الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.ردة اليمن: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى مكة وبني كنانة عتاب بن أسيد وعلى الطائف وأرضها عثمان بن أبي العاص على المدر ومالك بن عوف على الوبر وعلى عجز هوزان عكرمة بن أبي جهل وعلى نجران وأرضها عمرو بن حزم على الصلاة وأبو سفيان بن حرب على الصدقات وعلى ما بين زمع وزبيد إلى نجران خالد بن سعيد بن العاص وعلى همدان كلها عامر بن شهر الهمداني وعلى صنعاء فيروز الديلمي ومسانده دادويه وقيس بن مكشوح المرادي رجعوا إليها بعد قتل الأسود وعلى الجند يعلي بن أمية وعلى مأرب أبو موسى الأشعري وعلى الأشعريين وعك الطاهر بن أبي هالة وعلى حضرموت زياد بن لبيد البياضي وعكاشة بن ثور بن أصفر الغوثي وعلى كندة المهاجر بن أبي أمية وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب عليه في غزوة تبوك فاسترضته له أم سلمة وولاه على كندة ومرض فلم يصل إليها وأقام زياد بن لبيد ينوب عنه وكان معاذ بن جبل يعلم القرآن باليمن يتنقل على هؤلاء وعلى هؤلاء في أعمالهم.وثار الأسود في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربه بالرسل وبالكتب فقتله الله وعاد الإسلام في اليمن كما كان فلما بلغهم الموت انتقضت اليمن وارتد أهلها في جميع النواحي وكانت الفالة من جند العنسي بين نجران وصنعاء لا يأوون إلى أحد ورجع عمرو بن حزم إلى المدينة واتبعه خالد بن سعيد وكان عمرو يكرب بالجبال حيال فروة بن مسيك وابن مكشوح وتحيل وفي قتل الأبناء فيروز وداديه وخشنش والاستبداد بصنعاء وبعث إلى الفالة من جيش الأسود يغريهم بالأبناء ويعدهم المظاهرة عليهم فجاؤا إليه وخشي الأبناء غائلتهم وفزعوا إليه فأظهر لهم المناصحة وهيأ طعاما فجمعهم له ليغدر بهم فظفر بهم فظفر بدادويه وهرب فيروز وخشنش وخرج قيس في أثرهما فامتنعا بخولان أخوال فيروز إلى أبي بكر بالخبر فكتب له بولاية صنعاء وكتب إلى الطاهر بن أبي هالة بإعانته وإلى عكاشة بن ثور بأن يجمع أهل تهامة ويقيم بمكانة وكتب إلى ذي الكلاع سميفع وذي ظليم حوشب وذي تبان شهر بإعانة الأبناء وطاعة فيروز وأن الجند يأتيهم وأرسل إليهم قيس بن مكشوح يغريهم بالأبناء فاعتزل الفريقان واتبعت عوامهم قيس بن مكشوح في شأنه وعمد قيس إلى عيلات الأبناء الذين مع فيروز فغر بهم وأخرجهم من اليمن في البر والبحر وعرضهم للنهبى فأرسل فيروز إلى بني عقيل بن ربيعة وإلى عك يستصرخهم فاعترضوا عيال فيروز والأبناء الذين معه فاستنقذوهم وقتلوا من كان معه وجاؤا إلى فيروز فقاتلوا معه قيس بن مكشوح دون صنعاء فهزموه ورجع إلى المكان الذي كان به مع فالة الأسود العنسي.وانضاف قيس إلى عمرو بن معد يكرب وهو مرتد منذ تنبأ الأسود العنسي وقام حيال فروة بن مسيك وقد كان فروة وعمرو أسلما وكذلك قيس واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم قيسا على صدقات مراد وكان عمرو قد فارق قومه سعد العشيرة مع بني زيد وأحلافها وانحاز إليهم فأسلم معهم وكان فيهم فلما انتقض الأسود واتبعه عوام مذحج كان عمرو فيمن اتبعه وأقام فروة فيمن معه على الإسلام فولى الأسود عمرا وجعله بحياله.وكانت كندة قد ارتدوا وتابعوا الأسود العنسي بسبب ما وقع بينهم وبين زياد الكندي في أمر فريضة من فرائض الصدقة أطلقها بعض بني عمرو بن معاوية بعد أن وقع عليها ميسم الصدقة غلطا فقاتلهم زياد وهزمهم فاتفق بنو معاوية على منع الصدقة والردة إلا شراحيل بن السمط وابنه وأشير على زياد بمعاجلتهم قبل أن ينضم إليهم بعض السكاسك وحضرموت وأبضعه وجمد ومشرح ومخوس وأختهم العمرة وهرب الباقون ورجع زياد بالسبي والغنائم ومر بالأشعب بن قيس وبني الحرث بن معاوية واستغاث نساء السبي فغار الأشعث وتنقذهم ثم جمع بني معاوية كلهم ومن أطاعه من السكاسك وحضرموت وأقام على ردته.