الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال أبو حيان: {وهو العلي العظيم} عليّ في جلاله، عظيم في سلطانه.وقال ابن عباس: الذي كمل في عظمته، وقيل: العظيم المعظّم، كما يقال: العتيق في المعتق، قال الأعشى:وأنكر ذلك لانتفاء هذا الوصف قبل الخلق وبعد فنائهم، إذ لا معظم له حينئذ، فلا يجوز هذا القول.وقيل: والجواب أنها صفة فعل: كالخلق والرزق، فلا يلزم ما قالوه.وقيل: العلي الرفيع فوق خلقه، المتعالي عن الأشباه والأنداد، وقيل: العالي من: علا يعلو: ارتفع، أي: العالي على خلقه بقدرته، والعظيم ذو العظمة الذي كل شيء دونه، فلا شيء أعظم منه.قال الماوردي: وفي الفرق بين العلي والعالي وجهان: أحدهما: أن العالي هو الموجود في محل العلو، والعلي هو مستحق للعلو.الثاني: أن العالي هو الذي يجوز أن يشارك، والعلي هو الذي لا يجوز أن يشارك، فعلى هذا الوجه يجوز أن يوصف الله بالعليّ لا بالعالي، وعلى الأول يجوز أن يوصف بهما، وقيل: العلي: القاهر الغالب للأشياء، تقول العرب: علا فلان فلانًا غلبه وقهره.قال الشاعر: ومنه {إن فرعون علا في الأرض} وقال الزمخشري: العلي الشأن العظيم الملك والقدرة. انتهى.وقال قوم: العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه.قال ابن عطية: وهذا قول جهلة مجسمين، وكان الوجه أن لا يحكى.وقال أيضًا: العلي يراد به علو القدر والمنزلة، لا علو المكان، لأن الله منزه عن التحيز. اهـ. .أسئلة وأجوبة: .سؤال عن وصف الله نفسه بصفة الحياة: لقائل أن يقول: لما كان معنى الحي هو أنه الذي يصح أن يعلم ويقدر، وهذا القدر حاصل لجميع الحيوانات، فكيف يحسن أن يمدح الله نفسه بصفة يشاركه فيها أخس الحيوانات.والذي عندي في هذا الباب أن الحي في أصل اللغة ليس عبارة عن هذه الصحة، بل كل شيء كان كاملًا في جنسه، فإنه يسمى حيًا، ألا ترى أن عمارة الأرض الخربة تسمى: إحياء الموات، وقال تعالى: {فانظر إلى آثار رَحْمَةِ الله كَيْفَ يُحْىِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 50] وقال: {إلى بَلَدٍ مَّيّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرض} [فاطر: 9] والصفة المسماة في عرف المتكلمين، إنما سميت بالحياة لأن كمال حال الجسم أن يكون موصوفًا بتلك الصفة فلا جرم سميت تلك الصفة حياة وكمال حال الأشجار أن لا تكون مورقة خضرة فلا جرم سميت هذه الحالة حياة وكمال الأرض أن تكون معمورة فلا جرم سميت هذه الحالة حياة فثبت أن المفهوم الأصلي من لفظ الحي كونه واقعًا على أكمل أحواله وصفاته، وإذا كان كذلك فقد زال الإشكال لأن المفهوم من الحي هو الكامل، ولما لم يكن ذلك مقيدًا بأنه كامل في هذا دون ذاك دل على أنه كامل على الإطلاق، فقوله الحي يفيد كونه كاملًا على الإطلاق، والكامل هو أن لا يكون قابلًا للعدم، لا في ذاته ولا في صفاته الحقيقة ولا في صفاته النسبية والإضافية، ثم عند هذا إن خصصنا القيوم بكونه سببًا لتقويم غيره فقد زال الإشكال، لأن كونه سببًا لتقويم غيره يدل على كونه متقومًا بذاته، وكونه قيومًا يدل على كونه مقومًا لغيره، وإن جعلنا القيوم اسمًا يدل على كونه يتناول المتقوم بذاته والمقوم لغيره كان لفظ القيوم مفيدًا فائدة لفظ الحي مع زيادة، فهذا ما عندي في هذا الباب والله أعلم. اهـ.وقد تعقب الآلوسى الإمام الفخر في هذا الجواب فقال ما نصه:ولا يخفى أنه صرح ممرد من قوارير.