فصل: تفسير الآية رقم (108):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (107):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [107].
{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} المراد برحمة الله: الجنة، عبر عنها بالرحمة تنبيهاً على أن المؤمن وإن استغرق عمره في طاعة الله تعالى فإنه لا يدخل الجنة إلا برحمته تعالى.

.تفسير الآية رقم (108):

القول في تأويل قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} [108].
{تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} الإشارة إلى ما تقدم من الوعد والوعيد: {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} أي: لا يشاء أن يظلم عباده، فيأخذ أحداً بغير جرم، أو يزيد في عقاب مجرم، أو ينقص من ثواب محسن. قال الرازي: إنما حسن ذكر الظلم ههنا، لأنه تقدم ذكر العقوبة الشديدة، وهو سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين فكأنه تعالى يعتذر عن ذلك، وقال: إنهم ما وقعوا فيه إلا لسبب أفعالهم المنكرة، وكل ذلك مما يشعر بأن جانب الرحمة مغلب. وقال أبو السعود: وفي سبك الجملة نوع إيماء إلى التعريض بأن الكفرة هم الظالمون، ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد، كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44].

.تفسير الآية رقم (109):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [109].
{وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} أي: له تعالى وحده، من غير شركة ما فيهما من المخلوقات ملكاً وخلقاً، وإحياء وإماتة، وإثابة وتعذيباً: {وَإِلَى اللّهِ} أي: إلى حكمه وقضائه: {تُرْجَعُ الأُمُورُ} أي: أمورهم فيجازي كلاً منهم بما وعده وأوعده، فلا داعي له إلى الظلم؟ لأنه غني عن كل شيء، وقادر على كل شيء.

.تفسير الآية رقم (110):

القول في تأويل قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [110].
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} كلام مستأنف سيق لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإتفاق على الحق، والدعوة إلى الخير، و{كُنتُمْ} من كان التامة، والمعنى: وجدتم وخلقتم خير أمة، أو الناقصة والمعنى كنتم في علم الله خير أمة، أو في الأمم الذين كانوا قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة و{أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} صفة لأمة، واللام متعلقة بـ: {أُخْرِجَتْ} أي: أظهرت لهم حتى تميزت وعرفت، وفصل بينها وبين غيرها. ثم بين وجه الخيرية بما لم يحصل مجموعه لغيرهم بقوله: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} فبهذه الصفات فضلوا على غيرهم ممن قال تعالى فيهم: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79] {وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النساء: 150] قال أبو السعود: {وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} أي: إيماناً متعلقاً بكل ما يجب أن يؤمن به من رسول وكتاب، وحساب وجزاء. وإنما لم يصرح به تفصيلاً لظهور أنه الذي يؤمن به المؤمنون، وللإيذان بأنه هو الإيمان بالله تعالى حقيقة، وأن ما خلا عن شيء من ذلك كإيمان أهل الكتاب ليس من الإيمان به تعالى من شيء. قال تعالى: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} [النساء: 150- 151] وإنما أخر ذلك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع تقدمه عليهما وجوداً ورتبة، لأن دلالتهما على خيريتهم للناس أظهر من دلالته عليها وليقترن به ما بعده- انتهى-.
روى ابن جرير أن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه رأى من الناس رِعَةً، فقرأ هذه الآية: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ثم قال: من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤدّ شرط الله فيها. ونظير هذه الآية قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} أي: خياراً: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143]، أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد روي في معنى الآية عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وافرة، منها ما أخرجه الإمام أحمد والترمذي والحاكم عن معاوية بن حيدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل». قال ابن كثير: وهو حديث مشهور، وقد حسنه الترمذي، ويروى من حديث معاذ بن جبل وأبي سعيد ونحوه. وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه أشرف خلق الله، وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم، لم يعطه نبي قبله، ولا رسول من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه. وقد ذكر الحافظ ابن كثير هاهنا حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وساق طرقه ومخرجيه فأجاد رحمه الله تعالى.
{وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ} أي: بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: {لَكَانَ خَيْراً لَّهُم} أي: مما هم عليه، إشارة إلى تسفيه أحلامهم في وقوفهم مع ما منعهم عن الإيمان من العوض القليل الفاني والرياسة التافهة، وتركهم الغنى الدائم، والعز الباهر. ولما كان هذا ربما أوهم أنه لم يؤمن منهم أحد قال مستأنفاً: {مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ} أي: بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ولكنهم قليل: {وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} ولما كانت مخالفة الأكثر قاصمة، خفف سبحانه عن أوليائه بقوله:

