الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{يَزِفُّونَ} يسرعون. زفّ يزفّ زفيفا وأزفّ إزفافا. والزّفيف:ابتداء عدو النعام.{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أوان السّعي في عبادة اللّه، أو أطاق أن يسعى معه.{فَانْظُرْ ماذا تَرى} ليس على المؤامرة، ولكن اختبره أيجزع أم يصبر.{فقال سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.{وَتَلَّهُ} أضجعه على جبينه، أو ضرب به على تلّ.ويروى أنه كلما اعتمد بالشّفرة عليه انقلبت. ويروى أنه يذبح ويصل اللّه ما يفرى فلا فصل.وإنما قيل للنّبيّ إنّه من المؤمنين ترغيبا في الإيمان.{وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا} بشرناه بنبوّته بعد ما بشرناه بولادته.{ياسين} محمد وأمّته لأنّه أهل سورة ياسين.{أَتَدْعُونَ بَعْلًا} صنم من ذهب، وبه سمّي بعلبك.{مُغاضِبًا} المغاضب المتسخط للشّيء الكئيب به، ولمّا ركب السّفينة خافوا الغرق، فقالوا: هنا عبد مذنب لا ننجو أو نلقيه في البحر، فخرجت القرعة على يونس، فذلك قوله: فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ أي: قارع بالسّهام.{مِنَ الْمُدْحَضِينَ} المقروعين المغلوبين.{فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ} بالفضاء.{وَهُوَ سَقِيمٌ} كالصّبي المنفوس.{مِنْ يَقْطِينٍ} من قرع، أو ما يبسط ورقه على الأرض، يفعيل من قطن بالمكان.{أَوْ يَزِيدُونَ} على شكّ المخاطبين، أو للإبهام كأنه قيل أحد العددين.{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} قالوا: الملائكة بنات اللّه حتى قال لهم أبو بكر: فمن أمهاتهم؟.أو الْجِنَّةِ: الأصنام لأن الجنّ تكلّمهم منها وتغويهم فيها، والنّسب: الشّركة، وهذا أولى لقوله: لَمُحْضَرُونَ أي: مزعجون في العذاب، فيكون على القول الأول لَمُحْضَرُونَ قائلو هذا القول.{بِفاتِنِينَ} مضلّين.{مَقامٌ مَعْلُومٌ} لا يتجاوزه.{لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} حول العرش.{إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} لم يقتل نبيّ أمر بالجهاد.وفي الحديث: من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر فليكن آخر كلامه في مجلسه: {سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} الآيات. اهـ.
.قال ملا حويش: تفسير سورة الصافات:عدد 6- 56- 37.نزلت بمكة بعد الأنعام.وهي مئة واثنتان وثمانون آية.وثمنمئة وستون كلمة.وثلاثة آلاف وستة وعشرون حرفا.لا يوجد في القرآن سورة مبدوءة بما بدئت به، ولا مثلها في عدد الآي.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِقال تعالى: {وَالصَّافَّاتِ} الملائكة المصطفين لعظمة ربهم والخيل المصطفة بالمجاهدين لطاعته، والحيتان الصافة بالمياه بأمره، والطيور المصطفة بالهواء بقدرته {صَفًّا} باستقامة واحدة أكثر انتظاما من أهل الدنيا الذين تعلموا هذا الاحترام وغيره من الكتب السماوية، أخرج أبو داود عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «ألا تصطفوا كما تصطف الملائكة عند ربهم؟ قلنا وكيف تصطف الملائكة عند ربهم؟ قال يتممون الصفوف المتقدمة ويتراصون في الصف».