الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.وفاة عمر بن عبد العزيز وبيعة يزيد. ثم توفي عمر بن عبد العزيز في رجب سنة إحدى ومائة بدير سمعان ودفن بها السنتين وخمسة أشهر من ولايته ولأربعين من عمره وكان يدعى أشج بني أمية رمحته دابة وهو غلام فشجته ولما مات ولي بعده يزيد بن عبد الملك بعهد سليمان كما تقدم وقيل لعمر حين احتضر: اكتب إلى يزيد فأوصه بالأمة فقال: بماذا أوصيه؟ إنه من بني عبد الملك! ثم كتب أما بعد فاتق يا يزيد الصرعة بعد الغفلة حين لا تقال العثرة ولا تقدر على الرجعة إنك تترك ما أترك لمن لا يحمدك وتصير إلى من لا يعذرك والسلام ولما ولي يزيد عزل أبا بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن المدينة وولى عليها عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري وغير كل ما صنعه عمر بن عبد العزيز وكان من ذلك شأن خراج اليمن فإن محمدا أخا الحجاج جعل عليهم خراجا مجددا وأزال ذلك عمر إلى العشر أو نصف العشر وقال: لئن يأتيني من اليمن حبة ذرة أحب إلي من تقرير هذه الوظيفة فلما ولي يزيد أعادها وقال لعامله خذها منهم ولو صاروا حرضا وهلك عمه محمد بن مروان فولى مكانه على الجزيرة وأذربيجيان وأرمينية عمه اآخر مسلمة بن عبد الملك..احتيال يزيد بن المهلب مقتله. قد تقدم لنا حبس يزيد بن المهلب فلم يزل محبوسا حتى اشتد مرض عمر بن عبد العزيز فعمل في الهرب مخافة يزيد بن عبد الملك لأن زوجته بنت أخي الحجاج وكان سليمان أمر ابن المهلب بعذاب قرابة الحجاج كلهم فنقلهم من البلقاء وفيهم زوجة يزيد وعذبها وجاءه يزيد بن عبد الملك إلى منزله شافعا فلم يشفعه فضمن حمل ما قرر عليها فلم يقبل فتهدده فقال له ابن المهلب الآن وليت أنت لأرمينك بمائة ألف سيف فحمل يزيد بن عبد الملك عنها مائة ألف دينار ولما اشتد مرض عمر خاف من ذلك وأرسل إلى مواليه أن يغدوا له بالإبل والخيل في مكانه عينة لهم وبعث إلى عامل حلب بإشفاقه من يزيد وبزل له المال وإلى الحرس الذين يحفظونه فخلى سبيله وأتى إلى دوابه فركبها ولحق بالبصرة وكتب إلى عمر: إني والله لو وثقت بحياتك لم أخرج من محبسك ولكن خفت أن يقتلني يزيد شر قتلة فقرأ عمر الكتاب وبه رمق فقال: اللهم إن كان ابن المهلب يريد بالمسلمين سؤا فألحقه به وهضه فقد هاض انتهى ولما بويع ليزيد بن عبد الملك كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بالكوفة وإلى عدي بن أرطأة بالبصرة بهربه والتحرر منه وأبى عدي أن يأخذ المهلب بالبصرة فحبس المفضل حبيبا ومروان ابني المهلب بعث عبد الحميد من الكوفة جندا عليهم هشام بن ساحق بن عامر فأتوا العذيب ومر بيزيد عليهم فوق القطقطانة فلم يقدموا عليه ومضى نحو البصرة وقد جمع عدي بن أرطأة أهل البصرة وخندق عليها وبعث على خيلها المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل وجاء يزيد على أصحابه الذين معه وانضم إليه أخوه محمد فيمن اجتمع إليه من قومهم وبعث عدي بن أرطأة على كل خمس من أخماس البصرة رجالا: فعلى الأزد المغيرة بن زياد بن عمر العتكي وعلى تميم محرز بن حمدان السعدي وعلى بكرة نوح بن شيبان بن مالك بن مسمع وعلى عبد القيس مالك بن المنذر بن الجارود وعلى أهل العالية عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر وهم قريش وكنانة والأزد وبجيلة وخثعم وقيس عيلان ومزينة فلم يعرضوا ليزيد وأقبل فانزل انتهى واختلف الناس إليه وأرسل إلى عدي أن يطلق له إخوته فينزل