الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
المعنى الثاني أَن يقال: «لَكَ الْحَمْد كلُّه» أى الحمد التام الكامل فهذا مختص بالله عز وجل ليس لغيره فيه شركة. والتحقيق أَن له الحمد بالمعنيين جميعًا، فله عموم الحمد وكماله، وهذا من خصائصه سبحانه، فهو المحمود على كل حال وعلى كل شيء أكمل حمد وأَعظمه، كما أَن له الملك التام العام فلا يملك كل شيء إِلا هو وليس الملك التام الكامل إِلا له وأَتباع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم يثبتون له كمال الملك وكمال الحمد فإِنهم يقولون: إِنه خالق كل شيء وربه ومليكه، لا يخرج عن خلقه وقدرته ومشيئته شيء البتة فله الملك كله. والقدرية المجوسية يخرجون من ملكه أَفعال العباد، فيخرجون طاعات الأنبياء والمرسلين والملائكة والمتقين من ملكه كما يخرجون سائر حركات الملائكة والجن والإِنس عن ملكه. وأَتباع الرسل يجعلون ذلك كله داخلًا تحت ملكه وقدرته، ويثبتون كمال الحمد أَيضًا، وأَنه المحمود على جميع ذلك وعلى كل ما خلقه ويخلقه، لما له فيه من الحكم والغايات المحمودة المقصودة بالفعل. وأَما نفاة الحكمة والأَسباب من مثبتى القدر فهم في الحقيقة لا يثبتون له حمدًا كما لا يثبتون له الحكمة فإن الحمد من لوازم الحكمة والحكمة إِنما تكون في حق من يفعل شيئًا لشيء فيريد بما يفعله الحكمة الناشئة من فعله فأما من لا يفعل شيئًا لشيء البتة فلا يتصور في حقه الحكمة. وهؤلاءِ يقولون: ليس في أَفعاله وأَحكامه لام التعليل، وما اقترن بالمفعولات من قوى وطبائع ومصالح فإِنما اقترنت بها اقترانًا عاديًا، لا أَن هذا كان لأَجل هذا، ولا نشأَ السبب لأَجل المسبب، بل لا سبب عندهم ولا مسبب البتة، إِن هو إِلا محض المشيئة وصرف الإِرادة التي ترجح مثلًا على مثل، بل لا مرجح أَصلًا، وليس عندهم في الأَجسام وطبائع وقوى تكون أَسبابًا لحركاتها، ولا في العين قوة امتازت بها على الرِّجل يبصر بها، ولا في القلب قوة يعقل بها امتاز بها على الظهر، بل خص سبحانه أَحد الجسمين بالرؤية والعقل والذوق تخصيصًا لمثل على مثل بلا سبب أَصلًا ولا حكمة، فهؤلاءِ لم يثبتوا له كمال الحمد، كما لم يثبت له أُولئك كمال الملك، وكلا القولين منكر عند السلف وجمهور الأُمة.ولهذا كان منكرو الأَسباب والقوى والطبائع يقولون: العقل نوع من العلوم الضرورية كما قال القاضيان أبو بكر بن الطيب وأبو يعلى بن الفراءِ وأَتباعهما. وقد نص أَحمد على أَنه غريزة، وكذلك الحارث المحاسبى وغيرهما، فأولئك لا يثبتون غريزة ولا قوة ولا طبيعة ولا سببًا، وأبطلوا مسميات هذه الأَسماءِ جملة وقالوا: إِن ما في الشريعة من المصالح والحكم لم يشرع الرب سبحانه ما شرع من الأَحكام لأَجلها بل اتفق اقترانها بها أَمرًا اتفاقيًا، كما قالوا نظير ذلك في المخلوقات سواء، والعلل عندهم أَمارات محضة لمجرد الاقتران الاتفاقى.