.ظافر بن جابر السكري:
هو أبو حكيم ظافر بن جابر بن منصور السكري، كان مسلمًا فاضلًا في الصناعة الطبية، متقنًا للعلوم الحكمية، متحليًا بالفضائل وعلم الأدب، محبًا للاشتغال والتضلع بالعلوم، وكان قد لقي أبا الفرج بن الطيب ببغداد، واجتمع به، واشتغل معه، وكان ظافر بن جابر قد عمر مثل أبيه، وكان موجودًا في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة وهو موصلي، وإنما انتقل من الموصل إلى مدينة حلب، وأقام بحلب إلى آخر عمره، ومن خلفه جماعة مشتغلين بصناعة الطب ومقامهم بحلب.ومن شعره:
ما زلت أعلم أولًا في أول ** حتى علمت بأنني لا علم ليومن العجائب أن أكون جاهلًا ** من حيث كوني أنني لا أجهلولظافر بن جابر من الكتب مقالة في أن الحيوان يموت مع أن الغذاء يخلف عوض ما يتحلل منه.
.موهوب بن الظافر:
هو أبو الفضل موهوب بن ظافر بن جابر بن منصور السكري، كان فاضلًا أيضًا في صناعة الطب، مشهورًا متميزًا وكان مقيمًا بمدينة حلب، ولموهوب بن ظافر من الكتب اختصار كتاب المسائل لحنين بن إسحق.
.جابر بن موهوب:
هو جابر بن موهوب بن ظافر بن جابر بن منصور السكري، كان أيضًا مشهورًا في صناعة الطب خبيرًا بها، وأقام بحلب.
.أبو الحكم:
هو الشيخ الأديب الحكيم أبو الحكم عبيد اللّه بن المظفر بن عبد اللّه الباهلي الأندلسي المربي، كان فاضلًا في العلوم الحكمية، متقنًا للصناعة الطبية، متعينًا في الأدب، مشهورًا بالشعر، وكان حسن النادرة، كثير المداعبة، محبًا للهو والخلاعة، وكثير من شعره يوجد مراثي في أقوام كانوا في زمانه أحياء، وإنما قصد بذلك اللعب والمجون، وكان محبًا للشراب مدمنًا له، ويعاني الخيال، وكان إذا طرب يخرج في الخيال ويغني له:
يا صياد النحلة جاك العمل ** قم اخرج من بكرة هات العسلوكان يعرف الموسيقا، ويلعب بالعود، ويجلس على دكان في جيرون للطب، ومسكنه في دار الحجارة باللبادين، وله مدائح كثيرة في بني الصوفي الذين كانوا رؤساء دمشق، والمتحكمين فيها، وذلك في أيام مجير الدين أبق بن محمد بن بوري بن أتابك طغتكين، وسافر أبو الحكم إلى بغداد والبصرة وعاد إلى دمشق، وأقام بها إلى حين وفاته، وتوفي رحمه اللّه لساعتين خلتا من ليلة الأربعاء سادس ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة بدمشق، وقال أبو الفضل بن الملحي، وكتب بها إلى أبي الحكم في أثناء كتاب كتبه إليه شاكرًا لفعله:
إذا ما جزى اللّه امرءًا بفعاله ** فجازى الأخ البر الحكيم أبا الحكمهو الفيلسوف الفرد والفاضل الذي ** أقر له بالحكمة العرب والعجميدبر تدبير المسيح مريضه فلو ** راءه أبقراط زلت به القدمفينتاشني من قبضة الدهر بعدما ** ألم بأنواع من الضر والألموبوأني من رأيه خير معقل ** فبرّأ من ضري وأبرا من السقموما زال يهديني إلى كل منهج ** بآراء مفضال له سنّها الكرميضيء سنا أفكارها فكأنها ** شموس جلا إشراقها حندس الظلموقام بأمري إذ تقاعد أسرتي ** مقام أبي في كرمتي أو مقام أموأنقض ظهري ما تحامل ثقله ** ووكل بي طرفًا إذا نمت لم ينموضم ولم يمنن لجسمي شفاءه ** فلولاه قد أصبحت لحمًا على وضمفأصبح سلمي الدهر بعد ** حروبه عليه سلام اللّه ما أورق السلموكان أبو الحكم يهاجي جماعة من الشعراء الذين كانوا في وقته ويهاجونه، وللعرقلة، وهو أبو الندى حسان بن نمير الكلبي، يهجو أبا الحكم:
