الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.وفاة معز الدولة وولاية ابنه بختيار. كان معز الدولة قد سار سنة خمس وخمسين وثلثمائة إلى واسط لمحاربة عمران بن شاهين فطرقه المرض سنة ست وخمسين وثلثمائة فسار إلى بغداد وخلف أصحابه بواسط على أن يعود إليهم فاشتد مرضه ببغداد وجدد العهد لابنه بختيار ثم مات منتصف ربيع الآخر من السنة فقام ابنه عز الدولة بختيار مكانه وكتب إلى العساكر بمصالحة عمران بن شاهين ففعلوا وعادوا وكان فيما أوصى به معز الدولة ابنه بختيار طاعة عمه ركن الدولة والوقوف عند إشارته وابن عمه عضد الدولة لعلو سنه عليه وتقدمه في معرفة السياسة وأن يحفظ كاتبيه أبا الفضل العباس بن الحسن وأبا الفرج بن العباس والحاجب سبكتكين فخالف جميع وصاياه وعكف على اللهو وعشرة النساء والمغنين والصفاعين فأوحش الكاتبين والحاجب فانقطع الحاجب عن حضور داره ثم طرد كبار الديلم عن مملكته طمعا في أقطاعاتهم فشغب عليه الصغار واقتدى بهم الأتراك في ذلك وطلبوا الزيادات وركب الديلم إلى الصحراء وطلبوا إعادة من أسقط من كبارهم ولم يجد بدا من إجازتهم لانحراف سبكتكين عنه فاضطربت أموره وكان الكاتب أبو الفرج العباس في عمان منذ ملكها فلما بلغه موت معز الدولة خشي أن ينفرد عنه صاحبه أبو الفضل العباس بن الحسين بالدولة فسلم عمان لعضد الدولة وبادر إلى بغداد فوجد أبا الفضل قد انفرد بالوزارة ولم يحصل على شيء..مسير عساكر ابن سامان إلى الري ومهلك وشمكير. كان أبو علي بن الياس قد سار من كرمان إلى بخارى مستنجدا بالأمير منصور بن نوح بن سامان فتلقاه بالتكرمة فأغراه ابن الياس بممالك بني بويه وأشار له قواده في أمرهم فصدق ذلك عندما كان يذكر وشمكير عنهم وتقدم إلى وشمكير والحسن بن الفيرزان بالمسير مع عساكره إلى الري ثم جهز العساكر مع صاحب خراسان أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور الدواني وأمره بطاعة وشمكير وقبول إشارته فسار لذلك سنة ست وخمسين وثلثمائة وأنزل ركن الدولة أهله بأصفهان وكتب إلى ابنه عضد الدولة بفارس وإلى ابن أخيه عز الدين بختيار ببغداد يستنجدهما فأنفذ عضد الدولة العساكر على طريق خراسان ليخالفهم إليها فأحجموا وتوقفوا وساروا إلى الدامغان وقصدهم ركن الدولة في عساكره من الري وبينما هم كذلك هلك وشمكير استعرض خيلا واختار منها واحدا وركب للصيد واعترضه خنزير فرماه بحربة وحمل الخنزير عليه فضرب الفرس فسقط إلى الأرض وسقط وشمكير ميتا وانتقض جميع ما كانوا فيه ورجعوا إلى خراسان..استيلاء عضد الدولة على كرمان. كان أبو علي بن الياس قد ملك كرمان بدعوة من بني سامان واستبد بها كما مر في أخبارهم ثم أصابه فالج وأزمن به وعهد إلى ابنه أليسع ثم لالياس من بعده وأمرهما بإجلاء أخيهما سلمان إلى أرضهم ببلاد الروم يقيم لهم ما هنالك من الأموال لعداوة كانت بين سليمان وأليسع فلم يرض سليمان ذلك وخرج فوثب على السيرجان فملكها فسار إليه أخوه أليسع فحبسه وهرب من محبسه واجتمع إليه العسكر وأطاعوه ومالوا إليه مع أبيه ثم إن أبا علي هم أن يلحق بخراسان فلحق ثم سار إلى الأمير أبي الحرث ببخارى وأغراه بالري كما مر وتوفي سنة ست وخمسين وثلثمائة وصفت كرمان لأليسع وكان عضد الدولة مزاحما لأليسع في بعض حدود عمله مدلا بجهل الشباب فاستحكمت القطيعة بينهما وهرب بعض أصحاب عضد الدولة إليه فزحف إليه واستأمن إليه أصحابه وبقي في قل من أصحابه فاحتمل أهله وأمواله ولحق ببخارى وسار عضد الدولة إلى كرمان فملكها وأقطعها ولده أبا الفوارس الذي ملك العراق بعد ولقب شرف الدولة واستخلف عليها كورتكين بن خشتان وعاد إلى فارس وبعث إليه صاحب سجستان الطاعة وخطب له ولما وصل أليسع إلى بخارى أنذر بني سامان على تقاعدهم عن نصره فوثبوا عليه فنفوه إلى خوارزم وكان قد خلف أثقاله بنواحي خراسان فاستولى عليها أبو علي بن سيجور وأصاب أليسع رمد اشتد به بخوارزم فضجر منه وقطع عرقه بيده وكان ذلك سبب هلاكه ولم يعد لبني إلياس بكرمان بعده ملك..مسير ابن العميد إلى حسنويه ووفاته. كان حسنويه بن الحسن الكردي من رجالات الكرد واستولى على نواحي الدينور واستفحل أمره وكان يأخذ الخفارة من القفول التي تمر به ويخيف السابلة إلا أنه كان فئة للديلم على عساكر خراسان متى قصدتهم وكان ركن الدولة يرعى له ذلك ويغض عن إساءته ثم وقعت بينه وبين سلار بن مسافر بن سلار فتنة وحرب فهزمه حسنويه وحصره وأصحابه من الديلم في مكان ثم جمع الشوك وطرحه بقربهم وأضرمه نارا حتى نزلوا على حكمه فأخذهم وقتل كثيرا منهم فلحقت ركن الدولة النفرة لعصبية الديلم وأمر وزيره أبا الفضل بن العميد بالمسير إليه فسار في محرم سنة تسع وخمسين وثلثمائة وقعد ابنه أبو الفتح وكان شابا مليحا قد أبطره العز والدالة على أبيه وكان يتعرض كثيرا لما يغضبه وكانت بأبي الفضل علة النقرس فتزايدت عليه وأفحشت عليه ولما وصل إلى همذان توفي بها لأربع وعشرين سنة من وزارته وأقام ابنه أبا الفتح مقامه وصالح حسنويه على مال أخذه منه وعاد إلى الري إلى مكانه من خدمة ركن الدولة وكان أبو الفضل بن العميد كاتبا بليغا وعالما في عدة فنون مجيدا فيها ومطلعا على علوم الأوائل وقائما بسياسة الملك مع حسن الخلق ولين العشرة والشجاعة المعروفة بتدبير الحروب ومنه تعلم عضد الدولة السياسية وبه تأدب.
|