{فَالزَّاجِراتِ زَجْرًا} بالآيات الآمرة بالحق الزاجرة عن الباطل ومعنى الزجر الدفع قال:ويأتي بمعنى السوق الحثيث والحث {فَالتَّالِياتِ ذِكْرًا} لآيات اللّه تعالى من القرآن العظيم وغيره من الكتب السماوية على الغير، هذا إذا أريد بالتاليات الملائكة الذين وكل إليهم أمر الوحي إلى الأنبياء، وإذا أريد الإطلاق فتعم كل قارئ لذكر اللّه تعالى والإطلاق أحسن من التقييد، وقد أقسم اللّه تعالى بهذا الصنف من الملائكة لما لها من المزية على غيرها بما عهد لها به من ذلك وجواب القسم {إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ} لا رب لكم غيره وهو {رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ} والمغارب أيضا وهي ثلاثمائة وخمسة وخمسون مشرقا ومغربا، لأن الشمس كل يوم تطلع بحسب ما نراه من أفق وتغيب في أفق أي في طرفه وجهته، وجاء في الآية الأخرى {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} من سورة الرحمن باعتبار مشرقي الصيف ومغربي الشتاء، لأنها بحسب ما نراه تبدأ بالطلوع من جهة الأفق وتبقى تتدرج حتى تنتهي لمستقر لها في جهته الأخرى ثم ترجع تدريجيا أيضا حتى تنتهي لمقرها الأول وفي الغروب هكذا دواليك، فبهذا الاعتبار يكون مشرقين ومغربين، وباعتبار الآية المفسرة يكون مشارق ومغارب، وفي قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} الآية 18 من سورة الشعراء المارة في ج 1 باعتبار أن المشرق كله جهة واحدة والمغرب كذلك فلا تنافي بين هذه الآيات ووجه الجمع بينها ما ذكرناه، وفي هذه الآية ردّ لما يقوله الكفار بوجود آلهة متعددة. .مطلب انقضاض الشهب واستراق السمع وما يحصل من الانقضاض ومعنى التعجب: قال تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا} القربى منكم أيها الناس {بِزِينَةٍ} عظيمة بديعة يعجز عن بعضها كل من وما في الكون وهي {الْكَواكِبِ} المنيرة فيها بأنواعها وأشكالها المتناسبة والمختلفة في اللون والحجم والضياء والسير والتسمية، فهذه الجوزاء وبنات نعش والميزان والثريا، وتلك القلادة والنثرة والبلدة والزهراء، وأولئك الجدي وسهيل والعقرب وغيرها مرصعة على زرقة السماء الواسع العظيم.قال:فلا أبدع ولا أحسن من مرآها جل الإله الذي براها، وللكواكب فوائد جمة غير الزينة والضياء لمعرفة الجهات والمواسم والتأثيرات التي أودعها اللّه فيها مما عرفه الإنسان ومما لم يعرفه {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ} عات إذ يرمى منها بشهب محرقة لأجل أن {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى} من الملائكة الذين يتلقون كلام ربهم المقدس فينقلون ما يسمعونه إلى الكهنة والسحرة فيتكلمون بها إلى الناس ويوهمونهم بأنهم يعلمون الغيب {وَيُقْذَفُونَ} أولئك المتسمعون بشهبها {مِنْ كُلِّ جانِبٍ} من آفاق السماء فيطردونهم طردا ويدحرونهم {دُحُورًا} فيبعدونهم عن مجالس الملائكة، وهذا عذابهم في الدنيا {وَلَهُمْ} في الآخرة {عَذابٌ واصِبٌ} دائم شديد لا ينقطع، قال أبو الأسود الدؤلي: {إِلَّا مَنْ} أي الشيطان الذي {خَطِفَ الْخَطْفَةَ} منهم بأن أخذ الكلام بسرعة زائدة {فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ} بشدة قوته، فإما يحرقه فيهلكه أو يخبله، ومع هذا كله فإنهم يعودون لاستراق السمع الكرة تلو الكرة طمعا في السلامة من إصابة الشهب ورجاء لنيل المقصود، ولو لا الأمل ما خاطر أحد في تجارة برا ولا بحرا ولا في زراعة بعلا ولا سقيا ولبطل عمل ابن آدم فضلا عن الشياطين.