.تفسير الآية رقم (111):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} [111].
{لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} أي: بألسنتهم لا يبالي به من طعن وتهديد: {وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ} أي: يوماً من الأيام: {يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ} يعني منهزمين مخذولين: {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} يعني لا يكون لهم النصر عليكم، بل تنصرون عليهم. وقد صدق الله، ومن أصدق من الله قيلاً؟ لم يقاتلوا في موطن إلا كانوا كذلك. قال ابن كثير: فإنهم يوم خيبر أذلهم الله، وأرغم أنوفهم، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة: بني قيقناع، وبني النضير، وبني قريظة، كلهم أذلّهم الله. وكذلك النصارى بالشام، كسرهم الصحابة في غير ما موطن وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين. ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم، وهم كذلك، ويحكم بملة الإسلام، وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام.
لطائف:
قال الزمخشري: فإن قلت: هلا جزم المعطوف في قوله: {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}؟
قلت: عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء، كأنه قيل: ثم أخبركم أنهم لا ينصرون.
فإن قلت: فأي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى؟
قلت: لو جزم لكان نفي النصر مقيداً بمقاتلتهم، كتولية الأدبار، وحين رفع كان نفي النصر وعداً مطلقاً كأنه قال: ثم شأنهم وقصتهم التي أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منتفٍ عنهم النصر والقوة لا ينهضون بعدها بجناح، ولا يستقيم لهم أمر، وكان كما أخبر من حال بني قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر.
فإن قلت: فما الذي عطف عليه هذا الخبر؟
قلت: جملة الشرط والجزاء. كأنه قيل: أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا، ثم أخبركم أنهم لا ينصرون.
فإن قلت: فما معنى التراخي في ثم؟
قلت: التراخي في المرتبة، لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار.
قال الناصر بن المنير: وهذا من الترقي في الوعد عما هو أدنى إلى ما هو أعلى، لأنهم وعدوا بتولية عدوهم الأدبار عند المقابلة، ثم ترقى الوعد إلى ما هو أتم في النجاح من أن هؤلاء لا ينصرون مطلقاً، ويزيد هذا الترقي بدخول ثم دون الواو. فإنها تستعار هاهنا للتراخي في الرتبة لا في الوجود، كأنه قال: ثم هاهنا ما هو أعلى في الامتنان، وأسمح في رتب الإحسان، وهو أن هؤلاء قوم لا ينصرون البتة- والله أعلم-.

.تفسير الآية رقم (112):

القول في تأويل قوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [112].
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} أي: أحيط بهم الهوان والصغار كما يحيط البيت المضروب بساكنه أينما وجدوا، وقوله: {إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ} في محل النصب على الحال بتقدير: إلا معتصمين أو متمسكين أو ملتبسين بحبل من الله، وهو استثناء من أعم عام الأحوال، والمعنى: ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال، إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس، يعني: ذمة الله وذمة المسلمين، أي: لا عز لهم قط إلا هذه الواحدة وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوه من الجزية. كذا في الكشاف {وَبَاؤوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ} أي: استوجبوه: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} أي: الفقر، ليكونوا بهذه الأوصاف أعرق شيء في الذل: {ذَلِكَ} أي: ضربت المسكنة والذلة والغضب: {بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ} أي: استكباراً وعتواً: {وَيَقْتُلُونَ الأنبياء} أي: الآتين من عند الله حقاً. ولما كانوا معصومين ديناً ودنياً قال: {بِغَيْرِ حَقٍّ} أي: يبيح القتل: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} أي: ضرب الذلة والمسكنة في الدنيا واستيجاب الغضب في الآخرة، كما هو معلل بكفرهم وقتلهم الأنبياء، فهو مسبب عن عصيانهم واعتدائهم حدود الله تعالى. وقيل: ذلك إشارة إلى علة العلة، وهو الكفر والقتل، أي: حصلا منهم بسبب عصيانهم واعتدائهم، فإن الإقدام على المعاصي، والاستهانة بمجاوزة الحدود يهوّن الكفر. قال الأصفهاني: قال أرباب المعاملات: من ابتلي بترك الآداب، وقع في ترك السنن. ومن ابتلي بترك السنن، وقع في ترك الفرائض، ومن ابتلي بترك الفرائض، وقع في استحقار الشرعية، ومن ابتلي بذلك، وقع في الكفر.
قال برهان الدين البقاعي رحمه الله تعالى: والآية دليل على مؤاخذة الابن الراضي بذنب الأب وإن علا. وذلك طبق ما رأيته في ترجمة التوراة التي بين أيديهم، لأنه قال في السفر الثاني: وقال الله جميع هذه الآيات كلها أنا الرب إلهك الذي أصعدتك من أرض مصر من العبودية والرق ولا يكون لك آلهة، لا تعلمن شيئاً من الأصنام والتماثيل التي مما في السماء فوق، وفي الأرض من تحت، ومما في الماء أسفل الأرض، لا تسجدن لها ولا تعبدنها؛ لأني أنا الرب إلهك غيور آخذ الأبناء بذنوب الآباء إلى ثلاثة أحقاب وأربعة خلوف وأثبت النعمة إلى ألف حقب لأحباري وحافظي وصاياي- انتهى-.

