الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.انتقاض الأمراء على السلطان. ولما قتل طغابرك وعباس وبوزابة اختص بالسلطان ابن خاص بك لميله إليه واطرح بقية الأمراء فاستوحشوا وارتابوا بأنفسهم أن يقع بهم ما وقع بالآخرين ففارقوه وساروا نحو العراق أبو ركن المسعودي صاحب كنجة واران والبقش كوزحر صاحب الجبل والحاجب خريطاي المحمودي شحنة واسط وابن طغابرك والركن وقرقوب ومعهم ابن أخي السلطان وهو محمد بن محمود وانتهوا إلى حران فاضطرب الناس ببغداد وغلت الأسعار وبعث إليهم المقتفي بالرجوع فلم يرجعوا ووصلوا إلى بغداد في ربيع الآخر من سنة ثلاث وأربعين ونزلوا بالجانب الشرقي وهرب أجناد مسعود شحنة بغداد إلى تكريت ووصل إليهم علي بن دبيس صاحب الجبلة ونزل بالجانب الغربي وجمع الخليفة العساكر ثم قاتل العامة عساكر الأمراء فاستطردوا لهم ثم كروا عليهم فملؤا الارض بالقتلى ثم جاست خيولهم خلال الديار فنهبوا وسبوا ثم جاؤا مقايل التاج يعتذرون ورددوا الرسل إلى الخليفة سائر يومهم ثم ارتحلوا من الغد إلى النهر وان فعاثوا وعاد مسعود من بلاد تكريت إلى بغداد ثم افترق الأمراء وفارقوا العراق ثم عاد البقش كوزحر والطرنطاي وابن دبيس سنة أربع وأربعين ومعهم ملك شاه بن محمود وهو ابن أخي السلطان وطلبوا من الخليفة الخطبة لملك شاه فأبى وجمع العساكر وشغل بما كان فيه من أمر عم السلطان سنجر وذلك أن السلطان سنجر بعث إليه يلومه في تقديم ابن خاص بك ويأمره بابعاده وتهدده فغالطه ولم يفعل فسار إلى الري فبادر إليه مسعود وترضاه فرضي عنه ولما علم البقش كوزحر مراسلة المقتفي لمسعود نهب النهروان وقبض على علي بن دبيس وسار السلطان بعد لقاء عمه إلى بغداد فوصلها منتصف شوال سنة أربع وأربعين فهرب الطرنطاي إلى النعمانية ورحل البقش إلى النهروان بعد أن أطلق علي بن دبيس فجاء إلى السلطان واعتذر فرضي عنه..وفاة السلطان مسعود وولاية ملك شاه بن أخيه محمود ثم أخيه محمد من بعده. ثم توفى السلطان مسعود بهمذان في رجب منتصف سبع وأربعين لأثنتين وعشرين سنة من طلبه الملك وبه كمل استفحال ملك السلجوقية وركب الخمول دولتهم بعده وكان عهد إلى ملك شاه بن أخيه محمود فلما توفى بايع له الأمير ابن خاص بك وأطاعه العسكر وانتهى خبر موته إلى بغداد فهرب الشحنة بلاك إلى تكريت وأمر المقتفى بالحوطة على داره ودور أصحاب السلطان مسعود ثم بعث السلطان ملك شاه عسكر إلى الجبلة مع سلادكرد من أمرائه فملكها وسار إليه بلاك الشحنة فخادعه حتى استمكن منه فقبض عليه وغرقه واستبد بلاد الشحنة بالجبلة وجهز المقتفي العساكر مع الوزير عون الدين بن عبيرة إلى الجبلة وبعث عساكرا إلى الكوفة وواسط فملكها ووصلت عساكر السلطان ملك شاه فملكوها وسار إليها الخليفة بنفسه فارتجعها منهم وسار منها إلى الجبلة ثم إلى بغداد آخر ذي القعدة من السنة ثم إن ابن خاص بك طمع في الانفراد بالأمر فاستدعى محمد بن محمود من خوزستان فأطعمه في الملك ليقبض عليه وعلى أخيه ملك شاه فقبض على ملك شاه أولا لستة أشهر من ولايته ووصل محمد في صفر من سنة ثمان وأربعين فأجلسه على التخت وخطب له بالسلطنة وحمل إليه الهدايا وقد سعى للسلطان محمد بما انطوى عليه ابن خاص بك فلما باكره صبيحة وصوله فتك به وقتله وقتل معه زنكي الجاندار قاتل طغابرك وأخذ من أموال ابن خاص بك كثيرا وكان صبيا كما بينا اتصل بالسلطان مسعود وتنصح له فقدمه على سائر العساكر والأمراء وكان أنوغري التركي المعروف بشملة في جملة ابن خاص بك ومن أصحابه ونهاه عن الدخول إلى السلطان محمد فلما قتل ابن خاص بك نجا شملة إلى خوزستان وكان له بها بعد ذلك ملك وتعالى أعلم بغيبه وأحكم..