وهنا معجزة من معجزات القرآن إذ لا يعلم أحد أن النجوم الصغار في سماء محيطنا قبل توسع علم الهيئة غير اللّه تعالى القائل: {فَاسْتَفْتِهِمْ} يا سيد الخلق {أَ هُمْ} قومك المعاندون لنا {أَشَدُّ خَلْقًا} أقوى وأعظم {أَمْ مَنْ خَلَقْنا} من الملائكة والسموات والأرض والكواكب والبحار والجبال بل هم أضعف وأحقر {إِنَّا خَلَقْناهُمْ} أي أصلهم آدم عليه السلام {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} لزج يلصق باليد ويجوز أن تطلق هذه الآية على بني آدم باعتبار أنهم خلقوا من التراب لأن مادتهم المكون منها جسمهم حاصلة من التراب ومن كان أصله من تراب فهو في غاية الضعف بالنسبة للمخلوقات الأخر ومن كان كذلك لا يليق به أن يتكبر ويتعظم وينكر قدرتنا على إعادته من رميم خلقه الأول وهو تراب أيضا قال النابغة: هذا وليعلم أن الشهاب عبارة عن شعلة نارية تنقضّ من الكوكب لا نفس الكوكب لأن أصغر الكواكب عند الإسلاميين كالجبل العظيم، وعند الفلاسفة أعظم لأن صغار الثوابت عندهم أعظم من الأرض، وهذه لا تنقض ولو انقضت لسمع لها دوي هائل، ولم يسبق أن سمع لها صوت، ولو فرض محالا عدم الصوت لاختلت زينة السماء بنقص ما ينقض منها ولم يكن شيء من ذلك والمشاهدة أكبر برهان، ولا هو ايضا نور الكواكب، لأن النور لا أذى به ولا احتراق، فالأرض مملوءة بنور الشمس ولم ينشأ منها إلا النفع، ولو كان المنقض منها نورا لا نتقص ضوءه وسبب انتقاص الزينة أيضا، ولم يشاهد في شيء منها ذلك أصلا، ولم ينقل إلينا منه شيء منذ نشأة الكون حتى الآن فثبت من هذا أن المنقض شعلة نارية يخلقها اللّه تبارك وتعالى من قذف شعاع الكواكب عند وصوله إلى محل مخصوص من الجو بما أودعه اللّه فيه من الخاصية التي لا نعلمها وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية 102 من هذه السورة فيشتعل وتأثيرا لأشعة الحرق فيما هو قابل له من الأشعة لا ينكر، ألا ترى أن شعاع الشمس إذا قوبل ببعض المناظر على كيفية مخصوصة أحرق ما هو مقابل له ممّا هو قابل للاحتراق، ولو توسط بين المنظرة وبين قابل الاحتراق إناء بلور مملوء ماء.وعليه فإن اللّه تعالى يصرف تلك الأشعة المستحيلة نارا والتي تشاهد كحبل أو رمح من نار سريع الحركة إلى الشيطان الذي يسترق السمع فيحرقه، وقد يحدث ذلك ولو لم يوجد ثمة مسترق أيضا، واللّه على كل شيء قدير.وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 17 من سورة الحجر المارة وفيها ما يرشدك إلى المواضع الأخرى مما يتعلق في هذا البحث فراجعها، قال تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ} بفتح التاء خطاب لسيد المخاطبين أي عجبت من تكذيبهم لك وإنكارهم رسالتك وجحودهم ما أنزلناه عليك وعظمة منزله على القراءة المشهورة في المصاحف المناسبة لسياق ما قبلها وسياق ما بعدها وقرأ بعضهم بضم التاء على إسناد التعجب إلى اللّه والتعجب من اللّه يحمل على تعظيم الشيء المتعجب منه، فإن كان قبيحا ترتب عليه العقاب الشديد، وإن كان حسنا ترتب عليه الرضاء الكثير، وقد يكون منه تعالى على وجه الاستحسان أيضا، فقد جاء في الحديث: «عجب ربكم من شاب ليست له صبوة».