الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد: والنشوز يُسقِط النفقة وجميع الحقوق الزوجية، ويجوز معه أن يضرِبها الزوج ضرب الأدب غير المُبَرِّح، والوعظُ والهجر حتى ترجِع عن نشوزها، فإذا رجعت عادت حقوقها؛ وكذلك كل ما اقتضى الأدب فجائز للزوج تأديبها.ويختلف الحال في أدب الرفيعة والدنيئة؛ فأدب الرفيعة العَذْل، وأدب الدنيئة السَّوْط.وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «رحِم الله امرأ علّق سوطه وأدّب أهله» وقال: «إنّ أبا جهم لا يضع عصاه عن عاتِقه» وقال بَشَّار:
يُلْحَى أي يلام؛ وقال ابن دُرَيد: قال ابن المنذِر: اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا جميعًا بالِغِين إلا الناشز منهنّ الممتنعة.وقال أبو عمر: من نشزت عنه امرأته بعد دخوله سقطت عنه نفقتها إلا أن تكون حاملًا.وخالف ابن القاسم جماعة الفقهاء في نفقة الناشِز فأوجبها.وإذا عادت الناشز إلى زوجها وجب في المستقبل نفقتها.ولا تَسقط نفقةُ المرأة عن زوجها لشيءٍ غير النشوز؛ لا من مرض ولا حيض ولا نفاس ولا صوم ولا حج ولا مَغِيب زوجها ولا حبسه عنها في حق أو جَوْرٍ غير ما ذكرنا. والله أعلم. اهـ. .قال الشنقيطي: قوله تعالى: {واللاتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} الآية.ذكر في هذه الآية الكريمة أن النشوز قد يحصل من النساء، ولم يبين هل يحصل من الرجال نشوز أو لا؟ ولكنه بين في موضع آخر أن النشوز أيضًا قد يحصل من الرجال، وهو قوله تعالى: {وَإِنِ امرأة خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] الآية. وأصل النشوز في اللغة الارتفاع، فالمرأة الناشز كأنها ترتفع عن المكان الذي يضاجعها فيه زوجها، وهو في اصطلاح الفقهاء الخروج عن طاعة الزوج، وكأن نشوز الرجل ارتفاعه أيضًا عن المحل الذي فيه الزوجة وتركه مضاجعتها والعلم عند الله تعالى. اهـ..قال النيسابوري في الآيات السابقة: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}.التفسير: هذا كالتفصيل للوعيد المتقدم.ومن الناس من قال: جميع الذنوب والمعاصي كبائر. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس: كل شيء عصي الله فيه فهو كبيرة، فمن عمل شيئًا منها فليستغفر الله فإنّ الله لا يخلد في النار من هذه الأمة إلاّ راجعًا عن الإسلام أو جاحدًا فريضة أو منكرًا لقدر.وضعف بأن الذنوب لو كانت كلها كبائر لم يبق فرق بين ما يكفر باجتناب الكبائر وبين الكبائر وبقوله تعالى: {وكل صغير وكبير مستطر} [القمر: 53] {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} [الكهف: 49] وبأنه صلى الله عليه وسلم نص على ذنوب بأعيانها أنها كبائر، وبقوله تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7] ولابد من فرق بين الفسوق والعصيان. فالكبائر هي الفسوق، والصغائر العصيان. حجة المانع ما روي عن ابن عباس: أنّ الذنب إنما يكبر لوجهين: لكثرة نعم من عصى فيه ولجلالته، ولا شك أن نعمه تعالى غير متناهية وأنه أجل الموجودات فيكون عصيانه كبيرًا.