الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.كلثوم بن عياض. ولما انتهى الخبر إلى هشام بن عبد الملك بهزيمة العساكر بالمغرب استنقص ابن الحجاب وكتب إليه يستقدمه وولى على أفريقية سنة ثلاث وعشرين ومائة كلثوم بن عياض وعلى مقدمته بلخ بن بشر القشيري فأساء إلى أهل القيروان فشكوا إلى حبيب بن أبي عبيدة وهو بتلمسان موافق للبربر فكتب إلى كلثوم بن عياض ينهاه ويتهدده فاعتذر وأغضى له عنها ثم سار واستخلف على القيروان عبد الرحمن بن عقبة ومر على طريق سبيبة وانتهى إلى تلمسان ولقي حبيب بن أبي عبيدة واقتتلا ثم اتفقا ورجعا جميعا وزحف البرابرة إليهم على وادي طنجة وهو وادي سوا فانهزم بلخ في الطلائع وانتهوا إلى كلثوم فانكشف واشتد القتال وقتل كلثوم وحبيب بن أبي عبيدة وكثير من الجند وتحيز أهل الشام إلى سبتة مع بلخ بن بشر فحاصرهم البرابرة وأرسلوا إلى عبد الملك بن قطن أمير الأندلس في أن يجيزوا إليه فأجابهم إلى ذلك بشرط أن يقيموا سنة واحدة وأخذ رهنهم على ذلك وانقضت السنة وطالبهم بالشرط فقتلوه وملك بلخ الأندلس وكان عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع لما قتل أبوه حبيب مع كلثوم بن عياض وأجاز بلخ إلى الأندلس فملكها فأجاز عبد الرحمن إلى الأندلس يحاول ملكها فلما جاء أبو الخطار إلى الأندلس من قبل حنظلة أيس عبد الرحمن من أمرها ورجع إلى تونس سنة ست وعشرين ومائة وقد توفي هشام وولي الوليد بن يزيد فدعا لنفسه وسار إلى القيروان ومنع حنظلة من قتاله وبعث إليه وجوه الجند فانتهز عبد الرحمن الفرصة فيهم وأوثقهم لئلا يقاتله أصحابهم وأغذ السير إلى القيروان فرحل حنظلة من أفريقية وقفل إلى المشرق سنة سبع وعشرين واستقل عبد الرحمن بملك أفريقية وولى مروان بن محمد فكتب له بولايتها ثم ثارت عليه الخوارج في كل جهة فكان عمر بن عطاب الأزدي بطبنياش وعروة بن الوليد الصغري بتونس وثابت الصنهاجي بباجة وعبد الجبار بن الحرث بطرابلس على رأي الإباضية فزحف عبد الرحمن إليهما سنة إحدى وثلاثين فظفر بهما وقتلهما وسرح أخاه الياس لابن عطاب فهزمه وقتله ثم زحف إلى عروة بتونس فقتله وانقطع أمر الخوارج وزحف سنة خمس وثلاثين إلى جموع من البربر بنواحي تلمسان فظفر بهم وقفل ثم بعث جيشا في البحر إلى صقلية وآخر إلى سردانية فاثخنوا في أمم الفرنج حتى استقروا بالجزاء ثم دالت دولة بني العباس وبعث عبد الرحمن بطاعته إلى السفاح ثم إلى أبي جعفر من بعده.ولحق كثير من بني أمية إلى أفريقية وكان ممن قدم عليه القاضي وعبد المؤمن إبنا الوليد بن يزيد ومعهما ابنة عم لهما فزوجها عبد الرحمن من أخيه الياس ثم بلغ عبد الرحمن عنهما السعي في الخلافة فقتلهما وامتعضت لذلك ابنة عمهما فأغرت زوجها بأخيه عبد الرحمن واستفسدته وكان عبد الرحمن قد أرسل إلى أبي جعفر بهدية قليلة وذهب يعتذر عنها فلم يحسن العذر وأفحش في الخطاب فكتب إليه المنصور يتهدده وبعث إليه بالخلعة فانتقض هو ومزق خلعته على المنبر فوجد أخوه الياس بذلك السبيل إلى ما كان يحاول عليه وداخل وجوها من الجند في الفتك بعبد الرحمن وإعادة الدعوة للمنصور ومالأه في ذلك أخوه عبد الوارث وفطن عبد الرحمن لهما فأمر الياس بالمسير إلى تونس وجاء ليودعه ومعه أخوه عبد الوارث فقتلاه في آخر سبع وثلاثين لعشر سنين من إمارته..حبيب بن عبد الرحمن. ولما قتل عبد الرحمن نجا ابنه حبيب إلى تونس فلحق به بعد أن طلبوه وضبطوا أبواب القصر ليأخذوه فلم يظفروا به وكان عمه عمران بن حبيب بتونس فلحق به واتبعه الياس فاقتتلوا مليا ثم اصطلحوا على أن يكون لحبيب قفصة وقصطيلة ونفزاوة ولعمران تونس وصطفورة وهي تبرزو والجزيرة ولالياس سائر أفريقية وتم هذا الصلح سنة ثمان وثلاثين وسار حبيب إلى عمله ببلاد الجريد وسار الياس مع أخيه عمران إلى تونس فغدر بعمران وقتله وجماعة من الأشراف معه وعاد إلى القيروان وبعث بطاعته إلى أبي جعفر المنصور مع عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قاضي أفريقية ثم سار حبيب إلى تونس فملكها وجاءه عمه الياس فقاتله وخالفه حبيب إلى القيروان فدخلها وفتق السجون فرجع الياس في طلبه وفارقه أكثر أصحابه إلى حبيب فلما تواقفا دعاه حبيب إلى البراز فتبارزا وقتله حبيب ودخل القيروان وملكها آخر سنة ثمان وثلاثين ونجا عمه الآخر عبد الوارث إلى وربجومة من قبائل البربر وكبيرهم يومئذ عاصم بن جميل وكان كاهنا ويدعي النبوة فأجار عبد الوارث وقاتلهم حبيب فهزموه إلى قابس واستفحل أمرهم وكتب من كان بالقيروان من العرب إلى عاصم بن جميل يدعونه للولاية عليهم واستخلفوه على الحماية والدعاء للمنصور فلم يجب إلى ذلك وقاتلهم فهزمهم واستباح القيروان وخرب المساجد واستهانها ثم سار إلى حبيب بن عبد الرحمن بقابس فقاتله وهزمه ولحق حبيب بجبل أوراس فأجاره أهله وجاء عاصم فقاتلهم فهزموه وقتل جماعة من أصحابه وقام بأمر وربجومة والقيروان من بعده عبد الملك وقتله سنة أربعين ومائة وكانت إمارة الياس على أفريقية سنة ونصفا وإمارة حبيب ثلاث سنين.
|