الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى: كان العلاء بن الحضرمي على البحرين أيام أبي بكر ثم عزله عمر بقدامة بن مظعون ثم أعاده وكان العلاء يناوئ سعد بن أبي وقاص ووقع له في قتال أهل الردة ما وقع فلما ظفر سعد بالقادسية كانت أعظم من فعل العلاء فأراد أن يؤثر في الفرس شيئا فندب الناس إلى فارس وأجابوه وفرقهم أجنادا بين الجارود بن المعلى والسوار ابن همام وخليد بن المنذر وأمره على جميعهم وحمله في البحر إلى فارس بغير إذن من عمر لأنه كان ينهي عن ذلك وأبو بكر قبله خوف الغرق فخرجت الجنود إلى اصطخرو بإزائهم الهربذ في أهل فارس وحالوا بينهم وبين سفنهم فخاطبهم خليد وقال: إنما جئتم لمحاربتهم والسفن والأرض لمن غلب ثم ناهدوهم واقتتلوا بطاوس وقتل الجارود والسوار وأمر خليد أصحابه أن يقاتلوا رجالة وقتل من الفرس مقتلة عظيمة ثم خرج المسلمون نحو البصرة وأخذ الفرس عليهم الطرق فعسكروا وامتنعوا وبلغ ذلك عمر فأرسل إلى عتبة بالبصرة يأمره بإنفاذ جيش كثيف إلى المسلمين بفارس قبل أن يهلكوا وأمر العلاء بالإنصراف عن البحرين إلى سعد بمن معه فأرسل عتبة الجنود اثني عشر ألف مقاتل فيهم عاصم بن عمرو وعرفجة بن هرثمة والأحنف بن قيس وأمثالهم وعليهم أبو سبرة بن أبي رهم من عامر بن لؤي فساحل بالناس حتى لقوا خليدا والعسكر وقد تداعى إليهم بعد وقعة طاوس أهل فارس من كل ناحية فاقتتلوا وانهزم المشركون وقتلوا ثم انكفؤا بما أصابوا من الغنائم واستحثهم عتبة بالرجوع فرجعوا إلى البصرة.ثم استأذن عتبة في الحج فأذن له عمر فحج ثم استعفاه فأبى وعزم عليه ليرجعن إلى عمله فانصرف ومات ببطن نخلة على رأس ثلاث سنين من مفارقة سعد واستخلف على عمله أبا سبرة بن أبي رهم فأقره عمر بقية السنة ثم استعمل المغيرة بن شعبة عليها وكان بينه وبين أبي بكرة منافرة وكانا متجاورين في مشربتين ينفذ البصر من إحداهما إلى الأخرى من كوتين فزعموا أن أبا بكرة وزياد بن أبيه وهو أخوه لأمه وآخرين معهما عاينوا المغيرة على حاله قذفوه بها وادعوا الشهادة ومنعه أبو بكرة من الصلاة وبعثوا إلى عمر فبعث أبا موسى أميرا في تسعة وعشرين من الصحابة فيهم أنس بن مالك وعمران بن حصين وهشام بن عامر ومعهم كتاب عمر إلى المغيرة: أما بعد فقد بلغني عنك نبأ عظيم وبعثت أبا موسى أميرا فسلم إليه ما في يدك والعجل ولما استحضرهم عمر اختلفوا في الشهادة ولم يستكملها زياد فجلد الثلاثة ثم عزل أبا موسى عن البصرة بعمر بن سراقة ثم صرفه إلى الكوفة ورد أبا موسى فأقام عليه..بناء البصرة والكوفة. وفي هذه السنة وهي أربع عشرة بلغ عمر أن العرب تغيرت ألوانهم ورأى ذلك في وجوه وفودهم فسألهم فقالوا وخومة البلاد غيرتنا وقيل إن حذيفة وكان مع سعد كتب بذلك إلى عمر فسأل عمر سعدا فقال: غيرتهم وخومة البلاد والعرب لا يوافقها من البلاد إلا ما وافق إبلها فكتب إليه أن يبعث سلمان وحذيفة شرقية فلم يرضيا إلا بقعة الكوفة فيها ودعيا أن تكون منزل بثبات ورجع إلى سعد فكتب إلى القعقاع وعبد الله بن المعتمر أن يستخلفا على جندهما ويحضرا وارتحل من المدائن فنزل الكوفة في المحرم سنة سبع عشرة لسنتين وشهرين من وقعة القادسية ولثلاث سنين وثمانية أشهر من ولاية عمر وكتب عمر إني قد نزلت الكوفة بين الحيرة والفرات بريا بحريا بين الجلاء والنصر وخيرت الناس بينهما وبين المدائن ومن أعجبته تلك جعلته فيها مسلحة فلما استقروا بالكوفة ثاب إليهم ما فقدوه من حالهم ونزل أهل البصرة أيضا منازلهم في وقت واحد مع أهل الكوفة بعد ثلاث مرات نزلوها من قبل واستأذنوا جميعا في بنيان القصب فكتب عمر: إن العسكرة أشد لحربكم وأذكر لكم وما أحب أن أخالفكم فابتنوا بالقصب ثم وقع الحريق في القصرين فاستأذنوا في البناء باللبن فقال: إفعلوا ولا يزيد أحد على ثلاثة بيوت ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة وكان على تنزيل الكوفة أبو هياج بن مالك وعلى تنزيل البصرة أبو المحرب عاصم بن الدلف وكانت ثغور الكوفة أربعة: حلوان وعليها القعقاع وماسبدان وعليها ضرار بن الخطاب وقرقيسيا وعليها عمر بن مالك والموصل وعليها عبد الله بن المعتمر ويكون بها خلفاؤهم إذا غابوا.
|