الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.سفارة الشيخ أبي اسحق الشيرازي عن الخليفة. كان الخليفة المقتدي وكان عميد العراق أبو الفتح بن أبي الليث يسيء معاملة الخليفة فبعث المقتدي الشيخ أبا اسحق الشيرازي إلى السلطان ملك شاه وزيره نظام الملك باصفهان شاكيا من العميد فسار الشيخ لذلك ومعه الإمام أبو بكر الشاشي وغيره من الأعيان ورأى الناس عجبا في البلاد التي يمر بها من اقبال الخلق عليه وازدحامهم على محفته يتمسحون بها ويلثمون أذيالها وينشرون موجودهم عليها من الدراهم والدنانير لأهلها والمصنوعات لأهل الصنائع والبضائع للتجار والشيخ في ذلك يبكي وينتحب ولما حضر عند السلطان أظهر المحرمة وأجابه إلى جميع ما طلبه ورفعت يد العميد عن كل ما يتعلق بالخليفة وحضر الشيخ مجلس نظام الملك فجرت بينه وبين إمام الحرمين مناظرة خبرها معروف..اتصال بني جهير بالسلطان ملك شاه ومسير فخر الدولة لفتح ديار بكر. كان فخر الدولة أبو نصر بن جهير وزير المقتدي قد عزل سنة إحدى وسبعين على يد نظام الملك ولحق به ابنه عميد الدولة واسترضاه فرضي نظام الملك وشفع إلى الخليفة فاعتمد عميد الدولة دون أبيه كما تقدم في أخبار الخلفاء ثم أرسل المقتدي سنة أربع وسبعين فخر الدولة إلى ملك شاه يخطب له ابنته فسار إليها اصبهان وعقد له نكاحها على خمسين ألف دينار معجلة وعاد إلى بغداد ثم عزل المقتدي ابنه عميد الدولة عن الوزارة سنة ست وسبعين وكانوا قد علقوا بخطة من نظام الملك فبعث عن نفسه وعن ملك شاه يطلب حضور بني جهير عندهم فساروا بأهليهم فعظمت حظوظهم عند السلطان وعقد لفخر الدولة على ديار بكر وبعث معه العساكر لفتحها من يد بني مروان وأذن له اتخاذ الآلة وأن يخطب لنفسه ويكتب اسمه على السكة فسار في العساكر السلطانية..استيلاء ابن جهير على الموصل. ولما سار فخر الدولة ابن جهير لفتح ديار بكر استنجد ابن مروان مسلم بن قريش وشرط له أمرا وتحالفا على ذلك واجتمعا لحرب ابن جهير وبعث السلطان الأمير ارتق بن أكسك في العساكر مددا لابن جهير فجنح ابن جهير الى الصلح وبادر أرتق إلى القتال فهزم العرب والأكراد وغنم معسكرهم ونجا مسلم بن قريش إلى آمد وأحاطت به العسكر فلما اشتد مخنقه راسل الأمير أرتق في الرخوج على مال بذله له فقبله وكانت له حراسة الطريق فخرج إلى الرقة وسار ابن جهير إلى ميافارقين وفارقه منصور بن مزيد وابنه صدقة فعاد منها إلى خلاط ولما بلغ السلطان انحصار مسلم في آمد بعث عميد الدولة في جيش كثيف إلى الموصل ومعه آقسنقر قسيم الدولة الذي أقطعه بعد ذلك حلب وساروا إلى الموصل فلقيهم أرتق ورجع معهم ولما نزلوا على الموصل بعث عميد الدولة إلى أهلها بالترغيب والترهيب فأذعنوا واستولى عليها وجاء السلطان في عساكره إلى بلاد مسلم بن قريش وقد خلص من الحصار وهو مقيم قبالة الرحبة فبعث إليه مؤيد الكتاب ولاطف السلطان واسترضاه ووفد إليه بالقوارح ورده السلطان إلى أعماله وعاد لحرب أخيه تتش الذي ذكرناه آنفا..فتح سليمان بن قطلمش انطاكية والخبر عن مقتله ومقتل مسلم ابن قريش واستيلاء تتش على حلب. كان سليمان بن قطلمش بن اسرائيل بن سلجوق قد ملك قرسة واقتصروا أعمالها من بلاد الروم إلى الشأم وكانت انطاكية بيد الروم من سنة ثمان وخمسين وثلثمائة وكان ملكها لعهده الفردروس فأساء إلى جنده ورعاياه وتنكر لابنه وحبسه فداخل الشحنة في تمكين سلمان من البلد فاستدعوه سنة سبع وسبعين فركب إليها البحر وخرج إلى البر في أقرب السواحل إليها في ثلثمائة ألف فارس ورجل كثير وسار في جبال واوعار فلما انتهى إلى السور وأمكنه الشحنة من تسلم السور دخل البلد وقاتل أهلها فهزمهم وقتل كثيرا منهم ثم عفا عنهم وملك القلعة وغنم من أموالهم ما لا يحصى وأحسن إلى أهلها وأمر لهم بعمارة ما خرب وأرسل إلى السلطان ملك شاه بالفتح ثم بعث إليه مسلم بن قريش يطلب منه ما كان يحمل إليه الفرد روس ملك انطاكية من المال ويخوفه معصية السلطان فأجابه بتقرير الطاعة للسلطان وبأن الجزية لا يعطيها مسلم ونهب نواحي انطاكية فنهب سليمان نواحي حلب ثم جمع سليمان العرب والتركمان وسار لنواحي انطاكية ومعه جماهير التركمان وجمع سليمان كذلك والتقيا آخر صفر سنة ثمان وسبعين وانحاز إلى سليمان فانهزمت العرب وقتل مسلم وسار سليمان بن قطلمش إلى حلب وحاصرها فامتنعت عليه وأرسل إليه ابن الحثيثي العباسي كبير حلب بالأموال وطالبه أن يمهل حتى يكاتب السلطان ملك شاه ودس إلى تاج الدولة تتش صاحب دمشق يستدعيه لملكها فجاء لذلك ومعه أرسوس أكسك وكان خائفا على نفسه من السلطان ملك شاه لفعلته في أمر فاستجار بتتش وأقطعه المورس وسار معه لهذه الحرب وبادر سلمان بن قطلمش إلى اعتراضهم وهم على تعبية وأبلى أرتق في هذه الحروب وانهزم سليمان وطعن نفسه بخنجر فمات وغنم تتش معسكره وبعث إلى ابن الحثيثي العباسي فيما استدعاه إليه فاستهمله إلى مشورة السلطان ملك شاه وأغلظ في القول فغضب تتش وداخله بعض أهل البلد فتسورها وملكها واستجار ابن الحثيثي بالأمير أرتق فأجاره وسمع له.
|