أما أولًا: فلأن قوله: إن الحي بمعنى الذي يصح أن يعلم ويقدر مما يشترك به سائر الحيوانات فلا يحسن أن يمدح الله تعالى به نفسه في غاية السقوط لأنه إن أراد الاشتراك في إطلاق اللفظ فليس الحي وحده كذلك بل السميع والبصير أيضًا مثله في الإطلاق على أخس الحيوانات، وقد مدح الله تعالى بهما نفسه ولم يستشكل ذلك أهل السنة، وإن أراد الاشتراك في الحقيقة فمعاذ الله تعالى من ذلك إذ الاشتراك فيها مستحيل بين التراب ورب الأرباب، وبين الأزلي والزائل، ومتى قلت إن الاشتراك في إطلاق اللفظ يوجب ذلك الاشتراك حقيقة، ولا مناص عنه إلا بالحمل على المجاز لزمك مثل ذلك في سائر الصفات ولا قائل به من أهل السنة، وأما ثانيًا: فلأن كون الحياة في اللغة بمعنى الكمال مما لم يثبت في شيء من كتب اللغة أصلًا وإنما الثابت فيها غير ذلك ووصف الجمادات بها إنما هو على سبيل المجاز دون الحقيقة كما وهم فإن قال: إنها مجاز في الله تعالى أيضًا بذلك المعنى عاد الإشكال بحصول الاشتراك في الكمال مع الجمادات فضلًا عن الحيوان، فإن قال: كمال كل شيء بالنسبة إلى ما يليق به قلنا: فحياة كل حي حقيقة بالنسبة إلى ما يليق به، وليس كمثل الله تعالى شيء، وكأني بك تفهم من كلامي الميل إلى مذهب السلف في مثل هذه المواطن فليكن ذلك فهم القوم كل القوم.والزمخشري فسر الحي بالباقي الذي لا سبيل عليه للموت والفناء وجعلوا ذلك منه تفسيرًا بما هو المتعارف من كلام العرب وأرى أن في القلب منه شيء، ولعلي من وراء المنع لذلك، نعم روي عن قتادة أنه الذي لا يموت وهو ليس بنص في المدعي. اهـ. .سؤال: فإن قيل: إذ كانت السنة عبارة عن مقدمة النوم، فإذا قال: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} فقد دل ذلك على أنه لا يأخذه نوم بطريق الأولى، وكان ذكر النوم تكريرًا: قلنا: تقدير الآية: لا تأخذه سنة فضلًا عن أن يأخذه النوم. اهـ..سؤال: ما فائدة تكرار: لا، في قوله: ولا نوم؟ الجواب: فائدة تكرار: لا، في قوله: ولا نوم، انتفاؤهما على كل حال، إذ لو أسقطت، لا: لا، احتمل انتفاؤهما بقيد الاجتماع، تقول: ما قام زيد وعمرو، بل أحدهما، ولا يقال: ما قام زيد ولا عمرو، بل أحدهما. اهـ..سؤال: فإن قيل: لم قال: {لَّهُ مَا فِي السموات} ولم يقل: له من في السموات؟ قلنا: لما كان المراد إضافة ما سواه إليه بالمخلوقية، وكان الغالب عليه ما لا يعقل أجرى الغالب مجرى الكل فعبر عنه بلفظ {مَا} وأيضًا فهذه الأشياء إنما أسندت إليه من حيث إنها مخلوقة، وهي من حيث إنها مخلوقة غير عاقلة، فعبّر عنها بلفظ {مَا} للتنبيه على أن المراد من هذه الإضافة إليه الإضافة من هذه الجهة. اهـ..أسئلة وأجوبة لصاحب الكشاف: قال الزمخشري:فإن قلت: كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف؟قلت: ما منها جملة إلا وهي واردة على سبيل البيان لما ترتبت عليه والبيان متحد بالمبين، فلو توسط بينهما عاطف لكان كما تقول العرب: بين العصا ولحائها، فالأولى بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه. والثانية لكونه مالكًا لما يدبره.والثالثة لكبرياء شأنه.والرابعة لإحاطته بأحوال الخلق، وعلمه بالمرتضى منهم المستوجب للشفاعة، وغير المرتضى.والخامسة لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها، أو لجلاله وعظم قدره.فإن قلت: لم فضلت هذه الآية حتى ورد في فضلها ما ورد منه قوله صلى الله عليه وسلم: «ما قرئت هذه الآية في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يومًا ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة، يا عليّ علمها ولدك وأهلك وجيرانك، فما نزلت آية أعظم منها» وعن عليّ رضي الله عنه: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم على أعواد المنبر وهو يقول: «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا يواظب عليها إلا صدّيق أو عابد، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمّنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله» وتذاكر الصحابة رضوان الله عليهم أفضل ما في القرآن، فقال لهم عليّ رضي الله عنه.