الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.إبراهيم بن أحمد أخو أبي الغرانيق. ولما توفي أبو الغرانيق ولي أخوه إبراهيم وقد كان عهد لابنه أبي عقال واستحلف أخاه إبراهيم أن لا ينازعه ولا يعرض له بل يكون نائبا عنه إلى أن يكبر فلما مات عدا عليه أهل القيروان وحملوه على الولاية عليهم لحسن سيرته وعد له فامتنع ثم أجاب وترك وصية أبي الغرانيق في ولده أبي عقال وانتقل إلى قصر الإمارة وقام بالأمر أحسن قيام وكان عادلا حازما فقطع البغي والفساد وجلس لسماع شكوى المتظلمين فأمنت البلاد وبنى الحصون والمحارس بسواحل البحر حتى كانت النار توقد في ساحل سبتة للنذير بالعدو فيتصل إيقادها بالإسكندرية في الليلة الواحدة وبنى سور سوسة وفي أيامه كان مسير العباس بن أحمد بن طولون مخالفا على أبيه صاحب مصر سنة خمس وستين ومائتين فملك برقة من يد محمد بن قهرب قائد ابن الأغلب ثم ملك لبدة ثم حاصر طرابلس واستمد ابن قهرب بقوسة فأمدوه ولقي العباس بن طولون بقصر حاتم سنة سبع وستين فهزمه ورجع إلى مصر ثم خالفت وزداجة ومنعوا الرهن وفعلت مثل ذلك هوارة ثم لواتة وقتل ابن قهرب في حروبهم فسرح إبراهيم ابنه أبا العباس عبد الله إليهم في العساكر سنة تسع وستين فأثخن فيهم وفي سنة ثمانين كثر الخوارج وفرق العساكر إليهم فاستقاموا واستركب العبيد السودان واستكثر منهم فبلغوا ثلاثة آلاف وفي سنة إحدى وثمانين انتقل إلى سكنى تونس واتخذ بها القصور ثم تحرك إلى مصر سنة ثلاث وثمانين لمحاربة ابن طولون واعترضته نفوسة فهزمهم وأثخن فيهم ثم انتهى إلى سرت فانفضت عنه الحشود فرجع وبعث ابنه أبا العباس عبد الله على صقلية سنة سبع وثمانين فوصل إليها في مائة وستين مركبا وحصر طرابة وانتقض عليه بليرم وأهل كبركيت وكانت بينهم فتنة فأغراه كل واحد منهم بالآخرين ثم اجتمعوا لحربه وزحف إليه أهل بليرم في البحر فهزمهم واستباحهم وبعث جماعة من وجوهها إلى أبيه وفر آخرون من أعيانهم إلى القسطنطينية وآخرون إلى طرميس فاتبعهم وعاث في نواحيها ثم حاصر أهل قطانية فامتنعوا عليه فأعرض عن قتال المسلمين وتجهز سنة ثمان وثمانين للغزو فغزا دمقش ثم مسيني ثم جاء في البحر إلى ربو ففتحها عنوة وشحن مراكبه بغنائمها ورجع إلى مسيني فهدم سورها وجاء مدد القسطنطينية في المراكب فهزمهم وأخذ لهم ثلاثين مركبا ثم أجاز إلى عدوة الروم وأوقع بأمم الفرنجة من وراء البحر ورجع إلى صقلية وجاء فى هذه السنة رسول المعتضد بعزل الأمير إبراهيم لشكوى أهل تونس به فاستقدم ابنه أبا العباس من صقلية وارتحل هو إليها مظهرا لغربة الانتجاع هكذا قال ابن الرقيق وذكر أنه كان جائرا ظلوما سفاكا للدماء وأنه أصابه آخر عمره ماليخوليا أسرف بسببها في القتل فقتل من خدمه ونسائه وبناته ما لا يحصى وقتل ابنه أبا الأغلب لظن ظنه به وافتقد ذات يوم منديلا لشرابه فقتل بسببه ثلاثمائة خادم وأما ابن الأثير فأثنى عليه بالعقل والعدل وحسن السيرة وذكر أن فتح سرقوسة كان في أيامه على يد جعفر بن محمد أمير صقلية وأنه حاصرها تسعة أشهر وجاءهم المدد من قسطنطينية في البحر فهزمهم ثم فتح البلد واستباحها واتفقوا كلهم على أنه ركب البحر من أفريقية إلى صقلية فزل طرابنة ثم تحول عنها إلى بليرم ونزل على دمقش وحاصرها سبعة عشر يوما ثم فتح مسيني وهدم سورها ثم فتح طرميس آخر شعبان من سنة تسع وثمانين ووصل ملك الروم بالقسطنطينية ففتحها ثم بعث حافده زيادة الله ابن ابنه أبي العباس عبد الله إلى قلعة بيقش فافتتحها وابنه أبو محرز إلى رمطة فأعطوه الجزية ثم عبر إلى عدوة البحر وسار في بر الفرنج ودخل قلورية عنوة فقتل وسبى ورهب منه الفرنجة ثم رجع إلى صقلية ورغب منه النصارى في قبول الجزية فلم يجب إلى ذلك ثم سار إلى كنسة فحاصرها واستأمنوا إليه فلم يقبل ثم هلك وهو محاصر لها آخر تسع وثمانين لثمان وعشرين سنة من إمارته فولى أهل العسكر عليهم حافده أبا مضر ليحفظ العساكر والأمور إلى أن يصل ابنه أبو العباس وهو يومئذ بأفريقية فأمن أهل كنسة قبل أن يعملوا بموت جده وقبل منهم الجزية وأقام قليلا حتى تلاحقت به السرايا من النواحي ثم ارتحل وحمل جده إبراهيم فدفنه في بليرم وقال ابن الأثير: حمله إلى القيروان فدفنه بها.
|