وهم فريقان: أَحدهما لا يعرجون على المناسبات ولا يثبتون العلل بها البتة، وإِنما يعتمدون على تأْثير العلة بنص أَو إِجماع، فإِن فقدوا فزعوا إِلى الأَقيسة الشبهية.والفريق الثاني أَصلحوا المذهب بعض الإِصلاح وقربوه بعض الشيء وأَزالوا تلك النفرة عنه، فأثبتوا الأَحكام بالعلل والعلل بالمناسبات والمصالح، ولم يمكنهم الكلام في الفقه إلا بذلك، ولكم جعلوا اقتران أَحكام تلك العلل والمناسبات بها اقترانًا عاديًا غير مقصود في نفسه العلل والمناسبات أَمارات ذلك الاقتران، وهؤلاءِ يستدلون على إثبت علم الرب تعالى بما في مخلوقاته من الأحكام والإِتقان والمصالح، وهذا تناقض بين منهم، فإِن ذلك إِنما يدل إِذا كان الفاعل يقصد أَن يفعل الفعل على وجه مخصوص لأَجل الحكمة المطلوبة منه، وأَما من لم يفعل لأَجل ذلك الإحكام والإِتقان وإِنما اتفق اقترانه بمفعولاته عادة فإِن ذلك الفعل لا يدل على العلم، ففى أَفعال الحيوانات من الإِحكام والإِتقان والحكم ما هو معروف لمن تأمله، ولكن لما لم تكن تلك الحكم والمصالح مقصودة لها لم تدل على علمها. والمقصود أَن هؤلاءِ إِذا قالوا: إِنه تعالى لا يفعل لحكمة امتنع عندهم أَن يكون الإِحكام دليلًا على العلم وأَيضًا فعلى قولهم يمتنع أَن يحمد على ما فعله لأَمر ما حصل للعباد من نفع، فهو سبحانه لم يقصد بما خلقه نفعهم ولا خلقه لنفعهم ومصالحهم، بل إنما أَراد مجرد وجوده لا لأَجل كذا ولا لنفع أَحد ولا لضره، فكيف يتصور في حق من يكون فعله ذلك حمد؟ فلا يحمد على فعل عدل، ولا على ترك ظلم، لأَن الظلم- عندهم- والممتنع الذي لا يدخل في المقدور، وذلك لا يمدح أَحد على تركه وكل ما أَمكن وجوده فهو عندهم عدل فالظلم مستحيل عندهم إِذ هو عبارة عن الممتنع المستحيل لذاته الذي لا يدخل تحت المقدور ولا يتصور فيه ترك اختيارى فلا يتعلق به حمد، وإخباره تعالى عن نفسه بقيامه بالقسط حقيقة عندهم مجرد كونه فاعلًا لا أَن هناك شيئًا هو قسط في نفسه يمكن وجود ضده، وكذلك قوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] نفى عندهم لما هو مستحيل في نفسه لا حقيقة له، كجعل الجسم في مكانين في آن واحد، وجعله موجودًا معدومًا في آن واحد، فهذا ونحوه عندهم هو الظلم الذي تنزه عنه، وكذلك قوله: «يَا عِبَادِى، إِنِّى حَرَّمْتُ الْظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى، وَجَعَلْتُهُ مُحَرَّمًا بَيْنَكُمْ، فَلا تَظَالَمُوا»، فالذى حرمه على نفسه هو المستحيل الممتنع لذاته كالجمع بين النقيضين وليس هناك ممكن يكون ظلمًا في نفسه وقد حرمه على نفسه، ومعلوم أَنه لا يمدح الممدوح بترك ما لو أَراده لم يقدر عليه. وأَيضًا فإِنه قال: «وَجَعَلْتُهُ مُحُرَّمًا بَيْنَكُمْ» فالذى حرمه على نفسه هو الذي جعله محرمًا بين عباده وهو الظلم المقدور الذي يستحق تاركه الحمد والثناءَ. والذى أوجب لهم هذا مناقضة القدرية المجوسية ورد أُصولهم وهدم قواعدهم، ولكن ردوا باطلًا بباطل وقابلوا بدعة ببدعة وسلطوا عليهم خصومهم بما التزموه من الباطل فصارت الغلبة بينهم وبين خصومهم سجالًا مرة يغلبون ومرة يغلبون لم يستقر لهم نصرة، وإِنما النصرة الثابتة لأَهل السنة المحضة الذين لم يتحيزوا إِلى فئة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يلتزموا غير ما جاءَ به، ولم يؤصلوا أَصلًا ببدعة يسلطون عليهم به خصومهم، بل أصلهم ما دل عليه كتاب الله وكلام رسوله وشهدت به الفطر والعقول.
