الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.سؤال وجوابه: فإن قال قائل: أو ليس بالطاعة وصلوا إلى ما وصلوا إليه من فضله؟قيل له: إنهم لم يطيعوه في الدنيا إلا بفضله الذي تفضل به عليهم، فهداهم به لطاعته، فكل ذلك فضل منه تعالى ذكره. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: .من فوائد أبي السعود في الآية: قال رحمه الله:{وَمَن يُطِعِ الله والرسول} كلامٌ مستأنفٌ فيه فضلُ ترغيبٍ في الطاعة ومزيدُ تشويقٍ إليها ببيان أن نتيجتَها أقصى ما يَنتهي إليه هممُ الأممِ وأرفعُ ما يمتدُّ إليه أعناقُ عزائمِهم من مجاورة أعظمِ الخلائقِ مقدارًا وأرفعِهم منارًا، متضمِّنٌ لتفسير ما أُبهم في جواب الشرطيةِ السابقةِ وتفصيل ما أُجمل فيه، والمرادُ بالطاعة هو الانقيادُ التامُّ والامتثالُ الكاملُ لجميع الأوامرِ والنواهي {فَأُوْلَئِكَ} إشارةٌ إلى المطيعين، والجمعُ باعتبار معنى مَنْ كما أن الإفرادَ في فعل الشرطِ باعتبار لفظِها، وما فيه من معنى البُعد مع القُرب في الذكر للإيذان بعلوّ درجتِهم وبُعد منزلتِهم في الشرف، وهو مبتدأٌ خبرُه {مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم} والجملةُ جوابُ الشرطِ وتركُ ذكرِ المنعَمِ به للإشعار بقصور العبارةِ عن تفصيله وبيانِه {مّنَ النبيين} بيانٌ للمنعَم عليهم، والتعرّضُ لمعيّة سائرِ الأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلام مع أن الكلامَ في بيان حكمِ طاعةِ نبيِّنا عليه الصلاة والسلام لجرَيانِ ذكرِهم في سبب النزولِ مع ما فيه من الإشارة إلى أن طاعتَه عليه الصلاةُ والسلام متضمِّنةٌ لطاعتهم لاشتمالِ شريعتِه على شرائعهم التي لا تتغيرُ بتغيّر الأعصار.{والصديقين} أي المتقدمين في تصديقهم المبالغين في الصدق والإخلاصِ في الأقوال والأفعالِ وهم أفاضلُ أصحابِ الأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام وأماثلُ خواصِّهم المقربين كأبي بكر الصديقِ رضي الله عنه {والشهداء} الذين بذلوا أرواحَهم في طاعة الله تعالى وإعلاءِ كلمتِه {والصالحين} الصارفين أعمارَهم في طاعته وأموالَهم في مرضاته، وليس المرادُ بالمعية الاتحادَ في الدرجة ولا مطلقَ الاشتراكِ في دخول الجنةِ بل كونَهم فيها بحيث يتمكن كلُّ واحدٍ منهم من رؤية الآخرَ وزيارتِه متى أراد وإن بعُد ما بينهما من المسافة {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} الرفيقُ الصاحبُ مأخوذ من الرِّفق وهو لِينُ الجانبِ واللَّطافةُ في المعاشرة قولًا وفعلًا، فإن جُعل {أولئك} إشارةً إلى النبيين ومَنْ بعدَهم على أن ما فيه من معنى البُعد لما مر مرارًا فرفيقًا إما تمييزٌ أو حالٌ على معنى أنهم وُصفوا بالحُسن من جهة كونِهم رُفقاءَ للمطيعين أو حالَ كونِهم رفقاءَ، وإفرادُه لما أنه كالصِّديق والخليط، والرسولُ يستوي فيه الواحدُ والمتعدد، أو لأنه أريد حُسنُ كلِّ واحدٍ منهم رفيقًا وإن جعل إشارةً إلى المطيعين فهو تمييزٌ على معنى أنهم وُصفوا بحُسن الرفيقِ من النبيين ومَنْ بعدهم لا بنفس الحُسن فلا يجوز دخولُ مَنْ (بعدهم) عليه كما يجوز في الوجه الأولِ، والجملةُ تذييلٌ مقرِّرٌ لما قبله مؤكدٌ للترغيب والتشويقِ، قيل: فيه معنى التعجُّبِ كأنه قيل: وما أحسنَ أولئك رفيقًا، ولاستقلاله بمعنى التعجبِ قرئ وحسن بسكون السين. اهـ. بتصرف يسير..من فوائد الألوسي في الآيتين: قال رحمه الله:{وَمَن يُطِعِ الله} بالانقياد لأمره ونهيه {والرسول} المبلغ ما أوحي إليه منه باتباع شريعته والرضا بحكمه، والكلام مستأنف فيه فضل ترغيب في الطاعة ومزيد تشويق إليها ببيان أن نتيجتها أقصى ما تنتهي إليه همم الأمم، وأرفع ما تمتد إليه أعناق (أمانيهم، وتشرأب إليه أعين) عزائمهم من مجاورة أعظم الخلائق مقدارًا وأرفعهم منارًا، ومتضمن لتفسير ما أبهم وتفصيل ما أجمل في جواب الشرطية السابقة و{مِنْ} شرطية وإفراد ضمير {يُطِعِ} مراعاة للفظ، والجمع في قوله سبحانه: {فَأُوْلَئِكَ} مراعاة للمعنى أي فالمطيعون الذين علت درجتهم وبعدت منزلتهم شرفًا وفضلًا.{مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم} بما تقصر العبارة عن تفصيله وبيانه {مّنَ النبيين} بيان للمنعم عليهم فهو حال إما من {الذين} أي مقارنيهم حال كونهم من النبيين وإما من ضميره والتعرض لمعية الأنبياء دون نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة مع أن الكلام في بيان حكم طاعته عليه الصلاة والسلام لجريان ذكرهم في سبب النزول مع الإشارة إلى أن طاعته متضمنة لطاعتهم، أخرج الطبراني وأبو نعيم والضياء المقدسي وحسنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إليّ من نفسي وإنك لأحب إليّ من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا حتى نزل جبريل بهذه الآية {وَمَن يُطِعِ الله}» إلخ، وروي مثله عن ابن عباس.وقال الكلبي: إن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب له عليه الصلاة والسلام قليل الصبر عنه، وقد نحل جسمه وتغير لونه خوف عدم رؤيته صلى الله عليه وسلم بعد الموت فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية، وعن مسروق «إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا فنزلت» وبدأ بذكر النبيين لعلو درجتهم وارتفاعهم على من عداهم، وقد نقل الشعراني عن مولانا الشيخ الأكبر قدس سره أنه قال: فتح لي قدر خرم إبرة من مقام النبوة تجليًا لا دخولًا فكدت أحترق ثم عطف (عليهم) على سبيل التدلي قوله سبحانه: {والصديقين والشهداء والصالحين} فالمنازل أربعة بعضها دون بعض: الأول: منازل الأنبياء وهم الذين تمدهم قوة إلهية وتصحبهم نفس في أعلى مراتب القدسية ومثلهم كمن يرى الشيء عيانًا من قريب، ولذلك قال تعالى في صفة نبينا صلى الله عليه وسلم: {أفتمارونه على مَا يرى} [النجم: 12]، والثاني: منازل الصديقين وهم الذين يتأخرون على الأنبياء عليهم السلام في المعرفة، ومثلهم كمن يرى الشيء عيانًا من بعيد، وإياه عنى علي كرم الله تعالى وجهه حيث قيل له: هل رأيت الله تعالى؟ فقال: ما كنت لأعبد ربًا لم أره، ثم قال: لم تره العيون بشواهد العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، والثالث: منازل الشهداء وهم الذين يعرفون الشيء بالبراهين، ومثلهم كمن يرى الشيء في المرآة من مكان قريب كحال من قال: كأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وإياه قصد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أعبد الله تعالى كأنك تراه»، والرابع: منازل الصالحين وهم الذين يعلمون الشيء بالتقليد الجازم، ومثلهم كمن يرى الشيء من بعيد في مرآة وإياه قصد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «فإن لم تكن تراه فإنه يراك» قاله الراغب ونقله الطيبي وغيره، ونقل بعض تلامذة مولانا الشيخ خالد النقشبندي قدس سره عنه أنه قرر يومًا أن مراتب الكمل أربعة: نبوة وقطب مدارها نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم صديقية وقطب مدارها أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ثم شهادة وقطب مدارها عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه، ثم ولاية وقطب مدارها علي كرم الله تعالى وجهه، وأن الصلاح في الآية إشارة إلى الولاية فسأله بعض الحاضرين عن عثمان رضي الله تعالى عنه في أي مرتبة هو من مراتب الثلاثة بعد النبوة فقال: إنه رضي الله تعالى عنه قد نال حظًا من رتبة الشهادة وحظًا من رتبة الولاية، وأن معنى كونه ذا النورين هو ذلك عند العارفين انتهى.