لنا طبيب شاعر أشتر ** أراحنا من شخصه اللّهما عاد في صبحة يوم فتى ** إلا وفي باقيه رثاهوقال أيضًا فيه:
يا عين سحي بدمع ساكب ودم ** على الحكيم الذي يكنى أبا الحكمقد كان لا رحم الرحمن شيبته ** ولا سقى قبره من صيب الديمشيخًا يرى الصلوات الخمس نافلة ** ويستحل دم الحجاج في الحرمأقول وصف العرقلة لأبي الحكم في هجوه إياه بأنه أشتر العين له سبب، وهو أن أبا الحكم خرج ليلة وهو سكران من دار زين الملك أبي طالب بن الخياط فوقع فانشج وجهه، فلما أصبح زاره الناس يسألونه كيف وقع فكتب هذه الأبيات، وتركها عند رأسه فكان إذا سأله إنسان يعطيه الأبيات يقرؤها:
وقعت على رأسي وطارت عمامتي ** وضاع شِمَشْكي وانبطحت على الأرضوقمت وأسراب الدماء بلحيتي ** ووجهي وبعض الشر أهون من بعضقضى اللّه أني صرت في الحال ** هتكة ولا حيلة للمرء فيما به يقضيولا خير في قصف ولا في لذاذة ** إذا لم يكن سكر إلى مثل ذا يفضيوأخذ المرآة فرأى الجرح في وجهه غائرًا تحت الجفن بعد وقعته فقال:
رك النبيذ بوجنت ** جرحًا ككس النعجةووقعت منبطحًا ** على وجهي وطارت عمتيوبقيت منهتكًا فلو ** لا الليل بانت سوءتيوعلمت أن جميع ** ذلك من تمام اللذةمن لي بأخرى مثل ** تلك ولو بحلق اللحيةومن شعر أبي الحكم، وديوان شعره هو روايتي عن الشيخ شمس الدين أبي الفضل المطواع الكحال، عن الحكيم أمين الدين أبي زكريا يحيى البياسي، عن أبي المجد، عن والده أبي الحكم المذكور، قال يمدح الرئيس مؤيد الدين أبا الفوارس بن الصوفي:
رقت لما بي إذا رأت أوصابي ** وشكت فقصر وجدها عما بيما ضر يا ذات اللما الممنوع لو ** ذاويت حر جوى ببرد رضابمن هائم في حبكم متقنع ** بمرار طيف أو برد جوابأن تسعفي بالقرب منك فإنما ** تحيين نفسًا آذنت بذهابلا تنكري إن بان صبري بعدكم ** واعتادني ولهي لعظم مصابيفالصبر في كل المواطن دائمًا ** مستحسن إلا عن الأحبابهيهات أن يصفو الهوى لمتيم ** لا بد من شهد هناك وصابما لي وللحدق المراض تذيبني ** أترى لحيني وكلت بعذابيوكذا العيون النجل قدمًا لم تزل ** من شأنها الفتكات بالألبابما لي وحظي لا يني متباعدًا ** أدعو فلا أنفك غير مجابلولا رجاء أبي الفوارس لم أزل ** ما بين ظفر للخطوب ونابدعني أخبر بعض ما قد حاز من ** شرف وإن أعيا ذوي الإسهابفلقد غدا فرضًا مديح مؤيد الدين ** الهمام على ذوي الآدابمن قيس عيلان نمته هوازن ** وسليم البادون في الأعرابوالبيت من أبناء صعصعة سما ** بنيانه في جعفر بن كلابوبنو ربيعة إن نسبت وخالد ** منهم عوف في ذوي الأنسابمنهم لبيد والطفيل وعامر ** وأبو براء هازم الأحزابورث