وفي حديث آخر: «عجب ربكم من إلكم» بتشديد اللام وضم الكاف ومعناه القنوط الشديد ورفع الصوت بالبكاء وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم.وقال الجنيد: إن اللّه تعالى لا يتعجب من شيء ولكن وافق رسوله، أما العجب من الناس فيحمل على إنكار الشيء ويكون معناه روعة تعتري الإنسان عند رؤية ما يستعظمه، أي أن اللّه ورسوله يعجبان من عدم اكتراثهم بذلك {وَ} الحال أنهم {يَسْخَرُونَ} به وبمنزله ومن أنزل عليه لغاية جهلهم بحقيقة الأمر وكنه ما اشتمل عليه {وَإِذا ذُكِّرُوا} هؤلاء الساخرون {لا يَذْكُرُونَ} اللّه ولا يتعظون بما نصب لهم من الآيات والأدلة على وحدانية اللّه، ولا ينتفعون بتذكيرك لهم، لأن دأبهم عدم الاتعاظ والانتفاع.{وَإِذا رَأَوْا آيَةً} باهرة جليلة أظهرها اللّه على يد رسوله مثل الإخبار بالغيب وإنزال القرآن وانشقاق القمر والإسراء والمعراج وما وقع فيها من الآيات لا يؤمنون بها ولا يكترثون بمنزلها ولا يلتفتون إلى من أنزلت عليه، ولكنهم {يَسْتَسْخِرُونَ} يستدعي بعضهم بعضا لأجل السخرية والاستهزاء بها {وَقالُوا} فضلا عن ذلك {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} ظاهر يموه به ويخيل علينا محمد ويرينا ما لم يكن كائنا، ويزعم أنه قرآن وما هو بقرآن، وقالوا أيضا على طريق السّخرية {أَ إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا وَعِظامًا أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} مرة ثانية كما يخبرنا محمد فنعود أحياء كما كنا قبل الموت كلا لا يكون ذلك البتة {أوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ} أيضا يبعثون، يقولون هذا على طريق الاستفهام الإنكاري لاستبعادهم الحياة بعد الموت {قُلْ} يا أكمل الرسل {نَعَمْ} تبعثون {وَأَنْتُمْ داخِرُونَ} صاغرون وإذا أراد اللّه ذلك {فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ} صيحة {واحِدَةٌ} من السيّد إسرافيل عليه السلام بأمر ربه {فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ} إلى بعضهم أحياء {وَقالُوا} بعضهم لبعض بعد أن رأوا أنفسهم أحياء في الموقف المهيب وجاء الماضي موضع المستقبل لتحققه وشاهدوا أعمالهم السيئة وعظيم الجزاء الذي سيحل بهم {يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ} الذي يدين اللّه به عباده الذي وعدنا به رسله في الدنيا وهو الحياة بعد الموت والعذاب بعد الحساب.{هذا يَوْمُ الْفَصْلِ} بين الناس الذي يظهر فيه المحسن من المسيء {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} في الدنيا ولا تصدقون الرسل حين أخبروكم به، وبعد أن اعترفوا وتحقق لهم الهلاك يقول اللّه جل شأنه لصف من الملائكة {احْشُرُوا} اجمعوا هؤلاء {الَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسهم {وَأَزْواجَهُمْ} سوقوهم معهم من قرناء السوء الذين كانوا على دينهم وأشباههم وأمثالهم فيصنّفون طوائف الزناة والسعاة وشربة الخمر وعبدة الأوثان وغيرهم من الكفرة أصنافا ومن المغامرين وتاركي الصلاة والصوم والحج وغيرهم من عصاة المسلمين أصنافا لأن هذه الآية عامة في كل ظالم من كفرة الأمم كلها وعصاتها {وَما كانُوا يَعْبُدُونَ} في الدنيا من كل شيء {مِنْ دُونِ اللَّهِ} فيدخل في هذه الآية الأموال والأولاد والنساء الذين توغلوا فيهم