الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.خلع الناصر وولاية كيبغا العادل. ولما وقعت الوحشة بين كيبغا والشجاعي وتلتها هذه الفتنة استوحش كيبغا في ظاهر أمره وانقطع عن دار النيابة متمارضا وتردد السلطان لعيادته ثم حمل بطانته على الاستبداد بالملك والجلوس على التخت وكان طموحا لذلك من أول أمره فجمع الأمراء ودعاهم إلى بيعته فبايعوه وخلع الناصر وركب إلى دار السلطان فجلس على التخت وتلقب بالعادل وأخرج السلطان من قصور الملك وكان مع أمه ببعض الحجر وولى حسام الدين لاشين نائبا والصاحب فخر الدين عمر بن عبد العزيز الخليلي الدار وزيرا نقله إليها من النظر في الديوان لعلاء الدين ولى العهد ابن قلاون وعز الدين ايبك الأفرم الصالحي أمير جندار وبهادر الحلبي أمير حاجب وسيف الدين منماص أستاذ دار وقسم إمارة الدولة بين مماليكه وكتب إلى نواب الشام بأخذ البيعة فأجابوا بالسمع والطاعة وقبض على عز الدين ايبك الخازندار نائب طرابلس وولى مكانه فخر الدين ايبك الموصلي وكان الخازندار ينزل حصن الأكراد ونزل الموصلي بطرابلس وعادت دار امارة ثم وفد سنة خمس وتسعين على العادل كيبغا طائفة من التتر يعرفون بالاربدانية ومقدمهم طرنطاي كان مداخلا لبدولي كنجاب ابن عمه ملك التتر فلما سار الملك إلى غازان خافه طرنطاي وكانت احياؤه بين غازان والموصل وأوعز غازان إلى التتر الذين من مارتكن فأخذ الطرق عليهم وبعث قط قرا من أمرائه للقبض على طرنطاي وأصحابه وعبروا الفرات إلى الشام واتبعهم التتر من ديار بكر فكروا عليهم فهزموهم وأمر العادل سنجر الدوادار أن يتلقاهم بالرحب واحتفل نائب دمشق لقدومهم ثم ساروا إلى مصر فتلقاهم شمس الدين قرا سنقر وكانوا يجلسون مع الأمراء بباب القلعة فانفوا لذلك وكان سببا لخلع العادل كما نذكر ووصل على أثرهم بقية قومهم بعد أن مات منهم كثير ثم رسخوا في الدولة وخلطهم الترك بأنفسهم وأسلموا واستخدموا أولادهم وخلطوهم بالصهر والولاء والله سبحانه وتعالى أعلم..خلع العادل كيبغا وولاية لاشين المنصور. كان أهل الدولة نقموا على السلطان كيبغا العادل تقديم مماليكه عليهم ومساواة الاربدانية سمن التتر بهم على خلعه وسار إلى الشام في شوال سنة خمس وتسعين فعزل عز الدين ايبك الحموي نائب دمشق واستصفاه وولى مكانه سيف الدين عزلو من مواليه ثم سار إلى حمص متصيدا ولقيه المظفر صاحب حماة فأكرمه ورده إلى بلده مصر والأمراء مجمعون خلعه والفتك بمماليكه وانتهى إلى العوجاء من أرض فلسطين وبلغه عن بيسري الشمسي أنه كاتب التتر فنكر عليه واغلظ له في الوعيد وارتاب الأمراء من ذلك وتمشت رجالاتهم واتفقوا وركب حسام الدين قفجاق وبهادر الحلبي الحاجب وبكناش الفخري وببليك الخازندار واقوش الموصلي وبكتمر السلحدار وسلار وطغجي وكرجي ومعطاي ومن انضاف إليهم بعد أن بايعوا لاشين وقصدوا مخيم بكتوت الأزرق فقتلوه وجاءهم ميحاص فقتلوه أيضا وركب السلطان كيبغا في لفيفه فحملوا عليه فانهزم إلى دمشق وبايع القوم لاشين