العلا منهم بنو الصوفي ** إذ قرنوا الأيادي الغر في الأحسابوحوى المسيب ما به افتخروا ** كما حازت فذلك جمع كل حسابفي ذروة الشرف الرفيع سما ** به مجد قديم من صميم لبابوأحل أندية المكارم ناشئًا ** فسما على القرناء والأضرابما مفعم لجب طمى آذيه ** وأمده منهلّ صوب سحاببأعم سيبًا من نوال بنانه ** أو مزبد ذو زخرة وعبابلليث صولته على أعدائه ** بل دونه إن صال ليث الغابوله إلى أشيائه وعداته ** يومان يوم ندى ويوم ضرابيا دولة عبق الندى والجود ** في أرجائها من فتية أنجاببشجاعها وجمالها وبعزها ** وبزينها تبقى على الأحقابحسبي بما نسبوا إليه وإن غدت ** أسماؤهم تغني عن الألقابأكرم بهم عربًا إذ افتخر الورى ** جاؤوا بخير أرومة ونصابشادوا العلا بندى وعز باذخ ** ومشارع للمعتفين عذابقوم ترى لذوي النفاق لديهم ** ذل العبيد لسطوة الأربابيا أيها المولى الذي نعماؤه ** مبذولة للطارق المتنابإني لأعلم أن برك بي غدا ** لسعادتي من أوكد الأسبابوتيقنت نفسي هناك بأنني ** سأرود من نعماك خير جنابلا زلت ترقى في المكارم دائمًا ** ما لاح برق في خلال سحابوقال أيضًا: يمدح الرئيس جمال الدولة أبا الغنائم أخا الممدوح:
سواء علينا هجرها ووصالها ** إذا نكثت يومًا ورثت حبالهاوما برحت ليلى تجود بوعدها ** ويمنع منا بذلها ونوالهاويطمعنا ميعادها في دنوها ** ولا وصل إلا أن يزور خيالهاأما منك إلا عذرة وتعلل لطال ** علينا عذرها واعتلالهاسقام بجسمي من جفونك أصله ** وقوة عشق نقص جسمي كمالهافإن تسعفي صبًا يكن لك أجره ** بقربك يا من شف جسمي زيالهاوما ذكرتك النفس إلا تفرقت ** وعاودها من بعد هدي ضلالهاوما برحت تعتادني زفرة إذا ** طمعت لها بالبرء راث اندمالهاومن عبرات لا يني الدهر كلما ** دعا للهوى داع أجاب أنا لهاتصدى الكرى عن مقلتيّ فتنثني ** دموع على الخدين يهمي انسجالهاوكيف يؤاتي النوم أو يطرق ** الكرى جفونًا بماء المقلتين اكتحالهاإذ قلت أنساها على نأي دارها ** تصور في عيني وقلبي مثالهاودويّة تردي المطايا تنوفة ** يحار القطا فيها إذا خب آلهاقطعت بفتلاء الذراعين عرمس ** أمون قواها غير باد كلالهاتؤم بنا ربع المسلم حيث لا ** يخيب لها سعي وينعم بالهاولولا جمال الملك ما جئتها ** ولا ترامت صحاريها بنا ورمالهاإلى أسرة لا يجهل الناس ** قدرها ويحمد بين العالمين فعالهاإذا أشكلت دهماء فالرأي ** رأيها وإن راب خطب فالمقال مقالهاأو اضطرمت نار الوغى ** بكماتها وطال عليهم حميها واشتعالهاترى لهم بأسًا يقصر دونه ** أسود الشرى قدامها ونزالهابأيديهم خطية يَزَنيَّة تساقي ** بأكواب المنايا نهالهاوبيض تقد الدارعين صوارم ** رهاف جلا الأطباع منها صقالهاوهم يطعمون الضيف من قمع ** الذرى إذا ناوحت نكباء ريح شمالهافما لبني الصوفي في الناس مشبه ** ذوي البأس والأيدي المهاب مصالهاسما لهم مجد قديم ورفعة شديد ** عراها لا يخاف انحلالهابني جعفر في العرب خير قبيلة ** سما في نزار فخرها