.فصل: في بيان أن حمده تعالى شامل لكل ما يحدثه: والمقصود بيان شمول حمده تعالى وحكمته لكل ما يحدثه من إحسان ونعمة وامتحان وبلية، وما يقضيه من طاعة ومعصية، أنه سبحانه محمود على ذلك مشكور حمد المدح وحمد الشكر، أَما حمد المدح فإنه محمود على كل ما خلق إِذ هو رب العالمين و{الحمد لله رب العالمين} وأَما حمد الشكر فلأن ذلك كله نعمة في حق المؤمن إِذا اقترن بواجبه من الإحسان، والنعمة إِذا اقترنت بالشكر صارت نعمة والامتحان والبلية إذا اقترنا بالصبر كانا نعمه، والطاعة من أَجلّ نعمه، وأَما المعصية فإِذا اقترنت بواجبها من التوبة والاستغفار والإِنابة والذل والخضوع فقد ترتب عليها من الآثار المحمودة والغايات المطلوبة ما هو نعمة أيضًا وإِن كان سببها مسخوطًا مبغوضًا للرب تعالى، ولكنه يحب ما يترتب عليها من التوبة والاستغفار، وهو سبحانه أَفرح بتوبة عبده من الرجل إِذا أضل راحلته بأَرض دوِّية مهلكة عليها طعامه وشرابه فأَيس منها ومن الحياة فنام ثم استيقظ فإِذا بها قد تعلق خطامها في أَصل شجرة فجاءَ حتى أخذها، فالله أَفرح بتوبة العبد حين يتوب إِليه من هذا براحلته، فهذا الفرح العظيم الذي لا يشبهه شيء أَحب إِليه سبحانه من عدمه، وله أَسباب ولوازم لابد منها، وما يحصل بتقدير عدمه من الطاعات وإِن كان محبوبًا له فهذا الفرح أَحب إليه بكثير ووجوده بدون لازمه ممتنع، فله من الحكمة في تقدير أَسبابه وموجباته حكمة بالغة ونعمة سابغة. هذا بالإضافة إلى الرب جل جلاله، وأَما بالإِضافة إلى العبد فإِنه قد يكون كمال عبوديته وخضوعه موقوفًا على أَسباب لا تحصل بدونها، فتقدير الذنب عليه إِذا اتصل به التوبة والإنابة والخضوع والذل والانكسار ودوام الافتقار كان من النعم باعتبار غايته وما يعقبه وإِن كان من الابتلاء والامتحان باعتبار صورته ونفسه والرب تعالى محمود على الأَمرين، فإِن اتصل بالذنب الآثار المحبوبة للرب سبحانه من والتوبة والذل والإِنابة والانكسار فهو عين مصلحة العبد، والاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية، وإِن لم يتصل به ذلك، فهذا لا يكون إِلا من خبث نفسه وشره وعدم استعداده لمجاورة ربه بين الأرواح الذكية الطاهرة في الملأ الأعلى ومعلوم وأن هذه النفس فيها من الشر والخبث ما فيها، فلابد من خروج ذلك منها من القوة إلى الفعل ليترتب على ذلك الآثار المناسبة لها ومساكنة من تليق مساكنته ومجاورة الأَرواح الخبيثة في المحل الأَسفل، فإن هذه النفوس إِذا كانت مهيأَة لذلك فمن الحكمة أَن تستخرج منها الأسباب التي توصلها إلى ما هي مهيأَة له ولا يليق به سواه والرب تعالى محمود على إنعامه وإحسانه على أهل الإحسان والأنعام القابلين له فما كل أحد قابلًا لنعمته تعالى فحمده وحكمته تقتضى أن لا يودع وإِحسانه وكنوزه في محل غير قابل لها.