الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن بني هود ملوك سرقسطة من الطوائف صارت إليهم من بني هاشم وما كان من أوليتهم ومصاير أمورهم. كان منذر بن مطرف بن يحيى بن عبد الرحمن بن محمد بن هاشم التجيبي صاحب الثغر الأعلى وكان بين المنصور وعبد الرحمن منافسة على الإمارة والرياسة وكانت دار إمارته سرقسطة ولما بويع المهدي بن عبد الجبار وانقرض أمر العامريين وجاءت فتنة البربر كان مع المستعين حتى قتل هشام مولاه فامتعض لذلك وفارقه وبايع المرواني للمرتضى مع مجاهد ومن اجتمع إليه من الموالي والعامريين وزحفوا إلى غرناطة فلقيهم زاوي بن زيري وهزمهم ثم ارتابوا بالمرتضى ووضعوا عليه من قتله مع خيران بالمرية واستبد منذر هذا بسرقسطة والثغر وتلقب بالمنصور وعقد ما بين طاغية جليقة وبرشلونة وبنيه وهلك سنة أربع عشرة وولي ابنه وتلقب المظفر وكان أبو أيوب سليمان بن محمد بن هود الجذامي من أهل نسبهم مستبدا بمدينة تطيلة ولاها منذ أول الفتنة وجدهم هود هو الداخل للأندلس ونسبه الأزد إلى سالم مولى أبي حذيفة قال هود بن عبد الله بن موسى بن سالم: وقيل هود من ولد روح بن زنباع فتغلب سليمان على المظفر يحيى بن المنذر وقتله سنة إحدى وثلاثين وملك سرقسطة والثغر الأعلى وابنه يوسف المظفر لاردة ثم نشأت الفتنة بينهما وانتصر المقتدر بالإفرنج والبشكنس فجاؤا لميعاده فوقعت الفتنة بين المسلمين وبينهم ثائره وانصرفوا إلى يوسف صاحب لاردة فحاصرهم بسرقسطة وذلك سنة ثلاث وأربعين وهلك أحمد المقتدر سنة أربع وسبعين لتسع وثلاثين سنة من ملكه فولى بعده ابنه يوسف المؤتمن وكان قائما على العلوم الرياضية وله فها تآليف مثل الاستهلال والمناظر ومات سنة ثمان وسبعين وهي السنة التي استولى فيها النصارى على طليطلة من يد القادر بن ذي النون وولي بعده المستعين وعلى يده كانت وقعة وشقه زحف سنة تسع وثمانين في آلاف لا تحصى من المسلمين وهلك فيها خلق نحو عشرة آلاف ولم يزل أميرا بسرقسطة إلى أن هلك شهيدا سنة ثلاث وخمسمائة بظاهر سرقسطة في زحف الطاغية إليها وولي بعده ابنه عبد الملك وتلقب عماد الدولة وأخرجه الطاغية من سرقسطة سنة إثنتي عشرة فنزل روطة من حصونها وأقام بها إلى أن هلك سنة ثلاث عشرة وولي ابنه أحمد وتلقب سيف الدولة والمستنصر وبالغ النكاية في الطاغية ثم سلم له روطة على أن يملكه بلاد الأندلس فانتقل معه إلى طليطلة بحشمه وآلته وهنالك هلك سنة ست وثلاثين وخمسمائة وكان من ممالك بني هود هؤلاء مدينة طرطوشة وقد كان بقايا من الموالي العامريين فملكها سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ثم هلك سنة خمس وأربعين وملكها بعده يعلى العامري ولم تطل مدته وملكها بعده شبيل إلى أن نزل عنها لعماد الدولة أحمد بن المستعين سنة ثلاث وخمسين نم تزل في يده وفي يد بنيه من بعده إلى أن غلب عليها العدو فيما غلب عليه من شرق الأندلس والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين..الخبر عن مجاهد العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية وأخبار بنيه ومواليهم من بعدهم ومصاير أمورهم. كان فتح ميورقة سنة تسعين ومائتين على يد عصام الخولاني وذلك أنه خرج حاجا في سفينة اتخذها لنفسه فعصفت بهم الريح فأرسوا بجزيرة ميورقة وطال مقامهم هنالك واختبروا من أحوالهم ما أطمعهم في فتحها فلما رجع بعد فرضه أخبر الأمير بما رأى فيها وكان من أهل الغناء عنده في مثلها فبعث معه القطائع في البحر ونفر الناس معه إلى الجهاد فحاصرها أياما وفتحوها حصنا حصنا إلى أن كمل فتحها وكتب عصام بالفتح إلى الأمير عبد الله فكتب له بولايتها فوليها عشر سنين وبنى فيها المساجد والفنادق والحمامات ولما هلك قدم أهل الجزيرة عليهم ابنه عبد الله وكتب له الأمير بالولاية ثم