واختيالهاتقابل فيهم من سليم ذؤابة كما ** قابلت يمنى اليدين شمالهاأيا ابن علي حزت أرفع رتبة إذا ** رامها من رامها لا ينالهابك الدولة الغراء تزهى على الورى ** وحق لها إذ أنت فيها جمالهاولو أنها أمست سناء ورفعة ** سماء علينا كنت أنت هلالهاإذا ما ذوو الشحناء أموك خيبوا ** وعاد عليهم بعد ذاك وبالهاسأظفر من دهري بأرغد عيشة ** بنعماك إن فاءت علي ظلالهافما لذوي الحاجات عنك تأخر ** لأنك عم المكرمات وخالهافدونكها كالدر لا مستعارة فينكر ** منها ضعفها واختلالهاولكن نتاج الفكر عذراء حسنها ** يروق إذا شان القوافي انتحالهافلا نعمة إلا ومنك نواله ** ولا مدحة إلا إليك مآلهاوقال يمدح عز الدولة أخا مؤيد الدين:
دعا بك داعي الهوى فاستجب ** وقصر عتابك عمن عتبفما العيش إن غيض ماء الشباب ** ولم يقض من طرفيه أربوباكر معتقة زانها ** مرور الليالي بها والحقبكأن على كأسها لؤلؤًا ** إذا ما استدار عليها الحببيطوف بها بابلي اللحاظ ** لذيذ المقبل عذب الشنبيقول الذي راقه حسنها ** أذي الخمر من خده تجتلبوإلا فمن أين ذا الاحمرار ** وهذا الصفاء لبنت العنببنات الكروم حياة الكروم ** وموت الهموم محيا الطربفقل للذي همه أن يرى ** كريمًا ينفس عنه الكربأكل امرئ يرتجي سيبه ** رويدك ما الناس فخر العربجواد إذا أنت وفيته ** أمنت به حادثات النوبفقد شاع من ذكره في الأنام ** سوى ما ضمن طي الكتبثناء تأرج منه البلاد ** وذكر فلولاه لم يغتربعفاف وحلم إلى سؤدد ** وفخر بآباء صدق نُجبوفضل وبشر وجود يرا ** هـ فرضًا على نفسه قد وجبفمن قاسه بفتى عصره ** فقد قايس الدر بالمختلبومن قال إن امرءًا غيره ** حوى بعض ما حازه قد كذبوليس الذي فخره تالد ** كمن فخره طارف مكتسبتفاخر قيس به خندفًا ** وتعطيه منها أجل الرتبولا سيما إن غدا فيهم ** وسيطًا بأكرم أم وأبمن الجعفريين في باذخ ** من العز تنحط عنه الشهبوعبدك يرغب في خلعة ** ومثلك تشريفه يحتسبليرفع ذلك من قدره ** وإن كان قارب فيما طلبويشحذ خاطره كلما ** اشرأب إلي مدحكم وانتدبفلي كلما ظفرت راحتي ** بجود المظفر أوفى أربففي كل دولة أنت عز لها ** تنال الأماني بأدنى سببلأنك من معشر من يرد ** حياض مكارمهم لم يخبوأعراضهم أبدًا لم تزل ** تصاب وأموالهم تنتهبهنيئًا لك العيد فانعم به ** ودم ما بدا كوكب واحتجبوما العيد أنت إذا ما حضرت ** سواء علينا نأى أو قربوإن غيب الغيم عنا الهلال ** فلسنا نبالي إذا لم تغبفدونكها حرة تجتلى ** يناديك قائلها من كثبأتاك بها إثر تهذيبها ** حكيم تنخلها وانتخبولا خير في حكمة لا ترى ** مطرزة بفنون الأدبومن مطبوع قصائده الأرجوزة التي وسمها بمعرة البيت، يذكر فيها ما ينال الإنسان إذا عمل دعوة للندماء من المضرة والغرامة وهي هذه:
