الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.دولة بني رسول - الخبر عن دولة بني رسول مولى بني أيوب الملوك باليمن بعدهم ومبدأ أمرهم وتصاريف أحوالهم. قد كان تقدم لنا كيف استولى بنو أيوب على اليمن واختلف عليها الولاة منهم إلى أن ملكها من بني المظفر شاهنشاه بن أيوب حافده سليمان بن ابن المظفر وانتقض أيام العادل سنة اثنتي عشرة وستمائة فأمر العادل ابنه الكامل خليفته على مصر أن يبعث ابنه يوسف المسعود إلى اليمن وهو أخو الصالح ويلقب بالتركي أطس ويقال أقسنس وقد تقدم ذكر هذا اللقب فملكها المسعود من يد سليمان وبعث به معتقلا إلى مصر وهلك جهاد الإفرنج بدمياط سنة سبع وأربعين وهلك العادل أخو المسعود سنة خمس عشرة وستمائة وولي بعده ابنه الكامل وجدد العهد إلى يوسف المسعود على اليمن وحج المسعود سنة تسع عشرة وكان من خبره في تأخير أعلام الخليفة عن أعلامه ما مر في أخبار دولتهم ثم جاء سنة عشرين إلى مكة وأميرها حسن بن قتادة من بني مطا عن إحدى بطون بني حسن فجمع لقتاله وهزمه المسعود وملك مكة وولى عليها ورجع إلى اليمن فأقام به ثم طرقه المرض سنة ست وعشرين فارتحل إلى مكة واستخلف على اليمن علي بن رسول التركماني أستاذ داره ثم هلك المسعود بمكة لأربع عشرة سنة من ملكه وبلغ خبر وفاته إلى أبيه وهو محاصر دمشق ورجع ابن قتادة إلى مكة ونصب علي بن رسول على اليمن موسى بن المسعود ولقبه الأشرف وأقام مملكا على اليمن إلى أن خلع وخلف المسعود ولد آخر اسمه يوسف ومات وخلفه ابنه واسمه موسى وهو الذي نصبه الترك بعد أيبك ثم خلعوه ثم خلع علي بن رسول موسى الأشرف بن المسعود واستبد ملك اليمن وأخذ بدعوة الكامل بمصر وبعث أخويه رهنا على الطاعة ثم هلك سنة تسع وعشرين وولي ابنه المنصور عمر بن علي بن رسول ولما هلك علي بن منصور ولى بعده الكامل ابنه عمر ثم توفي الكامل سنة خمس وثلاثين وشغل بنو أيوب بالفتنة بينهم فاستغلظ سلطان عمر باليمن وتلقب المنصور ومنع الأتاوة التي كان يبعث بها إلى مصر فأطلق صاحب مصر العادل بن الكامل عمومته الذين كان أبوه رهنهم على الطاعة لينازعوه في الأمر فغلبهم وحبسهم وكان أمر الزيدية بصفد قد خرج من بني الرسي وصار لبني سليمان بن داود كما مر في أخبارهم ثم بويع من بني الرسي أحمد بن الحسين من بني الهادي يحيى بن الحسن بن القاسم الرسي بايع له الزيدية بحصن ملا وكانوا من يوم أخرجهم السليمانيون من صفد قد أووا إلى جبل مكانه فلما بويع أحمد بن الحسين هذا لقبوه الموطىء وكان تحصن بملا وكان الحديث شائعا بين الزيدية بأن الأمر يرجع إلى بني الرسي وكان أحمد فقيها أديبا عالما بمذهب الزيدية مجتهدا في العبادة وبويع سنة خمس وأربعين وستمائة وأهم عمر بن رسول شأنه فشمر لحربه وحاصره بحصن ملامدة ثم أفرج عنه وجهز العساكر لحصاره من الحصون المجاورة له ولم يزل قائما بأمره إلى أن وثب عليه سنة ثمان وأربعين جماعة من مماليكه بممالأة بني أخيه حسن فقتلوه لثمان عشرة سنة من ولاية المظفر يوسف بن عمر ولما هلك المنصور علي بن رسول كما قلناه قام بالأمر مكانه ابنه المظفر شمس الدين يوسف وكان عادلا محسنا وفرض الأتاوة عليه لملوك مصر من الترك لما استقلوا بالملك وما زال يصانعهم بها ويعطيهم إياها وكان لأول ملكه امتنع عليه حصن الدملوة فشغل بحصاره وتمكن أحمد الموطىء الثائر بحصن ملامن الزيدية من أعقاب بني الرسى فملك عشرين حصنا من حصون الزيدية وزحف إلى صفد فملكها من يد السلمانيين ونزل له أحمد المتوكل إمام الزيدية منهم فبايعه وأمنه ولما كانوا في خطابة لم يزل في كل عصر منهم إمام كما ذكرناه في أخبارهم قبل ولم يزل المظفر واليا على اليمن إلى أن هلك بغته سنة أربع وتسعين لست وأربعين سنة من ملكة الأشرف عمر بن المظفر يوسف ولما هلك المظفر يوسف كما قلناه وولي بعده ابنه الأشرف ممهد الدين عمر وكان أخوه داود واليا على الشحر فدعا لنفسه ونازعه الأمر فبعث الأشرف عساكره وقاتلوه وهزموه وقبضوا عليه وحبسه واستمر الأشرف في ملكه إلى أن سمته جاريته فمات سنة ست وتسعين لعشرين شهرا من ولايته أخوه داود بن المظفر المؤيد يوسف ولما هلك الأشرف بن عمر بن المظفر يوسف أخرج أخاه مؤيد الدين داود من معتقله ووله عليهم ولقبوه المؤيد وافتتح أمره بقتل الجارية التي سمت أخاه وما زال يواصل ملوك الترك بهداياه وصلاته وتحفه والضريبة التي قررها سلفه وانتهت هديته سنة إحدى عشرة وسبعمائة إلى مائتي وقر بعير بالثياب والتحف ومائتين من الجمال والخيل ثم بعث سنة خمس عشرة بمثل ذلك وفسد ما بينه وبين ملوك الترك بمصر وبعث بهديته سنة ثمان عشرة فردوها عليه ثم هلك سنة إحدى وعشرين وسبعمائة لخمس وعشرين سنة من ملكه وكان فاضلا شافعي المذهب وجمع الكتب من سائر الأمصار فاشتملت خزانته على مائة ألف مجلد وكان يتفقد العلماء بصلاته ويبعث لابن دقيق العيد فقيه الشافعية بمصر جوائزه ولما توفي المؤيد داود سنة إحدى عشرين كما قلناه قام بملكه ابنه المجاهد سيف الدين علي ابن اثنتي عشرة سنة والله وارث الأرض ومن عليها.
|