ولا يبقى إِلا أَن يقال: فما الحكمة في خلق هذه الأرواح التي هي غير قابلة لنعمته؟ فقد تقدم من الجواب عن ذلك ما فيه كفاية. وأَن خلق الأضداد والمقابلات وترتيب آثارها عليها موجب ربوبيته وحكمته وعلمه وعزته، وأَن تقدير عدم ذلك هضم من جانب الربوبية. وأَيضًا فإن هذه الحوادث نعمة في حق المؤمن، فإِنها إِذا وقعت فهو مأمور أن نكرها بقلبه ويده ولسانه فقط أَو بقلبه فقط، ومأمور أَن يجاهد أَربابها بحسب الإِمكان، فيترتب له على الإنكار والجهاد من مصالح قلبه ونفسه وبدنه ومصالح دنياه، وآخرته ما لم يكن ينال بدون ذلك، والمقصود بالقصد الأول إِتمام نعمته تعالى على أَوليائه ورسله وخاصته فاستعمال أعدائه فيما تكمل به النعمة على أُوليائه غاية الحكمة، وكان في تمكين أَهل الكفر والفسق والعصيان من ذلك إِيصال إِلى الكمال الذي يحصل لهم بمعاداة هؤلاء وجهادهم والإِنكار عليهم والموالاة فيه والمعاداة فيه وبذل نفوسهم وأَموالهم وقواهم له، فإِن تمام العبودية لا يحصل إِلا بالمحبة الصادقة، وإِنما تكون المحبة صادقة إِذا بذل فيها المحب ما يملكه من مال ورياسة وقوة في مرضاة محبوبة والتقرب إِليه، فإِن بذل له روحه كان هذا أعلى درجات المحبة، ومن المعلوم أَن من لوازم ذلك التي لا يحصل إِلا بها أَو يخلق ذواتًا وأَسبابًا وأَعمالًا وأَخلاقًا وطبائع تقتضى معاداة من يحبه ويؤثر مرضاته لها وعند ذلك تتحق المحبة الصادقة من غيرها فكل أَحد يحب الإِحسان والراحة والدعة واللذة، ويجب من يوصل إِليه ذلك ويحصله له، ولكن الشأْن في أَمر وراءَ هذا وهو محبته سبحانه ومحبة ما يحبه مما هو أَكره شيء إِلى النفوس وأَشق شيء عليها مما لا يلائمها، فعند حصول أَسباب ذلك يتبين من يحب الله لذاته ويحب ما يجب ممن يحبه لأَجل مخلوقاته فقط من المأْكل والمشرب والمنكح والرياسة، فإِن أُعطى منها رضى وإِن منعها سخط وعتب على ربه وربما شكاه وربما ترك عبادته، فلولا خلق الأضداد وتسليط أَعدائه وامتحان أَوليائه بهم لم يستخرج خالص العبودية من عبيده الذين هم عبيده، ولم يحصل لهم عبودية الموالاة فيه والمعاداة فيه والحب فيه والبغض فيه والعطاء له والمنع له، ولا عبودية بذل الأرواح في جهاد أَعدائه ونصرته وعبودية مفارقة الأمر عنده أحوج ما يكون إليهم عبده في مرضاته ما يتحسر إليهم وهو الذي عاب نفسه وملاذ بها بأيديهم قد جنى بمفارقتهم ومشايعتهم وأما من موالاة الحق عليهم، فلولا الأَضداد والأَسباب التي توجب ذلك لم تحصل هذه الآثار.