ولقبوه المنصور وشرطوا عليه أن لا ينفرد عنهم برأي فقبل وسار إلى مصر ودخل القلعة ولما وصل كيبغا إلى دمشق لقيه نائبه سيف الدين عزلو وأدخله القلعة واحتاط على حواصل لاشين والأمراء الذين معه وأمن جماعة من مواليه ووصلت العساكر التي كانت مجردة بالرحبة ومقدمهم جاغان وكانوا قد داخلوا لاشين في شأنه ونزلوا ظاهر دمشق واتفقوا على بيعة لاشين وأعلنوا بدعوته وانحل أمر العادل وسأل ولاية صرخد وألقي بيده فحبس بالقلعة لسنتين من ولايته وبعث الأمراء ببيعتهم للاشين ودخل سيف الدين جاغان إلى القلعة ثم وصل كتاب لاشين ببعثه إلى مصر وبعث إلى كيبغا بولاية صرخد كما سأل ووصل قفجق المنصوري نائبا عن دمشق وأفرج لاشين بمصر عن ركن الدين بيبرس الجاشنكير وغيره من المماليك وولى قرا سنقر نائبا وسيف الدين سلار أستاذ دار وسيف الدين بكتمر السلحدار أمير جاندار وبهادر الحلبي صاحب وأقر فخر الدين الخليلي على وزارته ثم عزله وولى مكانه شمس الدين سنقر الأشقر وقبض على قرا سنقر النائب وسيف الدين سلار أستاذ دار سنة ست وتسعين وولى مكانه سيف الدين منكوتمر الحسامي مولاه واستعمل سيف الدين قفجق المنصوري نائبا ثم أمر بتجديد عمارة جامع ابن طولون وندب لذلك علم الدين سنجر الدوادار وأخرج للنفقة فيه من خالص ماله عشرين ألف دينار ووقف عليه أملاكا وضياعا ثم بعث سنة تسع وسبعين بالناصر محمد بن قلاون إلى الكرك مع سيف الدين سلار أستاذ دار وقال لزين الدين بن مخلوف فقيه بيته هو ابن أستاذي وأنا نائبه في الأمر ولو علمت أنه يقوم بالأمر لاقمته وقد خشيت عليه في الوقت فبعثه إلى الكرك فوصلها في ربيع وقال النووي إنه بعث معه جمال الدين بن أقوش ثم قبض السلطان في هذه السنة على بدر الدين بيسري الشمسي بسعاية منكوتمر نائبه لان لاشين أراد أن يعهد إليه بالأمر فرده بيسري عن ذلك وقبحه عليه فدس منكوتمر بعض مماليك بيسري وانهوا إلى السلطان أنه يريد الثورة فقبض عليه آخر ربيع الثاني من السنة وأودعه السجن فمات في محبسه وقبض في هذه السنة على بهادر الحلبي وعلى عز الدين ايبك الحموي ثم أمر في هذه السنة برد الأقطاعات في النواحي وبعث الأمراء والكتاب لذلك وتولى ذلك عبد الرحمن الطويل مستوفي الدولة وقال مؤرخ حماة المؤيد كانت مصر منقسمة على أربعة وعشرين قيراطا أربعة منها للسلطان والكلف والرواتب وعشرة للأمراء والإطلقات والزيادات وعشرة للأجناد الجلقة فصيروها عشرة للأمراء والإطلاقات والزيادات والأجناد وأربعة عشر للسلطان فضعف الجيش وقال النووي قرر للخاص في الروك الجيزة واطفج ودمياط ومنفلوط والكوم الأحمر وحولت السنة الخراجية من سنة ست وتسعين وهذا في العدد إنما هو بعد انقضاء ثلاثة وثلاثين سنة واحدة وهي تفاوت ما بين السنين الشمسية والقمرية وهو حجة ديوان الجيش في انقضاء التفاوت الجيشي وهو تحويل بالأقلام فقط وليس فيه نقص شيء ثم أقطعت البلاد بعد الروك واستثنيت المراتب الجسرية والرزق الأحباسية انتهى كلام النووي رحمه الله والله تعالى أعلم.
|