معرة البيت على الإنسان ** تطرا بلا شك من الإخوانفاصغ إلى قول أخي تجريب ** يأتك بالشرح على ترتيبجميع ما يحدث في الدعوات ** وكل ما فيها من الآفاتفصاحب الدعوة والمسره ** لا بد أن يحتمل المضرهأولها لا بد من ثقيل ** يكرهه القوم وذي تطفيلصاحبها إن قدم الطعاما ** يحتاج أن يحتمل الملامالو أنه يندس في حرمه ** لا بد أن يشرعوا في ذمهيقول بعض عازه أبزار ** وبعضهم حافت عليه الناروآخر هذا قليل الملح ** يظهر أني فطن ذو نصحينهب ما بين يديه نهبا ** ويشرب الماء القراح العذبايرى له في ذلك انتفاعًا ** وبعد ذلك يطلب الفقاعابالثلج في الصيف وفي الشتاء ** يلتمس النار بلا استحياءوإن يعزهم أثر ذا خلال ** قد نسلوا الحصر ولم يبالواوبعد هذا يحضر النبيذ ** الطيب المنتخب اللذيذفواحد يقول هذا خل ** وآخر ذا قافز معتلوثم من يسأل عن راووق ** يقول لا بد من التصفيقوعند هذا تحضر البواطي ** ويمزج النبيذ باحتياطفواحد يقول هذا صرف ** ويقلب الماء ولا يكفوآخر يقول ذا ممعود ** فاجتنبوا الماء ولا تعودواوالنقل لا بد مع المشموم ** فغير مهجو ولا مسؤومفذا له في نقله اختيار ** يروقه الريحان والخياروذا يقول الورد والتفاح ** أحسن ما دارت عليه الراحوإن خشيت حجة المغاني ** وخوفهم من ضامن القيانعجل وقشقل لهم الدينارا ** في الحال إن كنت تخاف العاراوربما قد حان منهم شطحه ** تعيش إن تنعموا بالصبحهوإن دعوت القوم في كانون ** لا بد من فحم على كانونيطير منه أبدًا شرار ** يثبت في البسط لها آثارويصبح البساط بعد الجده ** منقطعًا كشبه جلد الفهدهفضلًا عن الكباب والشرائح ** لكل غاد منهم ورائحواعزل لهم عند انقضاء البرد ** مراوحًا من بعد ماء الوردوللندامى أبدًا فنون ** يظهرها الخمر فتستبينمنعمًا جشعًا له بالمضغ ** وليس فيهم من إليه يصغيويمسك الدور وينسى نفسه ** قد غيب الأدبار عنه حسهومنهم من يزن الكلاما ** تراؤسًا ويظهر الإعظاماومنهم من يظهر الوضاعه ** تعمدًا كي تضحك الجماعهومنهم من سكره قبيح ** لا يأخذ الدور ولا يروحوثم من يدخل وقت السكر ** صاح ويحصي هفوات الخمرومنهم من في يديه خفه ** إذا رأى شيئًا مليحًا لفهمنيدلا للكم أو سكِّينة ** أو طاسة التكعيب أو قنينةوبعضهم موكل بقلع ** سلاسل تسيل فوق الشمعيوهم أن يكسو بها فتيله ** وإنما ذلك منه حيلهولا تقل في الغمز والإيماء ** إذا مضى القوم لبيت الماءفإن لقوا جارية أو عبدا ** قد قرصوا نهدًا وعضوا خداوربما تطرق الفساد ** وكان من عرس الفتى انقيادأو أخته أو بنته أو ابنه ** لاسيما إن راقهم بحسنهوعندها قد تسمح النفوس ** ويطمع النديم والجليسفإنما الإنسان من لحم ودم ** ليس بصخر جامد ولا صنموإن يكن فيهم أبو تلور ** فغير مأمون ولا معذوريأكل ما يلقاه أكلًا لما ** بلا اكتراث أو يجيد اللقمالا يشرب الراح مع الندامى ** لأنه لا يوثر المداماوإن تقع عربدة هناكا ** فليس يشقى فيهم سواكاتنكسر الأقداح والقناني ** وكلما لاح من الأوانيوإن تأدى الأمر للجيران ** رموه بالزور والبهتانثم شكوه عاجلًا للشحنة ** وربما تمت عليه محنةويربح الإنسان سوء السمعة ** لا سيما إن كان ليل جمعةوإن فشت بينهم جراح ** فليس يرجى للفتى صلاحوإن تردى