به البصرة ويخرج حتى يأخذ لنفسه من يزيد وبعث حميد ابن أخيه عبد الملك بن المهلب يستأمن له من يزيد بن عبد الملك فأجاره خالد القسري وعمر بن يزيد الحكمي بأمان يزيد له ولأهله وقد كان بعد منصرف حميد فرق في الناس قطع الذهب والفضة فانثلوا عليه وعدي يعطي درهمين درهمين ثم تناجزوا الحرب وحمل أصحاب يزيد على أصحاب عدي فانهزموا ودنا يزيد من القصر وخرج عدي بنفسه فانهزم أصحابه وخاف إخوة يزيد وهم في الحبس أن يقتلوا قبل وصوله فأغلق الباب وامتنعوا فجاءهم الحرس يعالجون فأجفلهم الناس عنه فخلوا عنهم وانطلقوا إلى أخيهم ونزل دار مسلم بن زياد إلى جنب القصر وتسور القصر بالسلالم وفتحه وأتى أخيهم ونزل يزيد دار مسلم بن زياد إلى جنب القصر وتسور القصر بالسلالم وفتحه وأتى بعدي بن أرطأة فحبسه وهرب رؤس البصرة من تميم وقيس ومالك بن المنذر إلى الكوفة والشام وخرج المغيرة بن زياد بن عمر العتكي إلى الشام فلقي خالدا القسري وعمر بن يزيد وقد جاؤا بأمان يزيد بن المهلب مع حميد بن أخيه فأخبرهما بظهور يزيد على البصرة وحبسه عديا فرجعا إلى وعد لهما فلم يقبلا وقبض عبد الحميد بن عبد الرحمن بالكوفة على خالد بن يزيد ابن المهلب وحماد بن ذخر وحملهما وسيرهما إلى الشام فحبسهما يزيد حتى هلكا بالسجن وبعث يزيد بن عبد الملك إلى أهل الكوفة يثني عليهم ويمنيهم الزيادة وجهز أخاه العباس مسلمة وابن أخيه العباس بن الوليد إلى العراق في سبعين ألف مقاتل أو ثمانين من أهل الشام والجزيرة فقدموا الكوفة ونزلوا النخيلة وتكلم العباس يوما ببعض الكلام فأساء عليه حيان النبطي بالكشة الأعجمية ولما سمع ابن المهلب بوصول مسلمة وأهل الشام فخطب الناس وشجعهم للقائهم وهون عليهم أمرهم وأخبرهم أن أكثرهم له واستوثق له أهل البصرة وبعث عماله على الأهواز وفارس وكرمان وبعث إلى خراسان مدرك بن المهلب وعليها عبد الرحمن بن نعيم وبعث بنو تميم ليمنعوه ولقيه الأزد على رأس المغارة فقالوا: ارجع عنا حتى نرى مآل أمركم ثم خطب يزيد الناس يدعوهم إلى الكتاب ويحثهم على الجهاد وأن جهاد أهل الشام أعظم ثوابا من جهاد الترك والديلم ونكر ذلك الحسن البصري والنضر بن أنس بن مالك وتابعها الناس في النكير وسار يزيد من البصرة إلى واسط واستخلف عليها أخاه مروان بن المهلب وأقام بواسط أياما ثم خرج منها سنة اثنتين ومائة واستخلف عليها أمان معونة وقدم أخاه عبد الملك بن المهلب نحو الكوفة فاستقبله ابن الوليد بسور له فاقتتلوا وانهزم عبد الملك وعاد إلى يزيد وأقبل مسلمة على شاطئ الفرات إلى الأنهار فعقد الجسر وعبر وسار حتى نزل على يزيد بن المهلب وفزع إليه ناس من أهل الكوفة وكان عسكره مائة وعشرين وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن قد عسكر بالنخيلة وشق المياه وجعل الأرصاد على أهل الكوفة أن يفزعوا إلى يزيد بن المهلب وبعث بعثا إلى مسلمة مع صبرة بن عبد الرحمن بن مختف فعزل مسلمة بن عبد الحميد عن الكوفة واستعمل عليها محمد بن عمر بن الوليد بن عقبة ثم أراد يزيد بن المهلب أن يبعث أخاه محمد بالعساكر يبيتون مسلمة فأبى عليه أصحابه وقالوا: قد وعدناهم بالكتاب والسنة ووعدوا بالإجابة فلا نغدرهم فقال يزيد: ويحكم تصدقونهم إنهم يخادعونكم ليمكروا بكم فلا يسبقوكم إليه والله ما في بني مروان أمكر ولا أبعد غورا من هذه الجرادة الصغرى يعني مسلمة وكان مروان بن المهلب بالبصرة يحث الناس على اللحاق بيزيد أخيه والحسن البصري يثبطهم ويتهدده فلم يكف ثم