الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.خروج الروم إلى الجزيرة والشام. وفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة دخل ملك الروم الشام فسار في نواحيها ولم يجد من يدافعه فعاث في نواحي طرابلس وكان أهلها قد أخرجوا عاملهم إلى عرقة لسوء سيرته فنهب الروم أمواله ثم حاصر الروم عرقة فملكوها ونهبوها ثم قصدوا حمص وقد انتقل أهلها عنها فأحرقوها ورجعوا إلى بلاد السواحل وملكوا منها ثمانية عشر بلدا واستباحوا عامة القرى وساروا في جميع نواحي الشام ولا مدافع لهم إلا أن بعض العرب كانوا يغيرون على أطرافهم ثم رجع ملك الروم مجمعا حصار حلب وأنطاكية وبلغه استعدادهم فرحل عنهم إلى بلاده ومعه من السبي مائة ألف رأس وكان بحلب قرعوية مولى سيف الدولة فمانعهم وبعث ملك الروم سراياه إلى الجزيرة فبلغوا كفرثوثا وعاثوا في نواحيها ولم يكن من أبي ثعلب مدافعة لهم..استبداد قرعوية بحلب. كان قرعوية غلام سيف الدولة وهو الذي أخذ البيعة لابنه أبي المعالي بعد موته فلماكان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة انتقض على أبي المعالي وأخرجه من حلب واستبد بملكها وسار أبو المعالي إلى حران فمنعه أهلها فسار إلى والدته بميافارقين وهي بنت سعيد بن حمدان أخت أبي فراس ولحق أصحابه بأبي ثعلب وبلغ أمه بميافارقين وهي بنت سعيد بن حمدان أخت أبي فراس أنه يريد القبض عليها فمنعته أياما من الدخول حتى استوثقت لنفسها وأذنت له ولمن رضيته وأطلقت لهم الأرزاق ومنعت الباقين وسار أبو المعالي لقتال قرعوية بحلب فامتنع عليه ثم لحق أبو المعالي بحماة وأقام بها وبقيت الخطبة بحران له ولا والي عليهم من قبله فقدموا عليهم من يحكم بينهم..مسير أبي ثعلب من الموصل إلى ميافارقين. ولما سمع أبو ثعلب بخروج أبي المعالي من ميافارقين إلى حلب لقتال قرعوية سار إليها وامتنعت زوجة سيف الدولة منه واستقر الأمر بينهما على أن تحمل إليه مائتي ألف درهم ثم نمي إليها أنه يحاول على ملك البلد فكبسته ليلا ونالت من معسكره فبعث إليها يلاطفها فأعادت إليه بعض ما نهب وحملت إليه مائة ألف درهم وأطلقت الأسارى فرجع عنها..استيلاء الروم على انطاكية ثم حلب ثم ملاذكرد. وفي سنة تسع وخمسين خرج الروم إلى أنطاكية فمروا بحصن الوفاء بقربها وهم نصارى فحاصروهم واتفقوا على أن يرحلوا إلى أنطاكية فإذا نزل الروم عليها ثاروا من داخل وانتقل أهل الوفاء ونزلوا بجبل أنطاكية وجاء بعد شهرين أخو يعفور ملك الروم في أربعين ألفا من جموع الروم ونازل أنطاكية فأخلى له أهل الوفاء السور من ناحيتهم وملكوا البلد وسبوا منها عشرين ألفا ثم إنفذ ملك الروم جيشا كثيفا إلى حلب وأبو المعالي بن سيف الدولة عليها يحاصرها ففارقها أبو المعالي وقصد البرية وملك الروم حلب وتحصن قرعوية وأهل البلد بالقلعة فحاصروها مدة ثم ضربوا الهدنة بينهم على مال يحمله قرعوية وعلى أن الروم إذا أرادوا الميرة من قرى الفرات لا يمنعونهم منها ودخل في هذه الهدنة حمص وكفرطاب والمعرة وأفامية وشيزر وما بين ذلك من الحصون والقرى وأعطاهم رهنهم على ذلك الروم وأفرج الروم عن حلب وكان ملك الروم قد بعث جيشا إلى ملاذكرد من أعمال أرمينية فحاصروها وفتحوها عنوة ورعب أهل الثغور منهم في كل ناحية..مقتل يعفور ملك الروم. كان يعفور ملكا بالقسطنطينية وهي البلاد التي بيد بني عثمان لهذا العهد وكان من يليها يسمى الدمشق وكان يعفور هذا شديدا على المسلمين وهو الذي أخذ حلب أيام سيف الدولة وملك طرسوس والمسينة وعين زربة وكان قتل الملك قبله وتزوج امرأته وكان له منها إبنان فكفلهما يعفور وكان كثيرا ما يطرق بلاد المسلمين ويدوخها في ثغور الشام والجزيرة حتى هابه المسلمون وخافوه على بلادهم ثم أراد أن يجب ربيبيه ليقطع نسلهما فغرقت أمهما من ذلك وأرسلت إلى الدمشق بن الشمشيق وداخلته في قتله وكان شديد الخوفت من يعفور وهذا كان أبوه مسلما من أهل طرسوس يعرف بابن العفاش تنصر ولحق بالقسطنطينية ولم يزل يترقى في الأطوار إلى أن نال من الملك ما ناله وهذه غلطة ينبغي للعقلاء أن يتنزهوا عنها ولا ينال الملك من كان عريقا في السوقة وفقيدا للعصابة بالكلية وبعيدا عن نسب أهل الدولة فقد تقدم من ذلك في مقدمة الكتاب ما فيه كفاية..استيلاء أبي ثعلب على حران. وفي منتصف سنة تسع وخمسين وثلاثمائة سار أبو ثعلب إلى حران وحاصرها نحوا من شهر ثم جنح أهلها إلى مصالحته واضطربوا في ذلك ثم توافقوا عليه وخرجوا إلى أبي ثعلب وأعطوه الطاعة ودخل في إخوانه وأصحابه فصلى الجمعة ورجع إلى معسكره واستعمل عليهم سلامة البرقعيدي وكان من أكابر أصحاب بني حمدان وبلغه الخبر بأن نميرا عاثوا في بلاد الموصل وقتلوا العامل ببرقعيد فأسرع العود.
|