الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مسير الروم إلى بلد ابن مروان ثم فتح الرها. ولما كانت الدعوة العلوية قد انتشرت في الشام والجزيرة وكان سبب ذلك أن وثابا النميري صاحب حران والرقة يخطب لهم فلما ولي الوزيري للعلويين على الشام بعث إلى ابن مروان بالتهديد وأنه يسير إلى بلاده فاستمد ابن مروان قرواش صاحب الموصل وشبيب بن وثاب صاحب الرقة ودعاهما إلى الموافقة وقطع الدعوة العلوية فأجابوه وخطبوا للقائم وقطعوا الخطبة للمستنصر وذلك سنة ثلاثين وأربعمائة فقام الوزيري في ركائبه وتهددهم وأعاد ابن وثاب خطبة العلوية بحران في ذي الحجة آخر السنة..مقتل سليمان بن نصير الدولة. كان نصير الدولة قد ولى ابنه سليمان ويكنى أبا حرب الأمور وكان يحاوره في الجزيرة بشرموشك بن المحلي زعيم الأكراد في حصون له هنالك منيعة ووقعت بينهما منافرة ثم استماله سليمان ومكر به وكان الأمير أبو طاهر البثنوي صاحب قلعة فنك وغيرها وهو ابن أخت نصير الدولة وكان صديقا لسليمان فكان مما استماله به موشك أن زوجه بابنة أبي طاهر فاطمأن موشك إلى سليمان وسار إلى غزو الروم بأرمينية وأمده نصير الدولة ابن مروان بالعساكر والهدايا وقد كان خطب له من قبل ذلك وأطاعه فشفع عنده في موشك فقتله سليمان وقال لطغرلبك أنه مات وشكر له أبو طاهر حيث كان صهره واتخذها ذريعة إلى قتله فخافه سليمان وتبرأ إليه مما وقع فأظهر القبول وطلب الاجتماع من حصنه فنك لذلك وخرج سليمان إليه في قلة من أصحابه فقتله عبيد الله وأدرك من ثأر أبيه وبلغ الخبر إلى نصير الدولة فبادر بابنه نصير وبعث معه العساكر لحماية الجزيرة وسمع قريش بن بدران صاحب الموصل فطمع في ملك جزيرة ابن عمر فسار إليها واستمال الأكراد الحسنية والبثنوية واجتمعوا على قتال نصير بن مروان فأحسن المدافعة عن بلده وقاتلهم وجرح قريش جراحا عديدة ورجع إلى الموصل وأقام نصير بن مروان بالجزيرة والأكراد على خلافه..مسير طغرلبك إلى ديار بكر. ولما انصرف طغرلبك من الموصل وملكها وفر قريش عنها ثم عاود الطاعة وذلك سنة ثمان وأربعين وأربعمائة فسار طغرلبك بعدها إلى ديار بكر وحاصر جزيرة ابن عمر وكان ابن مروان في خدمته وهداياه مترادفة عليه في مسيره إلى الموصل وعوده فبعث إليه بالمال مفاداة عن الجزيرة ويذكر ما هو بصدده من الجهاد وحماية الثغر فأفرج عنه طغرلبك وسار إلى سنجار كما ذكرناه في أخبار قريش..وفاة نصير الدولة بن مروان وولاية ابنه نصر. وفي سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة توفي نصير الدولة أحمد بن مروان الكردي صاحب ديار بكر وكان لقبه القادر بالله ومات لاثنتين وخمسين سنة من ولايته وكان قد عظم استيلاؤه وتوفرت أمواله وحسن في عمارة الثغور وضبطها أثره وكان يهادي السلطان طغرلبك بالهدايا العظيمة ومنها حبل الياقوت الذي كان لبني بويه اشتراه من أبي منصور بن جلال الدولة وأرسل معه مائة ألف دينار فحسنت حاله عنده وكان يناغي عظماء الملوك في الترف فيشتري الجارية بخمسمائة دينار وأكثر واجتمع عنده منهن للافتراش والاستخدام أزيد من ألف واقتنى من الأواني والآلات ما تزيد قيمته على مائتي ألف دينار وجمع في عصمته بنات الملوك وأرسل طباخين إلى الديار المصرية وأنفق عليهم جملة حتى تعلموا الطبخ هنالك ووفد عليه أبو القاسم بن المغربي من أهل الدولة العلوية بمصر وفخر الدولة بن جهير من الدولة العباسية فأقبل عليهما واستوزرها ووفد عليه الشعراء فوصلهم وقصده العلماء فحمدوا عنده مقامهم ولما توفي في كان الظفر فيها لنصر واستقر بميافارقين ومضى أخوه سعيد إلى آمد فملكها واستقر الحال بينهما على ذلك..وفاة نصر بن نصير الدولة وولاية ابنه منصور. ثم توفي نظام الدين نصر بن نصير الدولة في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة وولي ابنه منصور ودبر دولته ابن الأنباري ولم يزل في ملكه إلى أن قدم ابن جهير وملك البلاد من يده.
|