بينهم قتيل ** فذاك شيء أرشه قليلوشربهم إن كان في عِلِّية ** فإنه يقرّب المنيةولا تكن تنسى أذى الندمان ** والقيء فوق البسط في الأحيانوبعده يلتمس الطعاما ** ليوصل الشرب مع النداماولا الذي يلقى من النقار ** إذا انتبهت وقت كنس الدارمن ربة البيت إذا ما نامت ** وخلفها الصعب إذا ما قامتتذكره عند طلوع الشمس ** بكل ما دار له بالأمسهذا إذا راحوا فإن أقاموا ** واقتصدوا الصبوح ثم ناموافكيف ترجو بعد ذا فلاحا ** إذا بدا الصبح لها ولاحالوح على القوم بخندريس ** في أثر الجردق والرؤوسواستغن عن بعض أثاث الدار ** إن صار رهنًا في يد الخماروإن تضع بعض نعال يوم ** فليس تخلو عاجلًا من لومفوص أن يحفظها الغلام ** لكي يقل منهم الملامولا تبال ويك بالخسارة ** وأكثر السرج على المنارةومن أراد منهم الرواحا ** فإنه يستلب المصباحامستصحبًا في يده قرابة ** مملوءة يرضى بها أصحابهولا تفكر في فراغ الزيت ** فكل هذا من خراب البيتفصاحب الدعوة في خسران ** لاسيما إن لُز بالميزانوصاحب الوقت بغير شرب ** أحق مخلوق بصقع الجربيدل ما يلزمه من غرم ** إن الفتى لا شك دقن سرموكان من ذا كله غنيًّا ** لو كان شهمًا فطنًا ذكياًمعرة ما مثلها معرة ** تنحس من يُصْلى بها في كرةفالشرب عندي في بيوت الناس ** أحسن من هذا على القياسوبعد هذا كله فالتوبة ** أوفق ما دارت عليه النوبةوقال في البصرة سنة إحدى وعشرين وخمسائة:
أقول وقد أشرفت من نهر معقل ** على البصرة الغراء حييت من مصرأيا حبذا ساحاتها ورسومها ** وطيب رباها لا عرين من القطرفكم فيك من يوم لهوت وليلة ** رأيت لها وجهًا ينوب عن البدروقال لغزًا في عبد الكريم:
بمهجتي يا صاح أفدي الذي ** تيمني تفتير عينيهصرت له ثلث اسمه طائعًا ** وهو بوصلي ضد ثلثيهكأنما وجنته إذا بدت ** أنجم خيلان بخديههلال تم والثريا له ** مقلوب ما يشبه صدغيهوقال أيضًا: لغزًا في اسم شفتر وهو لقب لأبي المعالي السلمي الشاعر:
غزال من بني الأصفر ** سباني طرفه الأحورلقد فضله اللّه ** بحسن الدل والمنظربحق الشفع والوتر ** وما قد ضمنا كوثرفهذا اسم قضى الرحمن ** أن يلغز أو يستروقال يهجو الطبيب المفشكل اليهودي على سبيل المرثية:
ألا عد عن ذكرى حبيب ومنزل ** وعرِّج على قبر الطبيب المفشكلفيا رحمة اللَّه استهيني بقبره ** وكوني عن الشيخ الوضيع بمعزلويا منكرًا جود هديت قذاله ** بمقنعة وأسقله سقل السجنجلوكبكبه في قعر الجحيم بوجبة ** كجلمود صخر حطه السيل من علفلا زال وكاف تزجيه ديمة ** عليه بمنهل من السلح مسبللقد حاز ذاك اللحد أخبث جيفة ** وأوضع ميت بين ترب وجندلسأسبل من بطني عليه مدامعي ** وأورده من مائها شر منهللعل أبا عمران حن لشخصه ** وقال له أسرع إلي وعجلفما ضم بطن الأرض أنجس منهما ** وأنذل من رهط الغوي السموألوقال يهجو الأديب نصير الحلبي أيضًا على سبيل المرثية، وكان نصير قد اشتغل بالكتابة وتعرض للشعر والطب والنجوم:
