الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.هلاكو بن طولي. ولما بعث منكوفان أخاه إلى العراق فسار لذلك سنة اثنتين وخمسين وستمائة وفتح الكثير من قلاعهم وضيق بالحصار مخنقهم وولى خلال ذلك في كرسي صراي بالشمآل بركة بن ناظو بن دوشي خان فحدثت الفتنة بينه وبين هلاكو ونشأت من الفتنة الحرب وسار بركة ومعه نوغان بن ططر بن مغل بن دوشي خان والتقوا على نهر نول وقد جمد ماؤه لشدة البرد وانخسف من تحته فانهزم هلاكو وهلك عامة عسكره وقد ذكرنا أسباب الفتنة بينهما ثم رجع هلاكو إلى بلاد الإسماعيلية وقصد قلعة الموت وبها صاحبها علاء الدين فبلغه في طريقه وصية من ابن العلقمي وزير المستعصم ببغداد في كتاب ابن الصلايا صاحب أربل يستحثوه للمسير إلى بغداد ويسهل عليه أمرها لما كان ابن العلقمي رافضيا هو وأهل محلته بالكرخ وتعصب عليهم أهل السنة وتمسكوا بأن الخليفة والدوادار يظاهرونهم وأوقعوا بأهل الكرخ فغضب لذلك ابن العقلمي ودس إلى ابن الصلايا بأربل وكان صديقا له بأن يستحث التتر لملك بغداد وأسقط عامة الجند يموه بأنه يصانع التتر بعطائهم وسار هلاكو والتتر إلى بغداد واستنفر بنحو مقدم التتر ببلاد الروم فيمن كان معه من العساكر فامتنع أولا ثم أجاب وسار إليه ولما أطل هلاكو على بغداد في عساكره برز للقائه أيبك الدوادار في عساكر المسلمين فهزموا عساكر التتر ثم تراجع التتر فهزموهم واعترضهم دون بغداد بثوق انبثقت في ليلتهم تلك من دجلة فحالحت دونها فقتلوا أجمعين وهلك أيبك الدوادار وأسر الأمراء الذين معه ورجعوا إلى البلد فحاصروها مدة ثم استأمن من ابن العلقمي للمستعصم ولنفسه آملا بأن هلاكو يستبقيه فخرج إليه في موكب من الأعيان وذلك في محرم سنة ست وخمسين وتقبض على المستعصم فشدخ بالمعاول في عدل تجافيا عن سفك دمه بزعمهم ويقال أن الذي أحصاه فيها من القتلى ألف ألف وثلثمائة ألف واستولوا من قصور الخلافة وذخائرها على مالا يحصره العدد والضبط وألقيت كتب العلم التي كانت في خزائنهم بدجلة معاملة بزعمهم لما فعله المسلمون بكتب الفرس عند فتح المدائن واعتزم هلاكو على إضرام بيوتها نارا فلم يوافقه أهل مملكته واستبقى ابن العلقمي على الوزارة والرتبة ساقطة عندهم فلم يكن قصارى أمره إلا الكلام في الدخل والخرج متصرفا من تحت آخر أقرب إلى هلاكو منه فبقى على ذلك مدة ثم إضطرب وقتله هلاكو ثم بعث هلاكو بعد فتح بغداد بالعساكر إلى ميافارقين وبها الكامل محمد بن غازي بن العادل فحاصروها سنين حتى جهد الحصار أهلها ثم اقتحموها عنوة واستلحموا حاميتها ثم بعث إليه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ابنه ركن الدين إسمعيل بالطاعة والهدية وتقبله وبعثه إلى القان الأعظم منكوفان بقراقوم وأبطأ على لؤلؤ خبره فبعث بالولدين الآخرين شمس الدين إسحق وعلاء الدين بهدية أخرى ورجعوا إليه بخبر ابنه وقرب إيابه فتوجه لؤلؤ بنفسه إلى هلاكو ولقيه بأذربيجان وحضر حصار ميافارقين وجاءه ابنه ركن الدين من عند منكوفان بولاية الموصل وأعمالها ثم هلك سنة سبع وخمسين وولي ابنه ركن الدين إسمعيل ويلقب الصالح وبعث هلاكو عسكرا إلى أربل فحاصرها ستة أشهر وامتنعت فأفرجت عنها العساكر فاغتنم ابن الصلايا الفرصة ونزل عنها لشرف الدين الكردي ولحق بهلاكو فقتله صاحب الشام يومئذ الناصر بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن صلاح الدين فلما بلغه استيلاء هلاكو على بغداد بعث إليه ابنه بالهدايا والمصانعة والعذر عن الوصول بنفسه لمكان الإفرنج من سواحل الشام فقبل هديته وعذره ورجع ابنه بالمواعيد ولم يتم لهلاكو الإستيلاء على الجزيرة وديار بكر وديار ربيعة وانتهى ملكه إلى الفرات وتاخم الشام وعبر الفرات سنة ثمان وخمسين فملك البيرة ووجد بها السعيد أخا الناصر بن العزيز معتقلا فأطلقه