وأَيضًا فلولا تسليط الشهوة والغضب ودواعيهما على العبد لم تحصل له فضيلة الصبر وجهاد النفس ومنعها من حظوظها وشهواتها محبة لله وإِيثارًا لمرضاته وطلبًا للزلفى لديه والقرب منه. وأَيضًا فلولا ذلك لم تكن هذه النشأَة الإِنسانية إِنسانية، بل كانت ملكية، فإِن آلله سبحانه خلق خلقه أَطوارًا:فخلق الملائكة عقولًا لا شهوات لها ولا طبيعة تتقاضى منها خلاف ما يراد من مادة نورية لا تقتضى شيئًا من الآثار والطبائع المذمومة، وخلق الحيوانات ذوات شهوات لا عقول لها، وخلق الثقلين- الجن والإنس وركب فيهم العقول والشهوات والطبائع المختلفة لآثار مختلفة بحسب موادها وصورها وتركيبها. وهؤلاءِ هم أَهل الامتحان والابتلاءِ، وهم المعرضون للثواب والعقاب ولو شاءَ سبحانه لجعل خلقه على طبيعة واحدة وخلق واحد ولم يفاوت بينهم، لكن ما فعله سبحانه هو محض الحكمة وموجب الربوبية ومقتضى الإلهية، ولو كان الخلق كله طبيعة واحدة ونمطًا واحدًا لوجد الملحد مقالًا وقال: هذا مقتضى الطبيعة، ولو كان فاعلًا بالاختيار لتنوعت أَفعاله ومفعولاته ولفعل الشيء وضده والشيء وخلافه. وكذلك لولا شهود هذه الحوادث المشهودة لوجد الملحد أَيضًا مقالًا وقال: لو كان لهذا العالم خالقًا مختارًا لوجدت فيه الحوادث على حسب إرادته واختياره، كما روى الحسن أَو غيره قال: كان أَصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: جلَّ ربنا القديم، لم يتغير هذا الخلق لقال الشاك في الله إنه لو كان لهذا العالم خالق لحادثه بينا هو ليل إِذ جاءَ نهار وبينا هو نهار إِذ جاءَ ليل، بينا هو صحو إِذ جاءَ غيم وبينا هو غيم إِذ جاءَ صحو، ونحو هذا من الكلام، ولهذا يستدل سبحانه في كتابه بالحوادث تارة وباختلافها تارة، إِذ هذا وهذا يستلزم ربوبيته وقدرته واختياره ووقوع الكائنات على وفق مشيئته، فتنوع أَفعاله ومفعولاته من أَعظم الأَدلة على ربوبيته وحكمته وعلمه. ولهذا سبحانه خلق النوع الإِنسانى أَربعة أَقسام: أَحدها لا من ذكر ولا أُنثى وهو خلق أَبيهم وأَصلهم آدم، الثاني خلقه من ذكر بلا أُنثى كخلق أَمهم حواءَ من ضلع من أَضلاع آدم من غير أَن تحمل بها أُنثى أَو يشتمل عليها بطن، الثالث خلقه من أُنثى بلا ذكر كخلق المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم الرابع خلق سائر النوع الإِنسانى من ذكر وأُنثى، وكل هذا ليدل عباده على كمال قدرته ونفوذ مشيئته وكمال حكمته، وأَن الأَمر ليس كما يظنه أَعداؤه الجاحدون له الكافرون به من أَن ذلك أَمر طبيعى لم يزل هكذا ولا يزال، وأَنه ليس للنوع أَب ولا أم وأَنه ليس إِلا أَرحام تدفع وأَرض تبلغ وطبيعة تفعل ما يرى ويشاهد، ولم يعلم هؤلاءِ الجهال الضلال أَن الطبيعة قوة وصفة فقيرة إلى محلها محتاجة إِلى حامل لها، وأَنها من أَدل الدلائل على وجود أَمره في طبعها وخلقها، وأَودعها الأجسام وجعل فيها هذه الأَسرار العجيبة، فالطبيعة مخلوق من مخلوقاته ومملوك من مماليكه وعبيدة مسخرة لأَمره تعالى منقادة لمشيئته، ودلائل الصنعة وإِمارات الخلق والحدوث وشواهد الفقر والحاجة شاهدة عليها بأَنها مخلوقة مصنوعة، لا تخلق ولا تفعل ولا تتصرف في ذاتها ونفسها، فضلًا عن إِسناد الكائنات إِليها.
|