الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأشار إلى اليد بـ (الكف)، ولا حاجة إلى استعماله في تمام البدن، وعلى هذا يستدل على عدد الضربات وتحديد اليد ولزوم الترتيب أو عدمه بأدلة أخر، كحديث: «التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين»، وغير ذلك، فإنه صحيح كما نص عليه بعض الحفاظ، وهو مسوق لمعرفة عدد الضربات وتحديد اليد، فيقدم على غير المسوق لذلك، والله تعالى أعلم. انتهى كلامه.وقوله: فإنه حديث صحيح، فيه ما تقدم.وقد قال الإمام ابن القيم في [زاد العماد] في «فصل هديه صلى الله عليه وسلم بالتيمم» ما نصه: كان صلى الله عليه وسلم يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين، ولم يَصِحَّ عنه أنه تيمم بضربتين، ولا إلى المرفقين.قال الإِمام أحمد: من قال: إن التيمم إلى المرفقين، فإنما هو شيء زاده مِن عنده، وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها، ترابًا كانت أَوْ سَبِخَةً أو رملًا.وصح عنه أنه قال: «حَيْثُماَ أَدْرَكَتْ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي الصَّلاَةُ، فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ»، وهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل، فالرمل له طهور. ولما سافر صلى الله عليه وسلم هو وأصحابُه في غزوة تبوك، قطعوا تلك الرمال في طريقهم، وماؤهم في غاية القِلة، ولم يُرْوَ عنه أنه حمل معه التراب، ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه، مع القطع بأن في المفاوز الرمالَ أكثر من التراب، وكذلك أرضُ الحجاز وغيره، ومن تدبر هذا، قطع بأنه كان يتيمم بالرمل، واللّه أعلم وهذا قول الجمهور.وأمّا ما ذكر في صفة التيمم من وضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور اليمنى، ثم إمرارها إلى المرفق، ثم إدارة بطن كفه على بطن الذراع، وإقامة إبهامه اليسرى كالمؤذن، إلى أن يصل إلى إبهامه اليمنى، فَيُطبِقها عليها، فهذا مما يُعلم قطعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا علَّمه أحدًا من أصحابه، ولا أمر به، ولا استحسنه، وهذا هديُه، إليه التحاكُم، وكذلك لم يَصِحَّ عنه التيمُّمُ لكِل صلاة، ولا أمر به، بل أطلق التيمم، وجعله قائمًا مقام الوضوء وهذا يقتضي أن يكون حكْمُه حكْمَه، إلا فيما اقتضى الدليل خلافه. انتهى.السابعة: ذكر هنا الحافظ ابن كثير سَبَب مَشْرُوعِيَّة التَّيَمُّم قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ هاهنا لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي النِّسَاء مُتَقَدِّمَة النُّزُول عَلَى آيَة الْمَائِدَة، وَبَيَانه: أَنَّ هَذِهِ نَزَلَتْ قَبْل تَحْرِيم الْخَمْر، وَالْخَمْر إِنَّمَا حُرِّمَ بَعْد أُحُد بِيَسِيرٍ، فِي مُحَاصَرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي النَّضِير، وَأَمَّا الْمَائِدَة فَإِنَّهَا مِنْ آخِر مَا نَزَلَ، وَلاسيما صَدْرهَا، فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَر السَّبَب هُنَا، وَبِاَللَّهِ الثِّقَة.قَالَ الإمَام أَحْمَد: حَدَّثَنَا اِبْن نُمَيْر حَدَّثَنَا هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة، أَنَّهَا اِسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاء قِلَادَة فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالًا فِي طَلَبهَا، فَوَجَدُوهَا فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاة وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاء، فَصَلَّوْهَا بِغَيْرِ وُضُوء، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عز وجل [آيَة] التَّيَمُّم، فَقَالَ أُسَيْد بْن الْحُضَيْر لِعَائِشَة: جَزَاك اللَّه خَيْرًا، فَوَاَللَّهِ مَا نَزَلَ بِك أَمْر تَكْرَهِينَهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّه لَك وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا.(طَرِيق أُخْرَى) قَالَ الْبُخَارِيّ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف قال: أَنْبَأَنَا مَالِك عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة زوج النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض أَسْفَاره، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الْجَيْش، اِنْقَطَعَ عِقْد لِي.فَأَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اِلْتِمَاسه، وَأَقَامَ النَّاس مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاء، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاء، فَأَتَى النَّاس إِلَى أَبِي بَكْر الصديق فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَة؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاء وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاء، فَجَاءَ أَبُو بَكْر وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِع رَأْسه عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ.فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاس وَلَيْسُوا عَلَى مَاء وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاء، قَالَتْ عَائِشَة: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْر، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَقُول، فجَعَلَ يَطْعَنني بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعنِي مِنْ التَّحَرُّك إِلَّا مَكَان رَأْس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أَصْبَحَ عَلَى غَيْر مَاء، فَأَنْزَلَ اللَّه آيَة التَّيَمُّم فَتَيَمَّمُوا. فَقَالَ أُسَيْد بْن الْحُضَيْر: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتكُمْ يَا آل أَبِي بَكْر.قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِير الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْد تَحْته.وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَة بن سعيد عَنْ مَالِك.