الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الفتنة بين سيجور وفائق بخراسان وظهور سبكتكين وابنه محمود عليهم. ولما رجع نوح إلى بخارى وطمع أبو علي بن سيجور وفائق قي انتزاع خراسان من يد سبكتكين وابنه وبادروا إلى محمود بن سبكتكين بنيسابور سنة خمس وثمانين وثلثمائة وأعجلوه عن وصول المدد إليه من ابنه سبكتكين وكان في قلة فانهزم إلى أبيه بهراة وملك أبو علي نيسابور وسار إليه سبكتكين في العساكر والتقوا بطوس فانهزم أبو علي وفائق حتى انتهيا إلى آمل الشط واستعطف أبو علي الأمير نوحا فاستدعاه وحبسه ثم بعث به إلى سبكتكين وحبسه عنده ولحق فائق بملك الترك ايلك خان في كاشغر وشفع فيه إلى الأمير نوح فولاه سمرقند كما مر ذلك كله في أخبارهم وكان أبو القاسم أخو أبي علي قد نزع إلى سبكتكين يوم اللقاء فأقام عنده مدة مديدة ثم انتقض وزحف إلى نيسابور فجاء محمود بن سبكتكين فهرب ولحق بفخر الدولة بن بويه فأقام عنده واستولى سبكتكين على خراسان..مزاحفة سبكتكين وايلك خان. كان ايلك خان ولي بعد بقراخان على كاشغر وشاغور وعلى أم الترك وطمع في أعمال الأمير نوح كما طمع أبوه ومد يده إليها شيئا فشيئا ثم اعتزم على الزحف إليه فكتب الأمير نوح إلى سبكتكين بخراسان يستجيشه على ايلك خان فاحتشد وعبر النهر وأقام بين نسف وكشف حتى لحقه ابنه محمود بالحشود من كل جهة وهنالك وصله أبو علي بن سيجور مقيدا بعث به إليه الأمير نوح فأبى من ذلك وجمع ايلك خان أمم الترك من سائر النواحي وبعث سبكتكين إلى الأمير نوح يستحثه فخام عن اللقاء وبعث قواده وجميع عساكره وجعلهم لنظره وفي تصريفه فألح عليه سبكتكين وبعث أخاه بغراجق وابنه محمودا لاستحثاثه فهرب الوزير بن عزيز خوفا منهم وتفادى نوح من اللقاء فتركوه وفت ذلك في عزم سبكتكين وبعث ايلك خان في الصلح فبادر سبكتكين وبعث أبا القاسم ثم ارتاب به عند عبوره إلى ايلك خان فحبسه مع أبي علي وأصحابه حتى رجع سبكتكين من طوس إلى بلخ فبلغ الخبر بمقتلهم ووصل نعي مأمون بن محمد صاحب الجرجانية بخوارزم غدر به صاحب جيشه في صنيع أعده له وقتله وصل خبر الأمير نوح أثرهما وأنه هلك منتصف رجب سنة سبع وثمانين وثلثمائة..أخبار سبكتكين مع فخر الدولة بن بويه. كان أبو علي بن سيجور وفائق لما هزمهما سبكتكين لحقا بجرجان عند فخر الدولة بن بويه ثم لما أجلب أبو القاسم على خراسان وسار إليه محمود بن سبكتكين وعمه بغراجق وكان معه أبو نصر بن محمود الحاجب فهربا إلى فخر الدولة وأقاما في نزله وتحت حرابه بقومس والدامغان وجرجان وأتاخ سبكتكين على طوس ثم وقعت المهاداة بينه وبين فخر الدولة بن بويه صاحب الري وكان آخر هدية من سبكتكين جاء بها عبد الله الكاتب من ثغابة ونمي إلى فخر الدولة أنه يتجسس عدد الجند وغوامض الطرق فبعث إلى سبكتكين بالعتاب في ذلك ثم ضعف الحال بينهما واتصل ما بين فخر الدولة والأمير نوح على يد سبكتكين..وفاة سبكتكين وولاية ابنه إسمعيل. ولما فرغ سبكتكين من أمر ايلك خان ورجع إلى بلخ وأقام بها قليلا طرقه المرض فبادر به إلى غزنة وهلك في طريقه في شعبان سنة سبع وثمانين وثلثمائة لعشرين سنة من ملكه في غزنة وخراسان ودفن بغزنة وكان عادلا خيرا حسن العهد محافظا على الوفاء كثير الجهاد ولما هلك بايع الجند لابنه إسمعيل بعهده إليه وكان أصغر من محمود فأفاض فيهم العطاء وانعقد أمره بغزنة..