الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التفسير المأثور: قال السيوطي:{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)}أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأخبتوا} قال: خافوا.وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الإِخبات الإِنابة.وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال: الإِخبات الخشوع والتواضع.وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه: {وأخبتوا إلى ربهم} قال: اطمأنوا إلى ربهم.{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {مثل الفريقين كالأعمى والأصم} قال: الكافر: {والبصير والسميع} قال: المؤمن. اهـ..فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)}قوله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ}: الموصولُ اسمُ إنَّ، والجملة مِنْ قولِه: {أولئك أَصْحَابُ الجنة} خبرها.والإِخباتُ: الاطمئنان والتذلُّل والتواضع، وأصله من الخَبْت وهو المكانُ المطمئنُّ، أي: المنخفضُ من الأرض، وأَخْبَتَ الرجلُ: دخل في مكان خَبْت، كأَنْجَدَ وأَتْهَمَ إذا دخل في أحد هذين المكانين، ثم تُوُسِّع فيه فقيل: خَبَتَ ذِكْرُه، أي: خمد، ويقال للشيء الدنيء الخبيت، قال الشاعر:هكذا يُنْشدون هذا البيتَ في هذه المادة، الزمخشري وغيره، والظاهر أن يكونَ بالثاءِ المثلثة ولاسيما لمقابلته بالطِّيب، ولكن الظاهر من عبارتهم أنه بالتاء المثنَّاة لأنهم يَسُوقونه في هذه المادة، ويدلُّ على أن معنى البيت إنما هو على الثاء المثلثة قولُ الزمخشري. وقيل: التاءُ فيه بدل من الثاء. ومن مجيء الخَبْت بمعنى المكان المطمئن قوله: وفي تركيب البيتِ قَلَقٌ، وحَلُّه: لو شهدْتِ أخاك بِشْرا وقد قتل الهزبرَ، ففاعل قتل ضمير يعودُ على أخاك. وأخبت يتعدى بإلى كهذه الآية، وباللام كقوله تعالى: {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 54].{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}قوله تعالى: {مَثَلُ الفريقين}: مبتدأٌ، و{كالأعمى} خبره، ثم هذه الكافُ يحتمل أن تكونَ هي نفسَ الخبر، فتقدَّر ب {مثل}، تقديرُه: مَثَلُ الفريقين مثلُ الأعمى. ويجوز أن تكون {مثل} بمعنى صفة، ومعنى الكاف معنى مِثْلِ، فيقدَّر مضافٌ محذوفٌ، أي: كمثل الأعمى. وقوله: {مَثَلُ الفريقين كالأعمى} يجوز أن يكونَ من باب تشبيه شيئين بشيئين، فقابل العمى بالبصَر، والصمم بالسمع وهو من الطِّباق، وأن يكونَ من تشبيهِ شيءٍ واحد بوصفَيْهِ بشيءٍ واحدٍ بوصفَيْهِ، وحينئذٍ يكون قولُه: {كالأعمى والأصمِّ} وقوله: {والبصير والسميع} من باب عطف الصفات كقوله: وقد أحسنَ الزمخشريُّ في التعبير عن ذلك فقال: شبَّه فريق الكافرين بالأَعْمى والأصمِّ، وفريقَ المؤمنين بالبصير والسميع، وهو من اللَّفِّ والطِّباق، وفيه معنيان: أن يُشَبِّه الفريقين تشبيهين اثنين، كما شبَّه امرؤ القيس قلوبَ الطير بالحَشَف والعُنَّاب، وأن يُشَبِّهَ بالذي جمع بين العمى والصَّمَم، والذي جمع بين البصر والسمع، على أن تكونَ الواوُ في {والأصمِّ} وفي {والسميع} لعطفِ الصفة على الصفةِ كقوله: قلت: يريد بقوله اللفّ أنه لفَّ المؤمنين والكافرين اللذين هما مشبهان بقوله: {الفريقين}، ولو فسَّرهما لقال: مَثَلُ الفريق المؤمن كالبصير والسميع، ومثل الكافر كالأعمى والأصم، وهي عبارةٌ مشهورة في علم البيان: لفظتان متقابلتان: اللفُّ والنشر، وأشارَ لقول امرئ القيس وهو: أصلُ الكلامِ: كأن الرَّطْبَ من قلوب الطير: العُنَّابُ، واليابسَ منها: الحَشَفُ، فلفَّ ونشر، واللف والنشر في علم البيان تقسيمٌ كبير، ليس هذا موضعَه.