وكان أبو بكر قد حارب أهل الردة أولا بالكتب والرسل إلى من ارتد وابتدأ بالمهاجرين والأنصار ثم استنفر كلا على من يليه حتى فرغ من آخر أمور الناس لا يستعين بمرتد وكتب إلى عتاب بن أسيد بمكة وعثمان بن أبي العاص بالطائف بركوب من ارتد بمن لم يرتد وثبت على الإسلام من أهل عملهما وقد كان اجتمع بتهامة أوشاب من مدلج وخزاعة فبعث عتاب إليهم ففرقهم وقتلهم واجتمع بشنوءة جمع من الأزد وخثعم وبجيلة فبعث إليهم عثمان بن أبي العاص من فرقهم وقتلهم واجتمع بطريق الساحل من تهامة جموع من عك والأشعريين فسار إليهم الطاهر بن أبي هالة ومعه مسروق العكي فهزموهم وقتلوهم وأقام بالأجناد ينتظر أمر أبي بكر ومعه مسروق العكي وبعث أهل نجران من بني الأفعى الذين كانوا بها قبل بني الحرث وهم في أ ربعين ألف مقاتل وجاء وفدهم يطلبون إمضاء العهد الذي بأيديهم من النبي صلى الله عليه وسلم فأمضاه أبو بكر إلا ما نسخه الوحي بأن لا يترك دينان بأرض العرب.ورجعت رسل النبي صلى الله عليه وسلم الذين بعثهم عند انتقاض الأسود العنسي وهم: جرير بن عبد الله والأقرع ووبر بن يحنس فرد أبو بكر جريرا ليستنفر من ثبت على الإسلام على من ارتد ويقاتل خثعم الذين غضبوا لهدم ذي الحليفة فيقتلهم ويقيم بنجران فنفذ ما أمره به ولم يمر به أحد إلا رجال قليل تتبعهم بالقتل وسار إلى نجران وكتب أبو بكر إلى عثمان بن أبي العاص أن يضرب البعوث على مخاليف أهل الطائف فضرب على كل مخلاف عشرين وأمر عليهم أخاه كتب إلى عتاب بن أسيد أن يضرب على مكة وعملها خمسمائة بعث وأمر عليهم أخاه خالدا وأقاموا ينتظرون ثم أمر المهاجر بن أبي أمية بأن يسير إلى اليمن ليصلح من أمره ثم ينفد إلى عمله وأمره بقتال من بين نجران وأقصى اليمن ففعل ذلك ومر بمكة والطائف فسار معهم خالد بن أسيد وعبد الرحمن بن أبي العاص بمن معهما ومر بجرير بن عبد الله وعكاشة بن ثور فضمهما إليه ثم مر بنجران وانضم إليه فروة بن مسيك وجاءه عمرو بن معد يكرب وقيس بن مشكوح فأوثقهما وبعث بهما إلى أبي بكر وسار إلى لقائه فتتبعهم بالقتل ولم يؤمنهم فقتلوا بكل سبيل وحضر قيس عند أبي بكر فحظر قتل دادويه ولم يجد أمرا جليا في أمره وتاب عمرو بن معد يكرب واستقال فأقالهما وردهما.وسار المهاجر حتى نزل صنعاء وتتبع شذاذ القبائل فقتل من قدر عليه وقبل توبة من رجع إليه وكتب إلى أبي بكر بدخوله صنعاء فجاءه الجواب بأن يسير إلى كندة مع عكرمة بن أبي جهل وقد جاءه من ناحية عمان ومعه خلق كثير من مهرة والأزد وناجية وعبد القيس وقوم من مالك بن كنانة وبني العنبر وقدم أبين وأقام بها لاجتماع النجع وحمير ثم سار مع المهاجر إلى كندة وكتب زياد إلى المهاجر يستحثه فلقيه الكتاب بالمفازة بين مأرب وحضرموت فاستخلف عكرمة على الناس وتعجل إلى زياد ونهدوا إلى كندة وعليهم الأشعث بن قيس فهزمهم وقتلوهم وفروا إلى النجير حصن لهم فتحصنوا فيه مع من استغووه من السكاسك وشذاذ السكون وحضرموت وسدوا عليهم الطريق إلا واحدة جاء عكرمة بعدهم فسدها وقطعوا عنهم المدد وخرجوا مستميتين في بعض الأيام فغلبوهم وأخرجوهم واستأمن الأشعث إلى عكرمة بما كانت أسماء بنت النعمان بن الجون تحته فخرج إليه وجاء به إلى المهاجر وأمنه في أهله وماله وتسعة من قومه على أن يفتح لهم الباب فاقتحمه المسلمون وقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية فكان في السبى ألف امرأة فلما فرغ من النجير دعا بكتاب الأمان من الأشعث وإذا هو قد كتب غرض نفسه في التسعة رجال من أصحابه فأوثقه كتافا وبعث به إلى أبي بكر ينظر في أمره فقدم مع السبايا والأسرى فقال له أبو بكر: أقتلك قال إني راودت القوم على عشرة وأتيناهم بالكتاب مختومة فقال أبو بكر: إنما الصلح على من كان في الصحيفة وأما غير ذلك فهو مردود فقال يا أبا بكر: احتسب في وأقلني واقبل إسلامي ورد علي زوجتي وقد كان تزوج أم فروة أخت أبي بكر حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرها إلى أن يرجع فأطلقه أبو بكر وقبل إسلامه ورد عليه زوجته وقال ليبلغني عنك خيرا ثم خلى عن القوم فذهبوا وقسم الأنفال.
|