طلب الذين يجتمعون إليه فافترقوا فأقام مسلمة بن عبد الملك يطاول يزيد بن المهلب ثمانية أيام ثم خرج يوم الجمعة منتصف صغر فعبى أصحابه وعبى العباس بن الوليد كذلك والتقوا واشتد القتال وأمر مسلمة فأخرق الجسر فسطع دخانه فلما رآه أصحاب يزيد انهزموا واعترضهم يزيد يضرب في وجوههم حتى كثروا عليه فرجع وترجل في أصحابه وقيل له: قتل أخوك حبيب فقال: لا خير في العيش بعده ولا بعد الهزيمة ثم استمات ودلف إلى مسلمة لا يريد غيره فعطف عليه أهل الشام فقتلوه هو وأصحابه وفيهم أخوه محمد وبعث مسلمة برأسه إلى يزيد بن عبد الملك مع خالد ابن الوليد بن عقبة وقيل إن الذي قتله الهذيل بن زفر بن الحرث الكلابي وأنف أن ينزل فيأخذ رأسه فأخذه غيره وكان المفضل بن المهلب يقاتل في ناحية المعترك وما علم ببيقتل يزيد فبقي ساعة كذلك يكر ويفر حتى أخبر بقتل إخوته فافترق الناس عنه ومضى إلى واسط وجاء أهل الشام إلى عسكر يزيد فقاتلهم أبو رؤبة رأس الطائفة المرجئة ومعه جماعة منهم صدق فقاتلهم أبو رؤبة رأس الطائفة المرجئة ومعه جماعة منهم صدق فقاتلوا ساعة من النهار ثم انصرفوا وأسر مسلمة ثلثمائة أسير حبسهم بالكوفة وجاء كتاب يزيد إلى محمد بن عمر بن الوليد بقتلهم فأمر العريان بن الهيثم صاحب الشرطة بذلك وبدأ بثمانين من بني تميم فقتلهم ثم جاء كتاب يزيد بإعفائهم فتركهم وأقبل مسلمة فنزل الحيرة وجاء الخبر بقتل يزيد إلى واسط فقتل ابنه معاوية عدي بن أرطاة ومحمدا ابنه ومالكا وعبد الملك ابنا مسمع في ثلاثين ورجع إلى البصرة بالمال والخزائن واجتمع بعمه المفضل وأهل بيتهم وتجهزوا للركوب في البحر وركبوا إلى قندابيل وبها وداع بن حميد الأزدي ولاه عليها يزيد بن المهلب ملجأ لأهل بيته إن وقع بهم ذلك فركبوا البحر بعيالهم وأموالهم إلى جبال كرمان فنزلوا بها واجتمع إليهم الفل من كل جانب وبعث مسلمة مدرك بن ضب الكلبي في طلبهم فقاتلهم وقتل من أصحابه المفضل النعمان بن إبراهيم ومحمد بن إسحق بن محمد بن الأشعث وأسر ابن صول قهستان وهرب عثمان بن اسحق بن محمد بن الأشعث فقتل وحمل رأسه إلى مسلمة بالحيرة ورجع ناس من أصحاب بني المهلب فاستأمنوا وأمنهم مسلمة منهم مالك بن إبراهيم بن الأشتر والورد ابن عبد الله بن حبيب السعدي التميمي ومضى إلى آل المهلب ومن معهم بقندابيل فمنعهم وداع بن حميد من دخولها وخرج معهم لقتال عدوهم وكان مسلمة قد رد مدرك بن ضب بعد هزيمتهم في جبال كرمان وبعث في أثرهم هلال بن أحور التميمي فلحقهم بقندابيل فتبعوا لقتاله! وبعث هلال رايه أمان فمال إليه وداع بن حميد وعبد الملك بن هلال وافترق الناس عن آل المهلب ثم استقدموا فاستأمنوا فقتلهم عن آخرهم: المفضل وعبد الملك وزياد ومروان بنو المهلب ومعاوية بن يزيد بن المهلب والمنهال وعمر بن يزيد بن المهلب وعمر بن يزيد بن المهلب وعثمان بن المفضل بن المهلب بريبيل ملك الترك وبعث هلال بن أحور برؤسهم وسبيهم وأسراهم إلى مسلمة بالحيرة فبعث بهم مسلمة إلى يزيد بن عبد الملك فسيرهم يزيد إلى العباس بن الوليد في حلب فنصب الرؤوس وأراد مسلمة أن يبتاع الذرية فاشتراهم الجراح بن عبد الله الحكمي بمائة ألف وخلى سبيلهم ولم يأخذ مسلمة من الجراح شيئا ولما قدم بالأسرى على يزيد بن عبد الملك وكانوا ثلاثة عشر أمر يزيد فقتلوا وكلهم من ولد المهلب واستأمنت هند بنت المهلب لأخيها عيينة إلى يزيد بن عبد الملك فأمنه وأقام عمر وعثمان عند رتبيل حتى أمنهما أسد بن عبد القسري عليه بخراسان.
|