الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.استيلاء التتر على مدينة خوارزم وتخريبها. قد كنا قدمنا أن جنكزخان بعدها أجفل خوارزم شاه من جيحون بعث عساكره إلى النواحي وبعث إلى مدينة خوارزم عسكرا عظيما لعظمها لانها كرسي الملك وموضع العساكر فسارت عساكر التتر إليها مع ابنه جنطاي واركطاي فحاصروها خمسة أشهر ونصبوا عليها الآلات فامتنعت فاستمدوا عليها جنكزخان فأمدهم بالعساكر متلاحقة فزحفوا إليها وملكوا جانبا منها وما زالوا يملكونها ناحية ناحية إلى أن استوعبوها ثم فتحوا السد الذي يمنع ماء جيحون عنها فسار إليها جيحون فغرقها وانقسم أهلها بين السيف والغرق هكذا قال ابن الأثير وقال النسائي الكاتب ان دوشن خان بن جنكزخان عرض عليهم الأمان فخرجوا إليه فقتلهم أجمعين وذلك في محرم سنة سبع عشرة ولما فرغ التتر من خراسان وخورازم رجعوا إلى ملكهم جنكزخان بالطالقان..خبر آبنايخ نائب بخارى وتغلبه على خراسان ثم فراره أمام التتر إلى الري. كان آبنايخ أمير الأمراء والحجاب أيام خوارزم شاه وولاه ثانيا بخارى فلما ملكها التتر عليه كما قلناه أجفل إلى المفازة وخرج منها إلى نواحي نسا وراسله اختيار الدين صاحبها يعرضها عليه للدخول عنده فأبى فوصله وأمده وكان رئيس بشخوان من قرى نسا أبو الفتح فداخل التتر فكتب إلى شحنة خوارزم بمكان آبنايخ فجرد إليهم عسكرا فهزمه آبنايخ وأثخن فيهم وساروا إلى بشخوان فحاصروها وملكوها عنوة وهلك أبو الفتح أيام الحصار ثم ارتحل آبنايخ إلى ابيورد وقد تغلب تاج الدين عمر بن مسعود على ابيورد وما بينها وبين مرو فجى خراجها واجتمع عليه جماعة من أكابر الأمراء وعاد إلى نسا وقد توفى نائبها اختيار الدين زنكي وملك بعده ابن عمه عمدة الدين حمزة بن محمد بن حمزة فطلب منه آبنايخ خراج سنة ثمان عشرة وسار إلى شروان وقد تغلب عليها ايكجي بهلوان فهزمه وانتزعها من يده ولحق بهلوان بجلال الدين في الهند واستولى آبنايج خان على عامة خراسان وكان تكين بن بهلوان متغلبا بمرو فعبر جيحون وكبس شحنة التتر ببخارى فهزموه سنة سبع ورجع إلى شروان وهم باتباعه ولحقوا بآنبايخ خان على جرجان فهزموه ونجا إلى غياث الدين يتر شاه بن خوارزم شاه بالري فأقام عنده إلى أن هلك كما نذكر إن شاء الله تعالى..خبر ركن الدين شاه صاحب العراق من ولد خوارزم شاه. قد كان تقدم لنا أن السلطان لما قسم ممالكه بين أولاده جعل العراق في قسمة غورشاه منهم ولما أجفل السلطان إلى ناحية الري لقيه ابنه غور شاه ثم سار إلى الري إلى كرمان فملكها تسعة أشهر ثم بلغه أن جلال الدين محمد بن آبه القزويني كان بهمذان أراد أن يملك العراق واجتمع إليه بعض الأمراء وأن مسعود بن صاعد قاضي اصبهان مائل إليه فعاجله ركن الدولة واستولى على اصبهان وهرب القاضي إلى الاتابك سعد بن زنكي صاحب فارس فأجاره وبعث ركن الدين العساكر لقتال همذان فتخاذلوا ورجعوا دون قتال ثم مضى إلى الري ووجد بها قوما من الاسماعيلية يحاولون اظهار دعوتهم ثم زحف التتر إلى ركن الدولة فحاصروه بقلعة رواند واقتحموها فقاتلوه واستأمن إليهم ابن آبه صاحب همذان فأمنوه ودخلوا همذان فولوا عليها علاء الدين الشريف الحسيني عوضا من ابن آبه..