الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مقتل الوزير نظام الملك. ثم ارتحل السلطان ملك شاه إلى بغداد سنة خمس وثمانين فانتهى إلى اصهبان في رمضان وخرج نظام الملك من بيته بعد الافطار عائدا إلى خيمته فاعترضه بعض الباطنية في صورة متظلم فلما استدناه لسماع شكواه طعنه بخنجر فأشواه وعثر الباطني في أطناب الخيام ودخل نظام الملك الخيمة فمات لثلاثين سنة من وزارته واهتاج عسكره فركب إليه السلطان وسكن الناس ويقال أن السلطان ملك شاه وضع الباطني على قتله لما وقع منه ومن بنيه من الدالة والتحكم في الدولة وقد كان السلطان دس على ابنه جمال الدين من قتله سنة خمس وسبعين كان بعض حواشي السلطان سعى به فسطا به جمال الدين وقتله فأحقد السلطان بذلك وأخذ عميد خراسان فقتله خنقا فدس لخادم من خدم جمال الدين بذلك وأنهم اذا تولوا قتله بأنفسهم كان أحفظ لنعمتهم فسقاه الخادم سما ومات وجاء السلطان إلى نظام الملك وأغراه به وما زال بطانة السلطان يغضون منه ويحاولون السعاية فيه إلى أن ولى حافده عثمان بن جمال الملك على مرو وبعث السلطان إليها كردن من أكابر المماليك والأمراء شحنة ووقعت بينه وبين عثمان منازعة في بعض الأيام فأهانه وحبسه ثم أطلقه وجاء إلى السلطان شاكيا فاستشاط غضبا وبعث فخر الملك البارسلان إلى نظام الملك وأغراه به وما زال يقول إن كنت تابعا فقف عند حدك وإن كنت شريكي في سلطاني فافعل ما بدا لك وقرر عليه فعل حافده وسائر بنيه في ولايتهم وأرسل معه نكبرذ من خواصه ثقة على ما يؤديه من القول ويجيبه الآخر فانبسط لسان نظام الملك يعدد الوسائل منه والمدافعة عن السلطان وجمع الكلمة وفتح الأمصار في كلام الملك يعدد الوسائل منه والمدافعة عن السلطان وجمع الكلمة وفتح الأمصار في كلام طويل حملته الدالة وقال في آخره إن شاء فله مؤيد مرو آتي ومتى أطعت هذه زالت تلك فليأخذ حذره ثم زاد في انبساطه وقال قولوا عني ما أردتم فان توبيخكم نتأ في عضدي ومضى نكبرذ فصدق السلطان الخبر وجاء الآخرون وحاولوا الكتمان فلم يسعهم لما وشي نكبرذ بجلبة القول فصدقوه كما صدقه ومات نظام الملك بعدها بقليل ومات السلطان بعده بنحو شهر وكان أصل نظام الملك من طوس من أبناء الدهاقين اسمه أبو علي الحسن بن علي بن اسحق ذهبت نعمة آبائه وماتوا فنشأ يتيما ثم تعلم وحذق في العلوم والصنائع وعلق بالخدم السلطانية في بلاد خراسان وغزنة وبلخ ثم لازم خدمة أبي علي بن شاذان وزير البارسلان ومات ابن شاذان فأوصى به السلطان البارسلان وعرفه كفايته فاستخدمه فقام بالأمور أحسن قيام فاستوزره ثم هلك السلطان البارسلان وهو في وزارته ثم استوزره ملك شاه بعد أبيه وكان عالما جوادا صفوحا مكرما للعلماء وأهل الدين ملازما لهم في مجلسه شيد المدارس وأجرى فيها الجرايات الكثيرة وكان يملي الحديث وكان ملازما للصلوات محافظا على أوقاتها وأسقط في أيامه كثيرا من المكوس والضرائب وأزال لعن الاشعرية من المنابر بعد أن فعله الكندوي من قبله وحمل عليه السلطان طغرليك وأجراهم مجرى الرافضة وفارق امام الحرمين وأبو القاسم القشيري البلاد من أجل ذلك فلما ولى ألبارسلان حمله نظام على إزالة ذلك ورجع العلماء إلى أوطانهم ومناقبة كثيرة وحسبك من عكوف العلماء على مجلسه وتدوينهم الدواوين باسمه فعل ذلك أمام الحرمين وأشباهه وأما مدارسه فقد بنى النظامية ببغداد وناهيك بها ورتب الشيخ أبا اسحق الشيرازي للتدريس بها وتوفي سنة ست وسبعين فرتب ابنه مؤيد الملك مكانه أبا سعيد المتولي فلم يرضه نظام الملك وولى فيها الإمام أبا نصر الصباغ صاحب الشامل ومات أبو نصر في شعبان من تلك السنة فولى أبو سعيد من سنة ثمان وسبعين ومات فدرس بعده الشريف العلوي أبو القاسم الدبوسي وتوفي سنة اثتنين وثمانين وولى تدريسه بعدها أبو عبد الله الطبري والقاضي عبد الوهاب الشيرازي بالنوبة يوما بيوم ثم ولى تدريسها الإمام أبو حامد الغزالي سنة أربع وثمانين واتصل حكمها على ذلك وفي أيامه عكف الناس على العلم واعتنوا به لما كان من حسن أثره في ذلك والله أعلم..وفاة السلطان ملك شاه وولاية ابنه محمود. ثم لما سار السلطان بعد مقتل نظام الملك إلى بغداد ودخلها آخر رمضان وكان معه في الدولة أبو الفضل الهروستماني وزير زوجته الخاتون الجلالية من الملوك الخانية فيما وراء النهر وكان أشد الناس سعاية في نظام الملك وعزم السلطان أن يستوزره لأول دخوله بغداد فعاقت المنية عن ذلك وطرقه المرض ثالث الفطر وهلك منتصف شوال سنة خمس وثمانين وكانت زوجته تركمان خاتون الجلالية عنده في بغداد وابنها محمود غائبا في اصبهان فكتمت موته وسارت بشلوه إلى اصبهان وتاج الملك في خدمتها وقدمت بين يديها قوام الدين كربوقا الذي ولى الموصل من بعد وأرسلته بخاتم السلطان إلى مستحفظ القلعة فملكها وجاءت على أثره وقد أفاضت الأموال في الأمراء والعساكر ودعتهم إلى بيعة ولدها محمود وهو ابن أربع سنين فأجابوا إلى ذلك وبايعوه وأرسلت إلى المقتدر في الخطبة له فأجابها على أن يكون الأمير أنز قائما بتدبير الملك ومجد الملك مشيرا وله النظر في الأعمال والجباية فنكرت ذلك أمه خاتون وكان السفير أبا حامد الغزالي فقال لها أن الشرع لا يجيز ولاية ابنك فقبلت الشرط وخطب له آخر شوال سنة خمس وثلاثين وأرسلت تركمان خاتون إلى اصبهان في القبض على بركيارق فحبس باصبهان وكان السلطان ملك شاه من أعظم ملوك السلجوقية ملك من الصين إلى الشام ومن أقصى الشام إلى اليمن وحمل إليه ملوك الروم الجزية ومناقبه عظيمة مشهورة.
|