وعورض بأنه أرحم الراحمين وأغنى عن طاعات المطيعين، وكل ذلك يوجب خفة الذنب وإن سلم أن الذنوب كلها كبائر من حيث إنها ذنوب ولكن بعضها أكبر من بعض وذلك يوجب التفاوت. وإذ قد عرفت أن الذنوب بعضها صغائر وبعضها كبائر فالكبيرة تتميز عن الصغيرة بذاتها أو باعتبار فاعلها. ذهب إلى كل واحد طائفة. فمن الأولين من قال: ويروى عن ابن عباس كل ما جاء في القرآن مقرونًا بذكر الوعيد فهو كبيرة كالقتل المحرم والزنا وأكل مال اليتيم وغيرها. وزيف بأنه لا ذنب إلاّ وهو متعلق الذم عاجلًا والعقاب آجلًا فيكون كل ذنب كبيرًا وهو خلاف المفروض. وعن ابن مسعود أن الكبائر هي ما نهى الله تعالى في الآيات المتقدمة، وضعف بأنه تعالى ذكر الكبائر في سائر السور أيضًا فلا وجه للتخصيص. وقيل: كل عمد فهو كبير. ورُدّ بأنه إن أراد بالعمد أنه ليس بساهٍ فما هذا حاله فهو الذي نهى الله عنه فيكون كل ذنب كبيرًا وقد أبطلناه، وإن أراد بالعمد أن يفعل المعصية مع العلم بأنها معصية فلا يكون كفر اليهود والنصارى كبيرًا وهو باطل بالاتفاق. وأما الذين يقولون الكبائر تمتاز عن الصغائر باعتبار فاعلها، فوجهه أنّ لكل طاعة قدرًا من الثواب، ولكل معصية قدرًا من العقاب. فإذا وجد للإنسان طاعة ومعصية فالتعادل بين الاستحقاقين وإن كان ممكنًا بحسب العقل إلاّ أنه غير ممكن بحسب السمع وإلاّ لم يكن مثل ذلك المكلف لا في الجنة ولا في النار وقد قال تعالى: {فريق في الجنة وفريق في السعير} [الشورى: 7] فلابد من ترجيح أحدهما، ويلزم حينئذٍ الإحباط والتكفير. والحق في هذه المسألة وعليه الأكثرون بعد ما مرّ من إثبات قسمة الذنب إلى الكبير والصغير أنه تعالى لم يميّز جملة الكبائر عن جملة الصغائر لما بين في هذه الآية أن الاجتناب عن الكبائر يوجب تكفير الصغائر. فلو عرف المكلف جميع الكبائر اجتنبها فقط واجترأ على الإقدام على الصغائر، أما إذا عرف أنه لا ذنب إلاّ ويجوز كونه كبيرًا صار هذا المعنى زاجرًا له عن الذنوب كلها، ونظير هذا في الشرع إخفاء ليلة القدر في ليالي رمضان، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة، ووقت الموت في جملة الأوقات. هذا ولا مانع من أن يبيّن الشارع في بعض الذنوب أنه كبيرة كما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلاّ بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» وذكر عند ابن عباس أنها سبعة فقال: هي إلى السبعين أقرب. وفي رواية إلى السبعمائة. وعن ابن عمر أنه عدّ منها: استحلال آميّن البيت الحرام وشرب الخمر.وعن ابن مسعود: زيادة القنوط من رحمة الله والأمن من مكره. وفي بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم زيادة قول الزور وعقوق الوالدين والسرقة. وأما قول العلماء في الكبيرة فمنهم من قال: هي التي توجب الحد. وقيل: هي التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص أو كتاب أو سنة. وقيل: كل جريرة تؤذن بقلة اكتراث صاحبها بالدين. وقيل: لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار. ويراد بالإصرار المداومة على نوع واحد من الصغائر، أو الإكثار منها وإن لم تكن من نوع واحد. احتج أبو القاسم الكعبي بالآية على القطع بوعيد أهل الكبائر لأنها تدل على أنه إذا لم يجتنب الكبائر فلا تكفر عنه. والجواب عنه أن استثناء نقيض المقدم لا ينتج ويؤيده قوله تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤد الذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283] وأداء الأمانة واجب أمنه أو لم يأمنه. سلمنا أنّ الآية رجعت إلى قوله من لم يجتنب الكبائر لم يكفر عنه سيّئاته، فغايته أنه يكون عامًا في باب الوعيد. والجواب عنه هو الجواب عن سائر العمومات، وهو أنه مشروط بعدم العفو عندنا كام أنه مشروط عندكم بعدم التوبة. ثم قالت المعتزلة: إنّ عند اجتناب الكبائر يجب غفران الصغائر، وعندنا لا يجب على الله شيء بل كل ما يفعله فهو فضل وإحسان. ويدخل في الاجتناب عن الكبائر الإتيان بالطاعات لأن ترك الواجب أيضًا كبيرة. {وندخلكم مدخلًا} فمن فتح الميم أراد مكان الدخول، ومن ضمها أراد الإدخال. ووصفه بالكرم إشعار بأنه على وجه التعظيم خلاف إدخال أهل النار الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم، أو هو وصف باعتبار صاحبه.