خبر غياث الدين ثير شاه صاحب كرمان من ولد السلطان خوارزم شاه. قد كنا قدمنا أن السلطان خوارزم شاه ولى ابنه غياث الدين ثير شاه كرمان وكيش ولم ينفذ إليها أيام أبيه ولما كانت الكبسة على قزوين خلص إلى قلعة ماروت من نواحي أصبهان وأقام عند صاحبها ثم رجع إلى أصبهان ومر به التتر ذاهبين إلى أذربيجان فحاصروه وامتنع عليهم وأقام بها إلى آخر سنة عشرين وستمائة فلما جاء أخوه ركن الدين غور شاه من كرمان إلى أصبهان لقيه هنالك وحرضه غياث الدين على كرمان فنهض إليها وملكها فلما قتل ركن الدين كما قلناه سار غياث الدين إلى العراق وكان ركن الدين لما ولاه أبوه العراق جعل معه الأمير بقاطا بستي اتابكين فاستبد عليه فشكاه إلى أبيه وأذن له في حبسه فحبسه ركن الدين بقلعة سرجهان فلما قتل ركن الدين كما قلناه أطلقه نائب القلعة أسد الدين حولي فاجتمع عليه الناس وكثير من الأمراء واستماله غياث الدين وأصهر إليه بأخته وماطله في الزفاف يستبرىء ذهاب الوحشة بينهما وكانت أصبهان بعد مقتل ركن الدين غلب عليها أزبك خان واجتمعت عليه العساكر وزحف إليه الأمير بقاطا بستي فاستنجد ازبك غياث الدين فانجده بعسكر مع الأمير دولة ملك وعاجله بقاطا بستي فهزمه بظاهر أصبهان وقتله وملكها ورجع دولة ملك إلى غياث الدين فزحف غيثا الدين إلى أصبهان وأطاعه القاضي والرئيس صدر الدين وبادر بقاطا بستي إلى طاعته ورضي عنه غياث الدين وزف إليه أخته واستولى غياث الدين على العراق ومازندان وخراسان وأقطع مازندان وأعمالها دولة ملك وبقاطا بستي همذان وأعمالها ثم زحف غياث الدين إلى اذربيجان وشن الغارة على مراغة وترددت رسل صاحب اذربيجان ازبك بن البهلوان في المهادنة وتزوج بأخته صاحب بقحوان وقويت شوكته وعظم فكان بقاطا بستي في دولته وتحكم فيها ثم حدثته نفسه بالاستبداد وانتقض وقصد اذربيجان وبها مملوكان منتقضان على ازبك بن البهلوان فاجتمعا معه وزحف إليهم غياث الدين فهزمهم ورجعوا مغلوبين إلى اذربيجان ويقال ان الخليفة دس بذلك إلى بقاطا بستي وأغراه بالخلاف على غياث الدين ثم لحق بغياث الدين آبنايخ خان نائب بخارى مفلتا من واقعته مع التتر بجرجان فأكرمه وقدمه ونافسه خال السلطان دولة ملك وأخوه وسعوا إليها فزجرهما عنه فذهبا مغاضبين ووقع دولة ملك في عساكر التتر بمرو وزنجان فقتل وهرب ابنه بركة خان إلى ازبك باذربيجان ثم أوقع عساكر التتر بقاطا بستي وهزموه ونجا إلى الكرم وخلص الفل إلى غياث الدين وعاد التتر إلى ما وراء جيحون ثم تذكر صاحب فارس سعد الدين بن زنكي وكاتبته أهل أصبهان حين كانوا منهزمين عنه فسار إليه وحاصره في قلعة اصطخر وملكها ثم سار إلى شيراز وملكها عليه عنوة ثم سار إلى قلعة حرة فحاصرها حتى استأمنوا وتوفى عليها آبنايخ خان ودفن هنالك بشعب سلمان وبعث عسكرا إلى كازرون فملكها عنوة واستباحها ثم سار إلى ناحية بغداد وجمع الناس الجموع من اربل وبلاد الجزيرة ثم راسل غياث الدين في الصلح فصالحه ورجع إلى العراق.
|