وأشار بقوله الصابح فالغانم إلى قوله: وقد تقدَّم ذلك أولَ البقرة وتحريرُه.فإن قلت: لِمَ قَدَّم تشبيهَ الكافر على المؤمن؟ أجيب بأن المتقدِّمَ ذِكْرُ الكفار فلذلك قدَّم تمثيلهم. فإن قيل: ما الحكمةُ في العدولِ عن هذا التركيب لو قيل: كالأعمى والبصير والأصم والسميع لتتقابلَ كلُّ لفظةٍ مع ضدها، ويظهرَ بذلك التضادُّ؟ أجيب: بأنه تعالى لمَّا ذكر انسدادَ العين أتبعه بانسداد الأذن، ولمَّا ذكر انفتاح العين أتبعه بانفتاح الأذن، وهذا التشبيهُ أحدُ الأقسامِ وهو تشبيهُ أمرٍ معقول بأمرٍ محسوس: وذلك أنه شبَّه عمى البصيرة وصَمَمها بعمى البصر وصمم السمع، ذاك متردِّدٌ في ظُلَم الضلالات، كما أن هذا متحيِّز في الطرقات. وهذه فوائد علم البيان.قوله: {مَثَلًا} تمييز، وهو منقولٌ من الفاعلية، والأصل: هل يَسْتوي مَثَلُهما، كقوله تعالى: {واشتعل الرأس شَيْبًا} [مريم: 4]. وجوَّز ابنُ عطية رحمه اللَّه أن يكون حالًا، وفيه بَعْدٌ صناعةً ومعنى؛ لأنه على معنى مِنْ لا على معنى في. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: قال عليه الرحمة:قوله جلّ ذكره: {إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا}.الإخباتُ التخشع لله بالقلب بدوام الانكسار، ومن علامته الذبول تحت جريان المقادير بدوام الاستغاثة بالسر.قوله جلّ ذكره: {مَثَلُ الفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ...} الآية.مثل الكافر في كفره كالأعمى والأصم، ومَثْلُ المؤمن في إيمانه كالسميع والبصير- هذا بيان التفسير.والإشارة فيه أن الأعمى مَنْ عَمِيَ عن الإبصار بِسرِّه، والأصمُّ الذي طَرِش بسَمْع قلبه؛ فلا باستدلاله شَهِدَ سر تقديره في أفعاله، ولا بنور فراسةٍ توهم ما وقف عليه من مكاشفات الغيب لقلبه، ولا بسَمْع القبولِ استجابَ لدواعي الشريعة، ولا بِحُكْم الإنصاف انْقَادَ لما يتوجَّب عليه من مطالبات الوقت مما يلوح لِسرِّه من تلويحات الحقيقة.وأما البصير فهو الذي يشهد من الحق أفعاله بعلم اليقين، ويشهد صفاته بعين اليقين، ويشهد ذاته بحق اليقين، والغائبات له حضور، والمستورات له كشف. فالذي يسمع فَصِفَتُه ألا يسمعَ هواجسَ النَّفْس ولا وساوس الشيطان؛ فيسمع من جواعي العلم شرعًا، ثم من خواطر التعريف قدرًا، ثم يكاشف بخطاب من الحق سِرَّا.فهؤلاء لا يستويان، ولا في طريق يلتقيان:. اهـ. .قال التستري: قوله تعالى: {وأخبتوا إلى رَبِّهِمْ} [23] أي خشعت قلوبهم إلى ربهم، وهو الخشية، فالخشوع ظاهر والخشية سر، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو خشع قلبه لخشعت جوارحه» فقد حكي أن موسى صلوات الله عليه قص في بني إسرائيل، فمزق واحد منهم قميصه، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن قل له: مزق لي قلبك ولا تمزق لي ثيابك. اهـ..