يا هذه قومي اندبي ** مات نصير الحلبييرحمه اللّه لقد ** كان طويل الذنبقد ضجت الأموات في ** نكهته في التربوودهم لو عوضوا ** منه بلب أجربوالقوم بين صارخ ** وممعن في الهربومنكر يقول ذا ** أوضع ميت مربيما ضم بطن الأرض ** بين شرقها والمغربأخبث منه طينة ** في عجمها والعربيا قوم ما أنجسه ** نصبًا على التعجبأوصافه من فحشه ** مسطورة في الكتبوقوله لمنكر ** أسرف يا معذبيأما علمت أنني ** شيخ لأهل الأدبوالنحو والحكمة ** والمنطق والتطببوقال يهجو ملك النحاة:
لقد هب من باذهنك الورك ** نسيم على عارضي ذا الملكوأقبل سيل على أثره ** فصار على وجهه مرتبككما درج الماء مر الصبا ** ودبج أفق السماء الحبكوقال يهجو أبا الوحش الشاعر:
إذا رمت أن أهجو أبا الوحش عاقني ** خلائق لؤم عنه لا تتزحزحتجاوز حد الذم حتى كأنه ** بأقبح ما يهجى به المرء يمدحوقال يهجوه أيضاً:
إن دام في غيه وحيش ** ولم يدع فكه وظلمهسلقت آذانه بعنز ** قد أكلوا في الحجاز لحمهوقال أيضًا:
إذا عنيت بمحموم نظمت له ** بيتًا فإن زاد شيئًا عاد مفلوجافقل لقوم رأوا طبي لهم فرجًا ** ليهنهم أن غدا بالشعر ممزوجايفرح الهم عن أحشاء ذي حرق ** مضنى ويطعمه في الحال فروجاوقال في الشجاعة:
أرى الحرب تكسبني نجدة ** إذا خامر القلب تذكارهافإن أنا في النوم أبصرتها ** تبين في الفرش آثارهاوقال في قصيدته التي سماها ذات المناقب:
ومعشر قد جعلوني قدوة ** يرونني فيما أعاني أوحداتركت أعمارهم إذ ركنوا ** إلي في الطب كأعمار الجداوقال أيضًا:
سأظهر في إصلاح شأني تغافلًا ** ليعذرني من ظن أني ذو جهلوأهزل مهما قلت شعرًا فإن بدت ** به ركة يومًا أحلت على الهزلوقال أيضًا:
وطارق ليل أمّني بعد هجعة ** فمتعت جنبيه بعجزاء من سلمفلو سمعت أذناك تحتي عواءه ** لقلت ابن آوى عج في حندس الظلموقلت له لولا شقاؤك لم تسر ** بليل ولم تحلل بربع أبي الحكموقال لما أدركته الوفاة في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة:
يا لهف نفسي إذا أدرجت في الكفن ** وغيبوني عن الأهلين والوطنوقيل لا يبعدن من كان ينشدنا ** أنا الذي نظر الأعمى فلم يرنيثم أنشد يوم الثلاثاء قبل وفاته وأمر ولده أبا المجد أن يرويها بعد موته عنه:
ندمت على موتي وما كان من أمري ** فيما ليت شعري من يرثيكم بعديوإني لأختار الرجوع لو أنني ** أرد ولكن لا سبيل إلى الردولو كنت أدري أنني غير راجع ** لما كنت قد أسرعت سيرًا إلى اللحدألا هل من الموت المفرق من بد ** وهل لزمان قد تسلف من ردمضى الأهل والأحباب عني وودعوا ** وغودرت في دهماء موحشة وحديلبعض على بعض لديكم مزية ** ولا يعرف المولى لدينا من العبدلئن كنت قد أفرحتكم بمنيتي ** وسركم موتي وآنسكم فقديفدقيوس تلميذي عليكم خليفتي ** رضيت به في الهزل بعدي وفي الجدفها أنا قد وليته الأمر فاعلموا ** وعما قليل سوف أسكنه عنديولا تقنطوا من رحمة اللَّه بعد ذا ** فليس لنا من رحمة اللّه من بدوأبي الحكم من الكتب ديوان شعره، وسمي ديوانه هذا نهج الوضاعة.