الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مسيرة المختار إلى الكوفة وأخذها من ابن المطيع بعد كربلاء. مضى إبراهيم إلى المختار وأخبره الخبر وبعثوا في الشيعة ونادوا بثأر الحسين ومضى إبراهيم إلى النخع فاستركبهم وسار بهم في المدينة ليلا وهو يتجنب المواضع التي فيها الأمراء ثم لقي بعضهم فهزمهم ثم آخرين كذلك ثم رجع إلى المختار فوجد شيث بن ربعي وحجار بن أبجر العجلي يقاتلانه فهزمهما وحاشب بن المطيع فأشار إليه بجمع الناس والنهوض إلى القوم فولى أمرهم فركب واجتمه الناس وتوافى إلى المختار نحو أربع آلاف من الشيعة وبعث ابن مطيع شيث بن ربعي في ثلاثة آلاف وربع بن إياس في أربعة آلاف فسرح إليهم المختار إبراهيم بن الأشتر لراشد في ستمائة فارس وستمائة راجل ونعيم بن هبيرة لشيث في ثلثمائة فارس وستمائة راجل واقتتلوا من بعد صلاة الصبح وقتل نعيم فوهن المختار وظهر شيث وأصحابه عليهم وقاتل إبراهيم بن الأشتر راشد بن إياس فقتله وانهزم أصحابه وركبهم الفشل وبعث ابن المطيع جيشا كثيفا فهزمهم ثم حمل على شيث فهزمه وبعث المختار فمنعه الرماة من دخول الكوفة ورجع المنهزمون إلى ابن مطيع فدهش فشجعه عمر ابن الحجاج الزبيدي وقال له: أخرج واندب الناس ففعل وقام في الناس ووبخهم على هزيمتهم وندبهم ثم بعث عمر بن الحجاج في ألفين وشمر بن ذي الجوشن في ألفين ونوفل بن مساحق في خمسة آلاف ووقف هو بكتائبه واختلف على القصر شيث بن ربعي فحمل ابن الأشتر على ابن مساحق فهزمه وأسره ثم من عليه ودخل ابن مطيع القصر وحاصره إبراهيم محمد الأشتر ثلاثا ومعه يزيد بن أنس وأحمد بن شميط ولما اشتد الحصار على ابن مطيع أشار عليه بن ربعي بأن يستأمن للمختار ويلق بابن الزبير وله ما يعده فخرج عنهم مساء ونزل دار أبي موسى وأستأمن القوم للمختار فدخل القصر وغدا على الناس في المسجد فخطبهم ودعاهم إلى بيعة ابن الحنفية فبايعه أشراف الكوفة على الكتاب والسنة واللطف بأهل البيت ووعدهم بحسن السيرة وبلغة أن ابن مطيع في دار موسى فبعث إليه بمائة ألف درهم وقال يجهز بهذه وكان ابن مطيع قد فرق بيوت الأموال على الناس وسار ابن مطيع إلى وجهه وملك الكوفة وجعل على شرطته عبد الله بن كامل وعلى حرسه كيسان أبا عمرة وجعل الأشراف جلساءه وعقد لعبد الله بن الحرث بن الأشتر على أرمينية ولمحمد بن عمير بن عطارد على أذربيجان ولعبد الرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل ولا سحق بن مسعود على المدائن ولسعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان وأمره بقتال الكراد وإصلاح السابلة وولى شريحا على القضاء ثم طعنت فيه الشيعة بأنه شهد على حجر بن عدي ولم يبلغ عن هانىء بن عروة رسالته إلى قومه وأن عليا غرمه وأنه عثماني وسمع ذلك هو فتمارض فجعل مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود ثم مرض فولى مكانه عبد الله بن مالك الطائي..