الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.مسائل وألفاظ تكثر الحاجة إليها في باب الطلاق: قال القرطبي:لم يختلف العلماء فيمن قال لامرأته؛ قد طلقتك، أنه من صريح الطلاق في المدخول بها وغير المدخول بها؛ فمن قال لامرأته: أنت طالق فهي واحدة إلاَّ أن ينوي أكثر من ذلك. فإن نوى اثنتين أو ثلاثًا لزمه ما نواه، فإن لم ينو شيئًا فهي واحدة تملك الرجعة. ولو قال: أنت طالق، وقال: أردت من وَثَاق لم يقبل قوله ولزمه، إلاَّ أن يكون هناك ما يدل على صدقه. ومن قال: أنت طالق واحدة، لا رجعة لي عليك فقوله: لا رجعة لي عليك باطل، وله الرجعة لقوله واحدة؛ لأن الواحدة لا تكون ثلاثًا؛ فإن نوى بقوله: لا رجعة لي عليك ثلاثًا فهي ثلاث عند مالك.واختلفوا فيمن قال لامرأته: قد فارقتك، أو سرحتك، أو أنت خلية، أو برية، أو بائن، أو حبلك على غاربك، أو أنت عليّ حرام، أو الحقي بأهلِكِ، أو قد وهبتك لأهلك، أو قد خليت سبيلك، أولا سبيل لي عليك؛ فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: هو طلاق بائن، وروي عن ابن مسعود وقال: إذا قال الرجل لامرأته استقلي بأمرِك، أو أمرِك لكِ، أو الحقي بأهلك فقبِلوها فواحدة بائنة. وروي عن مالكٍ فيمن قال لامرأته: قد فارقتك، أو سرحتك، أنه من صريح الطلاق؛ كقوله: أنت طالق. وروي عنه أنه كناية يرجع فيها إلى نية قائِلها، ويسأل ما أراد من العدد، مدخولًا بها كانت أو غير مدخول بها. قال ابن الموّاز: وأصح قوليه في التي لم يدخل بها أنها واحدة، إلاَّ أن ينوي أكثر؛ وقاله ابن القاسم وابن عبد الحكم. وقال أبو يوسف: هي ثلاث؛ ومثله خلعتك، أو لا مِلك لي عليك. وأمّا سائر الكنايات فهي ثلاث عند مالك في كل من دخل بها لا ينوَّى فيها قائلها، وينوّى في غير المدخول بها. فإن حلف وقال أردت واحدة كان خاطبًا من الخطاب، لأنه لا يخلى المرأة التي قد دخل بها زوجها ولا يُبينها ولا يبريها إلاَّ ثلاث تطليقات. والتي لم يدخل بها يُخليها ويُبريها ويُبينها الواحدة. وقد روي عن مالك وطائفة من أصحابه، وهو قول جماعة من أهل المدينة، أنه ينوى في هذه الألفاظ كلها ويلزمه من الطلاق ما نوى. وقد روي عنه في البتة خاصة من بين سائر الكنايات أنه لا ينوي فيها لا في المدخول بها ولا في غير المدخول بها. وقال الثوريّ وأبو حنيفة وأصحابه: له نيته في ذلك كله، فإن نوى ثلاثًا فهي ثلاث، وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة وهي أحق بنفسها. وإن نوى اثنتين فهي واحدة. وقال زفر: إن نوى اثنتين فهي اثنتان. وقال الشافعيّ: هو في ذلك كله غير مطلق حتى يقول: أردت بمخرج الكلام مني طلاقًا فيكون ما نوى. فإن نوى دون الثلاث كان رجعيًا، ولو طلقها واحدة بائنة كانت رجعية.وقال إسحاق: كل كلام يشبِه الطلاق فهو ما نوى من الطلاق. وقال أبو ثور: هي تطليقة رجعية ولا يسأل عن نيته. وروي عن ابن مسعود أنه كان لا يرى طلاقًا بائنًا إلاَّ في خلع أو إيلاء وهو المحفوظ عنه؛ قاله أبو عبيد. وقد ترجم البخاريّ باب إذا قال فارقتك أو سرحتك أو البرية أو الخلية أو ما عني به الطلاق فهو على نيته. وهذا منه إشارة إلى قول الكوفيين والشافعيّ وإسحاق في قوله: أو ما عنى به من الطلاق والحجة في ذلك أن كل كلمة تحتمل أن تكون طلاقًا أو غير طلاق فلا يجوز أن يلزم بها الطلاق إلاَّ أن يقول المتكلم: إنه أراد بها الطلاق فيلزمه بإقراره، ولا يجوز إبطال النكاح لأنهم قد أجمعوا على صحته بيقين.قال أبو عمر: واختلف قول مالك في معنى قول الرجل لامرأته: اعتدى، أو قد خليتك، أو حبلك على غارِبك؛ فقال مرة: لا ينوى فيها وهي ثلاث. وقال مرّة: ينوى فيها كلها، في المدخول بها وغير المدخول بها؛ وبه أقول.