التفسير الإشاري: قال العلامة نظام الدين النيسابوري:التأويل: {الر} إشارة إلى الله، واللام الى جبرائيل، والراء إلى الرسول. يعني ما أنزل الله على لسان جبرائيل إلى الرسول كتاب مبين من لدن حكيم خبير كقوله: {وعلمناه من لدنا} [الكهف: 65] ورأس العلم اللدني أن تقول لأمتك يا محمد: {أن لا تعبدوا إلا الله وأن استغفروا ربكم} مما ضاع من عمركم في غير طلب الله: {ثم توبوا} ارجعوا: {إليه} بقدم السلوك لتكون التوبة تحلية لكم بعد التزكية بالاستغفار: {يمتعكم متاعًا حسنًا} هو الترقي في المقامات العلية: {إلى أجل مسمى} هو حين انقضاء المقامات وابتداء درجات الوصول: {ويؤت كل ذي فضل فضله} أي يؤت كل ذي صدق واجتهاد في الطلب درجات الوصول، فإن المشاهدات بقدر المجاهدات. والحاصل أن المتاع الحسن في مراتب السير إلى الله وإيتاء الفضل في درجات السير في الله: {عذاب يوم كبير} هو عذاب الانقطاع عن الله الكبير: {ألا حين يستغشون} ثياب الجسمية على وجه الروح كان: {يعلم ما يسرون} من حرمان النور المرشش ومن نقص الحرمان تحت ثياب القالب: {وما يعلنون} من ثني الصدور: {إنه عليم بذات الصدور} أي بما في الصدور من القلوب الظلمانية: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} لأن كل حيوان له صفة مخصوصة ومزاج مخصوص وغذاؤه يجب أن يكون ملائمًا لمزاجه. فعلى ذمة كرم الله أنه كما خلق أجسادها على الأمزجة المتعينة يخلق غذاءها موافقًا لمزاج كل منها، ثم يهديها إلى ما هو أوفق لها: {ويعلم مستقرها} في العدم كيف قدرها مستعدة للصور المختصة بها: {ومستودعها} الذي تؤول إليه عند ظهور ما فيها بالقوة إلى الفعل: {ليبلوكم} فإن العالم بما فيه محل الابتلاء ومحك السعداء والأشقاء: {ولئن قلت} للأشقياء موتوا عن الطبيعة باستعمال الشريعة ومزاولة الطريقة لتحيوا بالحقيقة فإن الحياة الحقيقية تكون بعد الموت عن الحياة الطبيعية: {ليقولن الذين كفروا} ستروا حسن استعدادهم الفطري بتعلق الشهوات الفانية: {إن هذا إلا سحر مبين} أي كلام مموه لا أصل له: {ولئن أخرنا عنهم} عذاب البعد: {إلى أمة} إلى حين ظهور ذوق العذاب فإن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. اهـ..تفسير الآيات (25- 27): قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما تم ذلك على أوضح المسالك، وختم بالحث على التذكر، وكان تقديم ذكر كتاب موسى محركًا لتوقع ذكر نبئه ونبأ غيره من الرسل، عطف- مقرونًا بحرف التوقع على العامل الذي قدرته في قوله: {ألا تعبدوا إلا الله} أو على قوله: {إنما أنت نذير} وهو أحسن وأقرب- قوله: {ولقد أرسلنا} أي بما لنا من العظمة: {نوحًا إلى قومه} أي الذين هم على لسانه؛ وما بعد ذلك من القصص تقريرًا لمضمون هذا المثل وتثبيتًا وتسلية وتأييدًا وتعزية لهذا النبي الكريم لئلا يضيق صدره بشيء مما أمر بإبلاغه حرصًا على إيمان أحد وإن كان أقرب الخلائق إليه وأعزهم عليه كما تقدمت الإشارة إليه في قوله تعالى: {فلا يكن في صدرك حرج منه} وقوله: {وضائق به صدرك} ويأتي في قوله: {وكُلًا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} فوضح أن هذه القصص لهذا المعنى سيقت، وأن سياقها في الأعراف وغيرها كان لغير ذلك كما تقدم وأن تضمن هذا الغرض بيان إهلاك من كانوا أشد من العرب قوة وأكثر جمعًا وأمكن أمرًا وأقوى عنادًا وأعظم فسادًا وأحدّ شوكة وما اتفق في ديارهم من الطامات والأهوال المفظعات تحذيرًا من مثل حالهم بارتكاب أفعالهم، ففرق بين ما يساق للشيء وما يلزم منه الشيء، ولهذا الغرض المقصود هنا طولت قصة نوح في هذه السورة ما لم يطوله في