مسيرة ابن زياد إلى المختار وخلافة أهل الكوفة عليه. كان مروان بن الحكم لما استوثق له الشآم بعث جيشين أحدهما إلى الحجاز مع جيش ابن دلجة القيني وقد شاته ومقتله والآخر إلى العراق مع عبيد الله بن زياد فكان من أمره وأمر التوابين من الشيعة ما تقدم وأقام محاصرا لزفر بن الحرث بقرقيسيا وهو مع قومه قيس على طاعة ابن الزبير فاشتغل بهم عن العراق سنة أو نحوها ثم توفي مروان وولي بعده عبد الملك فأقره على ولايته وأمره بالجد ويئس من امر زفر وقيس فنهض إلى الموصل فخرج عنها عبد الرحمن بن سعيد عامل المختار إلى تكريت وكتب إلى المختار بالخير فبعث يزيد بن أنس الأسدي في ثلاثة آلاف إلى الموصل فسار إليها على المدائن وسرح ابن زياد للقائة ربيعة بن المختار الغنوي في ثلاثة آلاف فالتقيا ببابل وعبى يزيد أصحابه وهو راكب على حمار وحرضهم وقال: إن مت فأميركم ورقاء بن عازب الأسدي وإن هلك فعبد الله بن ضمرة الفزاري وإن هلك فسعد الخثعمي ثم اقتتلوا يوم عرفة وانهزم أهل الشآم وقتل ربيعة وسار الفل غير بعيد فلقيهم عبد الله بن حملة الخثعمي قد سرحه ابن زياد في ثلاثة آلاف فرد المنهزمين وعاد القتال يوم الأضحى فانهزم أهل الشام وأثخن فيهم أهل الكوفة بالقتل والنهب وأسروا منهم ثلثمائة فقتلوهم وهلك يزيد بن أنس من آخر يومه وقام بأمرهم ورقاء بن عازب خليفتة وهاب لقاء ابن زياد بعد يزيد وقال: نرجع بموت أميرنا قبل أن يتجرأ علينا أهل الشام بذلك وانصرف الناس وتقدم الخبر إلى الكوفة فأرجف الناس بالمختار وأشيع أن يزيد قتل وسر المختار رجوع العسكر فسرح إبراهيم بن الأشتر في سبعة آلاف وضم إليه جيش يزيد ثم تأخر ابن زياد فسار لذلك ثم اجتمع أشراف الكوفة عند شيث بن ربعي وكان شيخهم جاهليا إسلاميا وشكوا من سيرة المختار وإيثاره الموالي عليهم ودعوه إلى الوثوب به فقال: حتى ألقاه واعذر إليه ثم ذهب إليه وذكر له جميع ما نكروه فوعده الرجوع إلى مرادهم وذكر له شأن الموالي وشركتهم في الفيء فقال: إن أعيتموني عهدكم على قتال بني أمية وابن الزبير تركتهم فقال: اخرج إليهم بذلك وخرج فلم يرجع واجتمع رأيهم على قتاله وهم شيث بن ربعي ومحمد بن الأشعث وعبد الرحمن بن سعد بن قيس وشمر بن ذي الجوشن وكعب بن أبي كعب النخعي وعبد الرحمن محمد مخنف الأزدي وقد كان ابن مخنف أشار عليهم بأن يمهلوه لقدوم أهل الشآم وأهل البصرة فيكفونكم أمره قبل أن يقاتلكم بمواليكم وشجعانكم وهم عليكم أشد فأبوا من رأيه وقالوا: لا تفسد جماعتنا ثم خرجوا وشهروا السلاح وقالوا للمختار: اعتزلنا فإن ابن الحنفية لم يبعثك قال: نبعث إليه الرسل مني ومنكم وأخذ يعللهم بأمثال هذه المراجعات وكف أصحابه عن قتالهم ينتظر وصول إبراهيم بن الأشتر وقد بعث إليه بالرجوع فجاء فرأى القوم مجتمعين ورفاعة بن شداد البجلي يصلي بهم فلما وصل إبراهيم عبأ المختار أصحابه وسرح بين يديه أحمد ابن شميط البخلي وعبد الله بن كامل الشادي فانهزم أصحابهما وصبرا ومدهما المختار بالفرسان والرجال فوجا بعد فوج وسار ابن الأشتر إلى مصر وفيهم شيث ابن ربعي فقاتلوه فهزمهم فاشتد ابن كامل على اليمن ورجع رفاعة بن شداد أمامهم إلى المختار