الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.هزيمة السلطان داود واستيلاء طغرل بن محمد على الملك. لما ولى طغرل همذان وولى عنه السلطان سنجر إلى خراسان وبلغه أن صاحب ما وراء النهر المرخان قد انتقض عليه فسار لإصلاحه وشغل بذلك فقام الملك داود بأذربيجان وبلاد كنجة وطلب الأمر لنفسه وجمع العساكر وسار إلى همذان ومعه برتقش الزكوي وأتابك أقسنقر الأحمديلي ومعه طغرل بن برسق وقد استقر ثم اضطرب عسكر داود وأحسوا من برتقش الزكوي بالفشل فنهب التركمان خيامه وهرب اقسنقر أتابك وانهزم في رمضان سنة ست وعشرين ثم قدم بغداد في ذي القعدة ومعه أتابك اقسنقر فأكرمه الخليفة وأنزله بدار السلطان..عود السلطان مسعود إلى الملك وهزيمة طغرل. قد تقدم لنا هزيمة السلطان مسعود من عمه سنجر وعوده إلى كنجة وولاية طغرل السلطان ثم محاربة داود ابن أخيه له وانهزام داود ثم رجوع داود إلى بغداد فلما بلغ الخبر إلى مسعود جاء إلى بغداد ولقيه داود قريبا منها وترجل له عن فرسه ودخلا بغداد في صفر سنة سبع وعشرين ونزل مسعود بدار السلطان وخطب له ولداود بعده وطلبا من السلطان عسكرا ليسير معهما إلى أذربيجان فبعث معهما العساكر إلى أذربيجان ولقيهم اقسنقر الاحمديلي في مراغة بالإقامة والأموال وملك مسعود بلاد أذربيجان وهرب بين يديه من كان بها من الأمراء وامتنعوا بمدينة أذربيجان فحاصرهم بها وملكها عليهم وقتل منهم جماعة وهرب الباقون ثم سار إلى همذان لمحاربة أخيه طغرل فهزمه وملك همذان في شعبان من السنة ولحق طغرل بالري وعاد إلى أصبهان ثم قتل اقسنقر الاحمديلي بهمذان غيلة ويقال إن السلطان مسعودا دس عليه من قتله ثم سار إلى حصار طغرل بأصبهان ففارقها طغرل إلى فارس وملكها مسعود وسار في أثر طغرل إلى البيضاء فاستأمن إليه بعض أمراء طغرل فأمنه وخشي طغرل أن يستأمنوا إليه فقصد الري وقتل في طريقه وزيره أبا القاسم الساباذي في شوال من السنة ومثل به غلمان الأمير شيركين الذي سعى في قتله كما مر ثم سار الأمير مسعود يتبعه إلى أن تراجعا ودارت بينهما حرب شديدة وانهزم طغرل وأسر من أمرائه الحاجب تنكي وأتى بقرا وأطلقهما السلطان مسعود وعاد إلى همذان والله تعالى أعلم..عود الملك طغرل الى الجبل وهزيمة السلطان مسعود. ولما عاد مسعود من حرب أخيه طغرل بلغه انتقاض داود ابن أخيه محمود بأذربيجان فسار إليه وحاصره بقلعة فحصر جمع طغرل العساكر وتغلب على بلاده وسار إليه واستعمل بعض قواده فسار مسعود للقائه ولقيه عند قزوين وفارق مسعود الأمراء الذين استمالهم طغرل ولحقوا به فانهزم مسعود في رمضان سنة ثمان وعشرين وبعث إلى المسترشد يستأذنه في دخول بغداد فأذن له وكان أخوه سلجوق بأصبهان مع نائبه فيها البقش السلاحي فلما سمع بانهزامه سبقه إلى بغداد وأنزله المسترشد بدار السلطان وأحسن إليه بالأموال ووصل مسعود وأكثر أصحابه رجلا فوسع عليه الخليفة بالإنفاق والمراكب والظهر واللباس والآلة ودخل دار السلطان منتصف شوال وأقام طغرل بهمذان..