الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنه في قوله: {إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات} الآية، قال: نزلت في عائشة خاصة.وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضًا في الآية قال: هذه في عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة، وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التوبة، ثم قرأ: {والذين يَرْمُونَ المحصنات} إلى قوله: {إِلاَّ الذين تَابُواْ}.وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة عرّف الكافر بعمله فجحد وخاصم، فيقال: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول: كذبوا، فيقال: أهلك وعشيرتك، فيقول: كذبوا، فيقال: احلفوا فيحلفون، ثم يصمتهم الله، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم، ثم يدخلهم النار» وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من طريق جماعة من الصحابة ما يتضمن شهادة الجوارح على العصاة.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله سبحانه: {يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحق} قال: حسابهم، وكلّ شيء في القرآن الدين، فهو الحساب.وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ: «يومئذٍ يوفيهم الله الحقّ دينهم».وأخرج ابن جرير، والطبراني، وابن مردويه، عن ابن عباس في قوله: {الخبيثات} قال: من الكلام {لِلْخَبِيثِينَ} قال: من الرجال {والخبيثون} من الرجال {للخبيثات} من الكلام {والطيبات} من الكلام {لِلطَّيّبِينَ} من الناس {والطيبون} من الناس {للطيبات} من الكلام، نزلت في الذين قالوا في زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان.وأخرج عبد الرزاق والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، عن مجاهد نحوه.وأخرج ابن جرير، والطبراني، عن قتادة نحوه أيضًا، وكذا روي عن جماعة من التابعين.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن زيد في الآية قال: نزلت في عائشة حين رماها المنافقون بالبهتان، والفرية، فبرّأها الله من ذلك، وكان عبد الله بن أبيّ هو الخبيث، فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة، ويكون لها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبًا، فكان أولى أن تكون له الطيبة، وكانت عائشة الطيبة، وكانت أولى بأن يكون لها الطيب، وفي قوله: {أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} قال: هاهنا برئت عائشة.وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: لقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة وعند طيب، ولقد وعدت مغفرة وأجرًا عظيمًا. اهـ.
{أَن يؤتوا} قال ابن قتيبة معناه: أن لا يؤتوا، وقال القرطبي قوله تعالى: {أَن يؤتوا} أي ألاّ يؤتوا فحذف لا كقول القائل: أقول: هذا الحذف وارد في كلام العرب ومثله قوله تعالى: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [النساء: 176] أي لئلا تضلّوا أو خشية أن تضلوا.{وَلْيَعْفُواْ}: أي يغفروا الزلات، من عفا الربع إذا محي أثره ودرس، فهو محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع.{المحصنات}: العفائف الشريفات الطاهرات، وقد تقدم معنى الإحصان فيما سبق.{الغافلات}: جمع غافلة وهي التي غفلت عن الفاحشة، بحيث لا تخطر ببالها، وقيل: هي السليمة الصدر، النقية القلب، التي ليس فيها دهاء ولا مكر، لأنها لم تجرب الأمور، ولم تزن الأحوال، فلا تفطن لما تفطن له المجرِّبة العارفة.{لُعِنُواْ}: اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله عز وجل {وَمَن يَلْعَنِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 52] وقد يراد به الذكر السَّيِّئ أو الحد الجلد كما في هذه الآية حيث أقيم عليهم حد القذف.{تَشْهَدُ}: تقر وتعترف، وشهادة الألسنة إقرارها بما تكلموا به من الفرية، وهؤلاء غير الذين يختم على أفواههم. وقال ابن جرير: المعنى أنّ ألسنة بعضهم تشهد على بعض بما كانوا يعملون من القذف والبهتان.{يُوَفِّيهِمُ}: التوفية إعطاء الشيء وافيًا، يقال: تَوفّى حقه إذا أخذه كاملًا غير منقوص.{دِينَهُمُ الحق}: أي حسابهم العدل، أو جزاءهم الواجب، والدين في اللغة بمعنى الجزاء، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «إعمل ما شئت كما تدين تدان» أي كما تفعل تجزى.{الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ}: المعنى الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، وهو جمع خبيثة وخبيث، والخبيثُ الذي يعمل الفواحش والمنكرات سمّى خبيثًا لخبث باطنه وسوء عمله قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ القرية التي كَانَت تَّعْمَلُ الخبائث} [الأنبياء: 74] وذهب جمهور المفسّرين إلى أن معنى الآية: الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال. والخبيثون من الناس للخبيثات من القول، والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول.. قال النحاس: وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية واختاره ابن جرير الطبري.{مُبَرَّءُونَ}: أي منزّهون مما رُمُوا به، والمراد بالآية براءة الصدّيقة عائشة رضي الله عنها مما رماها به أهل الإفك والبهتان، وجاء بصيغة الجمع للتعظيم.{مَّغْفِرَةٌ}: أي محو وغفران للذنب، والبشر جميعًا معرضون للخطأ وقيل في الآية إنه من باب: حسناتُ الأبرار سيئات المقربين.{وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}: قال الألوسي: هو الجنة كما قال أكثر المفسرين. ويشهد له قوله تعالى في سورة الأحزاب في أمهات المؤمنين: {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 31] فإن المراد به الجنة.
وهذه القراءة تؤيد المعنى الأول ليأتل. وليس كما قال أبو عبيدة إنه من الألْو بوزن الدلو بمعنى لا يقصّر، واستشهد بقوله تعالى: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: 118] فإنّ سبب النزول يؤيد الرأي الأول.2- قرأ الجمهور {أن يؤتوا} وقرأ أبو حيوة {أن تُؤتوا} بتاء الخطاب على طريق الالتفات.3- قوله: {وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا} قراءة الجمهور بالياء، وقرأ الحسن، وسفيان بن الحسين {ولتَعْفوا ولتَصْفحوا} بتاء الخطاب على وفق قوله تعالى: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ}.4- قرأ الجمهور {يوم تشهد} بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي {يوم يشهد} بالياء بدل التاء، قال الألوسي: ووجهه ظاهر.5- قرأ الجمهور {دينَهم الحقّ} بالفتح على أنه صفة للدّين بمعنى حسابهم العدل، وقرأ مجاهد والأعمش {دينَهم الحقُّ} برفع القاف على أنه صفة للإسم الجليل. ويجوز الفصل بالمفعول بين الموصوف وصفته ويصبح المعنى: يومئذ يوفيهم اللَّهُ الحقّ دينهم.
|