أين أنتم عن آية الكرسي، ثم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عليّ، سيد البشر آدم، وسيد العرب محمد ولا فخر، وسيد الفرس سلمان، وسيد الروم صهيب، وسيد الحبشة بلال، وسيد الجبال الطور، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد الكلام القرآن، وسيد القرآن البقرة، وسيد البقرة آية الكرسي» قلت: لما فضلت له سورة الإخلاص لاشتمالها على توحيد الله وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى، ولا مذكور أعظم من رب العزة فما كان ذكرًا له كان أفضل من سائر الأذكار. وبهذا يعلم أنّ أشرف العلوم وأعلاها منزلة عند الله علم أهل العدل والتوحيد ولا يغرّنك عنه كثرة أعدائه:اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: قوله جلّ ذكره: {اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَىُّ القَيُّومُ}.الله اسم تفرّد به الحق- سبحانه فلا سمِيّ له فيه. قال الله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] أي هل تعرف أحدًا غيره تسمَّى الله؟.من اعتبر في هذا الاسم الاشتقاق فهو كالمتعارض، فهذا اسم يدل على استحقاق صفات الجلال لا على اشتقاق الألفاظ، فلا يعارض ما لا يعارض فيه من الأقوال.قوله: {لا إله إلا هو} إخبار عن نفي النظير والشبيه، بما استوجب من التقديس والتنزيه. ومن تحقق بهذه القالة لا يرى ذَرّةً من الإثبات بغيره أو من غيره؛ فلا يرفع إلى غيره حاجته، ولا يشهد من غيره ذرة، فَيَصْدُقُ إليه انقطاعه، ويديم لوجوده انفرادَه، فلا يسمع إلا من الله وبالله، ولا يشهد إلا بالله، ولا يُقْبِلْ إلا على الله، ولا يشتغل إلا بالله، فهو محوٌ عما سِوى الله، فَمَالَهُ شكوى ولا دعوى، ولا يتحرك منه لغيره عِرْقٌ، فإذا استوفى الحق عبدًا لم يَبْقَ للحظوظ- ألبتة- مساغ.ثم إن هذه القالة تقتضي التحقق بها، والفناء عن الموسومات بجملتها، والتحقق بأنه لا سبيل لمخلوق إلى وجود الحق- سبحانه، فلا وصل ولا فصل ولا قُرْبَ ولا بُعدَ، فإن ذلكَ أجمعَ آفاتٌ لا تليق بالقِدَم.وقوله: {الحي القيوم} المتولي لأمور عباده، القائم بكل حركة، والمحوي، لكل عين وأثر.{لا تأخذه سنة ولا نوم} لأنه أحدي لا ترهقه غفلة، وصمد لا تمسه علة، وعزيز لا تقاربه قلة، وجبار لا تميزه عزلة، وفَرْدٌ لا تضمه جثة، ووتر لا تحده جهة، وقديم لا تلْحَقُه آفة، وعظيم لا تدركه مسافة.تَقَدَّس مِنْ جمالِه جلالُه، وجلالُه جمالُه، وسناؤه بهاؤه، وبهاؤه سناؤه، وأزله أبده، وأبده سرمده، وسرمدهِ قدَمُه، وقدمه وجوده.قوله جلّ ذكره: {لَّهُ مَا في السَّمَوَاتِ وَمَا في الأرْضِ}.مِلْكًا وإبداعًا، وخَلْقًا واختراعًا.{مَنْ ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}.من ذا الذي يتنفس بنَفَس... إلا بإجرائه، أو يتوسل إليه من دون إذنه وإبدائه. ومن ظنَّ أنه يتوسل إليه باستحقاقٍ أو عمل، أو تذلل أو أمل، أو قربة أو نسب، أو علة أو سبب- فالظنُّ وطنه والجهل مألفه والغلظ غايته والبعد قُصاراه.قوله جلّ ذكره: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}.لأنه لا يخرج عن علمه معلوم، ولا يلتبس عليه موجود ولا معدوم.{وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ}.يعني من معلوماته، أي تقاصرت العلوم عن الإحاطة بمعلوماته إلا بإذنه.فأي طمع لها في الإحاطة بذاته وحقه؟ وأَنَّى تجوز الإحاطة عليه وهو لا يقطعه في عِزِّه أَمَد، ولا يدركه حَدٌّ؟!.قوله جلّ ذكره: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}.خطاب لهم على قدر فهمهم. وإلا فأي خَطَرٍ للأكوان عند صفاته؟جلَّ قَدْرُه عن التعزز بعرش أو كرسي، والتجمل بجنٍ أو إنْسِي.قوله جلّ ذكره: {وَلاَ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِىُّ العَظِيمُ}.كَيف تُتْعِبُ المخلوقاتُ مَنْ خَلْقُ الذرة والكونِ بجملته- لو سواء؛ فلا من القليل له تَيَسُّر، ولا من الكثير عليه تَعَسُّر. اهـ.
|