الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ثم خوف الكفار فقال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} يعني من الأمم الماضية والقرون الخالية الكافرة {دمر الله عليهم} يقال: دمره الله.يعني أهلكه. ودمر عليه إذا أهلك ما يختص به والمعنى أهلك الله عليهم ما يختص بهم من أنفسهم وأموالهم وأولادهم {وللكافرين} يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم {أمثالها} يعني إن لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاءهم به من عند الله وهذا التضعيف إنما يكون في الآخرة {ذلك} يعني الأهلاك والهوان {بأن} أي بسبب أن {الله مولى الذين آمنوا} يعني هو ناصرهم ووليهم ومتو لي أمورهم {وأن الكافرين لا مولى لهم} يعني لا ناصر لهم وسبب ذلك أن الكفار لما عبدوا الأصنام وهي جماد لا تضر ولا تنفع ولا تنصر من عبدها فلا جرم ولا ناصر لهم والفرق بين قوله: {وأن الكافرين لا مولى لهم} وبين قوله: {ثم ردوا إلى الله مو لاهم} الحق أن المولى هنا بمعنى الناصر والمولى هناك بمعنى الرب والمالك والله تعالى رب كل أحد من الناس ومالكهم فبان الفرق بين الآيتين ولما ذكر الله تعالى حال المؤمنين والكافرين في الدنيا ذكر حالهم في الآخرة فقال تعالى: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار} يعني هذا لهم في الآخرة {والذين كفروا يتمتعون} يعني في الدنيا بشهواتها ولذاتها {ويأكلون كما تأكل الأنعام} يعني ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم وهم مع ذلك لاهون ساهون عما يراد بهم في غد ولهذا شبههم بالأنعام لأن الأنعام لا عقل لها ولا تمييز وكذلك الكافر لا عقل له ولا تمييز لأنه لوكان له عقل ما عبد ما يضره ولا ينفعه.قوله: {مثل الجنة التي وعد المتقون} لما بين الله حال الفريقين في الاهتداء والضلال بيَّن في هذه الآية ما أعد لكل واحد من الفريقين فبين أولا ما أعد للمؤمنين المتقين فقال تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون} يعني صفة الجنة.قال سيبويه: المثل هو الوصف فمعناه وصف الجن وذلك لا يقتضي مشبهًا به.وقيل: الممثل به محذوف غير مذكور والمعنى مثل الجنة التي وعد المتقون مثل عجيب وشيء عظيم وقيل: الممثل به مذكور وهو قوله: {كمن هو خالد في النار} {فيها} يعني الجنة التي وعد المتقون {إنها من ماء غير آسن} يعني غير متغير ولا منتن.يقال: أسن الماء وأجن إذا تغير طعمه وريحه {وأنهار من لبن لم يتغير طعمه} يعني كما تتغير ألبان الدنيا فلا يعود حامضًا ولا قارصًا ولا ما يكره من الطعوم {وأنهار من خمر لذة للشاربين} يعني ليس فيها حموضة ولا عفوصة ولا مرارة ولم تدنسها الأرجل بالدوس ولا الأيدي بالعصر وليس من شرابها ذهاب عقل ولا صداع ولا خمار بل هي لمجرد الالتذاذ فقط {وأنهار من عسل مصفى} يعني ليس فيه شمع كعسل الدنيا ولم يخرج من بطون النحل حتى يموت فيه بعض نحله بل هو خالص صاف من جميع شوائب عسل الدنيا.عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (م) عن أبي هريرة قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة» قال الشيح محيي الدين النووي في شرح مسلم: سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون فأما سيحان جيحان المذكوران في الحديث اللذان هما من أنهار الجنة فهما في بلاد الأرمن فسيحان نهر أردنة وجيحان نهر المصيصة وهما نهران عظيمان جدًّا أكبرهما جيحان هذا هو الصواب في موضعهما ثم ذكر كلامًا بعد هذا طويلًا.ثم قال: فأما كون هذه الأنهار من ماء الجنة. ففيه تأويلأن الثاني. وهو الصحيح. أنها على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة.فالجنة مخلوقة موجودة اليوم هذا مذهب أهل السنة.وقال كعب الأحبار: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة. ونهر الفرات نهر لبنهم. ونهر مصر نهر خمرهم. ونهر سيحان نهر عسلهم. وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر هكذا نقله البغوي عنه.