الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.استيلاء السلطان قلاون على الكرك وعلى صهيون ووفاة صاحب حماة. ثم توفي المنصور محمد بن المظفر صاحب حماة في شوال سنة اثنتين وثمانين وولي السلطان ابنه المظفر وبعث بالخلع له ولا قاربه وسار السلطان قلاون إلى الشام في ربيع سنة ثلاث وثمانين لمحاصرة المرقب بما فعلوه من ممالأة العدو فحاصرها حتى استأمنوا إليه وملك الحصن من أيديهم وانتظر وصول سنقر الأشقر من صهيون فلم يصل فرجع إلى مصر وجهز النائب حسام الدين طرنطاي في العساكر لحصار الكرك بما وقع من شلامش وخسرو من الانتقاض فسار سنة خمس وثمانين وحاصرهم حتى استأمنوا وجاء بهم إلى السلطان فركب للقائهم وبالغ في اكرامهم ثم ساءت سيرتهم فاستراب بهم واعتقلهم وغربهم إلى القسطنطينية وولى على الكرك عز الدين المنصوري وبعده بيبرس الدويدار مؤلف أخبار الترك ثم جهز السلطان ثانيا النائب طرنطاي بالعساكر لحصار سنقر الأشقر بصهيون لانتفاضه واغارته على بلاد السلطان فسار لذلك سنة ست وثمانين وحاصره حتى استأمن هو ومن معه وجاء به السلطان وأنزله بالقلعة ولم يزل عنده إلى أن هلك السلطان فقبض عليه وتولى ابنه الأشرف من بعده كما نذكره إن شاء الله تعالى..وفاة ميخاييل ملك القسطنطينية. قد تقدم لنا كيف تغلب الإفرنج على القسطنطينية من يد الروم سنة ستمائة وكان ميخاييل هذا من بطارقتهم أقام في بعض الحصون بنواحيها فلما أمكنته الفرصة بيتها وقتل من كان بها من الإفرنج وفر الباقون في مراكبهم واجتمع الروم إلى ميخاييل هذا وملكوه عليهم وقتل الملك الذي قبله وكان بينه وبين صاحب مصر والناصر قلاون من بعده اتصال ومهاداة ونزل بنو الظاهر عليه عندما غربوا من مصر ثم مات ميخاييل سنة إحدى وثمانين وولى ابنه ماندر ويلقب الراونس وميخاييل هذا يعرف بالأشكري وبنوه من بعده بنو الاشكري وهم ملوك القسطنطينية إلى هذا العهد والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده..أخبار النوبة. كان الملك الظاهر وفد عليه أعوام سنة خمس وسبعين ملك النوبة من تشكيل مستجدا به على ابن أخيه داود لما كان تغلب عليه وانتزع الملك من يده فوعده السلطان وأقام ينتظر واستفحل ملد داود وتجاوز حدود مملكته إلى قرب اسوان من آخر الصعيد فجهز السلطان العساكر إليه مع اقسنقر الفارقاني وايبك الأفرم أستاذ داره وأطلق معهم مرتشكين ملك النوبة فساروا لذلك واستنفروا العرب وانتهوا إلى رأس الجنادل واستولوا على تلك البلاد وأمنوا أهلها وساروا في البلاد فلقيهم داود الملك فهزموه وأثخنوا في عساكره وأسروا أخاه وأخته وأمه وسار إلى مملكة السودان بالأبواب ورآه فقاتله ملكها وهزمه وأسره وبعث به مقيدا إلى السلطان فاعتقل بالقلعة إلى أن مات واستقر مرتشكين في سلطان النوبة على جراية مفروضة وهدايا معلومة في كل سنة وعلى أن تكون الحصون المجاورة لأسوان خالصة للسلطان وعلى أن يمكن ابن أخيه داود وجميع أصحابه من كل مالهم في بلادهم فوفى بذلك ثم مات الظاهر وانقرضت دولته ودولة بنيه وانتقل الملك إلى المنصور قلاون فبعث سنة ست وثمانين العساكر إلى النوبة مع علم الدين سنجر الخياط وعز الدين الكوراني وسار معهم نائب قوص عز الدين ايدمر السيفي بعد أن استنفر العربان أولاد أبي بكر وأولاد عمر وأولاد شريف وأولاد شيبان وأولاد كنز الدولة وجماعة من الغرب وبني هلال وساروا على العدوة الغربية والشرقية في دنقلة وملكهم بيتمامون هكذا أسماه النووي وأظنه أخا مرتشكين وبرزوا للعساكر فهزمتهم واتبعتهم خمسة عشر يوما وراء دنقلة ورتب ابن أخت بيتمامون في الملك ورجعت العساكر إلى مصر فجاء بيتمامون إلى دنقلة فاستولى على البلاد ولحق ابن أخته بمصر صريحا بالسلطان فبعث معه عز الدين أيك الافرم في العساكر ومعه ثلاثة من الأمراء وعز الدين نائب قوص وذلك سنة ثمان وثمانين وبعثوا المراكب في البحر بالازودة والسلاح ومات ملك النوبة بأسوان ودفن بها وجاء نائبه صريخا إلى السلطان فبعث معه داود ابن أخي مرتشكين الذي كان أسيرا بالقلعة وتقدم جريس بين يدي العساكر فهرب بيتمامون وامتنع بجزيرة وسط النيل على خمس عشرة مرحلة وراء دنقلة ووقفت العساكر على ساحل البحر وتعذر وصول المراكب إلى الجزيرة من كثرة الحجر وخرج بيتمامون منها فلحق بالابواب ورجع عنه أصحابه ورجعت إلى مصر ورجع بيتمامون إلى دنقلة وقتل داود وبعث الأمير الذي كان معهم إلى السلطان وحمله رغبة في الصلح على أن يؤدي الضريبة المعلومة فأسعف لذلك واستقر في ملكه انتهى والله تعالى أعلم.
|