قلت: ما ذهب إليه الجمهور، وما روي عن مالك أنه ينوي في هذه الألفاظ ويحكم عليه بذلك هو الصحيح؛ لما ذكرناه من الدليل، وللحديث الصحيح الذي خرّجه أبو داود وابن ماجه والدارقطنيّ وغيرهم عن يزيد بن ركانة: أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فقال: «آلله ما أردت إلاَّ واحدة»؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلاَّ واحدة؛ فرّدها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن ماجه: سمعت أبا الحسن الطنافِسيّ يقول: ما أشرف هذا الحديث! وقال مالك في الرجل يقول لامرأته: أنت عليّ كالميتة والدّم ولحم الخنزير: أراها البتّة وإن لم تكن له نية، فلا تحِلّ إلاَّ بعد زوج. وفي قول الشافعيّ: إن أراد طلاقًا فهو طلاق، وما أراد من عدد الطلاق؛ وإن لم يُرد طلاقًا فليس بشيء بعد أن يحلف. وقال أبو عمر: أصل هذا الباب في كل كناية عن الطلاق، ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال للتي تزوّجها حين قالت: أعوذ بالله منك: «قد عذتِ بمعاذٍ الحقي بأهلك» فكان ذلك طلاقًا. وقال كعب بن مالك لامرأته حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتزالها: الحقي بأهلك فلم يكن ذلك طلاقًا؛ فدل على أن هذه اللفظة مفتقرة إلى النية، وأنها لا يقضى فيها إلاَّ بما ينوِي اللاّفِظ بها، وكذلك سائر الكنايات المحتملات للفراق وغيره. والله أعلم. وأما الألفاظ التي ليست من ألفاظ الطلاق ولا يكنّى بها عن الفراق، فأكثر العلماء لا يُوقعون بشيء منها طلاقًا وإن قصده القائل.وقال مالك: كل من أراد الطلاق بأيّ لفظ كان لزمه الطلاقُ، حتى بقوله: كلي واشربي وقومي واقعدي؛ ولم يتابع مالكًا على ذلك إلاَّ أصحابه. اهـ..فروع تتعلق بأحكام الطلاق: الفرع الأول: صريح اللفظ الذي يقع به الطلاق، من غير نية ثلاث الطلاق والفراق والسراح، وعند أبي حنيفة الصريح هو لفظ الطلاق فقط.الفرع الثاني: الحر إذا طلق زوجته طلقة أو طلقتين بعد الدخول بها فله مراجعتها من غير رضاها ما دامت في العدة فإذا لم يراجعها حتى انقضت عدتها أو طلقها قبل الدخول بها أو خالعها، فلا تحل له إلا بنكاح جديد بإذنها وإذن وليها.الفرع الثالث: العبد يملك على زوجته الأمة تطليقتين. واختلف فيما إذا كان أحد الزوجين حرًا فالحر يملك على زوجته الأمة ثلاث تطليقات، والعبد يملك على زوجته الحرة تطليقتين فالاعتبار بحال الزوج في عدد الطلاق وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وذهب أبو حنيفة إلى أن الاعتبار بالمرأة فالعبد يملك على زوجته الحرة ثلاث تطليقات، والحر يملك على زوجته الأمة تطليقتين. اهـ..بحثان قيمان لابن القيم: الأول في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلق ثلاثا بكلمة واحدة.والثانى في مسألة وقوع الثلاث بكلمة واحدة..البحث الأول في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلق ثلاثا بكلمة واحدة: قال رحمه الله:قد تقدم حديث محمود بن لبيد رضى الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام مغضبا ثم قال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!» وإسناده على شرط مسلم فإن ابن وهب قد رواه عن مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه قال: سمعت محمود بن لبيد فذكره ومخرمة ثقة بلا شك وقد احتج مسلم في صحيحه بحديثه عن أبيه.والذين أعلوه قالوا: لم يسمع منه وإنما هو كتاب قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن مخرمة بن بكير؟ فقال: هو ثقة ولم يسمع من أبيه إنما هو كتاب مخرمة فنظر فيه كل شيء يقول: بلغني عن سليمان بن يسار فهو من كتاب مخرمة وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: سمعت يحيي بن معين يقول: مخرمة بن بكير وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمعه وقال في رواية عباس الدوري: هو ضعيف وحديثه عن أبيه كتاب ولم يسمعه منه وقال أبو داود: لم يسمع من أبيه إلا حديثا واحدا حديث الوتر وقال سعيد بن أبي مريم عن خاله موسى بن سلمة: أتيت مخرمة فقلت: حدثك أبوك؟ قال: لم أدرك أبي ولكن هذه كتبه.والجواب عن هذا من وجهين:أحدهما: أن كتاب أبيه كان عنده محفوظا مضبوطا فلا فرق في قيام الحجة بالحديث بين ما حدثه به أو رآه في كتابه بل الأخذ عن النسخة أحوط إذا تيقن الراوي أنها نسخة الشيخ بعينها وهذه طريقة الصحابة والسلف وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث كتبه إلى الملوك وتقوم عليهم بها الحجة وكتب كتبه إلى عماله في بلاد الإسلام فعملوا بها واحتجوا بها ودفع الصديق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة إلى أنس بن مالك فحمله وعملت به الأمة وكذلك كتابه إلى عمرو بن حزم في الصدقات الذي كان عند آل عمرو ولم يزل السلف والخلف يحتجون بكتاب بعضهم إلى بعض ويقول المكتوب إليه: كتب إلي فلان أن فلانا أخبره ولو بطل الإحتجاج بالكتب لم يبق بأيدي الأمة إلا أيسر اليسير فإن الإعتماد إنما هو على النسخ لا على الحفظ والحفظ خوان والنسخة لا تخون ولا يحفظ في زمن من الأزمان المتقدمة أن أحدا من أهل العلم رد الإحتجاج بالكتاب وقال: لم يشافهني به الكاتب فلا أقبله بل كلهم مجمعون على قبول الكتاب والعمل به إذا صح عنده أنه كتابه.الجواب الثاني: أن قول من قال: لم يسمع من أبيه معارض بقول من قال: سمع منه ومعه زيادة علم وإثبات قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبي عن مخرمة بن بكير؟ فقال: صالح الحديث قال: وقال ابن أبي أويس: وجدت في ظهر كتاب مالك: سألت مخرمة عما يحدث به عن أبيه سمعها من أبيه؟ فحلف لي: ورب هذه البنية- يعني المسجد- سمعت من أبي وقال علي بن المديني: سمعت معن بن عيسى يقول: مخرمة سمع من أبيه وعرض عليه ربيعة أشياء من رأي سليمان بن يسار وقال علي: ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان لعله سمع منه الشيء اليسير ولم أجد أحدا بالمدينة يخبرني عن مخرمة بن بكير أنه كان يقول في شيء من حديثه: سمعت أبي ومخرمة ثقة انتهى ويكفي أن مالكا أخذ كتابه فنظر فيه واحتج به في موطئه وكان يقول: حدثني مخرمة وكان رجلا صالحا وقال أبو حاتم: سألت إسماعيل بن أبي أويس قلت: هذا الذي يقول مالك بن أنس: حدثني الثقة من هو؟ قال: مخرمة بن بكير وقيل لأحمد بن صالح المصري: كان مخرمة من ثقات الرجال؟ قال: نعم وقال ابن عدي عن ابن وهب ومعن بن عيسى عن مخرمة: أحاديث حسان مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به.وفي صحيح مسلم قول ابن عمر للمطلق ثلاثا: حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك وهذا تفسير منه للطلاق المأمور به وتفسير الصحابي حجة وقال الحاكم: هو عندنا مرفوع.ومن تأمل القرآن حق التأمل تبين له ذلك وعرف أن الطلاق المشروع بعد الدخول هو الطلاق الذي يملك به الرجعة ولم يشرع الله سبحانه إيقاع الثلاث جملة واحدة البتة قال تعالى: {الطلاق مرتان} ولا تعقل العرب في لغتها وقوع المرتين إلا متعاقبتين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمده ثلاثا وثلاثين وكبره أربعا وثلاثين ونظائره فإنه لا يعقل من ذلك إلا تسبيح وتكبير وتحميد متوال يتلو بعضه بعضا فلو قال: سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر أربعا وثلاثين بهذا اللفظ لكان ثلاث مرات فقط وأصرح من هذا قوله سبحانه: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله} [النور: 6] فلو قال: أشهد بالله أربع شهادات إني لمن الصادقين كانت مرة وكذلك قوله: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين} [النور: 8] فلو قالت: أشهد بالله أربع شهادات إنه لمن الكاذبين كانت واحدة وأصرح من ذلك قوله تعالى: {سنعذبهم مرتين} [التوبة: 101] فهذا مرة بعد مرة ولا ينتقض هذا بقوله تعالى: {نؤتها أجرها مرتين} [الاحزاب: 31] وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين فإن المرتين هنا هما الضعفان وهما المثلان وهما مثلان في