ثم إنه سبحانه لما أمرهم بتهذيب أعمال الجوارح وهو أن لا يقدموا على أكل الأموال بالباطل وعلى قتل الأنفس، حثهم على تهذيب الأخلاق في الباطن. أو نقول: لما نهاهم عن الأكل والقتل ولن يتم ذلك إلاّ بالرضا بالقضاء وتطييب القلب بالمقسوم المقدّر، فلا جرم قال: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} قالت المعتزلة: التمني قول القائل: ليته كذا. وقال أهل السنة: هو عبارة عن إرادة ما يعلم أن يظن أنه لا يكون ولهذا قالوا: إنه تعالى لو أراد من الكافر أن يؤمن مع علمه بأنه لا يؤمن كان متمنيًا. ثم مراتب السعادات إما نفسانية نظرية كالذكاء والحدس وحصول المعارف والحقائق، أو عملية كالأخلاق الفاضلة، وإما بدنية كالصحة والجمال والعمر، وإما خارجية كحصول الأولاد النجباء وكثرة العشائر والأصدقاء والرياسة التامة ونفاذ القول وكونه محبوبًا للخلق حسن الذكر مطاع الأمر، فهذه مجامع السعادات. وبعضها محض عطاء الله تعالى، وبعضها مما يظن أنها كسبية. وبالحقيقة كلها عطاء منه تعالى فإنه لولا ترجيح الدواعي وإزالة العوائق وتحصيل الموجبات وتوفيق الأسباب فلأي سبب يكون السعي والجد مشتركًا فيه، والفوز بالبغية والظفر بالمطلوب غير مشترك فيه؟ وإذا كان كذلك فيما الفائدة في الحسد غير الاعتراض على مدبر الأمور وكافل مصالح الجمهور؟ فعلى كل أحد أن يرضى بما قسم له علمًا بأن ما قسم له هو خير له، ولو كان خلافه لكان وبالًا عليه كما قال: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض} [الشورى: 27] وفي الكلمات القدسية: «من استسلم لقضائي وصبر على بلائي وشكر نعمائي كتبته صديقا وبعثته يوم القيامة مع الصديقين. ومن لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليخرج من أرضي وسمائي وليطلب ربًا سوائي» قال المحققون: لا يجوز للإنسان أن يقول: اللهم أعطني دارًا مثل دار فلان، وزوجة مثل زوجة فلان، وإن كان هذا غبطة لا حسدًا، بل ينبغي أن يقو ل: اللهم أعطني ما يكون صلاحًا لي في ديني ودنياي ومعادي ومعاشي. وعن الحسن: لا يتمن أحد المال فلعل هلاكه في ذلك المال.أما سبب النزول فعن مجاهد قالت أم سلمة: يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو، ولهم من الميراث ضعف ما لنا فنزلت. وعن قتادة والسدي: لما نزل قوله: {للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11] قال الرجال: نرجو أن نفضل على النساء في الآخرة كما فضلنا في الميراث. وقال النساء: نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال. وفي رواية قلن: نحن أحوج لأن ضعفاءهم أقدر على طلب المعاش فنزلت. وقيل: أتت وافدة النساء إلى الرسول وقالت: رب الرجال والنساء واحد، وأنت الرسول إلينا وإليهم، وأبونا آدم وأمنا حواء فما السبب في أن الله يذكر الرجال ولا يذكرنا؟ فنزلت الآية. فقالت: وقد سبقنا الرجال بالجهاد فام لنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إن للحامل منكم أجر الصائم القائم، وإذا ضربها الطلق لم يدر أحد ام لها من الأجر، فإن أرضعت كان لها بكل مصة أجر إحياء نفس». {للرجال نصيب مما اكتسبوا} من نعيم الدنيا وثواب الآخرة فينبغي أن يرضوا بما قسم لهم، وكذا للنساء، أو لكل فريق جزاء ما اكتسب من الطاعات فلا ينبغي أن يضيعه بسبب الحسد المذموم. وتلخيصه لا تضيع ما لك بتمني ما لغيرك. أو {للرجال نصيب مما اكتسبوا} بسبب قيامهم بالنفقة على النساء {وللنساء نصيب مما اكتسبن} بحفظ فروجهن وطاعة أزواجهن والقيام بمصالح البيت {واسئلوا الله من فضله} فعنده من ذخائر الإنعام ما لا ينفده مطالب الأنام. ومن للتبعيض أي شيئًا من خزائن كرمه وطوله {إنّ الله كان بكل شيء عليمًا} فهو العالم بما يكون صلاحًا للسائلين، فليقتصر السائل على المجمل وليفوّض التفصيل إليه فإن ذلك أقرب إلى الأدب وأوفق للطلب.قوله سبحانه وتعالى: {ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والأقربون} يمكن تفسيره بحيث يكون الوالدان والأقربون وارثين وبحيث يكونان موروثًا منهما.والمعنى على الأول: لكل أحد جعلنا ورثة في تركته. ثم إنه كأنه قيل: ومَنْ هؤلاء الورثة؟ فقيل: هم الوالدان والأقربون فيحسن الوقف على قوله: {مما ترك} وفيه ضمير كل. وأما على الثاني، فإما أن يكون في الكلام تقديم وتأخير أي ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالي أي ورثة، وإما أن يكون {جعلنا موالي} صفة {لكل} بل محذوف والعائد محذوف وكذا المبتدأ والتقدير: ولكل قوم جعلناهم موالي نصيب مما ترك الوالدان والأقربون كما تقول: لكل من خلقه الله إنسانًا من رزق الله. أي حظ من رزق الله، والمولى لفظ مشترك بين معانٍ: منها المعتق لأنه ولي نعمته في عتقه، ومنها العبد المعتق لاتصال ولاية مولاه في إنعامه عليه، وهذا كما يسمى الطالب غريمًا لأن له اللزوم والمطالبة بحقه، ويسمى المطلوب غريمًا لكون الدين لازمًا له. ومنها الحليف لأن الحالف يلي أمره بعقد اليمين، ومنها ابن العم لأنه يليه بالنصرة ومنه المولى للناصر قال تعالى: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا} [محمد: 11] ومنها العصبة وهو المراد في الآية إذ هو الأليق بها كقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى بالمؤمنين من مات وترك مالًا فماله للموالي العصبة، ومن ترك كلًا فأنا وليّه» وأما قوله: {والذين عقدت أيمانكم} فإما أن يكون مبتدأ ضمن معنى الشرط، فوقع قوله: {فآتوهم} خبره. وإما أن يكون منصوبًا على قولك: زيدًا فاضربه مما توسط الفاء بين الفعل ومفعول مفسره إيذانًا بتلازمهما وإما أن يكون معطوفًا على {الوالدان} والإيمان جمع اليمين اليد أو الحلف. من الناس من قال: الآية منسوخة. وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك أي ما يهدر، وثأري ثأرك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف فنسخ بقوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: 75] وبقوله: {يوصيكم الله} [النساء: 11] وأيضًا: إن الواحد منهم كان يتخذ إنسانًا أجنبيًا ابنًا له وهم الأدعياء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين كل رجلين منهم، فكانوا يرثون بالتبني والمؤاخاة فنسخ، ومن المفسرين من زعم أنها غير منسوخة، وقوله: {والذين} معطوف على ما قبله. والمعنى: أن ما ترك الذين عقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به فلا تدفعوا المال إلى الحليف بل إلى الوارث، فيكون الضمير في {فآتوهم} للموالي قاله أبو علي الجبائي. أو المراد بالذين عاقدت الزوج والزوجة، والنكاح يسمى عقدًا بين ميراث الزوج والزوجة بعد ميراث الولد والوالدين كما في قوله: {يوصيكم الله} [النساء: 11] قاله أبو مسلم. وقيل: المراد الميراث الحاصل بسبب الولاء. وقيل: هم الحلفاء.
|