الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.ولاية اقسنقر البرسقي على الموصل ثم على واسط وشحنة العراق. ولما وصل حيوس بك إلى السلطان محمود بعثه إلى أخيه طغرل وأتابك كبغري فسار إلى كنجة وبقي أهل الموصل فوضى من غير وال وكان اقسنقر البرسقي قد أبلى في خدمة السلطان محمود ورد إليه أخاه مسعودا يوم الهزيمة فعرف له حق نصحه وحسن أثره فأقطعه الموصل وأعمالها وما يضاف إليها كسنجار والجزيرة فسار إليها سنة خمس عشرة وتقدم إلى سائر الامراء بطاعته وأمره بمجاهدة الافرنج واسترجاع البلاد منهم فوصل إلى الموصل وقام بتدبيرها واصلاح أحوالها ثم أقطعه سنة ست عشرة بعدها مدينة واسط وأعمالها مضافة إلى الموصل وجعله شحنة بالعراق فاستخلف عماد الدين رنكي بن اقسنقر وبعثه إليها فسار إليها في شعبان من السنة..مقتل حيوس بك والوزير الشهيرمي. ثم إن السلطان بعد وصول حيوس بك بعثه لحرب أخيه طغرل كما قلناه وأقطعه أذربيجان فتنكر له الأمراء وأغروا به السلطان فقتله على باب هرمز في رمضان سنة عشر وأصله تركي من موالي السلطان محمد وكان عادلا حسن السيرة ولما ولى الموصل والجزيرة وكان الأكراد بتلك الأعمال انتشروا وكثرت قلاعهم وعظم فسادهم فقصدهم وفتح كثيرا من قلاعهم كبلد البكاريه وبلد الزوزن وبلد النكوسة وبلد التخشيبة وهربوا منه في الجبال والشعاب والمضايق وصلحت السابلة وأمن الناس وأما الوزير الكمال أبو طالب الشهيرمي فإنه برز مع السلطان دبيس إلى همدان وخرج في موكبه وضاق الطريق فتقدم الموكب بين يديه فوثب عليه باطني وطعنه بسكين فأنفذه واتبعه الغلمان فوثب عليه آخر جذبه عن سرجه وطعنه طعنات وشردهم الناس عنه فوثب آخر فجذيه وذلك لأربع سنين من وزارته وكان سيء السيرة ظلوما غشوما كثير المصادر ولما قتل رفع السلطان ما كان أحدث من المكوس..رجوع طغرل إلىطاعة أخيه السلطان محمود. قد ذكرنا عصيان طغرل على أخيه السلطان محمود بالري سنة ثلاث عشرة وأن السلطان محمود سار إليه وكبسه فلحق برجهان ثم لحق منها بكنجة وبلاد أران ومعه أتابك كبغري فاشتدت شوكته وقصد التغلب على بلاد أذربيجان وهلك كبغري في شوال سنة خمس عشرة ولحق بأقسنقر الأرمني صاحب مراغة ليقيم له الأتابكية وحرضه على قتال السلطان محمود فسار معه إلى مراغة ومروا بأردبيل فامتنعت عليهم فساروا إلى هرمز وجاءهم الخبر هنالك بأن السلطان محمود بعث الأمير حيوس بك إلى أذربيجان وأقطعه البلاد وأنه وصل إلى مراغة في عسكر كثيف فساروا عن هرمز إلى خونج وانتقض عليهم وراسلوا الأمير بشيركين الذي كان أتابك طغرل أيام أبيه يستنجد به وكان كبغري الأتابك قبض عليه بعد السلطان محمد ثم أطلقه السلطان سنجر وعاد إلى أبهر وزنجان وكانت أقطاعه فأجاب داعيهم وسار أمامهم إلى أبهر ولم يتم أمرهم فراسلوا السلطان في الطاعة وعاد طغرل إلى أخيه وانتظم أمرهم..مقتل وزير السلطان محمود. كان وزير السلطان محمود شمس الملك بن نظام الملك وكان حظيا عنده فكثرت سعاية أصحابه فيه وكان ابن عمه الشهاب أبو المحاسن وزير السلطان سنجر فتوفي واستوزر سنجر بعده أبا طاهر القمي عدوا لبني نظام الملك فأغرى السلطان سنجر حتى أمر السلطان محمود بنكبته فقبض عليه ودفعه الى طغرل فحبسه بقلعة جلجلال ثم قتله بعد ذلك وكان أخوه نظام الدين أحمد قد استوزره المسترشد وعزل به جلال الدين أبا علي بن صدقة فلما بلغه نكبة شمس الملك ومقتله عزل أخاه نظام الدين وأعاد ابن صدقة الى وزارته والله سبحانه وتعالى أعلم..ظفر السلطان بالكرج. ثم وفد سنة سبع عشرة على السلطان محمود جماعة من أهل دنباوند وشروان يستصرخونه على الكرج ويشكون ما يلقون منهم فسار لصريخهم ولما تقارب الفئتان هم السلطان بالرجوع وأشار به وزيره شمس وتطارح عليه أهل شروان فأقام وباتوا على وجل ثم وقع الاختلاف بين الكرج وقفجاق واقتتلوا ليلتهم ورحلوا منهزمين وعاد السلطان إلى همدان والله تعالى أعلم..عزل البرسقي عن شحنة العراق وولاية برتقش الزكوي. كان الخليفة المسترشد قد وقعت بينه وبين دبيس بن صدقة حروب شديدة بنواحي المباركة من أطراف غانة وكان البرسقي معه وانهزم دبيس فيها هزيمة شنيعة كما مر في أخباره وقصد غزنة صريخا فلم يصرخوه فقصد المنتفق وسار بهم الى البصرة فدخلوها واستباحوها وقتلوا سلمان نائبها فأرسل الخليفة الى البرسقي بالنكير على إهمال أمر دبيس حتى فتك في البصرة فسار البرسقي إليه وهرب دبيس فلحق بالإفرنج وجاء معهم لحصار حلب فامتنعت فلحق بطغرل ابن السلطان محمد يستحثه لقصد العراق كما مر ذلك في أخبار دبيس وبقيت في نفس المسترشد عليه ولحق بها أمثالها فتنكر له وبعث إلى السلطان محمود في عزله فعزله وأمره بالعود إلى الموصل لجهاد الإفرنج ووصل نائب برتقش الى بغداد وأقام بها الشحنة وبعث السلطان ابنا صغيرا ليكون معه على الموصل وسار البرسقي به ووصل الموصل وقام بولايتها.
|