القدر كقوله تعالى: {يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] وقوله: {فآتت أكلها ضعفين} [البقرة: 265] أي: ضعفي ما يعذب به غيرها وضعفي ما كانت تؤتي ومن هذا قول أنس: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين أي: شقتين وفرقتين كما قال في اللفظ الآخر: انشق القمر فلقتين وهذا أمر معلوم قطعا أنه إنما انشق القمر مرة واحدة والفرق معلوم بين ما يكون مرتين في الزمان وبين ما يكون مثلين وجزأين ومرتين في المضاعفة فالثاني: يتصور فيه اجتماع المرتين في آن واحد والأول لا يتصور فيه ذلك.ومما يدل على أن الله لم يشرع الثلاث جملة: أنه قال تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} إلى أن قال: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} [البقرة: 228] فهذا يدل على أن كل طلاق بعد الدخول فالمطلق أحق فيه بالرجعة سوى الثالثة المذكورة بعد هذا وكذلك قوله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} إلى قوله: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} فهذا هو الطلاق المشروع وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أقسام الطلاق كلها في القرآن وذكر أحكامها فذكر الطلاق قبل الدخول وأنه لا عدة فيه وذكر الطلقة الثالثة وأنها تحرم الزوجة على المطلق حتى تنكح زوجا غيره وذكر طلاق الفداء الذي هو الخلع وسماه فدية ولم يحسبه من الثلاث كما تقدم وذكر الطلاق الرجعي الذي المطلق أحق فيه بالرجعة وهو ما عدا هذه الأقسام الثلاثة.وبهذا احتج أحمد والشافعي وغيرهما على أنه ليس في الشرع طلقة واحدة بعد الدخول بغير عوض بائنة وأنه إذا قال لها: أنت طالق طلقة بائة كانت رجعة ويلغو وصفها بالبينونة وأنه لا يملك إبانتها إلا بعوض وأما أبو حنيفة فقال: تبين بذلك لأن الرجعة حق له وقد أسقطها والجمهور يقولون: وإن كانت الرجعة حقا له لكن نفقة الرجعية وكسوتها حق عليه فلا يملك إسقاطه إلا باختيارها وبذلها العوض أو سؤالها أن تفتدي نفسها منه بغير عوض في أحد القولين وهو جواز الخلع بغير عوض.وأما إسقاط حقها من الكسوة والنفقة بغير سؤالها ولا بذلها العوض فخلاف النص والقياس.قالوا: وأيضا فالله سبحانه شرع الطلاق على أكمل الوجوه وأنفعها للرجل والمرأة فإنهم كانوا يطلقون في الجاهلية بغير عدد فيطلق أحدهم المرأة كلما شاء ويراجعها وهذا وإن كان فيه رفق بالرجل ففيه إضرار بالمرأة فنسخ سبحانه ذلك بثلاث وقصر الزوج عليها وجعله أحق بالرجعة ما لم تنقض عدتها فإذا استوفى العدد الذي ملكه حرمت عليه فكان في هذا رفق بالرجل إذ لم تحرم بأول طلقة وبالمرأة حيث لم يجعل إليه أكثر من ثلاث فهذا شرعه وحكمته وحدوده التي حدها لعباده فلو حرمت عليه بأول طلقة يطلقها كان خلاف شرعه وحكمته وهو لم يملك إيقاع الثلاث جملة بل إنما ملك واحدة فالزائد عليها غير مأذون له فيه.قالوا: وهذا كما أنه لم يملك إبانتها بطلقة واحدة إذ هو خلاف ما شرعه لم يملك إبانتها بثلاث مجموعة إذ هو خلاف شرعه.ونكتة المسألة أن الله لم يجعل للأمة طلاقا بائنا قط إلا في موضعين أحدهما: طلاق غير المدخول بها والثاني: الطلقة الثالثة وما عداه من الطلاق فقد جعل للزوج فيه الرجعة هذا مقتضى الكتاب كما تقدم تقريره وهذا قول الجمهور منهم: الإمام أحمد والشافعي وأهل الظاهر قالوا: لا يملك إبانتها بدون الثلاث إلا في الخلع.ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال فيما إذا قال: أنت طالق طلقة لا رجعة فيها أحدها: أنها ثلاث قاله ابن الماجشون لأنه قطع حقه من الرجعة وهي لا تنقطع إلا بثلاث فجاءت الثلاث ضرورة الثاني: أنها واحدة بائنة كما قال هذا قول ابن القاسم لأنه يملك إبانتها بطلقة بعوض فملكها بدونه والخلع عنده طلاق الثالث: أنها واحدة رجعية وهذا قول ابن وهب وهو الذي يقتضيه الكتاب والسنة والقياس وعليه الأكثرون. اهـ.
|