الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.محمد بن مقاتل الكعبي. ثم بعث الرشيد على أفريقية محمد بن مقاتل الكعبي وكان صنيعه فقدم القيروان في رمضان سنة إحدى وثمانين فكان مسيء السيرة فاختلف عليه الجند وقدموا مخلد بن مرة الأزدي فبعث إليه العساكر فهزم وقتل ثم خرج عليه بتونس تمام ابن تميم التميمي سنة ثلاث وثمانين واجتمع إليه الناس وسار إلى القيروان فخرج إليه محمد بن مقاتل ولقيه فانهزم أمامه ورجع إلى القيروان وتمام في اتباعه إلى أن دخل عليه القيروان وأمنه تمام على أن يخرج عن أفريقية فسار محمد إلى طرابلس وبلغ الخبر إلى إبراهيم بن الأغلب بمكانه من الزاب فانتقض لمحمد وسار بجموعه إلى القيروان وهرب تمام بين يديه إلى تونس وملك القيروان واستقدم محمد بن مقاتل من طرابلس وأعاده إلى إمارته بالقيروان آخر ثلاث وثمانين وزحف تمام لقتالهم فخرج إليه إبراهيم بن الأغلب بأصحابه فهزمه وسار في اتباعه إلى تونس واستأمن له تمام فأمنه وجاء به إلى القيروان وبعث به إلى بغداد فاعتقله الرشيد..إبراهيم بن الأغلب. ولما استوثق الأمر لمحمد بن مقاتل كره أهل البلاد ولايته وداخلوا إبراهيم بن الأغلب في أن يطلب من الرشيد الولاية عليهم فكتب إبراهيم إلى الرشيد في ذلك على أن يترك المائة ألف دينار التي كانت من مصر إلى أفريقية وعلى أن يحمل هو من أفريقية أربعين ألفا وبلغ الرشيد غناؤه في ذلك واستشار فيه أصحابه فأشار هرثمة بولايته فكتب له بالعهد إلى أفريقية منتصف أربع وثمانين فقام إبراهيم بالولاية وضبط الأمور وقفل ابن مقاتل إلى المشرق وسكنت البلاد بولاية ابن الأغلب وابتنى مدينة العباسية قرب القيروان وانتقل إليها بجملته وخرج عليه سنة ست وثمانين بتونس حمديس من رجالات العرب ونزع السواد فسرح إليه ابن الأغلب عمران بن مجالد في العساكر فقاتله وانهزم حمديس وقتل من أصحابه نحو عشرة آلاف ثم صرف همه إلى تمهيد المغرب الأقصى وقد ظهر فيه دعوة العلوية بإدريس بن عبد الله وتوفي ونصب البرابرة ابنه الأصغر وقام مولاه راشد بكفالته وكبر إدريس واستفحل أمره براشد فلم يزل إبراهيم يدس إلى البربر ويسرب فيهم الأموال حتى قتل راشد وسيق رأسه إليه ثم قام بأمر إدريس بعده بهلول بن عبد الرحمن المظفر من رؤوس البربر فاستفحل أمره فلم يزل إبراهيم يتلطفه ويستميله بالكتب والهدايا إلى أن انحرف عن دعوة الأدارسة إلى دعوة العباسية فصالحه إدريس وكتب إليه يستعطفه بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكف عنه ثم خالف أهل طرابلس على إبراهيم بن الأغلب سنة تسع وثمانين وثاروا بعاملهم سفيان بن المهاجر وأخرجوه من داره إلى المسجد وقتلوا عامة أصحابه ثم أمنوه على أن يخرج من طرابلس فخرج سفيان لشهر من ولايته واستعملوا عليهم إبراهيم بن سفيان التميمي فبعث إليهم إبراهيم بن الأغلب العساكر وهزمهم ودخل طرابلس عسكره ثم استحضر إبراهيم الذين تولوا كبر ذلك فحضروا في ذي الحجة آخر السنة وعفا عنهم وأعادهم إلى بلدهم ثم انتقض عمران بن مجالد الربعي سنة خمس وتسعين على ابن الأغلب وكان بتونس واجتمع معه على ذلك قريش بن التونسي وكثرت جموعهما وسار عمران إلى القيروان فملكها وقدم عليه قريش من تونس وخندق إبراهيم على نفسه بالعباسية فحاصروه سنة كاملة كانت بينه وبينهم حروب كان الظفر في آخرها لابن الأغلب وكان عمران يبعث إلى أسد بن الفرات القاضي في الخروج إليهم وامتنع ثم بعث الرشيد إلى إبراهيم بالمال فنادى في الناس بالعطاء ولحق به أصحاب عمران وانتقض أمره ولحق بالزاب فأقام به إلى أن توفي ابن الأغلب ثم بعث إبراهيم على طرابلس ابنه عبد الله سنة ست وتسعين فثار عليه الجند وحاصروه بداره ثم أمنوه على أن يخرج عنهم فخرج واجتمع إليه الناس وبذل العطاء وأتاه البربر من كل ناحية وزحف إلى طرابلس فهزم جندها ودخل المدينة ثم عزلة أبوه وولى سفيان بن المضاء فثارت هوارة بطرابلس وهجموا الجند فلحقوا بإبراهيم بن الأغلب وأعاد معهم ابنه عبد الله في ثلاثة عشر ألفا من العساكر ففتك بهوارة وأثخن فيهم وجدد سور طرابلس وبلغ الخبر إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم فجمع البربر وجاء إلى طرابلس فحاصرها وسد عبد الوهاب باب زناتة وكان يقاتل من باب هوارة ثم جاءه الخبر بوفاة أبيه فصالحهم على أن يكون البلد والبحر لعبد الله وأعمالها لعبد الوهاب وسار إلى القيروان وكانت وفاة إبراهيم في شوال سنة ست وتسعين..ابنه أبو العباس عبد الله. ولما توفي إبراهيم بن الأغلب عهد لابنه عبد الله وكان غائبا بطرابلس والبربر يحاصرونه كما ذكرناه وأوصى ابنه الآخر زيادة الله أن يبايع له بالإمارة ففعل وأخذ له البيعه على الناس بالقيروان وكتب إليه بذلك فقدم أبو العباس عبد الله في صفر سنة سبع وتسعين ولم يرع حق أخيه فيما فعله وكان ينتقصه ولم يكن في أيامه فتنة بما مهد له أبوه الأمر وكان جائرا حتى قيل: إن مهلكه كان بدعوة حفص بن حميد من الأولياء الصالحين من أهل حمود ومهريك وفد عليه في جماعة من الصالحين يشكو ظلامة فلم يصغ إليهم فخرج حفص يدعو عليه وهم يؤمنون فأصابته قرحة في أذنه عن قريب هلك منها في ذي الحجة سنة إحدى ومائتين لخمس سنين من ولايته.
|