الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مسير السلطان إلى الشام وصلح الأرمن ومكثه في مصيا وهدم الشويك. ثم تجهز السلطان سنة اثنتين وتسعين إلى الشام وقدم بيدو النائب بالعساكر وعاج على الكرك على الهجن فوقف عليها وأصلح من أمورها ورجع ووصل إلى الشام فوافاة رسول صاحب سيس ملك الأرمن راغبا في الصلح على أن يعطي تهسنا ومرعش وتل حمدون فعقد لهم على ذلك وملك هذه القلاع وهي في غم الدرب من ضياع حلب وكانت تهسنا للمسلمين ولما ملك هلاكو حلب باعها النائب من ملك الأرمن سيس ثم سار السلطان إلى حمص ووصل إليها في رجب من السنة ومعه المظفر صاحب حماة ونزل سلمية ولقيه مهنا بن عيسى أمير العرب فقبض عليه وعلى أخويه محمد وفضل وابنه موسى وبعثهم معتقلين مع لاشين إلى دمشق ومن هناك إلى مصر فحبسوا بها وولى على الغرب مكانهم محمد بن أبي بكر بن علي ابن جديلة وأوعز وهو بحمص إلى نائب الكرك بهدم قلعة الشويك فهدمت وانكف راجعا إلى مصر وقدم العساكر مع بيدو وجاء في الساقة على الهجن مع خواصه ولما دخل على مصر أفرج عن لاشين المنصوري والله تعالى أعلم..مقتل الأشرف وولاية أخيه محمد الناصر في كفالة كيبغا. كان النائب بيدو مستوليا على الأشرف والأشرف مستريب به حتى كأنه مستبد وكان مستوحشا من الأشرف سنة ثلاث وتسعين على الصيد في البحيرة فخرج إليها وبعثها وزيره ابن السلعوس للإسكندرية لتحصيل الأموال والأقمشة فوجد بيدو قد سبقوا إليها واستصفوا ما هنالك فكاتب السلطان بذلك فغضب واستدعى بيدو فوبخه وتوعده ولم يزل هو يلاطفه حتى كسر من سورة غضبه ثم خلص إلى أصحابه وداخلهم في التوثب به وتولى كبر ذلك منهم لاشين المنصوري نائب دمشق وقرا سنقر المنصوري نائب حلب وكان الأمراء كلهم حاقدين على الأشرف لتقديمه حاشيته عليهم ولما كتب إليه السلعوس بقلة المال صرف مواليه إلى القلعة تخفيفا من النفقة وبقي في القليل وركب بعض أيامه يتصيد وهو مقيم فرجة فاتبعوه وأدركوه في صيده فأوجس في نفسه الشر منهم فعاجلوه وعلوه بالسيوف ضربه أولا بيدو وثنى عليه لاشين وتركوه مجدنلا بمصرعه منتصف محرم من السنة ورجعوا إلى المخيم وقد أبرموا أن يولوا بيدو فولوه ولقبوه القاهر وتقبض على بيسري الشمسى وسيف الدين بكتمر السلحدار واحتملوهما وساروا إلى قلعة الملك وكان زين الدين سيف قد ركب للصيد فبلغه الخبر في صيده فسار في اتباعهم ومعه سوس الجاشنكير وحسام الدين استاذ دار وركن الدين سوس وطقجي في طائفة من الجاشنكيرية وادركوا القوم على الطرانة ولما عاينهم بيدو وبيسري وبكتمر المعتقلين في المخيم رجعوا إلى كيبغا على القناة وافترق أصحابه قراسنقر ولاشين بالقاهرة ويقال أن لاشين كان مختفيا في مأذنة جامع ابن طولون ووصل كيبغا وأصحابه إلى القلعة وبها علم الدين الشجاعي واستدعوا محمد بن قلاون أخا الأشرف وبايعوه ولقبوه الناصر وقام بالنيابة كبغا وبالاتابكية حسام الدين وبالوزارة علم الدين سنجر وبالاستاذ دارية ركن الدين سوس الجاشنكير واستبدوا بالدولة فلم يكن الناصر يملك معهم شيئا من أمره وجدوا في طلب المراء الذين داخلو بيدو في قتل الأشرف فاستوعبوهم بالقتل والصلب والقطع وكان بهادر رأس نوبة وأقوش الموصلي فقتلا وأحرقت أشلاؤهما وشفع كيبغا في لاشين وقرا سنقر المتوليين كبر ذلك فظهرا من الأختفاء وعادا إلى محلهما من الدولة ثم تقبض على الوزير محمد بن السلعوس عند وصوله من الإسكندرية وصادره الوزير الشجاعي وامتحنه فمات تحت الامتحان وأفرج عن عز الدين ايبك الصالحي وكان الأشرف اعتقله سنة اثنتين وتسعين والله سبحانه وتعالى أعلم..وحشة كيبغا ومقتل الشجاعي. ثم إن الشجاعي لطف محله من الناصر واختصه بالمداخلة وأشار عليه بالقبض على جماعة من الأمراء فاعتقلهم وفيهم سيف الدين كرجي وسيف الدين طونجي وطوى ذلك عن كيبغا وبلغه الخبر وهو في موكب بساحة القلعة وكان الأمراء يركبون في خدمته فاستوحش وارتاب بالشجاعي وبالناصر ثم جاء بعض مماليك الشجاعي إلى كيبغا في الموكب وجرد سيفه لقتله فقتله مماليكه وتأخر هو ومن كان معه من الأمراء عن دخول القلعة وتقبضوا على سوس الجاشنكير أستاذ دار وبعثوا إلى الإسكندرية ونادوا في العسكر فاجتمعوا وحاصروا القلعة وبعث إليهم السلطان أميرا فشرطوا عليه أن يمكنهم من الشجاعي فامتنع وحاصروه سبعا واشتد القتال وفر من كان بقي في القلعة من العسكر إلى كيبغا وخرج الشجاعي لمدافعتهم فلم يغن شيئا ورجع السلطان وقد خامره الرعب فطلب أن يحبس نفسه فمضى به المماليك إلى السجن وقتلوه في طريقهم وبلغ الخبر إلى كيبغا ومن كان معه فذهبت عنهم الهواجس واستأمنوا للسلطان فأمنهم واستحلفوه فحلف لهم ودخلوا إلى القلعة وأفاض كيبغا العطاء في الناسو أخرج من كان في الطباق من كان في الطباق من المماليك بمداخلة الشجاعي فأنزلهم إلى البلد بمقاصر الكسرو دار الوزارة والجوار وكانوا نحوا من آلاف فأقاموا بها ولما كان المحرم فاتح سنة أربع وتسعين استعدوا ليلة وركبوا فيها جميعا وأخرجوا من كان في السجون ونهبوا بيوت الأمراء واعجلهم الصبح عن تمام قصدهم وباكرهم الحاجب بهادر ببعض العساكر فهزمهم وافترقوا وتقبض على كثير منهم فأخذ منهم العقاب مأخذه قتلا وضربا وعزلا وأفرح عن عز الدين أيبك الأفرم وأعيد إلى وظيفته أمير جندار ثم هلك قريبا واستحكم أمر السلطان ونائبه كيبغا وهو مستبد عليه واستمر الحال على ذلك إلى أن كان ما نذكره أن شاء الله تعالى والله تعالى ولى التوفيق.
|