زهد وترهب وركب إلى الشرق حاجا وانقطع خبره وذلك سنة خمسين وثلاثمائة وبعث الناصر المرواني إليها الموفق من الموالي فأنشأ الأساطيل وغزا بلاد الإفرنج وهلك سنة تسع وخمسين أيام الحكم المستنصر وولي بعده كوثر من مواليه فجرى على سنن الموفق في جهاده وهلك سنة تسع وثمانين أيام المنصور فولى عليها مقاتل من مواليه وكان كثير الغزو والجهاد وكان المنصور وابنه المؤيد يمدانه في جهاده وهلك سنة ثلاث وأربعمائة أزمان الفتنة وكان مجاهد بن يوسف بن علي من فحول الموالي العامريين وكان المنصور قد رباه وعلمه مع مواليه القراآت والحديث والعربية فكان مجيدا في ذلك وخرج من قرطبة يوم قتل المهدي سنة أربعمائة وبايع هو والموالي العامريين وكثير من جند الأندلس للمرتضى كما قدمناه ولقيهم زاوي بفحص غرناطة فهزمهم وبدد شملهم ثم قتل المرتضى كما تقدم وسار مجاهد إلى طرطوشة فملكها ثم تركها وانتقل إلى دانية واستقل بها وملك ميورقة ومنورقة ويابسة واستبد سنة ثلاث عشرة ونصب العيطي كما مر فأراد الاستبداد ومنع طاعة مجاهد ومنعه أهل ميورقة من ذلك فبعث عنه مجاهد وقدم على ميورقة عبد الله ابن أخيه فولي خمس عشرة سنة ثم هلك وكان غزا سردانية في الأساطيل فاقتحمها وأخرج النصارى منها وتقبضوا على ابنه أسيرا ففداه بعد حين وولى مجاهد على ميورقة بعد ابن أخيه مولاه الأغلب سنة ثمان وعشرين وكان بين مجاهد صاحب دانية وبين خيران صاحب مرسية وابن أبي عامر صاحب بلنسية حروب إلى أن هلك مجاهد سنة ست وثلاثين وولي ابنه علي وتسمى إقبال الدولة وأصهر إلى المقتدر بن هود وأخرجه من دانية سنة ثمان وستين ونقله إلى سرقسطة ولحق ابنه سراج الدولة بالإفرنجة وأمدوه على شروط شرطها لهم فتغلب على بعض حصونه ثم مات فيما زعموا مسموما بحيلة من المقتدر سنة تسع ومات علي قريبا من وفاة المقتدر سنة أربع وسبعين ويقال بل فر أمام المقتدر إلى بجاية ونزل على صاحبها يحيى بن حماد ومات هنالك وأما الأغلب مولى مجاهد صاحب ميورقة فكان صاحب غزو وجهاد في البحر ولما هلك مجاهد استأذن ابنه عليا في الزيارة فأذن له وقدم على الجزيرة صهره ابن سليمان بن مشكيان نائبا عنه وبعث على آل الأغلب فاستعفاه وأقام سليمان خمس سنين ثم مات فولى علي مكانه مبشرا وتسمى ناصر الدولة وكان أصله من شرق الأندلس أسر صغيرا وجبه العدو وأقام بدانية محبوبا يجاهد في أسرى دانية وسردانية واصطفاه فولاه بعد مهلك سليمان فولي خمس سنين وانقرض ملك علي وتغلب عليه المقتدر بن هود فاستبد مبشر بميورقة والفتنة يومئذ تموج بين ملوك الطوائف وبعث إلى دانية في تسليم أهل سيده فبعثوا إليه بهم وأولاهم جميلا ولم يزل يردد الغزو إلى أرض العدو إلى أن جمع طاغية برشلونة الجموع ونازله بميورقة عشرة أشهر ثم افتتحها واستباحها سنة من ولايته وكان بعث بالصريخ إلى علي بن يوسف صاحب المغرب من لمتونة فلم يوافهم الأسطول بالمدد إلا بعد استيلاء العدو فما وصل الأسطول دفعوا العدو عنها وولى علي بن يوسف من قبله أنور بن أبي بكر اللمتوني فعسف بهم وأرادهم على بناء مدينة أخرى بعيدة من البحر فثاروا به وصغدوه وبعثوا إلى علي بن يوسف فردهم إلى ولاية محمد بن علي بن إسحاق بن غانية المستولي صاحب غرب الأندلس فبعث إليها أخاه محمد بن علي من قرطبة كان واليا عليها فوصل إلى ميورقة فصغد أنور وبعث به إلى مراكش وأقام في ولايتها عشر سنين إلى أن هلك أخوه يحيى وسلطانهم علي بن يوسف واستقرت ميورقة في ملك بني غانية هؤلاء وسلطانهم وكانت لهم في زمن علي بن يوسف بها دولة وخرج منها علي ويحيى إلى بجاية وملكوها من الموحدين وكانت لهم معهم حروب بأفريقية كما نذكر في أخبارهم بعد أخبار لمتونة وملك الإفرنج ميورقة من أيدي الموحدين آخر دولتهم والبقاء لله والملك يؤتيه من يشاء وهو العزيز الحكيم.
|