استيلاء محمود بن سبكتكين على ملك أبيه وظفره بأخيه إسمعيل. ولما ولي إسمعيل بغزنة استضعفه الجند واستولوا عليه واشتطوا عليه في الطلب حتى أنفد خزائن أبيه وكان أخوه محمود بنيسابور فبعث إليه أن يكتب له بالأعمال التي لنظره مثل بلخ فأبى وسعى أبو الحرب والي الجوزجان في الإصلاح بينهما فامتنع إسمعيل فسار محمود إلى هراة معتزما عليه وتحيز معه عمه بغراجق ثم سار إلى بست وبها أخوه نصر فاستماله وساروا جميعا إلى غزنة وقد كتب إليه الأمراء الذين مع إسمعيل واستدعوه ووعدوه بالطاعة وأغذ السير ولقيه إسمعيل بظاهر غزنة فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم إسمعيل واعتصم بقلعة غزنة واستولى محمود على الملك وحاصر أخاه إسمعيل حتى استنزله على الأمان فأكرمه وأشركه في سلطانه وذلك لسبعة أشهر من ولاية إسمعيل واستقامت الممالك لمحمود ولقب بالسلطان ولم يلقب به أحد قبله ثم سار إلى بلخ..استيلاء محمود على خراسان. لما ولي أبو الحرث منصور بعد نوح استوزر محمد بن إبراهيم وفوض أمره إلى فائق كفالة وتدبيرا لصغره وكان عبد الله بن عزيز قد هرب من بخارى عند قدوم محمد إليها في استحثاث الأمير نوح للقاء ايلك خان كما مر فلما مات الأمير نوح وولي ابنه منصور أطمع عزيز أبا منصور محمد بن الحسين الاسبيجابي في قيادة الجيش بخراسان وحمله على الانحدار به إلى بخارى مستغيثا بايلك خان على غرضه فنهض ايلك خان لمصاحبتهما وسار بهما كأنه يريد سمرقند ثم قبض على أبي منصور وابن عزيز وحضر فائقا وأمره بالمسير على مقدمته إلى بخارى فهرب أبو الحرث وملك فائق بخارى ورجع ايلك خان واستدعى فائق أبا الحرث فاطمأن وبعث من مكانه بكثرزون الحاجب الأكبر على خراسان ولقبه بستان الدولة ورجع إلى بخارى فتلقاه فائق وقام بتدبير دولته وكانت بينه وبين بكثرزون ضغن فأصلح أبو الحرث بينهما وأقام بكثرزون وجبى الأموال وزحف إليه أبو القاسم بن سيجور وكانت بينهما الفتنة التي مر ذكرها وجاء محمود إلى بلخ بعد فراغه من فتنة أخيه إسمعيل فبعث إلى أبي الحرث منصور رسله وهداياه فعقد له على بلخ وترمذ وهراة وبست واعتذر عن نيسابور فراجعه مع ثقته أبي الحسن الحمولي فاستخلصه أبو الحرث لوزارته وقعد عن رسالة صاحبه فأقبل محمود إلى نيسابور وهرب عنها بكثرزون فنهض أبو الحرث إلى نيسابور فخرج محمود عنها إلى مرو الورذ وجمع أبو الحرث وكحلة بكثرزون وبايعوا لأخيه عبد الملك بن نوح وبعث محمود إلى فائق وبكثزرون بالعتاب على صنيعهما بالسلطان وزحف إليهما فبرزا من مرو للقائه ثم سألوه الإبقاء فأجاب وارتحل عنهم وبعض أوباشهم في أعقابه فرجع إليهم وحشدوا الناس للقائه فهزمهم وافترقوا فسار عبد الملك إلى بخارى وبكثرزون إلى نيسابور وكان معهم أبو القاسم بن سيجور ولحق بقهستان واستولى محمود على خراسان وذلك سنة تسع وثمانين وثلثمائة ثم سار إلى طوس وهرب بكثرزون إلى جرجان وبعث محمود أرسلان الحاجب في أثره فأخرجه من نواحي خراسان فولى أرسلان على طوس وسار إلى هراة لمطالعة أحوالها فخالفه بكثرزون إلى نيسابور وملكها ورجع فطرده عنها أبو القاسم بن سيجور وملكها وولى محمود أخاه نصر ابن سبكتكين قيادة الجيوش بخراسان وأنزله بنيسابور ثم سار إلى بلخ فأنزل بها سريره ثم استراب بأخيه إسمعيل فاعتقله ببعض القلاع موسعا عليه وكتب بالبيعة للقادر الخليفة من بني العباس فبعث إليه بالخلع والألوية على العادة وقام بين يديه السماطان واستوثق له ملك خراسان وبقي يردد الغزو إلى الهند كل سنة.
|