.تفسير الآية رقم (113):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [113].
{لَيْسُواْ سَوَاء} جملة مستأنفة سيقت تمهيداً للثناء على من أقبل على الحق من أهل الكتاب، وخلع الباطل ولم يراع سلفاً ولا خلفاً، وتذكيراً لقوله تعالى: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ} أي: ليس أهل الكتاب متساوين ومتشاركين في المساوئ، ثم استأنف قوله بياناً لعدم استوائهم: {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}.
في قوله تعالى: {قَائمَةٌ} وجوه:
الأول: أنها قائمة في الصلاة، وعبّر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان: 64]. وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل: 20]. وقوله: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2]. وقوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
والثاني: أنها ثابتة على التمسك بالدين الحق، ملازمة له، غير مضطربة في التمسك به، كقوله: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} [آل عِمْرَان: 75] أي: ملازماً للاقتضاء، ثابتاً على المطالبة. ومنه قوله تعالى: {قَائِماً بِالْقِسْطِ} [آل عِمْرَان: 18].
الثالث: أنها مستقيمة عادلة من قولك: أقمت العود فقام، بمعنى استقام، والآناء: الأوقات، واحدها إنا مثل معى وأمعاء وإني مثل نِحْي وأنحاء وقوله تعالى: {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} جملة مستقلة مستأنفة، ولست حالاً من فاعل: {يَتْلُونَ} لما صح في السنة من النهي عن التلاوة في السجود، وذلك فيما رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم». فمعنى الآية أنهم يقومون تارة ويسجدون أخرى، يبتغون الفضل والرحمة كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان: 64]. وقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 7]. ويحتمل أن يكون المعنى: وهم يصلون، والصلاة تسمى سجوداً وسجدة كما تسمى ركوعاً وركعة وتسبيحاً وتسبيحة. وعليه فالجملة يجوز فيها الوجهان، وتكرير الإسناد لتقوية الحكم وتأكيده. ثم وصفهم تعالى بصفات أخر، مبينة لمباينتهم اليهود من جهة أخرى، بقوله:

.تفسير الآية رقم (114):

القول في تأويل قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [114].
{يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} أي: على الوجه الذي نطق به الشرع. وظاهر أن الإيمان بالله يستلزم الإيمان بجميع أنبيائه ورسله. والإيمان باليوم الآخر يستلزم الحذر من المعاصي، وهؤلاء اليهود ينكرون أنبياء الله، ولا يحترزون عن معاصي الله، فلم يحصل لهم الإيمان بالمبدأ والمعاد: {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} تعريض بمداهنة اليهود في الاحتساب، بل بتعكيسهم في الأمر بإضلال الناس وصدهم عن سبيل الله، فإنه أمر بالمنكر ونهي عن المعروف، وقوله تعالى: {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} صفة أخرى جامعة لفنون المحاسن المتعلقة بالنفس وبالغير. والمسارعة في الخير فرط الرغبة فيه. وفيه تعريض بتباطؤ اليهود فيها، بل بمبادرتهم إلى الشرور: {وَأُوْلَئِكَ} أي: المنعوتون بتلك الصفات الفاضلة: {مِنَ الصَّالِحِينَ} أي: من عداد من صلحت أحوالهم عند الله تعالى واستحقوا رضاه، والوصف بالصلاح دال على أكمل الدرجات. فهو غاية المدح، ولذا وصفت به الأنبياء في التنزيل: