيِّدِهِ, وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ وَأَجْنَبِيَّيْنِ فَسَيِّدُهُ, والأجنبيون سَوَاءٌ فِي أَخْذِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْمُكَاتَبِ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ مَا لَمْ يَعْجِزْ فَإِذَا عَجَزَ سَقَطَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ, وَلَزِمَتْهُ جِنَايَتُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّينَ يُبَاعُ فِيهَا إذَا عَجَزَ أَوْ يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ مُتَطَوِّعًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْجِنَايَتَيْنِ فَأَرَادَ سَيِّدُهُ تَرْكَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّينَ تَعْجِيزُهُ وَبَيْعُهُ فِي جِنَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ مُتَطَوِّعًا. وَلَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَجَنَى عَلَى أَحَدِهِمَا جِنَايَةً ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَتَهُ فَإِنْ أَدَّاهَا فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ, وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا مَعَ الْكِتَابَةِ فَلِلْمَجْنِيِّ تَعْجِيزُهُ, فَإِذَا عَجَّزَهُ بَطَلَ عَنْهُ نِصْفُ الْجِنَايَةِ; لِأَنَّهُ مَالِكٌ نِصْفَهُ, وَلاَ يَكُونُ لَهُ دَيْنٌ فِيمَا يَمْلِكُ مِنْهُ, وَكَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ مُتَطَوِّعًا أَوْ نِصْفِ قِيمَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بِيعَ نِصْفُهُ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ, وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ جَنَى عَلَيْهِمَا مَعًا جِنَايَةً كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ فِي الْجِنَايَةِ مَا لِلْآخَرِ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ عَجَّزَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَاجِزٌ وَيَسْقُطُ نِصْفُ أَرْشِ جِنَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ جَنَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوضِحَةً وَقِيمَتُهُمَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَيُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَ نَصِيبَهُ مِنْهُ بِبَعِيرَيْنِ وَنِصْفٍ أَوْ يُسَلِّمَ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَيُبَاعَ مِنْهُ بِبَعِيرَيْنِ وَنِصْفٍ فَيَأْخُذَهُ صَاحِبُهُ أَوْ يَكُونَ أَرْشُ مُوضِحَتِهِمَا قِصَاصًا فَيَكُونَ عَلَى الرِّقِّ, وَلَوْ جَنَى عَلَى أَحَدِهِمَا مُوضِحَةً, وَعَلَى الْآخَرِ مَأْمُومَةً كَانَ نِصْفُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي نِصْفِ مَا يَمْلِكُ شَرِيكُهُ مِنْهُ, وَنِصْفُ أَرْشِ الْمَأْمُومَةِ فِيهَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَأْمُومَةً فِيمَا يَمْلِكُ شَرِيكُهُ مِنْهُ فَعَلَى هَذَا هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً, أَوْ عَبْدٌ لِلْمُكَاتَبِ أَوْ الْمُكَاتَبَةُ جِنَايَةً فَلِذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ, وَعَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَوْ الْمُكَاتَبِ فِي جِنَايَتِهِمَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْجَانِي مِنْهُمَا يَوْمَ جَنَى أَوْ الْجِنَايَةِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَدَائِهَا مَعَ الْمُكَاتَبَةِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ بِحَالِهِ وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ إذَا كَانَتْ حَالَّةً فَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهَا صُلْحًا صَحِيحًا إلَى أَجَلٍ فَلَيْسَ لَهُ تَأْدِيَتُهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا; لِأَنَّ هَذَا زِيَادَةٌ مِنْ مَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ, وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ, وَقَبْلَ مَحَلِّ نُجُومِ الْكِتَابَةِ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ مَا لاَ يَجُوزُ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ, وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ وَكِتَابَةٌ, وَالدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ حَالَّانِ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُمَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ, وَالْكِتَابَةُ قَبْلَهُمَا حَالَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَالَّةٍ مَا لَمْ يَقُومُوا عَلَيْهِ, وَيَقِفْ الْحَاكِمُ مَالَهُ كَمَا يَكُونُ لِلْحُرِّ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ مَا لَمْ يَقِفْ الْحَاكِمُ مَالَهُ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ الْحُرَّ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ مَحَلِّهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ; لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ مِنْ مَالِهِ, وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ, وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلَى سَيِّدِهِ; لِأَنَّ الْمَالَ مَالُهُ, وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ مَالَهُ غَيْرَ حَالٍّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَإِذَا وَقَفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ أَدَّى عَنْهُ إلَى سَيِّدِهِ كِتَابَتَهُ, وَإِلَى النَّاسِ دُيُونَهُمْ, وَجَعَلَهُمْ فِيهِ شَرْعًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي هَذَا كُلَّهُ عَجَّزَهُ فِي مَالِ الْأَجْنَبِيِّ, وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ مَعًا إذَا شَاءَ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّونَ, وَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ أَنْ يَدَعَ حَقَّهُ عَلَيْهِ, وَيَأْخُذَ الْأَجْنَبِيُّونَ حُقُوقَهُمْ فَاسْتَوْفَوْا هُمْ فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ مَا لَمْ يَعْجِزْ سَيِّدُهُ, وَإِنْ شَاءَ الْأَجْنَبِيُّونَ وَسَيِّدُهُ إنْظَارَهُ لَمْ يَعْجِزْ وَمَتَى أَنْظَرَهُ سَيِّدُهُ والأجنبيون فَشَاءَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ, أَوْ يُعَجِّزَهُ فَذَلِكَ لَهُ, وَإِذَا عَجَّزَهُ السَّيِّدُ أَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ أَوْ عَجَّزَهُ الْحَاكِمُ خَيَّرَ الْحَاكِمُ سَيِّدَهُ بَيْنَ أَنْ يَتَطَوَّعَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ, وَكُلُّ مَا كَانَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ مِنْ تَحْرِيقِ مَتَاعٍ أَوْ غَصْبِهِ أَوْ سَرِقَتِهِ أَوْ رَقَبَتِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ عَلَى رِقِّهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بِيعَ عَلَيْهِ فَأَعْطَى أَهْلَ الْجِنَايَةِ وَجَمِيعَ مَا كَانَ فِي حُكْمِهَا مِنْهُ حِصَاصًا لاَ يُقَدِّمُ وَاحِدًا مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ, وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَدَانَهُ إيَّاهُ رَجُلٌ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُحَاصُّهُمْ; لِأَنَّ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ وَمَتَى عَتَقَ تَبِعَهُ بِهِ, وَسَوَاءٌ كَانَ فَعَلَهُ فِيمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُبَاعَ فِيهِ مُتَفَرِّقًا بَعْضُهُ قَبْلَ بَعْضٍ أَوْ مُجْتَمِعًا لاَ يَبْدَأُ بِشَيْءٍ قَبْلَ شَيْءٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى فِي كِتَابَتِهِ عَلَى رَجُلٍ وَبَعْدَ التَّعْجِيزِ عَلَى آخَرَ تَحَاصًّا جَمِيعًا فِي ثَمَنِهِ وَإِنْ أَبْرَأَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْجِنَايَةِ أَوْ صَالَحَ سَيِّدُهُ لَهُ, أَوْ قَضَى بَعْضُهُمْ كَانَ لِلْبَاقِينَ بَيْعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفُوا أَوْ يَأْتُوا هُمْ وَمَنْ قَابَضَ عَلَى ثَمَنِهِ, وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى ابْنِ سَيِّدِهِ وَأَبِيهِ وَامْرَأَتِهِ وَكُلِّ مَا لاَ يَمْلِكُهُ سَيِّدُهُ كَجِنَايَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لاَ تَخْتَلِفُ, وَكَذَلِكَ جِنَايَتُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ, وَكَذَلِكَ جِنَايَتُهُ عَلَى أَيْتَامٍ لِسَيِّدِهِ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَعْفُوَ جِنَايَتَهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ, وَلاَ يَضَعَ عَنْهُ مِنْهَا شَيْئًا إنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَيًّا. وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ نَفْسًا خَطَأً, وَكَانَ سَيِّدُهُ وَارِثَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ, وَلاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ مُكَاتَبِهِ جِنَايَتَهُ, وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ مَعَهُ فَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ حِصَّتَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ, وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ حِصَّةَ غَيْرِهِ مِنْهُ. وَإِنْ جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى مُكَاتَبٍ لِسَيِّدِهِ, وَكَانَ الْمُكَاتَبُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَيًّا فَجِنَايَتُهُ عَلَيْهِ كَجِنَايَةٍ عَلَى الْأَجْنَبِيِّينَ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ الْأَقَلَّ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ أَوْ قِيمَتِهِ, فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ خُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ سَيِّدُهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الْجِنَايَةِ, أَوْ يَدَعَ فَيُبَاعَ وَيُعْطِيَ الْمُكَاتَبُ أَرْشَ جِنَايَتِهِ, وَمَا بَقِيَ رُدَّ عَلَى سَيِّدِهِ, وَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ سَيِّدُهُ شَيْئًا, وَإِنْ جُنِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ جِنَايَةٌ جَاءَتْ عَلَى نَفْسِهِ فَالْجِنَايَةُ لِسَيِّدِهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِهَا أَوْ يُعَجِّزُهُ وَأُحْلِفَ رَقِيقًا, وَإِنْ شَاءَ عَفَاهَا فَإِنْ قَطَعَ الْمُكَاتَبُ يَدَ سَيِّدِهِ, ثُمَّ بَرَأَ السَّيِّدُ وَأَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى سَيِّدِهِ فَعَتَقَ أَوْ أَبْرَأَهُ سَيِّدُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ أَوْ عَتَقَ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ تَبِعَ الْمُكَاتَبَ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ وَإِنْ بَرَّأَ مِنْهَا السَّيِّدُ وَلَمْ يُؤَدِّهَا الْمُكَاتَبُ, ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ كَانَ لِوَرَثَتِهِ مَا كَانَ لَهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ يُعَجِّزُونَهُ فَيُبَاعُ. وَلَوْ كَاتَبَ عَبِيدَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَجَنَى أَحَدُهُمْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ دُونَ الَّذِينَ كَاتَبُوا مَعَهُ وَكَذَلِكَ مَا لَزِمَهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ حَقٍّ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلاَ تَلْزَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَيَكُونُ كَالْمُكَاتَبِ وَحْدَهُ إنْ أَدَّى مَا يَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَإِنْ عَجَزَ كَانَ رَقِيقًا وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ, ثُمَّ خُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ مُتَطَوِّعًا أَوْ يُبَاعَ عَلَيْهِ, وَيَرْفَعَ عَنْ أَصْحَابِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ, وَهَكَذَا كُلُّ حَقٍّ لَزِمَهُ يُبَاعُ فِيهِ مِنْ تَحْرِيقِ مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ, فَأَمَّا مَا لَزِمَهُ مِنْ دَيْنٍ أَدَانَهُ بِهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ طَائِعًا فَلاَ يُبَاعُ فِيهِ, وَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ مُكَاتَبًا, فَإِنْ أَدَّاهُ, وَإِلَّا لَزِمَهُ إذَا عَتَقَ. وَإِنْ جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ جِنَايَةً تَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ لاَ تُبْطِلُ كِتَابَتَهُ فَإِنْ أَدَّى مَا لَزِمَهُ فِيهَا فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ, وَإِنْ عَجَزَ رُدَّ رَقِيقًا إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ, وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ فِيهَا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا الْعَقْلَ, وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَأْتِ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ كَانَ الْمُكَاتَبُ عَلَى كِتَابَتِهِ إنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ, أَوْ أُخِذَ مِنْهُ الْأَرْشُ إنْ كَانَتْ خَطَأً. فَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلاَنِ عَبْدًا لَهُمَا فَجَنَى عَلَى أَحَدِهِمَا جِنَايَةً فَهُوَ كَعَبْدِ الرَّجُلِ يُكَاتِبُهُ ثُمَّ يَجْنِي فَإِنْ جَنَى عَلَى أَحَدِهِمَا فَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ مُكَاتَبِهِ عَلَيْهِ إنْ أَدَّى فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ, وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ فَهُوَ عَاجِزٌ, وَخُيِّرَ سَيِّدُهُ الشَّرِيكُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَ نِصْفَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ, أَوْ يَدَعَهُ فَيُبَاعَ نِصْفُهُ فِي الْجِنَايَةِ, فَإِنْ كَانَ فِي ثَمَنِ نِصْفِهِ فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ الْجِنَايَةِ رُدَّ إلَى سَيِّدَةِ, وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ سَيِّدُهُ شَيْئًا وَسَقَطَ نِصْفُ الْجِنَايَةِ; لِأَنَّهُ صَارَ الْجَانِي إلَى السَّيِّدِ مَمْلُوكًا وَصَنَعُوا بِالنِّصْفِ مَا شَاءُوا; لِأَنَّهُ رَقِيقٌ لَهُمْ إذَا عَجَزَ, وَإِذَا جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً قِيمَتُهَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَةُ مِائَةٍ فَقَالَ أُؤَدِّي خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ, وَأَكُونُ عَلَى الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ كُلِّهَا إذَا كَانَتْ قِيمَتَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا وَلاَ يَبْطُلُ عَنْهُ مِنْ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ حَتَّى يَعْجِزَ فَإِذَا عَجَزَ بَطَلَ عَنْهُ نِصْفُهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ –
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ عَبِيدٌ فَجَنَى أَحَدُهُمْ جِنَايَةً خُيِّرَ الْمُكَاتَبُ فِي عَبْدِهِ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَةِ عَبْدِهِ يَوْمَ يَجْنِي عَبْدُهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ يَوْمَ يَجْنِي غِبْطَةً لَوْ اشْتَرَاهُ الْمُكَاتَبُ بِمَا يَفْدِيهِ بِهِ أَوْ يَدَعُ فَيُبَاعُ فَيُوَفِّي صَاحِبَ الْجِنَايَةِ أَرْشَ جِنَايَتِهِ, فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ. وَلَوْ جَنَى عَبْدُ الْمُكَاتَبِ عَلَى رَجُلٍ حُرٍّ, وَالْعَبْدُ الْجَانِي صَحِيحٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ, ثُمَّ مَرِضَ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ وَالْجِنَايَةُ قِيمَةُ مِائَةٍ وَأَكْثَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِمِائَةٍ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ حِينَئِذٍ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ, وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى بِمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِهِ يَوْمَ يَفْتَكُّهُ جَازَ الشِّرَاءُ, وَبَاعَهُ الْحَاكِمُ فَأَدَّى إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ, وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمُكَاتَبِ غَيْرُ ذَلِكَ, وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُخَالِفٌ لِلْحُرِّ يَجْنِي عَبْدُهُ. وَلَوْ جَنَى عَبْدُ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ يَسْوَى مِائَةَ جِنَايَةٍ قِيمَتُهَا مِائَةٌ أَوْ أَكْثَرُ ثُمَّ أَبَقَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِشَيْءٍ, فَإِذَا وُجِدَ فَشَاءَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ يَفْدِيهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بِيعَ عَلَيْهِ وَأُدِّيَتْ الْجِنَايَةُ, فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ رُدَّ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهَا وَمَا وُهِبَ لِلْمُكَاتَبِ أَوْ اشْتَرَاهُ مِمَّنْ لَهُ مِلْكُهُ لَوْ كَانَ حُرًّا مِنْ ذِي رَحِمٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا جَازَ شِرَاؤُهُ لَهُ; لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلاَءِ مَمْلُوكٌ لَهُ بَيْعُهُ. وَلَوْ وُهِبَ لِلْمُكَاتَبِ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ لَوْ كَانَ حُرًّا فَجَنَى جِنَايَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِشَيْءٍ, وَإِنْ قَلَّ مِنْ الْجِنَايَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ مِلْكَهُ لَيْسَ بِتَامٍّ عَلَيْهِ أَلاَ تَرَى أَنِّي لاَ أَجْعَلُ لَهُ بَيْعَهُ إذَا فَدَاهُ, وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْرِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ, وَهَكَذَا وَلَدٌ لَوْ وُلِدَ لِلْمُكَاتَبِ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ وَوَلَدِهِ الْمُكَاتَبَةِ لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُمْ, وَيُسَلِّمَهُمْ فَيُبَاعَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ, وَمَا بَقِيَ بَقِيَ بِحَالِهِ يَعْتِقُ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ, وَلاَ يَفْدِي أَحَدًا مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ فَيَجُوزُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ. وَلَوْ أَنَّ بَعْضَ مَنْ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعُهُ جَنَى عَلَى السَّيِّدِ أَوْ عَلَى مَالِ السَّيِّدِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْدِيَهُ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّينَ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ هُوَ وَالسَّيِّدُ عَلَى الرِّضَا بِأَنْ يَفْدِيَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَهُ, وَإِنْ لَمْ يَرْضَ السَّيِّدُ بِيعَ مِنْ الْجَانِي بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ, وَأَقَرَّ مَا بَقِيَ بِحَالِهِ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ أَوْ يَرِقَّ بِرِقِّهِ. وَإِذَا جَنَى بَعْضُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُكَاتَبِ عَلَى بَعْضٍ عَمْدًا فَلَهُ الْقَتْلُ, فَإِنْ جَنَى مَنْ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعُهُ عَلَى رَقِيقِهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ وَأَنْ يَعْفُوَ, وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَلَهُ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي جَنَى وَالِدًا لِلْمُكَاتَبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَالِدَهُ بِرَقِيقِهِ, وَهُوَ لاَ يُقْتَلُ بِهِ لَوْ قَتَلَهُ. وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى عَجَزَ خُيِّرَ السَّيِّدُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ أَوْ يَبِيعَهُ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ, وَهَكَذَا عَبْدُ الْمُكَاتَبِ يَجْنِي وَلاَ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ عَنْهُ حَتَّى يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ فَيَصِيرَ مَالُهُ لِسَيِّدِهِ يَكُونُ كَأَنَّهُ جَنَى, وَهُوَ فِي يَدَيْ سَيِّدِهِ, فَإِمَّا فَدَاهُ, وَإِمَّا بِيعَ عَلَيْهِ فِي الْجِنَايَةِ, وَإِذَا كَانَ فِي الْعَبْدِ فَضْلٌ عَنْ الْجِنَايَةِ خُيِّرَ السَّيِّدُ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ كُلَّهُ فَيَكُونَ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ. وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى أَدَّى فَعَتَقَ مَضَى الْعِتْقُ, وَكَانَ عَلَيْهِ فِي الْجِنَايَةِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الْجِنَايَةِ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إذَا لَمْ يَعْجِزْ عَلَيْهِ دُونَ مَوْلاَهُ, وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَجَنَى فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ, وَلَمْ يُؤَدِّ فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ ضَمِنَ سَيِّدُهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الْجِنَايَةِ, وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً أُخْرَى, ثُمَّ أَدَّى فَعَتَقَ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ الْجِنَايَةِ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا, وَالْآخَرُ أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الْجِنَايَةِ, وَهَكَذَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ كَبِيرَةً. مَا جُنِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَلَهُ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ: إذَا أُصِيبَ الْمُكَاتَبُ لَهُ نَذْرُهُ وَقَالَهَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَاتَبَهُ مِنْ مَالِهِ يُحْرِزُهُ كَمَا يُحْرِزُ مَالَهُ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: هُوَ كَمَا قَالَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ مَالٌ مِنْ مَالِهِ لاَ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا بِحَالٍ, وَإِنْ أَزْمَنَتْهُ فَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ الْعَمَلِ; لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي, وَهُوَ زَمِنٌ وَلاَ يَكُونُ لِمَوْلاَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ يُؤَدِّيَ فَتَكُونَ الْجِنَايَةُ كُلُّهَا لِمَوْلاَهُ; لِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: كُلُّ جِنَايَةٍ جَنَاهَا السَّيِّدُ عَلَى مُكَاتَبِهِ لاَ تَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ فَهِيَ كَجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ عَلَيْهِ يَأْخُذُهَا الْمُكَاتَبُ مِنْهُ كُلَّهَا كَمَا يَأْخُذُهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَالٌّ مِنْ كِتَابَتِهِ فَيُقَاصُّهُ بِهَا السَّيِّدُ وَلَكِنْ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً تَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ, وَمَاتَ عَبْدًا إنْ مَاتَ قَبْلَ يُؤَدِّيَ, وَلَمْ يَتْبَعْ السَّيِّدَ بِشَيْءٍ; لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى عَبْدِهِ إنْ لَمْ يَعْتِقْ. وَلَوْ جَنَى السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ فَقَطَعَ يَدَهُ فَسَأَلَ الْمُكَاتَبُ الْوَالِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأ نَظَرَ مَا يُصِيبُهُ بِأَدَاءِ الْجِنَايَةِ, فَإِنْ كَانَ يَعْتِقُ بِهِ قَالَ إنْ جَعَلْته قِصَاصًا بِمَا عَلَيْك وَكَانَتْ كِتَابَتُك كَمَا وَجَبَ لَك أُعْتِقُكَ وَأَخَذْت مِنْهُ فَضْلاً إنْ كَانَ لَك, فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ, ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ ضَمِنَ السَّيِّدُ مِنْ دِيَتِهِ حَيًّا مَا ضَمِنَ هُوَ لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَيَعْتِقُ قَبْلَ يَمُوتَ, ثُمَّ مَاتَ وَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ, وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ, وَلاَ قِصَاصَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ; لِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا فَإِذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ فَجَنَى عَلَيْهِ السَّيِّدُ جِنَايَةً يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا, وَالْكِتَابَةُ حَالَّةٌ فَشَاءَ أَنْ تَكُونَ قِصَاصًا فَهِيَ قِصَاصٌ أَيُّهُمَا شَاءَ, وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ غَيْرَ حَالَّةٍ لَمْ تَكُنْ قِصَاصًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُكَاتَبُ ذَلِكَ دُونَ سَيِّدِهِ. وَإِنْ جَنَى السَّيِّدُ عَلَى الْمُكَاتَبِ جِنَايَةً لاَ يَجِبُ لَهُ بِهَا مَا يَعْتِقُ بِهِ فَقَالَ الْمُكَاتَبُ عَجِّلُوا بِهَا قَبْلَ بُرْءِ الْجِنَايَةِ أَعْطَيْنَاهُ جَمِيعَ الْجِنَايَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ تُجَاوِزُ ثَمَنَهُ لَوْ مَاتَ فَإِذَا جَاوَزَتْ ثَمَنَهُ لَوْ مَاتَ لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهَا حَتَّى يَبْرَأَ فَيُوَفِّيَهُ إيَّاهَا; لِأَنَّا لاَ نَدْرِي لَعَلَّهُ يَمُوتُ فَتَنْتَقِضُ الْجِنَايَةُ عَنْ سَيِّدِهِ. وَإِذَا جَنَى ابْنُ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَوْ أَبُوهُ أَوْ مَنْ عَدَا سَيِّدَ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَجِنَايَتُهُ عَلَيْهِ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ لاَ تَخْتَلِفُ بِحَالٍ, وَلاَ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعْفُوَهَا إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ يَسْتَوْفِيَهَا فَيَكُونَ لَهُ حِينَئِذٍ عَفْوُهَا; لِأَنَّهَا صَارَتْ لَهُ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ عَبْدٌ جِنَايَةً عَمْدًا, فَأَرَادَ الْمُكَاتَبُ الْقِصَاصَ وَأَرَادَ سَيِّدُهُ الدِّيَةَ فَلِلْمُكَاتَبِ الْقِصَاصُ; لِأَنَّ سَيِّدَهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَبَدَنِهِ (قَالَ الرَّبِيعُ): وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ فَيَكُونُ الْمُكَاتَبُ قَدْ أَبْطَلَ الْأَرْشَ الَّذِي كَانَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهُ لَوْ لَمْ يَقْتَصَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ إنْ زَنَى يَحُدَّهُ وَلاَ إنْ أَذْنَبَ أَنْ يَجْلِدَهُ وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُؤَدِّبَ عَبْدَهُ, وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُدَّهُ; لِأَنَّ الْحَدَّ لاَ يَكُونُ إلَى غَيْرِ حُرٍّ, وَهَكَذَا إذَا جُنِيَ عَلَى عَبْدِ الْمُكَاتَبِ جِنَايَةٌ فِيهَا قِصَاصٌ فَإِنَّمَا لَهُمَا الْعَقْلُ, وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ وَلاَ عَبْدِهِ بِأَنْ يَعْفُوَ مِنْ الْعَقْلِ قَلِيلاً وَلاَ كَثِيرًا, وَلاَ يُصَالِحَ فِيهِ إلَّا عَلَى اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ أَرْشِ مَا صَالَحَ بِهِ أَوْ الِازْدِيَادِ, وَإِذَا صَالَحَ فَازْدَادَ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَنْ يَضَعَ الزِّيَادَةَ, وَلاَ شَيْئًا مِنْهَا; لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا, وَلَيْسَ لَهُ إتْلاَفُ شَيْءٍ مَلَكَهُ. وَإِذَا جُنِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَوْ عَبْدِهِ جِنَايَةٌ عَمْدًا فَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الْأَرْشِ أَوْ الْقَوَدِ, فَإِنْ أَرَادَ الْعَفْوَ عَنْ الْقَوَدِ فِي نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ بِلاَ أَرْشٍ فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْجِنَايَةِ الْعَمْدِ عَلَيْهِ, وَعَلَى عَبْدِهِ مَالاً أَوْ قِصَاصًا فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُمَا مَعًا إذَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ إتْلاَفِ مَالِهِ, وَهَذَا إتْلاَفٌ لِمَالِهِ وَلَوْ عَفَا, ثُمَّ عَتَقَ كَانَ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ, وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَوَدُ; لِأَنَّهُ عَفَا, وَهُوَ لاَ يَمْلِكُ إتْلاَفَ الْمَالِ كَمَا لَوْ وَهَبَ شَيْئًا مُكَاتَبٌ, أَوْ وَضَعَهُ, ثُمَّ عَتَقَ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ; لِأَنَّهُ فَعَلَ, وَهُوَ لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَهَبَ, وَلاَ سَبِيلَ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَنْ يَضَعَ جِنَايَةً عَلَى الْمُكَاتَبِ وَلاَ يَأْخُذَ مِنْ يَدَيْ الْمُكَاتَبِ شَيْئًا مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ, وَلاَ عَلَى رَقِيقِهِ وَلَوْ بَقِيَ الْمُكَاتَبُ مِنْ الْجِنَايَةِ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَعْمَى أَصَمَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا صَارَ لَهُ حَتَّى يَعْجِزَ, وَلَهُ السَّبِيلُ إنْ ذَهَبَ عَقْلُ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمُ فَيَضَعَ مَالَ الْمُكَاتَبِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَيُنْفِقَ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْهُ وَيُؤَدِّيَ عَنْهُ حَتَّى يَعْتِقَ أَوْ يَعْجِزَ, وَهَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ وَرَقِيقُهَا لاَ يَخْتَلِفُ, فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ جَاءَتْ عَلَى نَفْسِ رَقِيقِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ فَهَكَذَا لاَ يَخْتَلِفُ, وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ جَاءَتْ عَلَى نَفْسِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ قَبْلَ أَدَائِهِمَا فَقَدْ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَصَارَ مَالُهُمَا لِسَيِّدِهِمَا فَلَهُ فِي مَالِهِمَا إنْ جُنِيَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ, الْمُكَاتَبَانِ الْجِنَايَةَ, وَفِي أَنْفُسِهِمَا, وَمَا جُنِيَ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَسْتَوْفِيَا مَالَهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى رَقِيقٍ لَهُ غَيْرِ مُكَاتَبِينَ. وَلَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ نَفْسُهُ جِنَايَةً فِيهَا قِصَاصٌ, فَبَرَأَ مِنْهَا, وَأَخَذَ نِصْفَ أَرْشِهَا, ثُمَّ مَاتَ أَخَذَ الْمَوْلَى النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَمَالَ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ كَانَ, وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ يَدًا فَصَالَحَ مِنْهَا الْمُكَاتَبُ عَلَى أَقَلِّ مِمَّا فِيهَا وَهُوَ النِّصْفُ قَبَضَ الْمَوْلَى الْفَضْلَ مِمَّا وَجَبَ فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ; لِأَنَّ مُكَاتَبَهُ تَرَكَ الْفَضْلَ فَلِلْمَوْلَى أَخْذُهُ كَمَا لَوْ وَضَعَ عَنْ إنْسَانٍ دَيْنًا عَلَيْهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ هِبَةً, ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ يَعْتِقُ كَانَ لِمَوْلاَهُ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْضُوعِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ قَالَ: وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي قِيمَتِهِ وَقِيمَتُهُ عَبْدٌ غَيْرُ مُكَاتَبٍ يُقَوَّمُ يَوْمَ جُنِيَ عَلَيْهِ وَجِنَايَةُ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ وَعَلَى رَقِيقِهِ وَمَالِهِ وَجِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ وَيَضْمَنُ لَهُمْ مَا يَضْمَنُ الْأَجْنَبِيُّ لَهُمْ فِيمَا دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ إنْ ضَمِنَهُ لَهُمْ فَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى يَعْجِزَ أَوْ يَمُوتَ سَقَطَ عَنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَالاً لَهُ وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِمْ جِنَايَةً يَلْزَمُهُ فِيهَا مَا يُؤَدِّي عَنْ الْمُكَاتَبِ كِتَابَتَهُ فَشَاءَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا أُخِذَ بِهَا السَّيِّدُ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَالْمُكَاتَبَةُ حَالَّةٌ قَبْلَ يَجْعَلُهَا قِصَاصًا بِهِ مَاتَ عَبْدًا وَبَطَلَتْ عَنْهُ الْكِتَابَةُ وَصَارَ هَذَا مَالاً لِلسَّيِّدِ. وَإِنْ جَنَى السَّيِّدُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يَسْوَى أَلْفَ دِينَارٍ وَإِنَّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِينَارٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ مِمَّا وَجَبَ لَهُ وَيُعَجَّزُ وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فَقَطَعَ يَدَهُ فَوَجَبَتْ لَهُ خَمْسُمِائَةٍ بِصُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا دِينَارٌ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَقُولَ قَدْ جَعَلْت مَا وَجَبَ لِي قِصَاصًا فَإِذَا قَالَهُ قَبْلَ يَمُوتُ, ثُمَّ مَاتَ كَانَ حُرًّا حِينَ يَقُولُهُ, فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ حَتَّى مَاتَ كَانَ عَبْدًا وَهَكَذَا إنْ جَنَى سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَالِ الْمُكَاتَبِ جِنَايَةً تَلْزَمُهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَإِنَّمَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ دِينَارٌ لَمْ يَحِلَّ فَلَمْ يَقُلْ الْمُكَاتَبُ قَدْ: جَعَلْتهَا قِصَاصًا حَتَّى مَاتَ, مَاتَ رَقِيقًا, وَإِنْ قَالَ قَدْ جَعَلْتهَا قِصَاصًا بِمَا عَلَيَّ مِنْ الْكِتَابَةِ كَانَ حُرًّا حِينَ يَقُولُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: قَدْ جَعَلْت مَا بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ الْكِتَابَةِ قِصَاصًا مِمَّا لَزِمَ مَوْلاَيَ كَانَ قِصَاصًا وَكَانَ حُرًّا وَاتَّبَعَهُ بِفَضْلِهِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحِلَّ آخَرُ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ, فَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْمُكَاتَبِ إلَّا نَجْمٌ أَوْ بَعْضُ نَجْمٍ أَوْ أَكْثَرُ إلَّا أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ قَدْ حَلَّ كُلُّهُ وَلَمْ يُعَجِّزْهُ سَيِّدُهُ حَتَّى جَنَى عَلَيْهِ سَيِّدُهُ جِنَايَةً فِيهَا وَفَاءٌ بِمَا بَقِيَ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ فِيهَا وَفَاءٌ وَفَضْلٌ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ; لِأَنَّ سَيِّدَهُ مُسْتَوْفٍ بِمَا لَزِمَهُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ إذَا وَجَبَ لِلْمُكَاتَبِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ أَلاَ تَرَى أَنِّي لاَ أُجْبِرُ السَّيِّدَ عَلَى دَفْعِ الْجِنَايَةِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ كِتَابَتِهِ فَأُجْبِرُهُ عَلَى دَفْعِ الْفَضْلِ إلَيْهِ وَإِنْ وَجَدْت لِلْمُكَاتَبِ مَالاً لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَى السَّيِّدِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَهُ عِنْدَ السَّيِّدِ مِثْلُهُ, أَوْ أَكْثَرُ, وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَّ آخِرُ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ فَعَدَا السَّيِّدُ عَلَى مَالِ الْمُكَاتَبِ فَأَخَذَ مِنْهُ مَا بَقِيَ لَهُ بِلاَ عِلْمٍ مِنْ الْمُكَاتَبِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ إذَا كَانَتْ نُجُومُهُ حَالَّةً وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَضَى دَيْنًا بِوَكَالَةِ الْمُكَاتَبِ وَحَبَسَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ. وَإِنْ كَانَتْ نُجُومُهُ لَمْ تَحِلَّ فَرَدَّهُ السَّيِّدُ إلَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ قِصَاصًا وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى إعْطَائِهِ إيَّاهُ إذَا لَمْ تَكُنْ نُجُومُهُ حَلَّتْ وَلَمْ يُجْبَرْ الْمُكَاتَبُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ جِنَايَةُ السَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي مِنْهُ كَاتَبَهُ كَانَتْ قِصَاصًا فَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ السَّيِّدَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ غَيْرُ الصِّنْفِ الَّذِي مِنْهُ الْكِتَابَةُ لَمْ يَعْتِقْ بِهَا وَلَمْ تَكُنْ قِصَاصًا حَتَّى يَقْبِضَهَا وَيَدْفَعَ مِنْ ثَمَنِهَا إلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِ, أَوْ يَصْطَلِحَا صُلْحًا يَصْلُحُ عَلَى أَنَّهَا قِصَاصٌ وَذَلِكَ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَعَلَى الْمُكَاتَبِ مِائَةُ صَاعٍ حِنْطَةٍ لَمُكَاتَبٍ خَمْسِينَ دِينَارًا وَإِنَّمَا لَزِمَ السَّيِّدَ بِالْجِنَايَةِ ذَهَبٌ أَوْ وَرِقٌ أَوْ إبِلٌ هِيَ أَكْثَرُ ثَمَنًا مِمَّا عَلَى الْمُكَاتَبِ فَلاَ يَكُونُ هَذَا قِصَاصًا وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ حَالَّةً; لِأَنَّ الَّذِي عَلَى الْمُكَاتَبِ غَيْرُ الَّذِي وَجَبَ لَهُ وَلَكِنْ لَوْ حَرَقَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ مِائَةَ صَاعٍ مِثْلِ حِنْطَتِهِ وَالْحِنْطَةُ الَّتِي عَلَى الْمُكَاتَبِ حَالَّةٌ كَانَ قِصَاصًا وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ, فَإِنْ كَانَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا مِنْ حِنْطَتِهِ لَمْ تَكُنْ قِصَاصًا حَتَّى يَرْضَى الْمُكَاتَبُ إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ الْمُحْرَقَةُ خَيْرًا مِنْ الْحِنْطَةِ الَّتِي عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا أَوْ يَرْضَى السَّيِّدُ أَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ الَّتِي حَرَقَ شَرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ الَّتِي لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَلاَ تَكُونُ قِصَاصًا إلَّا بِأَنْ يَحْتَالَ بِهَا الْمُكَاتَبُ بِرِضَاهُ عَلَى السَّيِّدِ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْحِنْطَةِ جِنَايَةٌ عَلَى الْمُكَاتَبِ لَمْ يَخْتَلِفْ هَذَا. وَإِنْ جَنَى السَّيِّدُ عَلَى الْمُكَاتَبِ جِنَايَةً لَزِمَهُ بِهَا أَرْشٌ فَجَعَلَهَا السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ قِصَاصًا تَأَخَّرَ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ أَوْ كَانَ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ حَالًّا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بِهَا مِثْلُ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ, أَوْ أَكْثَرُ بِرِضَاهُمَا, ثُمَّ عَادَ السَّيِّدُ فَجَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ جِنَايَةً ثَانِيَةً كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى حُرٍّ فِيهَا قِصَاصٌ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَأَرْشُ الْحُرِّ إنْ كَانَتْ مِمَّا لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَإِنْ اعْتَلَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَنْ يَصِيرَ لِمُكَاتَبِهِ عَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ فَيَكُونُ قِصَاصًا فَيَعْتِقُ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا لاَ يُقْبَلُ مِنْ رَجُلٍ عَلِمَ رَجُلاً عَبْدًا فَقَتَلَهُ بَعْدَ مَا عَتَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِهِ (قَالَ الرَّبِيعُ): وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ دِيَةُ حُرٍّ وَلاَ قَوَدَ لِمَوْضِعِ الشُّبْهَةِ كَمَا لَوْ قَتَلَ حَرْبِيًّا وَلَمْ يَعْلَمْ بِإِسْلاَمِهِ فَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ وَلاَ قَوَدَ وَهُوَ يُفَارِقُ الْحَرْبِيَّ; لِأَنَّهُ حَلاَلٌ لَهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَتْلُ الْحَرْبِيِّ وَلَيْسَ حَلاَلاً لَهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَتْلُ الْعَبْدِ (قَالَ الرَّبِيعُ): وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَصَحُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَعَادَ السَّيِّدُ أَوْ غَيْرُهُ فَجَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَدْ عَلِمَ الْجَانِي عِتْقَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَسَوَاءٌ وَجِنَايَتُهُ عَلَيْهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى حُرٍّ. وَلَوْ جَنَى سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَقَطَعَ يَدَهُ فَلَزِمَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ, وَكَانَ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا لَزِمَهُ لَهُ وَكَانَ آخِرَ نُجُومِهِ عَتَقَ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَحِلَّ فَجَعَلَهُ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ قِصَاصًا عَتَقَ بِهِ, فَإِنْ عَادَ السَّيِّدُ فَقَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى خَطَأً فَمَاتَ لَزِمَ عَاقِلَتَهُ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْيَدِ الْأُخْرَى; لِأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ وَهُوَ حُرٌّ. وَإِذَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ فَعَفَا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَالْعَفْوُ جَائِزٌ. وَإِذَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ وَعَتَقَ فَقَالَ: كَانَتْ الْجِنَايَةُ وَأَنَا حُرٌّ وَقَالَ الْجَانِي: كَانَتْ وَأَنْتَ مُكَاتَبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي وَعَلَى الْمُكَاتَبِ الْبَيِّنَةُ وَسَوَاءٌ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ أَوْ كَذَّبَهُ, فَإِنْ قَطَعَ مَوْلاَهُ لَهُ الشَّهَادَةَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ وَهُوَ حُرٌّ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَهَادَتِهِ مَا يَجُرُّ بِهِ إلَى نَفْسِهِ شَيْئًا وَكَلَّفْتُهُ شَاهِدًا مَعَهُ فَإِذَا أَثْبَتَهُ قَضَيْت لَهُ بِجِنَايَةِ حُرٍّ وَإِذَا مَلَكَ الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ وَجَنَى عَلَيْهِ أَبُوهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ. وَإِذَا جَنَى مَنْ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ وَلاَ يَبِيعُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَلَوْ جَنَى عَبْدُ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ هَدَرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا قِصَاصٌ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَقْلاً أَوْ عَمْدًا فَأَرَادَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَلَكِنْ لَهُ بَيْعُهُ عَلَى النَّظَرِ كَمَا يَكُونُ لَهُ بَيْعُهُ بِلاَ جِنَايَةٍ جَنَاهَا. وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى عَبْدٍ لَهُ بَيْعُهُ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فِيهَا قِصَاصٌ فَيَكُونُ لَهُ الْقِصَاصُ فَأَمَّا مَالٌ فَلاَ يَكُونُ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ بِحَالٍ, وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ فَجَنَى عَلَيْهِمَا, فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ فِيهَا قِصَاصٌ فَلَهُمَا الْقِصَاصُ وَلَيْسَ لَهُمَا اخْتِيَارُ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَاهُ مِنْهُ وَهُمَا غَيْرُ خَارِجَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَلاَ أَنْ يَأْخُذَا مِنْهُ مَالاً لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً, وَلَوْ عَتَقَا وَعَتَقَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْ يَتْبَعَاهُ بِمَالٍ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَهُمَا غَيْرُ خَارِجَيْنِ مِنْ مِلْكِهِ. وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ عَلَى ابْنٍ لَهُ كَاتَبَ مَعَهُ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ يَأْخُذُهُ بِهَا الِابْنُ, وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَعْفُوَهَا لِأَنَّ الِابْنَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ كَهُوَ, وَلَوْ كَانَتْ عَمْدًا لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ أَرْشَهَا وَلَيْسَ لِلِابْنِ تَرْكُ الْأَرْشِ لَهُ, فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْأَرْشَ حَتَّى عَتَقَ الِابْنُ قَبْلَ يَأْخُذُهَا مِنْهُ فَلَهُ عَفْوُهَا عَتَقَ الْأَبُ, أَوْ لَمْ يَعْتِقْ; لِأَنَّ حَقَّهُ مَالٌ لَهُ لاَ سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فِيهِ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فَأَدَّى إلَيْهِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى أَعْتَقَهُ فَالْعِتْقُ وَاقِعٌ وَقَدْ بَطَلَتْ عَنْهُ الْكِتَابَةُ وَمَالُهُ الَّذِي أَفَادَ فِي الْكِتَابَةِ كُلُّهُ لَهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَلَوْ كَاتَبَهُ, ثُمَّ قَالَ: قَدْ وَضَعْت عَنْكَ كِتَابَتَك كُلَّهَا كَانَ حُرًّا وَكَانَ كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ أَعْتَقَهُ فِي أَصْلِ الْكِتَابَةِ بِالْبَرَاءَةِ إلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ, وَلَوْ قَالَ قَدْ وَضَعْت عَنْك الْكِتَابَةَ إلَّا دِينَارًا أَوْ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ كَانَ بَرِيئًا مِنْ الْكِتَابَةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَى وَلاَ يَعْتِقُ إلَّا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ آخِرِ الْكِتَابَةِ وَالْقَوْلُ فِي أَصْلِ اسْتِثْنَاءِ السَّيِّدِ مِنْ الْكِتَابَةِ قَوْلُ السَّيِّدِ إنْ قَالَ الَّذِي وَضَعْت مِنْ الْمُؤَخَّرِ وَاَلَّذِي أَخَّرْتَ مِنْ الْوَضْعِ الْمُقَدَّمُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ, فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا يُعْرِبُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَلْزَمَ الْحَاكِمُ الْمُكَاتَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَضْعُ مِنْ آخِرِ الْكِتَابَةِ; لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِذَلِكَ لِمَنْ صَارَ الْمَالُ لَهُ وَلاَ يَضَعُ عَنْهُ إلَّا مَا يُحِيطُ أَنَّهُ وَضَعَ عَنْهُ بِحَالٍ وَهُوَ إذَا وَضَعَ عَنْهُ آخِرَهَا عَلَى إحَاطَةِ أَنَّهُ وَضَعَ الَّذِي وَضَعَ عَنْهُ أَوْ مَا قَبْلَهُ فَكَانَ الْآخِرُ بَدَلاً مِنْ الْأَوَّلِ. وَإِذَا وَضَعَ السَّيِّدُ عَنْ الْمُكَاتَبِ أَوْ أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ فَالْعِتْقُ مَوْقُوفٌ, فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فَهُوَ حُرٌّ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ فَوُضِعَ عَنْهُ مِنْ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَكَانَ الْبَاقِي مِنْهُ عَلَى الْكِتَابَةِ. وَمَتَى أَقَرَّ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ قَبَضَ نُجُومَ الْمُكَاتَبِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِقَبْضِ دَيْنٍ عَلَيْهِ. وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى دَنَانِيرَ فَقَالَ قَدْ وَضَعْت عَنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ كِتَابَتِك لَمْ يَكُنْ وَضَعَ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ دَرَاهِمُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فَقَالَ قَدْ وَضَعْت عَنْك مِنْ كِتَابَتِك مِائَةَ دِينَارٍ وَإِنَّمَا قِيمَتُهَا مِثْلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَكُنْ وَضَعَ عَنْهُ شَيْئًا; لِأَنَّهُ إنَّمَا وَضَعَ عَنْهُ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ, وَكَذَلِكَ كُلُّ صِنْفٍ كَاتَبَهُ عَلَيْهِ فَوَضَعَ عَنْهُ مِنْ صِنْفِ غَيْرِهِ. وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ كَاتَبْته عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقُلْت قَدْ وَضَعْت عَنْك خَمْسِينَ دِينَارًا أَعْنِي وَضَعْت عَنْك الْأَلْفَ وَهِيَ قِيمَةُ خَمْسِينَ دِينَارًا كَانَ وَضْعًا وَكَانَ الْمُكَاتَبُ حُرًّا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ هَذَا السَّيِّدُ فَادَّعَى الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ أَحَلَفْته مَا أَرَادَ هَذَا, وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَحَلَفْت الْوَرَثَةَ مَا عَلِمُوهُ أَرَادَ وَضْعَ الْأَلْفِ إنْ قَالَ: هِيَ قِيمَةُ خَمْسِينَ فَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ لِلْمُكَاتَبِ أَنَّ سَيِّدَهُ قَالَ قَدْ اسْتَوْفَيْت مِنْهُ أَوْ قَالَ لِسَيِّدِهِ: أَلَسْت قَدْ وَفَّيْتُك؟ فَقَالَ بَلَى فَقَالَ الْمُكَاتَبُ هَذَا آخِرُ نُجُومِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّيِّدِ, فَإِنْ قَالَ لَمْ يُوَفِّنِي إلَّا دِرْهَمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ - مَعَ يَمِينِهِ - وَقَوْلُ وَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ; لِأَنَّهُ عَبْدٌ أَبَدًا حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ وَفَّاهُ جَمِيعَ كِتَابَتِهِ أَوْ كُلَّ كِتَابَتِهِ أَوْ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا فَيَلْزَمُهُ مَا أَثْبَتَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ اسْتَوْفَيْت آخِرَ كِتَابَتِك وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ قَوْلُ السَّيِّدِ فِي حَيَاتِهِ, وَوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ; لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَمْ تُثْبِتْهُ, وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَدْ قَالَ: اسْتَوْفَيْت مِنْك آخِرَ كِتَابَتِك إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ شَاءَ فُلاَنٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا اسْتِيفَاءً; لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى فِيهِ, وَلَوْ قَالَ: قَدْ اسْتَوْفَيْت آخِرَ كِتَابَتِك إنْ شِئْت لَمْ يَكُنْ اسْتِيفَاءً; لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا كَاتَبَ الرَّجُلاَنِ عَبْدًا لَهُمَا فَأَدَّى بَعْضَ نُجُومِهِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهُ فَنَصِيبُهُ مِنْهُ حُرٌّ كَمَا يَجُوزُ عِتْقُهُ أُمَّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَعَبْدَهُ الَّذِي لاَ كِتَابَةَ لَهُ, فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ كُلُّهُ كَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَالنِّصْفُ الثَّانِي مُكَاتَبٌ بِحَالِهِ وَإِذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا, ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ, فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُوسِرًا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نِصْفِهِ كَانَ الْمُكَاتَبُ حُرًّا وَكَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَعِتْقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ وَالْوَلاَءُ لِلْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا فَعِتْقُ الْآخَرِ جَائِزٌ وَالْوَلاَءُ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَوَضَعَ عَنْهُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يُعْتِقْهُ فَهُوَ كَعِتْقِهِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَكَذَلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ مَالُهُ وَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ فَالْوَلاَءُ لَهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُكَاتَبِ يُورَثُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَنْكَحَ ابْنَةً لَهُ ثَيِّبًا بِرِضَاهَا مُكَاتَبَهُ أَوْ عَبْدَهُ, ثُمَّ كَاتَبَهُ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا, فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَابْنَتُهُ وَارِثَةٌ لَهُ فَسَدَ النِّكَاحُ; لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ مِنْ زَوْجِهَا شَيْئًا وَلَوْ مَاتَ وَلَيْسَتْ ابْنَتُهُ وَارِثَةً كَانَا عَلَى النِّكَاحِ, فَإِنْ أَعْتَقَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ فَنَصِيبُ الَّذِي أَعْتَقَهُ حُرٌّ وَوَلاَؤُهُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ وَكَذَلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ فَنَصِيبُهُ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي رَقَبَتِهِ شَيْءٌ وَكَانَ نَصِيبُهُ حُرًّا بِكُلِّ حَالٍ, وَلاَ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِحَالٍ; لِأَنَّ عِتْقَهُ إيَّاهُ وَإِبْرَاءَهُ مِنْهُ عِتْقٌ لاَ وَلاَءَ لَهُ بِهِ إنَّمَا الْوَلاَءُ لِلَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ تَقْوِيمِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْوَلاَءُ مَا لَمْ يَعْجِزْ فَيُعْتِقُهُ بَعْدَ الْعَجْزِ وَأُعْتِقُهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ رِقِّهِ فِيهِ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ رِقٌّ فَعَجَزَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ, وَلَوْ وَرِثَهُ وَآخَرُ فَأَعْتَقَاهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُمَا لَوْ كَانَا وَرِثَا مَالاً عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُمَا وَرِثَا رَقَبَتَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا أَعْتَقَاهُ عَتَقَ وَوَلاَؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ الْكِتَابَةَ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: {عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُكهَا عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَمْنَعُك ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ عَائِشَةَ وَذَلِكَ مُرْسَلٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: وَأَحْسِبُ حَدِيثَ نَافِعٍ أَثْبَتَهَا كُلَّهَا; لِأَنَّهُ مُسْنَدٌ وَأَنَّهُ أَشْبَهُ وَعَائِشَةُ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ كَانَتْ شَرَطَتْ لَهُمْ الْوَلاَءَ فَأَعْلَمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا إنْ أَعْتَقَتْ فَالْوَلاَءُ لَهَا وَإِنْ كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ إنَّهَا شَرَطَتْ لَهُمْ الْوَلاَءَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّ هِشَامًا أَوْ عُرْوَةَ حِينَ سَمِعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لاَ يَمْنَعُك ذَلِكَ " إنَّمَا رَأَى أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَشْرِطَ لَهُمْ الْوَلاَءَ فَلَمْ يَقِفْ مِنْ حِفْظِهِ عَلَى مَا وَقَفَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَالْأَحَادِيثُ الثَّلاَثَةُ مُتَّفِقَةٌ فِيمَا سِوَى هَذَا الْحَرْفِ الَّذِي قَدْ يَغْلَطُ فِيهِ مُنْتَهَى الْغَلَطِ, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ, فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ إنْ لَمْ يَعْجِزُوا فَلَمَّا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنْ لاَ يُبَاعَ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يَعْجِزَ أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا ثَابِتًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ عَرَفْت مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ عَلَى خِلاَفِهِ فَكَانَ مَعْنَى الْحَدِيثِ غَيْرَ هَذَا وَهُوَ أَحْرَاهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي الْحَدِيثِ دَلاَلَةً عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ الْكِتَابَةَ شَرْطٌ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ فَمَتَى شَاءَ الْمُكَاتَبُ أَبْطَلَ الْكِتَابَةَ; لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ لَهُ لَمْ نُخْرِجْهُ مِنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ وَلاَ نُخْرِجُهُ إلَّا بِأَدَائِهَا وَهَذَا هُوَ أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِهَا, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ, وَبِهِ أَقُولُ فَإِذَا رَضِيَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْ الْمُكَاتَبُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ فَلَهَا وَلَهُ إبْطَالُهَا كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ إبْطَالُهُ وَكَمَا يُقَالُ لِلْعَبْدِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَتَرَكَ دُخُولَهَا وَيُقَالُ لَهُ: إنْ تَكَلَّمْت بِكَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَتَرَك أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ فَلاَ يَعْتِقُ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَلاَ تَرَى أَنَّ بَرِيرَةَ تَسْتَعِينُ فِي الْكِتَابَةِ وَتَعْرِضُ عَلَيْهَا عَائِشَةُ الشِّرَاءَ أَوْ الْعِتْقَ وَتَذْهَبُ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا بِمَا عَرَضَتْ عَائِشَةُ وَتَرْجِعُ إلَى عَائِشَةَ بِمَا عَرَضَ أَهْلُهَا وَتَشْتَرِيهَا عَائِشَةُ فَتُعْتِقُهَا بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلُّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ رِضَا بَرِيرَةَ بِتَرْكِ الْكِتَابَةِ أَوْ الْعَجْزِ فَمَتَى قَالَ الْمُكَاتَبُ قَدْ عَجَزْت أَوْ أَبْطَلْت الْكِتَابَةَ فَذَلِكَ إلَيْهِ عُلِمَ لَهُ مَالٌ أَوْ قُوَّةٌ عَلَى الْكِتَابَةِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ وَإِنْ قَالَ سَيِّدُهُ: لاَ أَرْضَى بِعَجْزِهِ قِيلَ ذَلِكَ لَهُ وَإِلَيْهِ: دُونَك فَهُوَ لَك مَمْلُوكٌ فَخُذْ مَالَك حَيْثُ كَانَ وَاسْتَخْدِمْهُ وَأَجِّرْهُ فَخُذْ فَضْلَ قُوتِهِ وَحِرْفَتِهِ وَمَالِهِ خَيْرٌ مِنْ أَدَاءِ نُجُومِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَبْدَانِ أَوْ عَبِيدٌ فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَجَّزَ أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ أَوْ رَضِيَ بِتَرْكِ الْكِتَابَةِ خَرَجَ مِنْهَا وَرُفِعَتْ عَمَّنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ حِصَّتُهُ كَمَا تُرْفَعُ لَوْ مَاتَ أَوْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وَسَوَاءٌ عَجَّزَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ أَوْ قَبْلَهُ مَتَى عَجَّزَ نَفْسَهُ فَهُوَ عَاجِزٌ وَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَأَبْطَلَ الْكِتَابَةَ, ثُمَّ قَالَ أَعُودُ عَلَى الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا بِتَجْدِيدِ كِتَابَةٍ وَتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ عِنْدَ سَيِّدِهِ وَفِي غَيْبَةِ سَيِّدِهِ سَوَاءٌ وَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَأَبْطَلَ الْكِتَابَةَ ثُمَّ أَدَّى إلَى سَيِّدِهِ فَعَتَقَ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ, ثُمَّ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ عَجَّزَ نَفْسَهُ أَوْ رَضِيَ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ كَانَ مَمْلُوكًا وَمَا أَخَذَ سَيِّدُهُ مِنْهُ حَلاَلٌ لَهُ وَإِنْ أُحَبَّ أَنْ أُحَلِّفَ لَهُ سَيِّدَهُ مَا جَدَّدَ كِتَابَةً كَانَ ذَلِكَ لَهُ, وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَدَفَعَ إلَى سَيِّدِهِ آخِرَ نُجُومِهِ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَلاَ عِلْمَ لَهُ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ وَلاَ رِضَاهُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ كَانَ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ وَعَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ كُلِّهَا لاَ نَحْسِبُ لَهُ مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا; لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَأَعْتَقَهُ بِسَبَبِ كِتَابَتِهِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا رَضِيَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ بِالْمُكَاتَبَةِ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ فَسْخُهَا حَتَّى يَعْجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ فَإِذَا عَجَزَ وَلَمْ يَقُلْ قَدْ فَسَخْت الْكِتَابَةَ فَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا حَتَّى يَخْتَارَ السَّيِّدُ فَسْخَهَا; لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ دُونَ حَقِّ الْمُكَاتَبِ أَنْ لاَ يَثْبُتَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُؤَدٍّ مَا عَلَيْهِ فِيهَا إلَّا أَنْ يَتْرُكَ السَّيِّدُ حَقَّهُ بِفَسْخِهَا فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ; لِأَنَّهُمَا مُجْتَمِعَانِ عَلَى الرِّضَا بِالْكِتَابَةِ فَمَتَى حَلَّ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ وَلَمْ يُبْطِلْ السَّيِّدُ الْكِتَابَةَ فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّى بَعْدَ حُلُولِ النَّجْمِ مِنْ مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ أَوْ طَوِيلَةٍ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ وَلاَ يَكُونُ لَهُ تَعْجِيزُهُ إلَّا وَنَجْمٌ أَوْ بَعْضٌ حَالٌّ عَلَيْهِ فَلاَ يُؤَدِّيه وَإِذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ إلَّا بِحَضْرَتِهِ فَإِذَا حَضَرَ فَسَأَلَهُ مَا حَلَّ عَلَيْهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَالَ لَيْسَ عِنْدِي فَأَشْهَدَ أَنَّهُ قَدْ عَجَّزَهُ أَوْ قَدْ أَبْطَلَ كِتَابَتَهُ أَوْ فَسَخَهَا فَقَدْ بَطَلَتْ وَلَوْ جَاءَ الْمُكَاتَبُ بِمَا عَلَيْهِ مَكَانَهُ لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا وَكَانَ لِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ مِنْهُ كَمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ مَمْلُوكًا وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا عِنْدَ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا جَاءَ بِهِ السُّلْطَانُ فَسَأَلَهُ نَظْرَةَ مُدَّةٍ يُؤَدِّي إلَيْهِ نَجْمَهُ أَوْ سَأَلَ ذَلِكَ سَيِّدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى السَّيِّدِ وَلاَ عَلَى السُّلْطَانِ إنْظَارُهُ إلَّا أَنْ يُحْضِرَ شَيْئًا يَبِيعُهُ مَكَانَهُ فَيُنْظِرَهُ قَدْرَ بَيْعِهِ. فَإِنْ قَالَ لِي شَيْءٌ غَائِبٌ أُحْضِرُهُ لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُنْظِرَهُ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْظِرُهُ فَيَفُوتُ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ وَلاَ يُؤَدِّي إلَيْهِ مَالَهُ وَلَيْسَ هَذَا كَالْحُرِّ يَسْأَلُ النَّظْرَةَ فِي الدَّيْنِ; لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ لاَ سَبِيلَ عَلَى رَقَبَتِهِ وَهَذَا عَبْدٌ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ غَائِبًا فَحَلَّ نَجْمُهُ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ عَجَّزَهُ أَوْ فَسَخَ كِتَابَتَهُ فَهُوَ عَاجِزٌ, فَإِنْ جَاءَ مِنْ غَيْبَتِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ النَّجْمَ الَّذِي عَجَّزَهُ بِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ أَوْ أَنْظَرَهُ بِهِ كَانَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَهَكَذَا لَوْ جَاءَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ السُّلْطَانَ فَسَأَلَهُ تَعْجِيزَهُ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يُعَجِّزَهُ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ عَلَى كِتَابَتِهِ وَحُلُولِ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ وَيُحَلِّفُهُ مَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلاَ قَبَضَهُ مِنْهُ وَلاَ قَابَضَ لَهُ وَلاَ أَنْظَرَهُ بِهِ فَإِذَا فَعَلَ عَجَّزَهُ لَهُ وَجَعَلَ الْمُكَاتَبَ عَلَى حُجَّتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ حُجَّةٌ قَالَ: وَإِنْ جَاءَ إلَى السُّلْطَانِ فَقَالَ قَدْ أَنْظَرْته بِنَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ إلَى أَجَلٍ وَقَدْ مَضَى صَنَعَ فِيهِ مَا صَنَعَ فِي نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ حَلَّ قَالَ: وَإِنْ قَالَ: قَدْ أَنْظَرْته إلَى غَيْرِ أَجَلٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ فَبَدَا لِي أَنْ لاَ أَنْظُرَهُ لَمْ يُعَجِّزْهُ وَكَتَبَ لَهُ إلَى حَاكِمِ بَلَدِهِ فَأَحْضَرَهُ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ رَجَعَ فِي نَظْرَتِهِ وَقَالَ إنْ أَدَّيْت إلَى وَكِيلِهِ أَوْ إلَيْهِ نَفْسِهِ وَإِلَّا أَبْطَلْت كِتَابَتَك وَبَعَثْت بِك إلَيْهِ. فَإِنْ اسْتَنْظَرَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْظَرَ إنْ كَانَ لِسَيِّدِهِ وَكِيلٌ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهِ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ أَنْظَرَهُ قَدْرَ مَسِيرِهِ إلَى سَيِّدِهِ فَضَرَبَ لَهُ أَجَلاً إنْ جَاءَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَإِلَّا عَجَّزَهُ حَاكِمُ بَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَهُ مَكَانَهُ بِشَيْءٍ يَبِيعُهُ لَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَيُنْظِرُهُ قَدْرَ بَيْعِهِ لاَ يُجَاوِزُ بِهِ ذَلِكَ, أَوْ يَأْتِيهِ بِغَرِيمٍ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَكَانَهُ أَوْ يَبِيعُ عَلَى الْغَرِيمِ شَيْئًا حَاضِرًا أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ شَيْءٌ حَاضِرٌ حَبَسَهُ لَهُ وَعَجَّزَهُ وَجَعَلَ مَا عَلَى الْغَرِيمِ لِسَيِّدِهِ; لِأَنَّهُ مَالُ عَبْدِهِ وَمَتَى قُلْت: لِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ أَوْ عَلَى السُّلْطَانِ تَعْجِيزُهُ فَعَجَّزَهُ السُّلْطَانُ أَوْ السَّيِّدُ, ثُمَّ أَحْضَرَ الْمَالَ لَمْ يُرَدَّ التَّعْجِيزُ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ فِي قَوْلِك لِلسَّيِّدِ أَنْ يُعَجِّزَهُ دُونَ السُّلْطَانِ أَثَرٌ؟ قُلْت هُوَ مَعْقُولٌ بِمَا وَصَفْت (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلاَمَهُ لَهُ عَلَى ثَلاَثِينَ أَلْفًا, ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: إنِّي قَدْ عَجَزْت فَقَالَ إذًا أَمْحُو كِتَابَتَك قَالَ: قَدْ عَجَزْت فَامْحُهَا أَنْتَ قَالَ نَافِعٌ فَأَشَرْت إلَيْهِ: اُمْحُهَا وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يُعْتِقَهُ فَمَحَاهَا الْعَبْدُ وَلَهُ ابْنَانِ أَوْ ابْنٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اعْتَزِلْ جَارِيَتِي قَالَ: فَأَعْتَقَ ابْنُ عُمَرَ ابْنَهُ بَعْدَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ قَالَ: شَهِدْت شُرَيْحًا رَدَّ مُكَاتَبًا عَجَزَ فِي الرِّقِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى يُعَجِّزُ السَّيِّدُ وَالسُّلْطَانُ الْمُكَاتَبَ فَإِذَا حَلَّ نَجْمُ الْمُكَاتَبِ فَسَأَلَهُ سَيِّدُهُ أَدَاءَهُ فَقَالَ قَدْ أَدَّيْته إلَيْك أَوْ أَدَّيْته إلَى وَكِيلِك أَوْ إلَى فُلاَنٍ بِأَمْرِك فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ لَمْ يُعَجِّلْ الْحَاكِمُ تَعْجِيزَهُ وَأَنْظَرَهُ يَوْمًا وَأَكْثَرُ مَا يُنْظِرُهُ ثَلاَثٌ, فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ أَحْلَفَهُ مَعَهُ وَأَبْرَأَهُ مِمَّا شَهِدَ لَهُ بِهِ شَاهِدُهُ وَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْحَاكِمُ لَمْ يُعَجِّلْ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ, فَإِنْ عَدَلَ أَحْلَفَهُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ دَعَاهُ بِغَيْرِهِ, فَإِنْ جَاءَ بِهِ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ غَدِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِلَّا عَجَّزَهُ, وَإِنْ ذَكَرَ بَيِّنَةً غَائِبَةً أَشْهَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ بَيِّنَةً غَائِبَةً وَأَنِّي قَدْ عَجَّزَتْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ دَفْعِ نَجْمِهِ أَوْ إبْرَاءِ مَوْلاَهُ لَهُ مِنْهُ, فَإِنْ جَاءَ بِهَا أَثْبَتَ كِتَابَتَهُ وَأَخَذَ سَيِّدَهُ بِمَا أَخَذَ مِنْ خَرَاجِهِ وَقِيمَةِ خِدْمَتِهِ, وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا تَمَّ عَلَيْهِ التَّعْجِيزُ, وَإِنْ عَجَّزَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ, ثُمَّ جَاءَتْ بَيِّنَةٌ بِإِبْرَائِهِ مِنْ ذَلِكَ النَّجْمِ وَهُوَ آخِرُ نُجُومِهِ وَمَاتَ الْمُكَاتَبُ جَعَلَ مَالَهُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ الْأَحْرَارِ; لِأَنَّهُ مَاتَ حُرًّا وَأَخَذَ السَّيِّدَ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ وَقِيمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آخِرَ نُجُومِهِ فَقَدْ مَاتَ رَقِيقًا. وَإِذَا عَجَّزَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ أَوْ السُّلْطَانُ فَقَالَ سَيِّدُهُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ قَدْ أَقْرَرْتُك عَلَى الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا حَتَّى يُجَدِّدَ لَهُ كِتَابَةً غَيْرَهَا, وَلَوْ تَأَدَّى مِنْهُ عَلَى الْكِتَابَةِ الْأُولَى وَقَالَ قَدْ أَثْبَتُّ لَك الْعِتْقَ عَتَقَ بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ وَتَرَاجَعَا بِقِيمَةِ الْمُكَاتَبِ كَمَا يَتَرَاجَعَانِ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ أَثْبَتُّ لَك الْكِتَابَةَ الْأُولَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِتْقَ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَثْبَتُّ لَك الْكِتَابَةَ الْأُولَى أَثْبَتُّ لَك الْعِتْقَ بِالْكِتَابَةِ الْأُولَى عَلَى الْأَدَاءِ وَلَوْ عَجَّزَهُ, ثُمَّ تَأَدَّى مِنْهُ كَمَا كَانَ يَتَأَدَّى وَلَمْ يَقُلْ قَدْ أَثْبَتّ لَك الْكِتَابَةَ لَمْ يَكُنْ حُرًّا بِالْأَدَاءِ وَكَانَ تَأْدِيَتُهُ كَالْخَرَاجِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ. وَإِذَا كَاتَبَ عَبِيدًا لَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَعَجَزُوا كُلُّهُمْ عَنْ نَجْمٍ مِنْ النُّجُومِ فَلِسَيِّدِهِمْ أَنْ يُعَجِّزَ أَيَّهمْ شَاءَ وَيُنْظِرَ أَيَّهمْ شَاءَ فَيُقِرَّهُ عَلَى الْكِتَابَةِ وَيَأْخُذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْهَا وَكَذَلِكَ إنْ أَدَّى بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُؤَدِّ بَعْضٌ فَمَنْ أَدَّى عَلَى الْكِتَابَةِ عَتَقَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْجِيزُهُ وَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ وَهُمْ كَعَبِيدٍ كَاتَبُوا كِتَابَةً مُفَرَّقَةً فَعَجَزُوا فَلَهُ أَنْ يُعَجِّزَ أَيَّهمْ شَاءَ وَيُقِرَّ أَيَّهمْ شَاءَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَلَيْسَ لَهُ تَعْجِيزُ مَنْ يُؤَدِّي. وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ فَلَمْ يُعَجِّزْهُ سَيِّده وَأَنْظَرَهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ مَاتَ عَبْدًا وَلِسَيِّدِهِ مَالُهُ. وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فَعَجَزَ عَنْ نَجْمٍ وَأَنْظَرَهُ السَّيِّدُ, ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ النَّجْمِ مَكَانَهُ, وَلَوْ أَنْظَرَهُ أَبُوهُمْ إلَى مُدَّةٍ فَلَمْ تَأْتِ أُخِذَ بِهِ حَالًّا كَمَا كَانَ لِأَبِيهِمْ أَنْ يَرْجِعَ فِي النَّظْرَةِ وَيَأْخُذَ بِهِ حَالًّا, فَإِنْ أَدَّاهُ وَإِلَّا فَلَهُمْ تَعْجِيزُهُ وَهُمْ يَقُومُونَ فِي تَعْجِيزِهِ مَقَامَ أَبِيهِمْ. وَإِذَا وَرِثَ الْقَوْمُ مُكَاتَبًا فَعَجَزَ عَنْ نَجْمٍ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ إنْظَارَهُ وَبَعْضُهُمْ تَعْجِيزَهُ كَانَ لِلَّذِي أَرَادَ تَعْجِيزَهُ تَعْجِيزُهُ, وَلِلَّذِي أَرَادَ إنْظَارَهُ إنْظَارُهُ, فَكَانَ نَصِيبُهُ مِنْهُ عَلَى الْكِتَابَةِ, وَإِنْ كَانَ فِي يَدَيْهِ - يَوْمَ يُعَجِّزُهُ أَحَدُهُمْ - مَالٌ أَخَذَ مِنْهُ الَّذِي عَجَّزَهُ بِقَدْرِ مَا مَلَكَ مِنْهُ وَتَرَكَ لَهُ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ الَّذِي لَمْ يُعَجِّزْهُ وَقِيلَ لِلَّذِي عَجَّزَهُ لَك أَنْ تَأْخُذَهُ يَوْمًا بِقَدْرِ مَا تَمْلِكُ مِنْهُ فَتُؤَاجِرَهُ أَوْ تَخْتَدِمَهُ وَعَلَيْك أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَذَلِكَ لَوْ مَرِضَ كَانَ عَلَيْك أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ نَصِيبِك مِنْهُ; لِأَنَّ أَصْلَ كِتَابَتِهِ كَانَ صَحِيحًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ كَاتَبَهُ عَلَيْهِ فِي حِصَّتِهِ وَلَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي حِصَّتِهِ مَا لِلْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ وَلِلسَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَبْدِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُرِيدُ أَحَدُهُمَا ابْتِدَاءَ كِتَابَتِهِ دُونَ صَاحِبِهِ أَصْلُ الْكِتَابَةِ فِي هَذَا بَاطِلٌ وَهِيَ فِي الْأَوَّلِ صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَبِيدًا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَعَجَزُوا فَأَرَادَ تَعْجِيزَ بَعْضِهِمْ وَإِقْرَارَ بَعْضِهِمْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَعَلَى كُلٍّ حِصَّتُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ. وَلَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَبْدَهُ فَعَجَزَ فَقَالَ أُعَجِّزُ بَعْضَك وَأُقِرُّ بَعْضَك لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَهُ, فَإِنْ فَعَلَ فَأَدَّى عَلَى هَذَا عَتَقَ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَتَمَّ عِتْقُهُ كُلُّهُ; لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ نِصْفُهُ وَهُوَ مِلْكُهُ عَتَقَ كُلُّهُ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ نُجِيزُ بَيْعَ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ بِدَيْنٍ وَلاَ بِنَقْدٍ وَلاَ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ مَتَى شَاءَ عَجَّزَ, فَإِنْ بِيعَتْ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى الْمُشْتَرِي كِتَابَتَهُ بِأَمْرِ السَّيِّدِ عَتَقَ كَمَا يُؤَدِّي إلَى وَكِيلِهِ فَيَعْتِقُ; لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَبْرَأُ مِنْهَا بِأَمْرِ السَّيِّدِ فَمَتَى بَرِئَ مِنْهَا فَهُوَ حُرٌّ وَيَرُدُّ مُشْتَرِي الْكِتَابَةِ مَا أَخَذَ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدَيْهِ وَمِثْلَهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ فَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ وَكَذَلِكَ يَرُدُّ الْبَائِعُ مَا أَخَذَ مِنْ ثَمَنِ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى عِوَضٍ أَوْ مَاشِيَةٍ بِصِفَةٍ أَوْ طَعَامٍ بِكَيْلٍ فَأَدَّى الْمُكَاتَبُ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ وَعَتَقَ, ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ بَعْد مَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّمَا مَاتَ رَقِيقًا وَلِلسَّيِّدِ أَخْذُ مَا كَانَ لَهُ وَمَا أَخَذَ وَرَثَتُهُ إنْ كَانُوا قَبَضُوهُ وَكَذَلِكَ لَوْ جُنِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَأَخَذَ أَرْشَ حُرٍّ رَجَعَ الَّذِينَ دَفَعُوا الْأَرْشَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ بِالْفَضْلِ مِنْ أَرْشِ عَبْدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ عَلَى دَنَانِيرَ فَاسْتُحِقَّتْ بِأَعْيَانِهَا, وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَاسْتُحِقَّ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ مِنْ صِنْفِ مَا أَدَّى وَعَلَى صِفَتِهِ كَانَ الْعِتْقُ مَاضِيًا وَاتُّبِعَ الْمُكَاتَبُ بِمَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدَيْ سَيِّدِهِ مَا أَخَذَ مِنْهُ, وَلَوْ اُسْتُحِقَّ مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ مَا أَدَّاهُ وَهُوَ حَيٌّ أَخَذَهُ مَنْ اسْتَحَقَّهُ فَإِنْ كَانَتْ نُجُومُ الْمُكَاتَبِ كُلُّهَا قَدْ حَلَّتْ يَوْمَ اُسْتُحِقَّ مَا أَدَّى إلَى مَوْلاَهُ قِيلَ لِلْمُكَاتَبِ: إنْ أَدَّيْت جَمِيعَ كِتَابَتِك إلَى مَوْلاَك الْآنَ فَقَدْ عَتَقْت وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّهِ فَلَهُ تَعْجِيزُك, وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ وَالْمُكَاتَبُ غَائِبٌ وَلِلْمُكَاتَبِ مَالٌ أُوقِفَ مَالُهُ وَانْتُظِرَ كَمَا وَصَفْت فِي الْمُكَاتَبِ تَحِلُّ نُجُومُهُ وَهُوَ غَائِبٌ, فَإِنْ أَدَّى وَإِلَّا فَلِسَيِّدِهِ تَعْجِيزُهُ وَمَتَى مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّي مَاتَ رَقِيقًا, وَهَكَذَا إذَا اُسْتُحِقَّ مَا أَدَّى مِنْ قِبَلِ الْمُكَاتَبِ, فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ بِإِقْرَارٍ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَجَحَدَ الْمُكَاتَبُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِ السَّيِّدُ أَوْ إخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ بِحَالٍ فَالْمُكَاتَبُ حُرٌّ وَهَذَا إتْلاَفٌ مِنْ سَيِّدِهِ لِمَالِهِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ مَا أَدَّى إلَى سَيِّدِهِ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَقَدْ أَتْلَفَهُ السَّيِّدُ كَانَ هَكَذَا, وَكَانَ لِلَّذِي اسْتَحَقَّهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى السَّيِّدِ إنْ شَاءَ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَهُ, أَوْ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ سَلَّطَ السَّيِّدَ عَلَى إتْلاَفِهِ. وَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ عَلَى السَّيِّدِ حِينَ دَفَعَ الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ كِتَابَتَهُ الَّتِي اُسْتُحِقَّتْ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُكَاتَبِ: أَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ السَّيِّدُ إنَّمَا قُلْت: أَنْتَ حُرٌّ بِأَنَّك قَدْ أَدَّيْت مَا عَلَيْك أُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَرَادَ إحْدَاثَ عِتْقٍ لَهُ عَلَى غَيْرِ الْكِتَابَةِ وَكَانَ مَمْلُوكًا, وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَقَبْلَ اسْتِحْقَاقِ الْمَتَاعِ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ قَدْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ, فَإِنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ مَا أَدَّى إلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ كَانَ حُرًّا وَكَانَ هَذَا إحْدَاثَ عِتْقٍ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّي الْكِتَابَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ حِينَ يُؤَدِّي الْكِتَابَةَ أَوْ بَعْدُ, فَإِنْ قِيلَ لِمَ لاَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ؟ قِيلَ لَهُ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ حُرٌّ فِي الظَّاهِرِ وَأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِأَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ قَوْلَ السَّيِّدِ: أَنْتَ حُرٌّ, وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ فَإِذَا قَالَ لَهُ: هَذَا حُرٌّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ, ثُمَّ بَطَلَ الْأَدَاءُ بَطَلَ الْعِتْقُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الَّذِي بِالْأَدَاءِ; لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَبْدِ يُكَاتِبُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ مَيْتَةٍ فَيُؤَدِّيهِ إلَيْهِ فَيَعْتِقُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ هَذَا قَدْ سَلَّمَ لِلسَّيِّدِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ بِمِلْكٍ لَهُ دُونَهُ غَيْرَ أَنَّ حَرَامًا عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَمْلِكَهُ فَأَفْسَدْنَا الْكِتَابَةَ وَأَوْقَعْنَا الْعِتْقَ بِرِضَا السَّيِّدِ بِالْعِتْقِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَغُرَّهُ الْعَبْدُ مِنْهُ. وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْخَمْرَ أَحَدٌ بِمِلْكٍ عَلَى السَّيِّدِ لِمَ يَعْتِقْ الْعَبْدُ فِي الْخَمْرِ; لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ إلَّا عَلَى أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْهِ فَلَمَّا عَتَقَ رَجَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَتِهِ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ قَتَلْتَ فُلاَنًا أَوْ ضَرَبْت فُلاَنًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَتَلَ فُلاَنًا, أَوْ ضَرَبَ فُلاَنًا كَانَ حُرًّا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِشَيْءٍ; لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ عَلَى شَيْءٍ يُمْلَكُ عَلَيْهِ فَكَانَ كَمَنْ ابْتَدَأَ عِتْقَ عَبْدِهِ, وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ لِمَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ وَلاَ ضَرْبُهُ. وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى سَيِّدِهِ مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي, ثُمَّ اُسْتُحِقَّ رَدَّ الْقَاضِي عِتْقَهُ; لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَهُ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا يَقْضِي لِلرَّجُلِ بِالدَّارِ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ بِالْعَبْدِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ رَدَّ الدَّارَ إلَى مَالِكِهَا بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ - عِنْدَ قَبْضِهِ مِنْهُ مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ -: أَنْتَ حُرٌّ, ثُمَّ اُسْتُحِقَّ رُدَّ الْعَبْدُ رَقِيقًا وَأُحْلِفَ السَّيِّدُ مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ إحْدَاثَ عِتْقٍ لَهُ عَلَى غَيْرِ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ كَصَمْتِهِ هُوَ حُرٌّ فِي الْحُكْمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ حَتَّى تُسْتَحَقَّ الْكِتَابَةُ. وَلَوْ قَالَ سَيِّدُهُ أَنْتَ حُرٌّ عِنْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ, ثُمَّ مَاتَ فَاسْتُحِقَّ مَا أَدَّى رُدَّ رَقِيقًا وَحَلَفَ وَرَثَتُهُ مَا عَلِمُوهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ إحْدَاثَ عِتْقٍ لَهُ عَلَى غَيْرِ كِتَابَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغُلاَمِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ عَبْدًا يَصِفُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى ذَلِكَ, ثُمَّ اُسْتُحِقَّ رُدَّ رَقِيقًا, وَلَوْ قَالَ لَهُ عِنْدَ أَدَائِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَانَ كَمَا وَصَفْت فِي الْمُكَاتَبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغُلاَمِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ عَبْدًا يَصِفُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى ذَلِكَ, ثُمَّ اُسْتُحِقَّ رُدَّ رَقِيقًا, وَلَوْ قَالَ لَهُ عِنْدَ أَدَائِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَانَ كَمَا وَصَفْت فِي الْمُكَاتَبِ. وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي هَذَا الْعَبْدَ وَهَذَا الثَّوْبَ فَأَعْطَاهُ مَا قَالَ فَعَتَقَ, ثُمَّ اُسْتُحِقَّ رُدَّ رَقِيقًا; لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي هَذَا الْعَبْدَ وَهَذَا الثَّوْبَ فَصَحَّ لِي مِلْكُهُ كَقَوْلِهِ لِلْمُكَاتَبِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لِغُلاَمِهِ إنْ زَوَّجْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَزَوَّجَهُ تَزْوِيجًا فَاسِدًا أَوْ قَالَ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ بِعْت فُلاَنًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ أَوْ بَاعَ فُلاَنًا بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَكُنْ حُرًّا; لِأَنَّ كُلَّ هَذَا هُوَ عَلَى الصِّحَّةِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: إنْ ضَرَبْت فُلاَنًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ كَانَ حُرًّا; لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعِتْقٍ عَلَى شَيْءٍ يَمْلِكُهُ. وَلَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْت فُلاَنًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَضَرَبَ فُلاَنًا بَعْدَ مَا مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ; لِأَنَّ الضَّرْبَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْأَحْيَاءِ أَلاَ تَرَى أَنَّ حَدًّا لَوْ وَقَعَ عَلَى رَجُلٍ, ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَضْرِبَهُ; لِأَنَّ الضَّرْبَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْأَحْيَاءِ. وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَلَى شَيْئَيْنِ فِي نَجْمَيْنِ فَأَدَّاهُمَا فَعَتَقَ, ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا رُدَّ رَقِيقًا فَإِنْ كَانَا قَدْ حَلَّا قِيلَ إنْ أَدَّيْت مَكَانَك فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّهِ فَلِسَيِّدِك تَعْجِيزُك وَهَكَذَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى أَشْيَاءَ فَأَدَّى بَعْضَهَا فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ وَهَكَذَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى دَنَانِيرَ وَازِنَةٍ فَأَدَّى نَقْصًا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِمَا شُرِطَ عَلَيْهِ, وَهَكَذَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى عَبِيدٍ فَأَدَّاهُمْ مَعِيبِينَ أَوْ بَعْضَهُمْ مَعِيبًا وَعَتَقَ, ثُمَّ عَلِمَ سَيِّدُهُ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ, فَإِنْ اخْتَارَ رَدَّهُ رَدَّ الْعِتْقَ وَإِنْ اخْتَارَ حَبْسَهُ تَمَّ الْعِتْقُ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِهَا كَالْبَيْعِ فَمَا كَانَ يَكُونُ لِمَنْ دَلَّسَ لَهُ بِعَيْبٍ رَدُّ الْمَعِيبِ وَنَقْضُ الْبَيْعِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ. وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدَيْنِ فَأَدَّاهُمَا مَعِيبَيْنِ فَمَاتَا فِي يَدِهِ أَوْ أَعْتَقَهُمَا, ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُمَا عَلَى عَيْبٍ دَلَّسَهُ لَهُ الْمُكَاتَبُ عَلِمَ بِهِ الْمُكَاتَبُ, أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قِيلَ لِلْمُكَاتَبِ إنْ أَدَّيْت قِيمَةَ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ صَحِيحًا وَمَعِيبًا عَتَقْت وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّهِ فَلِسَيِّدِك تَعْجِيزُك لِأَنَّك لَمْ تُؤَدِّ مَا كُوتِبْت عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ كَمَا لَوْ أَدَّيْت إلَيْهِ دَنَانِيرَ نَقْصًا لَمْ تَعْتِقْ إلَّا بِأَنْ تُؤَدِّيَهَا وَازِنَةً أَوْ تُعْطِيَهُ نُقْصَانَهَا وَهَذَا هَكَذَا فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْعَرُوضِ كُلُّهَا يُكَاتِبُ عَلَيْهَا لاَ يَخْتَلِفُ (قَالَ): وَإِنْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مَتَى مِتُّ فَفُلاَنٌ لِمُكَاتَبِهِ لِفُلاَنٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً, وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ لَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ جَائِزَةً; لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِهِ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ إلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: مَتَى مِتُّ فَفُلاَنٌ لِعَبْدٍ لَيْسَ لَهُ لِفُلاَنٍ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى مَلَكَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ بَعْدَ مِلْكِهِ وَعَجْزُ الْمُكَاتَبِ وَصِيَّةٌ بِهِ. وَلَوْ وَهَبَ مُكَاتَبَةُ لِرَجُلٍ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ كَانَتْ الْهِبَةُ بَاطِلَةً وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فِي يَدَيْ الَّذِي قَبَضَهُ كَانَتْ الْهِبَةُ بَاطِلَةً; لِأَنَّهُ وَهَبَهُ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُ هِبَتَهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ وَرَضِيَ بِالْعَجْزِ فَعَجَّزَهُ وَلَكِنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِكِتَابَتِهِ لِرَجُلٍ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ مَا كَانَ مُكَاتَبًا وَكَانَ لَهُ إذَا حَمَلَهَا الثُّلُثُ أَنْ يتأداها كُلَّهَا وَالْمُكَاتَبُ حُرٌّ وَوَلاَؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ. وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِكِتَابَةِ مُكَاتَبِهِ فَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَهُوَ رَقِيقٌ لِوَرَثَتِهِ وَقَدْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ مَالِي عَلَى مُكَاتَبِي لِفُلاَنٍ عَجْزٌ فَهُوَ لَهُ أَوْ هُوَ لِفُلاَنٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ جَائِزَةً عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ فَمَا كَانَ عَلَى الْكِتَابَةِ فَكِتَابَتُهُ لِلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِهَا وَإِذَا عَجَزَ فَهُوَ لِلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِكِتَابَتِهِ أَوْ غَيْرَهُ. وَإِذَا أَوْصَى بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ فَحَلَّ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِهِ فَعَجَزَ عَنْهُ فَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ بِكِتَابَتِهِ أَنْ لاَ يُعَجِّزَهُ وَيُؤَخِّرَهُ بِنَجْمِهِ ذَلِكَ وَأَرَادَ الْوَرَثَةُ تَعْجِيزَهُ فَذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ; لِأَنَّ رَقَبَتَهُ تَصِيرُ لَهُمْ, وَهَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِكِتَابَةِ مُكَاتَبِهِ لِرَجُلٍ وَرَقَبَتِهِ لِآخَرَ إنْ عَجَزَ كَانَ لِلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ إنْ عَجَزَ أَنْ يُعَجِّزَهُ; لِأَنَّ لَهُ رَقَبَتَهُ. وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ أَنَّ كِتَابَةَ مُكَاتَبِهِ لِرَجُلٍ إنْ عَجَّلَ نُجُومَهُ قَبْلَ مَحِلِّهَا, فَإِنْ عَجَّلَ نُجُومَهُ قَبْلَ مَحِلِّهَا فَكَاتَبَهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُجْبَرْ الْمُكَاتَبُ عَلَى تَعْجِيلِهَا وَلَمْ يُعَجَّزْ بِأَنْ لاَ يُعَجِّلَهَا وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ بِمَعْنًى فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. وَلَوْ قَالَ: كُلُّ نَجْمٍ مِنْ كِتَابَةِ مُكَاتَبِي عَجَّلَهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ لِفُلاَنٍ كَانَ كَمَا قَالَ وَأَيُّ نَجْمٍ عَجَّلَهُ فَهُوَ لِفُلاَنٍ وَأَيُّ نَجْمٍ لَمْ يُعَجِّلْهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ, وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةً. وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً كَاتَبَ عَبْدَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً, ثُمَّ أَوْصَى بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً; لِأَنَّهُ لاَ كِتَابَةَ عَلَى عَبْدِهِ, وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَوْصَى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَيْسَ بِمُكَاتَبٍ; لِأَنَّ كِتَابَتَهُ فَاسِدَةٌ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِهِ وَهُوَ يَرَاهُ مُكَاتَبًا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ, وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا, ثُمَّ أُوصَى بِهِ لِرَجُلٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً; لِأَنَّهُ أَوْصَى بِهِ وَهُوَ يَرَاهُ لِغَيْرِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكَاتَبٍ, وَلاَ خَارِجًا مِنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ (قَالَ الرَّبِيعُ) الْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدِي هُوَ الَّذِي يَقُولُ بِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَوْصَى سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ بِعِتْقِهِ عَتَقَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ كَأَنَّ قِيمَتَهُ كَانَتْ أَلْفًا وَاَلَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ خَمْسُمِائَةٍ فَأُعْتِقَ بِخَمْسِمِائَةٍ; لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ فَقَدْ وَضَعَ كِتَابَتَهُ وَإِذَا أَوْصَى فَوَضَعَ كِتَابَتَهُ فَقَدْ عَتَقَ كَأَنَّهُ كَانَ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَبَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ أَلْفَانِ فَيَعْتِقُ بِالْأَلْفِ وَإِذَا عَتَقَ سَقَطَتْ كِتَابَتُهُ, فَإِنْ قَالَ ضَعُوا عَنْهُ كِتَابَتَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِكِتَابَتِهِ فَهِيَ كَوَصِيَّتِهِ بِعِتْقِهِ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ إذَا وُضِعَتْ عَنْهُ فَيَعْتِقُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الْكِتَابَةِ, وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْكِتَابَةُ دَيْنًا أَوْ حَالَّةً تُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ حَالَّةً. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِنَجْمٍ مِنْ كِتَابَتِهِ كَانَ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ يُعْطُونَهُ أَيَّ نَجْمٍ شَاءُوا مُتَأَخِّرًا أَوْ مُتَقَدِّمًا وَإِنْ كَانَتْ نُجُومُهُ مُخْتَلِفَةً فَأَقَلُّهَا إنْ شَاءُوا, فَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَيَّ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ شِئْتُمْ فَهَكَذَا وَإِنْ قَالَ ضَعُوا عَنْهُ أَيَّ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ شَاءَ هُوَ فَذَلِكَ إلَى الْمُكَاتَبِ فَأَيُّ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ شَاءَ وُضِعَ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ مُتَقَدِّمًا كَانَ أَوْ مُتَأَخِّرًا وَإِنْ كَانَتْ لَهُ نُجُومٌ مُخْتَلِفَةٌ فَقَالَ ضَعُوا عَنْهُ أَوْسَطَ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ فَأَوْسَطُ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ يَحْتَمِلُ أَوْسَطَهَا فِي الْعَدَدِ وَأَوْسَطَهَا فِي الْأَجَلِ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْلَى بِظَاهِرِهَا مِنْ الْآخَرِ فَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ ضَعُوا أَوْسَطَ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ إنْ شِئْتُمْ فَأَوْسَطَهَا فِي الْعَدَدِ وَإِنْ شِئْتُمْ فَأَوْسَطَهَا فِي الْأَجَلِ, فَإِنْ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنَّ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِهِ غَيْرُ الَّذِي وَضَعَ عَنْهُ أُحْلِفَ الْوَرَثَةُ مَا يَعْلَمُونَ مَا قَالَ وَوَضَعُوا عَنْهُ الْأَوْسَطَ مِنْ أَيُّهَا شَاءُوا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا, وَكَانَتْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ نُجُومٍ أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا أَقَلُّ قِيلَ لَكُمْ أَنْ تَضَعُوا الْأَوْسَطَ مِنْ الْعَدَدِ أَوْ الْمَالِ, فَإِنْ أَرَدْتُمْ وَضْعَ الْأَوْسَطِ مِنْ الْآجَالِ فَضَعُوهُ وَهُوَ الثَّانِي الَّذِي قَبْلَهُ وَاحِدٌ وَبَعْدَهُ وَاحِدٌ, وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَنْجُمٍ فَأَرَادُوا وَضْعَ الْأَوْسَطِ مِنْ النُّجُومِ الْمُؤَجَّلَةِ وَضَعُوا عَنْهُ أَيَّ النَّجْمَيْنِ شَاءُوا الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ; لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ أَوْلَى بِاسْمِ الْأَوْسَطِ مِنْ الْآخَرِ, وَلَوْ كَانَتْ خَمْسَةً كَانَ لَهَا أَوْسَطُ وَهُوَ الثَّالِثُ; لِأَنَّ قَبْلَهُ نَجْمَيْنِ وَبَعْدَهُ نَجْمَيْنِ إذَا كَانَتْ نُجُومُهُ وِتْرًا فَلَهَا أَوْسَطُ نَجْمٍ وَاحِدٌ وَإِذَا كَانَتْ شَفْعًا فَلَهَا أَوْسَطَانِ, فَإِنْ كَانَتْ نُجُومُهُ مُخْتَلِفَةً عَدَدَ الْمَالِ فَكَانَ مِنْهَا عَشْرَةٌ وَمِنْهَا مِائَةٌ وَمِنْهَا ثَلاَثَةٌ فَقَالَ ضَعُوا عَنْهُ نَجْمًا مِنْ نُجُومِهِ وَضَعُوا عَنْهُ أَيَّهَا شَاءُوا, فَإِنْ قَالَ ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ نُجُومِهِ أَوْ أَقَلَّ نُجُومِهِ وَضَعُوا عَنْهُ مَا أَوْصَى بِهِ وَلاَ يَحْتَمِلُ هَذَا إلَّا الْعَدَدَ فَيُوضَعُ عَنْهُ - إذَا قَالَ: أَكْثَرَ - أَكْثَرُهَا عَدَدًا, - وَإِذَا قَالَ أَقَلَّ - أَقَلُّهَا عَدَدًا. وَإِذَا قَالَ أَوْسَطَ احْتَمَلَ مَوْضِعَ الْمَالِ وَمَوْضِعَ الْوَسَطِ وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَوْسَطَ نُجُومِهِ مِنْ عَدَدِ الْمَالِ وَعَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَنْجُمٍ وُضِعَ عَنْهُ الْأَوْسَطُ الَّذِي لاَ أَقَلُّهَا وَلاَ أَكْثَرُهَا وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةً وَاحِدٌ عَشْرٌ وَوَاحِدٌ عِشْرُونَ وَوَاحِدٌ ثَلاَثُونَ وَوَاحِدٌ أَرْبَعُونَ فَقَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَوْسَطَ نُجُومِهِ عَدَدًا وَضَعُوا عَنْهُ إنْ شَاءُوا الْعِشْرِينَ وَإِنْ شَاءُوا الثَّلاَثِينَ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْلَى بِاسْمِ الْأَوْسَطِ مِنْ الْآخَرِ فَعَلَى هَذَا هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ. وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ ثُلُثَ كِتَابَتِهِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَضَعُوا عَنْهُ ثُلُثَ كِتَابَتِهِ فِي الْعَدَدِ إنْ شَاءُوا الْمُؤَخَّرَ مِنْهَا وَإِنْ شَاءُوا مَا قَبْلَهُ مِنْهَا, وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ نِصْفَهَا أَوْ رُبْعَهَا أَوْ عَشَرَةً مِنْهَا. وَلَوْ أَوْصَى لِمُكَاتَبِهِ بِمَا وَصَفْت مِنْ نَجْمٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُكَاتَبُ الْوَصِيَّةَ كَانَ ذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ. وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ يُوضَعُ عَنْهُ فَعَجَزَ فَقَدْ صَارَ رَقِيقًا. وَلَوْ أَوْصَى لِمُكَاتَبٍ بِمَالٍ بِعَيْنِهِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ, فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْوَصِيَّةَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ عَنْهُ; لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ لِعَبْدِهِ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لِوَرَثَتِهِ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ فِيهِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ مُكَاتَبِي فَبِيعُوهُ فَشَاءَ مُكَاتَبُهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ بِيعَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يُبَعْ. وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ إنْ عَجَزَ مُكَاتَبِي فَهُوَ حُرٌّ فَقَالَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ قَدْ عَجَزْت لَمْ يَكُنْ حُرًّا وَإِذَا حَلَّ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِهِ فَقَالَ قَدْ عَجَزْت وَقَالَ الْوَرَثَةُ لَيْسَ بِعَاجِزٍ طَلَبُوا مَالَهُ, فَإِنْ وَجَدُوا وَفَاءً بِنَجْمِهِ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ وَفَاءٌ أُحْلِفَ مَا يَجِدُ لَهُمْ وَفَاءً وَكَانَ عَاجِزًا. وَإِذَا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: إنْ شَاءَ مُكَاتَبِي فَبِيعُوهُ فَلَمْ يَعْجِزْ حَتَّى قَالَ: قَدْ شِئْت أَنْ تَبِيعُونِي قِيلَ لاَ تُبَاعُ إلَّا بِرِضَاك بِالْعَجْزِ, فَإِنْ قَالَ: قَدْ رَضِيت بِهِ بِيعَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ; لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مَا كَانَ عَلَى الْكِتَابَةِ. وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ ضَعُوا عَنْ مُكَاتَبِي بَعْضَ كِتَابَتِهِ أَوْ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ وَضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءُوا مِنْ كِتَابَتِهِ وَإِنْ قَلَّ وَلَهُمْ أَنْ يَضَعُوا ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ نُجُومِهِ وَأَوَّلِهَا كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ حَالٍّ وَآجِلٍ وَضَعُوا عَنْهُ إنْ شَاءُوا مِنْ الْحَالِّ وَإِنْ شَاءُوا مِنْ الْآجِلِ; لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ وَدَيْنٌ مِنْ الدَّيْنِ. وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ نَجْمًا مِنْ نُجُومِهِ أَوْ بَعْضَ نُجُومِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَضَعُوا عَنْهُ نَجْمًا وَذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَضَعُوا أَيَّ نَجْمٍ شَاءُوا, وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ مِنْ بَعْضِ نُجُومِهِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءُوا لِأَنَّ بَيِّنًا فِي قَوْلِهِ أَنْ يَضَعُوا عَنْهُ نَجْمًا أَنَّهُ وُضِعَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهُ, فَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُ مِنْ كِتَابَتِهِ أَوْ ضَعُوا عَنْهُ جُزْءًا مِنْ كِتَابَتِهِ أَوْ ضَعُوا عَنْهُ كَثِيرًا مِنْ كِتَابَتِهِ, أَوْ قَلِيلاً مِنْ كِتَابَتِهِ أَوْ ذَا مَالٍ مِنْ كِتَابَتِهِ, أَوْ غَيْرَ ذِي مَالٍ مِنْ كِتَابَتِهِ كَانَ إلَيْهِمْ أَنْ يَضَعُوا مَا شَاءُوا; لِأَنَّ الْقَلِيلَ يُخَفِّفُ عَنْهُ مِنْ كِتَابَتِهِ, وَكَذَلِكَ يُثْقِلُ عَلَيْهِ مَعَ غَيْرِهِ فِي كِتَابَتِهِ, وَكَذَلِكَ يَكُونُ كَثِيرًا وَقَلِيلاً, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ ضَعُوا عَنْهُ الْمِائَةَ الْبَاقِيَةَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ وَزِيَادَةً وُضِعَتْ الْمِائَةُ وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ وَزِيَادَةً شَيْئًا; لِأَنَّهُ لاَ يَضَعُ عَنْهُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَضَعُوا عَنْهُ النِّصْفَ وَزِيَادَةً مَا شَاءُوا; لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ. وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَمِثْلَ نِصْفِهِ وَضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ بِمَا شَاءُوا وَمِثْلَ نِصْفِ الَّذِي وَضَعُوا عَنْهُ, وَهَكَذَا إنْ قَالَ: وَمِثْلَ ثَلاَثَةِ أَرْبَاعِهِ وُضِعَ عَنْهُ مَا قَالَ. وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَمِثْلَهُ مَعَهُ وُضِعَتْ عَنْهُ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا وَالْفَضْلُ عَنْ الْكِتَابَةِ بَاطِلٌ; لِأَنَّهُ وَضَعَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءَ مِنْ كِتَابَتِهِ فَقَالَ: قَدْ شِئْت أَنْ يَضَعُوهَا كُلَّهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ; لِأَنَّ مَعْقُولاً أَنَّ مَا يُوضَعُ مِنْ الشَّيْءِ لاَ يَكُونُ إلَّا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الشَّيْءِ الْمَوْضُوعِ مِنْهُ شَيْءٌ وَيُوضَعُ عَنْهُ كُلُّ مَا قَالَ إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ; لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدٌ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَاصَّ أَهْلُ الْوَصَايَا بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ نَقْدًا وَكُوتِبَ عَلَى كِتَابَةِ مِثْلِهِ لاَ تُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ, وَإِنْ كَانَ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَلاَ دَيْنَ عَلَيْهِ وَلاَ وَصِيَّةَ لَمْ تُجْبَرْ الْوَرَثَةُ عَلَى كِتَابَتِهِ وَقِيلَ إنْ شِئْت كَاتَبْنَا فِي ثُلُثِك وَإِنْ شِئْت لَمْ تُكَاتِبْ فَإِنْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يُكَاتِبَ ثُلُثَهُ فَهُوَ رَقِيقٌ, وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُكَاتِبَ ثُلُثَهُ كُوتِبَ عَلَى مَا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ لاَ يُنْقَصُ مِنْ ذَلِكَ وَمَتَى عَتَقَ فَثُلُثُ وَلاَئِهِ لِسَيِّدِهِ الَّذِي أَوْصَى بِكِتَابَتِهِ وَثُلُثَاهُ رَقِيقٌ, وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَقَالَ أَنَا أُعَجِّلُ ثُلُثَيْ قِيمَتِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ; لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ, وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَ رَجُلٌ لَهُ مَالاً كَانَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ, فَإِنْ قَالَ رَجُلٌ: إنْ شِئْتُمْ عَجَّلْتُكُمْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ وَلاَ يُعْتِقُوهُ عَاجِلاً وَلاَ يُخْرِجُوا ثُلُثَيْهِ مِنْ أَيْدِيهِمْ بِكِتَابَةٍ وَثُلُثُهُ لاَ يَحْتَمِلُهُ. وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُكَاتَبَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً. وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُكَاتَبَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَقَالَ كَاتِبُوهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَهُوَ لاَ يَسْوَى عَشَرَةً وَلاَ يُكَاتَبُ مِثْلُهُ عَلَى خَمْسِينَ قِيلَ إنْ رَضِيت بِالْكِتَابَةِ الَّتِي أَوْصَى أَنْ تُكَاتَبَ بِهَا كُوتِبْت وَإِنْ لَمْ تَرْضَ أَوْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ. وَإِذَا خُيِّرَ فِي الْكِتَابَةِ فَاخْتَارَ تَرْكَهَا, ثُمَّ سَأَلَ أَنْ يُكَاتَبَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ; لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَهَا كَمَا إذَا رَدَّ الرَّجُلُ الْوَصِيَّةَ يُوصَى لَهُ بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَأْخُذَهَا. وَلَوْ قَالَ كَاتِبُوا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي كَانَ لَهُمْ أَنْ يُكَاتِبُوا أَيَّ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ شَاءُوا وَيُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُكَاتِبُوا أَمَةً, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كَاتِبُوا أَحَدَ عَبِيدِي, فَإِنْ قَالَ: كَاتِبُوا أَحَدَ رَقِيقِي كَانَ لَهُمْ أَنْ يُكَاتِبُوا عَبْدًا أَوْ أَمَةً إنْ شَاءُوا; لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَوْلَى بِاسْمِ الرَّقِيقِ مِنْ الْأَمَةِ. وَلَوْ قَالَ: كَاتِبُوا إحْدَى إمَائِي لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُكَاتِبُوا عَبْدًا وَلاَ خُنْثَى فِي هَذَا الْوَجْهِ وَلاَ إنْ أَوْصَى أَنْ يُكَاتَبَ أَحَدُ رَقِيقِهِ إذَا كَانَ مُشْكِلاً
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ جَازَ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ وَعِتْقُهُ عِتْقُ بَتَاتٍ أَكْثَرُ مِنْ كِتَابَتِهِ, وَإِنْ كَانَ لاَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَكِتَابَتُهُ مَوْقُوفَةٌ, فَإِنْ أَفَادَ السَّيِّدُ مَالاً يَخْرُجُ بِهِ الْمُكَاتَبُ مِنْ الثُّلُثِ جَازَتْ الْكِتَابَةُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ لَمْ يَفْدِ مَالاً يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَكَاتَبَهُ عَلَى كِتَابَةِ مِثْلِهِ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ فِي الثُّلُثَيْنِ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعَ بَتَاتٍ وَجَازَتْ فِي الثُّلُثِ وَهَكَذَا إذَا كَانَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ كِتَابَةِ مِثْلِهِ بَطَلَتْ فِي الثُّلُثَيْنِ وَكَانَتْ جَائِزَةً فِي الثُّلُثِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلاَ وَصِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ, فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ وَصَايَا حَاصَّ أَهْلَ الْوَصَايَا وَلَمْ يَبْدَأْ عَلَيْهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ لَمْ تَنْتَقِضْ الْكِتَابَةُ وَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ عِنْدَ مَحِلِّهِ, وَلَوْ عَجَّلَ الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ وَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهُ مِنْهُ, وَلَوْ أَدَّاهُ إلَى سَيِّدِهِ عَتَقَ بِهِ وَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهُ مِنْهُ, فَإِنْ فَاتَ فَهُوَ كَمَا فَاتَ مِنْ مَالِهِ وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ لَهُ حَتَّى يَقِفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَإِذَا أَوْقَفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ لَمْ تَجُزْ كِتَابَتُهُ, فَإِنْ كَاتَبَهُ بَعْدَ وَقْفِ الْقَاضِي مَالَهُ فَالْكِتَابَةُ مَرْدُودَةٌ, فَإِنْ أَدَّى لَمْ يَعْتِقْ وَأَخَذَ مَا أَدَّى وَالْعَبْدَ فَبِيعَ, وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهُ لَمْ يَعْتِقْ وَبِيعَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ لَمْ يَعْتِقْ. وَإِذَا اخْتَلَفَ السَّيِّدُ وَالْغُرَمَاءُ فَقَالُوا كَاتَبْته بَعْدَ وَقْفِ الْقَاضِي مَالَكَ وَقَالَ: بَلْ كَاتَبْته قَبْلَ وَقْفِ الْقَاضِي مَالِي وَلاَ بَيِّنَةَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّيِّدِ, وَلَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ يَجُرُّهُ إلَى نَفْسِهِ إنَّمَا هَذَا حَقٌّ أَقَرَّ بِهِ لِلْعَبْدِ إذَا ادَّعَاهُ الْعَبْدُ, وَكَذَلِكَ إذَا كَاتَبَهُ فَقَالَ السَّيِّدُ وَالْغُرَمَاءُ كَانَتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ الْوَقْفِ وَقَالَ الْعَبْدُ قَبْلَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ. وَإِذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَأَقَرَّ السَّيِّدُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ بِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ وَقْفِ الْقَاضِي مَالَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ, وَكَذَلِكَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْغَرِيمُ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَهُوَ بَرَاءَةٌ لَهُ. وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ وَقْفِ الْقَاضِي مَالَهُ لَمْ يَبْرَأْ الْعَبْدُ مِنْهُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ السَّيِّدُ أَوْ يَتَّبِعُوا بِهِ الْعَبْدَ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ إذَا أَدَّى إلَى الْغُرَمَاءِ حُقُوقَهُمْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ, ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا فَإِنْ أَدَّى إلَى الْوَرَثَةِ عَتَقَ وَكَانَ وَلاَؤُهُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ وَإِنْ عَجَزَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لَهُمْ. وَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ تَزَوَّجَ بِنْتَ سَيِّدِهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ بِرِضَاهَا, ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ وَالْبِنْتُ وَارِثَةٌ لِأَبِيهَا فَسَدَ النِّكَاحُ; لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ قَدْرَ مِيرَاثِهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَرِثُ أَبَاهَا بِاخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ أَوْ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ لِأَبِيهَا فَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا وَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ, وَلَوْ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ; لِأَنَّهَا لاَ تَرِثُهُ وَقَامَ الْوَرَثَةُ فِي الْمُكَاتَبِ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَمَلَكُوا مِنْهُ مَا كَانَ يَمْلِكُ وَلَوْلاَ مِلْكُ رَقَبَتِهِ بِعَجْزٍ لَمْ يُرَدَّ رَقِيقًا, فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لاَ يَبِيعُونَهُ؟ قِيلَ لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي وَرِثُوهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ فَلاَ يَعْدُونَ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُ أَوْ فِي أَقَلَّ مِنْ حَالِهِ; لِأَنَّهُمْ إنَّمَا مَلَكُوهُ عَنْهُ, فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لاَ يَكُونُ لَهُمْ وَلاَؤُهُ دُونَ الَّذِي كَاتَبَهُ؟ قِيلَ لِلْعَقْدِ الَّذِي يَلْزَمُ السَّيِّدَ وَالْعَبْدَ مَا قَامَ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَهُوَ الْعَقْدُ الَّذِي حَالَ بَيْنَ سَيِّدِ الْعَبْدِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَمَالُهُ مَا أَدَّى وَكَانَ فِي الْعَقْدِ أَنَّ وَلاَؤُهُ إذَا أَدَّى لَهُ فَالْعِتْقُ وَالْوَلاَءُ لَزِمَهُ بِالشَّرْطِ وَلَزِمَ سَيِّدَهُ فَأَيُّ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْهُ مُعْتَقًا وَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ وَلاَءَ مَا أُعْتِقَ مِنْهُ قَبْلَ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ مَوْقُوفٌ لِلَّذِي كَاتَبَهُ فَلَوْ أَعْتَقُوهُ مَعًا كَانَ وَلاَؤُهُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ, فَإِنْ عَجَزَ لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ مِنْ رَقَبَتِهِ شَيْءٌ وَكَانَ مَنْ بَقِيَ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَقَبَتِهِ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ فَإِذَا عَجَزَ قُوِّمَ عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ وَلاَؤُهُ كُلُّهُ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَوَّلاً بَطَلَتْ وَأَعْتَقَ هَذَا عَبْدَهُ, وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ نَصِيبِ مَنْ أَبْرَأَهُ وَيَعْتِقُ نَصِيبَهُ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ الَّذِي كَاتَبَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ. وَإِذَا وَرِثَ الْقَوْمُ مُكَاتَبًا فَحَلَّ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِهِ فَلَمْ يُؤَدِّهِ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ تَعْجِيزَهُ وَأَرَادَ بَعْضٌ أَنْ لاَ يُعَجِّزَهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّهُمْ عَلَى نَصِيبِهِ فَمَنْ عَجَّزَ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ وَنَصِيبُهُ رَقِيقٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يُعَجِّزْهُ فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِذَا عَتَقَ فَوَلاَءُ مَا عَتَقَ مِنْهُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ وَلاَ يُقَوَّمُ عَلَى الَّذِي لَمْ يُعَجِّزْهُ; لِأَنَّ وَلاَءَهُ لِغَيْرِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُمْ إنْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ تَعْجِيزِهِ كَانَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهِ وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ تَعْجِيزَهُ كَانَ عَاجِزًا كُلُّهُ وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ تَرْكُ تَعْجِيزِهِ وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَنْ قَالَ هَذَا إنْ قَالَ أَجْعَلُ هَذَا كَابْتِدَاءِ الْكِتَابَةِ وَكَانَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكَاتِبَهُ دُونَ الْآخَرِ وَهُمْ إذَا كَاتَبُوا مَعًا فَيَعْتِقُ عَلَى الْمُعْتِقِ. وَإِذَا وَرِثُوهُ فَوَلاَؤُهُ لِغَيْرِهِمْ وَهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي أَخْذِ الْكِتَابَةِ وَرِقِّهِ إنْ عَجَزَ وَلاَ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي أَنَّ لَهُمْ الْوَلاَءَ وَلَيْسُوا بِمُبْتَدِئِي كِتَابَتِهِ إذَا عَجَزَ إنَّمَا هُمْ تَارِكُونَ حَقًّا لَهُمْ فِي تَعْجِيزِهِ وَلاَ يُمْنَعُ أَحَدٌ تَرْكَ حَقِّهِ فِي تَعْجِيزِهِ مَتَى أَرَادَ تَرْكَهُ. وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَةِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ. وَلَوْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ وَلَهُ ابْنَانِ فَشَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا قَبَضَ مَا عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ أَوْ كَانُوا صِغَارًا أَوْ نِسَاءً كُلُّهُمْ, فَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَالْمُكَاتَبُ حُرٌّ وَوَلاَؤُهُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ مِنْ حِصَّتِهِمَا مِنْ الْكِتَابَةِ وَلَزِمَتْهُ حِصَّةُ مَنْ أَنْكَرَ وَحِصَّةُ الصِّغَارِ مِنْهَا وَلاَ يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا; لِأَنَّ الْوَلاَءَ لَيْسَ لَهُمَا; لِأَنَّهُمَا شَهِدَا وَأَقَرَّا بِفِعْلِ غَيْرِهِمَا لاَ أَعْلَمُهُمَا فَعَلاَ شَيْئًا يَلْزَمُهُمَا بِهِ عِتْقٌ إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ. وَإِذَا مَاتَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ وَأَرَادَ الْمُكَاتَبُ الْوَثِيقَةَ مِنْ دَفْعِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فَلاَ يَدْفَعُهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ أَمَرَ الْحَاكِمُ الْمُكَاتَبَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ الْكِتَابَةِ إلَى الْوَرَثَةِ الْكِبَارِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِمْ وَإِلَى الْوَالِي نَصِيبَ الصِّغَارِ وَأَعْتَقَهُ فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ الْكِبَارُ غُيَّبًا فَسَأَلَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَدْفَعَ الْكِتَابَةَ إلَى عَدْلٍ يَقْبِضُهُ لَهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَكِيلٌ كَانَ ذَلِكَ لَهُ فَإِذَا دَفَعَهُ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَلَيْسَ هَذَا كَدَيْنٍ لَهُمْ عَلَى رَجُلٍ, ثُمَّ غَابُوا عَنْهُ فَجَاءَ بِهِ إلَى الْحَاكِمِ لِيَدْفَعَهُ هَذَا لاَ يُدْفَعُ إلَّا إلَيْهِمْ أَوْ وَكِيلٍ لَهُمْ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلٌ تَرَكَهُ الْحَاكِمُ فَلَمْ يَأْمُرْ بِقَبْضِهِ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ; لِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ عِتْقًا لِلْعَبْدِ فَلاَ يُحْبَسُ بِالْعِتْقِ وَلَيْسَ فِي الدَّيْنِ شَيْءٌ يُحْبَسُ عَنْهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ, فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ مَحْجُورِينَ فَدَفَعَ الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ إلَى وَصِيِّهِمْ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ لاَ دَيْنَ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ وَصَايَا, أَوْ لاَ وَصَايَا لَهُ فَالْمُكَاتَبُ حُرٌّ وَإِذَا هَلَكَ ذَلِكَ فِي يَدَيْ الْوَصِيِّ قَبْلَ يَصِلُ إلَى الْوَرَثَةِ الصِّغَارِ وَأَهْلِ الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا مِنْهُ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِكُلِّ حَالٍ; لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَقُومُ مَقَامَ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ أَوْصَى إلَيْهِ بِدَيْنِهِ وَوَصَايَاهُ وَتَرِكَتِهِ وَلَيْسَ فِيهِمْ بَالِغٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ, فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ بَالِغٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ أَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيَّانِ فَدَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْوَصِيَّيْنِ وَالْبَالِغِ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مَاتَ عَنْ وَرَثَةٍ كِبَارٍ وَلَيْسَ فِيهِمْ صَبِيٌّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ وَصَايَا لَمْ يَبْرَأْ الْمُكَاتَبُ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَرَثَةِ حَتَّى يَصِلَ إلَى أَهْلِ الدَّيْنِ دَيْنُهُمْ; لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لاَ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ حَتَّى يُقْضَى الدَّيْنُ, فَإِنْ قُضِيَ الدَّيْنُ فَحَتَّى يَصِلَ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ; لِأَنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا شُرَكَاءُ بِالثُّلُثِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا وَصَايَاهُمْ فَإِذَا صَارَ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا بَعْدَ قَبْضِ أَهْلِ الدَّيْنِ حُقُوقُهُمْ وَإِلَى أَهْلِ الْمَوَارِيثِ مَوَارِيثُهُمْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَإِذَا يَدْفَعُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَلاَ وَصِيَّ جَمَاعَةٍ فَلاَ يَعْتِقُ حَتَّى يَصِلَ الْمَالُ إلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ بِسَبَبِ الْمَيِّتِ, فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ يَصِلُ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِمْ مَاتَ عَبْدًا كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ رَجُلاَنِ فَدَفَعَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ إلَى أَحَدِهِمَا فَلَمْ يَدْفَعْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ إلَى شَرِيكِهِ حَقَّهُ مِنْهَا مَاتَ عَبْدًا وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ دَفْعِهِ إلَى شَرِيكِهِ حَقَّهُ مَاتَ حُرًّا وَكَانَ هَذَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَرَجُلٍ أَرْسَلَهُ الْمُكَاتَبُ بِمُكَاتَبَتِهِ إلَى سَيِّدِهِ, فَإِنْ دَفَعَهَا وَالْمُكَاتَبُ حَيٌّ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا حَتَّى يَمُوتَ الْمُكَاتَبُ مَاتَ عَبْدًا, وَلَوْ لَمْ يَدْفَعْهَا وَلَمْ يَمُتْ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَكُنْ الْمُكَاتَبُ بَرِيئًا مِنْهَا وَلاَ حُرًّا بِهَا, وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ وَكَّلَ رَجُلاً بِقَبْضِ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَكَانَ كَدَفْعِهِ إلَى سَيِّدِهِ وَهَكَذَا إذَا دَفَعَ الْمُكَاتَبُ بِأَمْرِ حَاكِمٍ أَوْ إلَى وَصِيِّ جَمَاعَةٍ كُلُّهُمْ مَوْلًى عَلَيْهِ. وَإِذَا دَفَعَ الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ إلَى قَوْمٍ أَثْبَتُوا عَلَى سَيِّدِهِ دُيُونَهُمْ عَتَقَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابَتِهِ فَضْلٌ عَلَى دَيْنِهِمْ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ وَصَايَا فَدَفَعَ إلَى الْوَرَثَةِ وَإِلَى أَهْلِ الْوَصَايَا بِقَدْرِ مَا يُصِيبُهُمْ عَتَقَ وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَقْبِضُوا كُلُّهُمْ, وَلَوْ تَعَدَّى فَدَفَعَ إلَى وَارِثٍ دُونِ الْوَرَثَةِ أَوْ إلَى صَاحِبِ دَيْنٍ دُونَ أَهْلِ الدَّيْنِ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَصِيرَ إلَى كُلِّ وَارِثٍ حَقُّهُ وَإِلَى كُلِّ ذِي دَيْنٍ دَيْنُهُ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لَهُ - يَعْنِي عَطَاءً: الْمُكَاتَبُ يَمُوتُ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ وَيَدَعُ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ؟ قَالَ يُقْضَى عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَلِبَنِيهِ قُلْت: أَبَلَغَك هَذَا عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه كَانَ يَقْضِي بِهِ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُقْضَى عَنْهُ مَا عَلَيْهِ, ثُمَّ لِبَنِيهِ مَا بَقِيَ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَا أَرَاهُ لِبَنِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى يَعْنِي أَنَّهُ لِسَيِّدِهِ, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَبِقَوْلِ عَمْرٍو وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ نَأْخُذُ وَأَمَّا مَا رَوَى عَطَاءٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه وَهُوَ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى فَلاَ أَدْرِي أَثَبَتَ عَنْهُ أَمْ لاَ؟ وَإِنَّمَا نَقُولُ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَصْلُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لاَ يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ أَوْ أَنْ يُبْرِئَهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَاجِدًا فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِنَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ فِيهِ وَفَاءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ وَفَضْلٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ كِتَابَتُهُ قَدْ انْتَقَضَتْ وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَقَدْ مَاتَ رَقِيقًا; لِأَنَّهُ مَنْ مَاتَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ حَالُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ مَاتَ غَيْرَ حُرٍّ فَلاَ يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ حُرًّا أَلاَ تَرَى لَوْ أَنَّ عَبْدًا مَاتَ فَقَالَ سَيِّدُهُ هُوَ حُرٌّ لَمْ يَكُنْ حُرًّا; لِأَنَّ الْعِتْقَ لاَ يَقَعُ عَلَى الْمَوْتَى وَإِنْ قَذَفَهُ رَجُلٌ لَمْ يُحَدَّ لَهُ, وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُكَاتَبِ وَلَدٌ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ وَأُمُّ وَلَدِهِ لَمْ يُكَاتِبْ عَلَيْهَا فَهُمْ رَقِيقٌ, وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَلَدٌ كِبَارٌ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ فَهُمْ كَرَقِيقٍ كَاتَبُوا مَعًا فَيُرْفَعُ عَمَّنْ كَاتَبَ مَعَهُ حِصَّةُ الْمَيِّتِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ هُوَ حِصَّتُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَلاَ يَرِثُ الْمُكَاتَبَ الْمَيِّتَ قَبْلَ يُؤَدِّي وَلَدٌ أَحْرَارٌ وَلاَ وَلَدٌ وُلِدُوا لَهُ فِي كِتَابَتِهِ, وَلاَ كَاتَبُوا مَعَهُ بِحَالٍّ, فَإِنْ كَانَ فِي كِتَابَتِهِ وَلَدٌ بَالِغُونَ كَاتَبُوا مَعَهُ وأجنبيون فَسَوَاءٌ يَأْخُذُ سَيِّدُهُ مَالَهُ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا وَيُرْفَعُ عَنْهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ وَلَدٌ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ مِنْ أَمَةِ مَنْ لَمْ يُكَاتِبْ عَلَيْهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَهُمْ وَأُمُّ وَلَدِهِ رَقِيقٌ وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ; لِأَنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهِ لَوْ عَتَقَ وَإِذَا بَطَلَتْ كِتَابَتُهُ بِالْمَوْتِ لَمْ يَعْتِقُوا بِعِتْقِ مَنْ لاَ يَعْتِقْ, وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ, ثُمَّ مَاتَ أُرِقُّوا. فَأَمَّا مَنْ كَاتَبَ عَلَيْهِ بِرِضَاءٍ فَعَلَى الْكِتَابَةِ; لِأَنَّ لَهُ حِصَّةً مِنْ الْكِتَابَةِ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ مَمْلُوكَةٌ لِلسَّيِّدِ فَكَاتَبَ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا فَوَلَدَتْ أَوْلاَدًا فِي الْكِتَابَةِ, ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ يُؤَدِّي رُفِعَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَبَقِيَتْ حِصَّةُ امْرَأَتِهِ وَوَقَفَ وَلَدُهُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْكِتَابَةِ مَعَ أُمِّهِمْ, فَإِنْ عَتَقَتْ عَتَقُوا وَإِنْ عَجَزَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ رَقُّوا, وَلَوْ قَالُوا نُؤَدِّي عَلَيْهَا فَنَعْتِقُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْكِتَابَةِ إنَّمَا كَانُوا يَعْتِقُونَ بِعِتْقِ أُمِّهِمْ فَلَمَّا بَطَلَ عِتْقُهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْتِقُوا
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لَهُ يَعْنِي لِعَطَاءٍ أَفْلَسَ مُكَاتَبِي وَتَرَكَ مَالاً وَتَرَكَ دَيْنًا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ لَمْ يَدَعْ وَفَاءً أَبْتَدِئُ بِحَقِّ النَّاسِ قَبْلَ كِتَابَتِي؟ قَالَ نَعَمْ وَقَالَهَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ أَمَا أَحَاصَهُمْ بِنَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ حَلَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ عَمَلَهُ لِي سَنَةً؟ قَالَ: لاَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بُدِئَ بِدُيُونِ النَّاسِ; لِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَلاَ دَيْنَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ وَمَا بَقِيَ مَالُ السَّيِّدِ, وَكَذَلِكَ إذَا عَجَزَ وَقَوْلُهُمْ أَفْلَسَ عَجَزَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى; لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْكِتَابَةِ فَيُؤَدِّي الدَّيْنَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ مَالَهُ لَيْسَ لِسَيِّدِهِ وَسَيِّدُهُ حِينَئِذٍ فِي مَالِهِ كَغَرِيمٍ غَيْرِهِ فَإِذَا بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ بَطَلَ كُلُّ مَا لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ جِنَايَةٍ جَنَاهَا عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ; لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ لِسَيِّدٍ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَإِذَا زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ دَيْنٌ; لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا مَا دَامَ مُكَاتَبًا فَمِثْلُهُ لاَ يُخَالِفُهُ أَنْ يَمُوتَ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِابْنِ طَاوُسٍ كَيْفَ كَانَ أَبُوك يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُكَاتِبُ الرَّجُلَ, ثُمَّ يَمُوتُ فَتَرِثُ ابْنَتُهُ ذَلِكَ الْمُكَاتَبَ فَيُؤَدِّي كِتَابَتَهُ, ثُمَّ يَعْتِقُ, ثُمَّ يَمُوتُ؟ قَالَ: كَانَ يَقُولُ وَلاَؤُهُ لَهَا وَيَقُولُ مَا كُنْت أَظُنُّ أَنْ يُخَالِفَ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ وَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَيْسَ لَهَا وَلاَؤُهُ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ رَجُلٌ تُوُفِّيَ عَنْ ابْنَيْنِ لَهُ وَتَرَكَ مُكَاتَبًا فَصَارَ الْمُكَاتَبُ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ قَضَى كِتَابَتَهُ لِلَّذِي صَارَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ, ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ مَنْ يَرِثُهُ؟ قَالَ يَرِثَانِهِ جَمِيعًا وَقَالَهَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَالَ عَطَاءٌ: رَجَعَ وَلاَؤُهُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ فَرَدَدْتهَا عَلَيْهِ فَقَالَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَيَقُولُ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: نَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ يُكَاتِبُهُ الرَّجُلُ, ثُمَّ يَمُوتُ السَّيِّدُ, ثُمَّ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ فَيَعْتِقُ بِالْكِتَابَةِ: إنَّ وَلاَءَهُ لِلَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا عَقَدَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إرْقَاقُهُ مَا قَامَ الْمُكَاتَبُ بِالْكِتَابَةِ فَلاَ يَكُونُ وَلاَؤُهُ إلَّا لَهُ وَلاَ نَقُولُ بِقَوْلِ عَطَاءٍ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَيَدَعُ مُكَاتَبًا وَابْنَيْنِ: إنَّ لِلِابْنَيْنِ أَنْ يَقْتَسِمَا مَالَ الْمَيِّتِ حَتَّى يَصِيرَ الْمُكَاتَبُ لِأَحَدِهِمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَسْمَ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ لاَ يَجُوزُ وَتَقْتَسِمُ الْوَرَثَةُ مَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ صَارَ عَبْدًا لَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوهُ وَإِنْ اقْتَسَمُوا قَبْلَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ فَصَارَ الْمُكَاتَبُ إلَى حِصَّةِ أَحَدِهِمْ فَالْقَسْمُ بَاطِلٌ وَمَا أُخِذَ مِنْهُ فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنِ وَرَثَةِ أَبِيهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} قَالَ: وَقَالَ: {الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ} فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ وَلاَءٌ عَلَى أَحَدٍ إلَّا بِأَنْ يَتَقَدَّمَهُ عِتْقٌ وَمَنْ لَمْ يَعْتِقْ فَهُوَ حُرٌّ وَلاَ وَلاَءَ لَهُ وَعَقْلُهُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ??
??
??
??
1
|