وَرَوَاهُ مُسْلِم عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى عَنْ مَالِك. انتهى كلام ابن كثير.وأورد الواحدي في [أسباب النزول] هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضًا.وقال ابن العربيّ: لا نعلم أي: الآيتين عنت عائشة.قال ابن بطال: هي آية النساء أو آية المائدة.وقال القرطبيّ: هي آية النساء، ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء، فيتجه تخصيصها بآية التيمم.قال الحافظ ابن حجر في [الفتح]: وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد، لرواية عَمْرو بن الحارث، إذ صرح فيها بقوله: فنزلت: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ} الآية.وقال الحافظ قبلُ: استدل به (أي: بحديث عائشة) على أن الوضوء كان واجبًا عليهم قبل نزول آية الوضوء، ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء، ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع.وقال ابن عبد البر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم لم يصل منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند، قال: وفي قوله في هذا الحديث (آية التيمم) إشارة إلى أن الذي طرأ عليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء، قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به، ليكون فرضه متلوًا بالتنزيل.قال السيوطيّ في [لباب النقول] بعد تصويب هذا الكلام: فإن فرض الوضوء كان مع فرض الصلاة بمكة، والآية مدنية. انتهى.وقال الحافظ ابن حجر أيضًا في قول أسيد «ما هي بأول بركتكم»: يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، فيقوّي قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد، وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الأخباريّ فقال: سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع وفي غزوة بني المصطلق.وقد روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع.. الحديث.فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق، لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة، وهي بعدها بلا خلاف قال: وسيأتي في المغازي أن البخاريّ يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى، وقدومُه كان في وقت إسلام أبي هريرة، ومما يدل على تأخر القصة أيضًا عن قصة الإفك، ما رواه الطبرانيّ من طريق عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم في غزوة أخرى فسقط أيضًا عقدي حتى حبس الناس على التماسه، فقال لي أبو بكر: يا بنية! في كل سفرة تكونين عناءً وبلاءً على الناس؟ فأنزل الله عز وجل الرخصة في التيمم.فقال أبو بكر: إنك لمباركة (ثلاثًا)، وفي إسناده محمد بن حميد الرازي وفيه مقال، وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب أبي بكر الذي أبهم في حديث الباب، والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ.وقال الإمام شمس الدين ابن القيم في [زاد المعاد] في (غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق): إنها كانت في شعبان سنة خمس، وبعد ذكرها قال: قال ابن سعد: وفي هذه الغزوة سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه، فنزلت آية التيمم، ثم ساق حديث الطبراني المتقدم وقال: هذا يدل على أن قصة العقد التي نزل التيمم لأجلها بعد هذه الغزوة، وهو الظاهر، ولكن فيها كانت قصة الإفك بسبب فقد العقد والتماسه، فالتبس على بعضهم إحدى القصتين بالأخرى. انتهى.وقد روي سبب نزول الآية المذكورة أيضًا عن عمار بن ياسر رَضِي اللّهُ عَنْهُ قال: إن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم عرّس بأولات الجيش ومعه عائشة فانقطع عقد لها من جَزْعِ ظَفَارِ فحبس الناس ابتغاءُ عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء، فتغيظ عليها أبو بكر، وقال: حبست الناس وليس معهم ماء! فأنزل الله تعالى على رسوله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم رخصة التطهُّر بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مع رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فضربوا بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئًا، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط، ورواه أيضًا ابن جرير عن أبي اليقظان رَضِي اللّهُ عَنْهُ قال: كنا مع رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فهلك عقد لعائشة فأقام رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم حتى أضاء الصبح، فتغيظ أبو بكر على عائشة، فنزلت عليه الرخصة، المسح بالصعيد، فدخل أبو بكر فقال لها: إنك لمباركة، نزل فيك رخصة، فضربنا بأيدينا: ضربة لوجوهنا وضربة لأيدينا إلى المناكب والآباط.وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في سبب نزولها وجهًا آخر عن الأسلع بن شَرِيك رَضِي اللّهُ عَنْهُ قال: كنت أرحل ناقة رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، فأصابتني جنابة في ليلة باردة، وأراد رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم الرحلة فكرهت أن أرحل ناقة رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وأنا جنب، وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض، فأمرت رجلًا من الأنصار فرحلها ثم رضفت أحجارًا فأسخنت بها ماءً واغتسلت، ثم لحقت رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وأصحابه فقال: يا أسلع! مالي أرى رحلتك قد تغيرت؟ قلت: يا رسول الله! لم أرحلها، رحلها رجل من الأنصار، قال: ولم؟ قلت: إني أصابتني جنابة فخشيت القرّ على نفسي، فأمرته أن يرحلها ورضفت أحجارًا فأسخنت بها ماء فاغتسلت به، فأنزل الله عز وجل: {لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} إلى قوله: {إِنّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا}.قال ابن كثير: وقد روي من وجه آخر، عنه. اهـ.