تغلب الغز على خراسان وهزيمة السلطان سنجر وأسره. كان هؤلاء الغز فيما وراء النهر وهم شعب من شعوب الترك ومنهم كان السلجوقية أصحاب هذه الدولة وبقوا هنالك بعد عبورهم وكانوا مسلمين فلما استولى الخطا على ملك الصين وعلى ما وراء النهر حجر هؤلاء الغز إلى خراسان وأقاموا بنواحي بلخ وكان لهم من الأمراء محمود ودينار وبختيار وطوطي وارسلان ومعز وكان صاحب بلخ الأمير قماج فتقدم إليهم أن يبعدوا عن بلخ فصانعوه فتركهم وكانوا يعطون الزكاة ويؤمنون السابلة ثم عاد إليهم في الانتقال فامتنعوا وجمعوا فخرج إليهم في العساكر وبذلوا له مالا فلم يقبل وقاتلوه فهزموه وقتلوا العسكر والرعايا والفقهاء وسبوا العيال ونجا قماج إلى مرو وبها السلطان سنجر فبعث إليهم يتهددهم ويأمرهم بمفارقة بلاده فلاطفوه وبذلوا له فلم يقبل وسار إليهم في مائة أل فهزموه وأثخنوا في عسكره وقتل علاء الدين قماج وأسروا السلطان سنجر ومعه جماعة من الأمراء فقتلوا الأمراء واستبقوا السلطان سنجر وبايعوه ودخلوا معه إلى مرو فطلب منه بختيار اقطاعها فقال هي كرسي خراسان فسخروا منه ثم دخل سنجر خانقاه فقسط على الناس وأطرهم وعسفهم وعلق في الاسواق ثلاث غرائر وطالبهم بملئها ذهبا فقتله العامة ودخل الغز نيسابور ودمروها تدميرا وقتلوا الكبار والصغار وأحرقوها وقتلوا القضاة والعلماء في كل بلد ولم يسلم من خراسان غير هراة وسبستان لحصانتهما وقال ابن الاثير عن بعض مؤرخي العجم أن هؤلاء الغز انتقلوا من نواحي التغرغر من أقاصي الترك إلى ما وراء النهر أيام المقتفي وأسلموا واستظهر بهم المقنع الكندي على محارقه وشعوذته حتى تم أمره فلما سارت إليه العساكر خذلوه وأسلموه وفعلوا مثل ذلك مع الملوك الخانية ثم طردهم الأتراك القارغلية عن اقطاعهم فاستدعاهم المير زنكي بن خليفة الشيباني المستولي على حدود طخارستان وأنزلهم بلاده واستظهر بهم على قماج صاحب بلخ وسار بهم لمحاربته فخذلوه لأن قماج كان استمالهم فانهزم زنكي وأسر هو وابنه وقتلهما قماج وأقطع الغز في بلاده فلما سار الحسين بن الحسين الغوري إلى بلخ برز إليه قماج ومعه هؤلاء الغز فخذلوه ونزعوا عنه إلى الغوري حتى ملك بلخ فسار السلطان سنجر إلى بلخ وهزم الغوري واستردها وبقي الغز بنواحي طخارستان وفي نفس قماج حقد عليهم فأمرهم بالانتقال عن بلاده فتألفوا وتجمعوا في طوائف من الترك وقدموا عليهم أرسلان بوقاء التركي ولقيهم قماج فهزموه وأسروه وابنه أبا بكر وقتلوهما واستولوا على نواحي بلخ وعاثوا فيها وجمع السلطان سنجر وفي مقدمته محمد بن أبي بكر بن قماج المقتول والمؤيد ابنه في محرم سنة ثمان وأربعين وجاء السلطان سنجر على أثرهم وبعثوا إليه بالطاعة والأموال فلم يقبل منهم وقاتلهم فهزموه إلى بلخ ثم عاود قتالهم فهزموه إلى مرو واتبعوه فهرب هو وعسكره من مرو رعبا منهم ودخلوا البلد وأفشحوا فيه قتلا ونهبا وقتلوا القضاة والأئمة والعلماء ولما خرج سنجر من مرو وأسروه وأجلسوه على التخت على عادته وآتوه طاعتهم ثم عاودوا الغارة على مرو فمنعهم أهلها وقاتلوهم ثم عجزوا واستسلموا فاستباحوها أعظم من الاولى ولما أسر سنجر فارقه جميع أمراء خراسان ووزيره طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك ووصلوا إلى نيسابور واستدعوا سليمان شاه بن السلطان محمود وخطبوا له بالسلطان في منتصف السنة واجتمعت عليه عساكر خراسان وساروا لطلب الغز فبارزوهم على مرو وانهزمت العساكر رعبا منهم وقصدوا نيسابور والغز في اتباعهم ومروا بطوس فاستباحوها وقتلوا حتى العلماء والزهاد وخربوا حتى المساجد ثم ساروا إلى نيسابور في شوال سنة تسع وأربعين ففعلوا فيها أفحش من طوس حتى ملؤا البلاد من القتلى وتحصن طائفة بالجامع الأعظم من العلماء والصالحين فقتلوهم عن آخرهم وأحرقوا خزائن الكتب وفعلوا مثل ذلك في جوين واسفراين فحاصروهما واقتحموهما مثل ما فعلوا في البلاد الأخرى وكانت أفعال الغز في هذه البلاد أعظم وأقبح من أفعال الغز في غيرها ثم إن السلطان سليمان شاه توفى وزيره طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك في شوال سنة ثمان وأربعين فاستوزر ابنه نظام الملك وانحل أمره وعجز عن القيام بالملك فعاد إلى جرجان في صفر سنة تسع وأربعين فاجتمع الامراء وخطبوا للخان محمود بن محمد بن بقراخان وهو ابن أخت سنجر واستدعوه فملكوه في شوال من السنة وساروا معه لقتال الغز وهم محاصرون هراة فكانت حروبه معهم سجالا وأكثر الظفر للغز ثم رحلوا عن هراة إلى مرو منتصف خمسين وأعادوا مصادرة أهلها وسار الخان محمد إلى نيسابور وقد غلب عليها المؤيد كما يذكر فراسل الغز في الصلح فصالحوه في رجب.
|