فقاتل معه حتى قتل من أهل اليمن عبد بن بن سعيد بن قيس والفرات ابن زخر بن قيس وعمر بن مخنف وخرج أخوه عبد الرحمن فمات وانهزم أهل اليمن هزيمة قبيحة وأسر من الوادعيين خمسمائة أسير فقتل المختار كل من شهد قتل الحسين مهنم فكانوا نصفهم وأطلق الباقين ونادى المختار الأمان إلا من شهد في دماء أهل البيت وفر عمر بن الحجاج الزبيدي وكان أشد من حضر قتل الحسين فلم يوقف له على خبر وقيل أدركه أصحاب المختار فأخذوا رأسه وبعث في طلب شمر بن ذي الجوشن فقتل طالبه وانتهى إلى قرية الكلبانية فارتاح يظن أنه نجا وإذا في قرية أخرى بإزائه أبو عمرة صاحب المختار بعثه مسلخة بينه وبين أهل البصرة فنمي إليه خبره فركب إليه فقتله وألقى شلوه للكلاب وانجلت الوقعة عن سبعمائة وثمانين قتيلا أكثرهم من اليمن وكان آخر سنة ست وستين وخرج أشراف الناس إلى البصرة وتتبع المختار قتله الحسين ودل على عبيد الله بن أسد الجهني ومالك بن نسير الكندي وحمل ابن مالك المحاربي بالقادسية فأحضرهم وقتلهم ثم أحضر زياد بن مالك الضبعي وعمران بن خالد العثري وعبد الرحمن بن أبي حشكارة البجلي وعبد الله ابن قيس الخولاني وكانوا نهبوا من الورث الذي مع الحسين فقتلهم وأحضر عبد الله أو عبد الرحمن بن طلحة وعبد الله بن وهيب الهمداني ابن عم الأعشى فقتلهم وأحضر عثمان بن خالد الجهني وأبا أسماء بشر بن سميط القابس وكانا مشتركين في قتل عبد الرحمن بن عقيل وفي سلبه فقتلهما وحرقهما بالنار وبحث عن خولي بن يزيد الأصبحي صاحب رأس الحسين فجيء برأسه وحرق بالنار ثم قتل عمر بن سعد بن أبي وقاص بعد أن كان أخذ له الأمان منه عبد الله بن أبي جعدة ابن همبيرة فبعث أبا عمرة فجاءه برأسه وابنه حفص عنده فقال: تعرف هذا؟ قال: نعم! ولا خير في العيش بعده فقتله ويقال: إن الذي بعث المختار على قتله الحسين أن يزيد بن شراحيل الأنصاري قدم على محمد بن الحنفية فقال له ابن الحنفية: يزعم المختار أنه لنا شيعة وقتلة الحسين عنده على الكراسي يحدثونه فلما سمع المختار ذلك تتبعهم بالقتل وبعث برأس عمر وابنه إلى ابن الحنفية وكتب إليه أنه قتل من قدر عليه وهو في طلب الباقين ثم أحضر حكيم بن طفيل الطائي وكان رمى الحسين بسهم وأصاب سلب العباس ابنه وجاء عدي بن حاتم يشفع فيه فقتله ابن كامل والشيعة قبل أن يصل حذرا من قبول المختار شفاعته وبحث عن مرة بن منقذ بن عبد القيس قاتل علي بن الحسين فدافع عن نفسه ونجا إلى مصعب بن الزبير وقد شلت يده بضربة وبحث عن زيد وفاد الحسين قاتل عبد الله بن مسلم بن عقيل رماه بسهمين وقد وضع كفه على جبهته يتقي النبل فأثبت كفه في جبهته وقتله بالأخرى فخرج بالسيف يدافع فقال ابن كامل: ارموه بالحجارة فرموه حتى سقط وأحرقوه حيا وطلب سنان بن أنس الذي كان يدعي قتل الحسين فلحق بالبصرة وطلب عمر بن صبح الصدائي فقتله طعنا بالرماح وأرسل في طلب محمد بن الأشعث وهو في قريته عند القادسية فهرب إلى مصعب وهدم المختار داره وطلب آخرين كذلك من المتهمين بأمر الحسين فلحقوا بمصعب وهدم دورهم.
|