وأنا مستعينًا بالله تعالى ومستمدًا من القوم قدس الله تعالى أسرارهم أقول: إن الولاية هي المحيطة العامة والفلك الدائر والدائرة الكبرى، وأن الولي من كان على بينة من ربه في حاله فعرف ما له بإخبار الحق إياه على الوجه الذي يقع به التصديق عنده ويصدق على أصناف كثيرة إلا أن المذكور منها في هذه الآية أربعة: الصنف الأول: الأنبياء، والمراد بهم هنا الرسل أهل الشرع سواء بعثوا أو لم يبعثوا أعني بطريق الوجوب عليهم ولا بحث لأهل الله تعالى عن مقاماتهم وأحوالهم إذ لا ذوق لهم فيها وكلهم معترفون بذلك غير أنهم يقولون: إن النبوة عامة وخاصة والتي لا ذوق لهم فيها هي الخاصة أعني نبوة التشريع وهي مقام خاص في الولاية.وأما النبوة العامة فهي مستمرة سارية في أكابر الرجال غير منقطعة دنيا وأخرى لكن باب الإطلاق قد انسد، وعلى هذا يخرج ما رواه البدر التماسكي البغدادي عن الشيخ بشير عن القطب عبد القادر الجيلي قدس سره أنه قال: معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب وأوتينا ما لم تؤتوا فإن معنى قوله: أوتيتم اللقب أنه حجر علينا إطلاق لفظ النبي، وإن كانت النبوة العامة أبدية، وقوله: وأوتينا ما لم تؤتوا على حدّ قول الخضر لموسى عليه السلام وهو أفضل منه يا موسى أنا على علم علمنيه الله تعالى لا تعلمه أنت، وهذا وجه آخر غير ما أسلفنا من قبل في توجيه هذا الكلام.والصنف الثاني: الصديقون وهم المؤمنون بالله تعالى ورسله عن قول المخبر لا عن دليل سوى النور الإيماني الذي أعد في قلوبهم قبل وجود المصدق به المانع لها من تردد أو شك يدخلها في قول المخبر الرسول ومتعلقه في الحقيقة الإيمان بالرسول ويكون الإيمان بالله تعالى على جهة القربة لا على إثباته إذ كان بعض الصديقين قد ثبت عندهم وجود الحق جل وعلا ضرورة أو نظرًا لكن ما ثبت كونه قربة وليس بين النبوة والصديقية كما قال حجة الإسلام وغيره مقام، ومن تخطى رقاب الصديقين وقع في النبوة وهي باب مغلق، وأثبت الشيخ الأكبر قدس سره مقامًا بينهما سماه مقام القربة، وهو السر الذي وقر في قلب أبي بكر رضي الله تعالى عنه المشار إليه في الحديث: «فليس بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله تعالى عنه رجل أصلًا» لا أنه ليس بين الصديقية والنبوة مقام ولها أجزاء على عدد شعب الإيمان، وفسرها بعضهم بأنها نور أخضر بين نورين يحصل به شهود عين ما جاء به المخبر من خلف حجاب الغيب بنور الكرم وبين ذلك بما يطول.والصنف الثالث: الشهداء تولاهم الله تعالى بالشهادة وجعلهم من المقربين، وهم أهل الحضور مع الله تعالى على بساط العلم به فقد قال سبحانه: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم} [آل عمران: 18] فجمعهم مع الملائكة في بساط الشهادة فهم موحدون عن حضور إلهيّ وعناية أزلية فإن بعث الله تعالى رسولًا وآمنوا به فهم المؤمنون العلماء ولهم الأجر التام يوم القيامة وإلا فليس هم الشهداء المنعم عليهم وإيمانهم بعد العلم بما قاله الله سبحانه: إن ذلك قربة إليه من حيث قاله الله سبحانه، أو قاله الرسول الذي جاء من عنده فقدم الصديق على الشهيد وجعل بإزاء النبي فإنه لا واسطة بينهما لاتصال نور الإيمان بنور الرسالة، والشهداء لهم نور العلم مساوق لنور الرسول من حيث هو شاهد لله تعالى بتوحيده لا من حيث هو رسول فلا يصح أن يكون بعده مع المساوقة لئلا تبطل ولا أن يكون معه لكونه رسولًا، والشاهد ليس به فلابد أن يتأخر فلم يبق إلا أن يكون في الرتبة التي تلي الصديقية فإن الصديق أتم نورًا منه في الصديقية لأنه صديق من وجهين: وجه التوحيد ووجه القربة، والشهيد من وجه القربة خاصة لأن توحيده عن علم لا عن إيمان فنزل عن الصديق في مرتبة الإيمان وهو فوقه في مرتبة العلم فهو المتقدم في مرتبة العلم المتأخر برتبة الإيمان والتصديق فإنه لا يصح من العالم أن يكون صديقًا، وقد تقدم العلم مرتبة الخبر فهو يعلم أنه صادق في توحيد الله تعالى إذا بلغ رسالة الله تعالى والصديق لم يعلم ذلك إلا بنور الإيمان المعد في قلبه فعندما جاء الرسول اتبعه من غير دليل ظاهر.
|