الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبرعن دولة بني نجاح بزبيد موالي بني زياد ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم. ولما استولى الصليحي على زبيد من يد كهلان بعد أن أهلكه بالسم على يد الجارية التي بعثها إليه سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة كما مر وكان لنجاح ثلاثة من الولد معارك وسعيد وجياش فقتل معارك نفسه ولحق سعيد وجياش بجزيرة دهلك وأقاما هنالك يتعلمان القرآن والآداب ثم رجع سعيد إلى زبيد مغاضبا لأخيه جياش واختفى بها في نفق احتفره تحت الأرض ثم استقدم أخاه جياشا فقدم وأقاما هنالك في الاختفاء ثم إن المستنصر العبيدي الخليفة بمصر قطع دعوته بمكة محمد بن جعفر أميرها من الهواشم فكتب إلى الصليحي يأمره بقتاله وحمله على إقامة الدعوة العلوية بمكة فسار علي الصليحي لذلك من صنعاء وظهر سعيد وأخوه من الاختفاء وبلغ خبرهم الصليحي فبعث عسكرا نحوا من خمسة آلاف فارس وأمرهم بقتلهما وقد كان سعيد وجياش خالفا العسكر وسارا في اتباع الصليحي وهو في عساكره فبيتوه في اللجم وهو متوجه إلى مكة فانتقض عسكره وقتل وتولى قتله جياش بيده سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ثم قتل عبد الله الصليحي أخا علي في مائة وسبعين من بني الصليحي وأسر زوجته أسماء بنت عمه شهاب في مائة وخمس وثلاثين من ملوك القحطانيين الذين غلبوا باليمن وبعث إلى العسكر الذين ساروا لقتل سعيد وجياش فأمنهم واستخدمهم ورحل إلى زبيد وعليها أسعد بن شهاب أخو زوجة الصليحي ففر أسعد إلى صنعاء ودخل سعيد إلى زبيد وأسماء زوجة الصليحي أمامه في هودج ورأس الصليحي وأخيه عند هودجها وأنزلها بدارها ونصب الرأسين قبالة طاقها في الدار وامتلأت القلوب منه رعبا وتلقب نصير الدولة وتغلب ولاة الحصون على ما بأيديهم ودس المكرم بن الصليحي بن سعيد بن نجاح بصنعاء على لسان بعض أهل الثغور وضمن له الظفر فجاء سعيد لذلك في عشرين ألفا من الحبشة وسار إليه المكرم من صنعاء وهزمه وحال بينه وبين زبيد فهرب إلى جزيرة دهلك ودخل المكرم زبيد وجاء إلى أمه وهي جالسة بالطاق وعندها رأس الصليحي وأخيه فأنزلهما ودفنهما وولى على زبيد خاله أسعد سنة سبع وتسعين وأربعمائة وكتب المكرم إلى عبد الله بن يعفر صاحب حصن الشعر بأن يغري سعيدا بالمكرم وانتزاع ذي جبلة من يده لاشتغاله بلذاته واستيلاء زوجه سيدة بنت أحمد عليه وأنه بلخ فتمت الحيلة فسار سعيد في ثلاثين ألفا من الحبشة وأكمن له المكرم تحت حصن الشعر فثاروا به هنالك وانهزمت عساكره وقتل ونصب رأسه عند الطاق الذي كان فيها رأس الصليحي بزبيد واستولى عليها المكرم وانقطع منها ملك الحبشة وهرب جياش ومعه وزير أخيه خلف بن أبي الظاهر المرواني ودخلا عدن متنكرين ثم لحقا بالهند وأقاما بها ستة أشهر ولقيا هنالك كاهنا جاء من سمرقند فبشرهما بما يكون لهما فرجعا إلى اليمن وتقدم خلف الوزير إلى زبيد وأشاع موت جياش واستأمن لنفسه ولحق جياش فأقاما هنالك مختفيين وعلى زبيد يومئذ أسعد بن شهاب خال المكرم ومعه علي بن القم وزير المكرم وكان حنقا على المكرم ودولته فداخله الوزير خلف ولاعب ابنه الحسين الشطرنج ثم انتقل إلى ملاعبة أبيه فاغتبط به وأطلعه على رأيه في الدولة وكان يتشيع لآل نجاح وانتمى بعض الأيام وهو يلاعب فسمعه علي بن القم واستكشف أمره فكشف له القناع واستحلفه وجياش أثناء ذلك يجمع أشياعه من الحبشة وينفق فيهم الأموال حتى اجتمع له خمسة آلاف فثار بهم في زبيد سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة ونزل دار الإمارة ومن على أسعد بن شهاب وأطلقه لزمانة وكانت به وبقي ملكا على زبيد يخطب للعباسيين والصليحيون يخطبون للعبيديين والمكرم يبعث العرب للغارة على زبيد كل حين إلى أن هلك جياش على رأس المائة الخامسة وكانت كنيته ابن القطاي وكان موصوفا بالعدل وولي بعده ابنه الفاتك صبيا لم يحتلم ودبروا ملكه وجاء عمه إبراهيم لقتاله وبرزوا له فثار عبد الواحد بالبلد وبعث منصور إلى الفضل بن أبي البركات صاحب التعكر فجاء لنصره مضمرا للغدر به ثم بلغه انتقاض أهل التعكر عليه فرجع ولم يزل منصور في ملكه بزبيد إلى أن وزر له أبو منصور عبيد الله فقتله مسموما سنة سبع عشرة وخمسمائة ونصب فاتكا ابنه طفلا صغيرا واستبد عليه وقام بضبط الملك وهان عليه التعرض لآل نجاح حتى هربت منه أم فاتك هذا وسكنت خارج المدينة وكان قرما شجاعا وله وقائع مع الأعداء وحاربه ابن نجيب داعي العلوية فامتنع عليه وهو الذي شيد المدارس للفقهاء بزبيد واعتنى بالحاج ثم راود مفارك بنت جياش ولم تجد بدا من إسعافه فأمكنته حتى إذا قضى وطره مسحت ذكره بمنديل مسموم فنثر لحمه وذلك سنة أربع وعشرين وخمسمائة وقام بأمر فاتك بعده زريق من موالي نجاح قال عمارة: كان شجاعا فاتكا قرما وكان من موالي أم فاتك المخصين بها.قال عمارة: وفي سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة توفي فاتك بن المنصور وولي بعده ابن عمه وسميه فاتك بن محمد بن فاتك وسرور قائم بوزارته وتدبير دولته ومحاربة أعدائه وكان يلازم المسجد إلى أن دس عليه علي بن مهدي الخارجي من قتله في المسجد وهو يصلي العصر يوم الجمعة ثاني عشر صفر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وثار السلطان بالقاتل فقتل جماعة من أهل المسجد ثم قتل واضطرب موالي نجاح بالدولة وثار عليهم ابن مهدي الخارجي وحاربهم مرارا وحاصرهم طويلا واستعانوا بالشريف المنصور أحمد بن حمزة السليماني كان يملك صعدة فأغاثهم على أن يملكوه ويقتلوا سيدهم فاتك بن محمد فقتلوه سنة ثلاث وخمسين وملكوا عليهم الشريف أحمد فعجز عن مقاومة ابن مهدي وفر تحت الليل وملكها علي بن مهدي سنة أربع وخمسين وخمسمائة وانقرض أمر آل نجاح والملك لله.
|