ورده إلى عمله بالضبينة وبانياس ثم سار إلى حلب فحاصرها مدة ثم ملكها ومن عليه وأطلقه ووجد بها المعتقلين من البحرية مماليك الصالح أيوب الذين حبسهم الناصر وهم سنقر الأشقر وتنكز وغيرهما فأطلقهم وكان معهم أمير من أكابر القفجاق لحق به واستخدم له وجعله معه وولى على البلاد التي ملكها من الشام ثم جهز العساكر إلى دمشق وارتحل الناصر إلى مصر ورجع عنه الصالح بن الأشرف صاحب حمص إلى هلاكو فولاه دمشق وجعل نوابه بها لنظره وبلغ الناصر إلى هلاكو ثم استوحش الخليفة من قطز سلطان مصر لما كان بينهما من الفتنة فخرج إلى هلاكو فأقبل عليه واستشاره في انزال الكتائب بالشام فسهل له الأمر في عساكر مصر ورجع إلى رأيه في ذلك وترك نائبه كيبغا من أمراء التتر في خف من الجنود فبعث كيبغا إلى سلطان مصر وأساء رسله بمجلس السلطان في الخطاب بطلب الطاعة فقتلهم وسار إلى الشام فلقي كيبغا بعين جالوت فانهزمت عساكر التتر وقتل كيبغا أميرهم والسعيد صاحب الضبينة أخو الناصر كان حاضرا مع التتر فقبض عليه وقتل صبرا ثم بعث هلاكو العساكر إلى البيرة والسعيد بن لؤلؤ على حلب ومعه طائفة من العساكر فبعث بعضهم لمدافعة التتر فانهزموا وحنق الأمراء على السعيد بسبب ذلك وحبسوه وولوا عليهم حسام الدين الجوكندار وزحف التتر إلى حلب فأجفل عنها واجتمع مع صاحبها المنصور على حمص وزحفوا إلى التتر فهزموهم وسار التتر إلى أفامية فحاصروها وهابوا وراءها وارتحلوا إلى بلادهم وبلغ الخبر إلى هلاكو فقتل الناصر صاحب دمشق لإتهامه إياه فيما أشار به من الإستهانة بأهل مصر وكان هلاكو لما فتح الشام سنة ثمان وخمسين بلغه مهلك أخيه القان الأعظم منكوفان في مسيره إلى غزو بلاد الخطا فطمع في القانية وبادر لذلك فوجد أخاه قبلاي قد استقل فيها بعد حروب بدت بينه وبين أخيه أزبك تقدم ذكرها في أخبار القان الأعظم فشغل بذلك عن أمر الشام ثم لما يئس من القانية قنع بما حصل عنده من الأقاليم والأعمال ورجع إلى بلاده والأقاليم التي حصلت بيده إقليم خراسان كرسية نيسابور ومن مدنه طوس وهراة وترمذ وبلخ همذان ونهاوند وكنجة عراق العجم كرسيه أصبهان ومن مدنه قزوين وقم وقاشان وشهرزور وسجستان وطبرستان وطلان وبلاد الإسماعيلية عراق العرب كرسيه بغداد ومن مدنه الدينور والكوفة والبصرة أذربيجان وكرسيه توريز ومن مدنه حران وسلماس وقفجاق خوزستان كرسيها ششتر ومن مدنها الأهواز وغيرها فارس كرسيها شيراز ومن مدنها كش ونعمان ومحمل رزون والبحرين ديار بكر كرسيها الموصل ومن مدنها ميافارقين ونصيبين وسنجار واسعرد ودبيس وحران والرها وجزيرة ابن عمر بلاد الروم كرسيها قونية ومن مدنه ملطية وأقصرا وأورنكار وسيواس وإنطاكية والعلايا ثم أجلاه أحمد الحاكم خليفة مصر فزحف إلى بغداد وهذا الحاكم هو عم المستعصم لحق بمصر بعد الواقعة ومعه الصالح بن لؤلؤ بعد أن أزاله التتر من الموصل فنصب الظاهر بيبرس أحمد هذا في الخلافة سنة تسع وخمسين وبعثه لاسترجاع بغداد ومعه الصالح بن لؤلؤ على الموصل فلما أجازوا الفرات وقاربوا بغداد كبسهم التتر ما بين هيت وغانة فكبسوا الخليفة وفر ابن لؤلؤ وأخواه إلى الموصل فنازلهم التتر سبعة أشهر ثم اقتحموها عليهم عنوة وقتلوا الصالح وخشى الظاهر بيبرس غائلة هلاكو ثم إن بركة صاحب الشمال قد بعث إلى الظاهر سنة ستماية وسبعين بإسلامه فجعلها الظاهر وسيلة للوصلة معه والانجاد وأغراه بهلاكو لما بينهما من الفتنة فسار بركة لحربه وأخذ بحجزته عن الشام ثم بعث هلاكو عساكر التتر لحصار البيرة ومعه درباي من أكابر أمراء المغل وأردفه بإبنه أبغا وبعث الظاهر عساكره لإنجاد أهلها فلما أطلقوا على عسكر درباي وعاينهم أجفل وترك المخيم والآلة ولحق بابغا منهزما فاعتقله وسخطه ثم هلك هلاكو سنة ثنتين وستين لعشر سنين من ولايته العراق والله أعلم.
|