.من فوائد صاحب المنار في الآية الكريمة: قال رحمه الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}.قَالَ الْبَقَاعِيُّ فِي نَظْمِ الدُّرَرِ: وَلَمَّا وَصَفَ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي يَوْمِ الْعَرْضِ، وَالْأَهْوَالَ الَّذِي أَدَّتْ فِيهِ سَطْوَةُ الْكِبْرِيَاءِ وَالْجَلَالِ إِلَى تَمَنِّي الْعَدَمِ، وَمَنَعَتْ فِيهِ قُوَّةُ يَدِ الْقَهْرِ وَالْجَبْرِ أَنْ يَكْتُمَ حَدِيثًا، وَتَضَمَّنَ وَصْفُهُ أَنَّهُ لَا يَنْجُو فِيهِ إِلَّا مَنْ كَانَ طَاهِرَ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالطَّاعَةِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الدُّنْيَا فِي مَقَامِ الْأُنْسِ وَحَضْرَةِ الْقُدُسِ الْمُنَجِّي مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالَّذِي حَظَرَتْ مَعَانِي اللُّطْفِ وَالْجَمَالِ فِيهِ الِالْتِفَاتَ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَمَرَ بِالطَّهَارَةِ فِي حَالِ التَّزَيُّنِ بِهِ عَنِ الْخَبَائِثِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى إِلَخْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي وَجْهِ الِاتِّصَالِ: إِنَّهُمْ لَمَّا نُهُوا عَنِ الْإِشْرَاكِ بِهِ تَعَالَى نُهُوا عَمَّا يُؤَدِّي إِلَيْهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَقِيلَ: لَمَّا أُمِرُوا فِيمَا تَقَدَّمَ بِالْعِبَادَةِ أُمِرُوا هُنَا بِالْإِخْلَاصِ فِي رَأْسِ الْعِبَادَةِ.الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: أَمَرَ اللهُ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ بِعِبَادَتِهِ وَتَرْكِ الشِّرْكِ بِهِ وَبِالْإِحْسَانِ لِلْوَالِدَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَتَوَعَّدَ الَّذِينَ لَا يَقُومُونَ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَقَدْ عَرَفْنَا مِنْ سُوَرٍ أُخْرَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْمُرُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقِيَامِ بِأُمُورِ الدِّينِ وَتَكَالِيفِهِ كَمَا قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [2: 153]، وَقَالَ: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [29: 45]، وَقَالَ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [7: 19- 22]، وَقَدْ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ، لَا بِالصَّلَاةِ هَكَذَا مُطْلَقًا بَلْ بِإِقَامَتِهَا، وَإِنَّمَا إِقَامَتُهَا الْقِيَامُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَهُوَ أَنْ يَنْبَعِثَ الْمُؤْمِنُ إِلَيْهَا بِبَاعِثِ الشُّعُورِ بِعَظَمَةِ اللهِ وَجَلَالِهِ وَيُؤَدِّيهَا بِالْخُشُوعِ لَهُ تَعَالَى، فَهَذِهِ الصَّلَاةُ هِيَ الَّتِي تُعِينُ عَلَى الْقِيَامِ بِالْأَوَامِرِ وَتَرْكِ النَّوَاهِي؛ وَلِذَلِكَ جَاءَ ذِكْرُهَا هَاهُنَا عَقِبَ تِلْكَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الْجَامِعَةِ، وَقَدْ ذُكِرَتِ الصَّلَاةُ فِي الْقُرْآنِ بِأَسَالِيبَ مُخْتَلِفَةٍ، وَذُكِرَتْ هَاهُنَا فِي سِيَاقِ النَّهْيِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي حَالِ السُّكْرِ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ الْخُشُوعُ وَالْحُضُورُ مَعَ اللهِ تَعَالَى بِمُنَاجَاتِهِ بِكِتَابِهِ، وَذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ، فَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ حَقِيقَتُهَا لَا مَوْضِعُهَا وَهُوَ الْمَسَاجِدُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالنَّهْيُ عَنْ قُرْبَانِهَا دُونَ مُطْلَقِ الْإِتْيَانِ بِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ الْمَسْجِدِ؛ إِذِ النَّهْيُ عَنْ قُرْبَانِ الْعَمَلِ مَعْرُوفٌ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ وَفِي التَّنْزِيلِ خَاصَّةً: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [17: 32]، وَالنَّهْيُ عَنِ الْعَمَلِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ مُقَدِّمَاتِهِ، وَمِنْ مُقَدِّمَاتِ الصَّلَاةِ الْإِقَامَةُ، فَقَدْ سَنَّهَا اللهُ لَنَا لِإِعْدَادِنَا لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ.
|