وقوله تعالى: {ولهم فيها من كل الثمرات} في ذكر الثمرات بعد المشروب إشارة إلى أن مأكو ل أهل الجنة للذة لا الحاجة فلهذا ذكر الثمار بعد المشروب لأنها للتفكه واللذة {ومغفرة من ربهم} فإن قلت: المؤمن المتقي لا يدخل الجنة إلا بعد المغفرة. فكيف يكون له فيها المغفرة.قلت ليس بلازم أن يكون المعنى ولهم مغفرة فيها لأن الوأولا تقتضي الترتيب فيكون المعنى ولهم فيها من كل الثمرات ولهم مغفرة قبل دخولهم إليها. وجواب آخر وهو أن المعنى ولهم مغفرة فيها برفع التكاليف عنهم فيما يأكلون ويشربون بخلاف الدنيا فإن مأكو لها يترتب عليه حساب وعقاب ونعيم الجنة لا حساب عليه ولا عقاب فيه قوله تعالى: {كمن هو خالد في النار} يعني من هو في هذا النعيم المقيم الدائم كمن هو خالد في النار يتجرع من حميمها وهو قوله: {وسقوا ماء حميمًا} يعني شديد الحر قد استعرت عليه جهنم منذ خلقت. إذا دنا منهم شوى وجوههم. ووقعت فروة رؤوسهم {فـ} إذا شربوه (قطع أمعاءهم) يعني فخرجت من أدبارهم والأمعاء جمع معي وهو جميع ما في البطن من الحوايا.وقال الزجاج: قوله: {كمن هو خالد في النار} راجع إلى ما تقدم كأنه تعالى قال: أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار وسقوا ماء حميمًا فقطع أمعاءهم.عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد» كما كان أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب حسن صحيح.عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم «في قوله: {يسقى من ماء صديد يتجرعه} قال: يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا دنا منه وجهه ووقعت فروة رأسه. فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره قال الله تعالى: {ماء حميمًا فقطع أمعاءهم} ويقول: وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب.قوله تعالى: {ومنهم} يعني ومن هؤلاء الكفار {من يستمع إليك} وهم المنافقون يستمعون قولك فلا يعونه ولا يفهمونه تهاونًا به وتغافلًا عنه {حتى إذا خرجوا من عندك} يعني أن هؤلاء المنافقين الذين كانوا عندك يا محمد يستمعون كلامك فإذا خرجوا من عندك {قالوا} يعني المنافقين {للذين أوتوا العلم} يعني من الصحابة {ماذا قال آنفًا} يعني ما الذي قال محمد الأن وهو من الائتناف.يقال: ائتنفت الأمر أي ابتدأته قال مقاتل: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين. فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاء ماذا قال محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس وقد سئلت فيمن سئل {أولئك} يعني المنافقين {الذين طبع الله على قلوبهم} يعني فلم يؤمنوا ولم ينتفعوا بما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم {واتبعوا أهواءهم} يعني في الكفر والنفاق والمعنى أنهم لما تركوا إتباع الحق أماتَ الله قلوبهم فلم تفهم ولم تعقل فعند ذلك اتبعوا أهواءهم في الباطل {والذين اهتدوا} يعني المؤمنين لما بين الله أن المنافق يسمع ولا ينتفع بل هو مصر على متابعة الهوى بين حال المؤمن المهتدي الذي ينتفع بما يستمع فقال تعالى: {والذين اهتدوا} يعني بهداية الله إياهم إلى الإيمان يعني أنهم كلما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما جاء به عن الله آمنوا بما سمعوا منه وصدقوه فيزيدهم ذلك هدى مع هدايتهم وإيمانًا مع إيمانهم {وآتاهم تقواهم} يعني وفقهم للعمل بما أمرهم به وهو التقوى.قوله: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة} يعني الكافرين والمنافقين الذين قعدوا عن الإيمان فلم يؤمنوا فالساعة بغتة تفجؤهم وهم على كفرهم ونفاقهم ففيه وعيد وتهديد والمعنى لا ينظرون إلى الساعة والساعة اتية لا محالة وسميت القيامة ساعة لسرعة قيامها.عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بادروا بالأعمال سبعًا فهل تنتظرون إلا فقرأ منسيًا أوغنى مطغيًا أو مرضًا مفسدًا أوهرمًا مقيدًا أو موتًا مجهزًا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن.وقوله تعالى: {فقد جاء أشراطها} أي أماراتها وعلاماتها واحدها شرط.ولما كان قيام الساعة أمرًا مستبطأ في النفوس وقد قال الله تعالى: فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فكأن قائلًا قال متى يكون قيام الساعة فقال تعالى: {فقد جاء أشراطها} قال المفسرون: من أشراط الساعة انشقاق القمر وبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم (ق).عن سهل بن سعد قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بأصبعه هكذا الوسطى والتي تلي الإبهام وقال: بعثت أنا والساعة كهاتين وفي رواية قال بعثت أنا والساعة كهاتين ويشير بأصبعيه يمدهما» (ق) عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين كفضل أحدهما على الأخرى وضم السبابة والوسطى وفي رواية قال بعثت في نفس الساعة فسبقتها كفضل هذه على الأخرى» قيل معنى الحديث أن المراد أن ما بين مبعثه صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة شيء يسير كما بين الإصبعين في الطول وقيل هو إشارة إلى قرب المجأو رة (ق) عن أنس قال عند قرب وفاته ألا أحدثكم حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا تقوم الساعة أوقال من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويفشوالزنى ويذهب الرجال ويبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم- وفي رواية- ويظهر الزنى ويقل الرجال ويكثر النساء» (ق) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن من أشراط الساعة أن يتقارب الزمان وينقص العلم وتظهر الفتن ويبقى الشح ويكثر الهرج قالوا وما الهرج قال القتل وفي رواية: يرفع العلم ويثبت الجهل أوقال ويظهر الجهل» (خ) عن أبي هريرة قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي فقال متى الساعة فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة قال: ها أنا ذا يا رسول الله قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال وكيف إضاعتها؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».وقوله تعالى: {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} يعني فمن أين لهم التذكر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم الساعة بغتة.وقيل: معناه كيف يكون حالهم إذا جاءتهم الساعة فلا تنفعهم الذكرى ولا تقبل منهم التوبة ولا يحتسب بالإيمان في ذلك الوقت {فاعلم أنه لا إله إلا الله} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.وأو رد على هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان عالمًا بالله وأنه لا إله إلا هو فما فائدة هذا الأمر.وأجيب عنه بأن معناه: دُمْ على ما أنت عليه من العلم.فهو كقول القائل للجالس: اجلس أي دم على ما أنت عليه من الجلوس أو يكون معناه ازدد علمًا إلى علمك.وقيل: إن هذا الخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم. فالمراد به غيره من أمته.قال أبو العالية وسفيان بن عيينة: هذا متصل بما قبله.معناه: إذا جاءتهم فاعلم أنه لا ملجأ ولا منجى ولا مفزع عند قيامها إلا إلى الله الذي لا إله إلا هو.وقيل: معناه فاعلم أنه لا إله إلا الله وأن جميع الممالك تبطل عند قيامها فلا ملك ولا حكم لأحد إلا الله الذي لا إله إلا هو {واستغفر لذنبك} أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار مع أنه مغفور له ليستنَّ به أمته وليقتدوا به في ذلك (م) عن الأغر المزني أغر مزينة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر في اليوم مائة مرة وفي رواية قال: توبوا إلى ربكم فوالله إني لأتوب إلى ربي مائة مرة في اليوم» (خ) عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة وفي رواية أكثر من سبعين مرة» قوله: «إنه ليغان على قلبي» الغين التغطية والستر أي يلبس على قلبي ويغطي وسبب ذلك ما أطلعه عليه من أحوال أمته بعده فأحزنه ذلك حتى كان يستغفر لهم.وقيل: إنه لما كان يشغله النظر في أمور المسلمين ومصالحهم حتى يرد أنه قد شغل بذلك وإن كان من أعظم طاعة وأشرف عبادة عن أرفع مقام مما هو فيه وهو التفرد بربه وصفاء وقته معه وخلوص همه من كل شيء سواه فلهذا السبب كان صلى الله عليه وسلم يستغفر الله فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين. اهـ.