وفاة طغرل واستيلاء مسعود على الملك. ولما وصل مسعود إلى بغداد حمل إليه المسترشد ما يحتاج إليه وأمره بالمسير إلى همذان لمدافعة طغرل ووعده بالمسير معه بنفسه فتباطأ مسعود عن المسير واتصل جماعة من أمرائه بخدمة الخليفة ثم اطلع على مداخلة بعضهم لطغرل فقبض عليه ونهب ماله وارتاب الآخرون فهربوا عن السلطان مسعود وبعث المسترشد في إعادتهم إليه فدافعه ووقعت لذلك بينهما وحشة فقعد المسترشد عن نصره بنفسه وبينما هم في ذلك وصل الخبر بوفاة أخيه طغرل في المحرم سنة تسع وعشرين فسار مسعود إلى همذان واستوزر شرف الدين أنوشروان بن خالد حمله من بغداد وأقبلت إليه العساكر فاستولى على همذان وبلاد الجبل اهـ..فتنة المسترشد مع السلطان مسعود ومقتله وخلافة ابنه الراشد. قد تقدم لنا أن الوحشة وقعت عندما كان ببغداد بسبب أمرائه الذين اتصلوا بخدمة المسترشد ثم هربوا عنه إلى السلطان مسعود فلما سار السلطان مسعود إلى همذان بعد موت أخيه طغرل وملكها استوحش منه جماعة من أعيان أمرائه منهم برتقش وقزل وقرا سنقر الخمارتكين والي همذان وعبد الرحمن بن طغرلبك ودبيس بن صدقة وساروا إلى خوزستان ووافقهم صاحبها برسق بن برسق واستأمنوا إلى الخليفة فارتاب من دبيس وبعث إلى الآخرين بالأمان مع سديد الدولة بن الأنباري وارتاب دبيس منهم أن يقبضوا عليه فرجع إلى السلطان مسعود وسار الآخرون إلى بغداد فاستحثوا المسترشد للمسير إلى قتال مسعود فأجابهم وبالغ في تكرمتهم وبرز آخر رجب من سنة تسع وعشرين وهرب صاحب البصرة إليها وبعث إليه بالأمان فأبى فتكاسل عن المسير فاستحثوه وسهلوا له الأمر فسار في شعبان ولحق به برسق بن برسق وبلغ عدة عسكره سبعة آلاف وتخلف بالعراق مع خادمه إقبال ثلاثة آلاف وكاتبه أصحاب الاطراف بالطاعة وأبطأ في مسيره فاستعجلهم مسعود وأرسل إليه داود ابن محمود من أذربيجان يشير بقصد الدينور والمقام بها حتى يصل في عسكره فأبى واستمر في مسيره وبعث زنكي من الموصل عسكرا فلم يصل حتى تواقعوا وسار السلطان محمود إليهم مجدا فوافاهم عاشر رمضان ومالت مسيرة المسترشد إليه وانهزمت ميمنته وهو ثابت لم يتحرك حتى أخذ أسيرا ومعه الوزير والقاضي وصاحب المحرر وابن الأنباري والخطباء والفقهاء والشهود فأنزل في خيمة ونهب مخيمه وحمل الجماعة أصحابه إلى قلعة ترجمان ورجع بقية الناس إلى بغداد ورجع السلطان إلى همذان وبعث الأمير بك ابه إلى بغداد شحنة فوصلها سلخ رمضان ومعه عميد وقبضوا أملاك المسترشد وغلاتها وكانت بينهم وبين العامة فتنة قتل فيها من العامة وسار السلطان في شوال إلى مراغة وقد ترددت الرسل في الصلح على مال يؤديه المسترشد وأن لا يجمع العساكر ولا يخرج من داره لحرب ما عاش وأجابه السلطان وأذن له في الركوب وحمل الغاشية وفارق المسترشد بعض الموكلين به فهجم عليه جماعة من الباطنية فألحموه جراحا وقتلوه ومثلوا به جدعا وصلبا وتركوه سليبا في نفر من أصحابه قتلوهم معه وتبع الباطنية فقتلوا وكان ذلك منتصف ذي القعدة سنة ستة وعشرين لثمان عشرة سنة من خلافته وكان كاتبا بليغا شجاعا قرما ولما قتل بمراغة كتب السلطان مسعود إلى بك ابه شحنة بغداد بأن يبايع لابنه فبويع ابنه الراشد أبو جعفر منصور بعهده إليه لثمانية أيام من مقتله وحضر بيعته جماعة من أولاد الخلفاء وأبو النجيب الواعظ وأما إقبال خادم المسترشد فلما بلغه خبر الواقعة وكان مقيما ببغداد كما قدمناه عبر إلى الجانب الغربي ولحق بتكريت ونزل على مجاهد الدين بهروز.
|