الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.قدوم كمشيقا من حلب. قد كان تقدم لنا أن كمشيقا الحموي رأس نوبة بيبقا كان نائبا بطرابلس وأن السلطان عزله وحبسه بدمشق فلما استولى الناصري على دمشق أطلقه من الإعتقال وجاء في جملته إلى مصر فلما ولي على مماليك الشام وأعمالها ولاه على حلب مكانه منتصف إحدى وسبعين ولما استقل السلطان من النكبة وقصد دمشق كما مر أرسل كمشيقا إليه بطاعته ومشايعته على أمره وأظهر دعوته في حلب وما إليها من أعماله ثم سار السلطان إلى دمشق وحاصرها وأمده كمشيقا بجميع ما يحتاج إليه ثم جاءه بنفسه في عساكر حلب صريخا وحمل إليه جميع حاجاته وأزاح علله وأقام له رسوم ملكه وشكر السلطان أفعاله في ذلك وعاهده على أتابكية مصر ثم كانت الواقعة على شقحب فانهزم كمشيقا إلى حلب فامتنع بها وحاصره يماز تمر أتابك منطاش أشهرا كما مر ثم هرب منطاش من دمشق إلى العرب فأفرج أيمازتمر عن حلب ثم كانت واقعة الجوباني ومقتله وزحف منطاش ويعبر إلى حلب فحاصروها مدة ثم وقع الخلاف بينهما وهرب منطاش إلى بلاد التركمان ورجع يعبر إلى بلدة سلمية واستأمن إلى السلطان ورجع إلى طاعته منتصف شوال ولما أفرجوا عن حلب نزل كميشقا من القلعة ورم خرابها وخرب بانفوسا واستلحم أهلها وأخذ في إصلاح أسوار حلب ورم ما ثلم منها وكانت خرابا من عهد هلاكو وجمع له أهل حلب ألف ألف درهم للنفقة وفرغ منه لثلاثة أشهر ولما استوسق أمر السلطان وانتظمت دولته بعث إليه يستدعيه في شهر ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وولى مكانه في حلب قراد مرداش نقله إليها من طرابلس وولى مكانه أنيال الصغير فسار كمشيقا من حلب ووصل مصر تاسع صفر سنة ثلاث وتسعين فاهتزله السلطان وأركب الأمراء للقائه مع النائب ثم دخل إلى السلطان فحياه وبالغ في تكرمته وتلقاه بالرحب ورفع مجلسه فوق الأتابك انيال وأنزله بيت منجك وقد هيأ فيه من الفرش والماعون والخرثى ما فيه للمنزل ثم بعث إليه بالأقمشة وقرب إليه الجياد بالمراكب الثقيلة وتقدم للأمراء أن يتحفوه بهداياهم فتنازعوا في ذلك وجاؤا من وراء الغاية وحضر في ركابه من أمراء الشام الطنبقا الأشرفي وحسن الكشكي فأكرمهما السلطان واستقر كمشيقا بمصر في أعلى مراتب الدولة إلى أن توفي أنيال الأتابك في جمادى أربع وتسعين فولاه السلطان مكانه كما عاهده عليه بشقحب وجعل إليه نظر المارستان على عادة الأتابكية واستمر على ذلك لهذا العهد والله سبحانه وتعالى أعلم بغيبه..استقدام أيتمش. كان أيتمش النجاشي أتابك الدولة قد نكبه السلطان وسار في العساكر إلى الشام منتصف ربيع إحدى وتسعين لقتال الناصري وأصحابه لما إنتقض عليه وكانت الواقعة بينهم بالمرج من نواحي دمشق وانهزمت العساكر ونجا أتيمش إلى قلعة دمشق ومعه كتب السلطان في دخولها متى اضطر إليه فامتنع بها وملكها الناصري من الغد بطاعة نائبها ابن الحمصي فوكل بايتمش وأقام حبيسا موسعا عليه ثم سار الناصري إلى مصر وملكها وعاد السلطان إلى كرسيه في صفر سنة اثنتين وتسعين كما فصل ذلك من قبل وأيتمش في أثناء ذلك كله محبوس بالقلعة ثم زحف الجوباني في جمادى الأخيرة وخلص أيتمش من اعتقاله وفقت مماليك السلطان السجن الذي كانوا فيه بقلعة دمشق وخرجوا وأعصوصبوا على أتيمش قبل مجيء الجوباني وبعث إليه بالخبر وبعث الجوباني إلى السلطان بمثل ذلك فتقدم إليه السلطان بالمقام بالقلعة حتى يفرغ من أمر عدوه ثم كان بعد ذلك واقعة الجوباني مع منطاش والعرب ومقتله وولاية الناصري على دمشق مكانه ثم افترق العرب وفارقهم منطاش إلى التركمان وانتظمت ممالك الشام في ملكة السلطان واستوسق ملكه واستفحلت دولته فاستدعي الأمير أتيمش من قلعة دمشق وسار لإستدعائه قنوباي من مماليك السلطان ثامن ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين ووصل إلى مصر رابع جمادى الأولى من السنة ووصل في ركابه حاجب الحجاب بدمشق ومعه الأمراء الذين حبسوا بالشام منهم جنتمر نائب دمشق وابنه وابن أخته وأستاذ داره طنبقا ودمرداش اليوسفي نائب طرابلس والطنبقا الحلي والقاضي أحمد بن القريشي وفتح الدين بن الرشيد وكاتب السر في ست وثلاثين نفرا من الأمراء وغيرهم ولما وصل أتيمش قابله السلطان بالتكرمة والرحب وعرض الحاجب المساجين الذي معه ووبخ السلطان بعضهم ثم حبسوا بالقلعة حتى نفذ قضاء الله وقتلوا مع غيرهم ممن أوجبت السياسة قتلهم والله تعالى مالك الأمور لا رب سواه انتهى.
|