.قال النسفي: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} أي أعرضوا وامتنعوا عن الدخول في الإسلام أوصدوا غيرهم عنه.قال الجوهري: صد عنه يصد صدودًا أعرض. وصده عن الأمر صدًا منعه وصرفه عنه.وهم المطعمون يوم بدر أوأهل الكتاب أو عام في كل من كفر وصد {أَضَلَّ أعمالهم} أبطلها وأحبطها. وحقيقته جعلها ضالة ضائعة ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها كالضالة من الإبل. وأعمالهم ما عملوه في كفرهم من صلة الأرحام وإطعام الطعام وعمارة المسجد الحرام. أو ما عملوه من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم والصد عن سبيل الله {والذين ءَآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} هم ناس من قريش أو من الأنصار أو من أهل الكتاب أو عام {وَءَآمنوا بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} وهو القرآن. وتخصيص الإيمان بالمنزل على رسوله من بين ما يجب الإيمان به لتعظيم شأنه. وأكد ذلك بالجملة الاعتراضية وهي قوله: {وهو الحق مِن رَّبِّهِمْ} أي القرآن.وقيل: إن دين محمد هو الحق إذ لا يرد عليه النسخ وهو ناسخ لغيره {كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} ستر بإيمانهم وعملهم الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم عنها وتوبتهم {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي حالهم وشأنهم بالتوفيق في أمور الدين وبالتسليط على الدنيا بما أعطاهم من النصرة والتأييد {ذلك بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل وَأَنَّ الذين ءَآمنوا اتبعوا الحق مِن رَّبِّهِمْ} {ذلك} مبتدأ وما بعده خبره أي ذلك الأمر وهو إضلال أعمال أحد الفريقين وتكفير سيئات الثاني والإصلاح كائن بسبب اتباع هؤلاء الباطل وهو الشيطان وهؤلاء الحق وهو القرآن {كذلك} مثل ذلك الضرب {يَضْرِبُ الله} أي يبين الله {لِلنَّاسِ أمثالهم} والضمير راجع إلى الناس أو إلى المذكورين من الفريقين على معنى أنه يضرب أمثالهم لأجل الناس ليعتبروا بهم. وقد جعل اتباع الباطل مثلًا لعمل الكافرين. واتباع الحق مثلًا لعمل المؤمنين. أوجعل الإضلال مثلًا لخيبة الكفار. وتكفير السيئات مثلًا لفوز الأبرار.{فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ} من اللقاء وهو الحرب {فَضَرْبَ الرقاب} أصله فاضربوا الرقاب ضربًا فحذف الفعل وقدم المصدر فأنيب منابه مضافًا إلى المفعول. وفيه اختصار مع إعطاء معنى التوكيد لأنك تذكر المصدر وتدل على الفعل بالنصبة التي فيه {وَضَرَبَ الرقاب} عبارة عن القتل لا أن الواجب أن تضرب الرقاب خاصة دون غيرها من الأعضاء. ولأن قتل الإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته فوقع عبارة عن القتل وإن ضرب غير رقبته {حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ} أكثرتم فيهم القتل {فَشُدُّواْ الوثاق} فأسروهم والوثاق بالفتح والكسر اسم ما يوثق به. والمعنى فشدوا وثاق الأسارى حتى لا يفلتوا منكم {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} أي بعد أن تأسروهم {وَإِمَّا فِدَاءً} {منَّا} و{فِدَاء} منصوبان بفعليهما مضمرين أي فإما تمنون منًا أوتفدون فداء. والمعنى التخيير بين الأمرين بعد الأسر بين أن يمنوا عليهم فيطلقوهم وبين أن يفادوهم. وحكم أسارى المشركين عندنا القتل أو الاسترقاق. والمن والفداء المذكوران في الآية منسوخ بقوله: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] لأن سورة (براءة) من آخر ما نزل.
|