الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.فتنة قاروت بك صاحب كرمان ومقتله. كان بكرمان قاروت بك أخو السلطان البارسلان أميرا عليها فلما بلغه وفاة أخيه سار إلى الري لطلب الملك فسبقه إليها السلطان ملك شاه ونظام الملك ومعهما مسلم بن قريش ومنصور بن دبيس وأمراء الأكراد والتقوا على نهر مان فانهزم قاروت بك وجيء به إلى أمام سعد الدولة كوهراس فقتله خنقا وأمر كرمان بسير بنيه وبعث إليهم بالخلع وأقطع العرب والأكراد مجازاة لما أبلوا في الحرب ود كان السلطان البارسلان شافعا فيه على الخليفة فلقيهم خبر وفاة البارسلان في طريقهم فروا إلى ملك شاه وسبق إليه مسلم بطاعته وأما بهاء الدولة منصور بن دبيس فان أباه أرسله بالمال إلى ملك شاه فلقيه سائرا للحرب فشهدها معه ثم توفي أياز أخو السلطان ملك شاه ببلخ سنة خمس وستين فكفله ابنه ملك شاه إلى سنة سبع وستين وتوفي القائم منتصف شعبان منها لخمس وأربعين سنة من خلافته ولم يكن له يومئذ ولد وإنما كان له حافد وهو المقتدي عبد الله بن محمد وكان أبوه محمد بن القائم ولي عهده وكان يلقب ذخيرة الدين ويكنى أبا العباس وتوفي سنة وعهد القائم فلما توفي اجتمع أهل الدولة وحضر مؤيد الملك بن نظام الملك والوزير فخر الدولة بن جهير وابنه عميد الدولة والشيخ أبو اسحق الشيرازي ونقيب النقباء طراد وقاضي القضاة الدامغاني فبايعوه بالخلافة لعهد جده إليه بذلك وأقر فخر الدولة بن جهير على الوزارة وبعث ابنه عميد الدولة إلى السلطان ملك شاه لأخذ بيعته والله الموفق للصواب..استيلاء السلجوقية على دمشق وحصارهم مصر ثم استيلاء تتش ابن السلطان ألبارسلان على دمشق. قد تقدم لنا ملك انسز الرملة وبيت المقدس وحصاره دمشق سنة إحدى وستين ثم عاد عنها وجعل يتعاهد نواحيها بالعيث والافساد كل سنة ثم سار إليها في رمضان سنة سبع وستين وحاصرها ثم عاد عنها وهرب منها أميرها من قبل المستنصر العلوي صاحب مصر المعلى بن حيدره لأنه كثر عسفه بالجند والرعية وظلمه فثاروا به فهرب إلى بانياس ثم إلى صور ثم إلى مصر فحبس ومات بها محبوسا واجتمعت المصامدة بدمشق وولي عليهم أنصار بن يحيى المصمودي ويلقب نصير الدولة وغلت الاقوات عندهم واضطربوا فعاد اليها انسز في شعبان سنة ثمان وستين فاستأمنوا إليه وعوض انتصارا منها بقلعة بانياس ومدينة يافا من الساحل ودخلها في ذي القعدة وخطب بها للمقتدي ومنع من النداء بحي على خير العمل وتغلب على كثير من مدن الشام ثم سار سنة تسع وستين إلى مصر وحاصرها وضيق عليها واستنجد المنتصر بالبوادي من نواحيها فوعدوه بالنصر وخرج بدر الجمالي في العساكر التي كانت بالقاهرة وجاء أهل البلاد لميعادهم فإنهزم أنسز وعساكره ونجا إلى بيت المقدس فوجدهم قد بمخلفه فتحصنوا منه بالمعاقل فافتتحها عليهم عنوة واستباحها حتى قتلهم في المسجد وقد تقدم ضبط هذا الاسم وأنه عند أهل الشأم انسيس والصحيح انسز وهو اسم تركي ثم إن السلطان ملك شاه أقطع أخاه تتش بن ألبارسلان بلاد الشأم وما يفتحه من تلك النواحي سنة سبعين وأربعمائة فقصد حلب أولا وحاصرها ومعه جموع من التركمان وكان بدر الجمالي المستولي على مصر قد بعث العساكر لحصار دمشق وبها أنسز فبعث إلى تتش وهو على حلب يستنجده فسار إليه وأخرت عساكر مصر عنه منهزمين ولما وصل إلى دمشق قعد انسز على لقائه وانتظر قدومه فلقيه عند السور وعاتبه على ذلك فتساهل في العذر فقتله لوقته وملك البلد واستولى على الشام أجمع كما سيأتي وكان يلقب تاج الدولة ثم سار في سنة اثنتين وسبعين إلى حلب فحاصرها أياما وأفرج عنها وملك مراغة والبيرة وعاد إلى دمشق وخالفه مسلم بن قريش إلى حلب فملكها كما تقدم في أخباره وضمنها للسلطان ملك شاه فولاه إياها وسار مسلم بن قريش فحاصرها آخر سنة أربع وسبعين ثم أفرج عنها فخرج تتش وقصد طرسوس من الساحل فافتتحها ورجع ثم حاصرها مسلم ثانية سنة تسع وسبعين وبلغه أن تاج الدولة تتش سار إلى بلاد الروم غازيا فخالفه إلى دمشق وحاصرها معه العرب والأكراد وبعث إليه العلوي صاحب مصر بعده بالمدد وبلغ الخبر إلى تتش فكر راجعا وسبقه إلى دمشق فحاصرها أياما ثم خرج إليه تتش في جموعه فهزمه واضطرب أمره ووصله الخبر بانتقاض أهل حران فرحل من مرج الصفر راجعا إلى بلاده ثم سار أمير الجيوش من مصر في العساكر إلى دمشق سنة ثمان وسبعين وحاصرها فامتنعت عليه ورجع فلحقوا بأخيه تكش في فقوي به وأظهر العصيان واستولى على مروالروذ ومرو الساهجان وغيرهما وسار إلى نيسابور طامعا في ملك خراسان وبلغ الخبر إلى السلطان فسبقه إلى نيسابور فرجع تتش وتحصن بترمذ وحاصره السلطان حتى سأل الصلح وأطلق من كان في أسره من عسكر السلطان ونزل عن ترمذ وخرج إليه فأكرمه ثم عاود العصيان سنة سبع وسبعين وملك مرو الروذ ووصل قريبا من سرخس وحاصر قلعة هناك لمسعود ابن الأمير فاخر وتحيل أبو الفتوح الطوسي صاحب نظام وهو بنيسابور على ملطفة وضعوها على شبه خط نظام الملك يخاطب فيها صاحب القلعة بأنه واصل في ركاب السلطان ملك شاه وأنه مصالح للقلعة وتعرض حاملها لأهل المعسكر حتى أخذوا كتابه بعد الضرب والعرض على القتل وحدثهم بمثل ما في الصحيفة وأن السلطان وعساكره في الري فأجفلوا لوقتهم إلى قلعة ربح وخرج أهل الحصن فأخذوا ما في العسكر وجاء السلطان بعد ثلاثة أشهر فحاصره في قلعته حتى افتتحها وحده ودفعه إلى ابنه أحمد فتسلمه وحبسه فخرجا من يمينه معه.
|