غيرها، وصدرت بقوله: {إني} أي قائلًا على قراءة الجمهور بالكسر، والتقدير عند ابن كثير وأبي عمرو والكسائي: ملتبسًا بأني: {لكم} أي خاصة: {نذير مبين} أي مخوف بليغ التحذير، أبين ما أرسلت به غاية البيان، وذكر فيها أنه طالت مجادلته لهم وأنه لما أوضح له أمر الله تعوذ من السؤال فيه وفي كل ما يشبهه، وخللت قصته بقوله: {أم يقولون افتراه} خطابًا لهذا النبي الكريم وختمت بقوله: {فاصبر إن العاقبة للمتقين} وذكرت قصة إبراهيم عليه السلام لما ضمنته من أنه بشر الولد بما لم يجر بمثله عادة فلم يتردد فيه، وأنه جادل الرسل في قوم ابن أخيه لوط، وأنه لما تحقق حتم الأمر وبت الحكم سلم لربه مع كونه حليمًا أواهًا منيبًا إلى غير ذلك مما يؤمئ إليه سياق القصص، فكأنه قيل: إنما أنت نذير أرسلناك لتبلغ ما أرسلت به من الإنذار وإن شق عليهم وعزتنا لقد أرسلنا من قبلك رسلًا منذرين فدعوا إلى ما أمرت بالدعوة إليه وأنذروهم ما يشق عليهم من بأسنا امتثالًا لأمرنا وما تركوا شيئًا منه خوفًا من إعراض ولا رجاء في إقبال على أن أممهم قالوا لهم ما قالت لك أمتك كما يشير إليه قوله تعالى عن نوح: {ولا أقول لكم عندي خزائن الله}- الآية، وقد كان في المخالفين من أممهم القريب منهم نسبه والعزيز عليهم أمره من ابن وصاحبة وغيرهما، هذا مع أن قصصهم دليل على قوله تعالى: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم} وزجر لهم عن مثل قولهم: {ما يحبسه} وتأييد لقوله: {ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمة}- وغير ذلك مما تقدم، فقد علم من هذا الوجهُ في تكرير هذه القصص، وأنه في كل سورة لمقصد يخالف المقصد في غيرها وإن كان يستفاد من ذلك فوائد أخر: منها إظهار القدرة في بيان الإعجاز بتصريف المعنى في الوجوه المختلفة لما في ذلك من علو الطبقة في البلاغة لأنه ربما قال متعنت عند التحدي: قد استوفى اللفظ البليغ على الأسلوب الأكمل البديع في هذه القصص فلم تبق لنا ألفاظ نعبر بها عن هذه المعاني حتى نأتي بمثل هذه القصة؛ فأتى بها ثانيًا إظهارًا لعجزه وقطعًا لحجته، وربما كررت ثالثًا ورابعًا توكيدًا لذلك وتمكينًا للاعتبار بضروب البيان وتصبيرًا للنبي صلى الله عليه وسلم على أذى قومه حالًا فحالًا، فإن قيل: فما بالها تأتي تارة في غاية البسط وتارة في غاية الإيجاز وتارة على الوسط؟ قيل: هذا من أعلى درجات البلاغة وأجل مراتب الفصاحة والبراعة، فإن قبل: فإنا نرى القصة تبسط في بعض السور غاية البسط ثم توجز في غيرها غاية الإيجاز ويؤتي فيها ما لم يؤت في المبسوطة كما في العنكبوت فإنه عين فيها مقدار لبثه وأنه كان ألف سنة إلا خمسين عامًا، فلم لا استوعبت جميع المعاني في الموضع المبسوط كما هو الأليق بمقام البسط لاسيما لمن لا يخفى عليه شيء ولا ينسى، وإذا وقع حذف كان في الموجزة، قيل: قال شيخنا حافظ العصر أبو الفضل بن حجر: إن الإمام أبا حاتم بن حبان البستي ذكر في كتابه التقاسيم والأنواع: إنما لم يرتبه ليحفظ إذ لو رتبه ترتيبًا سهلًا لاتكل من يكون عنده على سهولة الكشف منه فلا يتحفظه، وإذا وعر طريق الكشف كان أدعى إلى حفظه ليكون على ذكر من جميعه، وذكر أنه فعل ذلك اقتداء بالكتاب العزيز فإنه ربما أتى بالقصص غير مرتبة، قال شيخنا: ومن هنا يظهر أن من أسرار تخصيص بعض الموجزات بما ليس في المبسوط الحث على حفظ الجميع- انتهى.
|