حتى ألهتهم عن عبادة اللّه، فكأنهم عبدوها أيضا من دونه، والواو في قوله: {وَما} واو المعية أي احشروهم مع معبوديهم {فَاهْدُوهُمْ} دلوهم تقول هديته هدى إذا كان لأمر الدين وهداية إذا كان إلى الطريق كما هنا {إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ} طريق جهنم لأنه اسم من أسمائها ليحاسبوا هناك قريبا منها بدليل قوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} عن أعمالهم وإنما كان حساب هذه الطائفة قريبا من جهنم لزيادة عذابهم، إذ لو كان القصد من قوله اهدوهم أدخلوهم جهنم رأسا كما ذكره بعض المفسرين لما أمر بتوقيفهم لأجل السؤال، لأن التوقيف يكون أولا ثم الاستنطاق ثم المحكمة ثم القضاء ثم الحبس وكل بحسب جرمه فتقدر مدة حبس العاصي وتخليد الكافر فيها، ويبرأ البريء، ومن هنا أخذ أهل الدنيا هذه الأحوال، لأن اللّه تعالى ضرب لهم الأمثال مما كان من جنسها في الآخرة في الكتب القديمة وفي هذا القرآن، وهي معلومة عنده قبل وقوعها، ولهذا سماهم اللّه تعالى في الآية الآتية مجرمين لأن المجرم من يستحق العقاب لأنه أولا يكون مدعى عليه ثم ظنينا إذا ظهرت عليه أمارة الجرم، ثم متهما إذا تراكمت عليه الأدلة، ثم مجرما إذا تحقق عليه الفعلة، ثم يحكم فيسمى محكوما والتوقيف يكون قبل الاستنطاق إذا كان هناك تحقيقات أولية، وهي صحف الملائكة الحفظة مثلها بلا تشبيه ضبوط الدرك والشرطة، فإنه يوقف بموجبها ثم يجري استنطاقه أحيانا أخرج الترمذي عن أبي بردة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه، وفي رواية وعن شبابه فيم أبلاه».وله عن أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «ما من داع دعي إلى شيء إلا كان موقوفا يوم القيامة لازما له لا يفارقه، وإن دعى رجل رجلا، ثم قرأ: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ}» ثم تقول لهم خزنة الجحيم بعد إدخالهم فيها توبيخا وتقريعا {ما لَكُمْ} أي شيء جرى لكم اليوم أيها الكفرة العتاة لم {لا تَناصَرُونَ} لبعضكم كما كنتم في الدنيا تتناصرون على الباطل ولا تفعلون بين إخوانكم وقومكم بالحق بل تنتصرون لقريبكم مهما كان مبطلا قبل أن تقفوا على الحقيقة، ثم يقول تعالى قوله ذهب عنهم تناصرهم وحان تخاذلهم، فلا يتعاونون الآن كما كانوا قبلا {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} لأمري خاضعون لحكمي أذلاء منقادون لتنفيذ ما أقضي به عليهم {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} فيما بينهم بعد أن انقطع أملهم في معبوديهم ورؤسائهم وتبين لهم عجزهم عن المناصرة وصاروا يتلاومون بينهم {قالُوا} الأتباع لرؤسائهم {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ} في الدنيا {تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ} من طريق الحلف فتقسمون لنا أن دينكم هو الحق، وتمنعوننا عن اتباع الرسل، وتزيفون لنا ما جاءوا به من عند ربهم حتى أقنعتمونا، فأين الآن يمينكم وأين ما وعدتمونا به؟ وهذا أولى من تأويل اليمين بالقوة والقهر أو بالخير والبركة، أي كنتم تمنعوننا عن الخير وتصدوننا عن الهدى وتضللوننا عن الحق قهرا وقسرا لما لكم علينا من القوة والغلبة، ووصفت اليمين بالقوة لما يقع فيها من البطش، ووصفت بالخير لأنها مشتقة من اليمن أي البركة.
|